زوجة أخرى .. وحب يتيم
16/6/2005
شارك في التحقيق:
الزواج سنة من سنن الله في خلقه أوجبه الله –تعالى- للمحافظة على النسل والنفس
وتكوين الأسر والمجتمعات، وهو أيضاً من أهم عوامل الاستقرار النفسي والاجتماعي
والبناء الحضاري؛ فكانت الزوجة الأولى والثانية وحتى الرابعة في الدين الإسلامي
الحنيف لحل الكثير من المشاكل الاجتماعية، وإذا كان أسلافنا قد تجاوزوا هذا
الإشكال، وأخذوه بكل معانيه السامية فإنه -في وقتنا الحالي- لا يزال حبر الكثير
من المنظرين يسيل بين القبول و الرفض متجاهلين
بذلك الواقع المعيش، فمتى ولماذا يضطر الزوج للزواج بأخرى؟ وهل دائماً تكون الزوجة هي المظلومة في هذا الموقف؟ ألا يمكن أن تتحقق السعادة في ظل وجود الزوجة الأخرى؟ وهل يحقّ للزوج التلويح بالزواج بأخرى تهديداً لزوجته فيما يخالف هواه؟ ثم أخيراً ما هو الموقف الشرعي والنفسي من هذا الزواج؟ وما مدى قبول هذه القضية في المجتمع؟ للاطّلاع على مختلف الآراء كان لنا هذا التحقيق.
عدم الإنجاب هو السبب
السيدة فضيلة (من الجزائر) تقول: إن السبب الذي من أجله تزوّج زوجها بأخرى هو عدم قدرتها على الإنجاب، وقد قامت هي بإقناع زوجها بذلك خاصة بعد كبرها في السن، بل وتوضح لنا السيدة فضيلة أنها هي التي قامت بنفسها بخطبة المرأة الثانية؛ قائلة: أنه لا يمكن لها أن تحرم زوجها من الأولاد خاصة وأنه كان طيباً معها، ويعاملها معاملة حسنة.
الزوج الطائش
السيدة لبنى، تقول كان زوجي طائشاً وغير مبالٍ؛ فقد ارتمى في حب فتاة بعمر ابنته بعد أن جرى المال في يده، فأهمل بيته وأولاده، وبدأ بضربي وإهانتي، وكان يريد تطليقي لولا أن أهله وقفوا إلى جانبي وأجبروه أن يتكفل بفتح منزلٍ خاصٍ لي ولأولادي؛ إلا أني لم أسلم مع هذا أيضاً من إزعاج زوجته الثانية لي عن طريق الهاتف لكي أترك لها زوجي.
الزواج الثاني.. تهديد × تهديد
يجد بعض الرجال التهديد بالزوجة الأخرى سلاحاً يشهره في وجه زوجته عند كل اختلاف، لكن هل هذا التهديد سيعالج حقاً المشكلة؟
الأخت ليلى الزايد (جامعية)، توافق على أن الغضب ورؤية التقصير يثيران تهديد الزوج بالأخرى، لكنها لم تبدِ رأيها حول حقّه في ذلك، وإن لمّحت بأنه يؤثر على الزوجة ضيقاً وحنقاً، وقد يؤدي بها إلى التحسّن!
وترى السيدة سلافة أنه يحق للزوج أن يهدّد زوجته بأخرى كوسيلة ضغط، إذا رأى أن الزوجة قد أخلّت بحقوقه الزوجية إخلالاً كبيراً، ولم تُجْدِ معها النصيحة تلو الأخرى.
الزوجة الأخرى.. للقبول أسباب
من الأسباب التي تدعو المرأة لأن تكون ضرّة لغيرها هو (العنوسة)، فالسيدة كريمة (من الجزائر) تقول: أنا ضرّة وقد رضيت بذلك لأن قطار الزواج قد فاتني، وأنا أفضّل أن أكون زوجة ثانية بدلاً من أن أكون عانسًا، وتضيف: إنني أبحث بالدرجة الأولى عن الاستقرار النفسي، وتؤيدها في هذا السيدة (نصيرة) التي تقول: لقد عانيت كثيراً من العنوسة ونظرة المجتمع لي، وقد أجبرني أهلي على أن أكون ضرّة، فالمهم أنني تزوجت.
الزوج أيضاً ضحيّة
موضوع تعدد الزوجات لا يستلزم فقط معرفة رأي الزوجات بل الأزواج أيضا؛ فالسيد علي (من الجزائر) يقول: اضطررت للزواج مرة أخرى لسوء أخلاق زوجتي فهي صعبة المزاج وطلباتها لا تنتهي، ولا شيء يرضيها، فهي لا ترى في شخصي سوى راتبي لتصرفه في أمور الزينة وعلى صديقاتها وقريباتها. ويضيف السيد علي: حاولت أن أغير طباعها، ولكني لم أستطع فاضطررت للزواج من أخرى لأجد عندها الاستقرار العائلي.
ويؤيده في الرأي الأستاذ أبو محمد من السعودية؛ إذ يقول إن زواجي المبكّر من الثانية جاء لرفض زوجتي الأولى كثيراً من حقوقي الزوجية، فحاولت أن أتجاوز المشكلة بزواجي من الثانية.
ويرى الأستاذ أبو فيصل من السعودية أن هناك عدة أسباب تدفع الرجال للتعدّد، فهناك الرغبة في كثرة الأولاد، كما أن بعضهم يودّ إعفافاً أكثر من امرأة، وبعضم يتزوج بأخرى لعدم كفاية زوجته من الناحية الجسديّة.
الرغبة في التعدد
الدكتور مازن هنية رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية بغزة (والمتزوج بأكثر من واحدة) سألناه عن رأيه في الدوافع الشخصية لتعدّد الزوجات، فقال: عندما نسأل عن الدوافع الشخصية لتعدد الزوجات فهذا سؤال ساذج في ظني؛ لأن الشخص قد تكون له دوافع كثيرة، لكن إن لم تكن الرغبة موجودة لما وُجد التعدّد بغض النظر عن كافة الدوافع الجانبية، لأن الزواج نفسه في حد ذاته مسؤولية بدون تعدّد، ولو لم يوجد الدافع من ذات الإنسان والرغبة للزواج لتقاعس الكثيرون عن الزواج، وهذا يشهد له المجتمع الغربي، فحيث إن الناس يستطيعون تحقيق رغباتهم بغير الزواج فقد اكتفوا بتحقيق هذه الرغبة، وعزفوا عن الزواج لئلا يتحملوا المسؤولية والآثار المترتبة على ذلك الزواج، فتعدّد الزوجات قد تكون له دوافع كثيرة ومتعددة ومختلفة من شخص إلى شخص، لكن أساسها هي الرغبة في التعدّد هذا إذا تحدثنا عن القضية بشكل كلي لا جزئي.
وأضاف هنية: إن تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية أمر أباحه الله سبحانه وتعالى، ويمكن لأي شخص استناداً لرغبته في التعدّد أن يعدّد لأن الإنسان أسير فكره. وأوضح أن التعدّد مشروع، وما دام كذلك فإنه يجوز لأيّ شخص القيام به، ولا غضاضة ولا حرج في ذلك حيث قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وهذا نص صريح وواضح في إباحة التعدد، فمحاسنه الإيجابية بقدر آثاره على الأزواج ومساوئه أيضا بقدر آثاره السلبية على الأزواج.
التعدّد عندما يكون إيجابياً
يوضح د. مازن هنية رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية بغزة بأنه لو تم تقييم الموضوع من ناحية المجتمع، فتعدد الزوجات مما لا شك فيه أمر ايجابي على المجتمع؛ لأننا عندما نرى أن الفتيات قد حصل لهن الإحصان فان هذا يؤدي إلى أمان المجتمع، ٍأما إذا وجدنا الكثير من الفتيات لم يحدث لهن هذا الإحصان في الزواج فهذه تُعدّ مشكلة.
اختراق وتفكيك للأسرة
في الجانب الآخر تقول أ.د فوزية العطية (أستاذة علم الاجتماع - كلية الآداب - جامعة بغداد): الزواج بأخرى - من وجهة نظر علم الاجتماع- دون سبب قويّ هو تفكيك للأسرة، وذلك لاختلال وزن الأسرة من خلال توزيع الحب والعاطفة والمال والوقت بين عائلتين أو أكثر, والضحية الكبرى دائما الأطفال الذين سمعنا وشاهدنا منهم الكثير ممن سلكوا مسلكاً غير صحيح لانعدام التربية أو الرقابة عليهم بسبب اهتمام الوالدين بأنفسهم فقط، تاركين أولادهم في مهب الريح، والزواج بأخرى هو حلال شرعاً، ولا يتم إلا بأسباب مثلاً إذا كانت الزوجة الأولى عاقراً، أو إذا كان مكتفياً مادياً أراد أن يتزوجها للإحسان أو لأسباب أخرى تستدعي لذلك، وبالطبع فكما يقول عز وجل: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فالإنسان عبارة عن كتلة من المشاعر والأحاسيس التي لا يستطيع السيطرة عليها، فالرجل لا يقدر أن يوازن في حبه لزوجاته؛ فهو بالتأكيد سيفضل واحدة على أخرى, من هنا يبدأ الصراع وتعيش العائلتان في دوامة كبيرة, وما يهمّنا هنا الأسرة، فهي مؤسسة اجتماعية مهمتها تنشئة الأطفال في بيئة هادئة وسعيدة بعيدة عن النزاعات، ومع وجود هذه المشاكل تتفكك العائلة بسهولة ويسهل على أي غريب التسلل وتجزئتها؛ ففي سجون الأحداث مثلا تمتلئ بالأولاد الذين دخلوا بسبب تزوج الأب من أخرى، وتفكك العائلة مما يؤدي إلى ضياع هذا الولد, وفي سجن النساء أيضا هنالك نساء دخلن السجن بسبب قتلها لزوجها الذي فضّل أخرى عليها، ومن وجهة نظري فسبب ميل الرجل الزواج بأخرى حالياً هو زيادة الإنجاب وخصوصاً من ذكور إذا كانت زوجته تنجب البنات, والسبب الآخر هو أنه يحس بأن الزواج بأخرى له مكانة وهيبة اجتماعية، وإذا كان مثلاً غنياً يحب أن يتزوج، وهنالك أسباب أخرى مثل عامل الجنس وغيرها.
قضية مقبولة
من جهته يقول د جميل الطهرواي أستاذ الخدمة الاجتماعية: إن علم الاجتماع والعلوم الإنسانية علوم متغيرة في كل مجتمع يكون لها نظرة خاصة؛ فهي ليست كالعلوم الأخرى التي وصلت إلى حد كبير من الموضوعية مثل علوم الفيزياء والكيمياء؛ فبالنسبة إلى نظرة الاجتماعيين ستكون نظرة الاجتماعيين نابعة من تقييمها لثقافة المجتمع وما يهم هذا المجتمع، أما بالنسبة لمجتمعنا الفلسطيني الذي يتميز بانتمائه إلى الدين الإسلامي فيعتبر تعدّد الزوجات قضية مقبولة بدون طرح المبررات العقلية كارتفاع عدد نسبة الإناث، كذلك إصابات العمل في كل العالم في الذكور أكثر، فنحن المسلمين نقبل بدون مناقشة؛ لأنه إما أن نؤمن أو لا نؤمن، لأن الله تعالى أباح تعدّد الزوجات .
وللشرع رأيه
حول هذه الظاهرة وآثارها، يقول الشيخ أ.د. فالح بن محمد الصغير، أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
إن الزواج الناجح يقوم على المودة والرحمة، وغض النظر عما في الطرف الآخر من تقصير، ولن ينجح الزواج القائم على البغض والكراهية والتعنيف والإيذاء، ومما يؤذي الزوجة ويحرمها الراحة النفسية ويسبّب لها الهمّ والغم، ويوقعها في حرج من أمرها، هو تهديدها من الزوج بالتزوّج بأخرى لما خلق الله الغيرة في النساء.
وظن الرجل أن معنى قِوامته هو أن يتسلط عليها بالسبّ والشتم وإثارة الغيرة فيها حتى تفقد عقلها ظن في غير محلّه، بل يصل الأمر إلى ضرب الزوجة ضرباً مبرحاً كأول علاج للتقصير من الزوجة سواء أكان هذا التقصير بقصد أو بدون قصد!
أما شرعنا الحنيف، فإنه يعلمنا أن معنى القِوامة ليس في التشديد والتعنيف والتوبيخ والتهديد، إنما هو توجيه برفق ولطف وإرشاد بالحكمة والإحسان، ولا يكون ذلك إلا بالاقتداء بقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- القائل: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، الذي لم يكن يواجه الناس بالعتاب فضلاً عمن هن أقرب الناس إليه من الزوجات والبنات.