في حديثه عن ليلة القدر وبركاتها
الشيخ عبد الرحمن الفارس:فيها تنزلت آيات الذكر الحكيم دستورا إلهياً للإنسانية
تعالوا بنا نتدبر قول الله تعالى: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة/ 185،)، ففي شهر رمضان المبارك انزل الله تعالى كتابه العزيز، وهو شهر فرض فيه الصيام عبادة خالصة لله تعالى، لا يعلم حقيقتها الا الله، وذلك اشعار للمؤمنين بما للقرآن الكريم من منزلة لا تدانيها منزلة فكانت ليلة نزوله خيرا من عشرات السنين في عمر الزمن، مصداقا لقول الله تعالى: (انا انزلناه في ليلة القدر، وما ادراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل امر، سلام هي حتى مطلع الفجر) سورة القدر.
في هذه الليلة المباركة تنزلت آيات الذكر الحكيم لتكون دستورا إلهيا للانسانية الى ان يرث الله الارض ومن عليها، فهي ليلة ميلاد جديد للانسانية، تنزل فيها الوحي الالهي، بالكتاب الذي ختمت به رسالات السماء الى الارض، وبلغت غاياتها الربانية من بيان امورالعقائد والعبادات والمعاملات والعلاقات الانسانية والكونية.
ومن هنا جاء شرفها على سائر الليالي لما تنزل فيها من الهدى والبينات، وشرف لهذه الامة المسلمة ان تختصها العناية الالهية بهذه الليلة المباركة، وان يكون القرآن الكريم كتابها الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
اخوة الايمان والاسلام:
ان الله تعالى قد انعم على هذه الامة بالقرآن الكريم، ليكون دستور حياتها: عقيدة وعبادة وتشريعا وأخلاقا (ما فرطنا في الكتاب من شيء) الانعام/ 38، فقامت على هذه القواعد الربانية دولة الاسلام وأمة القرآن فكانت دولة مكتملة الأركان، قوية البنيان، يحكمها قانون السماء، ويقودها المصطفى المختار المؤيد بالوحي المعصوم بقدرة الله تعالى:پ(يأيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) المائدة/ 67 .
فجاء قيام الدولة الاسلامية متزامنا مع نزول القرآن الكريم، ولم يترك امر التشريع وبيان الحقوق والواجبات وتحديد الحلال والحرام لاجتهادات البشر واهوائهم، وانما قامت الدولة محكومة بتشريعات محكمة جاء بها الكتاب المبين الذي وردت في صفته آيات واحاديث وآثار اجمعت على ان فيه جماع الخير، وان مرد الامر كله اليه، فقد ورد في الاثر عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه بيان لما في هذا الكتاب المبين من آيات الهدى وسبل الرشاد: «كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله تعالى، ومن ابتغى الهدى في غيره اضله الله تعالى... وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الاهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضى عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن من سماعه حتى قالوا: (انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به)پالجن/ 1،2 من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا اليه هدى الى صراط مستقيم».
وقد عاشت الامة الاسلامية في كنف القرآن الكريم عصورا ودهورا تربى على مائدته العلماء والفقهاء، وحكم به الخلفاء والامراء، وحفظه المسلمون اجيالا تلتها اجيال، ولم يختلف المسلمون على آية منه او كلمة منذ نزل به الروح الامين على قلب محمد صلوات الله وسلامه عليه.
ولم تنزل امة الاسلام عزيزة منيعة الجانب ما دامت عاملة بكتاب الله تعالى ملتزمة هدية، منفذة امره ونهيه، قائمة به آناء الليل وأطراف النهار تعمر به الدنيا، وتعمل به للآخرة (ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا) الاسراء: .9
وكانت استجابتهم لامره ونهيه قائمة على الايمان الصادق والتسليم المطلق، والاستجابة الفورية، فحينما نزل قول الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون) المائدة: 90 ـ 91 .
فما كان من الصحابة رضوان الله عليهم الا ان قالوا انتهينا.. انتهينا.. انتهينا، وأريقت كل دنان الخمر حتى سالت وامتلأت بها طرقات المدينة دون ان يكون هناك رجال تفتيش او قوات شرطة تطارد المهربين وتضبط المخالفين، فكان القرآن وحيا يتنزل، وآيات تتلى، وقانونا يلتزم، فكانت الامة بحق امة القرآن تنبع اخلاقها من عقيدتها، وتنبثق معاملاتها وانماط سلوكها من تشريعات كتابها، وأمة سلاحها القرآن لا بد وان يكون النصر حليفها، والثبات موقفها (يايها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) محمد: 7، ونصر الله تعالى يكون بالعمل بكتابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم وغاية الكمال الانساني لا تكون الا في التخلق بأخلاق القرآن الكريم، ولذلك حينما سئلت السيدة عائشة ام المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خلقه القرآن» رواه مسلم واحمد وابو داود.
اننا نقف اليوم امام عالم متفجر بالقوة، ساع الى اقامة كيانات كبرى، دستوره المنفعة المادية، وبسط نفوذ الدول الكبرى بهدف استئصال ما عداها من الكيانات والحضارات، وان المسلمين يواجهون اليوم تحديا صارخا يكاد يقتلع وجودهم الحضاري ويذهب بريحهم، ويخرجهم عن ثوابت حضارتهم الاسلامية المتميزة.
وسبيل المسلمين لمواجهة هذا الطوفان الجارف لا يكون الا بالاستمساك بكتاب الله تعالى وتربية اجيالهم على مائدته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري، ويحذزنا صلوات الله وسلامه عليه من مجافاة القرآن الكريم بقوله صلى الله عليه وسلم: «ان الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» رواه الترمذي.
ويوصينا صلوات الله وسلامه عليه بتعاهد القرآن الكريم والحرص على تلاوته وتدبره، والعمل بما جاء فيه فعن ابي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو اشد تفلتا من الابل في عقلها» متفق عليه، وفي شهر القرآن شهر الصيام يجدر بنا معشر المسلمين ان نزداد قربا من كتاب الله تعالى، وان تعمر به نفوسنا ومجالسنا ومدارسنا ومعاهدنا، وان نستمد منه كل قوانيننا وتشريعاتنا، ذلك بان هذه الامة لن يصلح آخرها الا بما صلح به اولها.
نسأل الله تعالى ان يوفقنا الى العمل بكتابه والاقتداء برسوله، وان يجمع المسلمين على كلمة الله، فهو سبحانه الموفق والهادي الى سواء السبيل.
بقلم: الشيخ عبد الرحمن عبد الوهاب الفارس
منقووووووووووووووول
18-10-2006, 12:12 AM
في حديثه عن ليلة القدر وبركاتها
المواضيع المتشابهه
