كنا حفنة من متمردين .. نحاصر طاولة في مقهى رصيف في مدينة لا تكترث بأبنائها من غاب منهم ومن حضر .... يجمعنا السخط والضياع ، وتفرقنا الأماني !
ولم نكن لنحصل في تلك الأمسية على فرنك الفيلسوف الألماني " شوبنهور " ، ففيلسوف التشاؤم وصاحب نظرية القنافذ كان قد اعتاد على تناول عشائه في مطعم يرتاده مجموعة من ضباط الجيش ، وكان شوبنهور يراهن النادل ويمنيه بأنه إذا جاء ووجد الضباط يتحدثون في موضوع غير الخيل أو النساء فالدرهم سيكون في كيس النادل ، وقبضت روح شوبنهور .. ومازال الرجال يتحدثون عن النساء !
قل صمتا أو فـ اصمت الجدران تصيخ السمع ، وظلك قد يبيعك رغبة أو رهبة ، وخيار " الصفر " مكرمة ملكية !
وإن كنت ولا بد فاعل .. فـ تجنب الجبال والرياح .. وتحدث في ما طاب لك !
وقد فعلت .. أطلقت عقال عقلي ، وفك الله عقدة من لساني فسألت " بـ حسن نية " محاولا صنع حِراك فكري يليق بمستوى الأمة .... لماذا تهتم كثير من النساء بحذاء الرجل ؟!
فُتِح باب الاجتهاد ، وانطلقت الفتاوي والحِكم ، هناك من رأى أن الأمر عائد لـ فسيلوجية المرأة واهتمامها بالتفاصيل !
أو قد يكون الأمر لأن الأناقة الحقيقية تبدأ من الحذاء .. كانت فتوى " دون جوانية " !
ربما للتثبت من الآلة التي ستسخدم في ترويضها لاحقا ... كانت محاولة لـ صنع نكتة !
كان لي اجتهادي ، وهو يخالف كل ما سبق .. وأحتفظ بحق الصمت ، من باب " رفقا بالقوارير " !
دار في مخيلتي ذاك الحديث وتلك السفسطة بعد ماجادني الغيث بـ رواية " بنات الرياض " لكاتبتها الشيخة رجاء الصانع .. نفع الله بها وبـ ماسنجرها !
الرواية من تقديم الوزير الأديب / غازي القصيبي ، ولا أعلم هل كتب مقدمتها بصفته وزيرا أم أديبا ؟!
أعتقد والله أعلم أنه من باب الحس بالمسئولية وتوافقا مع القانون الجديد الذي يجيز لبنات حواء العمل في كل مكان يناسب أنوثتهن ، فالوزير قد عقد العزم وأخلص النية في القضاء على البطالة ، والبداية تكون من فتح التوظيف في شركات الأدب !
" بنات الرياض " تذكرني بـ حِيل المراهقين لإثارة بعضهم وفي صنع القِصص ، كأن يقول أحدهم لرهطه وصحبه بعد أن يعود من جدة مثلا (( بنات جدة حلوات !! )) .
طبعا صاحبنا لم ير كل نساء جدة ولا جلهن ، هي فقط محاولة لتحريك أكبر قدر من المشاعر المكبوتة في صدور أصحابه باستعمال الضمير الجمعي ، فما عليك إلا أن تذهب لجدة ، والجَمال في كل مكان !
الشيخة رجاء الصانع في إلياذتها تتحدث عن أربع فتيات من طبقة يُدمِي أبناءها الحرير ويوجع أقدامهم رخام قصورهم ، طبقة لا تَرى ولا تُرى ، طبقة تشكل قطرة في ماء الرياض ، الرياض التي يضطر الناس في بعض أحيائها لإيقاد صناديق الخشب في فصل الشتاء طلبا للدفء ولليلة إضافية في دفتر الحياة قبل أن تزهق أرواحهم زمهريرا !
ورغم ذلك تختار لرواياتها عباءة واسعة تغطي جميع حواري وأزقة ومنازل وغرف بنات الرياض !
ولا تسل عن الشمولية والإقصائية والتعميم والآخر ، فـ الشيخة رجاء الصانع أرادت إيجاد الآخر من خلال سحقه !!
تماما كما تثبت الفلسفة الوجودية الوجود من خلال العدم ، وتوضح الذات من خلال تغييبها ، فحين أقتل نفسي أصبح عدما ، والعدم يكون لشيء موجود .. إذن أنا موجود !
الشيخة رجاء الصانع أرادت أن تثبت وجود الطاهرات الشريفات من خلال تغييبهن وإلقاء الضوء على الباحثات عن الفتى الوسيم ومكالمات بعد منتصف الليل .. وحب " المَسِج " ورومانسية " الماسنجر " !
والشيخة رجاء يبدو والله أعلم ما زالت في الهزيع الأخير من مراهقتها ، ويتجلى ذلك في عجلتها وحثها الخطى لتغيير المجتمع انطلاقا من مبدأ " حرق المراحل " وعدم الركون للتغيير الزمني المعتاد ويتجلى ذلك في طرحها لـقضايا مثل زواج المسلمة من غير المسلم ، والشذوذ الجنسي !
وتلك خِلة لا تخطِؤها العين ولا الفكر السليم في المراهقين وأترابهم ، فالمراهق يضع العربة قبل الحصان فهو يريد أن يقود السيارة قبل أن يحصل على الرخصة !
والشيخة رجاء تريد أن تُلغي المذهبية في سبيل الحب وتوجه حديثها هذا لـ مجتمع ما زال يرى في قيادة المرأة للسيارة خطرا مدلهما !
كل شيء في الرواية كان حاضرا .. سوء معاملة المرأة ، المذهبية ، التعصب ، الشذوذ ، ولم تحرم الهيئة من كرمها ولطفها فأحضرتهم عنوة لإفساد موعد غرامي خلف ستارة في أحد مقاهي الرياض !
ولا شك هذه ستكون معضلة وحجر عثرة للروائية في قادم أعمالها .. ببساطة ماذا بعد ؟!
فـ الليبراليون الجدد يكتبون حين يكتبون على أضواء نوبل وعلى قناديل القنوات الغربية !
كل همهم الظهور بمظهرالمناضلين المنافحين عن الحرية في عيون بني الأصفر ، ولو اضطروا لشتم الناس طُرَّا .. ولو كفروا ببعض الكتاب ، وإن لزم الأمر بالكتاب كله !
أحيانا .. أقرأ على جدران المنتديات بعض الكتابات التي تغسِل الروح وتُطهر القلب ، وتجعلك تشعر بأن
فوق هذه الأرض ما يستحق الحياة !
كتابات لو لم يجد كُتابها مكانا يعلقونها عليها لعلقتها فوق جدران غرفتك !
ولو لم يجدوا ورقا لمنحتهم جِلدك ، وإن ترهل الجلد أو قلت مساحاته .. فالعين دواة والجفن ورق !
هؤلاء " الصعاليك " تُخفيهم " اليوزرات " وتذيبهم مغامرتهم اليومية في البحث عن الرغيف ، والشيخة
رجاء يكتب لها مقدماتها .. الوزراء !
أخيرا ..
أكاد أجزم أن رجاء الصانع هي من ذلك النوع من النساء ، الذي يولي لـ حذاء الرجال أهمية قصوى
وهي تنظر لحذاء الرجل قبل وجهه !