الشاعر ابن زيدون
من أبرز شعراء الأندلس
ولد بضاحية الرصافة بقرطبة وتعتبر الرصافة أجمل ضواحي قرطبة
كان قد أنشأها عبد الرحمن الداخل واتخذها متنزهًا له ومقرًا لحكمه
واهتم عبدا لرحمن الداخل بحي الرصافة اهتماما خاصا وشق فيها الجداول البديعة ونقل إليها النباتات والأشجار النادرة حتى صارت مضرب الأمثال في الروعة والجمال
وكان والد ابن زيدون من فقهاء قرطبة وأعلامها المعدودين
أما جد ابن زيدون لأمة فكان من العلماء البارزين في عصره وقد تولى القضاء بمدينة سالم ثم تولى أحكام الشرطة في قرطبة
اتصل ابن زيدون بكثير من أعلام عصره وأدبائه المشاهير فتوطدت علاقته بأبي الوليد بن جَهْور الذي كان قد ولي العهد ثم صار حاكما بعد ذلك
وتوثقت علاقته كذلك بأبي بكر بن ذَكْوان الذي ولي منصب الوزارة
ساهم ابن زيدون بدور رئيسي في إلغاء الخلافة الأموية بقرطبة والتي تنتسب إليها ولادة
كما شارك في تأسيس حكومة جَهْوَرِيّة بزعامة ابن جهور
وحظي ابن زيدون بمنصب الوزارة في دولة ابن جهور واعتمد عليه الحاكم الجديد في السفارة بينه وبين الملوك المجاورين
و في أشبيلية استطاع ابن زيدون بما حباه الله من ذكاء ونبوغ أن يأخذ مكانة بارزة في بلاط المعتضد حتى أصبح المستشار الأول للأمير وعهد إليه المعتضد بالسفارة بينه وبين أمراء الطوائف في الأمور الجليلة والسفارات المهمة ثم جعله كبيرًا لوزرائه
وقضى ابن زيدون عشرين عامًا في بلاط المعتضد بلغ فيها أعلى مكانة وجمع بين أهم المناصب وأخطرها
تولى الحكم المعتمد بن عباد بعد وفاة أبيه المعتضد وكانت تربطه بابن زيدون أوثق صلات المودة والألفة والصداقة وكان مفتونًا به متتلمذًا عليه طوال عشرين عامًا
وكان ابن زيدون عند ظن المعتمد بن عباد فبذل جهده في خدمته وأخلص له و كان خير عون له في فتح قرطبة ثم أرسله المعتمد إلى أشبيلية على رأس جيشه لإخماد الفتنة التي ثارت بها وتوفى ابن زيدون بعد أن أتمّ مهمته عن عمر بلغ نحو ثمانية وستين عامًا
ولادة بنت المستكفي
أميرة أندلسية شاعرة عاشقة حالمة مفرطة الرومانسية
بنت المستكفى بالله محمد بن عبد الرحمن المرواني
وكانت شاعرة أديبة جميلة الشكل شريفة الأصل عريقة الحسب،وقد وصفت بأنها نادرة زمانها ظرفًا وحسنًا وأدبًا زهرة من زهرات البيت الأموي
وأثنى عليها كثير من معاصريها من الأدباء والشعراء وأجمعوا على فصاحتها ونباهتها وسرعة بديهتها وموهبتها الشعرية الفائقة تقول في حب ابن زيدون
أغار عليك من نفسي وعيني ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أنى خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني
وكتب ابن زيدون قصيدته ( النونية ) إلى حبيبته ولادة بنت المستكفى
وكان هو في اشبيلية وهى في قرطبة وهى من اشهر أشعاره قائلا
أضحى التنائي بديلا ً عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
ألاّ وقد حان صُبحُ البين صبّحنا حَينٌ فقامَ بنا للحَين ناعينا
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا
إن الزمان الذي ما زال يضحكنا أنساً بقربهم قد عاد يُبكينا
غِيظَ العِدا من تساقينا الهوى فدعوا بأن نَغَصّ فقال الدهر آمينا
فانحلّ ما كان معقوداً بأنفسنا وانبتّ ما كان موصولاً بأيدينا
وقد نكون وما يُخشى تفرّقنا فاليوم نحن وما يُرجى تلاقينا
يا ليتَ شِعري ولم نُعتِب أعاديَكم هل نالَ حظـّاً من العُتبى أعادينا
ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حسدِ بنا ولا أن تَسُرّوا كاشحاً فينا
كنّا نرى اليأس تسلينا عوارضه وقد يئسنا فما لليأس يغرينــا
بنتم وبنّا فما ابتلّت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفّت مآقينا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنـا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لفـقـدكم أيامنا فغدت سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
إن جانب العيش طلق من تألّفنا ومربع اللهو صاف من تصافينا
وإذ هصرنا فنون الوصل دانية قطافها فجنينا منه ما شينـا
ليسق عهدكم عهد السرور فما كنتم لأرواحنا إلاّ رياحينــا
لاتحسبوا نأيكم عنّا يغيرنـا أن طالما غيّر النّأي المحبّينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا ساري البرق غاد القصر واسق به من كان صرف الهوى والودّ يسقينا
واسأل هنالك: هل عنّى تذكّرنا إلفاً تذكّره أمسى يعنينــا
ويا نسيم الصبا بلّغ تحيّتنـا من لو على البعد حيّاً كان يحيينا
فهل أرى الدّهر يقضينا مساعفة منه وإن لم يكن غبّاً تقاضينا
ربيب ملـك كأن الله أنشـأه مسكاً وقدّر إنشاء الورى طينا
أو صاغه ورقاً محضاً وتوّجه من ناصع التّبر إبداعاً وتحسينا
إذا تأوّد آدته رفاهيــــة تُومُ العقود وأدمَته البُرى لينا
كانت له الشمس ظِئراً فى أكلّته بل ما تجلّى لها إلا أحايينـا
كأنّما أُثبِتَت في صحن وجنته وُهرُ الكواكب تعويذا وتزيينا
ما ضر إن لم نكن أكفاءه شرفاً وفي الموده كافٍ من تكافينا
يا روضة طالما أجنت لواحظنا ورداً جلاه الصبا غضّاً ونسرينا
ويا حياة تملّينا بزهرتهــا مُنًى ضُرُوباً ولذّات أفانينـا
ويا نعيماً خطرنا من نضارته في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا
لسنا نُسمّيك إجلالاً وتكرمـةً وقدرُك المعتلي عن ذاك يغنينا
إذا انفردت وما شُوركت في صفةٍ=فحسبُنا الوصف إيضاحاً وتبيينا
يا جنة الخلد أُبدلنا بسلسلها والكوثر العذب زقّوماً و غسلينا
كأننا لم نبت والوصل ثالثنـا والسعد قد غضّ من أجفان واشينا
إن كان قد عزّ في الدنيا اللّقاء بكم في موقف الحشر نلقاكم وتلقونا
سرّان في خاطر الظّلماء يكتُمُنا حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا
لاغرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت عنه النهى وتركنا الصّبر ناسينا
إنّا قرأنا الأسى يوم النّوى سُوَراً مكتوبة وأخذنا الصّبر تلقينا
أمّا هواك فلم نعدل بمنهلــه شُرباً وإن كان يروينا فيُظمينا
لم نجْف أُفْق جمال أنت كوكبُه سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا إختياراً تجنّبْناهُ عن كثب لكن عدتنا على كُرْه عوادينا
نأسى عليك إذا حُثّت مُشعشعةً فينا الشمولُ وغنّانا مُغنّينـا
لا أكْؤسُ الّراح تُبدي من شمائلنا سيما ارتياح ولا الأوتار تُلهينا
دُومي على العهد مادُمنا محافظة فالحر من دان إنصافاً كما دينا
فما استعضْنا خليلاً منك يحبسُنا ولا استفدنا حبيباً عنك يثنينا
ولو صبا نحونا من علو مطلعه بدرُ الدُّجى لم يكنْ حاشاك يُصْبينا
أبْكي وفاءاً وإن لم تبذُلي صلةً فالطّيفُ يقنعُنا والذّكْرُ يكفينا
وفي الجواب متاعٌ إنْ شفعت به بيض الأيادي التي ما زلت تولينا
عليك منّا سلامُ الله ما بقيـت صبابة بك نُخْفيها, فَتَخْفِينــــا