عبدالرحمن بن صالح العشماوي
هنالك مفكرون وأدباء ومثقفون مسلمون يقومون بدور مشبوه في تحطيم قدرات الأمة المسلمة وتوهين عزائمها، ينطلقون في ذلك من حديثهم عن قوَّة الغرب، وقدرته على التخطيط، وتفوُّقه العسكري، وجولاته الاستعمارية الأخيرة التي هاجم فيها أفغانستان والعراق وأحدث من الخراب والدَّمار ما لا يخفى على أحد.
إنَّ توهين العزائم أصبح علامةً بارزةً في خطاب كثير من مثقفي المسلمين، ينشرونه من خلال المقالات والكتب والبرامج الإذاعية والتلفازية، وعلى الرغم من تعدُّد الاتجاهات الفكرية والثقافية لدعاة هذا التوهين، إلاَّ أنه أصبح من سمات خطاب معظم الليبراليين الذين ينظرون إلى الدول الكبرى بمنظار الإكبار والإجلال، والشعور بالوهن والعجز أمامها، وربما كان لعلاقتهم الوطيدة ثقافياً وفكرياً بتلك الدول دور كبير في تكوين هذا الاتجاه (التَّوْهيني).
ولاشك أن خطاب التوهين مرفوض نفسياً وفكرياً، لأنه - باتفاق علماء النفس والتربية - يحطِّم العزائم والهمم - ويضعف الشخصية ولا يسمح لبصيص من نور الأمل أن يتسرَّب إلى النفوس، ويكرِّس في نفوس وعقول رجال الأمة ونسائها الشعور بالهزيمة والضعف، والخذلان المشين أمام الأعداء.
حينما يتحدَّث (المخذِّلون) أحاديث يدعمونها بالشواهد المادية المعاصرة، يؤكدون - دائماً - أنهم حريصون على مصلحة الأمة ولهذا يطالبونها بالتسليم، وعدم المقاومة، ويهوِّنون عليها مسألة الذَّوبان في الآخر، وفتح الأبواب له على مصاريعها، بحجة التخلُّص من قوَّته الغاشمة، وغزوه المخيف.
إنَّ هذا الأسلوب الذي يطرح بصورة واضحة هذه الأيَّام سلاحٌ من أسلحة الأعداء يفتك بالقدرات والهمم والآمال، كما يفتك الرَّصاص بالأرواح، والصواريخ والدبابات بالمدن والقرى والأحياء.
الأمة - في هذه المرحلة - بحاجة ماسة إلى من يشدُّ من عزيمتها، ويرفع معنوياتها، ويرسم لها أفضل طرق المواجهة الواعية المدروسة، التي تستخدم أفضل الأساليب في التعامل مع هذه المرحلة، وليس معنى هذا القول إننا نقلِّل من قوَّة الأعداء المادية، ونتجاهل قدراتهم العسكرية، فذلك أمر واضح لا نختلف عليه، وإنما يعني قولنا هذا أن نذكر الأمة بجميع قدراتها البشرية، أنها تملك الكثير من العوامل التي يمكن أن تتعامل فيها مع المرحلة الراهنة دون الذَّوبان في الآخر، والاستسلام المخزي له، والأعداء - من خلال كثير من طروحات كتابهم ومفكريهم يدركون أن في أمتنا عوامل قوَّة كامنة قادرة على التماسك الذي يحفظ كرامة الأمة مهما كانت قوَّة أعدائها.
إنَّ دعاة (التوهين، والتخذيل) يضعون أيديهم في أيدي الأعداء، سواء أكانوا عارفين بذلك أم غير عارفين، وإنَّ رفع معنويات أمة المنهج والعقيدة والرسالة الخالدة لمسؤولية كبرى يتحملها الجميع في هذه المرحلة.
إشارة:
قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد).