منذُ زمنٍ وهو يرافقني, في البداية كان فقط يعمل على إيقاظي من النوم, أشعرُ بهِ يحبسُ أنفاسي ويعطّل كلّ حواسّي, ثم أصبح صديقاً يزورني حتّى في لحظاتِ صحوي, وأنا مستلقية على السرير أجتهدُ في طلبِ النوم. أوّل مرّة أتاني ظننتهُ الموت, فأسلمتُ نفسي منتظرة اللحظة التي أرتفعُ فيها إلى الأعلى وأرى جسدي في الأسفل على السرير, لكنّهُ خيّب ظنّي فيه, وزال عنّي!
قالوا إنهُ الجاثوم, شيطانٌ ينقضّ على الجسدِ ويثبّتهُ ويكتمُ الأنفاس, فلا يستطيعُ الفردُ فعل شيءٍ معه, وعندما يقاومه يزيدُ هيجاناً وقوّة, يغادر عندما يقرأ الشخص المعوّذات. هكذا قالوا!
وعندما سألت لماذا يأتي! قالوا إنهُ يأتي إذا نامَ الشخصُ وهو جُنب, أو لم يُصلِّ العشاء, أو إذا كانَ عاصياً, أو لم يقرأ دعاء النوم. فكنتُ أتأكد من أنني متجنّبٌة لكل هذهِ الأشياء قبل النوم, ولكنهُ يأتي! قالوا أنَّ الشياطين تهربُ عندَ سماعِ الأذان, وتُصفّد في رمضان, ومع ذلك كانَ يأتي وقت الأذان وفي رمضان!!!
اعتدتُ عليه, وخلقتُ بيني وبينهُ معرفة, وأحاديث من طرفٍ واحد, كنتُ أقاومهُ وعندما أتغلب عليه, أجلسُ على السرير, وأهددهُ, بل وأتحدّاه أن يعودَ إلى تثبيتي مرّةً أخرى, هكذا كـردّة فعل لما يقومُ بهِ هذا الأخرق يجب أن أتحداه لأظهرَ لهُ بعضَ الغضب, وليرحل. أحياناً عندما يُكثرُ زياراتهِ, أستجديه بأن يتركني اليوم في حالي, وغداً أعدهُ بأن ألعبَ معهُ قليلاً!
لمدّةٍ طويلة ظللتُ أتحدّث معه, وأشتمهُ, وأحياناً قبل أن آوي إلى السرير أتلفّتُ في الغرفة, وأقول بصوتٍ مسموع أن مزاجي اليوم ليسَ مناسباً لمزاحهِ الثقيل, وأعدهُ بأنني إذا ما تركني اليوم في حالي, سآكلُ غداً بيساري كي يشاركني الطعام, كما قيلَ لي في صغري بأن الشيطان يأكلُ مع من يتناول طعامهُ باليسرى, قبل أن أعرف أن الأكل باليسرى ليسَ مُحرماً كما قالوا!
اكتشفتُ قبل ما يزيد عن سنتين, أنني أرهقتُ نفسي بالحديث دون فائدة وأنني أطلقتُ تهديداتي وتحدياتي واستجداءاتي ووعودي إلى حيطان حجرتي أو إلى أدراجِ الرياح, لم يكن ثمةُ شيطانٍ في الجوار أبداً, لم يكن "الجاثوم" سوى أسطورةٍ أخرى من تلك الأساطير التي زرعها في عقولنا أولئكَ المؤولون لكلّ شيء, المحوّرون للحقائق, الذين يُلبسونَ الأحداث الغامضة لباس الفعل وردّة الفعل, لباس الترهيب والعذاب والجزاء, عشتُ فترةً كنتُ أشكُّ في كلّ تصرفاتي, كنتُ أظنُّ بأنني مُستقصدة من السماء, دونَ جُرمٍ عظيمٍ أرتكبه, شككتُ بأنني إنسانة سيّئة للدرجة التي خُصص لي فرد من عالمٍ آخر ليضايقني كلّ يوم, وكلما فكّرتُ في الأمر وجدتني شخصٌ عاديّ, بل أقل من العادي, ومسالمة, وأنني مُقلٌّة حتى في مشاركتي بـأدواري الطبيعيّة لدراما الحياة اليوميّة, فأقضي معظم وقتي بعيداً.
لم يعد يزرني كثيراً كما السابق, لكنهُ في ظُهر الأمس, أتاني مرّتين, لم أتحدّث معهُ بعد أن زال, لأنني بكلّ بساطة أنهيتُ هذهِ العادة, وضحكتُ على ذاتي كثيراً, منذُ أن عرفتُ أنهُ مرض يُدعى "شلل النوم" و صفةُ هذا المرض بكلّ بساطةٍ أيضاً: غياب القدرة على تحريك جميع أعضاء الجسم, وتتزامن مع ذلك هلوسات مُفزعة, وتستغرق أعراضهُ مدةً تتراوح بين ثوانٍ إلى عدّة دقائق, فيحاول المريض الاستنجاد بمن حولهُ وطلب المساعدة, أو حتّى البكاء, لكنهُ لا يستطيع. تختفي الأعراض مع مرور الوقت, أو عندما يُحرّك المريض عضلات وجهه والعينين, أو عند حدوثِ ضجّة, أو عندما يتم لمس المريض من قِبل شخصٍ آخر.
بتفسيرٍ علمي, وردَ في أحد المقالات الطبيّة: (أظهرت الدراسات بأن 2% من الناس يتعرضون لشلل النوم على الأقل مرة في الشهر. وقد يصيب هذا المرض المرء في أي عمر. ويتعرض 12% من الناس لهذه الأعراض لأول مرة خلال الطفولة. ومن الثابت علمياً أنّ النوم يتكون من عدة مراحل، أحد هذه المراحل يدعى "حركة العين السريعة"، وتحدث الأحلام خلال هذه المرحلة. وقد خلقَ الله سبحانهُ آليةً تعمل لتحمينا من تنفيذ أحلامنا؛ تدعى هذه الآلية "ارتخاء العضلات". ارتخاء العضلات يعني أن جميع عضلات الجسم تكون مشلولةً خلال مرحلة الأحلام ما عدا عضلة الحجاب الحاجز وعضلات العينين. فحتى لو حلمت بأنك الرجل الخارق "سوبرمان"، فإن آلية ارتخاء العضلات تضمن لك بقاءك في سريرك. وتنتهي هذه الآلية بمجرد انتقالك إلى مرحلة أخرى من مراحل النوم أو استيقاظك من النوم، إلا أنه وفي بعض الأحيان يستيقظ المريض خلال مرحلة حركة العين السريعة، في حين أن هذه الآلية "ارتخاء العضلات" لم تكن قد توقفت بعد؛ وينتج عن ذلك أن يكون المريض في كامل وعيه, ويعي ما حوله جيداً، ولكنه لا يستطيع الحركة بتاتاً)
نتيجةً لغرائبيّة بعض تصرفاتي, كانت هذهِ الأسطورة التي ابتكرها قومي, بالإضافة إلى أنها كلفتني جهداً نفسياً وتفكيراً عميقاً, وترقباً, وخوفاً, وأحاديث خرقاء, وجعلت أختي تشكّ في سلامة عقلي حين تسمعني أهدد وأشتمُ وحيدة في الحجرة, بالإضافةِ إلى كلّ هذا, كانت ستكلّفني شراء سريرٍ آخرٍ أضعهُ جوارَ سريري, للسيّد "جاثوم" كي لا أضايقهُ في سريري, ولكي "يحلّ عنّي" ويريّحني!
04-07-2005, 07:51 PM
جاثوم...!!
