الرئيسية     | الشروط والقوانين  | سياسة الخصوصية | اتصل بنا | الأرشيف |  RSS
  

 

يمنع منعا باتا وضع موضوع إعلاني

 


العودة   منتدى الشبكة الكويتية > القـســـــــــم الثـقافــي > المنـتدى العـام

المنـتدى العـام مناقشة مواضيع العامه , والاحداث العربيه والعالميه

 
أدوات الموضوع
قديم 01-07-2005, 02:16 AM   رقم المشاركة : 11
الذهبي
عضو مبدع
 
الصورة الرمزية الذهبي






الذهبي غير متصل

الذهبي كاتب رائع


افتراضي

ويشارك محدثنا من سبقه الحديث في الرأي، حين يقول: «... لقد كان محبا للعمل، وساعات العمل لديه ليس لها حدود، فكانت له قوة تحمّل على العمل يصعب مجاراتها، فعندما كان وزيرا للمالية كان يعمل زهاء ثماني عشرة ساعة في اليوم بالوزارة، وكان يواصل عمله ومقابلاته في كثير من الاحيان في منزله بقصر دسمان، ولم أتذكر انه اخذ اجازة خاصة، فقد كانت متعته في عمله»...
وفيما يتعلق باهتمامه بالشباب الكويتي، يضيف محدثنا قائلا: «... وبالنسبة لاهتمامه وتشجيعه للكويتيين، فقد كانت لديه ثقة كبيرة في الشباب وخاصة الخريجين منهم. وكان يفعل كل ما بوسعه لتحقيق طموحاتهم وآمالهم، واكبر دليل على ذلك انه احتضننا ونحن خريجون جدد، وأولانا ارفع المناصب، فلم يأت بنا كخبراء وانما جعل منا خبراء بوضعنا في هذه المراكز، وافادتنا من الخبراء الذين كانوا متواجدين في ذلك الزمن، واحتكاكنا بالامور المحلية والدولية، واذكر من هؤلاء الشباب حمزة عباس، عبداللطيف البحر، عبدالعزيز البحر، فيصل الفليج، جاسم خالد المرزوق، حمد يوسف العيسى، وفجحان هلال المطيري وغيرهم.
أما زميل الدراسة في المدرسة الشرقية بدر النصر الله، فانه ينقل لنا شيئا من انطباعاته عن الشيخ جابر الاحمد الذي بدأ العمل معه عام 1960م سكرتيرا لمكتبه، حين يشير.. ان انطباعي عن سموه اثناء عملي معه انه كان شعلة من النشاط سريع البديهة، ذا خبرة عالية في مجالات المناصب التي تقلدها عن وعي وبصيرة وكان كثيرا ما يحرر لنفسه البرقيات والمذكرات دون الاعتماد على الغير. لقد تعلمنا من توجيهاته الشيء الكثير. وكان رحب الصدر، يحترم رأي الاخرين ويتقبل اي فكرة تأتيه من اهل ورجالات الكويت، ويعكف على دراستها.
ويمضي محدثنا النصرالله.. كان يتمنى منذ الستينات ان يمتد العمران في الكويت الى اقصاه، وكان من امنياته ان يرى الكويتيين وقد امتد بهم الرحيل الى الجنوب لاعماره، وكثيرا ما كان يذهب الى منطقة الخيران الخالية في ذلك الوقت وهذا ـ بلا شك ـ مثال على استشرافه لمستقبل الكويت واعمارها وكان يعمل بنفسه على تحقيق هذا التطلع فترجمه من الامنية الى الواقع.
لم يقف محدثنا النصرالله عند هذه الكلمات والعبارات من ذكرياته بل اضاف قائلا: كما فتح الشيخ جابر الاحمد باب التعيينات ـ وهو وزيرا للمالية ـ امام الشباب الكويتي القادم من جامعات العالم ليسهم في بناء دولة المؤسسات على اساس من العلم. كما اغدق على بناء المدارس ودور العلم والتوسع في التعليم العام والجامعي. كما اعطى اولوية في اهتماماته لمحو الامية ادراكا منه لاهمية ذلك في وعي الشعوب وتقدم الامم.
ويمضي محدثنا مؤكدا على جانب مهم في حياة الشيخ جابر الاحمد العملية حين يقول: كان يأتي الى عمله مبكرا وبالتزام شديد بوقت الدوام الرسمي. وكان حازما شديد الملاحظة، سريع البديهة وله حضور، وان من طبعه العفو، وكان عميق التفكير والتدبير في كل رأي او فكرة تطرح عليه يدرسها من جميع الجوانب ثم يعطي توجيهاته وقراراته بسرعة التنفيذ ودون تباطؤ.
وفي هذا السياق يمضي النصر الله في تأكيده. ليقول: «عندما كان رئيسا للمالية، وفي نفس الوقت مسؤولا عن شؤون النفط في الدولة كان اسلوبه التنظيمي في العمل هو تخصيص يوم في الاسبوع يوم الاثنين للتفرغ لشؤون النفط وكنا نذهب من الكويت الى مدينة الاحمدي حيث كان له مكتب خاص هناك لمتابعة شؤون النفط، وفي بقية الايام كان يستقبل المسؤولين عن شركات النفط في مكتبه بمدينة الكويت العاصمة ويخصص لهم وقتا كافيا لمناقشة الامور النفطية معهم واتخاذ القرارات في شأنها.
وها هو عبداللطيف البحر الذي عمل مع الشيخ جابر الاحمد منذ شهر ديسمبر عام 1966م يسرد لنا ذكرياته عن هذه الفترة فيقول «انه رجل دولة بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى معروف عنه دقته في العمل والتزامه الشديد وعدم التسرع في الامور، وكل ما يعرض عليه من افكار ومشاريع يخضعها للدراسة والتقييم والاستشارة الفنية كما انه لماح سريع البديهة ولديه قوة استيعاب فائقة وله حدس وشفافية وله قدرة عجيبة على تلخيص الموضوعات وعرضها امام المختصين، وله ايضا حس اقتصادي فطري وخبرة اقتصادية هائلة. وكان جلده وصبره وقدرته على استمرارية العمل بشكل مذهل يضعه دوما امام شعار: لا تؤجل عمل اليوم الى الغد».
ويمضي البحر فيشير الى جانب آخر من ممارساته في العمل فيقول: «كثيرا ما يكتب بنفسه الخطابات ويدفع بها الى المستشارين ثم يراجعها بنفسه وكثيرا ما يدخل عليها بعض التصويبات في صيغتها النهائية، وكان ينظر دائما الى المشروعات المقدمة له من ثلاثة ابعاد: البعد الاقتصادي والبعد التنموي والبعد الاجتماعي.
لهذه الاسباب مجتمعة وغيرها، جاءت الفترة الواقعة بين عام 1949م وعام 1978 م فترة مزدحمة وثرية بالانجازات تمكن خلالها الشيخ جابر الاحمد من ان يضع عصارة فكره في اقامة البنية الاساسية للدولة وهياكلها التنظيمية بمساعدة عدد من شباب الكويت ومجموعة من الخبراء العالميين وبخاصة في المجال الاقتصادي والعمراني. وان ينتقل بسرعة كبيرة من مجال التخطيط والبرمجة الى مجال التطبيق والتنفيذ رغم العوائق والتحديات التي كان يواجهها.
وكانت مؤازرة المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح امير دولة الكويت الاسبق والمغفور له الشيخ صباح السالم الصباح امير دولة الكويت السابق، ودعمهما ومساندتهما المطلقة لمشروعاته وتطلعاته المستقبلية قد جعلته في وضع مكنه من الانتقال بالكويت من امارة بسيطة تحكمها العادات والتقاليد والاعراف الى مجتمع حضاري ودولة عصرية، يحكمها دستور وقوانين منظمة لجميع جوانب شؤون الحياة ومسيرة المجتمع يتراجع من امامها نفوذ مواقع القوة، والرموز المؤثرة في تسيير المجتمع، لتحل مكانها تلك التشريعات والمؤسسات القائمة على تنفيذها.
فالشيخ جابر الاحمد لم يكن مهندس الاقتصاد الكويتي فحسب بل كان واضع الاسس الاولى للحركة العمرانية، ورافع شعار مجتمع الرفاه الذي يعيشه اليوم كل كويتي بدءا بثمرة النهج الاقتصادي الذي رسمه، والذي جاء مزيجا ووسطا بين الانظمة الاقتصادية العالمية المتباينة والذي تشهد له المؤسسات المالية الدولية «البنك الدولي ـ صندوق النقد الدولي» بالكفاءة وحسن المواجهة، والاداء الجيد امام الازمات الاقتصادية التي تواجهها الكويت بين حين وآخر بسبب اوضاع اقتصادية داخلية، او مؤثرات اقتصادية وسياسية خارجية. وانتهاء بما ترتب على ثمرة هذا النهج الاقتصادي من حركة عمرانية شاملة، تضمنها المخطط الهيكلي للدولة الذي اشرف شخصيا على جميع مراحل اعداده منذ ان كان رئيسا لمجلس التخطيط عام 1966م ومتابعته له حتى يومنا هذا.
هذا الى جانب صياغة حياة مرفهة للمواطنين وضمان حياة كريمة للأسرة الكويتية المحدودة الدخل وذوي الاحتياجات الخاصة هذه النظرة التخطيطية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لم تقف عند حاضر الكويت بل تخطتها الى المستقبل البعيد، حيث سعى بكل جهده وفكره الى ضمان حياة كريمة للاجيال القادمة والمحافظة على ثروات الكويت وايجاد موضع قدم لاقتصاد الكويت ومركزها المالي في الاسواق العالمية.

سموه ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء

في 30 نوفمبر عام 1965م، كان الشيخ جابر الاحمد لا يزال وزيراً لوزارة المالية والصناعة، ووزارة التجارة، حين صدر امر اميري بتعيينه رئيساً لمجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة.
وبعد اربعة ايام من صدور الامر الاميري ، رفع خطاباً الى امير البلاد متضمناً اسماء الحكومة في اول تشكيل وزاري يترأسه بعد تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء، وبعد اداء اليمين الدستوري امام الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، ومن ثم امام مجلس الامة الكويتي، قام رئيس مجلس الوزراء في 8 ديسمبر 1965م بعرض البرنامج الحكومي امام المجلس، وقد تضمن تطلعات الحكومة المستقبلية، ومشروعاتها الصناعية والانمائية خلال عام 1966م.
وفي 31 مايو 1966م، صدر امر اميري بتعيين الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح ولي عهد لدولة الكويت وقد بعثت ملكة بريطانيا «اليزابيث الثانية» برقية لأمير دولة الكويت الشيخ صباح السالم الصباح، تتضمن تحياتها وتهنئتها الحارة بتعيين الشيخ جابر الاحمد ولياً للعهد.
كما بعث عدد من رؤساء الدول والحكومات في الدول الشقيقة والصديقة بمثل هذه التهنئة والمباركة على حسن الاختيار.
وعلى اثر هذه المبايعة الاجتماعية لهذا الاختيار من قبل مجلس الامة الكويتي، ومن ثم الشعب الكويتي بأسره بتاريخ 2 يونيو عام 1966م، قام الشيخ جابر الاحمد بالقاء بيان امام مجلس الامة الكويتي، تضمن تشخيصاً دقيقاً لواقع المشكلات المجتمعية القائمة في المجتمع الكويتي، مع التركيز على التداعيات السلبية الحادة على وجد الخصوص، وذلك بهدف السعي من قبل السلطتين... التنفيذية والتشريعية لايجاد الحلول المناسبة الناجعة لها، والتوجه للمستقبل برؤية جديدة. وقد جاء هذا البيان بمثابة استراتيجية عمل للحكومة في عهد جديد لمواجهة اوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية وتنظيمية، وتوصيف العلاقة المتبادلة بين السلطتين، وما ينبغي ان تكون عليه هذه العلاقة من تضامن وتعاون من اجل الصالح العام، وفي مقدمتها مصالح الدولة العليا.
وفي صدر هذا البيان استعرض ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الاحمد ما حققته الكويت من تقدم وتطور حضاري، ورأى ان من الواجب اخضاعه للتقييم والمراجعة المتأنية ضماناً لسلامة الوطن ومسيرته، وحماية للمجتمع من كل شائبة يمكن ان تقفز على التراث الوطني، وتمس الامن القومي، والثوابت الاجتماعية والسياسية التي تمسك بها الآباء والاجداد وساروا على هداها.
وهنا، كان للشيخ جابر الاحمد وقفة، قال فيها: «... لقد خطت البلاد في سنوات قليلة خطوات واسعة في شتى الميادين، وتوالت عليها من الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما كان له ابلغ الاثر في تطوير حياتنا العامة وتغيير في ملامح المجتمع الذي الفناه. فمن تعديل شامل في تشريعات البلاد ونظامها القضائي، الى استكمال لاستقلالها وسيادتها في الداخل والخارج، الى دستور يساير نهضتها، ويصون الحريات، ويكفل الاستقرار، وهكذا دخلنا معترك الحياة الديمقراطية والنيابية من اوسع باب...».
ويمضي قائلاً: «.... وكان طبيعياً ان نستعين في هذا التطور السريع الذي يكاد يشبه الطفرة بعدد من اخواننا من الدول العربية الشقيقة. ورغم ما بذلوه من جهد مشكور فإن الوقت لم يتسع امامهم لتشرب عاداتنا وتقاليدنا المحلية، فجاءت بعض التشريعات والنظم المستحدثة غير مجارية لواقعنا. ولكن ما دام زمامها الان بأيدينا فما علينا الا ان نعدل او نلغي ما يتطلب التعديل او الالغاء منها في ضوء التجربة العملية المكتسبة، بدلاً من التشكيك بالجملة في كل ما هو مستحدث...».
مؤكداً في بيانه: «.... ان النقد البناء وحده هو الكفيل بارشادنا الى ما يجب ان نفعله، والى الحلول المثمرة المرتجاة، اما النقد الهدام، فلن يعود على هذا البلد الا بأشد الاضرار...».
وحول السياسة الخارجية اشار: «.... لقد قلنا في اكثر من مناسبة، اننا نؤمن بأن سياسة الحياد الايجابي، وعدم الانحياز لاي من المعسكرين الكبيرين المتنافسين، هي الخطة السليمة المحققة لمصالحنا، وصالح الاسرة الدولية عامة. واود ان اقول بصراحة ووضوح، اننا اصدقاء لجميع الدول التي نتعامل معها، اياً كان المعسكر الذي تنتمي اليه، علاقتنا بها جميعاً تقوم على الاحترام المتبادل والمساواة في المعاملة، مع عدم السماح لاي منها بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وان اي تدخل من اي منها في هذه الشؤون، ومهما كانت الروابط التي تربطنا بها، سوف ينبني عليه حتماً اعادة النظر في علاقتنا معها. فنحن لا نقبل بحال من الاحوال ان تساس امورنا من الخارج...».


--------------------------------------------------------------------------------

الانسجام والثقة بين الادارة المركزية ممثلة في الحكومة وبين بعض الهيئات والمؤسسات العامة المتمتعة بشخصية معنوية مستقلة.
ويمضي في هذا الاتجاه فيقول ان البلاد لا تتحمل تطاحنا بين الاجهزة المختلفة التي يجب ان يكون رائدها في العمل التعاون الوثيق المثمر، والتحرر من التقيد، وتعويق الاعمال، والغيرة على مصالح المجموع لا الغيرة على اختصاصات كل منها وصلاحياته او رغبته في الاستئثار بالسلطة.
كما ان التداخل في الاختصاصات بين جهاز البلدية وبين عدد من وزارات الدولة واضح لكل انسان، ويحتاج الى مزيد من التنسيق ولا شك ان ادارة جميع الشؤون المحلية المتطورة للقرى والمدن المختلفة من مركز واحد، وبواسطة جهاز واحد هو امر يستحق التأمل والنظر فيه. فاهل مكة ادرى بشعابها كما يقولون.
وعلى مستوى العاملين في الاجهزة الحكومية ومؤسساتها كان له وقفة طويلة ومريرة، عندما قال «واذا نحن انتقلنا من اجهزة السلطة التنفيذية الى العاملين فيها، طالعتنا ظاهرة خطيرة اخذت تتسرب الى ادارتنا الحكومية ومؤسساتنا وهيئاتنا العامة، واقصد بها انعدام الولاء لدى بعض الموظفين وهنا لا اقصد الولاء لشخص الوزير او الوزراء الذين هم في كراسي الحكم، فاشخاصهم زائلة ومتغيرة بطبيعة الحال، ولكن اقصد الولاء للدولة ككل، وللسلطة التنفيذية التي تمثل الدولة في قيامها بوظيفتها الحكومية والادارية.. هذا الولاء الذي يتطلب من الموظف الامانة التامة في أداء الوظيفة والقيام بكامل اعبائها واحترام الرؤساء وتنفيذ تعليماتهم بالدقة اللازمة في حدود القوانين واللوائح».
ويستمر في حديثه حول هذه الظاهرة مؤكدا: «ان انحراف بعض الموظفين عن هذه المبادىء الاولية لمعنى الامانة في اداء الوظيفة العامة، ينعكس اثره السيىء على سير العمل في المرافق العامة، فتتحول المصالح والادارات الحكومية الى تكتلات متباينة متنافرة، تذوب خلالها المسؤولية وتصاب مصالح الشعب بالاذى والتعطيل. فتعم الشكوى وينتشر السخط بين الجمهور من سوء الادارة الحكومية.
وينتهي من حديثه حول هذه المظاهر محذرا: «واذا كانت الحكومة قد التزمت سياسة اللين والتسامح مع هؤلاء حتى اتهمت بالضعف وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية فانها لن تتوانى من الان فصاعدا عن اداء واجبها في تنحية كل معطل لمصالح الشعب من اولئك الموظفين الذين لا يفهمون معنى الامانة في اداء اعمالهم».
وحول العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهي علاقة حذرة في الانظمة الديمقراطية كافة، تتسم بالمد والجزر، لكنهما في نهاية الامر تسعيان سويا للصالح العام وخدمة الاهداف العليا للدولة. ومن هذا المنظور القريب البعيد كان للشيخ جابر الاحمد وقفة امام هذه العلاقة حين قال: «ان نظام الحكم عندنا يقوم على اساس فصل السلطات، مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور. واذا كان الدستور قد قرر مسؤولية كل وزير سياسيا عن اعمال وزارته امام الامير وامام مجلس الامة، فانه قد قرر في الوقت ذاته ان مجلس الوزراء هو المهيمن على مصالح الدولة وهو الذي يرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الادارات الحكومية.
وعلى اساس من هذه النصوص الدستورية الصريحة، والاعراف البرلمانية فالاصل ان تطلق يد الحكومة في تصريف الشؤون العامة وفقا لما تراه محققا للصالح العام، في حدود الدستور والقوانين النافذة وان يمهد امامها الطريق لتعديل هذه القوانين متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، لا ان يضيق عليها الخناق لدرجة تفقدها القدرة على العمل، او تعوق نشاطها الحكومي والاداري».

ويمضي في هذا الاتجاه موجها حديثه لأعضاء المجلس، فيقول: «إن مجلسكم الموقر لا يألو جهدا في نقد اعمال الحكومة جملة، واعمال كل وزارة على حدة نقدا صريحا لا موارية فيه ولا مجاملة، وهذا حقكم بل واجبكم الذي ترحب به الحكومة كل الترحيب. ولكن هل من الصالح العام في شيء ان يضيع وقت السلطتين التشريعية والتنفيذية في موضوعات مكررة، او في اسئلة يشغل اعداد الاجوبة عليها اجهزة الحكومة ولا يفيد منها المجتمع شيئا؟ لانها لا تتناول في اغلبها الا مسائل شخصية، او لا يقصد بها إلا إحراج شخص وزير بالذات، او اثارة مناقشات جدلية لا طائل من ورائها، أليس من الافضل ان نركز على الموضوعات والاسئلة التي تعود على الشعب بالنفع العام، وان نرتفع بمناقشاتنا الى مستوى المسؤولية التي عهد بها الدستور ـ ايما عهد ـ الى الحكومة ومجلس الامة متعاونين فيما بينهما...؟».
وبكل معاني السمو والصدق والايمان بحق الوطن في البقاء والازدهار، وبحق المواطنين في حياة افضل، كانت دعوة الشيخ جابر الاحمد لمواجهة مواضع الخلل والتحديات بروح تضامنية شجاعة وعزيمة تعاونية لا يرقى اليها الملل او يصيبها السأم.. لقد جاءت دعوته، ليقول لابناء وطنه وشعبه: «علينا ان نضاعف جهودنا ونزيل كل عقبة في طريقنا، لرفع المستوى المادي والاجتماعي لمواطنينا الذين ما زال مستواهم دون ما نرجو لهم، ولتأمينهم وذويهم على حاضرهم ومستقبلهم.
علينا ان نوفر لجميع المواطنين بأقصر وقت ممكن، ومهما كلفنا ذلك، السكن الصالح فنزيد من بناء بيوت ذوي الدخل المحدود لتوزع على مستحقيها.
علينا ان نعيد النظر في اجراءات الاستملاك والتثمين ومشاكل التنظيم وتوزيع القسائم، كي يجد من ثمنت بيوتهم بديلا عنها بالسرعة اللازمة، وحتى لا تظل ممتلكات المواطنين معطلة بين ايديهم، فلا هم يستفيدون منها ولا هم يحصلون على تعويض عادل عن تعطيلها.
علينا تعجيل معاملات المواطنين وقضاياهم امام القضاء ودوائر الحكومة بقوانين تتفق وبيئتنا.
علينا ان نحقق لاحيائنا السكنية وقرانا وجزرنا مزيدا من العناية، مع التعجيل بتزويدها بالمرافق الحيوية الضرورية.
علينا ان نعيد النظر ـ منذ الآن ـ في أجهزتنا الادارية المختلفة على مستوى الادارة المركزية والادارة المحلية لإصلاح ما يحتاج منها الى اصلاح، وللتمهيد للتوسع ـ في الوقت المناسب ـ في نظام الحكم المحلي الذي يعتبر بحق اللبنة الاولى في صرح الحكم الديمقراطي في ظل توجيه الدولة ورقابتها طبقا لأحكام الدستور في هذا الشأن.
علينا ان نحمل العاملين في اجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات العامة على ادراك ان الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، هدفها مصلحة الجمهور والشعب عامة لا الأهواء الشخصية والمصالح الخاصة.
علينا ان ننسق سويا علاقات السلطتين التنفيذية والتشريعية لكي تعود للحكومة قدرتها على العمل المثمر لخير الجميع.
علينا ان نحمل الشركات العاملة في بلادنا، لاسيما القائمة على ثرواتنا الطبيعية، على تفهّم ان ما لها من حقوق يتطلب بالدرجة الاولى مراعاتها بالدقة اللازمة لكافة التزاماتها نحو الحكومة ونحو العاملين في هذه الشركات من المواطنين مع تحسين حالة هؤلاء بما يتمشى مع ما تحققه من منافع»..
هذا البيان التاريخي الذي أدلى به الشيخ جابر الاحمد امام مجلس الامة في بداية توليه ولاية العهد ورئاسته لمجلس الوزراء جاء معبرا عن حديث المجتمع الكويتي، وأماني وتطلعات شعب الكويت وهو يدخل عهداً جديداً، تقود رئاسة السلطة التنفيذية فيه شخصية اقتصادية متميزة عرفت بحنكتها وسعة افقها، وخبرتها ودرايتها بما يدور حولنا في عالم الاقتصاد والمال من تطورات ايجابية يعرف كيف يستفيد منها، واخرى سلبية يدرك ابعادها وكيفية تجاوزها والابتعاد عنها.
هذا البيان الذي هو بمثابة استراتيجية عمل لرئيس الحكومة، تناولته الصحافة المحلية بالتحليل والتعليق لمدة طويلة، تفاعل الكتاب والمحللون الاقتصاديون والاجتماعيون والسياسيون مع مضامينها الآنية وتوجهاتها المستقبلية.
هذه الحالة من الاستجابة والتفاعل التلقائي بين المواطنين ومضامين البيان لم تقف عند شرائح المثقفين والمفكرين من ابناء الكويت، بل ان صدى ذلك البيان الذي بدأ به الشيخ جابر الاحمد المرحلة الثانية من حياته السياسية والعملية بعد توليه ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، قد هز ارجاء دواوين الكويت وملتقيات اهلها ومنتدياتهم ليصبح حديث الناس والمجتمع كله.
وهذه الحالة من الامتزاج الفكري والوجداني بين المواطنين وبين الشيخ جابر الاحمد، فيما استعرضه من مشكلات مجتمعية، وما طرحه من حلول وافكار مستقبلية، لم تقف عند حدود الكويت، بل تجاوزتها الى وسائل الاعلام الخارجية التي اشادت بدورها بالبيان وبالكلمة وبالتحليل الموضوعي.
هنا، يشير عبد اللطيف البحر الى حوار جرى بين الشيخ جابر الاحمد وبين مجموعة من العاملين في الحركة العمرانية والمخطط الهيكلي للدولة والقائمين على الاسكان الحكومي ، فيقول: «.... واذكر في هذه المناسبة، عندما صارت ازمة السكن في الستينات، وكان قد تم توزيع القسائم السكنية الخاصة، وكان يجري بيعها، ثم فجأة اوقفوا البيع، وبدت بوادر الازمة السكنية، وكانت المشروعات والقسائم الحكومية ـ آنذاك ـ تقع داخل الدائري الرابع الذي انشىء عام 64/1965م، وليس خارجه..».
ويمضي البحر، فيضيف: «.... ومنذ حدوث هذه الازمة كان سموه يعطي كل اهتمامه لدراستها وحلها. فلما استحكمت حلقاتها طلب سموه ان نستدعي رئيس واعضاء مجلس البلدية لمقابلته، وطرح عليه فكرة الامتداد بالمشاريع الاسكانية الى ما بعد الدائري الرابع، حيث لم يعد هناك بديل آخر، وان الشباب مقبلون على الحياة ولهم احتياجاتهم، ولم يعد هناك قسائم تكفي. فقيل لسموه بأن هذه الاراضي تدخل ضمن املاك الدولة، وخارج تنظيم المدينة، فرد سموه بأن املاك الدولة هي للكويتيين ويجب توظيفها واستغلالها لخدمة احتياجاتهم الاجتماعية، وان الامتداد والنماء من سنة الحياة..».
ولو تتبعنا تحركات الشيخ جابر الاحمد البناءة، وانجازاته الوطنية خلال الفترة من 31 مايو عام 1966 حتى 31 ديسمبر عام 1977، وهي الفترة التي تولى فيها ولاية العهد ومقاليد رئاسة الحكومة.
لوجدنا انفسنا امام زخم من الافكار التي تسعى لمعالجة القضايا القائمة وطرح البدائل المناسبة برؤية مستقبلية تضع شأن الاجيال القادمة في اولويات حساباتها وبرامجها.. هذه الافكار والطروحات، وغيرها، جاءت ضمن بيانات ادلى بها امام مجلس الامة الكويتي في اكثر من خمس عشرة مناسبة.. متناولاً فيها الشأن المحلي بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، او مدافعاً عن قضية العرب الاولى ـ القضية الفلسطينية ـ بروح وطنية وقومية نالت الشكر والتقدير من الدوائر العربية كافة والمتعاطفين مع حركات التحرر الوطني في العالم. او داعياً للمشاركة في دعم عمليات التنمية في الدول العربية الاكثر احتياجاً، وفي الدول النامية الاشد فقرا، او مندداً بالممارسات العنصرية اينما كانت، وخاصة قضية الفصل العنصري في الجنوب الافريقي.
لقد اختار الشيخ جابر الاحمد دوماً منبر مجلس الامة للادلاء ببياناته الاصلاحية التزاماً بالواجب الدستوري، وايماناً بأن هذا المجلس هو بيت الكويتيين جميعاً، ومن خلاله تحدد المسؤوليات والواجبات والحقوق الوطنية، لتقوم كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية كل منهما في مجالها بتنفيذ ما يوكل اليها، وذلك تأكيداً لنص المادة الرابعة من دستور الكويت الذي حدد نظام الحكم في الكويت بأنه: وراثي محصور في ذرية المغفور له مبارك الصباح، وانه ديمقراطي، وان السيادة فيه للامة مصدر السلطات جميعاً. (المادة السادسة من الدستور).
الشيخ جابر الأحمد
أميراً وحاكماً لدولة الكويت

في 20 ذو الحجة عام 1397 هـ الموافق 30 ديسمبر عام 1977م، انتقل الشيخ صباح السالم الصباح امير دولة الكويت الى جوار ربه، بعد ان ترك خلفه مسافة زمنية في الحكم امتدت زهاء اثني عشر عاماً حافلة بالعمل والمنجزات.
وكان الشيخ جابر الاحمد رفيق دربه ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، يمده دوماً بما يحمله في فكره من مشروعات انمائية، وتطلعات مستقبلية واعدة لخير الكويت وشعبها، ولأنه كان موضع ثقة كبيرة لدى الامير الراحل، فقد تمكن الاثنان من السير بالدولة والمجتمع خطوات الى الامام، ترك معها الامير الراحل بصمات على سجل الكويت، لا يزال الجميع يتذكرها لكونها باتت جزءاً من تاريخ الكويت الحديث.
لقد عاشت الكويت منذ القدم في احضان الشورى اسرة واحدة متضامنة متكافلة متراحمة، وكان نظام الحكم واختيار الحاكم جزءاً من هذا النظام منذ عام 1170 هـ الموافق 1758م، عندما اختار الكويتيون الشيخ صباح بن جابر (صباح الاول) حاكماً لامارة الكويت، من خلال بيعة شارك فيها الجميع.. تجاراً وبسطاء حرفيين ومهنيين، حضراً وبادية.
هذا النظام الشوروي ظل ثابتاً ومستقراً في النظام السياسي لدولة الكويت. لا يقبل التأويل او التفسير، خاصة بعد ان التحمت من جديد ارادة الامة ممثلة بالسلطة والشعب في المادة الرابعة من دستور الكويت لعام 1962م، والتي تنص على الآتي: «الكويت امارة وراثية في ذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح، ويعين ولي العهد خلال سنة على الاكثر من تولية الامير. ويكون تعيينه بأمر اميري بناء على تزكية الامير ومبايعة من مجلس الامة، تتم في جلسة خاصة بموافقة اغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
وفي حال عدم التعيين على النحو السابق، يزكي الامير لولاية العهد ثلاثة على الاقل من ذرية آل الصباح فيبايع المجلس احدهم ولياً للعهد. ويشترط في ولي العهد ان يكون رشيداً عاقلاً، وابناً شرعياً لابوين مسلمين.
وينظم سائر الاحكام الخاصة بتوارث الامارة قانون خاص يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بهذا الدستور وتكون له صفة دستورية، فلا يجوز تعديله الا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور».
وقد حرص الدستور الكويتي ان يظل رئيس الدولة اباً لابناء الوطن جميعاً، وذلك حين نأى بالامير عن اي مساءلة سياسية وجعل ذاته مصونة لا تمس (مادة 54)، كما ابعد عنه مسببات التبعة وذلك بالنص على ان رئيس الدولة يتولى سلطاته الدستورية من خلال وزرائه (مادة 55)، وهم المسؤولون عن الحكم امامه (مادة 58) وامام مجلس الامة (المادتان 101 و 102).
وعليه، فإنه من خلال هذه النصوص الدستورية، والقانون رقم (4) لسنة 1964م في شأن توارث الامارة، ونظام الشورى الذي عرفه الكويتيون، ولا يزالون متمسكين به، جاء اختيار الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح اميراً لدولة الكويت.
المبايعة ركن أساسي في نظام الحكم

في 21 ذو الحجة عام 1397هـ الموافق 31 ديسمبر عام 1977م بويع الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح اميرا لدولة الكويت اثر وفاة المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح، ليصبح الامير الثالث عشر في أسرة آل الصباح، وثالث امير لدولة الكويت منذ استقلالها.
وكان الشيخ جابر الاحمد، كما عرف عنه في الدوائر السياسية، وما كتب عنه في الصحافة العربية والعالمية، قد اعد اعدادا جيدا لتولي مهام عمله اميرا للبلاد. فقد كان مسؤولاً عن الامور المالية ومهتما بأمور التخطيط وشؤونهما منذ اواخر الخمسينيات، وولي عهد ورئيس وزراء نشط في العطاء والابداع، كان قريبا من قضايا الدولة والاحداث الجارية في المنطقة وفي العالم، وكان مشهودا له بحب العمل والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، والدقة في تناول القضايا.
وكان لهذه الصفات والمميزات وغيرها دور رائد في حركة الاصلاح والبناء التي شارك فيها بفاعلية منذ مطلع الاستقلال، فقد أرسى واقعا، وقواعد جديدة للدولة والمجتمع العصري، قائما على القانون والنظام والعمل ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا ما سهّل لدولة الكويت الدخول الى المجتمع الدولي وهي تملك رصيدا كبيرا من مقومات المجتمع الحضاري:
وفي ذلك التاريخ، اي في 31 ديسمبر عام 1977م، ادلى رئيس مجلس الوزراء بالنيابة وزير الاعلام الشيخ جابر العلي السالم الصباح ببيان اعلن فيه»... باسم اخواني وابنائي واولادي من اسرة الصباح وايمانا بما يتمتع به حضرة صاحب السمو اميرنا ووالدنا المفدى الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح من حنكة ودراية ورؤية مستقبلية ثاقبة، ولما يكنه سموه لخير هذا البلد، ولما يشعر به من العاطفة الابوية التي يشمل بها كل ابنائه الكويتيين، ولتمسكه بكتاب الله وسنة رسوله، وتمثله بتراث الآباء والاجداد الذين ساروا عليه عبر ثلاثمائة سنة، في هذا البلد... بلد ذي ثلاثة اسوار، فاننا نعاهده بان نكون ابناء وجندا له مطيعين، عنه مفتدين... عاشت الكويت وعاش جابر»...
وعلى اثر هذا البيان قام ابناء الشعب الكويتي بمبايعة الشيخ جابر الاحمد اميرا للبلاد، وهو نهج وسيرة تعارف عليها ابناء الشعب الكويتي حكاما وشعبا، وهي سيرة عطرة وسنة حميدة حرص عليها الجميع، كواحدة من مبادىء نظام الشورى في الحكم، فالحاكم لا بد ان يحظى بقبول واختيار الجميع، سواء كان ذلك على مستوى الاسرة الحاكمة او على مستوى الشعب عامة، وان تاريخ الكويت يشهد منذ ان اختير صباح الاول حاكما للكويت بان نهج الشورى كان اساسا في اختياره، وظل هذا النهج وبقيت تلك المبادىء قائمة الى يومنا هذا، فالجميع ارتضاه منهجا ومبدأ وطنيا، وعمل بموجبه ولم يشذ عنه، وجاء دستور الكويت لعام 1962م. ليؤكد بوضوح في مادته الرابعة هذه المبادىء والاعراف التي جبل عليها اهل الكويت، وساروا على هداها.
وامام هذه الرغبة الشعبية الاجماعية، وكاجراء دستوري قام الشيخ جابر الاحمد بأداء اليمين الدستوري في اليوم التالي، وذلك في اجتماع عقده مجلس الوزراء في قصر المسيلة برئاسة رئيس مجلس الوزراء بالنيابة ووزير الاعلام الشيخ جابر العلي السالم الصباح، جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

«اقسم بالله العظيم ان احمي الدستور وقوانين الدولة، واذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، واصون استقلال الوطن وسلامة اراضيه».
ثم قدم رئيس الوزراء بالنيابة وزير الاعلام الشيخ جابر العلي اكبر الاعضاء سنا من الوزراء حمود يوسف النصف، وهو وزير الاشغال العامة آنذاك، ليلقي كلمة في هذه المناسبة، جاء فيها:
«... يا صاحب السمو لقد فقدنا اليوم ببالغ الحزن والاسى اميرنا ووالدنا وقائدنا صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح، تغمّده الله برحمته ورضوانه، وألهمنا الصبر والعزاء، لقد اراد خيرا للوطن فألهمه الله ان يختاركم وليا لعهده، وتكون محله عند القضاء المحتوم لتكملوا مسيرة كويتنا العزيزة نحو تقدم ورفعة البلاد، ونحن واثقون انكم تحملون الامانة بكفاءة ومقدرة، لتواصلوا العهد من اجل الكويت، داعين لكم بالتوفيق والنجاح»...
وفي الثاني من يناير عام 1978م وجه الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت كلمة الى الشعب الكويتي أبّن فيها المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح طيّب الله ثراه... ذاكرا صفاته الحميدة وحبه لأهل الكويت ومكانته في قلب كل مواطن... مشيرا الى الدور الرائد الذي بذله في بناء الكويت الحديثة... آخذا على نفسه الوعد بان يسير على خطاه في عملية البناء والتحديث.

وفيما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

اخواني وابناء وطني،،،،
بقلوب مليئة بالحزن والأسى شيعنا والدنا البار، وقائدنا الحكيم، ورائد نهضتنا، فقيدنا العظيم المغفور له صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح الى مثواه الاخير.
لقد كان اميرنا الراحل والدا للجميع، احب الكويت واهلها حبا خالصا، وبادلته الحب والاخلاص، وكان وفيا لأمانيها وتطلعات شعبها، فبادلته الوفاء والولاء.
لقد كرّس كل حياته منذ صغره لخدمة هذا الوطن، وبقي يتحمل الاعباء والمسؤوليات على حساب راحته وصحته، وأدى واجبه كاملا حتى آخر لحظات حياته.
لقد كان لفقيدنا الكبير ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ مكانة رفيعة ومقاما ساميا في قلب كل مواطن من ابناء هذا البلد الامين، ولدى كل من عرفه من ابناء العروبة والاسلام، ولا استطيع ان اعبر عن مشاعري بصورة اعمق مما عبر عنها شعبنا العزيز في وداعه لقائده واميره، فقد عبّرت الكويت بأسرها عما تكنه من مشاعر اصيلة لفقيدها العزيز ومقدرة في الوقت ذاته لاشقائها في العروبة والاسلام مشاركتهم لها في مصابها الجلل.

اخواني،،،
لقد بذل الامير الراحل كل جهده من اجل تقدم وازدهار ورفعة وطننا الحبيب، حتى وصلت الكويت في عهده الميمون الى ما وصلت اليه، من مكانة محمودة لدى الدول الشقيقة والصديقة كافة، واحتلت مكانها اللائق في المجال الدولي، وسوف نكمل المسيرة الخيرة التي اختطها فقيدنا الكبير، ونسير على خطاها لنحقق لوطننا مزيداً من الانجازات في مختلف المجالات. وسنبذل كل ما في وسعنا من جهد ووقت لتحقيق ما يصبو اليه شعبنا من امن وأمان.
وفي الختام، اتوجه بالشكر والتقدير الى ابناء شعبنا الكريم كافة، والى المقيمين في رحاب هذا الوطن العزيز كافة والى كل من شارك في مواساتنا بمصابنا الاليم من الدول الشقيقة والصديقة.

وفقنا الله جميعاً
وسدد على دروب الخير خطانا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

لقد اعتاد الشيخ جابر الاحمد منذ توليه رئاسة الحكومة ان يطرح على الشعب الكويتي، ومؤسسات المجتمع المدني في الكويت وعلى رأسها مجلس الامة الكويتي، برنامج عمله المستقبلي. شارحاً امانيه وطموحاته وتطلعاته لجعل الكويت بلداً ومجتمعاً حضارياً، وواحة امن وأمان للجميع، ينعمون بخيراتها ويتفيأون ظلالها، ويشاركون في بنائها وطناً عزيزاً للجميع، تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
نقول، لقد اعتاد الشيخ جابر الاحمد ان تكون له مثل هذه الوقفة، فهي فرصة يتاح من خلالها للشعب الكويتي ان يراجع معه ما تم انجازه تمهيداً للانطلاق معه الى المستقبل. وكان عند عادته، فحين وجه خطاباً سياسياً الى الشعب الكويتي يوم 14 فبراير عام 1978م، بعد انتهاء فترة الحداد الرسمي لوفاة الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، اعلن فيه عن رؤيته المستقبلية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والادارية، والعسكرية. مؤكداً ان الديمقراطية ليست مجرد الاطار الشكلي البرلماني، بل هي مفهوم حقيقي وممارسة شعبية فعلية نابعة من تراثنا وتقاليدنا، وفي هذا الصدد يقول: «..... لقد عاش شعبنا على هذه الارض الطيبة على مر السنين، تجمع بيننا اواصر القربى والتراحم، وتشدنا عرى التكاتف والتكافل، وقد الف الله سبحانه بين قلوبنا، وكان امرنا دائماً شورى، حتى غدت الشورى صفة اساسية للحكم، حرصت اجيالنا المتعاقبة على التمسك بها. فالديقمراطية متأصلة في نفوسنا جميعاً ككويتيين منذ القدم، الديمقراطية الصحيحة لا تعني مجرد الاطار الشكلي البرلماني، ولكنها تعني المفهوم الحقيقي والممارسة الفعلية للديمقراطية. وسنظل حريصين على ترسيخ ديمقراطيتنا الاصيلة بالمشاركة الشعبية النابعة من تراثنا وتقاليدنا، والتي سنعمل على تطويرها وانضاج ممارستها تلبية لمتطلبات مجتمعنا الجديد في اطار قيمنا واخلاقنا ومبادىء ديننا الحنيف...».
ويمضي مستقياً العبر من انجازات الماضي، فيقول: «.... اننا اذ نذكر بالتقدير ما قام به الآباء والاجداد من اعمال وتضحيات، وما خلفوه لنا من منجزات، يجب علينا ان نواصل مسيرتهم ساعين لتحقيق الافضل والمزيد من التقدم والرقي لوطننا ومجتمعنا. وان ما نطمح اليه اليوم ونسعى لتحقيقه في المرحلة الجديدة من نهضتنا، هو بناء كويت المستقبل والمجتمع الافضل الذي تتعزز فيه منجزاتنا القائمة على الحق والعدل والاخاء والمساواة والعيش الكريم للجميع، والذي نعمل فيه جميعاً اسرة متحابة من ا جل خير الوطن ورفعته....».
لقد تحدث الشيخ جابر الاحمد في هذا الخطاب الجامع عن جملة من التحديات العصرية الكبيرة التي تواجه مسيرة الدولة والمجتمع. مشيراً الى ان الاوضاع الادارية في المؤسسات العامة للدولة تحتاج الى تحديث وتطوير على جميع المستويات... تنظيماً واسلوباً وافراداً، كي تستطيع ان تواكب متطلبات المرحلة، ومعطيات علم الادارة الحديثة وتقنيتها. وهنا يشير الى الاوضاع القائمة بالنقد الموضوعي، والتوجيه البناء، فيقول: «.... ان بناء كويت المستقبل هو التحدي الكبير الذي يجب على جيلنا ان ينهض لمواجهته، وينذر نفسه لتحقيقه، وعلينا من اجل ذلك ان نشرع في بناء الدولة الحديثة التي تأخذ بأسباب التقنية المتقدمة، والاسباب العصرية في مختلف مجالات الحياة. ولعل اول ما ينبغي البدء به تحديث الادارة العامة والجهاز الوظيفي للدولة، وتطبيق المقهوم الحقيقي للوظيفة العامة باعتبارها خدمة عامة، وان الموظف العام من رئيس الدولة الى اصغر موظف في اجهزتها انما هو خادم لهذا الشعب الذي اعطاه ثقته، فيجب ان يصون هذه الثقة بالنزاهة والجدية ورعاية مصالح المواطنين دون اي تقصير او محاباة، وفي الوقت ذاته ينبغي النظر بعين الاعتبار لتحسين اوضاع العاملين في مختلف اجهزة الدولة من مدنيين وعسكريين، كما ينبغي تطوير وتحسين المرافق والخدمات العامة في القطاعات كافة، وتعديل القوانين والانظمة بما يكفل حل مشاكل المواطنين في تعاملهم مع وزارات الدولة وادارتها...».
وعلى مستوى البناء الاقتصادي، والمشاركة الشعبية في بناء المجتمع، يدعو الشيخ جابر الاحمد باستمرار الى ضرورة الاخذ بسياسة الاعتدال في استغلال موارد الدولة، وحسن استثمار عائداتها، وحفظ حق الاجيال القادمة فيه، منوهاً بنشاط القطاع الخاص ودوره المشهود في تاريخ الكويت، متطلعاً الى دور اكبر لجامعة الكويت والمعاهد والمراكز العلمية ومؤسسات المجتمع المدني في بناء كويت المستقبل، الا ان وقفته امام بناء الانسان الكويتي كانت وقفة طويلة، حين يقول: «... ينبغي ان لا نغفل حقيقة اساسية، وهي ان افضل واحدث المعدات والاساليب التقنية لا يمكن ان تؤتي الثمرة المرجوة منها ان لم يقم عليها الانسان الكفء الجاد المخلص. لذلك فإن عملية بناء الدولة الحديثة يجب ان تواكبها عملية بناء الانسان الكويتي، واعداده لمواجهة تحديات العصر. وسوف يكون للشباب النصيب الاكبر من عنايتنا واهتمامنا فكويت الغد هي كويت الشباب رجالاً ونساء تنبض عروقها الفتية بدم الاشباب، وتنطلق الى المستقبل الزاهر بعزيمة الشباب وخطاه...».
ويمضي ناصحاً الشباب نصيحة الوالد الموجه، فيقول: «.... اننا نريد شبابنا ان ينشأوا على الكفاح والجد والخشونة، والبعد عن الترف وحب المظاهر، مقتدين بآبائهم في الطموح وشدة المراس، وعدم الاسترخاء او التواكل....».
ومن الشباب الى المواطنين عامة رسالة مماثلة حملها اليهم، يقول فيها: «نريد للمواطنين عامة ان يقدسوا العمل الشريف أيا كان نوعه، وان يقدروا قيمة الوقت ويكرسوه من أجل خدمة مجتمعنا.. نريد للمواطنين ان يحرصوا على المرافق والاموال والخدمات العامة، فلا يسرفوا في استهلاكها،. وان يتحلوا بروح الايجابية والتعاون مع جهود الدولة للصالح العام، وان يدركوا ان المعيار الحقيقي للمواطنة هو بمقدار الاسهام في خدمة الون، وتحقيق التوازن العادل بين الحقوق والواجبات وبين الاخذ والعطاء.».
ويعود من جديد ناصحا ابناء وطنه، شارحا لهم ما يجيش في فكره وتطلعاته المستقبلية، فيقول: «ان وطننا يتطلع اليوم الى جيل مؤمن بربه ووطنه، يعكف على التزود بالعلوم والمعرفة والتقنية، ويجمع بين الاخذ بأساليب العصر الحديثة والتمسك بديننا وقيمنا ومثلنا واخلاقنا ويسعى الى اثراء حضارتنا العربية والاسلامية العريقة بانتقاء الارفع والانفع من ثمار الحضارات الاخرى بغير خضوع او انقياد لها..».
وعلى المستوى السياسي جاء صوت الشيخ جابر الاحمد معبرا بصدق وقوة عن مواقف الكويت الداعمة لقضايا الامة وحقوقها، المتمسكة بعروبتها الملتزمة بمواصلةسياستها الخارجية، القائمة على ثوابت قوامها الحياد والوسطية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول اخرى، ومما يشير اليه في هذا الصدد أن: «الكويت المؤمنة بدينها وعروبتها، ستظل وفية وصادقة مع نفسها واشقائها، وستظل تكافح من أجل تعزيز التفاهم والتقارب ووحدة الكلمة، منتهجة سياستها المعروفة نفسها تحاه شقيقاتها الدول العربية، محترمة التزاماتها وتعهداتها، ساعية نحو علاقات الأخوة والثقة المتبادلة، متمسكة بقرارات القمة العربية، ومخلصة لشعب فلسطين ونضاله الوطني».
ويمضي مؤكدا: «وستواصل الكويت انتهاج سياستها الخارجية الثابتة ، وستظل تبنى علاقاتها مع سائر الدول على اساس التقدير والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، دون تمييز بين شرق وغرب، وبما يخدم مصالحنا الوطنية وقضايانا القومية».
وفي نهاي هذا الخطاب السياسي، توجه الشيخ جابر الاحمد الى ابناء شعبه حاملا اليهم ما يختلج في نفسه وفكره من نوازع الخير لوطنه.. طارحا امامهم تصوراته المستقبلية لكويت الغد.. داعيا الجميع للعمل يدا واحدة. بقوله: «لا يظن اي فرد منكم انه غير مسؤول، او ان المسؤولية يتحملها غيره، فكلنا اخوة متساوون، لا فرق بين كبير وصغير، غني وفقير الا بالحق وخدمة المواطن. وكلنا اخوة متحابون وابناء بلد واحد، ولا مكان للحسد او الحقد في نفوسنا، والكويت لنا جميعا، وعلينا جميعا مسؤولية بنائها، والذود عنها، ودفع عجلة التقدم والرقي فيها. ولكل واحد منا دوره وواجبه ومسؤوليته. وعلى جيلنا الحاضر مسؤولية جماعية خاصة، تفرضها تحديات عصرنا وطموحنا لان نجعل من الكويت مجتمعا حضاريا رائدا».
ويضيف مشجعا الارادة والهمم، فيقول: «هذا هو قدر جيلنا، وعلينا ان نرتفع الى مستواه.. نحمل عن طيب خاطر عبء المسؤولية التي سبقنا الى حملها الآباء والاجداد وننذر انفسنا للقيام بها خير قيام، ثم نسلمها حين يشاء الله لمن بعدنا. وحسبنا ان يقال عنا ـ حينئذ ـ أننا أدينا الامانة، وحافظنا على كويتنا الحبيبة، واضفنا لبنة الى صرحها العتيد..!».
وكان في قمة الصدق والايمان بارادة شعبه، حين وقف مناشدا: «انني ايها الاخوة اذ اتحدث اليكم هذا الحديث ادعوكم جميعا ان تعينوني بسواعدكم.. تعينوني بمشورتكم. تعينوني باقتراحاتكم. فنحن اقوياء بتكاتفنا.. اقوياء بتعاضدنا.. اقوياء برباط المحبة والتعاطف بيننا».
لقد أراد الشيخ جابر الاحمد من خلال هذا البيان التاريخي ان يقف على نبض الشارع الكويتي حول مجمل المشكلات المجتمعية، وبخاصة الاجتماعية منها والاقتصادية والاستئناس برأي قطاعات الشعب المختلفة ومؤسسات المجتمع حول خطط الدولة المقبلة، والتعرف على مرئياتهم بشأن التداعيات الحضارية التي صاحبت انتقال المجتمع من حالته البسيطة وعلاقاته الاولية الى دولة عصرية يسودها النظام والقانون.. انها صورة من صور الديمقراطية والمشاركة في تحمل مسؤولية بناء الوطن والمواطن.







التوقيع

==
أنا الذهب ومهما صار فوقه غُبار
==
قديم 01-07-2005, 02:21 AM   رقم المشاركة : 12
الذهبي
عضو مبدع
 
الصورة الرمزية الذهبي






الذهبي غير متصل

الذهبي كاتب رائع


افتراضي

سموه يدشن فترة حكمه باللقاءات مع الشعب وفعاليات المجتمع الأمير يعتمد الاتصال المباشر بالمواطنين أساساً لتلمس معاناتهم ومشكلاتهم
اللقاء بالشعب وفعاليات المجتمع

لقد وجد الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت ان الخطوة التالية لتحركاته لا بد ان تكون من خلال الاتصال المباشر بالمواطنين، سواء أكان على المستوى الرسمي ام الشعبي، ذلك لان معاناة الناس ومشاكلهم لا يمكن تلمسها والاحساس بها الا عن قرب، ومن خلال المعايشة الشخصية لها، وان الافكار والمبادىء والبرنامج المستقبلي الذي طرحه في كلمته السياسية، ووجهه للشعب الكويتي بمناسبة انتهاء فترة الحداد الرسمي على الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، لا بد ان تصل الى كل مواطن والى جميع شرائح المجتمع، وذلك في محاولة للوقوف على ردود الفعل لتلك الكلمة التي حاولت ان تحدد معالم المسيرة الكويتية المستقبلية.
نقول، من هذا المنطلق كان للشيخ جابر الاحمد زيارات ولقاءات مع المواطنين في مناطق سكنهم، اتيحت الفرصة فيها لكل مواطن ان يعبر عما يختلج في صدره، وان يسأل ما يريد في جو اسري، وعلاقات تسودها الديموقراطية والكلمة الصادقة، وكانت اجاباته وردوده على تلك التساؤلات بمثابة اشارة للمراقبين عما كان يريد ان يقوله لابنائه وشعبه، وماهي الرسالة التي كان يحملها لتصل اليهم نقية صافية في لقاء الوجه للوجه.
ففي 24 ابريل عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع الرعيل الاول، رجال البحر، جمعهم في مأدبة عشاء اقامها لهم في منزله بقصر دسمان، وكان له كلمة في هذا اللقاء، نذكر منها: «... يسعدني جدا ان اجتمع بالرعيل الاول، وفي الواقع انهم يمثلون آباء لي، وفيهم من يمثل اخوانا لي، واني اؤكد بأنني دائما لهم، ولا احب ان اسمع بان هناك مظلوما او محتاجا او عنده مشكلة، فبابي مفتوح لكم جميعا فاعتبروني ابنا لكم، وهذا في الواقع لا ينطبق فقط عليكم انتم بالذات، بل على كل كويتي، ارجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ ان يوفقنا لما فيه خير هذا البلد وعزته»....
وبتاريخ 26 ابريل عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع الضباط في سلاح الطيران والدفاع الجوي الكويتي، حيث تفقد قاعدة احمد الجابر الجوية مستمعا الى شرح مفصل من كبار ضباط سلاح الطيران عن طبيعة وسير العمل. وقد القى في هذه الزيارة كلمة، جاء فيها: «... لقد أثلج صدري ما رأيته اليوم في سلاح الطيران والدفاع الجوي، حيث انه احد المرافق الاساسية لحماية بلادنا وامتنا العربية، وان ما رأيته اليوم ليدل على ايمان وتصميم شبابنا ورجالنا على الذود عن بلادهم وامتهم العربية»...
ويمضي مؤكدا: «... انني أحرص دائما على الاتصال بفئات الشعب كافة حتى نكون اقرب الى بعضنا، ونوثق روح الاسرة الواحدة التي بيننا، وانني على ثقة من ان شبابنا قادر على تحمّل مسؤولية الدفاع عن الوطن والامة، ولن تكون زيارتي هذه لكم الاخيرة، بل سأزوركم مرات عديدة، وأتمنى للجميع في القوات المسلحة كل توفيق في كل خطواتهم الهادفة الى حماية هذا الوطن، وهذا الشعب، وهذه الامة»...
وبتاريخ 2 مايو عام 1978م التقى الشيخ جابر الاحمد مع رئيس واعضاء مجلس الادارة الجديد لجمعية الصحفيين الكويتية، فتحدث اليهم بانفتاح وصراحة كاملة، قائلا: «... اننا نريد من الصحافة الكويتية ان تكون عامل بناء دائما، وهذا لا يعني اننا نصادر حق النقد، بل اننا نرى ضرورة قيام الصحافة بالنقد البناء»...
ويضيف قائلا: «... انني اتابع ما تكتبه الصحف الكويتية، وأبحث عن النقد، لانني كمسؤول لا يمكن ان ألم بكل شيء، ولهذا فانني اعتمد على ما تكتبه الصحف من نقد، ومن هنا، فانني ارجو ان تكون صحافتنا على مستوى المسؤولية، وان تناقش مشاكل الكويت بكل موضوعية، وتوجه المسؤولين الى ما فيه مصلحة الكويت، وهذا يستدعي ان تكون هناك علاقة بين الصحافة والمسؤولين»...
ويستطرد في الحديث فيقول: «... انني من جانبي على استعداد، وفي اي وقت، لاستقبالكم وسماع مشاكلكم، كما ارجو ان تكون لكم لقاءات مع المسؤولين، وتأكدوا انهم يرحبون بذلك، سواء سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء او الوزراء او اي مسؤول في الدولة، لان الصحافة لها دور كبير في رصد اتجاهات الرأي العام، وهذا يهمنا...».
وبتاريخ 8 يونيو عام 1978م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة محافظة الفروانية، حيث التقى هناك بابنائه ورجالات المنطقة، وذلك للوقوف والاطلاع عن كثب على اوضاع المنطقة ومشاكلها الحياتية، ففي حديثه مع المواطنين هناك، اشار: «... ان زيارتي لبعض المناطق التي تنقصها أمور كثيرة من الخدمات هي لتأكيد رعايتنا لهذه المناطق حتى تصل للمستوى المطلوب، كما هي الحال في المدينة....».
ويمضي قائلا: «... انه امر طبيعي في كل بلدان العالم ان تنمو العواصم قبل غيرها من المناطق الاخرى، لكن الواجب يحتم ان تنمو كل المناطق، وتنهض معا»...
ويحاول ان يلامس الواقع، فيقول: «... انني لم احضر هنا لألقي كلمات او خطب، بل جئت اليكم وانا مؤمن بالعمل الجاد والمثمر، ولا تفرقة عندي بين المدينة والقرية لان الجميع سواسية، وجميعكم اخوة اعزاء عندي...».
ويختتم حديثه بالقول: «... من الطبيعي ان ينظر الانسان للمفاهيم نظرة الحريص على تحقيقها، وهدفنا هو الصالح العام، وانني ادعوكم الآن لترك الرسميات واطلب منكم حوارا مفتوحا، فدعونا نتحدث في محبة وسعادة من اجل رفع مستوى الوطن والمواطن»...
وبتاريخ 10 يونيو عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع مواطني محافظة الاحمدي، حيث تحدث اليهم قائلا: «... الحقيقة انني سعيد بالاجتماع مع اخوة لي اليوم، كما استمعت لاخوة لهم في الاسبوع الماضي. وفي الواقع ـ كما ذكرت في لقائي السابق ـ انني لا اريد القاء الكلمات او الخطب، وانما نحن في ديوانية كبيرة نستمع ونبحث عن الحقيقة. فهناك امور عديدة يجب ان تتوفر لكم في المنطقة.. أمور تهم الجميع وللصالح العام. اما الامور الخاصة او التي تهم فرداً معيناً، فلا مجال هنا لطرحها . ان ما يجب الاستماع اليه هو امور المنطقة التي تهمنا بشكل عام... هذه الامور هي التي اريد بحثها هنا مع اخواني ابناء المنطقة...».
وحول ذكرياته في هذه المحافظة قال: «.... ان محافظة الاحمدي لها وقع عزيز على نفسي، لانها كانت اول عمل رسمي لي، حينما كانت مدينة الاحمدي مجرد بيوت متناثرة من الخيام والبيوت الخشبية. وان عملنا بهذه المدينة ـ آنذاك ـ لم يدفعنا للتأفف والاحتجاج، بل ان خدمة الوطن دفعتنا للعمل في اي مكان وفي اي موقع..».
وبتاريخ 18 يونيو عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع مواطني محافظة الجهراء اكد فيه على اهمية روح التعاون والاخوة المستمرة بين ابناء الشعب الكويتي. وقال في معرض حديثه لاهالي المنطقة«... الحقيقة كما سعدت بلقاء اخوان لكم في المناطق التي زرتها، يسعدني ان ازور اخواني في هذه المنطقة.
ان مثل هذه الزيارات في الواقع يجب ان تستمر لمعرفة ما يجري، ومعرفة المتطلبات التي تهم المناطق، والتي يجب علينا كمسؤولين ان نلبيها لهم، انطلاقاً من الثقة التي اولاني اياها الشعب الكويتي لاحتل هذا المركز، من ثم فإن الواجب يحتم عليّ ان اتفقد احوال هذا الشعب لاكون عند ثقته...».
ويمضي في حديثه ، فيقول: «... اليوم أزور هذه المنطقة، والجهراء بالذات ستكون آخر زيارة لي من هذه الزيارات في الوقت الحاضر، وآمل ان أتمكن من زيارة مناطق اخرى كلما دعت الحاجة الى ذلك. ان الجهراء لها شرف احتواء القصر الاحمر الذي يمثل ويرمز الى الشجاعة والى التضحية ويرمز الى التعاون الذي صمد امام من حاولوا المساس بتراب الكويت، والذي كان نقطة تغيير في تاريخ الكويت.
ولو حصل ـ لا سمح الله ـ أي تخاذل، او حصل اي تسليم من قبل من كان يحمي هذا القصر، لكان قد حدث مالا تحمد عقباه. ولكن بالصبر والشجاعة والتضحية والمساندة، عندما استنجدوا باخوانهم في الكويت، هبت الكويت عن بكرة ابيها لمساندتهم في الدفاع عن ارضهم. ان هذا المنطق يؤكد حقيقة واحدة، وهي انه بالتعاون المستمر بين ابناء الشعب الكويتي في سبيل وطنهم وفي سبيل ارضهم، نجح ابناء الكويت في صد الكثير ممن حاولوا ان يمسوا تراب هذا الوطن، او كانت لهم اطماع في هذا البلد...و.
وينتهي من حديثه مؤكداً لمحدثيه انه «... بالتعاون المستمر، وبالتآخي وبانكار الذات، سنصل دائماً الى هدفنا المنشود في الحفاظ على استقلال بلدنا، وارض بلدنا...».
وبتاريخ 28 يونيو عام 1978 كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع ضباط ومسؤولي القطاعات التابعة لوزارة الداخلية، بعد ان تفقد اهم ما حققته الوزارة من اعمال وانجازات. وكان له في هذا اللقاء كلمة، جاء فيها: «... قبل فترة زرت اخواناً لنا في الجيش وفي سلاح الطيران والحرس الوطني، واليوم ازور اخواناً لي في وزارة الداخلية. وقد استمعت الى شرح من مختلف الادارات التابعة للوزارة، ويمكن ان يكون هناك ملاحظات لا مجال هنا لشرحها، لكنني اقول ـ بشكل عام ـ اننا كمسؤولين، من اكبر واحد في هذه البلد الى اصغر واحد، علينا ان نجد، وعلينا ان نجتهد وان نخلص..».
مشدداً هنا على كلمة: (النزاهة... النزاهة.. ثم النزاهة في عملنا).
موجهاً حديثه لجميع العاملين بالاجهزة الرسمية في الدولة دون استثناء، حين قال: «... يجب الا تغرينا المسائل المادية، وان لا تؤثر على الوظيفة التي كلفنا بها، ونحن هنا كمسؤولين جئنا لخدمة شعبنا، ويجب ان نكون عند ثقة هذا الشعب فينا...».
ويمضي مؤكداً: «... وفي الواقع انا احب ان اوجه هذا الكلام بصفة عامة، وليس فقط للمسؤولين في الداخلية او في الادارات الاخرى، انما كمسؤولين.. مني شخصياً الى اصغر واحد فينا...»
وهنا استدرك ملاحظة على قدر من الاهمية، حين اشار: «... لكن هنا احب ان ابرز نقطة واحدة خاصة برجال الشرطة والامن، وهي ان المواطن ينظر الى الشرطي وكأنه عدو له، ومن المؤسف ان هذه النظرة ليست في الكويت وحدها وانما في مختلف البلدان. وهنا، يجب ـ كرجال شرطة ـ ان نشعر هذا المواطن بأن وجودنا هو لحماية حياته، ولحماية ارضه، ولحماية ماله ـ وعلينا بالصبر ازاء بعض التصرفات التي يقوم بها المواطن، فمن واجبنا ان نكون لطيفين معه. ومن واجبنا ايضاً ان نهديه الى الطريق القويم. لكن هذا لا يعني انه ليس هناك بعض المستهترين الذين يتحدون القوانين، او يتحدون كرامة رجل الشرطة، مثل هؤلاء يجب ان نقف منهم موقفاً صارماً، ولا نسمح لهم بذلك، لان رجل الشرطة او رجل الامن له كرامته مثل اي شخص آخر...».
ويضيف في هذا الاتجاه قائلاً: «..... في الواقع هناك اشياء وملاحظات كثيرة يمكن بحثها مع الوزير لامكانية تلافيها في المستقبل، ولا مجال الان لذكرها. وما احب ان اقوله لكم الان هو ان نعمل بجد واخلاص، مترفعين عن كل شيء يؤثر على عملنا ووظيفتنا، اذا اردنا ان نرضي الله ـ سبحانه وتعالى ـ اولاً، وان نرضي ضمائرنا ثانيا. لان العمل الذي نقوم به عمل جاد وهادف...».
وبتاريخ 10 يوليو عام 1978م اقام الشيخ جابر الاحمد في منزله بقصر دسمان مأدبة عشاء تكريما لرجال الدين، القى خلالها كلمة ترحيبية بالحضور، جاء فيها: «.... ان مهمتكم كبيرة ازاء مواطنيكم، وازاء المسلمين عامة، انكم تعملون ما في وسعكم لتنبيه المسلمين الى ما امر الله ـ سبحانه وتعالى ـ به وما نهى عنه، متبعين في ذلك سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم...».

ويستطرد قائلاً: «... اننا نجتمع الليلة لنتدارس ولنتباحث في الامور التي تهم ديننا وعقيدتنا السمحة، وما تفرضه هذه العقيدة من واجبات علينا. وقد كلفت الاخ وزير الاوقاف بأن يشكل لجنة من اخوانه رجال الدين،لتكون على اتصال معي في الامور التي تهم ديننا وعقيدتنا. هدانا الله ووفقنا لما فيه خير هذه الامة...».
وبتاريخ 2 اغسطس عام 1978م تفقد الشيخ جابر الاحمد اللواءين الخامس عشر والسادس للجيش الكويتي، بادئاً زيارته للواء الخامس عشر، وبعد ان استمع الى شرح حول الواجبات المناطة باللواء وحدود مسؤولياته، توجه فألقى كلمة بضباط اللواء، جاء فيها: «.... ان زيارتي لكم هي لاستمرارية الاتصال بكم، وليكون المسؤول الاول مع ضباطه دائماً، يتحسس الامور التي تعود بالمصلحة العامة على هذا البلد وشعبه الوفي...».
وكان اللقاء الثاني مع اللواء السادس الذي وجه له كلمة، جاء فيها: «.... ان هذه الزيارة ستتبعها زيارات اخرى لجميع مؤسساتنا العسكرية التي هي اهم جزء في مجتمعنا الكويتي...».
ويمضي ليضيف: «... لاشك، ان المهمة كبيرة، والمسؤولية شاقة، فعلينا ان نتحمل جميعاً الدفاع والذود عن هذا البلد كل من موقعه، اننا بالاخلاص والوفاء سنصل للهدف المنشود لنا. ثقتي بكم كبيرة لرفع مستوى هذا الجيش الى المكان اللائق به لخدمة وطننا وشعبنا الوفي وأمتنا العربية...».
وبتاريخ 15 اغسطس عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع رواد الرعيل الاول من ابناء الكويت، وكانت لفته كريمة منه حين قام بزيارة المقهى الشعبي الكائن في منطقة السالمية، وذلك في اطار الزيارات التي حرص على القيام بها بعد توليه مقاليد الحكم، حيث تبادل الاحاديث الاسرية مع الرواد الاوائل والبحارة القدامى. ومما جاء في حديثه في هذا التجمع الشعبي: «... انتم الذين قامت الكويت على سواعدكم وعلى اكتافكم... انتم ابناء اولئك الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الكويت. ولا انسى ايضاً كثيراً من التجار الذين دفعوا اموالهم عندما احتاجت الكويت لهذه الاموال في سبيل الدفاع عنها...».
ويمضي في هذا الحديث قائلاً: «... نحن كلنا نعيش في حلقة واحدة لا نسمح لأي واحد ان يدخل فيما بيننا.. اننا اخوان، واننا اهل ديرة واحدة، ولا يوجد بيننا حجاب ولا بيننا مانع، وان شاء الله تدوم هذه المحبة لما فيه مصلحة بلدنا وعزة بلدنا. واننا ما دمنا متكاتفين متضامنين متحابين فلن يقدر احد على ان يدخل او يتدخل بيننا..».
وبتاريخ 18 اكتوبر عام 1978م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة جمعية المكفوفين الكويتية متفقدا فيها المطبعة، وقسم الكهرباء. والمكتبة الصوتية والبصرية، مطلعا على احوال المكفوفين متلمسا احتياجاتهم وما يواجهونه من مشكلات حياتية.
وقد ألقى كلمة امام اعضاء الجمعية، جاء فيها: «جئتكم اليوم لأشعركم بانكم فئة من هذا المجتمع يجب علينا ان نقدم لها كل ما نستطيع من أجل اسعادها. لقد لاحظت في زيارتي هذه النشاطات التي تقوم بها الجمعية، وهي ان كانت محددة، فان سبب ذلك يرجع الى عدم استطاعة الجمعية في مقرها الحالي ان تتوسع في نشاطاتها. ونحن الان بصدد مساعدة جميع جمعيات النفع العام والاسهام في منشآتها..».
وأضاف قائلا: «ومن الطبيعي ان جمعيات المعاقين سواء المكفوفون، ام الصم والبكم، وغيرها من جمعيات النفع العام، لها الحق في ان نوفر لها كل ما نستطيع حتى لا يشعر اعضاؤها باي نقص، ولكي يشعروا بان هذا الوطن مثل ما يسعد الفئات الاخرى في المجتمع، فانه يجب عليه ان يسعدهم اولا وان يضعهم بعين الاعتبار. واذا كنا قد تأخرنا في السنوات الماضية، ارجو من الاخوان ان يعذرونا، فقد انشغلنا باشياء كثيرة، وارجو ان نتمكن من انجاز المشاريع الخاصة بالمعاقين، وبالذات انديتهم الجديدة، وان نتمكن من تحقيق رغباتكم قريبا».
ان الخطاب السياسي الذي افتتح به الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت عهده الجديد لم يكن خطابا تقليديا، او ردة فعل لأوضاع محلية معينة او مؤثرات خارجية، بل كان بيانا الى الامة والشعب الكويتي، يدعوهم ويحفزهم لاستقبال مرحلة نهضوية من مسيرة المجتمع، يتوسم فيها الخير كله، اذا تضافرت الجهود وحسنت النوايا من أجل تحقيق نقلة نوعية في جميع نواحي الحياة، ومختلف مجالات العمل والانتاج التي يمكن أن تساهم في دفع عجلة التقدم والارتقاء نحو الأفضل.
فاذا كان الشيخ جابر الاحمد قد بدأ مرحلة ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء ببيان شمولي، وانجازات سريعة واكبت ما ورد في البيان من افكار وطروحات، فان بداية عهده بالحكم قد بدأها ايضا بخطاب سياسي واكبه تحرك شخصي على المستوى الشعبي، سواء بزيارته لمؤسسات المجتمع المدني ام زيارة المواطنين في اماكن تجمعهم.
لقد كان الخطاب واضحا، ومحددا للاهداف والغايات، وشاملا لجملة من القضايا المجتمعية التي تبحث عن حلول سريعة، او استكمالا لخطوات تنموية بدأها سلفه الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح.. بعبارة ثانية، جاء الخطاب بمثابة برنامج عمل يقوم به خلال مرحلة انتقالية اراد بها تحقيق شيء من النقلة النوعية التي اشار اليها، وسبق ان كررها في خطاباته وبرامج حكومته امام مجلس الامة الكويتي خلال الفترة التي ترأس فيها الحكومة، او في مناسبات معينة، او من خلال تصريحات صحفية.
إن الشيخ جابر الاحمد في زياراته لمؤسسات المجتمع المدني والتجمعات الشعبية التي لا يزال ملتزما بزيارتها في المناسبات، وخاصة خلال شهر رمضان الفضيل. انما يمثل متابعة حية لشؤون الوطن، ومسحا ميدانيا عمليا لقضايا المواطنين وتطلعاتهم إلى المستقبل» هذه الزيارات بلا شك تمنحه رؤية حقيقية لمتطلبات الناس، وتجعل اتجاهاته الفكرية في مختلف المجالات، سواء اكان على مستوى التخطيط ام التنفيذ، تحاكي تلك التطلعات المستقبلية.. وهذا ما سنقف عليه في الفصل القادم من الكتاب.
ولكننا قبل ذلك نستمع الى عبداللطيف البحر في تعليق له على مجمل هذه الامور حين يقول: «كان لدى سموه حس خاص باهمية روح الاسرة الواحدة والمحافظة عليها، وحثه الدائم على التعاون والتكاتف بين ابناء الكويت، وما خلا خطاب وجهه لشعبه الا ضمنه النصح والارشاد».
ويمضي «البحر» في هذا السياق. فيقول: «وسموه دائم التواصل مع حميع فئات شعبه، يستمع الى آرائهم وطروحاتهم وقضاياهم ومشاركتهم في افراحهم واتراحهم. وكذلك حضوره للديوانيات لإثراء النقاش العفوي حول القضايا المحلية وغيرها. وكذا زيارة المواطنين في اماكن تجمعاتهم في المناسبات كشهر رمضان والاعياد. وان معظم قراراته نابعة من واقع هذا التواصل واحساسه بشعبه واحتياجاتهم وسبر غور مشاعرهم».
وفي هذا السياق والاتجاه يحدثنا بدر النصرالله، فيقول: «كان سموه قريبا من حميع فئات الشعب، حريصا على زيارتهم في مناسباتهم المختلفة.. محبوبا وله حضور وقبول لدى جميع فئات الشعب. وكان في حياته مثالا للتواضع في سكنه ومعيشته، فأحس كل فرد في المجتمع الكويتي بانه منهم. ولدي مثال على ذلك، اذ ان ما يسمى بصالة الجوهرة في قصر دسمان. ما هو في الواقع الا مبنى متواضع. كان يتخذه سموه مكتبا ثانيا له، يجتمع فيه بعامة الناس والمسؤولين عند الساعة الرابعة بعد العصر لمناقشة مختلف الموضوعات والمشاريع. وكان هذا المبنى يعتبر مطبخا لافكار الشيخ جابر الاحمد..».
هكذا، يتضح لنا من هذه الحوارات واللقاءات مدى التصاق الشيخ جابر الاحمد بشعبه وابناء وطنه التصاقا وعلاقة ألغت جميع مظاهر الرسميات التي تحاط عادة برئيس الدولة. فعلاوة على اتباعه لسياسة الباب المفتوح في عمله. ولقائه المباشر بالمواطنين في ديوانية يوم السبت من كل اسبوع فان انتقاله الى اماكن تجمعات المواطنين وزيارتهم في مناطق اقامتهم، وتفقد جمعياتهم ومؤسساتهم التطوعية بين حين وآخر، لدليل قاطع على قوة ومتانة العلاقة الابوية والاخوية التي تربط شعب الكويت بالشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح رئيس الدولة.

الكويت كانت تشغل تفكيره ومعاناة شعبها شظف العيش ـ قبل النفط ـ كانت هاجساً يقلقه الأمير: أنا تقدمي في حدود وأمقت التمدن الزائد الذي يعبق جوه بالرذيلة والشر
الاتجاهات الفكرية للشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح

كانت اهتمامات الشيخ جابر الأحمد متعددة منذ ان دخل معترك العمل السياسي وهو في الحادية والعشرين من العمر، فالكويت كانت دوما تشغل حيزا واسعا في تفكيره. وشعب الكويت، وما كان يعانيه من شظف العيش وقساوة الحياة قبل تدفق عوائد النفط، كان هو الآخر هاجسا كبيرا يقلق تفكيره ويشده دوما للمشاركة في تخفيف تلك المعاناة، وللسعي الدؤوب لايجاد الحلول التي تتناسب وامكانات الكويت في ذلك التاريخ البعيد....
هذه الرؤية المبكرة ـ وهو لا يزال في خطواته الاولى في حياته العلمية ـ دفعته لان يلتصق بالناس ويتنقل بينهم ويستمع اليهم، وقد كان اتباعه لسياسة الباب المفتوح في الادارة، منذ ذلك العهد الذي كانت الكويت فيه لا تعرف الادارة بمفهومها الحالي، من الروافد الاساسية لتعرف معاناة اهل الكويت والوقوف عليها، ومحاولة ايجاد الحلول المناسبة لها.
هنا، نقف قليلا مع بعض رفاق العمل في نهاية عقد الخمسينات ومطلع الستينات، حيث يحدثنا فيصل المزيدي، فيقول: «... لقد تعرضت الكويت مثلها مثل بقية دول العالم لمشاكل سواء أكانت اقتصادية ام سياسية، وحسب علمي فإن الشيخ جابر الأحمد لم يلجأ قط الى حل يضر الناس كخفض الرواتب او العلاوات او تخفيض قيمة العملة، بل كان يلجأ في معالجاته للازمات الى تقليص المشروعات في الباب الثالث من الميزانية العامة للدولة على حساب الابواب الاخرى، وذلك حتى لا تتأثر معيشة الناس بالأزمات والمشاكل المحلية والاقليمية والعالمية، خاصة انه هو من رفع شعار مجتمع الرفاه، وهو من عمل على اعادة توزيع الثروة من خلال تثمين البيوت القديمة، ومن خلال توفير فرص العمل وفتح باب التوظيف في القطاع الحكومي....».
اما عبد اللطيف البحر فانه يحدثنا عن جانب اخر من هذا الفكر، حين يقول: «... وعلى الصعيد المحلي كان اهتمام سموه ببناء الانسان الكويتي من اولويات مشروعاته، فكانت النهضة التعليمية التي عمت البلاد، والتي تشهد بكفاءة التخطيط، علما وفكرا واسلوبا يتلاءم وروح العصر في شتى المجالات، فكان التوسع في التعليم العالي، وايفاد البعثات الى الخارج على نفقة الحكومة، بجانب البعثات على نفقته الخاصة»...
من جهة اخرى، يحدثنا حمزة عباس فيقول: «... ان فكر سمو الشيخ جابر الاحمد كان وراء كل نجاح اقتصادي في الدولة، وكان هو المؤسس لكثير من المشروعات الاقتصادية والشركات المساهمة، وهو رائد حركة التصنيع بدءا بالصناعات البتروكيماوية، كما انه كان قائد ومنظر الاستثمارات الخارجية بجانب قيادته لبداية تنظيم الاقتصاد الوطني الحديث منذ رئاسته لدائرة المالية عام 1959م»...
ويضيف بدر النصرالله في هذا السياق، حين يقول: «... لقد لمست طوال عملي معه ان لديه فكرا واضحا واهتماما فطريا بالمسائل الاقتصادية، فهو باني أسس مسار الاقتصاد الكويتي، بجانب قيادته وتوليه لأمور النفط وشركاته وعوائده، ووضعه لسياسة الاستثمار، وتنظيم العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول، وتوزيع مداخيل النفط وعوائده على الشعب، بجانب مساهمته في نهضة الكويت وتقدمها وتطوير الخدمات بها....».
وعليه، وبعد تقديم بعض من الشواهد والوقائع الدالة على فكر الشيخ جابر الاحمد، ومن خلال اشخاص عايشوه وعملوا معه منذ البدايات الاولى لعمله الرسمي، دعونا نبحر في رحلة علمية وعملية مع فكر الشيخ جابر الاحمد عبر مسيرة طويلة، وقنوات متعددة، فهي خير معين لنا للوقوف على شخصية هذا الزعيم العربي، والتعرف على اسلوب تفكيره ونهجه في تشخيص واقع الحال في وطنه وامته، وما يدور في العالم من تطورات وصراعات، وكذا استشراف تطلعاته المستقبلية لخير هذا الوطن وأمته العربية، وسعيه الدؤوب لضم صوته الى تلك الاصوات النزيهة والشريفة الداعية لخير البشرية اينما كانت، والدعوة الى اقامة عالم نظيف يسوده سلام عالمي بعيداً عن الحروب والنزاعات، ومجتمع انساني يتحقق فيه شيء من العدالة والكفاية الاجتماعية وضمان حقوق الانسان.
الفكر المجتمعي

كان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح حاكم دولة الكويت، متابعا جيدا للتداعيات والافرازات الاجتماعية التي صاحبت رياح التغيير التي هبت على الكويت بعد تدفق عوائد النفط عليها، وانفتاح المجتمع لاستقبال افواج العمالة العربية والاجنبية الوافدة للمساهمة في بناء كويت المستقبل، وكذلك خروج افواج من الكويتيين لزيارة دول حضارية متقدمة، وخاصة في اوروبا الغربية والولايات المتحدة الامريكية، وبعض الدول العربية، وكذا افواج من الطلبة الكويتيين الذين خرجوا من خلف اسوار الكويت لأول مرة من اجل التحصيل العلمي في دول عربية واخرى اجنبية.
لا شك ان هذا الانفتاح عرض المجتمع لهزة كبيرة اثرت في انماط الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها الكويتيون، فالأسرة الكبيرة بدأت تتقلص لتأخذ شكلا جديدا هي الاسرة الصغيرة «الاسرة النواة»، والاعراف والتقاليد التي كانت تحكم احوال المجتمع تراجعت هي الاخرى لتحل محلها التشريعات القانونية، والفتاة الكويتية خرجت من اسوار البيت لتلقي العلم ليس فقط في مدارس الكويت، بل وفي الخارج ايضا، وان التعاون بين الاسر وابناء الحي في مواجهة اي معضلة او متطلبات حياتية قد انتهت لتحل مكانها مؤسسات رسمية جاءت للاشراف على تنفيذ القوانين وخدمة المواطنين.
هذه التحولات، وغيرها كثيرة جداً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الكويتي، نقلته من الحالة الاولية حيث علاقة الوجه للوجه، والاسرة محورها ووحدتها الانتاجية والاستهلاكية الى وضع جديد في مجتمع مدني تحكمه القوانين، وتنظم حياته نظم واجراءات تشرف على تنفيذها مؤسسات الدولة. ان وضعاً كهذا كان لابد ان يفرز تداعيات اجتماعية يتعرض لها المجتمع، وتصيب شرائح عديدة فيه.
في ذلك التاريخ لم تكن الكويت قد اقدمت على تنظيم الهيئات الاهلية التطوعية، وان كان المجتمع الكويتي كما عرف عنه منذ نشأته مجتمعاً تكافلياً تضامنياً، الا ان مثل تلك التداعيات الاجتماعية الخطيرة كان لابد من التصدي لها من مركز القيادة، وان الاستجابة الشعبية بالتالي لملاحقتها تكون امراً تلقائياً.
وهكذا، كان الشيخ جابر الاحمد واحداً من اولئك القادة الذين اعطوا اهتماماً بالغاً لهذه التداعيات والافرازات الاجتماعية، وان مسيرته الطويلة مليئة بمواقف وصور يمكن لنا ان نستخلص منها الشيء الكثير في كيفية تصديه ومواجهته للقضايا الاجتماعية والمجتمعية، وفيما يلي نماذج من العمل الاجتماعي الرائد:
¼ في ديسمبر عام 1961م، التقت مجلة الهدف الكويتية بالشيخ جابر الاحمد حينما كان رئيسا لدائرة المالية، لتعرض عليه جملة من القضايا المجتمعية، وكانت اجاباته تتم عن فهم وبعد نظر.
ففي ذلك التاريخ، كان هناك مجلس اطلق عليه «المجلس المشترك»... هذا المجلس اقدم على قرار بحصر عمل الفتاة الكويتية في ثلاث دوائر حكومية فقط. وعندما سئل عن رأيه في ذلك لكونه اول من امر بتوظيف فتاة كويتية في احدى شركات النفط، كان جوابه انه ضد هذا القرار، وانه اتخذ في غيابه. وعندما عرض القرار مرة ثانية على المجلس لاعتماده كان الشيخ جابر الاحمد اول المعارضين له معلقاً على هذه الخطوة قائلاً:«.... انا لا اتكلم هكذا كي ابين انني تقدمي امام الفتاة الكويتية، ولكن هذا هو الواقع... اتكلم بما يمليه علي ضميري. فأنا افتخر بأنني تقدمي في حدود، ولكني امقت التمدن الزائد الذي يعبق جوه بالرذيلة والشر.. فأنا أؤمن بحق العمل للفتاة، ولو اننا علمنا الفتاة حتى انتهاء الدراسة الثانوية فقط، لهان الامر، ولكننا بعثنا بها الى الجامعات لتعيش في وسط غريب لسنوات عديدة، حتى اذا ما عادت الى وطنها خدمته ووضعت علومها في سبيل انتعاشه وازدهاره. وانا اعتقد ان الفتاة التي تحافظ على شرفها في تلك الاماكن البعيدة في الغربة. ستحافظ على هذا الشرف ـ حتماً ـ حينما تعمل بين اشخاص من اهلها، يعتبرون شرفها شرفهم..».
¼ منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية وقضية الاجيال القادمة واحدة من الهواجس التي كانت تقلق باله، وحاول جاهداً ان يجد مخرجاً حكيماً يضمن حياة سعيدة لابناء الكويت على مر الدهر، حتى لا ينعم بثروات الكويت جيل من اجيالها، وتحرم اجيال قادمة من ذلك الخير والنعيم، من هنا، اهتدى فكرة الى ضرورة انشاء صندوق للاجيال القادمة يدخر فيها ما يمكن ادخاره من عائدات الدولة واستثماراتها. وبالفعل، وضحت الرؤية وتحققت الفكرة التي سعى اليها بصدور مرسوم اميري في 28 نوفمبر عام 1986م بالقانون رقم 106 لسنة 1986م في شأن احتياط الاجيال القادمة (لمزيد من التفصيل انظر الفكر الاقتصادي).
ويشاء العلي القدير ان يكون هذا التفكير السابق لزمانه، والمعبر عن روح التضحية في سبيل كفالة استمرار عملية التنمية، وتحقيق الرفاه للابناء من الاجيال القادمة، خير معين في مواجهة ما نجم عن عدوان النظام العراقي، واحتلاله لدولة الكويت في الثاني من اغسطس عام 1990م من آثار بالغة الخطورة والضرر، مكنت الشرعية الكويتية من ان تكفل للمواطنين الكويتيين خارج الكويت، بل وداخلها دخلاً مناسباً يكفي لحياة كريمة لائقة.
وهنا، يؤكد الشيخ جابر الاحمد، قائلاً: «... كنت اريد الا افرط في هذه الاموال، والاحتفاظ بها لمثل هذه الازمات، وللاجيال القادمة...».
حقاً لقد كان تفكيراً صائباً ورؤية ملؤها الشفافية في استقراء المستقبل، جعلت الكويتيين في الداخل وفي الشتات يحتفظون بعزتهم وشموخهم.
¼ لم ينصرف فكر الشيخ جابر الاحمد مند ان دخل معترك العمل السياسي عن الجوانب الاجتماعية في الحياة الكويتية، وما يصاحبها من مظاهر وظواهر طارئة على المجتمع، لها تأثيراتها وتداعياتها السلبية في كثير من الاحوال، بل على العكس من ذلك، فقد وجه جل اهتمامه لهذه القضايا الاجتماعية في محاولة منه لايجاد السبل الكفيلة للحد منها، وسعياً منه لضمان تعديل مسار المجتمع نحو الطريق الصحيح.
فقد سادت في المجتمع الكويتي في حقبة الستينيات ظاهرة اجتماعية، هي انصراف الشباب الكويتي عن الزواج داخل المجتمع، وذلك بسبب المتطلبات الكبيرة التي لم يعتد عليها الكويتيون من قبل، الامر الذي دفع الشباب الكويتي الى الزواج من الخارج تفادياً لهذه المتطلببات الجديدة الباذخة التي بدأت تصاحب حالات الزواج. وكان الشيخ جابر الاحمد وقتها ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، وكان له موقف ونظرة اصلاحية حيال هذه الظاهرة الاجتماعية. ففي احدى مقابلاته الصحفية مع الصحافة الكويتية انتقد بألم ومرارة هذه الظاهرة، حين علق قائلاً: «... منذ متى عرفت افراحنا تلك النزعة الخرافية في الاسراف وتقديم طعام يكفي عشرات الالوف لعدة مناسبات، وتلك المبالغات في فساتين الزفاف ومجوهرات الخطوبة.. انني ارى المسألة تتصاعد يوماً بعد يوم، وكل فرح يأتي يصر اصحابه على ان يكون اكثر بذخاً واسرافاً، وانني ارى العكس، فالمهم ليس شكل الفرح ومظاهره، ولكن المهم هو الحياة بين الزوجين بعد ذلك، وكيف تكون..».
ويذهب الى ابعد من ذلك، حين يقول: «... ان الناس ـ وانا متأكد مما اقول ـ تفعل هذا وهي غير مؤمنة به، انهم يجارون هذه البدع الجديدة التي جرّونا اليها، وانا اعلم ان الكثيرين الان اصبحوا يخافون الاقدام على الزواج اشفاقاً على تلك الحفلات الباذخة التي لا يمكن ايجاد تفسير لها، وهو امر لم يعد مقصوراً على فئة معينة بل اصبح وباء منتشراً...».
ثم يدلل على صور تلك العيوب الاجتماعية بواقعة عملية، حين يشير: «... اتذكر انني في احدى جولاتي الليلية في البادية مررت بعرسين في نفس الليلة، فوجدت في العرس الاول عشرين رأساً من الغنم مذبوحة للضيوف، وفي العرس الثاني عددت ثلاثين رأساً، فصممت ان امر في اليوم التالي لارى ماذا سيتم لخمسين ذبيحة في ليلة واحدة، وفعلاً عدت في الصباح فوجدتها ملقاة في الفضاء، حتى الكلاب عافتها بعد ان اتخمت.. فهل هذا يعقل في عصر تعمل فيه الامم حساباً لكل مواردها ونفقاتها ان يحدث فيها شيء من هذا القبيل..».
ويمضي مخاطباً الذات كحالة يراد منها التوجيه والنصح، فيقول: «...انا لا اسمح لاحد من اخوتي ان يقيم عرساً بشكل من هذه الاشكال، كل ما هناك تذكرتان بالطائرة، ونفقات معقولة لرحلة شهر العسل..».
هذا الوضع الاجتماعي، الذي برز على سطح الاحداث الاجتماعية في المجتمع الكويتي في تلك الحقبة، دفع الشيخ جابر الاحمد للتفكير في ايجاد اداة عملية لمواجهة هذه الظاهرة خوفاً من انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمع الكويتي، وبالتالي الاخلال بالتركيب النوعي للسكان الكويتيين، فكان القرار رقم 2 لسنة 1959م بشأن لائحة القروض الاجتماعية والمعدل بالقرار رقم 1 لسنة 1962م، بتحديد اعانة زواج للكويتي الراغب بالزواج من كويتية بمبلغ وقدره الفا دينار كويتي، الف دينار منها هبة، والالف الآخر قرض يدفعه المواطن على اقساط مريحة جداً.
وان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بهذه الظاهرة ومتابعتها جعله يبارك بحماس شديد رفع قيمة هذه الاعانة لتصل الى اربعة آلاف دينار كويتي، الفين منها هبة من الدولة، والالفان الاخران يدفعهما المواطن على اقساط مريحة.
كان تواصل الشيخ جابر الاحمد مع ابناء شعبه والمواطنين كافة احد الاهتمامات الرئيسية لنشاطاته، فقد كانت جولاته وزياراته لاماكن تجمع المواطنين في المناطق المختلفة مصدرا من مصادر الوقوف على مشكلات المجتمع وما يعانيه المواطنون. كما كانت هذه الجولات والزيارات فرصة طيبة لدعوة المواطنين للعمل من اجل بناء الوطن، والمساهمة بكل جهد ممكن في تحمل هذه المسؤولية التاريخية.
ففي لقاء مع رجالات الكويت الاوائل دعا الى الحفاظ على روح المحبة والالفة بين المواطنين، مشددا على ان الكويت التي بنيناها متكاتفين ستستمر وستزذهر بتكاتف وتضامن ومحبة ابناء الوطن، واصفا المجتمع الكويتي بانه حلقة واحدة يجب الا نسمح لأحد ان يخترقها ليفرق بيننا.
وفي إشارة اخرى له في هذا الاتجاه، بانه لولا هذه المحبة بين ابناء الشعب لما استطاعت الكويت ان تصمد امام التيارات المختلفة والمتناحرة من حولها، لكن ترابط الشعب ووحدته جعلاه صفا قويا منيعا في وجه هذه التيارات.
كان الشيخ جابر الاحمد يسعى دائما في سياسته الاجتماعية للقضاء على الامية في هذا البلد بأي ثمن. ذلك لايمانه المطلق بان تفشي الامية في المجتمع عائق امام الوصول الى الاهداف المرجوة، فالامية اكبر عدو لتقدم الشعوب ورقيها نحو الافضل. من هنا فان بناء الاوطان والانسان يتطلب القضاء في المرتبة الاولى على الامية واقتلاع جذورها.
كان هذا هو نهجه وتطلعاته نحو حياة افضل للوطن والمواطنين، وان هذا الفكر الرائد يتجلى لنا في الكلمة التي وجهها لابناء الشعب الكويتي عند بدء حملة للقضاء على الامية في الكويت، وبمناسبة صدور مرسوم بقانون رقم 4 في 23 اغسطس عام 1981م في شأن الالتزام بمحو الامية.. هذه الكلمة التي جاء فيها: «وبما اننا نعيش عصر التفجر العلمي الهائل، فنرى ونسمع ونتمتع بالكثير الكثير من منجزات الانسان العلمية في العالم، نتساءل كيف يتمكن الامي في هذا العصر من ادراك ما يدور حوله، ومن استيعاب دوره في الاستفادة من هذه المنجزات، والحفاظ عليها وحسن استخدامها، بل كيف يمكن له ان ينمي نفسه ويرعى اسرته، وان يسهم في نهضة بلده دون حصوله على قدر مناسب من العلم الذي يفتح له نوافذ المعرفة».


ويمضي في هذا الاتجاه مؤكدا: «ان القانون وحده لا يحقق الامال التي نتوخاها، ما لم يشعر كل فرد منا، وكل مؤسسة، بواجبه في احترام القانون وتنفيذه بحماس واخلاص وذاتية وادراك بان القانون يستهدف مصلحة المواطنين ومصلحة البلاد، واننا نتطلع ان يأتي قريبا اليوم الذي تحتفل الكويت فيه ـ باذن الله ـ بيوم القضاء على الامية، ضاربة المثل كالمعتاد في تضافر جهودها وتعاونها الذي يذلل كل الصعاب».
وحول مجمل هذه القضايا يحدثنا عبداللطيف البحر. مستوحيا من ذكرياته مواقف تتسم بالايثار والتضحية من أجل الصالح العام، فيقول: «ومن واقع المسؤولية الوطنية كثيرا ما كان سموه يضرب الامثال في التضحية بدءا بنفسه. ويرفض دائما اي تصرف يخرج عن العمل المألوف، حتى ولو كان يمسه او يمس احدا من افراد الاسرة الحاكمة، فقد كان سموه عنوانا للايثار يقدم مصلحة الامة على اية مصالح اخرى شخصية».
ويورد لنا البحر اكثر من مثال على هذا السلوك النابع من عقلية قيادية تريد كل الخير للكويت وشعب الكويت، فيقول: «عندما شرعت الدولة في تنفيذ مشروع شارع الخليج كان لسموه استراحة خاصة على شاطىء الخليج، حيث كان قصر دسمان متصلا بالبحر، وعندما وجد ان هذه الاستراحة تعيق سير المشروع تنازل عنها، وتم هدم سور دسمان. وعندها تبعه غيره من المواطنين ممن لهم استراحات على شاطىء الخليج دون ابطاء فاكتلمت اقامة المشروع.
اما المثال الاخر، فقد كان لسموه ارض في منطقة السرة تسمى السريرات فأرادت الدولة تثمينها وكان اجمالي ميزانية التثمين التي اقرت في ذلك الوقت تقدر ـ على ما اذكر ـ بحوالي عشرة ملايين دينار كويتي. بينما قدرت قيمة تثمين «السريرات» وحدها بثمانية ملايين دينار كويتي. وعندما عرض الامر على سموه، وكان وليا للعهد، رفض رفضا باتا وقال: الاولى بها حاجة الكويت والكويتيين. وآثر التنازل عنها وتوزيعها على المواطنين الذين هم في اعتقاده احق بها.
أما المثال الثالث، فانه يتمحور حول أبراج الكويت، عندما وجد المنفذون ان انسب الاماكن لاقامتها هو نفس موقع الاستراحة التي سبقت الاشارة اليها. وهو موقع يطل مباشرة على قصر دسمان، ورغم ذلك اصر سموه على اقامتها في نفس المكان الذي تم اختياره. وكان سموه يشرف بنفسه على التصميم ويعطي توجيهاته كي يخرج نابعا من البيئة الكويتية، ويحمل معنى الاصالة والحضارتين الاسلامية والحديثة، وهذا ما نلمسه اليوم، حيث تأخذ الابراج شكل المأذنة والصاروخ. وحتى اختيار نسب الارتفاع لتمكن الدولة من الاستفادة العملية منه في تخزين المياه، واعداده مرفقا ترفيهيا وسياحيا بما يحويه من مطاعم وصالات هذه الامور الهندسية جاءت من بنات افكاره، لتصبح ابراج الكويت اليوم ـ بفكر سموه ـ معلما حضاريا متكاملا في الدولة».
هذه المرئيات المبكرة للشيخ جابر الاحمد في قيادة الدولة والمجتمع كانت تدعو للاخذ بما هو صالح من ثمار الحضارة والتقدم. وان ما هو مناسب لمجتمع متقدم لا يعني انه ملائم لمجتمع لا يزال في طور النمو.. هذه المرئيات الخالصة لوجه الوطن، كانت دعوة صريحة ضد المحاكاة والنقل العشوائي لحضارة الاخرين، مثلما كانت دعوة واضحة لتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وتسخير ما يمكن الاستعانة به من اجل نماء الدولة ورفع شأن المجتمع بين الشعوب والامم. كما كانت دعوة لنبذ الانانية البغيضة والمصلحة الفردية الضيقة، وترجيح نداء العقل والحكمة عند الشروع في اتخاذ اي قرار يمس امن الوطن والمواطن في حاضره او من اجل مستقبله.



سنكمل غداً لمسيرة القائد

ولكن سأرفق لكم ملف مرفق لكي لا تنزعجوا

(( آسف ألف مره للإطاله ولكن هذا هو أميرنا وهذي هي مشاعرنا ))







التوقيع

==
أنا الذهب ومهما صار فوقه غُبار
==
قديم 01-07-2005, 07:42 AM   رقم المشاركة : 13
شاروخان
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية شاروخان






شاروخان غير متصل

شاروخان كاتب جديد


افتراضي

شاكرلك اخوي الذهبي على زيادتك الأكثر من رائعه ويعطيك الف الف عافيه على المشاركه اللطيفه







التوقيع


شـــــــــــــاروخـــــــــــــان

قديم 06-07-2005, 04:33 PM   رقم المشاركة : 14
لاجئ سياسي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية لاجئ سياسي






لاجئ سياسي غير متصل

لاجئ سياسي كاتب جديد


افتراضي

الله يخليه ويعافيه ويطول بعمره

شكراً اخوي على هذا الموضوع الجميل

وشكراً اخوي الذهبي على الاضافه الجميله

مشكورين







التوقيع
قديم 06-07-2005, 04:43 PM   رقم المشاركة : 15
شاروخان
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية شاروخان






شاروخان غير متصل

شاروخان كاتب جديد


افتراضي

العفو ويسلموووووو سياسي على المرور الأكثر من رائع







التوقيع


شـــــــــــــاروخـــــــــــــان

قديم 07-07-2005, 03:01 AM   رقم المشاركة : 16
مـــلاك
عضو جديد
 
الصورة الرمزية مـــلاك





مـــلاك غير متصل

مـــلاك كاتب جديد


افتراضي

الله يحفظه ويطول بعمره يارب ان شاءالله

شكرا لك اخوي شاروخان موضوع مميز







قديم 09-07-2005, 12:52 AM   رقم المشاركة : 17
بو حنان
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية بو حنان






بو حنان غير متصل

بو حنان كاتب جديد


افتراضي

يعطيك الف عافيه (شرشر)

يسلمووو على هالموضوع







التوقيع


`~*¤!||!¤*~`][بو حنان ][`~*¤!||!¤*~`

قديم 07-08-2005, 11:13 AM   رقم المشاركة : 18
ALI-KUWAIT
عضو محترف
 
الصورة الرمزية ALI-KUWAIT






ALI-KUWAIT غير متصل

ALI-KUWAIT كاتب جديد


سلامات يابومبارك

الله يرجه بسلامه

[bimg]https://members.lycos.co.uk/alrimethi/up/ar/qqqqq.jpg[/bimg]

يسلمووووووووووووووووووووووووو
والف شكر







قديم 10-08-2005, 07:37 AM   رقم المشاركة : 19
ابو عيد
عضو محترف
 
الصورة الرمزية ابو عيد





ابو عيد غير متصل

ابو عيد كاتب جديد


افتراضي

قرت عين الكويت

بقدوم ابو مبارك بالسلامة

https://members.lycos.co.uk/alrimethi/up/ar/qqqqq.jpg

الله يحفظه ويطول بعمره يارب ان شاء الله







قديم 10-08-2005, 01:14 PM   رقم المشاركة : 20
لجين
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية لجين





لجين غير متصل

لجين كاتب جديد


افتراضي

اللة يحفظة ويخلية لنا وللكويت وانشاللة ويمن علية بالصحة والعافية
ويخلية لناااااااااااا امير القلوب







التوقيع

مواضيع ذات صله المنـتدى العـام

الشيخ جابر الأحمد الصباح حفضه الله ورعاة



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أستايل / الشيخ جابر الصباح (( رحمه الله )) VIP ستايلات المنتديــ VB3 ـات 9 31-07-2006 02:13 AM
من آخر كلمات الشيخ جابر الصباح رحمه الله بسمة الروح المنـتدى العـام 5 21-01-2006 01:14 PM
رحمك الله ايها الوالد الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح migoo_el_egipto المنـتدى العـام 6 19-01-2006 10:14 AM
قصة استشهاد الشهيد الشيخ / فهد الأحمد الجابر الصباح رحمه الله الذهبي المنـتدى العـام 10 22-06-2005 07:49 PM
أهلا بكم في استاد الشيخ جابر الأحمد الصباح......... حدي مزيون..! قســـم الصـور الرياضيـة 8 31-05-2005 09:29 PM

الساعة الآن 04:33 AM
جميع الحقوق محفوظة لـ الشبكة الكويتية

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الشبكة الكويتية ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML