[align=center]
--------------------------------------------------------------------------------
اخواني اخواتي
هذا كتاب للغايه جميل ومفيد
لمن يود الأطلاع على مهام وسيرة سمو
سيدي امير البلاد المفدى
الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح
حفظه الله ورعاه
سبق وقرأته في جريدة الوطن الكويتيه
وقد استمعت به كثيرا واستفدت مما
يحتويه هذا الكتاب من سيره طيبه
وجمالية النقل الصوره للقارئ
ليجد المتعه الجمه اضع
هذه التحفه بين
ايديكم وارجو
الاستفاده
لكم ولي
الكتاب
لمسة وفاء في حق صاحب الوفاء الحاكم «الوالد» الإنسان .. ومن منا لا يعرفه؟
الحاكم «الوالد» الانسان.. من منا لا يعرفه.. انه جابر الأحمد.. الذي مهما ملئت الصفحات حبراً لن توفيه حقه.. ومهما دارت المطابع لن تكفي لسرد تفاصيل انسانيته ومسيرة عمله في حب الكويت وأهلها والتفاني للصعود بالكويت إلى هامات العلا.
وبمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على تولي سموه مقاليد الحكم في البلاد، صدر مؤخراً كتاب (الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.. الحاكم «الوالد» الإنسان).
وقال الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح وزيرشؤون الديوان الأميري ان هذا الكتاب عبارة عن موسوعة شاملة عن حياة حضرة صاحب السمو الأمير، وسجل حافل بالانجازات الكبيرة لسموه والعطاء المتواصل من أجل الكويت.
ولقد تولى سمو أمير البلاد أمانة المسؤولية منذ العام 1949 عندما اختير رئيسا للأمن العام ونائباً للأمير في الأحمدي، فرئيسا لدائرة المالية ثم وزيرا للمالية والاقتصاد، ثم بويع سموه ولياً للعهد ورئيساً للوزراء، وبعد ذلك تولى حضرة صاحب السمو امارة البلاد في الحادي والثلاثين من ديسمبر .1977
أنها رحلة 55 عاماً من العطاء الرسمي المتواصل، وعمر مديد بإذن الله قضاه سموه في حب الكويت والعطاء المتفاني لها.
وشمل الكتاب في فصله الأول «الطريق إلى الحكم» تطرقاً إلى سنوات الاعداد والتأهيل والبدايات في العمل الحكومي ثم مرحلة ولاية العهد ورئاسة الوزراء.
وفي فصله الثاني، «الشيخ جابر الأحمد أميراً وحاكماً» تتطرق المباحث إلى المبايعة ركناً أساسياً في نظام الحكم ورسالة إلى الشعب والحكومة والمؤسسات والتقاء بالشعب وفعاليات المجتمع.
وفي فصله الثالث «الاتجاهات الفكرية للشيخ جابر الأحمد» تناولت المباحث الثلاثة الفكر المجتمعي والاقتصادي والسياسي والديموقراطي والمنهج المؤسسي والمنهج الاداري.
وأفرد الفصل الرابع لـ «الشيخ جابر في مواجهة العدوان والاحتلال العراقي»، وتناولت مباحث هذا الفصل دعم الجبهة الوطنية والجهود على الساحة العربية والاسلامية والتحركات الدولية.
وعرض الكتاب لشجرة الأسرة الحاكمة من الذكور والمراسيم الأميرية وكلمات وشهادات وقوانين ومراسيم وصور تمثل رحلة الحاكم الوالد الانسان.
وعود على بدء، فكما قلنا مهما بذلت الجهود لن توفي صاحب السمو حقه.. لكنها جهود يجب أن تبذل للتاريخ.. وللوفاء الذي هو سمة الكويت وأهلها حكاماً ومحكومين.
ويستحق الشكر والتقدير كل من بذل جهداً في هذا الكتاب الموسوعة بدءاً من معّده عبدالله غلوم الصالح وبهاء عبدالقادر الابراهيم وللمشرف ابراهيم محمد الشطي وعن مراجعي الكتاب بدر خالد البدر ود.يعقوب يوسف الغنيم وعبدالعزيز أحمد البحر وحمزة عباس حسين وفيصل منصور المزيدي وخالد أبو السعود.
سمو الأمير.. رفض وضع صورته على ورق النقد وعزف عن الالقاب
تواصل «الوطن» نشر الكتاب الموسوعي «الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.. الحاكم.. الوالد.. الإنسان» على حلقات حيث تضيء حلقة اليوم بداية تولي أسرة آل الصباح للحكم ثم تنتقل الى حياة سمو أمير البلاد فترصد نشأته منذ الصغر وحتى توليه الحكم، وذلك من خلال آراء مجايليه الذين كان لهم شرف مزاملة سموه في الدراسة وفي الوظائف التي شغلها بعد ذلك.
وتعكس تلك الآراء الملامح الشخصية لسمو الأمير كما تعكس الصفات التي نشأ عليها، وبوادر السمات القيادية التي طبعت شخصية سموه منذ الصغر وصولا الى توليه سدة القيادة ومباشرته النهوض بالكويت على كل الصعد لتصبح منارة يشار لها بالبنان.
وفيما يلي الحلقة الثانية من الكتاب:
الكويت دولة شابة فتية، يشكل عنصر الشباب بين سكانها حوالي 44%، نشأت عام 1613م، في الركن الشمالي الغربي للخليج العربي. وهي على هيئة مثلث، يتصل ضلعه الشمالي الغربي بالعراق، وضلعه الجنوبي بالمملكة العربية السعودية، وضلعه الشرقي متصل بشاطىء الخليج العربي، ومناخها بوجه عام صحراوي قاري، حار صيفا وبارد شتاء، وكان لهذا الموقع الاستراتيجي ـ بلا شك ـ دور أساسي في اتصال الكويتيين بالعالم الخارجي والاحتكاك بالحضارات الاخرى منذ القدم.
وقد تمكنت اسرة آل الصباح منذ ان تولت الحكم في هذا البلد ان تقيم نظاما سياسيا مستقرا، مكّن الكويتيين ان ينعموا في ظله بالامان وينطلقوا في نشاطاتهم الاقتصادية والتجارية البحرية منها والبرية عبر بلاد فارس، وبلاد ما بين النهرين، وشرقي الجزيرة العربية ووسطها، وبلاد الشام وأوروبا . وكذا الوصول الى الهند وشرقي افريقيا، وذلك على ظهر سفن شراعية صنعتها سواعد كويتية، او قوافل تجارية يقودها كويتيون عبر الصحراء.
لقد تعددت آراء المؤرخين حول بداية نزوح آل الصباح الى الكويت، لكن رسالة الشيخ مبارك الصباح الى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، حول مسألة الحدود الكويتية، كانت واضحة، حيث جاء فيها بين امور اخرى:
... الكويت ارض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022هـ، هذا التاريخ يؤكد ان استقرار آل الصباح في الكويت يعود الى عام 1613م، وان الجد الاكبر للاسرة ومن أتى بعده من ابنائه كان لهم دور في الشأن الكويتي بعد هذا التاريخ حتى عام 1170هـ الموافق 1756م، حين وقع اختيار اهل الكويت على الشيخ صباح بن جابر (صباح الاول) المتوفى في عام 1176هـ الموافق 1763م، ليدير شؤون البلاد لرجاحة عقله وفكره، وشجاعته في قول كلمة الحق، وتميزه بصفات حميدة، ونزاهة وعدل متناهيين.
ومنذ ذلك التاريخ البعيد والعلاقة بين الكويتيين وحكامهم تتسم دوما بالانفتاح والتشاور والتعاون وعلاقة الوجه للوجه. فالشيخ صباح بن جابر ومن أتى بعده من ابنائه واحفاده، كان حكمهم قائما على الشورى وتبادل الرأي في المهم والعاجل من امور الدولة والرعية. فلم يكن الشيخ عبدالله بن صباح (1177 هـ ـ 1228هـ) الموافق (1763م ـ 1813م) يبت في امر او يتخذ قرارا ما لم يقطع مرحلة من التشاور والحوار مع ابناء شعبه. وهذا ما سار عليه الشيخ جابر بن عبدالله (1228هـ ـ 1276هـ) الموافق (1813م ـ 1859م) والشيخ صباح بن جابر بن عبدالله (1276هـ ـ 1283هـ) الموافق (1859م ـ 1866م) والشيخ عبدالله بن صباح (1283هـ ـ 1311هـ) الموافق (1866م ـ 1893م) والشيخ محمد بن صباح (1311 هـ ـ 1314هـ) الموافق (1893م ـ 1896م).
وهنا يجب الا تصيبنا الدهشة حين نقف على ماكتبه بعض الرحالة، ومن مروا بالكويت، او قاموا بزيارتها حيث سجلوا انطباعاتهم عنها مستخدمين اسم جمهورية الكويت للدلالة على طبيعة النظام السياسي الذي كان سائدا في ذلك العهد.، والذي تأصل وتجذر من خلال احكام دستور الكويت لعام 1962م.
وتأكيدا لهذا فان ما دونه، وعبر عنه مدحت باشا والي بغداد الذي زار الكويت عام 1289هـ الموافق عام 1872م يؤكد هذه الحقيقة. فقد ذكر من بين امور عديدة، بان اهل الكويت تعودوا حياة الشورى وتبادل الرأي والمشاركة الشعبية للحاكم فيما يحقق مصلحتهم وهم بذلك شبه جمهورية.
اما المقيم البريطاني في الخليج لويس بللي ج. الذي زار الكويت عام 1282هـ الموافق عام 1865م، فقد وصف حاكمها الشيخ صباح بن جابر بن عبدالله بانه يدير امور البلاد بروح الاب تجاه ابنائه، فهو يتولى الحكم والسلطة التنفيذية والى جواره القاضي يباشر مهامه باستقلالية وكان لا يأنف من النزول على حكم القاضي اذا خالفه فيما ذهب اليه.
من جانب آخر، نجد هذه التسمية ايضا في الخريطة التي رسمها العالم الالماني كارل رايتر K.Writer للجزيرة العربية عام 1234 هـ الموافق عام 1818م، والخريطة التي رسمها العالم الانجليزي الكسندر جونستون E.Jonston في الاطلس الكبير الذي صدر في ادنبره عام 1291 هـ الموافق عام 1874م.
وكان لتولي الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير) الحكم (1314هـ ـ 1334 هـ) الموافق (1896 م ـ 1915م) نقطة تحول في تاريخ الكويت الحديث فقد استطاع بدرجة عالية من الذكاء ان يحمي الكويت من المطامع الاقليمية والدولية التي اشتدت في عهده، وان يحقق للكويت شخصية اقليمية ودولية مميزة ومتوازنة،.
ففي الوقت الذي تمكن فيه من التصدي للاطماع الاجنبية، ومقاومة الضغوط العثمانية، والحفاظ على الكيان السياسي والجغرافي في الكويت، وخاصة على حدودها الشمالية، كانت مواقفه الداعمة للحق العربي، ومساعدته للاشقاء امام اية محنة دليلا اكبر على ان الكويت في عهده استطاعت ان تلعب دورا ملحوظا في السياسة الاقليمية والدولية.
وقد يتساءل البعض: اذن، لماذا لجأ الشيخ مبارك الصباح الى ابرام معاهدة حماية مع الحكومة البريطانية في 23 يناير عام 1899م.
ويأتي الجواب سريعا وصريحا، بان الشيخ مبارك الصباح والكويتيين جميعا لم يكونوا مطمئنين لتحركات الدولة العثمانية على حدودهم الشمالية وبالتالي فان الاطماع العثمانية في ابتلاع بلدهم كانت واضحة للعيان.
هذه المخاوف اكدتها فيما بعد الممارسات العدائية للدولة العثمانية باثارة المشاكل والصراعات المسلحة المتكررة على الحدود الكويتية الشمالية والجنوبية حتى جاءت اتفاقية 1913م لتضع حدا لتلك الاطماع العثمانية الجامحة، هذه الاتفاقية كانت واحدة من الوثائق التي تم تداولها في مناقشات لجنة الامم المتحدة لترسيم الحدود الكويتية ـ العراقية، والتي شكلت مع غيرها من الاتفاقيات الحدودية التي أبرمت مع الحكومة العراقية قرار مجلس الامن الدولي رقم 687 الصادر في مطلع ابريل عام 1991م بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
ان اهتمام الشيخ مبارك الصباح لم ينصب على الشؤون الخارجية للدولة فحسب، بل ان الشؤون الداخلية كان لها الصدارة في اولوياته، وعلى رأسها شؤون الحكم، حيث حصر رئاسة الدولة في ذريته (المادة الرابعة من دستور الكويت) وذلك حرصا منه على ان يظل رئيس الدولة ابا لابناء هذا الوطن جميعا.
وعليه، فقد جاء من بعده الشيخ جابر المبارك الصباح (1334هـ ـ 1336 هـ) الموافق (1915م ـ 1917م)، فالشيخ سالم المبارك الصباح (1336هـ ـ 1340هـ) الموافق (1917م ـ 1921م)، ومن بعدهما الشيخ أحمد الجابر الصباح (1340هـ ـ 1370هـ) الموافق (1921م ـ 1950م) الذي كان له دور مميز في معالجة علاقات الجوار بحكمة متناهية من خلال مؤتمر «العقير» واهل البلاد للدخول في مرحلة دولة المؤسسات، ليأتي الشيخ عبدالله السالم الصباح (1370هـ ـ 1385 هـ) الموافق (1950 م ـ 1965م) فيقود المسيرة الديمقراطية باصدار دستور الكويت عام 1962م، وقيام حياة نيابية متمثلة في مجلس الامة الكويتي عام 1963م.
هذه هي المسيرة الخيرة التي قادها فيما بعد الشيخ صباح السالم الصباح (1385هـ ـ 1397هـ) الموافق (1965م ـ 1977م) ليسلمها امانة وطنية للشيخ جابر الاحمد في 21 ذو الحجة 1397 هـ الموافق 31 ديسمبر عام 1977م. حتى وقتنا الحاضر.
وهكذا تتواصل الجهود الطيبة التي قام بها حكام الكويت وشعب الكويت لتأصيل هذه التجربة الديمقراطية الشوروية. وما تلاحم الاسرة الكويتية الواحدة وتضامنها المنقطع النظير سوى شاهد على ذلك. فقد وقف الكويتيون جميعا ـ رجالا ونساء ـ وقفة رجل واحد ابان محنة الغزو والاحتلال العراقي للكويت.. رافضين الاحتلال.. معلنين المقاومة والعصيان المدني. واقفين خلف قيادتهم الشرعية وعلى رأسها الامير الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، يساعده ويؤازره في حمل الامانة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح. هذه الوقفة التي أذهلت العدو واثارت اعجاب الدنيا كلها.. وقفة كشفت عن اصالة معدن الشعب الكويتي وتلاحمه مع قيادته واصرارهما على تحرير الكويت مهما كان الثمن باهظا والطريق طويلا.. وكان لهما ما ارادا فحمدا لله على نعمة الحرية والتحرير، وشكرا لكل من آزر وساند الحق الكويتي ولو بكلمة طيبة.
الطريق الى الحكم
«ان الايدي خلقت لتعمل. فان لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية اعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل ان تشغلك بالمعصية». عمر بن الخطاب
مهما اختلفت مراحل الزمن وتباينت انظمة الحكم في المجتمعات البشرية، فان الطريق الى الحكم ـ في جميع الاحوال ـ ليس مفروشا بالزهور لكن بصورة عامة نستطيع القول بان القادة والزعماء يلعبون دورا اساسيا في حياة شعوبهم وتقدم مجتمعاتهم، فالذكاء الشديد، ونفاذ البصيرة وحسن الادراك يجعل من هو مهيأ للحكم قائدا وزعيما قبل ان يتولى زمام السلطة والحكم، وحين يدركها تكون نتائج ابداعاته في تقنين القوانين والانظمة الاجتماعية والاقتصادية قد أتت بثمارها. وما عليه الا ان يتابع تنميتها وتطويرها نحو الافضل والاحسن.
وفي هذا يقول بعض المفكرين المحدثين من علماء النفس والاجتماع امثال ماكدوجل Mac Dogal الانجليزي وتارد Tard الفرنسي ان سبب تطور المجتمعات يرجع الى اعمال القادة والزعماء في ابتداع نظام جديد، يهديهم اليها ذكاؤهم ونفاذ بصيرتهم، ومن ادراكه لما ينبغي ان تكون عليه مجتمعاتهم ويتفانون في العمل على نشر نظمهم فيحاكيهم جماعة من الشعب، ويحاكي هذه الجماعة جماعة اخرى هكذا دواليك حتى تصبح اراؤهم نظما مستقرة، وتختفي امامها النظم القديمة.
من جهة اخرى، فإن سمات القيادة الصانعة للتاريخ تتجلى في اولئك النفر من الرجال القادرين على تنشيط القوى المنتجة في المجتمع من اجل الاسراع في تغيير الانظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتواكب الحداثة وقوى الانتاج، وتزيل العقبات التي قد تحدث فيما بينها، او تحول دونها.
فالقائد الذكي النافذ البصيرة هو من يسعى دوماً الى وضع المصلحة العامة فوق المصالح الخاصة، فيتقمص روح الامة، ويعمل على تفجير الطاقات الكامنة في شعبه لغرض تحقيق درجة اسمى في التطور والرقي الحضاري.
وهنا يقول فيلسوف التاريخ هيجل: «.... ان التجربة التاريخية هي تجربة الافراد الذين يرتفعون فوق مستوى المصلحة الخاصة، ولا تعيد اعمالهم الانماط القديمة، ولكنها تخلق اشكالاً جديدة للحياة، وهم صناع التاريخ، انبثقت اعمالهم من مصالحهم الخاصة، ولكنها تطابقت مع المصلحة العامة، لان المصلحة العامة تسمو وتتفوق على المصلحة الخاصة، وهكذا سيطروا ووجهوا الخط العام لمسيرة التاريخ...».
ولم يكن الشيخ جابر الاحمد الا واحداً من اولئك الرجال الذين تميزوا بصفات انسانية جمة، وسمات وملامح قيادية مبكرة، وذكاء ونفاذ بصيرة وحسن دراية، وادراك لاستشراف المستقبل، ساهم ـ كما سنرى ـ في بناء الدولة والمجتمع الجديد في الكويت، وبالتالي هو واحد من رموز صناع تاريخ هذا الاقليم وهذه الامة، والذي استطاع بحركته الدؤوبة والمتواصلة تنشيط القوى المنتجة في المجتمع الكويتي، والدفع بالشباب الى الخارج للتزود بسلاح العلم والمعرفة، ليصبح هؤلاء جميعاً ـ وفي فترة زمنية قياسية ـ اداة تغيير اجتماعي واقتصادي وسياسي، نقلت المجتمع الكويتي من حالة البساطة الى الحداثة.
لم يكتف الرجل بهذا القدر من الحركة والنشاط في اتجاه الخط العام لمسيرة تاريخ الكويت الحديث، بل انطلق من مصالحه الخاصة، وسخرها ادوات تساند وتدعم المصلحة العامة التي جند كل طاقاتها وامكاناتها من اجل البناء وخدمة الدولة والمجتمع الجديد، وهذا ما جعل مسيرة عمله وانجازاته منذ عام 1949 ركناً اساسياً في سجل الكويت، شكلت في مجملها منعطفاً تاريخياً، ونقلة نوعية في حياة الكويتيين، كما كانت الحال بالنسبة لعهد والده المغفور له الامير الراحل الشيخ احمد الجابر الصباح.
المبحث الأول
سنوات الإعداد والتأهيل
«ان بناء كويت المستقبل هو التحدي الكبير الذي يجب على جيلنا ان ينهض لمواجهته وينذر نفسه لتحقيقه». جابر الأحمد
ان تسجيل السيرة الذاتية، او المسيرة التاريخية لحاكم خدم شعبه وامته باخلاص، وترك بصماته الانسانية تدوي في ارجاء الدنيا، ليست بالمهمة السهلة.. فهي دقيقة وشائكة تتطلب الامانة في سرد الاحداث، وصدق الكلمة والحياد في التحليل والتعليق، ذلك لأن السيرة الذاتية، والمسيرات التاريخية لمثل هذه الشخصيات التاريخية كنز دفين، وتراث لابد من نقله الى دائرة الضوء لتطلع عليها الاجيال المتعاقبة.. فهي ملك لهم وليس لصاحبها، ومن حقهم ان يستأنسوا بأفكاره الرائدة، ويهتدوا بنصائحه وارشاداته وتوجيهاته التي ساهمت في تغيير ملامح المجتمع نحو الافضل ويقتدوا بصفاته الحميدة وحنكته في ادارة شؤون الدولة، وعلاقاته بدول الجوار، وبالاسرة الاقليمية والدولية.
ونحن، اذ نرصد اليوم للشيخ جابر الاحمد مسيرته التاريخية، نكون وجهاً لوجه امام هذه الحقائق التي يجب علينا ان نتعامل معها بصدق وامانة وحياد. وهي بلا شك مهمة صعبة للغاية، لكون الرجل لا يزال على قيد الحياة ـ اطال الله في عمره المديد ـ ونحن قد تعودنا ـ وفي هذا اغلب الاحوال ـ قراءة كتب السيرة الذاتية واصحاب المسيرات التاريخية، بعد ان ينتقل صاحب الشأن الى جوار ربه، فتتوه الحقيقة ضمن منابع الاشاعات والخيال، لتنسج حول عقول وافكار المطلعين عليها والمهتمين بها خيوط عنكبوت تصبح بمرور الزمن مرتعاً خصباً لترويج الفتن والافكار المشوهة والمشوشة، وبث روح الانهزامية بين الناس. وهي جميعاً حالة من الغدر والاجحاف الصريح بحق الرجل وحق التاريخ... انها بحق مسؤولية تاريخية، وامانة علمية تدعونا للحرص على انتقاء كل كلمة وعبارة، وسرد المعلومات عن اي حدث، ونقل اية معلومة مهما كان حجمها ومساحة انتشارها.
من هذه المقدمة والديباجة الصغيرة ندخل الى صلب الموضوع وعنوانه «سنوات الاعداد والتأهيل»، فنقول: ان الشيخ جابر الاحمد هو النجل الثالث للمغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح حاكم دولة الكويت الاسبق، والامير الثالث عشر في عائلة آل الصباح، وثالث امير لدولة الكويت منذ استقلالها.
فقد ولد الشيخ جابر الاحمد في مدينة الكويت العاصمة في 29 يونيو عام 1926، وتلقى تعليمه في المدرسة الاحمدية والمباركية والشرقية، وكان مثالاً للطالب المجد الحريص في تصرفاته، الهادىء بطباعه، الخلوق مع زملائه من الطلبة، متواضعاً في علاقاته مع اقرانه من التلاميذ، لم يتعال بتصرفاته عليهم، تربطه علاقة احترام وود بأساتذته، وقد ذكر هذه الصفات وغيرها عدد من زملاء الدراسة، من بينهم خالد الخزام الذي عاصره في المدرسة المباركية في اوائل الثلاثينيات، واصفاً تلك العلاقة بقوله: «... اني لم اشعر يوماً بأن الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح ابن حاكم الكويت بسبب تواضعه وقرب تفكيره وتعامله مع الاخرين، وكأنه واحد من ابناء عامة الشعب، مما جعله صديقاً للجميع في المدرسة تربطه بهم علاقات ود حميمة..».
ويمضي زميل الدراسة في وصفه، فيقول: «... ان ذلك السلوك المتسم بالأدب والتواضع ظل ملازماً لسموه اثناء فترة عمله رئيساً لدائرة الامن في مناطق النفط في الاحمدي، حيث ظل سموه محتفظاً بذلك الود الكبير الذي يكنه لكل كويتي، واستطيع ان اقول بأن اكبر امنية كانت تداعب افكاره ان يجد شركات النفط العاملة في الكويت جميعها بيد كويتية وطنية...».
ويضيف زميل الدراسة: «... لم يكن سموه من تلك الفئة من العاملين الذين يلزمون مكاتبهم طوال يوم عملهم، بل كان سموه يتنقل من مكان لآخر، يتفقد سير العمل في شركات النفط، ويحث الكويتيين على ان يعملوا بجد واخلاص لكي يتسلموا مقادير بلدهم ليديروها بأنفسهم...».
وهنا تتطابق اقوال خالد الخزام مع ما ذهب اليه بدر يوسف النصر الله، عندما يقول: «.... لقد كنت زميل دراسة لسموه في المدرسة الشرقية، واذكر انه كان معنا من الزملاء الشيخ صباح الاحمد، وكان يأخذ معه بعد انتهاء الدوام الدراسي في السيارة المخصصة له مجموعة من الزملاء القاطنين في منطقة سكنه لتوصيلهم الى منازلهم. ولم يشعرنا قط بتميزه كابن لحاكم الكويت، فكان ولا يزال مثالاً للتواضع منذ صغره..».
ويمضي النصر الله، فيقول: «... وكان سموه يحمل صفات النجابة منذ صغره، وبدت عليه في شبابه، وعند توليه المسؤولية المبكرة سمات رجال الدولة ومتخذي القرار..».
ويؤكد محدثنا، ومن خلال معايشته له بضع سنوات، فيقول: «... انه رجل متواضع كريم الخلق والاخلاق، ومتدين مستنير سمح، لا يحب السهر، يستيقظ يومياً في الصباح الباكر ليبدأ يوم عمله بقراءة القرآن الكريم..» ويضيف قائلاً :« ...منذ ان عرفت سموه، وانا اجد فيه رجلاً عفيف اللسان، ودوداً وعطوفاً، يمتص انفعال الاخرين في تودد، ويعالج الامور بالهدوء والروية، كما انه صبور جلد على تحمل الصعاب وتبعات العمل، وكان دائماً شعلة من النشاط والحيوية، عجزنا نحن الذين نعمل معه عن مجاراته..».
وفي هذا السياق ايضاً، يشير النصر الله: «... انه شخصية جذابة متميزة ومحبوبة، وله قبول وحضور لدى ملوك ورؤساء وزعماء دول العالم، يحظى باحترامهم، ويحرص على اقامة العلاقات الطيبة معهم، وان الكثير من افعاله ومواقفه تعبر عن انسانيته الفياضة، سواء أكان ذلك على الصعيد المحلي ام العربي او الدولي..».
وحول هواياته الخاصة، يذكر لنا النصر الله انه مولع برياضة المشي، وقيادة السيارات، والصيد والقنص، وله ولع بالزراعة، وخاصة زراعة النخيل وتربية النحل.
اما عبد العزيز سليمان الدوسري، فيحدثنا عن الشيخ جابر الاحمد قائلاً: «... لقد بدأت علاقتي ومعرفتي بسمو الشيخ جابر الاحمد اثناء زمالتنا في الدراسة بالمدرسة الاحمدية عام 1943م، وكنت اسبقه بسنة دراسية، وكان يرافق سموه في الدراسة اخوه الشيخ صباح الاحمد...».
ويمضي الدوسري لينقل لنا شيئا من انطباعاته عن الشيخ جابر الاحمد كطالب وزميل دراسة فيقول: «... كان سموه في مرحلة التلمذة انيقاً في هيئته، مهذبا ومتواضعا، لا تشعر بفرق بينه وبين اي من زملائه، مرحا محبا للعب في ساحة المدرسة مع اصدقائه الحميمين، اذكر منهم: ثنيان العلي، وعبد اللطيف امان، وخالد الخزام الذي زامله فيما بعد في المدرسة المباركية»...
وحول صفاته وخصائصه الحميدة، يقول الدوسري: «... انه شخص متدين، خلوق وودود، حليم ومخلص، ومحب للكويت والكويتيين، وانه سخي من غير صخب، فكثيرا ما يوفد المبعوثين على حسابه الخاص، ويساعد المرضى غير القادرين حتى لو اقتضى علاجهم في الخارج، كما يساعد الاسر المتعففة بهدوء وبما يحفظ كرامتهم»...
وهنا، يروي لنا الدوسري واقعة انسانية اقدم عليها الشيخ جابر الاحمد، ولا يزال متأثرا بأحداثها، فيقول: «... يحضرني بهذه المناسبة انه كلفني ذات مرة بشراء بيت خاص، قمت باختياره وشرائه، وعندما اخبرته بذلك كتب لي شيكا بقيمته، وشيكا آخر للدلال، وشيكا ثالثا بمصاريف السجل العقاري، وبعد ان انهيت اجراءات البيع والشراء طلب مني تسجيل البيت باسم احد اصدقاء طفولته، وكان متوفيا وله ابناء ايتام»...
وقد أكد الدوسري ما ذهب اليه النصر الله فيما يتعلق بهوايات الشيخ جابر الاحمد، حين اشار: «... ما اعرفه عن هوايات سموه انه يحب البحر والسباحة، ويحب الفروسية والصيد، والزراعة، وهو من اكبر المشجعين على زراعة النخيل، وهو صاحب مشروع المليون نخلة، وتخضير الكويت الذي نرى آثاره واضحة اليوم على الطرق وفي الساحات».
ويضيف عبد اللطيف عبد الرحمن البحر على ما سبق بقوله: «.. كان سموه رجلا تتسم طباعه بالتواضع الجم، كما انه رجل دولة، ذو انسانية فياضة وسماحة، لا يحب المظاهر، وكانت الحماية تفرض عليه قسرا في تنقلاته، يتفقد الاسواق ليتعرف على الأسعار، كما يتفقد المشروعات ويتابع انجازاتها، وعندما يلاحظ اي خلل في اي موقع يعطي توجيهاته للمسؤولين والمعنيين بالامر على الهاتف مباشرة لاصلاح الوضع، وتقويم الأخطاء مهما كبرت أم صغرت...».
ويمضي البحر، فيشير: «... لقد عُرف عن الشيخ جابر الاحمد نزاهته المطلقة، وترفعه عن الصغائر، يعود المريض، ويشارك المواطنين في افراحهم واحزانهم، ولا يغفل واجبه تجاه شعبه...».
وهنا كان للبحر وقفة، قال فيها: «... كان اجتماعيا يصل الرحم، ومن عادته اليومية بعد صلاة الفجر التوجه لزيارة والدته وشقيقته، بعدها يتوجه الى مكتبه الخاص في قصر دسمان ليبدأ يوم عمل جديدا...».
وحول هواياته الخاصة، يؤكد لنا البحر ما سبق ان اشار اليه الآخرون، ويضيف: «... ومن هواياته ايضا مشاهدة الافلام الاجتماعية والسياسية، يحب الشعر الشعبي وله محاولات في هذا المجال، يحب القراءة والاطلاع، وهو صاحب فكرة ديوانية شعراء النبط...».
وفي هذا السياق يقول حمزة عباس حسين: «... ما اعرفه عن سموه انه رجل متدين عاف، يبدأ يومه مبكرا بقراءة القرآن الكريم، ومن هواياته الخاصة رياضة المشي وقيادة السيارات، والاهتمام بالزراعة وممارستها باليد، وكذا مشاهدة الافلام الهادفة، وخاصة الاجتماعية، وهو ليس أكولاً بطبعه، وأكلاته خفيفة جدا حتى في المناسبات الرسمية، حيث يجالس من يدعوهم ويجاملهم بتناول اشياء خفيفة، وهو بذلك حريص جدا على نظامه الغذائي والصحي....».
ويمضي حمزة عباس، فيقول: «... كان سموه يحب مساعدة الناس في سرّية تامة، يحفظ لهم كرامتهم، وأذكر، انه في احدى زيارات سموه الى مصر في الستينيات، انني وجدت بعض المصريين من البسطاء وعامة الشعب يأتون الى جناح سموه في الفندق للسلام عليه وألسنتهم تلهج له بالدعاء، وكان ذلك مدعاة لدهشتي وإثارة لفضولي، فاستفسرت من احد المرافقين عن هوية هؤلاء الاشخاص، فأفاد بان اولادهم يدرسون على حساب سموه الخاص، والبعض الآخر يتلقون مساعدات جارية من سموه... لقد كان سموه عطوفا محسنا، احسانه في السر يسبق احسانه في العلن....».
اما فيصل المزيدي فيرى في الشيخ جابر الأحمد: «... انه انسان متواضع غير محب للظهور، ولم يستخدم قط وسائل الاعلام للاعلان عن نفسه وآرائه ومنجزاته، وهذا ما يجعله من المميزين بين حكام دول العالم الثالث. وهو شخص بطبيعته يتميز بالهدوء الشديد، ومستمع جيد يصغي الى محدثه بتركيز واهتمام، وهو لبق جدا وفي غاية الادب مع من يخاطبه، لكنه في الجانب الآخر قوي في الحق ومناصرة الضعفاء، ولعلنا نرى ذلك جليا في رسائله الى الامين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، ومحاربة التمييز والتفرقة والعنصرية....».
ويضيف المزيدي في هذا السياق، حين يشير: «... إنه من عظيم خلقه انه غير انفعالي ولا سريع الغضب، وليست لديه روح الانتقام حتى مع المسيئين. فالعفو من شيم العظام، عادل في حكمه، لا يأخذ احدا بجريرة غيره، مقدرا الصداقة الخالصة، وخاصة مع الرعيل الاول من الذين عملوا معه منذ توليه حاكميه مدينة الأحمدي ومناطق النفط ورئاسة دائرة المالية...».
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع [/align]