[frame="13 70"]لقد انتشرت الظاهرة غريبة في مختلف أنحاء العالم أصبحت أشبه بالوباء القاتل
الاوهي : الرشوة
لرِّشوة:الرِّشوة بكسر الراء المشدَّدة، وفتحها، وضمِّها، يعني: الجُعْلُ، وهو إعطاء شيء من المال أو غيره للوصول إلى الحاجة،
وفي اللغة: المُراشاة هي المحُاباة، وراشاه: حاباه، وترشَّاه: لايَنَه، وهي مأخوذة من قولهم: رَشَا الفرخ إذا رفع رأسه ومدَّه إلى أُمِّه لتطعمه، والرَّاشي هو الذي يُعطِي الرّشوة، والمرتشي هو آخِذُها
والرَّائش هو: الساعي بين معطيها وآخذها، وفي لسان العرب الراشي منْ يُعطي الذي يُعينه على الباطل والمرتشي الآخذ، والرَّائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لذاك، وفي الحديث: (لعن اللهُ الرَّاشيَ والمرتشي والرَّائشَ)، واللَّعنة مناسبة لمن يرضى أن يأكل حقَّ غيره بالباطل، أو يحصل على غير حقِّه عن طريق الرشوة، ولمن يسعى في هذا الطريق للحصول على المال، لأنهم جميعاً يعملون على تدمير المجتمع، وتحطيم فعل الخير فيه، وإشاعة الفساد الخفيِّ الذي يسري في شرايين المجتمعات كالمرض الخبيث.
إنَّ للرشوة آثارها الخطيرة في نفوس الناس، لأنها تعطي الحقوق لغير أهلها بأسلوب منحرف لا يقدر
عليه إلا أصحاب المال والجاه، ولأنها تجري في الخفاء، وإن كانت لا تخفى عن الناس بصفة عامة
، وهنا مَكْمن تأثيرها في نفوس المساكين والفقراء الذين يرون بعيونهم الحقوق تضيع، والفرص
الوظيفية والعملية تطير من بين أيديهم وهم ينظرون ولا يستطيعون عمل شيء، ولا يستطيعون إثبات ا
لرشوة على أهلها لأنهم يحتاطون لها كلَّ الاحتياط، وهي بهذا أسلوب خطير من أساليب إفساد
المجتمعات، وتمزيق أواصر المودة بين الناس، وتحطيم جسور الثقة، وإثارة الغضب الخفي في نفوس
العامة على ولاة الأمور، والعلماء، وأصحاب المسؤوليات في المجتمع.
وقد يخلط الناس بين الرشوة بهذا المعنى السيئ، وبين ما قد يضطر الإنسان إلى بَذْله للوصول إلى حقِّه،
أو دَفْع الظلم عنه، فإن هذا لا يُسمَى رشوة، وقد روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه أُخذ وهو
في أرض الحبشة وحُبِس في شيء فأعطى دينارين حتى أُطلق وخُلِّي سبيله، أما الرِّشوة فهي واضحة لا
تحتاج إلى تأويل، فهي أخذ مالٍ لإعطاء دافعه ما ليس له، أو لتقديمه على أحقٍّ منه، أو لنفعه من المال
العام بما لا يستحق، وهذه هي الجريمة التي يجب أن تُحارب، وأن يُعاقَب عليها، وأن يحترز الإنسان
من إثمها العظيم.
أمَّا تلبيس الرّشوة على الناس بإطلاق اسم الهديَّة عليها فقد حسمه الحديث النبوي الذي حدَّد هذه
المسألة بوضوح حينما جاء أحد عمَّال الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما حصل عليه في ولايته
قائلاً: (هذا لكم وهذا أُهديَ إليَّ، فقال: ما بال أحدكم يأتي فيقول هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، هلا قعد في
بيته فينظر أيُهْدى إليه).
لقد كثر حديث الناس هذه الأيام عن الرشوة وانتشارها في جهات كثيرة عامة وخاصة، وكثرت عبارات
التذمر منها، وتعددت روايات الناس حسب تجاربهم فيها، وتحدَّثوا عن أشياء كثيرة ممنوعة نظاماً لا
تمتنع عن مقدِّم الرّشوة، إنَّ أخبار هذا المرض الخطير بدأت تنتشر بصورة جلية، وإن مسؤوليتنا جميعاً
في محاربة هذا المرض مسؤولية كبيرة، وإذا كانت الأمصالُ الطبيةُ الواقيةُ من الأمراض المعدية واجباً
شرعياً وقانونياً لا يجوز التفريط فيه، بل إن الدول كلَّها تُعْنَى به على المستوى الرسمي والمستوى
الشعبي، فإنَّ الأمصال الواقية من (الرّشوة) واجبة أيضاً، وإنَّ أهمَّ مَصْلٍ يقي من مرض الرشوة
(التقوى) ومراقبة الله عز وجلّ، وإنَّ من واجب الجميع ولاة الأمر والرعية توفير الوسائل التي يتم
بها توزيع هذا المصل الواقي من داء الرشوة العضال بين الناس.
هنالك مثل شعبي يقول: (ما يجي علم من تحت حجر) ومعناه أنَّ لكل خبرٍ ينتشر بين الناس أصلاً
حقيقياً - في الغالب -، وما أظنُّ أخبار الرشوة المنتشرة في المجتمع إلا دليلاً على وجود المرض،
وهنا تقوم الحجة على الجميع، لأن الرشوة تنافي العدل والإنصاف اللذين بهما تقوم المجتمعات
الصالحة المستقرة.
بالرشوة تضيق الصدور، وتتباغض القلوب
الرشوة داء يجب التخلص منه
أرجوأن يكون الموضوع قد نال رضاكم[/frame]