السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعزائي أعضاء هذا الصرح الشامخ عامة , ومرتادي بوح القصيد والباحثين عن
المعلومة الأدبية خاصة, أقدم بين أيديكم هذا الموضوع آملا أن أكون قد بلغت
الغاية فيه , وعذري أنني إن وُفقت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
أعلم أنه يوجد بيننا من يملك من المعرفة في هذا الموضوع أكثر مني , ولكنها
محاولة للتوضيح لمن لا يعلم , هو بحث متواضع عن شكل من أشكال الشعر
القصد فيه تسليط الضوء حيث وجدنا أنه كثرفي الآونة الأخيرة المشاركين من
الأعضاء الأعزاء بقصائد تندرج تحت لوائه.
والغرض من ذلك ثنائي:
_الزيادة في تذوق هذا الشعر.
_القدرة على تأليفه.
فالشعر حتى الحر منه , مكوّن من ألفاظ ومعانٍ وإيقاع , وتذوقه يقتضي
التجاوب مع كل هذه العناصر:
_مع المعنى وما يوحيه في أنفسنا.
_مع الألفاظ التي تحمل هذا المعنى , وجرسها الصوتي الخاص.
_مع المكون الإيقاعي على مستوى الوزن والقافية.
"الشعـــــــر الحُــــــرّ"
1 "الشعر الحُرّ"
نشأة الشعر الحر:
عرف الشعر العالمي الذي كان مبنياً على رتابة الوزن ولزوم القافية تغيرات هدفت أساسا إلى :
_إزالة هذه الرتابة في الوزن.
_التخلّي عن القافية.
والشعر العربي لم يحد عن هذا الاتجاه.
ففي سنة 1947م صدر للشاعر العراقي بدر شاكر السياب ديوان اسمه "أزهار ذابلة" احتوى هذا الديوان على قصيدة من طراز جديد اسمها " هل كان حبا" , وفي نفس السنة نشرت الشاعرة نازك الملائكة عدة قصائد سمّتها قصائد حرّة وهي محتواة في ديوانها
" شظايا ورماد".
وبعد السيّاب ونازك الملائكة , كتب مجموعة من الشعراء قصائد تنتمي إلى هذا الشكل الجديد من الشعر , وهؤلاء الشعراء هم :
نزار قباني , وعبد الوهاب البياتي, وأحمدعبد المعطي حجازي,
وصلاح عبد الصبور.
كان الأمر في البداية يعدُّ خروجا عن شكل الشعر المعروف , فرفضه بعض النقاد المحافظين ولكن القراء استساغوا هذا الإنتاج الأدبي الجديد والشعراء بدأوا يميلون إليه ويهجرون الشعر العمودي.
وبعد الشعراء والقراء , بدأ المنظمون يهتمون بهذا الشعر وحاولوا دراسته, ولكنهم لم يستنبطوا قواعده مثلما استنبط الخليل قواعد الشعر العمودي, وانشغلوا بنقاشات عقيمة حول تسميته: هل هو شعر حر؟ ,
أم شعر مرسل؟ , أم شعر نثري؟
ولكن طرأ أمر جديد فقد ظهر نوع آخر من الشعر أراد البعض أن يسميه شعراً نثرياً , وهذا النوع الجديد بعيد تماما عن أوزان الشعر فهو لا يتقيد بها إطلاقا بعكس سابقه الذي يتقيد بقيود البحور الخليلية وضوابطها وإن لم يلتزم بضوابط نهايات القوافي, وهنا بدا واضحاً انقسام هذا الطراز أو الشكل أو النوع الجديد من الشعر في ابتعاده عن طريقة بناء الشعر العمودي .
ومن هنا يبدو واضحا أنه أصبح للشعر بحسب طريقة كتابته أو الأسلوب المتبع للكتابة ثلاثة أنواع هي:
_ الشعر العمودي : شعر يلتزم ببحور الشعر وأوزانه ولزوم قافيته.
_الشعر الحر الموزون(شعر التفعيلة): شعر يلتزم بالوزن ولا يحيد عنه ولكنه لايتقيد بلزوم القافية.
_الشعر الحر الغير موزون: وهو شعر يخلو من أية ضوابط , فلا يعرف
لأبياته بداية ولا نهاية.
أما الشعر العمودي سواء الفصيح منه أو العامي فقد سبق الحديث عنه في
موضوع {من يريد أن يكتب قصيدة موزونة}, وأما الشعر الحر الغير موزون فلا
يعنينا لأنه وبحسب غالبية النقاد لايصح أن يطلق عليه صفة شعر.
وما يعنينا هنا هو الشعر الحر الموزون (شعر التفعيلة).
الشعر الحر الموزون (شعر التفعيلة):
هو نوع من الشعر ظهر في منتصف القرن الماضي كما أشرنا في بداية الموضوع ؛ وقد حافظ هذا الشكل الجديد من الشعر على بعض مكونات البحور الخليلية فهو يبنى على (تكرار تفعيلة واحدة) على شكلها الصحيح أو المزاحف أو المعتل, إذا فهو إنتاج أدبي موزون وقد يظن الكثير من القراء أنه لا يخضع لأي قيد من القيود وأنه شبيه بالنثر , وهذا غير صحيح , وسوف ندلل على هذا الكلام من خلال عرض مثال لشعر التفعيلة وهو قصيدة لسميح القاسم اسمها
" ثورة مغنّي الربابة" وفيها يقول:
" غنّيتُ مرتجلاً على هذي الربابة, ألفَ عام!
مُذ أسرجت فرسي قريش,
وقال قائدنا الهمام:
اليوم يومُكمو ! قوموا واتبعوني,
أيُّها العرب الكرام
اليوم يومُكمو..
وصاح إلى الأمام... إلى الأمام! "
ولنأخذ من هذا المثال بدية القصيدة وهو قوله :
" غنّيت مرتجلاً على هذي الربابة ألف عام"
عندما نأخذ السواكن والمتحركات من هذا البيت ستكون كالآتي:
(011 01 01)(011 01 11)(011 01 01)(01 11 00 11)
مستفعلن ..... متفاعلن...... مستفعلن...... متفاعلان
وهو وزن يحق أن ننسبه إلى مجزوء الكامل.
وعندما نريد أن نزيد التأكيد على صحة هذا القول سنقوم ببعض التغييرات في
البيت السابق على النحو التالي:
-لنفرض أننا استبدلنا كلمة "هذي" بـ"هذه" يصبح البيت بعدها كا الآتي:
"غنّيت مرتجلا على هذه الربابة ألف عام"
(00 11 01 11)(011 011 01)(011 01 11)(011 01 01)
مستفعلن........... متفاعلن....... فاعلاتتن.... متفاعلتن
وهو هنا يشكو من عيب في التفعيلة الثالثة التي تحتوي على حرف زائد .
كذلك إذا تناسينا كلمة "مرتجلاً" فالبيت يصبح :
"غنّيت على هذي الربابة ألف عام"
(00 11 01 11)(011 01 01)(01 11 01 01)
مستفعلتن .... مستفعلن ...... متفاعلان
فالتفعيلة الأولى تحمل حرفاً زائداً.
والآن وبعد أن عرفنا أن شعر التفعيلة هو شعر حر موزون نستطيع أن نتعمق في تفاصيل ومسميات وأمور يختص بها هذا النوع من الشعر.
البيت في شعر التفعيلة:
- البيت الخطي والوحدة الصوتية:
ونقصد به الوحدات الخطية المكتوبة على السطر الواحد , وهي التي على أساسها تجزّأ القصيدة بحسب رؤية الشاعر.
أما الوحدة الصوتية فهي التي نجدها في الشعر العمودي واضحة جلية ,فهي تبدأ وتنتهي من حيث يبدأ وينتهي البيت , فيكون هذا البيت عبارة عن وحدة صوتية أو بيت صوتي ,
وتظهر حدوده جلية في الشعر العمودي لأنه:
1_ مكون من عدد ثابت من التفاعيل.
2_مختوم بالقافية.
3_ ينتهي في أغلب الأحيان بتفعيلات خاصة هي التفعيلات المعتلة.
وعندما يكون الحديث عن شعر التفعيلة فإننا نجد البيت الخطي ولكننا لا نجد البيت الصوتي أو الوحدة الصوتية,
لأنه يبدو أن الهدف من الشعر الحر هو تحطيم حدود البيت , بل مفهوم البيت نفسه, كي تكون العلاقة مباشرة بين التفعيلة والبيت المكتوب دون مراعاة لوحدة صوتية تضيق الخناق على الشاعر.
لو نظرنا لقصيدة أخرى من قصائد سميح القاسم وهي " الموت يشتهيني فتياً" لرأينا أن البيت فيها يحتوي أحيانا على تفعيلة واحدة, وأحيانا على تفعيلتين , وأحيانا على ثلاث تفعيلات , وفي بعض الحالات نرى البيت ينتهي بجزء من تفعيلة تمتد إلى البيت المجاور مثل:
" تعبر الريح جبيني
والقطار
يعبر الدار, فينهار جدار
بعده يهوي جدار
وجدار بعده يهوي,
وينهار جدار..."
فإذا أخذنا البيتين الخطيين الأخيرين وهما قوله:
وجدار بعده يهوي ,
وينهار جدار..
سيكون على النحو التالي
(01)(01 011 01)(01 0111)
(001 11)(01 011)
فعلاتن فاعلاتن فا
علاتن فعلات
وهنا انتهى البيت المكتوب على السطر والذي أسميناه البيت الخطي بجزء من تفعيلة تمتد إلى البيت التالي له.
قاعدة البيت الخطّي:
إذا تأملنا من جديد قصيدة سميح القاسم فإننا نلاحظ أن هناك صنفين
من الأبيات:
_صنف لا يحمل أي علامة في نهايته.
_صنف ينهيه وقف أو قافية.
فبداية القصيدة:
"تعبر الريح جبيني
والقطار
يعبر الدار فينهار جدار"
إذا تأملنا هذه البداية نجد أن البيت الأول لا يحمل أي علامة خاصة بينما البيت
الثاني والثالث تختمهما قافية وقف.
ومن ناحية أخرى فإن وزن هذه الأبيات هو :
فاعلاتن فعلاتن
فاعلات
فاعلاتن فعلاتن فعلات .
ونرى أن الزحاف(فاعلاتن-- فعلاتن) الذي يتمثل في حذف الثاني الساكن قد
دخل على كل أماكن البيت , أما العلة : (فاعلاتن -- فاعلات) التي هي عبارة عن
حذف السبب الأخير وتعويضه بساكن , لم تأت إلا في نهاية البيت.
ومن ذلك نستنتج أن قاعدة البيت الخطي هي :
أنه لا يحمل علامات الوقف إلا في نهايته, والعلة لاتدخل إلا على التفعيلة الأخيرة
منه.
هذا ما لدينا إلى الآن متمنين أن نكون قد وفقنا في إضافة مميزة لمعارفكم,
ورجاؤنا ألا تبخلوا علينا إذا كان لديكم إضافات حول الموضوع,
وسوف نطرح بين وقت وآخر قصائد لأبرز شعراء هذا الطراز من الشعر بغرض
التعرف عليه والإحساس بإبداع وجمال هذا الشعر عن قرب.
دمتم بخير وإلى لقاء قريب بإذن الله
29-08-2005, 09:46 PM
المواضيع المتشابهه
