بقلم : أبن الارض.
تمكن الأستاذ فهيم مدرس مادة التاريخ من استنشاق الهواء المتبقي في احد فصول مدرسة أم الأبطال الإعدادية للبنين قبل أن يلتفت إلى الطلبة المتراصين بعضهم فوق بعض، قائلاً لهم باعتداد مُحبط:
- الدرس انتهى لموا الكراريس!
أخذ الطلبة يلموا الكراريس بملل لا يخالطه أي أمل في أن يغدوا تاريخهم أفضل مما هو عليه...
فعلوا ذلك وقد تهيئوا نفسياً لاستقبال ضغوط وهمهمات معلمة مادة التربية الوطنية مدام سعديه زوجة الأستاذ شكري مدير المدرسة!
كان هذا في الوقت الذي عاد فيه الأستاذ فهيم إلى غرفة المعلمين، وقد استخرج دفتر التحضير ليستغرق من فوره في تعاسة المعلمين الأبدية، في محاولة بائسة منه لتجهيز درس الغد!
كان يفعل ذلك بينما شعور ما بالإحباط يغزو أفكاره، متسللاً إليه ببطئ شديد، إلى أن هبط جفنيه بسلاسة رغم محاولاته العديدة للإقلاع بهما من جديد!
***
انتبه الأستاذ فهيم صباح الأول من يناير سنة 2007 إلى انه غدا نشيطاً على غير عادته، وقد أخذته الهمة إلى ابعد من أن يكون منسياً!
كيف لا، والوطن كله يحتفل بتحقيق الانتصارات العربية المتوالية في نجاحات غير متوقعة لم يشهد لها التاريخ العربي مثيلاً من قبل!
فبطريقة ما، تمكنت القوات السورية من القبض على خائنها الأول عبدالحليم خدام، الذي كان له شرف الحصول على لقب (البعير الأجرب) كما أفادت مصادر سورية مطلعة في تصريحاتها الرسمية لوكالات الأنباء العالمية!
مع ذلك، لم يكن ليتوقع أياً من المحللين السياسيين أن هذه هي البداية فقط، وان ما سيتبع ذلك من أحداث سيكون أكثر إثارة!
إذ أن نطاق التهديدات الاميركية الموجهة لدولة سوريا وقاطنيها قد اتسعت – بين يوم وليلة – إلى التدخل السافر في شؤونها الداخلية، مطالبة إياها بتسليم عبدالحليم خدام إليها، على اعتبار انه رجل عربي حر مضطهد، يمتلك وأبنائه أكثر من 500 سيارة خاصة، معظمها أميركي الصنع، فضلاً عن عدد لا حصر له من المطاعم والفلل!
فاصل إعلاني: (اللهم اغفر لي، فقد قررت أن أمارس الغضب فضلاً عن الحسد جهاراً نهاراً على عبد الحليم خدام هذا)!
لكن، وبما أن رئيس الجمهورية السورية كان رجلاً انفعالي بل شديد الانفعالية، كما أفادت المصادر الخدامية إياها، فان بشار لم يقبل أو يفهم جواز أن يمارس عليه احدهم تهديداته كيفما اتفق والسياسة الاميركية المتعارف عليها!
وهكذا، فلا احد يعلم على وجه اليقين كيف بدأت الحرب؟
وإن كان الجميع يعلم كيف انتهت...
وكيف إن سوريا أصبحت أول دولة إسلامية عربية تسيطر على موازين القوى في العالمين العربي والإسلامي!
بل إن سطوتها قد امتدت لتشمل دول المآزر والتحالفات السرية التي كانت تجري بين الحلفاء (العرباكيين) إياهم مع أمريكا، إذ استبان للعالم كله إنهم قد اعتادوا أن يفعلوا ذلك سراً بعقود عرفية!
هذا، فضلاً عن تمكن سوريا من إفشال ووأد كافة الدسائس التي كانت تحاك ضدها فوق الطرابيزات وتحتها!
***
لهذا كله، كان ذلك الصباح جميلاً بما يكفي للأستاذ فهيم، حتى يجلس منبسطاً لأول مرة منذ ثكلته العروبة قرير العين مستريح البال، وقد أخذ يعد بهمة درس التاريخ لطلبة مدرسته!
حتى أن ابتسامته قد اتسعت بغير حساب، عندما أقبلت عليه الأستاذة سعدية معلمة مادة التربية الوطنية زوجة الأستاذ شكري مدير المدرسة، قائلاً:
- صباحك مميز يا مدام سعدية!
- بل إن صباح العالم كله مميز يا عزيزي!
- قرأت هذا الصباح في نشرة العالم العربي الالكترونية إن وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي ستقوم بإلغاء مادة التربية الوطنية!
- هذا صحيح، فهذه المادة أصبحت من التراث العربي القديم، خصوصاً وان الطالب باستطاعته الآن متابعته مثل هذه الدروس الوطنية فوراً، بل وعلى الهواء مباشرة في أياً من نشرات الأخبار، فالعالم من أقصاه إلى أقصاه يا عزيزي لا حديث له سوى عن البطولات العربية!
- كم نحن محظوظون يا مدام سعدية لكوننا عرب، من كان يتصور أن يتغير الحال بهذه السرعة!
- حقاً من كان يتصور يا أستاذ فهيم!
***
وسريعاً ما اندلعت الحرب العالمية الثالثة، إذ أن إيران لم تطق صبراً حتى تعلن برنامجها النووي، الذي آثرت تفعيله آنذاك بعد أن ألقت بأول قنابلها النووية على مدينة تكساس مباشرة فوق مزرعة الرئيس الأميركي!
ويذكر في هذا الشأن أن لجنة علمية من الباحثين العرب، قد خرجوا في مهمة استطلاعية لمراقبة نتائج الحدث عن قرب، فكان أن وجدوا رفات الرئيس الأميركي وقد تفحمت تماماً!
بل إنهم أفادوا أيضاً – أي الباحثين العرب - مؤكدين أن الرئيس الأميركي كان يتشمس مرتدياً مئزراً داخلياً من قطعتين حمراوين أمام حمام السباحة خاصته، قبل تنفجر القنبلة الإيرانية فوق دماغه بدقائق!
ما مكن علماؤنا النفساويين بعد ذلك، من التوصل الى حقيقة أن الرئيس الأمريكي السابق كان له ميول نسوانية شاذة، فضلاً عن ميوله الاستعمارية المعروفة!
هذا، وقد قيل أيضاً أن سوريا آنذاك لم تطق الركون إلى السكون في مواجهة التهديدات الاميركية المستمرة، خصوصاً وان بضعة أقلام سورية مهمة رأت أن من واجب سوريا أن تبادر بالتهديد والهجوم!
وهذا ما حدث بالفعل...
إذ أن سوريا ما لبثت غير قليل، حتى أطلقت أول أساطيلها الحربية في طريقها عبر المحيط لاحتلال أميركا، مستغلة في ذلك سلاح "وهيبة" التكنولوجي العربي الرهيب!
تلك التكنولوجيا الحربية السرية الخاصة، والتي قام بابتكارها نخبة مختارة من الرؤوس العربية العبقرية!
تلك الرؤوس التي كانت من قبل متناثرة هنا وهناك على القهاوي والأرصفة، دون أن يلتفت إليها احد، حتى جاءت سوريا واهتمت بأصحابها!
وعلى هذا الأساس، اخذ هؤلاء الجهابزة، يدكون باختراعاتهم المبتكرة، المدن الأمريكية الواحدة تلو الأخرى، بلا هوادة أو رحمة...
بل، وبلا شفقه أو وازع من ضمير...!
كل ما نعرفه هو أن أوجه الحياة السياسية فوق ظهر هذه البسيطة قد تغير تماماً، إذ سريعاً ما عم السلام أرجاء المعمورة!
لكن، وللحق وللتاريخ يجب أن نعترف أن ذلك ما كان ليحدث دون حدوث العديد من التجاوزات، خصوصاً بعد أن استعادت الروح العربية العظيمة كافة أشكال جرائم الحرب البائدة في التاريخين الهتلري – الحجاجي القديم!
حتى إن الولدان الأميركيين – يا حرام - كانوا ليشيبوا بسرعة بعد ولادتهم بدقائق معدودة من فرط الفزع والذهول!
ولا ننسى أيضاً ما حدث في فلسطين؟
كيف ننسى فلسطين...
ذكروني ألا ننسى فلسطين مرة اخرى!
حرياً بنا إذن، أن نؤكد أن أكثر هذه الأحداث عنفاً كان ما يجرى في فلسطين!
إذ لم تكتف القوات السورية بتطهير الأرض الفلسطينية من الرجس الإسرائيلي فقط، بل قامت بعرض أسرى الجنود الإسرائيليين عبر محطات التلفزة العالمية وهم في حال صرع وجنون، وذلك جراء التعديات اللاإنسانية التي كان يمارسها عليهم الجنود العرب!
جديراً بالقول أيضاً، ان ابسط هذه التعديات إن لم يكن أكثرها رحمة، هو قيام احد الجنود العرب بانتزاع مقلتي جندي إسرائيلي من فجوتي عينيه، وذلك أمام عدسات المصورين، ثم قوله لهم مبرراً سلوكه العاطفي تجاه المعتدي السابق:
- هذا الإسرائيلي دهس يوماً رأس رضيعي بقدميه أمام أطفالي وزوجتي، من حقي إذن أن اقتلع عينيه، لكني اعتقد أن هذا غير كاف، سأقوم الآن باستئصال لوزتيه أيضاً!
ثم شرع الجندي السوري عائداً أمام عدسات المصورين ليكمل انتزاع لسان الجندي الإسرائيلي بمطواته الصدئة!
***
تررررررررررن... (جرس الفسحة)
وقد خرج الطلبة من فصولهم بأجسادهم الهزيلة الحزينة إلى البهو الرئيسي، في اندفاع وتراكم... بحثاً عن الحرية!
كان هذا بينما مدام سعدية زوجة الأستاذ شكري مدير المدرسة تقف متربصة عند رأس الأستاذ فهيم، مفجرة ما أمكنها من غيظ فوق رأسه!
- للمرة التانية يا أستاذ فهيم أضبطك وانت نايم في غرفة المدرسين، قوم يا أفندي أنت متحول على التحقيق!
انتبه الأستاذ فهيم إلى شلاظيم مدام سعدية الثورية، فأدرك من فوره انه كان يحلم!
وأن الأمر لا يعدو كونه حلم عربي آخر!
حلم...
مجرد حلم!
(انتهى)
بقلم: ابن الأرض