من هو عبدالله بن بجاد العتيبي
هذا المقال الذي أخرج الشرق الاوسط عن طورهاااا...واصابها في مقتل.....المقال الذي يفضح تاريخ عبدالله بن بجاد
مسلسلٌ استفزازيٌّ ، أعدّهُ دينيّاً ! عبدُ اللهِ ابنُ بجادٍ العتيبيِّ ، وفي الوقتِ الذي وقفَ فيهِ أغلبُ النّاسِ ضدَّ التفجيراتِ وضدَ المُفجّرينَ ، وفي الوقتِ الذي قالَ فيهِ أهلُ العلمِ والمعرفةِ والفكرِ قولتهم وحسموا الفتنةَ ، وبينما كانوا ينتظرونَ كلمةً حانيةً تمسحُ عنهم أثر ذلك ، وتُباركُ جهودهم ومواقفهم ، وتجمعُ القلوبَ ، وتُعيدُ للمجتمعِ استقرارهُ وثباتهُ ووحدتهُ المعروفةَ ، تأتي بعضُ وسائلِ الإعلامِ التغريبيّةِ لتصبَّ الزيتَ على النّارِ ، وتقومَ باستفزازِ الصالحينَ ببثِّ مثلِ هذه المسلسلات التي تزيدُ الهوّةَ ، وتُعيدُ الفتنَ والقلاقلَ من جديدٍ .
ومن هو الذي يؤسّسُ ويخطّطُ لهذا المسلسلِ ! ، إنّهُ أحدُ الفتيةِ الذين بذروا بذورَ الغلوِّ ومارسوا التفجيرَ قديماً ، ثمَّ لمّا كفرَ برفاقِ الأمسِ ، أخذَ يزعمُ أنَّ التفجيراتِ من إنتاجِ فلان وفلان ، ونسيَ في غمرةِ ذلك نفسهُ وماضيهُ القبيحَ . في هذه المقالةِ سنقفُ جميعاً على قصّةِ ضياعٍ ، وفصلٍ من فصولِ الهزيمةِ ، حينَ ينهارُ العقلُ والتروّي ، وينهمكُ الجسدُ في خدمةِ النفسِ بدافعِ الجهلِ ، فينتجُ عن ذلكَ فكرٌ منحرفٌ ، يولّدُ أفكاراً عقيمةً عنيفةً ، يُصادمُ المُجتمعَ والوطنَ ، وقبلَ ذلكَ وبعدهُ يُصادمُ الدينَ الحنيفَ ، ذلكَ الدينَ الوسطَ العدلَ الأقومَ .
هنا سنرى الحقيقةَ الغائبةَ : هل العمليّاتُ الآثمةُ التي تجري في بلادِنا ، هي نتاجٌ لفكرِ المشايخِ والدعاةِ ، من أمثالِ : ابن جبرينٍ وسفرٍ وسلمانَ وعائضٍ والعمرِ والمنجّدِ والبريكِ وابنِ مسفرٍ — متّعهم اللهُ جميعاً بالعافيةِ - وغيرِهم ؟ ، كما يروّجُ لذلكَ ابنُ بجادٍ وصحبهُ ، عندما يصدحونَ في كلِّ محفلٍ ونادٍ بأنَّ الدعاةَ والمشايخَ هم من بذروا بذورَ الفتنةِ .
هل فعلاً بذرَ مشايخُنا بذورَ الفتنةِ ؟ ، أم أنَّ هناكَ فرقةً أخرى غيّبتْ نفسَها عمداً عن مسرحِ الأحداثِ ، كانَ لها قصبُ السبقِ في التفجيراتِ في هذهِ البلادِ المُباركةِ ، وهذه الفرقةُ تعلمُ يقيناً أنَّ المشايخَ المذكورينَ أنكروا عليهم ذلكَ في حينهِ أشدَّ الإنكارِ وأغلظهِ ؟ .
هل هناكَ حلقةٌ مفقودةٌ فعلاً ؟ .
نعم هناكَ فرقةٌ بدأتْ بالعنفِ ودعتْ لهُ ، ثمَّ انتكستْ على عقبيها ! .
هذه الفرقةُ هي فرقةُ ابنِ بجادٍ ومجموعتهُ كالنقيدانِ والذايديِّ خ ! .
هم الذين سلكوا طريقَ العنفِ ابتداءً ، وعرفوا مسالكهُ ، وعرفوا الكتبَ التي تدعو إليهِ ، بل شاركوا في تأليفِ بعضِها ، واليومَ بعدَ أن انحرفوا إلى ذاتِ الشمالِ ، أخذوا يرمونَ الأبرياءِ من أهلِ العلمِ والفكرِ ، ويلمزونهم في دينهم ، وقد صدقَ المثلُ القائلُ : رمتني بدائِها وانسلتْ .
إنَّ لمشايخِنا هفواتٍ وزلاّتٍ لا يسلّمُ منها أحدٌ من البشرِ ، وفي دعوتِهم وطريقتِهم من المؤاخذاتِ والتعقّباتِ ما فيهِ ، وصدورهم ونفوسُهم تنشرحُ لمن ينبّههم على الخطأ أو التقصيرِ ، ونحنُ لا نُقدّسُ أحداً ، أو نرفعهُ فوقَ منزلتهِ ومكانتهِ ، ولكنَّا نقولُ : العبرةُ بغلبةِ الخيرِ ، وهناكَ الكثيرُ من المواقفِ غيّرها هؤلاءِ المشايخُ ، وأصبحوا عوناً على الخيرِ ، وتراجعوا طوعاً عن الكثيرِ من آرائهم ، والمؤمنُ رجّاعٌ أوّابٌ .
وهانحنُ نرى الآن كيفَ يُهاجمُ المشايخُ الكِرامُ ، على ألسنةِ دعاةِ العنفِ - هداهم اللهُ - ، فلو كانوا شركاءَ لهم كما يزعمُ هؤلاءِ المأفونونَ ، لما جرتْ هذه العداوةُ بينهم ، ولما سارعَ المشايخُ إلى وأدِ الفتنةِ ، ووضعِ يدهم في يدِ المسئولينَ في محاولةٍ منهم لإصلاحِ الشبابِ ، وتهيئةِ وضعهم ، وعودتهم إلى جادةِ الصوابِ .
في هذه المقالةِ فصولٌ من العبرِ ، وآياتٌ من العِظاتِ ، ودروسٌ لكلِّ من قرأ الدينَ قراءةً خاطئةً ، ثمَّ جعلَ نفسهُ أهلاً للحكمِ والفصلِ في دينِ النّاسِ ، أنّهُ سوفَ يضلُّ ويزيغُ إلا أنْ يتداركهُ اللهُ برحمتهِ ، وأنَّ هذا الدينَ دينٌ عدلٌ وسطٌ ، لا غلوَّ فيهِ ولا إجحافَ ، ومن أرادَ مُباراةَ سُننهِ أو مُحادّةَ قيمهِ ، فسيهلكُ ولمّا يقطعْ من طريقهِ شيئاً .
سوفَ نرى كيفَ أنَّ الغلوَّ ذو عاقبةٍ وخيمةٍ على الدينِ والمُجتمعِ والبلادِ ، و ذو تسلسلٍ وترابطٍ ، يشدُّ بعضهُ بعضاً ، ويدعو بعضهُ إلى بعضهِ الآخرِ ، وليستِ البداياتُ الفكريّةُ إلا معبراً للدخولِ إلى القضايا العمليّةِ ، ولهذا يجبُ علينا أن نسدَّ ثغراتِ الغلوِّ الفكريِّ أوّلاً ومنافذهُ ، حتّى نأمنَ من غوائلِ الغلوِّ في العنفِ وآثارهِ المُدمّرةِ .
هذه قصّةُ شابٍ ضاعَ وتاهَ في دروبِ التطرّفِ والغلوِّ ، وترقّى في مدارجهِ حتّى صارَ من منظّريهِ ودعاتهِ ، ثمَّ انتكسَ وأصبحَ من دعاةِ الحرّيّاتِ المزعومةِ ، وتمرّدَ على الدعوةِ التي قامتْ عليها هذهِ البلادُ ، ونبذَ أمرَ الدعوةِ والتديّنِ ، وأصبحَ يدعو إلى أطروحاتٍ دخيلةٍ علينا وعلى مُجتمعِنا ، فهربَ من الغلوِّ ووقعَ في الغلوِّ المُضادِّ .
جميعُنا يفرحُ بتركِ الغلوِّ والعنفِ ، ويسعدُ بذلكَ سعادةً كبيرةً ، ولكن ليسَ إلى غلوٍّ جديدٍ ، غلوٍّ في فكرٍ يرى أنَّ النظامَ الإسلاميَّ في الحكمِ هو استبدادٌ وتسلّطٌ ، فكرٍ يرى أنَّ المناهجَ والدعوةَ السلفيّةَ هي من أسّسَ للإرهابِ ودعا إليهِ ، فكرٍ زائغٍ ساقطٍ .
نحنُ أمامَ ظاهرةٍ شاذةٍ عن مجتمعنا ، دخيلةٍ على تُراثِنا ، وساقطةٍ فكريّاً وعلميّاً ، ومليئةٍ بالغرائبِ والأعاجيبِ تسمى " عبد الله بن بجاد العتيبي " . لابدَّ لنا من تحليلِ هذه الظاهرةِ المُتمرّدةِ على القيَمِ والأصولِ الجذريّةِ ، خاصةً في ظلِّ هذه المتغيراتِ التي نواجُهها في بلادنا .
إذْ كيفَ يتحوّلُ الإنسانُ من مفجّرٍ مهووسٍ بالدمارِ وساعٍ إليهِ ، ومكفرٍ يُكفّرُ بالجملةَ دونَ تبيّنٍ أو تثبّتٍ أو تفصيلٍ ، إلى مُنتكسٍ ناكصٍ على عقبهِ ، ومهاجمٍ شرسٍ على كلِّ ما يمتُّ لفكرهِ السابقِ بصلةٍ ووشيجةٍ .
ومن المعلومِ والمُتقرّرِ لدى أهلِ العلمِ والمعرفةِ من أصحابِ القصدِ والتوسّطِ : أنَّ مناطَ الكفرِ قد يتحقّقُ في الشخصِ المعيّنِ بعدَ لأيٍّ ، إذا استجمعتْ فيهِ الشروطُ ، وانتفتْ عنهُ الموانعُ ، وخرجَ من الدينِ بيقينٍ كما دخلهُ بيقينٍ ، ولكنْ كيفَ يُمكنُ تحقيقُ مناطِ الكفرِ في أفرادِ جماعةٍ كبيرةٍ ، تختلفُ نيّاتُهم ومقاصدهم ، ولا يُمكنُ ضبطُ أحوالِهم ، ولا النظرُ في طرائقهم ، ويعتريهم — أفراداً - من عوارضِ الأهليّةِ ما يعتريهم ، ومثلُ هذا يعسرُ ضبطهُ جدّاً ، وإطلاقُ القولُ فيهِ هو من المجازفةِ والتهوّرِ في أصلِ المسألةِ ، فضلاً عن تعميمِ التكفيرِ على الجميعِ ! .
هل الأمرُ يقتصرُ على كونها مُراجعةً فكريّةً سطحيّةً ، وتغييراً لقناعاتٍ سابقةٍ - كما يزعم - ؟ ، أم هو هوسٌ بالتنقّلِ والتخبّطِ المنهجيِّ ، وشذوذٌ فكريٌّ ، وانحسارٌ لمدِّ العقلِ المُرشدِ الهادي ؟ .
هل هذهِ آخرُ محطّةٍ فكريّةٍ وسلوكيّةٍ في حياةِ هذا الرّجلِ ؟ ، أمْ أنّها مرحلةٌ يلهو فيها ويعبثُ ، ثمَّ إذا ما ملَّ منها وسئِمَ ، تحوّلَ إلى مدرسةٍ أخرى ، أو رجعَ إلى التفجيرِ والتكفيرِ ؟ .
أم هو باحثٌ لاهثٌ عن ذاتِهِ الذائبةِ في حمأةِ التحوّلاتِ المُريبةِ لهُ ولشلّةِ الأنسِ من رفاقهِ ؟ ، خاصّةً بعدَ أن لفظهمُ المُجتمعُ كلّهُ ، وعرفوا حقيقتَهم وحقيقةَ فكرهم ، وأصبحوا يعيشونَ عُزلةً كبيرةً فُرضتْ عليهم قسراً ، وتجافاهم النّاسُ وأعرضوا عنهم ، ولم تنفعهم جميعُ محاولاتِ التلميعِ والتزويقِ التي أضفوها على أفكارِهم ومناهجهم .
قمتُ مُنقّباً عن أخبارِ هذه التحفةِ العصريّةِ ، والعقليّةِ الحجريّةِ الفذّةِ في البلادةِ ، كأني أنقبُ عن أحفورةٍ من الأحافيرِ المنقرضةِ ، أو بقيّةٍ من بقايا الهياكلِ التي قضتْ نحبَها في الزمنِ الغابرِ السحيقِ .
عبدُ اللهِ بنُ بجادٍ العُتيبيُّ ، وقصّةُ البحثِ عن الذاتِ ، من حيِّ شُبرا في الرياضِ ، إلى الأضواءِ والفلاشاتِ والمانشتاتِ العريضةِ في وسائلِ الإعلامِ ، هاكم الحقيقةَ دونَ أي رتوشٍ ، أقدّمها للجميعِ حتّى نستخلصَ منها العبرَ والفائدةَ ، ونعرفَ كيفَ ينشأ الغلوُّ وكيفَ يتكاثرُ ويتوالدُ ، وما هي البيئةُ الخصبةُ التي تغذّيهِ وترفدهُ .
ولدَ ابنُ بجادٍ عامَ 1394هـ تقريباً ، ونشأ في حي شبرا ، وكانَ كغيرهِ من الشبابِ لا يميّزهُ أمرٌ ، إلا شيئاً من قرضِ الشعرِ العاميِّ ، والذي كان يطربُ له بعضُ جُلسائهِ .
في عام 149هـ حدثَ أولُ تغيّرٍ في حياةِ ابنِ بجادٍ ، حيثُ بدأ مشوارَ الالتحاقِ بالإسلاميين - كما يسميهم - وبالتحديد بالإخوانِ - إخوان من طاع الله - ، وكانت بدايتهُ عن طريق محاضرةٍ للدكتورِ : عايضٍ القرني - وفّقهُ اللهُ - . التحقَ ابنُ بجادٍ بالإخوانِ ، فكان يحرّمُ أشياءَ كثيرةً مما أحلها اللهُ - كما هي طريقةُ الإخوانِ أصلحهم اللهُ - ، شديداً على نفسهِ وغالياً في تطبيقاتهِ وفهمهِ للدّينِ ، وكان يبحثُ عن الفتاوى التي فيها شدّةٌ على نفسهِ وعلى المخالفِ " ولن يُشادَّ الدّينَ أحدٌ إلا غلبهُ " .
وهذا نوعٌ من الحيَلِ النفسيّةِ التي لا علاقةَ لها بالشرعِ والتديّنِ ، أنْ يقصدَ الشابُّ إلى التشديدِ والتقتيرِ ، إظهاراً للتميّزِ والحدّةِ ، ومُحاولةً لصُنعِ هالةٍ من الإعجابِ والافتتانِ بهِ أو بسلوكهِ ومنظرهِ ، ويا للهِ كم هي تلكَ السلوكيّاتُ التي نعتدُّ بها ديناً وشرعاً ، وهما منهُ بريئانِ تماماً ، وكم شدّدنا وضيّقنا والأمرُ ليسَ على ما نصبو أو نرومُ ، بل على نقيضهِ من السماحةِ واليُسرِ والسهولةِ . خرجَ ابنُ بجادٍ من بيتِ والدهِ وابتعد عنهُ ، وربّما قادهُ ذلكَ إلى اللامُبالاةِ بوالدهِ أو بيتهِ ، فقد خطَّ لنفسهِ طريقاً محفوفاً بالعنتِ والشططِ ، وحاول الأبُ إرجاعَ ابنه إلى دارهِ وإلى جادّةِ الصوابِ فلم يفلحْ .
فرِحَ كثيراً بلقاءِ رفيقهِ في التشدّدِ والانتكاسةِ مشاري الذايديِّ ، حيثُ جمعهما حبُّ الشعرِ وإنشادهُ ، وكان ذلك في عام 1411هـ ، وصارتْ بينهما علاقةٌ حميمةٌ جداً ، يصفُها ابنُ بجادٍ بقولهِ - وهو يتحدث عن رحلةٍ من رحلاتهما - : " ولكنَّ تلك الرحلةَ تركتْ لدى كلينا ارتياحاً عميقاً لصاحبهِ ، لم تستطعْ عوادي الأيامِ فيما بعدُ أن تفصمَ عراهُ أو تنالَ من عمقهِ " .
وقد صدقَ ابنُ بجادٍ في هذا ، فقد ترافقا شدّةً وليناً ، تديّناً ونكوصاً ، تطرّفاً وتمييعاً ، كأنّما خُلقا من تربةٍ واحدةٍ ، أو جمعهما رحمٌ واحدٌ ، وكأنَّ أرواحهم تلاقتْ في عالمِ الغيبِ وأقسمتْ على النصرةِ حقّاً أو باطلاً ، ولم يحنثْ لهما يمينٌ ، أو ينقضْ لهما عهدٌ ، بل مضوا على ذلكَ ابتداءً وانتهاءً ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ .
كانَ الذايديُّ قد امتازَ على صاحبهِ ابنِ بجادٍ بحبّهِ للشعرِ الفصيحِ وقرضهِ ، وحاولُ ابنُ بجادٍ أن يقلّدَ صاحبهُ ويُجاريهِ في ذلكَ ، فقامَ بعدّةٍ زياراتٍ إلى الشاعرِ الكبيرِ : يوسف مُحي الدّينِ أبو هلالةٍ - أسعدَ اللهُ أيّامهُ - لعلّهُ أن يُفيدَ منهَ .
وفي تلكَ الحِقبةِ أيضاً كان مشاري الذايديِّ تناوبَ مع إبليسَ على الوسوسةِ والإغراءِ لابنِ بجادٍ بتركِ الدراسةِ ، فتركَها وهو في الثاني الثانوي التجاريِّ لأنها حرامٌ ، كما هي طريقةٌ الإخوانِ - أصلحهم اللهُ - في تحريمِ الدراسةِ ، ولهم في ذلكَ مُصنّفاتٌ مشهورةٌ ، منها شيءٌ كتبهُ جُهميانُ العتيبيُّ في رسالةٍ لهُ معروفةٌ . وممّا يؤكّدُ أثرَ فكرِ الإخوانِ على ابنِ بجادٍ ، أنّهُ كانتْ لهُ زياراتٌ مُتكرّرةٌ لهجرةِ البلازيةِ وهجرةِ المحيلاني ، حيثُ كان يجدُ نفسهُ هناكَ ، ويشمُّ رائحةَ الإيمانِ ، كما يذكرُ ذلك عن نفسهِ .
وفي المحيلاني- تحديداً - كانَ يتردّدُ على شخصٍ يُقالُ لهُ : أبو عيسى الحربيِّ ، وهو أحدُ كِبارِ الأشخاصِ في الإخوانِ قدراً وأثراً ، تقريباً كان والدَهم ، بلغ من العمر السبعين ونيّفاً ، وهو ينتظرُ متى ينصر الله الإخوانَ على أهل الباطلِ ، ومتى يُعزُّ اللهُ الدينَ ، وكان حنوناً وعطوفاً على ابنِ بجادٍ وأصحابهِ .
تردّدَ ابنُ بجادٍ أيضاً على شيخٍ قد تجاوزَ المئةَ من عُمرهِ ، وهو : شاهرُ بنُ هدباءَ المطيريُّ ، وكان شاهرٌ من رجالِ الملك عبد العزيزِ - رحمهُ اللهُ - ، ولكنّهُ تركهُ بعد معركة " السبلة " المشهورةِ بينَ الملكِ عبدِ العزيزِ وبينَ الإخوانِ ، وكان ابنُ بجادٍ من المعظّمين لشاهرٍ ، ويُكثرُ من زيارتهِ ، وكانا يرددانِ نفسَ الكلامِ ويحملانِ نفسَ الأفكارِ ، وتتلاقحُ هناكَ المناهجُ المُتشدّدةُ .
وكان ابنُ بجادٍ يردّدُ قصةً : أنَّ أحدَ الإخوانِ كان كلَّما مرَّ بديكٍ صاحَ ، وذاتَ مرةٍ مرَّ ذلكَ الرجلُ بالديكِ ، ولكنَّ الدّيكَ لم يصِحْ ! ، فعلِمَ أنّهُ وقعَ في معصيةٍ ، فحاولَ التذكّرَ فبحثَ في جيبه فوجدَ ريالاً ، والريالُ عليه صورةٌ ، فعلِمَ أنَّ الملائكةَ لم ترافقهُ ذلك اليومَ لأنّهُ يحملُ صورةً !.
في تلكَ الأيّامِ كانَ ابنُ بجادٍ سريعاً في مسائلِ التكفيرِ ، بل لمّا ناصحهُ أحدُ إخوانهِ في ذلكَ ، ردَّ عليهِ ابنُ بجادٍ قائلاً : أنا ختمي في التكفيرِ بحجمِ كفرِ السيارةِ ! .
هكذا قالَ ، وقد صغّرهُ جداً ، بل إنَّ حجمَ ختمهِ بحجمِ كفرِ الطائرةِ ، بل هو أكبرُ من ذلكَ ، فقد كانَ سريعَ الطيشِ والنزِقِ ، لا يُبالي بما يرميهِ جُزافاً من الأحكامِ والطّعنِ في دينِ النّاسِ .
وأضافَ إلى فكرهِ التالفِ السابقِ أمراً آخرَ لا يقلُّ نكارةً وسوءاً ، ألا وهو تأييدهُ المُطلقُ التامُّ لجهيمانَ العُتيبيِّ ولفكرهِ ، وكانَ يوزعُ كتبهُ بينَ الناسِ ، والويلُ والثبورُ لمن قلّلَ أو انتقصَ من أهميةِ وشرعيّةِ جهادهِ في الحرمِ ! ، فهو يعدّهُ مُجاهداً في سبيلِ اللهِ ، وأنَّ ما قامَ بهِ قتالٌ في سبيلِ اللهِ تعالى .
بلْ إنّهُ يؤمنُ بأشياءَ غريبةٍ جداً ، ومُضحكةٍ في نفسِ الوقتِ ، فقد كان يُردّدُ أنَّ محمدَ بنِ عبدِ الله القحطانيَّ هو المهديُّ الحقُّ ! ، وقد هربَ عبرَ المجاري إلى خارجِ الحرمِ ومنها إلى اليمنِ ، وهو في الجبالِ ومعهُ رشّاشٌ ليدفعَ عن نفسهِ من تلك السنينِ الغابرةِ ، وفي إحدى المرّاتِ قالَ : إنّهُ رُفعَ إلى السماءِ ! .
وقد ذكرَ ابنُ تيميّةَ - رحمهُ اللهُ - أنّهُ ما من شخصٍ خرجَ وادّعى المهديّةَ ، إلا ووقعَ بسببِ ذلكَ شرٌّ عظيمٌ ، أعظمُ من الخيرِ المرجوِّ بذلكَ ، ومن يتتبّعْ التأريخَ المُتصلَ لحركاتِ المهديّةِ والأشخاصِ الذين يدّعونها ، يرى أمراً عظيماً في الفتنةِ والشرِّ ، بل إنَّ التفرّغَ لظهورِ المهديِّ ، والبحثِ عنهُ مُخلّصاً هو لوثةٌ رافضيّةٌ ، سرتْ إلى أذهانِ بعضِ الشبابِ - هداهمُ اللهُ - ، سبّبها لهم رؤيةُ الظلمِ وضعفِ الإسلامِ ، وأُصيبوا بوهنٍ وخوَرٍ في نفوسِهم ، آثروا حينها الانكفاءَ على الذاتِ ، والتعلّلَ بانتظارِ المهديِّ .
وقد اختارَ ابنُ بجادٍ أن يُساكنَ مجموعةً من أصحابهِ ، يحملونَ أفكارهُ ويعتنقونها ، فوقعَ رأيهُ على مجموعةٍ تركتِ الدراسةَ تحريماً لها ، وذلكَ لأنَّ فيها مناهجَ تدعو إلى الكفرِ ، وتديّنَ هو ورفاقهُ بهجرِ من لم يوافقهم على تلكَ المسألةِ ، والهجرُ في عرفهم وعُرفِ من سلكَ طريقَهم أمرٌ حتميٌّ لازمٌ للمُخالفِ ، يبدأون بالإنكارِ أوّلاً ، فإن لم يستجبْ لهم الشخصُ هجروهُ وتركوهُ وجوباً . كان يردّدُ مع صحبهِ دوماً : نحنُ أهلُ الحديثِ فقط ! .
إنَّ من يرى ابنَ بجادٍ في تلك الفترةِ الغابرةِ من حياتهِ ، وقد طال شعره و تركهُ بلا عناية مُتهدّلاً بينَ كتفيهِ ومن وراءِ شماغهِ ، يظنّهُ أحدَ القدماءِ الإسكندنافيين أصحابِ ابنِ فضلان ، أو من بقايا أصحابِ الكهفِ .
كانتِ المظاهرُ عندهم هي الدّينُ كلّهُ ، فلا بطاقاتٍ شخصيّةً معهم ، وشعورُهم طويلةٌ ، وأبشارُهم غيّرتها الشمسُ ، ولم يكونوا يعتنونَ بمظهرهم أبداً ، إذا رأيتهم رأيتَ شُعثاً غُبراً ، لم يرموا عصا الترحالِ عن عواتِقهم .
ولم يقفْ هجومُهم على الدراسةِ والمناهجِ فقط ، بل ازدادَ واتسعَ حتّى وصلَ إلى مرافقِ الدولةِ الأخرى ، بما فيها الهيئةُ ! ، فقد كانوا يرونَ الهيئةَ غطاءً من الدولةِ تُغطّي بها كُفرَها وردّتها كما يزعمونَ ، ولتثبتَ للنّاسِ أنّها دولةٌ إسلاميّةٍ ، وإذا وجدوا فُرصةً أو مناسبةً تجمعهم بأحدِ من يعملُ بالهيئةِ ، فإنّهم يُهاجمونهُ هجوماً عنيفاً ، ويأمرونهُ بتركِ العملِ فيها .
حاولَ بعضُ الرّفاقِ إدخالَ عناصرَ علميةٍ جديدةٍ ، في المسكنِ الذي يؤويهم ، وذلكَ عن طريقِ بعضِ المشايخِ ، لتدريسِ جملةٍ من العلومِ الشرعيةِ ، فوقعَ الاختيارُ على الشيخِ : محمد الددو - وفّقهُ اللهُ - وآخرين ، فغضب القسم الأكثرُ تشدداً من هؤلاءِ ، فهجروا الشقّةَ إلى الدرعيةِ ، وكان على رأسهم محمّدٌ الـ .... ( أبو حاتمٍ ) والذي لم يصبرْ طويلاً ، فقد ترك التديّنَ فيما بعدُ ، كما تركه ابن بجادٍ وغيرهُ من الرّفاقِ .
قامَ ابنُ بجادٍ بزيارةٍ للشيخِ : سفرٍ الحوالي — منَّ اللهُ عليهِ بالعافيةِ ومتّعهُ بالصحّةِ - في منزله بمكة — زادها اللهُ شرفاً - وسمعَ منهُ الشيخُ بعضَ أفكارهِ الشاذةِ فوبخهُ عليها ، ممّا حدا ابنَ بجادٍ إلى مقتِ الشيخِ وكُرههِ ، وبقيَ أثرُ ذلكَ في نفسهِ حتّى اللحظةَ . وأتذكّرُ هنا قصّةً طريفةً ذكرَها شيخُنا : سفرٌ الحواليُّ ، أنَّ مجموعةً من الشبابِ زارهُ في بيتهِ في مكّةَ - حرسَها اللهُ - وذكروا لهُ أنَّ المهديَّ معهم ! ، فذكّرهم الشيخُ باللهِ ، وأعلمهم خطأ طريقِهم وضلالَ نهجهم ، فخرجوا من عندهِ وهم يضمرونَ لهُ الكراهيةَ والمُنابذةَ ، قالَ الشيخُ : فلمّا سُجنتُ في الحائرِ ، علمتُ أنّهم جميعاً ألقيَ القبضُ عليهم بسببِ أفكارِهم المنحرفةِ ، وأودعوا في السجنِ ، فقلتُ في نفسي : لقد كانوا في سعةٍ وعافيةٍ من البلاءِ ! .
فكّرَ ابنُ بجادٍ لاحقاً باعتزالِ الناسِ ، فخرجَ إلى شقةٍ في منطقةٍ نائيةٍ ، مع أربعةٍ من أصحابهِ ، ولم يستطعِ الصمودَ هناكَ ، فرجعَ للرياضِ مرّةً أخرى .
وحصلَ التغيّرُ الثاني والمنعطفُ الخطيرُ في فكرِ ابنِ بجادٍ ، فقد قرّرتْ المجموعةُ التي معهُ أن تلجَ في تجربةِ التفجيرِ ! ، وكانُ ابنُ بجادٍ على علمٍ بما يخطّطونَ لهُ وربّما شاركهم في ذلكَ ودعمهم معنوياً وجسدياً ، وكانتْ تداعبُهم فكرةُ تصفيةِ بعضِ المنافقيَن - حسبَ قولهم - .
وهذا يؤكّدُ أمراً ذكرتهُ سابقاً ، ألا وهو أنَّ الغلوَ يتسلسلُ عبرَ مُقدّماتٍ فكريّةٍ مغلوطةٍ ، يخلصُ منها إلى نتيجةٍ حتميّةٍ ، ألا وهي الإلغاءُ للمخالفِ إمّا عبرَ التكفيرِ أو التفجيرِ أو التصفيةِ ، وجميعُ هذا ليسَ من الدّينِ في شيءٍ ، والفكرةُ الصحيحةُ تثبتُ على قدمِ البيّنةِ والبُرهانِ ، لا على طريقةِ المدفعِ والرشّاشِ ، والمدفعُ والرشّاشُ حامٍ للشريعةِ ، لا هادمٌ لها ومُنفّرٌ للنّاسِ عنها .
سافرَ ابنُ بجادٍ إلى اليمنِ تهريباً عبرَ الحدودِ ، زاعماً فيما يُظهرُ للنّاسِ أنه يريد الدراسةَ على الشيخِ : مقبلٍ الوادعيِّ - رحمه الله - ، ولم يُطِلِ الدراسةَ أو المكثَ هناكَ ، بل رجعَ سريعاً ، فلم يكُنْ ممن يصبرُ على طلبِ العلم ، أو يُجالدُ على ثني الركبِ عندَ أهلِ العلمِ .
ومن مضحكاتِ أمرهِ تلكَ الأيّام أنّهُ كان يحملُ عدسةً مكبّرةً يصحبُها في كلِّ كانٍ جذلاً بها كلِفاً ، فإذا سُئلَ عنها قالَ : منِ أجلِ قراءةِ المخطوطاتِ ! .
وانكشفتْ هناكَ الحقيقةُ القاصمةُ .
فلم يكنِ الأمرُ علماً أو دراسةً ، وإنّما تمويلاً لعمليّةٍ مسلّحةٍ داخلَ البلادِ ، هرّبوا أسلحتها من اليمنِ .
قُبضَ على رفيقهم : م . ع ، الذي هرّبَ لهم الأسلحةَ من اليمنِ ، واعترفَ أنّهُ هربها بناءً على طلبِهم ، واعترفَ - أيضاً - أنَّ المجموعةَ قد خطّطتْ لنسفِ برجِ التلفازِ وتدميرِ سجنِ عليشةَ للمباحثِ ، فتم إلقاءَ القبضُ عليهم واحداً تلوَ الآخرِ ، وهناكَ وبدونِ مقدّماتٍ اعترفَ مشاري الذايدي عن عملياتهم الخالدةِ ، فاقتيدَ أناسٌ لم يكونوا ضمنَ القائمةِ الأولى على رأسهم الإنسانيُّ : منصور النقيدان .
ألا تذكرونَ الهجومَ العنيفَ من ابنِ بجادٍ على الشيخِ : سفرٍ ، حينَ زعمَ أنَّ سببَ التفجيرِ في البلادِ هو الشيخُ ! ، هل عرفتمُ الآنَ من هم أوّلُ من أذكى نارَ التفجيراتِ ، وعمِلَ على نشرِ العنفِ والدعوةِ إليها ؟ ، هل هو الشيخُ : سفرٌ ، وهو الرّجلُ الذي حاولَ كفَّ ابنَ بجادٍ عن أعمالهِ ، ودعاهُ إلى الحقِّ والعدلِ والوسطيّةِ ، فأبى وأصرَّ واستكبرَ ، أهو الشيخُ ، أم هو هذا الرّجلُ الذي خرجَ إلى اليمنِ ، وأقامَ معَ رفقةٍ لهُ تنظيماً إرهابيّاً مُناوئاً للدولةِ ولقطاعاتِها ؟ .
لا أظنُّ الأمرَ الآنَ يحتاجُ إلى بيّنةٍ ودليلٍ ، فقد اتضحَ كلُّ شيءٍ وللهِ الحمدِ ، وعرفنا لماذا يكذبُ بنُ بجادٍ ويزعمُ أنَّ الشيخَ : سفراً وإخوانهُ من المشايخِ والدعاةِ أهلِ المعرفةِ والرّسوخِ ، هم الذين أشعلوا نارَ الفتنةِ في هذه البلادِ ، مع أنّهم - والجميعُ يعرفُ هذا - من أكثرِ النّاسِ سعياً إلى إنهاءِ العنفِ والغلوِّ ، ويعملونَ جاهدينَ على جمعِ القلوبِ ورجوعِ الشبابِ إلى دائرةِ الجماعةِ ، وقد نجحوا في كثيرٍ من ذلكَ وللهِ الحمدُ والمنّةُ ، وباركَ الجميعُ جهودهم ، من المسئولينَ والعلماءِ وعامّةِ الشعبِ ، ولو كرهَ ذلكَ أمثالُ ابنُ بجادٍ ، أو كذبوا ولفّقوا على النّاسِ الباطلَ ، فرموا غيرُهم بدائهم وانسلوا ! . والأحاديّةُ في التصرّفِ والعملِ أمرٌ لهُ أضرارُ خطيرةٌ وتداعياتٌ سيئةٌ ، وهذا من الأصولِ الكِبارِ التي قامَ عليها فكرُ هذه المجموعةِ حينها ، فهم يؤصّلونَ المسائلَ كما يرونها ، ثمّ يبنونَ عليها الأحكامَ القاسيةَ ، ويُطلقونَ القولَ فيها ، ويبسطونَ الرأي ، ثُمَّ يفعلونَ ما يرونَ ، ويجرّونَ الأمّةَ كلّها إلى أتونِ الدمارِ والفتنةِ ، ويعتقدونَ أنَّ قيامَ الحجّةِ عليهم ، يلزمُ منهُ قيامهُ على الأمّةِ كلّها ! ، وأنَّ ما يرونهُ حقّاً وواجباً ، يلزمُ الأمّةَ كلّها المصيرُ إليهِ ، والعملُ بمقتضاهُ .
وطُغيانُ النزعةِ الفرديّةِ في تصرّفاتِهم ، وإغفالُ دور ِ الأمّةِ في ذلكَ ، سواءً كانَ دوراً مؤسّسيّاً ، أو دوراً بشريّاً ، أمرٌ يلحظهُ الجميعُ من المحايدينَ ، وهذه الطريقةُ هي أحدُ أسبابِ انتشارِ الفوضى في العالم ِ الإسلاميِّ ، حينَ يُناطُ العملُ بمجموعةٍ ترى في نفسِها النيابة َ عن الأمّةِ ، فترتجلُ القراراتِ والتصرّفاتِ ، دونَ النظر ِ في دور ِ الآخرينَ ، أو مدى ضرر ِ ذلكَ الفعل ِ عليهم ، ولهذا كانتْ آثارُ هذه التصرّفاتِ مرفوضة ً لدى عامّةِ النّاس ِ ، إمّا بسببِ ما لحقهم من الضرر ِ والأذى ، أو لإغفال ِ دورهم وتهميش ِ آراءهم . وهذا مزلقٌ عظيمٌ من مزالقِ الشرِّ والفتنةِ ، ويفتحُ أبوابَ الفوضى في الأمّةِ ، فإنَّ كلَّ من رأى رأياً ، أو اختارَ قولاً ، لو سلكَ فيهِ مسلكَ هؤلاءِ في إلزامِ المُسلمينَ بهِ ، لهلكتِ الأمّةُ ، وضاعَ النّاسُ ، وصاروا أسرى التجاربِ والأهواءِ .
ودخل ابن بجادٍ سجنَ الحاير ، وبقي لمدةٍ في الحبسِ الانفرادي ، ثم انتقل للقسمِ العامِ ، وبالتحديد للغرفة رقم (9) ، وفيها رفيقهُ الدائمُ مشاري الذايدي.
لم يحتملْ فكرةَ أن يكونَ في السجنِ وهو المفكرُ العظيمُ ، والباحثُ النحريرُ ، والعالُم بمقاصدِ الشريعةِ !! ، فأصيبَ بانهيارٍ عصبيٍّ تلوَ آخرَ ، وأدخل للمشفى النفسي .
وحلقَ لحيتهُ التي نبتتْ للتوِّ وكان يؤخرَ الصلاةَ عن وقتِها وربما تركها كذلكَ .
وربما أمضوا وقتهم بالنشيدِ وكان المتميّز بينهم هو مشاري ، وتارةً يمضونهُ في الشعرِ وقرضهِ ، وكانت هناك مساجلاتٌ فكريةٌ أو تكفيريّةٌ في السجنِ أيضاً .
ومن اللطائفِ أنَّ صاحبُهم م . ع كان يقولُ الشعرَ الفصيحَ ويحترفهُ ، فيُقرأ من جهتهِ مقلوباً ، وكتبَ بالعامي أيضاً ، يقول مشاري الذايدي عنهُ : " ومنّا من ظنَّ أنهُ قد وُلدَ في معتقلِ الحايرِ شاعرٌ عظيمٌ !! وخصوصاً " أبو راشدٍ " خفيفُ الظلِّ والعقلِ ! الذي توهمَ لفترةٍ أنهُ قد حقّق معجزةَ القرنِ العشرين بأشعارهِ التي يمكن أن تُقرأ بالفصحى والعامية ، ومن تحت ومن فوق ، وكلَّ شطرٍ على حدةٍ ، وكل شطرٍ مضموماً إلى الآخرِ !! لقد كان هذا الرجلُ الطيّبُ فكاهةَ السجنِ ، ولا أدري هل كان يأخذ الأمور على محمل الجد ، إلى هذه اللحظة لا أدري !! لاحقاً أصبحَ أبو راشدٍ من أشهر الأطباء الشعبيين على مستوى الخليج ، وعالج ، كما يقول ، عدداً من الفنانات المصريات منهنَّ شريهان ! " .
بعد خروجِ ابنِ بجادٍ من السجنِ ، وجد المجموعةَ السالفةَ تغيّرتْ ، فبقي هو وصديقه مشاري .
ع . ع أحدُ الذين سُجنوا معهم في حادثةِ الأسلحةِ ، ومن أخصِّ أصحابِهم وأكثرهم جلداً وبأساً ، كان قد ذكرَ عنهم أشياءَ غريبةً وقعتْ في السجنِ ، وتصرّفاتٍ لا يُمكنُ صدورها من شخصٍ مستقيمٍ لاسيّما من منصور النقيدان ، وقد ذكرَ كثيراً من هذه الأفعالِ في ذلك الوقتِ ، إلا أنّها قوبلتْ باستنكارٍ شديدٍ ، إذ كيفَ يُتهمُ هؤلاءِ وهم طلبةُ علمٍ ومجاهدونَ ! ، ومع مرِّ الوقتِ تبيّنَ أنَّ صاحبُهم كانَ صادقاً في كلامهِ عنهم .
وصاحبهم هذا استمرَّ على نفسِ النهجِ ، بينما انتكسَ الآخرونَ ، ووصلَ بهِ الحالُ إلى أن قامَ بإطلاقِ النّارِ على بعضِ رجالِ المباحثِ ، وأصابَ منهم عشرةً ، وسطا على أحدِ نقاطِ التفتيشِ في أحدِ الطرقِ السريعةِ ، وغنمَ منها — كما عبّرَ بذلكَ — مجموعةً من الأسلحةِ ، إلى أن يسّرَ اللهُ أمرَ القبضِ عليهِ ، وهذه النتيجةُ نتيجةٌ حتميّةٌ لمن يسلُكُ طريقهم .
أعجِبُ ابن بجادٍ حينها بالمسعري وطارَ بأفكارهِ فرحاً ، وكان كثيراً ما يردّدُ : قال الشيخ المسعري كذا وكذا ، على وجهِ الإعجابِ بهِ وتقبّلِ أفكارهِ وآراءهِ .
ووقعتِ الكارثةُ الكُبرى : وقعَ تفجيرُ الرياضِ الأوّلِ في حيِّ العليا ، تلكَ الحادثةُ المُنكرةُ الغريبةُ على المُجتمعِ ، فكان ابنُ بجادٍ ممن يُدافعُ عن أصحابِ ذلكَ الفعلِ ويؤيّدُ عملهم من طرفٍ خفيٍّ ، بل كانَ بعضُ المنفذينَ من أصحابهِ ومعارفهِ .
وفي هذه المرحلةِ كانَ يُكثرُ من السفرِ إلى جدة ، والتقى هناكَ بمجموعةٍ من الشبابِ الذين سبقَ لهم السفرُ للجهادِ ، واستطاعَ أن يصنعَ لهو هو وللذايدي والنقيدان حضوراً لدى أولئكَ ، ممّا جعلَ الكثيرَ منهم يتأثّرُ بأفكارهم ، وابتدأت من هناك صلتهم بيوسف الديني ، وقد كانَ يتملّقُ أولئكَ الشبابِ بمجموعةٍ من الخطاباتِ الديماغوجيّةِ ، حتّى صارَ بينهم جهةً شرعيةً مُعتبرةً .
وأحبُّ أن ألفتَ النظرَ هنا إلى أنَّ عدداً من أولئكَ الشبابِ أُلقيَ القبضُ عليهم لاحقاً ، وحُكموا بأحكامٍ وصلتْ إلى 15 عاماً من السجنِ ، وكانَ لابن بجاد وأصحابهِ نفوذاً فكريّاً ومعرفياً واسعاً عليهم ، وكانوا يفتونهم بجوازِ الكثيرِ من الانحرافاتِ النظريّةِ والتطبيقيّةِ . اشتد الأمر على الكثيرِ من النّاسِ حينَ إلقاءِ القبضِ على الشيخِ سلمانِ العودة وآخرين من الدعاةِ والمشايخِ ، فهرب ابن بجادٍ لليمنِ ، ومنها زوّرَ جوازَ سفرٍ ليهربَ إلى سوريا ، وهناك يحدث الانقلابُ الفكريُّ الثالثُ في حياةِ الرّجلِ القصيرةِ جداً ، ولن يكونَ الأخير قطعاً .
طوّفَ ابنُ بجادٍ بين مجموعةٍ من الدولِ : اليمنِ فسوريا ، ثم استقرَّ بهُ المقامُ في الأردنِّ ، ثمَّ سافرَ لقطر مدّةً ، وعاد بعدها للأردنِّ مرةً أخرى ، والعجبُ أنَّ ابن بجادٍ ومشاري الذايدي لم يذكرا أبداً رحلاتهم للهندِ !! وما هي أسبابُ تلك الرحلاتِ !!.
قال ابن بجاد وهو يحكي جزءاً من قصّتِهم في الدوحةِ : " لا أنسى أنّنا خرجنا مرةً على كورنيشِ الدوحةِ نسيرُ على أقدامنا وكان مشاري يومها مولعاً بأبي العلاءِ المعري وشبهاتهِ في العقيدةِ - كما كنتُ أسمّيها أنا - قطعنا مسافة 8 كيلومترات نقاشاً حولَ آراء أبي العلاء وإيمانهِ وفلسفتهِ ، يا رعى الله تلك الأيامُ " .
بعد هروبٍ طويلٍ ربما تجاوزَ أربعَ سنواتٍ عانى فيهِ الأمرّينِ ، قرّرَ الرّجوعَ إلى أهله ، وكانَ في تنقّلاتهِ يخرجُ مُتنكّراً ، ويُهرّبُ تهريباً ، حتّى لا يُلقى القبضُ عليهِ .
داهمهُ رجالُ المباحثِ في بيتهِ حالَ خروجهِ منهُ ، فوضعتِ القيودَ في يده ، ليتدخّلَ لاحقاً بعضُ أقاربهِ للدفاعِ عنهُ ويقومونَ بضربِ رجالَ المباحثِ حتّى سالَ الدمُ من أحدِهم ، فيتراجعُ رجالُ المباحث ويفرُّ ابن بجاد ، وبعد هنيهةٍ تُداهم قوة من الأمنِ حيّهم ، ويُلقى القبضُ على عددٍ ممن شاركَ في تلك الفعلةِ .
ويبقى أخوه تركي في السجنِ لعدةِ أشهر وعبد الله مختفٍ غير مبالٍ ، ثم يتدخلُ شيخُ قبيلتهم " ابن جامع " ويشفعُ لهُ عندَ الأميرِ الأمير سلمان بن عبد العزيز ، ليسلم له عبد الله ابن بجاد نفسهُ ويخرج أخوهُ من السجنِ ، وقد عوملَ في السجنِ معاملةً كريمةً .
وانظرْ هنا — أخي الكريم — كيفَ يفعلُ هؤلاءِ الشُذّاذُ الزاعمونَ بأنّهم على منهجِ السلفِ حينها ، فيقومونَ بمواجهةِ رجالِ الأمنِ ، ويفرّونَ منهم ليقعَ غيرُهم ضحّيةً لغلوّهم وتطرّفهم ، فقد سُجنَ أخوهُ حيناً ، وبقيَ عبدُ اللهِ هارباً ، فأينَ هذه الأفعالُ المشينةُ من فعلِ السلفِ الكرامِ ، الذين كان ابنُ بجادٍ ورِفاقهُ يتمسّحونَ بهم ويزعمونَ أنّهم على طريقتهم .
يخرجُ ابنُ بجادٍ من السجنِ ، وتلك الفترةُ كانتْ بدايةً لكتاباتِ منصور النقيدان المنحرفةِ ، وبالتحديدِ مقالهُ " هل كان ابن أبي دؤادٍ مظلوما ؟ " .
وفي لقاءاتهِ المُتكرّرةِ مع صحبهِ ورفاقهِ ، أخذَ يُبدي نوعاً من الامتعاضِ لما كتبهُ وحرّرهُ النقيدانُ ، وكان ينكر معهم الاعتداء على الإمام أحمد وعلى التأريخ ، مع أنّهُ على علمٍ بالمقالِ ، وكانَ مُتابعاً لهُ ولفكرتهِ ، وقد قال مشاري الذايدي ما نصه : " أنني كنتُ أتابعُ ولادةَ المقالِ أوّلاً بأوّلِ " .
كانَ هذا آخرَ العهدِ بالزمنِ الغابرِ : فكرهِ ، غلوّهِ ، رفاقهِ ، مآسيهِ ، لتبدأ المرحلةُ الجديدةُ .
وقبل أن نبدأَ بعرضٍ موجزٍ لأفكارهِ الحديثةِ لابدَّ أن نبينَ سببَ هذا الارتكاسِ العجيب فمن ظلاميةِ التكفيرِ والتفجيرِ والغلوِّ المقيتِ ، إلى ظلاميةِ التحرّرِ والتمييعِ والهدمِ لمعالمِ الإسلامِ وأصولهِ بحُجّةِ التنويرِ والعصرانيّةِ والتجديدِ ، ولنا أن نُفيد ابتداءً من القانونِ الفيزيائيِّ الثاني لنيوتن — وهو من الكفّارِ الذين لا يُقبلُ قولُهم ولا يؤخذُ رأيهم كما كان يراهم ابنُ بجادٍ حينها - : " لكل فعلٍ ردةُ فعل مساوية له في المقدار معاكسة له في الاتجاهِ " .
وليتَ الأمرَ وقفَ عندَ ردةِ الفعلِ فقط ، بل إنّهُ تجاوزهُ حتى وصلَ إلى مصافِّ النظريّةِ النسبيّةِ ، وللحديثِ عن النظريّةِ النسبيّةِ وتأثيرِها وقتٌ يضيقُ عنهُ هذا المقالُ ، ويمكنُ أنَّ نحيلَ هنا إلى إنشتاين ونظريّتهِ النسبيّةِ . وفي الأعمِّ الأغلبِ أنَّ من يكونُ غالياً مُتشدّداً في فكرهِ وسلوكهِ وتنظيرهِ ، فإنّ تركهُ لفكرهِ القديمِ سوف يحوّلهُ إلى فكرٍ مُخالفٍ تماماً لماضيهِ ومضادٍّ لهُ ، وقلَّ أن تجدَ لدى هؤلاءِ اعتدالاً أو توسّطاً .
وهذا التشددُ والغلوُّ يدفعُ بصاحبهِ إلى نتائجَ وخيمةٍ ، يكون ابتداءُ أمرِها السآمةُ من هذا التديّنِ المتشدّدِ فالمللُ ثم العجزُ عن إحداثِ التغييرِ في الواقعِ ، وقد يتطور الوضع تطورا كليّاً إلى كرهِ التشدّد ونبذه وأخيرا الانقلابُ والتمردُ عليهِ ، بل والانتقال من صفوف التطرّفِ الديني إلى التطرفِ المضادِ المعاكسِ وهو الانحلالُ من كلِّ المبادئ والقيم ، والتديّنُ على رأسِها .
وهذا مصداق قول النَّبِيِّ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلمَ ـ :" إِنَّ الدِّينَ يُسرٌ ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أَحدٌ إلاّ غلبهُ فسدِّدوا وَقاربوا وأبشرُوا " رواه البخاري ، قال ابن حجر - رحمه الله - " المعنَى لا يتعمقٌ أَحد في الأعمالِ الدِّينِيَّة ويترك الرفق إلا عَجَزَ وانقطعَ فيُغلب . قَالَ اِبن المنير : في هذا الحديث عَلَم من أعلامِ النبوَّة , فقد رأينا ورأى النَّاس قبلنا أنَّ كلّ متنطِّع في الدِّين ينقطعُ " .
وليستِ الوسطيةُ في الإسلامِ وسطيةً رياضيةً حسابيّةً ، كأنْ تكونَ الخمسةُ هي وسْطَ العشرةِ ! ، ولا هي وسطيةٌ تلفيقيةٌ كما يفعل بعض المنتسبين للإسلام من خلطِ الأوراقِ ، فيخلطُ الإسلامَ بغيرهِ من الآراء الفاسدةِ والاطروحاتِ السمجةِ ويقولُ هذا هو الإسلامُ الوسطي المعتدلُ ! ، وليستِ الوسطيّةُ ردّةً عنيفةً عن الماضي بسلوكِ طريقٍ مُخالفٍ لهُ .
بل وسطيةُ الإسلامِ تكمنُ وترتكزُ في حقيقةِ الروحِ الإسلاميةِ الصافيةِ الميسورةِ ، كما أرادها الشارعُ وكما بينها صاحبُ الرسالةِ - صلى الله عليه وسلم - ، وسطيةٌ تعتمدُ على القرءانِ والسنةِ نصّاً وفهماً وانقياداً بالتطبيقِ والسلوكِ ، وسطيةً تقومُ على الرحمةِ بالخلقِ واللينِ لهم ، وزمّهم بأمرِ الخالقِ الحكيمِ .
ومن يستعرض التاريخُ المعاصرَ يجدُ أنَّ أبلغَ الحركاتِ تأثيراً في المجتمعاتِ الإسلاميّةِ والعربيّة ، هي الحركاتُ التي قادها رجالٌ يحسبونَ على التيارِ الإسلاميِّ ، من أمثالِ : أبي الأعلى المودوديِّ ، سيّد قطب ، جمالِ الدينِ الأفغاني ، محمدِ عبده ، عبدِ الرحمن الكواكبي ، محمّد رشيد رضا ، وغيرِهم ، وهؤلاءِ على الرّغمِ من وجودِ الهفواتِ الكبيرةِ لدى كثيرٍ منهم ، والقصورِ في علمِ الشريعةِ ، والتوسّعِ في إعمالِ العقلِ ، وتماهي بعضِهم في الحضارةِ الغربيّةِ ، إلا أنّهم لم يجدوا مكانةً لدى النّاسِ إلا لما أظهروهُ من الديانةِ والتعلّقِ بالشرعِ ، بغضِّ النظرِ عمّا يوجدُ لديهم من هفواتٍ وتجاوزاتٍ عظيمةٍ ، وهذا ما جعلَ النّاسَ تُقبلُ عليهم وتثقُ في مناهجِهم .
إن العلمانية والحداثة والماركسيّةَ بل وحتّى القوميّةَ والحركاتِ الوطنيّةَ ، أضعفُ من أن تشكلَ خطراً حقيقياً على الدينِ ، لأنَّ الناسَ دائماً ما ينظرونَ لهؤلاءِ على أنهم من خارج الأسوارِ ، وعملاء ، ومن المتنكرين للأمةِ ، لكن من ينتمي للمدرسة الدينية سوف يكون لديه قدرةٌ على أشياءَ كثيرة ، أقلها المتاجرة بهذا الانتماء ، وتسويقُ الباطلِ تحتَ ستارِ التديّنِ والتمسّحِ بالشرعِ . لابد للإنسان أن يبحثَ عن نفسهِ وذاتهِ بعد عناءٍ طويلٍ طوّح فيه في غياهب السجون والضياعِ الفكريِّ والعقديِّ ، وأصبحَ دونَ هدفٍ أو فكرةٍ ، بل هو تائهٌ مُشتّتٌ بين ماضٍ مليءٍ بالتطرّفِ والجنوحِ والغلوِّ المقيتِ ، وبينَ حاضرٍ مؤلّمٍ ، تعبتْ فيهُ الرّوحُ من مسالكِ الضياعِ ودوربِ التيهِِ الشتيتةِ . عبدُ اللهِ ابن بجادٍ مثالٌ واضحٌ لشابٍ عاش حنقاً على المجتمعِ بأسرهِ ، فأشهر سيفَ التكفير ، وتلبس بأحزمةِ التفجيرِ ، وتلظّى بنارِ التشتّتِ الفكريِّ والمنهجيِّ ، ثم لمّا وجدَ أنها لا تنفعُ ولم يتحصل من وراءها على الشهرةِ التي كان يتمنّاها نكصَ على عقبيهِ ، وتبرّأ من ماضيهِ بحذافيرهِ .
إذن فهي مرحلةُ البحثِ عن الذاتِ ، وإعادةِ تشكيلِ الهويّةِ بعدَ تشظّيها في متاهاتِ العنفِ والغلوِّ ، لكنّهُ على غيرِ هُدىً من اللهِ ولا بصيرةٍ ، وإنّما هو الاتكالُ على النفسِ والثقةُ المُطلقةُ بالمُكتسبِ من المعرفةِ ، وهذا لا يُغني عن الحقِّ شيئاً .
يحقُّ للأستاذِ البحثُ عن الشهرةِ ليكونَ شيئاً مذكوراً في حياةِ الناسِ ، بعد أن عجزَ عن تحمّلِ الشريعةِ وتكاليفِها العظيمةِ ، تلكَ التكاليفُ والشرائعُ التي يجدُ فيها المسلمُ من الأُنسِ واللذةِ والراحةِ ما لا يجدهُ في غيرها من مباهجِ الحياةِ ومتعِ الدّنيا ، ولكنّها لا تتحصّلُ إلا لمن أتاها على الطريقةِ السويّةِ ، دونَ جنوحٍ أو شططٍ .
وكأني بابن بجادٍ وهو يحلمُ بقيامِ دولةٍ إسلاميّةٍ بزعمهِ ، على أنقاضِ دولتنا — حرسها اللهُ - بعد أن ذبحَ المرتدينَ وقاتلَ الطواغيتَ - وهم كثر جداً عندهُ - ولا شكَّ أنَّ ذبحهم أسهلُ عندهُ من ذبحِ الشياهِ ، فالكفرُ قد مدَّ رواقهُ وضربَ بأطنابهِ ، والإسلامُ قد بقيَ حكراً على فئةٍ من البشرِ اختارتِ الاعتزالَ في الباديةِ وتقطيعِ الوثائقِ الشخصيّةِ وتحريمِ التصويرِ .
وما زال يعتقدُ أنّهُ قد عُيّنَ مسئولاً عن امتحانِ الناسِ في عقائدهم ودينهم .
هكذا كانتْ أحلامُ ابنِ بجادٍ وهو يتردّدُ بين البلازية والمحيلاني .
ثم لما رأى أنّهُ لم يجنِ من السجنِ تلوَ السجنِ شيئاً ، فلم يهدمِ الدولةَ التي طالما حلمَ بالخروجِ عليها وإقامةِ حكمٍ جديدٍ على أنقاضِها ، ولم يوضعْ في المكانِ المناسبِ ، بل مازالَ المجتمعُ يحقرهُ ويحقرُ فكرهُ ، ولا يعتبره وبقيّةَ زمرتهِ وفئتهِ إلا شُذّاذاً لا تأثيرَ لهم ولا مكانةً .
قرّرَ حينها تغييرَ الطريقِ ، واستبدالَ المنهجِ بآخرَ أقلَ تكلفةً وأسهلَ فكراً ، لعلّهُ أن يصلَ لمنصبٍ ومكانةٍ في المجتمعِ ، أو ينالَ شيئاً من احترامِ الناسِ الذي فقدهُ طيلةَ فترةَ انحرافهِ السابقِ . لكنّهُ — وللأسفِ - لا يملكُ سوى شهادةِ المتوسطةِ ، وذلك لما سبقَ وبيّناهُ من حالهِ أنّهُ كانَ يرى تحريمَ الدّراسةِ وجميعَ الوظائفِ الحكوميّةِ ، فأي شيءٍ يفعلُ وهذه حالهُ ؟ .
لا يملكُ أيَّ ثقافةٍ تذكرُ ما خلا ثقافةَ الغلوِّ والانحرافِ الفكريِّ والمنهجيِّ المنبوذةِ ، وبعضَ التجاربِ التائهةِ في التفجيرِ وتهريبِ الأسلحةِ ، أي أنّها أشياءُ لا يمكنُ لرجلٍ سويٍّ عاقلٍ أن يبوحَ بها ويعلنها للملأ ، فضلاً عن اعتدادِها به ذخراً وحصيلةً .
وكانَ جلُّ وقتهِ في قراءةِ كتبٍ معينةٍ ، تلكَ التي تُغذّي الطريقَ المخالفةَ التي سارَ عليها ، وكانوا يفرحونَ فرحاً عظيماً بحصولِهم على نسخةٍ من أحدِ كُتبِ جهيمانَ ، أو كُتبِ الشيوعيِّ الثائرِ السعيدِ ، أو غيرِهم من الذين أعلنوا العصيانَ والخروجَ ، ولم يكونوا يهتمّونَ بمنهجِ المؤلّفِ أو فكرهِ ، بل إذا وافقَ هدفهم وغايتهم قرءوا لهُ وأوصوا بقراءةِ ما يكتبهُ ، كما كانَ مولعاً بامتحانِ عقائدِ الناسِ واختبارهم في أديانهم ، لا سيّما وهو يرى أنَّ أكثرَ الخلقِ ما بينَ كافرٍ مرتدٍ أو مسلمٍ زائغٍ منحرفٍ ، والحقُّ قد تمحّضَ في قلةٍ قليلةٍ تستوطنُ الباديةَ . يملكُ كرهاً للشبابِ الذين تعلّموا ودرسوا ففاقوهُ علماً وتحصيلاً . يملكُ بغضاً لمن كان يؤنّبهُ على أفكارهِ الظلاميةِ الفاسدةِ ، كما تقدّمَ معنا ذكرُ قصّةِ الشيخِ العلاّمةِ سفر الحواليِّ — متّعهُ اللهُ بالعافيةِ وشفاهُ - ، وكيفَ أنَّ نصيحةَ الشيخِ لهُ جعلتهُ يكرههُ كرهاً فظيعاً .
علمَ حينها أنّهُ منبوذٌ ، وماضيهِ لا يصلحُ أن يُناطَ به ما يكونُ سبباً للرفعةِ أو التوقيرِ . إذن لابدّ أن يفعلَ فعلَ الأعرابِّي الذي بالَ في ماءِ زمزمَ حتى يشتهرَ .
بدأَ ابنُ بجادٍ بالهجومِ . الهجومُ على كلِّ شيءٍ يذكّرهُ بماضيهِ المخزي ، فهو يسبُّ ماضيهِ ويصفهُ بأقبحِ الصفاتِ ، لعل أن يجدَ في ذلك سلوةً .
يسبُّ المناهجَ التي خرّجتْ آلاف الشبابِ الصالِح والنافعِ والذين لم يفعلوا فعلهُ ، بل كانوا يُناصحونهُ ويدلّونهُ على الخيرِ ، فكانَ ينكُصُ على عقبيهِ ويستكبرُ عن سلوكِ طريقهم ، حتّى وصلَ بهِ الحالُ فكفّرَ بعضهم ، ورمى آخرين بالعمالةِ والزيغِ ، وكان يسبُّ المناهجَ أيضاً من قبلُ لأنها تكرّس الكفرَ وهو حبَّ الوطنِ !! .
يسبُّ كبارَ العلماءِ المخلصين لدينهم ، وكان يسبّهم من قبلُ كذلك لأنهم أعوانُ الطاغوتِ - كما يقول - وربما زادَ عن السبِّ فحكمَ على بعضهم بالنفاقِ والرّدّةِ الصريحةِ ، كما فعلوا ذلك معَ الإمامِ عبدِ العزيزِ بن بازٍ وصِنوهِ بنِ عثيمين — رحمهما اللهُ - ، ولا زلتُ أذكرُ صاحباً لهم من خاصّتهم — وقد صارَ مثلُهم الآنَ مُنتكساً — وهو يقولُ : لو قامَ الجهادُ في هذه البلادِ فإنَّ أوّلَ من يُبدأ بقتالهِ هو ابنُ بازٍ وابنُ عثيمينَ !! ، وهذا الرّجلُ نفسهُ قالَ لي : الألبانيُّ كافرٌ ، وإن شككتَ في كفرهِ فأنتَ كافرٌ ! .
فسبحانَ اللهِ ما أوضعَ هذا الطريقَ وأسخفَ سالكيهِ ، لم يعرفوا حقّاً لأحدٍ ، ولم يُراعوا حرمةَ العلمِ وأهلهِ ، ولكنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى لهم بالمرصادِ ، فحمى أعراضَ أولياءهِ ، فماتَ أولئكَ العلماءُ وبكتهم الأمّةُ جمعاءُ ، وشهِدوا لهم بالخيريّةِ والفضلِ ، وأمّا هذه الشرذمةُ فقط تساقطوا واحداً إثر واحد في الانتكاسةِ والانحرافِ ، وما ظلمهم اللهُ ولكن أنفسهم كانوا يظلمونَ . يشتمُ ويكرهُ من كانَ يردّدُ عليهِ : يا بُنيَّ ليسَ هذا هو الطريقَ الصحيحَ ، ولا المنهجَ السويَّ ، إنّهُ يكرههم مع أنّهم حاولوا ردّهُ عن غلوّهِ ، فقد وقعَ في شيءٍ لا يقلُّ غلواً عن سابقِ حالهِِ . إن ما حصلَ لابنِ بجادٍ بعد رحلاتهِ مجرّدُ انقلابٍ لشهوةٍ نفسيّةٍ عرضتْ ، وقد يتبعهُ انقلابٌ آخرُ ، ويعودُ على إثرهِ أخطرَ من ذي قبلُ وأشدَّ زيغاً وانحرافاً ، وكُرهاً للمجتمعِ وطبقاتهِ .
وقد تكونُ هذهِ المرحلةُ مرحلةَ كمونٍ وسكونٍ ، يتبعها نشاطٌ وفورةٌ .
ولنقفْ سوياً — أيّها القارئُ العزيزُ - مع " المفكّرِ ، والباحثِ في الجماعاتِ الإسلاميّةِ " عبد اللِه بن بجادٍ ، وهو يضعُ المبضعَ على الجرحِ ليُبيّنَ للناسِ وللدولةِ بالأخصِّ سببَ الغلوِّ الموجودِ عندنا والذي بدأ مبكراً بفضلِ ابنِ بجادٍ وأمثالهِ ، لكنّهُ نسيَ أنّهُ أحدُ من نفخَ في كيرهِ وذرَّ رمادهُ في عيونِ النّاسِ .
في مقالةٍ بعنوانٍ " التطرّفُ صناعةٌ محليةٌ أم مستوردةٌ " ، في جريدةِ الرياضِ : يتحدّثُ عمّا حصلَ بين الإخوانِ - رحمهم الله - وبين الملك عبد العزيزِ - رحمه الله - فيقول : " ...وبعد أن اكتشف الملك عبد العزيز عجز الخطاب الدينيِّ الرسمي عن إطفاء الفتنةِ ، لأنّهُ بكلِّ صراحةٍ كان سبباً في المشكلةِ فكيف يشاركُ في حلّها ! " .
هل كنتَ تقولُ بهذا الرأي في ظلاميّتكَ الأولى ؟ حينَ كنتَ تُمجّدُ الإخوانَ تمجيداً عظيماً ، وتعتقدُ أنَّ الملكَ عبدَ العزيزَ ما هوَ إلا يهوديُّ الأصلِ ، ودسيسةٌ بريطانيّةٌ ، ومرتزقٌ للأعداءِ ، وكافرٌ لا يُقبلُ حكمهُ ، وكنتَ تتذاكرُ أنتَ وبقيّةُ الرّفاقِ ما كنتم تسمّونهُ بأمجادِ السبلةِ الغائبةِ !! ، هل نسيتَ تلكَ الأيّامَ القاتمةَ ، ولم يكنْ معكم فيها إلا قلّةٌ من الرّجالِ ، منهم من قُتلَ في مواجهةٍ مع رجالِ الأمنِ في هذه البلادِ المُباركةِ ، وآخرينَ انحرفوا في مثلِ طريقكَ وسبيلكَ ! .
هاهو الآن يتحوّلُ إلى الشمشونيّةِ الفكريّةِ ، ويُعمّمُ الانحرافَ بعد أن تلبّسَ بلبوسهِ وانخرطَ في طريقهِ ، ولم يكفهِ ذلك بل تحوّلَ إلى داعيةٍ من دعاةِ الشرِّ والسوءِ ، حتّى يتخبّطَ النّاسُ كما تخبّطَ هو ، وليكونوا شركاؤهُ في ألمِ الضميرِ ، ووحشةِ الصدرِ ، وضيقةِ القلبِ ، وهي أعراضٌ لازمةٌ لكلِّ من صدَّ عن سبيلِ اللهِ يبغيها عوجاً ، أو حادَّ المؤمنينَ وتنكّبَ عن طريقهم .
إنَّ الكثيرَ من أهلِ الخيرِ والطاعةِ والاستقامةِ ليوحشُ صدرهُ ، ويُظلمُ قلبهُ ، بالمعصيّةِ المُجرّدةِ التي يفعلُها ، أو الذنبِ يجترحهُ ، فكيفَ بمن يهوّنُ على النّاسِ أمرَ الديانةِ والاستقامةِ ، وكيف بمنْ يفتحُ للنّاسِ بابِ الانحرافِ الفكريِّ والسلوكيِّ ، بل كيفَ هو حالُ من أعرضَ عن ذكرِ اللهِ إعراضاً تامّاً ، وصارَ قرينهُ الشيطانُ وأعوانُ الشيطانِ ، فهؤلاءِ ولا ريب عيشتهم قلقةٌ ، وحياتُهم مليئةٌ بالوحشةِ والقتامةِ . بدلاً من أن تلعنَ الظلامَ أوقد شمعةً .
بدلاً من أن تهاجمَ من كنتَ تمجّدهم إلى حدِّ الغلوِّ والتقديسِ المنكرِ ، ضعْ حجراً لبناءِ مستقبلٍ أفضلَ لكَ أوّلاً خاصّةً ، ثُمَّ للمسلمين عامةً ، ولكنَّ ماضيكَ وعهدكَ البائدَ لم يكنْ إلا موشّحاتٍ من الإقصاءِ للآخرينَ وتكفيرهم واتّهامهم في نيّاتهم وأديانهم ، ولم يكنْ — بحسبِ اعتقادِكَ — ثمّةَ ناجٍ إلا أنتَ ونفرٌ يسيرٌ ممّن معكَ ، والآن انقلبتْ على عقبيكَ ، ولكنّكَ لم تتركِ الإقصاءَ والطعنَ والقذفَ الذي كنتَ تمارسهُ ، بل عُدتَ إليهِ أسوأ من ذي قبلُ ، فأينَ هو التغييرُ الأمثلُ والتراجعُ الصائبُ بزعمكَ ؟ .
إنّكَ تستخفُ بعقلِ القارئ ، وأنتَ تعلمُ جيّداً أنَّ كلامك كذبٌ محضٌ وإفكٌ مُفترىً ، فقد كانَ موقفُ أهلِ العلمِ واضحاً وصريحاً في وقوفِهم مع الملكِ عبدِ العزيزِ ضدَّ بعضِ تصرّفاتِ الإخوانِ وآرائهم المُخالفةِ ، وكان هذا مما أغضبَ الإخوانَ ، وصارَ أهلُ العلمِ يحذرون الناسَ منهم ، ولا شكَّ أنه قد مرَّ عليك كلامُ المشايخِ في الإخوانِ ، ولكنّهُ لم يكنْ يُرضيكَ ، بل كنتَ تراهُ نوعاً من النّفاقِ والعمالةِ والتزلّفِ ، فكيفَ جعلتهُ الآنَ موقفاَ شريفاً نبيلاً ؟ أرأيتَ أنّكَ لا تعي ما تقولُ وإنّما تُخالفُ لمُجرّدِ المخالفةِ وحُبِّ الظهورِ .
ومن المشايخِ الذين رفضوا أعمالَ الإخوانِ : الشيخُ عبد الله بن عبد اللطيف والشيخُ حسن بن حسين والشيخُ سعد بن عتيق والشيخُ محمّد بن عبد اللطيف وآخرونَ — رحمهم اللهُ جميعاً - ، وكان عددٌ من المشايخِ برفقةِ الملكِ وهم الشيخُ عبد الله العنقري والشيخ عبد الله بن مزاحمٍ والشيخ أبو حبيبٍ الشثري - رحمهم الله - .
وأنتَ تعلمُ أنَّ المسألةَ كانتْ في جزءٍ كبيرٍ منها حرباً سياسيةً ، ففيصل الدويش - رحمه الله - كان سياسياً وكانت له نوايا في الحكمِ بخلافِ غيرهِ من قادةِ الإخوان - رحم الله الجميع - ، وأنت تعلم كذلكَ أنَّ الملكَ عبد العزيز - رحمه الله - هو قائدُ الإخوانِ بل لقد قالها أمام البريطانيينَ : أنا الإخوان ! ، وقد ذكر هذا جون حبيب في كتابة "الإخوان السعوديون " و قال أيضاً : "حركةُ الإخوانِ هي أطهرُ حركةٍ عرفها التأريخُ " .
ثم إن كان الملك عبد العزيز — رحمهُ اللهُ - قد عفا عنهم وتركَ قتالهم ، فمالك ولمهاجمتهم ؟! .
وإن كنتَ تجهلُ موقفَ الملكِ من قادةِ الإخوانِ الذين خرجوا عليه ، فإليكَ ما يقرّرهُ جون حبيب ودكسون فقد قالا : " كان اللقاءُ بين المتمرّدين وبين الملكِ مؤثراً ، وبعد أن انهمرت الدموعُ على خدّيَ ابن سعودٍ سمحَ لكلٍّ من الأسرى أن يقبّله في أنفهِ " .
ألا يُغيظُكَ مثلُ هذا الموقفِ من الملكِ عبدِ العزيزِ ؟ ، واللهِ إنّهُ يُغيظُكَ ، كانَ يُغيظُكَ فيما مضى ، وهو يُغيظُكَ الآنَ ، لأنّكَ لا تبحثُ إلا عن الشذوذِ والمُخالفةِ ، مثلُكَ مثلُ الجراثيمِ لا تظهرُ إلا مع العفونةِ والمرضِ ، ومثلُ الضباعِ تعشقُ مرأى الجثثِ المُبضّعةِ والأوصالِ المُقطعةِ ، وأنتَ لا تظهرُ إلا حالَ الفرقةِ والتشتّتِ وتُباركُ ذلكَ وتدعو لاستدامتهِ ، كأنّكَ غرابُ البينِ . أم أن الذي يُغيظُكَ هو موقفُ الملك عبد العزيز - رحمه اللهُ - لما قال : " الحقيقةُ أننا سلفيّون محافظونَ على ديننا نتبعُ كتابَ اللهِ وسنّةِ رسولهِ - صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ - وليسَ بيننا وبيَن المسلميَن إلا كتابُ اللهِ وسنّةِ رسولهِ " .
ألم تكن تُغيظُكَ مثلُ هذهِ الكلماتِ من الملكِ عبد العزيزِ سابقاً ؟! ، وهيَ واللهِ الذي لا إلهَ إلا هوَ تُغيظُكَ الآن أضعافاً مُضاعفةً لأنّكَ تزعمُ أنَّ السلفيّةَ أسوأ الحركاتِ الإقصائيةِ ، وأنّها سببُ البلاءِ في بلادِنا — حرسها اللهُ - .
لماذا تعرضُ عامداً عن محاورةِ الملكِ عبد العزيز لبعضِ شيوخِ الإخوانِ وقادتهم — رحمهم اللهُ جميعاً — عندما ناقشوهُ وخالفوهُ في أمرِ البرقيّاتِ ، فقال لهم : " إنني على استعدادٍ لتدميرِ كل السياراتِ وأجهزةِ الهاتفِ واللاسلكيِّ ولكن بشرطِ أنْ يُدمّرَ الإخوانُ كلَّ أسلحتهم وذخائرهم التي هي من صنعِ الكُفارِ .. " .
فأقنعهم ذلكَ منهُ وتركوا هذهِ الشبهةَ ، وحصلَ بذلكَ نوعٌ من اجتماعِ القلوبِ ، وهو أمرٌ يحبّهُ اللهُ ورسولهُ ، لما فيهِ من تفويتِ الفرصةِ على هواةِ التفرقةِ وشقِّ الصفوفِ من المغرضينَ من أمثالكَ .
ولو كنتَ منصفاً — وما أبعدكَ عنها — لنقلتَ للقرّاءِ عددَ المرّاتِ التي ناقشَ فيها الملكُ عبدُ العزيزِ مخالفيهِ ، حتّى إن كثيراً منهم انضمَّ إليهِ بعد تلكَ المناقشاتِ ، وتركَ عداوتهُ .
الموضوع يتبعه موضوع آخر ولكم شكر المتابعة.