إعدام دموي لأرغفة الخبز وحاملها

[Nathyaa]

[FRAME="12 70"]المواطن أشلاء فوق 'عيش' المنكوبينِِ ومشاهد تفوق الوصف

إعدام دموي لأرغفة الخبز وحاملها






الجسد صار قطعا يحاول المسعفون تجميعها


07/08/2006 صور (جنوب لبنان) - موفدة القبس منى فرح:



في الصباح السادس والعشرين من صباحات العدوان السوداء كان علي رضا غضبون، مواليد 1959 من بلدة قانا في جنوب لبنان، ينقل بسيارته 'الفان' من نوع تيوتا بيضاء اللون مؤونة من الخبز إلى القرى والبلدات عندما اغتاله صاروخ أطلقته طائرة 'أم كا' الإسرائيلية على طريق جسر القاسمية (2 كلم من صور).
الصاروخ أصاب الشهيد علي برأسه مباشرة وحوله إلى أشلاء تناثرت فوق أرغفة الخبز التي انتشرت من قوة الانفجار فوق ركام الدمار الكبير الذي يغطي المنطقة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل عليها.


أما نزيه علي مطلق (40 عاما)، وهو من بلدة يارين على الحدود الجنوبية، فكان خارجا من محل بقالة في منطقة البص (مدخل صور) عائدا سيرا على قدميه إلى مسكنه في المدينة عندما اغتاله صاروخ آخر أطلقته أيضا طائرة 'أم كا' (ربما هي ذاتها التي اغتالت بائع الخبز)، وهذه المرة تقطعت أطراف الشهيد، تمزق جسده بعشرات الشظايا الحديدية والمسمارية.


علي غضبون ونزيه مطلق مثالان عن عشرات المواطنين المدنيين الذين يقتلون يوميا بفعل العدوان الهمجي المتواصل بدون هوادة، لا بل يزداد حدة وإجراما وفتكا يوما بعد يوم، ويستهدف المدنيين قبل كل شيء في عملية ابادة وقحة ومكشوفة.


الخبز.. لا أكثر



فالشهيد الأول كان ينقل في سيارته الخبز للنازحين في صيدا. فلقمة العيش هذه تشكل بالنسبة لألوف مؤلفة من العائلات المنكوبة، الوجبة الرئيسية إن لم تكن الوحيدة في ظل الظروف الكارثية التي يعيشونها في المدارس أو في الحدائق العامة أو في ساحات البلدية وغيرها من الأماكن التي لا تتوافر فيها ابسط مقومات الحياة اليومية.


الطائرة الحربية 'أم كا'، والمعروفة بأنها طائرة تجسس بالدرجة الأولى، ترصدت لقمة عيش اللبناني لتعوض فشلها في العثور على من تقول إنهم يطلقون صواريخ على إسرائيل. وفي مثل هذه الاعتداءات الدموية بعد آخر للحرب النفسية التي يمارسها هذا العدو الشرس ضد لبنان.


محاصرون بخطوط النيران


في البداية كانت الجسور والبنى التحتية والخدمات ثم المباني والمنازل السكنية، والآن كل ما له علاقة بمقومات الحياة التي بدأت تنفد شيئا فشيئا مع استمرار الحصار البحري والجوي والاستمرار في تقطيع أوصال المناطق بعضها عن بعض ووصلت إلى حد قطع شوارع الأزقة والأحياء الداخلية.


اغتيال بائع الخبز، لا بل إعدام لقمة العيش، أضاف المزيد من الإحباط الذي يشعر به سكان مدينة صور. فهذه المدينة المحاصرة بخطوط من النيران الجوية والبرية والبحرية أول من يتلقى نزيف الجنوب المنكوب وأول من يحتضن النازحين وهم في طريقهم إلى المجهول، وأول من عمل على تدعيم جسور الصمود، فأعطى المجلس البلدي أوامره إلى أفران المدينة ومخازن الطحين بالعمل ليل نهار لتلبية احتياجات الأهالي والنازحين والصامدين في القرى والبلدات المجاورة والبعيدة' وأيضا النازحين في صيدا وإقليم التفاح وغيرها من المناطق التي تحتاج دعما في هذا المجال.



.. وتدمير الأفران!



وقبل إعدام أرغفة الخبز وحاملها على طريق القاسمية كانت الطائرات استهدفت قبل أسبوع فرنا في مخيم الرشيدية في صور كان ينتج يوميا أكثر من 35 ألف ربطة يتم توزيعها على النازحين والمقيمين والصحافيين وغيرهم من المتواجدين في المدينة.
بعض المصادر ووسائل الإعلام قالت إن موزع الخبز من كوادر حزب الله وكان على قائمة المطلوبين لتصفيتهم جسديا. والكلام نفسه قيل بحق الشهيد نزيه الذي كان يحمل بيده قرصا من الجبن وعددا من حبات البندورة والخيار ربما لتحضير وجبة العشاء التي اعتاد معظم المحاصرين في صور على الاكتفاء بها كوجبة يومية.


لكن الأهالي الذين شاهدوا الجثتين الممزقتين وعناصر الدفاع المدني الذين تولوا انتشالهما من موقع الإصابة، والأطباء الذين اشرفوا على إجراء تشريح سريع لهما، اكدوا إن 'الأمر لا يغير من الواقع شيئا ولا يغفر لإسرائيل فعلتها ولا يبرر إجرامها'.


واجمع الكل على ان في قتل مدني اعزل مهما كان انتماؤه وبالطريقة الوحشية التي يرونها كل يوم 'ما هو إلا استمرار لما بدأ به العدو الإسرائيلي ألا وهو حرب من اجل الابادة أولا وأخيرا'.



حتى في كتب الكوارث



وقال حسين الكنة (32 عاما) يعمل في الدفاع المدني وهو يغطي ما تبقى من رأس الشهيد علي 'طوال مدة عملي في هذا المجال لم أر مثل هذا الإجرام ولا حتى في صور الكتب التي ندرس فيها أهوال الكوارث والحوادث العنيفة'.


وقال طبيب في مستشفى صور الحكومي حيث توضع جثث الشهداء، بعد معاينتها، في نعوش بانتظار من يأتي لدفنها "ما نراه يفوق العقل والتصور.. ما يصلنا بقايا إنسان وبقايا أعضاء.. نرتبك، نحن الأطباء الجراحين الذين مر علينا الكثير والكثير جدا امام هول الحالات التي نضطر للتعامل معها في هذه الحرب الجهنمية".


وأضاف الطبيب الذي لم يتسن لنا السؤال عن اسمه 'إسرائيل اعتمدت منذ اليوم الأول لعدوانها أسلوب القتل المنهجي والتدمير المنهجي وفي الوقت نفسه القتل العشوائي والتدمير العشوائي محققة حربا ابادية لا هوادة فيها.. أنا طبيب جراح اعمل في قسم الطوارئ 24 ساعة في اليوم لم استلم إلا جثثا لمدنيين اما عدد الجثث التي استلمها المستشفى والتي تعود لمقاتلين فتعد على أصابع اليدين'.


الصحافي الأجنبي: يا إلهي!


صحافي أجنبي يعمل لدى إحدى محطات التلفزة الأميركية كاد يفقد توازنه وسيطرته عندما اقترب بعدسة كاميرته من جثة علي غضبون "يا إلهي .. أمر لا يصدق.. مستحيل..ما هذا.. ما هذا.. لا يمكن..".


كان هذا الزميل القادم من وراء البحار ليشهد اكبر عدوان استنزافي وإجرامي في التاريخ الحديث يصرخ باللغة الإنكليزية ويكرر ويهلوس بينما كانت الكاميرا ترتجف بين يديه. ولما عجز عن التقاط صورة ثابتة للمشهد الذي يهتز له الصخر فكيف بالضمائر الإنسانية قال "انه مدني.. ثيابه مدنية ولا يحمل أي سلاح.. لا شك أن له أطفالا صغارا.. لا شك أن عائلته لا تعرف به حتى الآن.. غير معقول ما يجري..".


هذا الزميل المرهف بالذات بدأ بعد ثوان، يصرخ بزملائه حتى يفسحوا المجال له لالتقاط صورة ولم ينتبه بأنه يقف عند مسافة بعيدة إلا بعد أن رد عليه زميل آخر لم يستطع تحمل صراخ الأول "أنت اقترب وفرجينا مراجلك..".


حوار فوق النعش هذه الصورة الدراماتيكية، أو الهستيرية، توسعت فصولها بمجيء عنصر من الدفاع المدني بيده كيس اسود دار بينه وبين طبيب كان يشرف على إقفال احد النعوش الحوار التالي:
المسعف: تمهل. لدي بعض الأشلاء جمعناها من موقعي الحادثين!
الطبيب بهدوء مذهل: ماذا لديك؟!


المسعف بهدوء أكثر إذهالا: معي مخ وكف وبقايا جمجمة.
الطبيب: اعطني المخ إلى هنا (نعش أمامه) هذه الجثة ينقصها ما تفكر به في العالم الآخر.. اما الكف وبقايا الجمجمة فتعود للجثة الثانية، لم أقفل النعش بعد.. هل هذا كل شيء؟!
المسعف: اعتقد نعم.. فقد أمضيت وزميلي أكثر من ساعة نجري مسحا دقيقا للموقعين ولم نستطع البقاء لمدة أطول، فالطائرات الحربية تحوم فوقنا وأنت تعلم أنها تغير على المكان نفسه أكثر من مرة.. على كل، إكتف بما أحضرناه.. وغدا صباحا إذا كان الوضع هادئا نوعا ما، سامر لا تحقق بنفسي بأنني لم اترك شيئا.
الطبيب: يعطيكم ألف عافية.. شو بدك تلم وتلم.. الحمد لله انو في شيء بيضل انو الجثة كانت لبشري.



المشاهد تزداد فظاعة


القصف اليومي همجي بكل ما للكلمة من معنى.. والعدوان المتواصل هستيري بكل جوانبه ومضاعفاته.. والقصص التي يخلفها اغرب من الخيال..والمشاهد التي اعتادت عدسات التصوير على تسجيلها تزداد فظاعة يوما بعد يوم.. والحوار الذي دار بين المسعف والطبيب على مسمع الجميع هستيري بمفرداته واقعي بويلاته.. ورغم ذلك لم يأبه معظم الموجودين إلا بما كان يقرأه الطبيب من بطاقة هوية شخصية خاصة بالشهيدين: الاسم والبلدة والعمر.


هذا ما صار إليه من كان رب عائلة وإنسانا كانت له حياة حافلة انتهت قبل أوانها.. بعيدا عن الأحبة والبيت.. لتستقر في ثلاجة الموتى الخاصة بالمستشفى.[/FRAME]

 

 

[ابو فارج]

ان لم يمت من الجوع مات بغيره

لا حول ولا قوة الا بالله.

[Nathyaa]

الف شكر للمرور