عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-03-2006, 05:56 PM
الصورة الرمزية Nathyaa
Nathyaa Nathyaa غير متصل
من المؤسسين
 





Nathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميز
موضوع لحبيبة قلبي بسمة الروح

[FRAME="12 70"]


سعادة الدَّارين في برِّ الوالدين


تعريف البر


البر كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وبر الوالدين يعني الإحسان إليهما وتوفية حقوقهما، وطاعتهما في أغراضهما في الأمور المندوبة والمباحة، لا في الواجبات والمعاصي، والبر ضد العقوق، وهو الإساءة إليهما وتضييع حقوقهما.

ويكون البر بحسن المعاملة والمعاشرة، وبالصلة والإنفاق، بغير عوض مطلوب.


حكم بر الوالدين


بر الوالدين فرض واجب، وعقوقهما حرام ومن الكبائر.
دليل الحكم

الكتاب والسنة والإجماع.



فمن الكتاب قوله تعالى:



"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً".6

وقوله: "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً".7



ومن السنة قوله


صلى الله عليه وسلم وقد سأله


رجل قائلاً: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك"8، وفي رواية: "ثم أدناك أدناك".


وقوله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أوكليهما، فلم يدخل الجنة". 9


وقد أجمعت الأمة على وجوب بر الوالدين وأن عقوقهما من أكبر الكبائر.



فضل بر الوالدين



بر الوالدين والإحسان إليهما من أقوى الأسباب لدخول الجنة، ولنيل رضا الله عز وجل، وقد ورد في ذلك العديد من الآيات والأحاديث والآثار، نشير إلى طرف منها:



1. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم:



أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها؛ قلت: ثم أيُّ؟ قال: بر الوالدين؛ قلت: ثم أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله".10



2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


"لا يجزئ ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه". 11


3. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:


"الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أواحفظه". 12





الأم مقدمة في البر على الأب



ذهب أهل العلم في هذه المسألة مذهبين، هما:


1. الأب والأم يستويان في البر، وهذا مذهب مالك.

2. للأم ثلاثة أضعاف البر، وللأب ضعف، وهذا مذهب الليث بن سعد.
استدل من قدَّم الأم على الأب في البر بحديث: "من أحق الناس بحسن صحابتي"، حيث قال له: "أمُّك" ثلاثاً، وفي الرابعة قال: "أبوك"، وبغيره.
ورد عليهم القائلون بتسوية الوالدين في البر أن المراد بذلك التأكيد على بر الأم، لتهاون الأبناء في بر أمهاتهم أكثر من تهاونهم في بر آبائهم.




أقوال العلماء



قال القرطبي رحمه الله معلقاً على الحديث:


"من أحق الناس بحسن صحابتي": (فهذا الحديث يدل على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب، لذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأم ثلاث مرات، وذكر الأب في الرابعة فقط، وإذا توصل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل، وصعوبة الوضع، وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم دون الأب، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب،



ورُوي عن مالك


أن رجلاً قال له: إن أبي في السودان13، وقد كتب إليَّ أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له: أطع أباك ولا تعصٍ أمك؛ فدل قول مالك هذا على أن برهما متساوٍ عنده، وقد سئل الليث14 عن هذه المسألة فأمره بطاعة الأم، وزعم أن لها ثلثي البر،


وحديث أبي هريرة


– السابق – يدل على أن لها ثلاثة أرباع البر، وهو الحجة على من خالف، وقد زعم المحاسبي في كتاب "الرعاية" له أنه لا خلاف بين العلماء أن للأم ثلاثة أرباع البر وللأب الربع، على مقتضى حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والله أعلم).15


وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله


في شرح حديث أبي هريرة السابق في الفتح16: (قال ابن بَطَّال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم، وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين"، فسوى بينهما في الوصية، وخص الأم بالأمور الثلاثة،


وقال فضل الله الجيلاني


في توضيح الأدب المفرد للبخاري17: (الأم مقدمة في الإجماع في البر على الأب، وأن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لتحمل المشاق في الحمل والوضع حتى تكاد تموت، ولا أقل من أن تذوقه في كل وضع إذا ضربها الطلق، ثم المحنة زمن الرضاع إلى أن يكبر الولد ويستغني عن خدمتها، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في الإنفاق والتربية وأنواع من المؤنة والخدمة – كذا ذكره السيوطي – أخذ ذلك من تكرار حق الأم، والأظهر أن يكون تأكيداً ومبالغة في رعاية حق الأم، وذلك لتهاون أكثر الناس في حق الأم بالنسبة إلى الأب، لأن أمر الأم كله في البيت تحت الستور ولا يطلع عليه الناس، فيجترئ الناس على عقوقها أكثر من عقوق الوالد حياء من الناس، وكذا قوته تزجر عن الجرأة عليه، وضعفها يحمل الدنيء على الإساءة إليها، ولا يبعد أن الشريعة بالغت في البر بها أكثر من البر بالأب مواساة لها ومراعاة لضعف قلوب النساء وشفقة على الولد، مع أن الأب ليس أنقص حقاً من حقوقها، لأن الأم للين طبعها وضعف بنيتها لا تستطيع أحياناً أن تتحمل إباء وسوء خلقه فتعجل أن تغضب، فتسرع بالدعاء عليه، والمذكور في كتب الفقه أن حق الوالد أعظم من حق الوالدة وبرها أوجب).



قال ابن قتيبة رحمه الله:


(خاصمت أم عوف – امرأة أبي الأسود الدؤلي – أبا الأسود إلى زياد في ولد منه، قال أبو الأسود: أنا أحق بالولد منها، حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه؛ فقالت أم عوف: وضعته شهوة، ووضعتُه كرهاً، وحملتَه خفاً، وحملتُ ثقلاً؛ فقال زياد: صدقت، أنت أحق به؛ فدفعه إليها).18


قلت: هذا في الحضانة، فالولد للأم دون السابعة، والبنت إلى الزواج، ما لم تتزوج الأم، أويكون هناك مانع.


تقديم الأم في البر يكون في الإنفاق، والرعاية، والعطف، فإذا قصُرَت يَدُ الأبناء عن الإنفاق على الوالدين جميعاً تقدم الأم على الأب، وكذلك في زكاة الفطر إن لم يتمكن الابن من إخراج الزكاة عن أبويه الفقيرين أخرج عن أمه، وهكذا، وكذلك الأمر في الرعاية والعطف، أما في التعظيم والاحترام فيقدم الأب على الأم، والله أعلم.

ما يُطاع فيه الوالدان وما لا يُطاعان فيه


بعد أن أجمع أهل العلم علىأن الوالدين يطاعان في فعل:


1. المباح.

2. والمندوب.

ولا يطاعان في:

1. فعل الحرام.

2. وترك الواجب.



اختلفوا في طاعتهما فيما فيه شبهة على قولين.



قال ابن مفلح رحمه الله: (وقد قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: هل للوالدين طاعة في الشبهة؟ قال: في مثل الأكل؟ قلت: نعم؛ قال: ما أحب أن يقيم معهما20 عليها، وما أحب أن يعصيهما، يداريهما، ولا ينبغي للرجل أن يقيم على الشبهة مع والديه.



وذكر المروذي له قول الفضيل21: كل ما لم تعلم أنه حرام بعينه؛ فقال أبو عبد الله – أحمد بن حنبل -: وما يدريه أيها الحرام؟ وذكر له المروذي قول بشر بن الحارث22 وسئل هل للوالدين طاعة في الشبهة؟ فقال: لا؛ قال أبو عبد الله: هذا شديد؛ قلت لأبي عبد الله: فللوالدين طاعة في الشبهة؟ فقال: إن للوالدين حقاً؛ قلت: فلهما طاعة فيها؟ قال: أحب أن تعفيني، أخاف أن يكون الذي يدخل عليه أشد مما يأتي؛ قلتُ لأبي عبد الله: إني سألت محمد بن مقاتل العبَّاداني عنها، فقال لي: بر والديك؛ فقال: هذا محمد بن مقاتل قد رأيت ما قال، وهذا بشر الحارث قد قال ما قال؛ ثم قال أبو عبد الله: ما أحسن أن يداريهم.


وروى المروذي عن علي بن عاصم أنه سئل عن الشبهة، فقال: أطع والديك، وسئل عنها بشر بن الحارث، فقال: لا تدخلني بينك وبين والديك.
وذكر الشيخ تقي الدين23 رواية المروذي ثم قال: وقال في رواية ابن إبراهيم فيما هو شبهة فتعرض عليه أمه أن يأكل فقال: إذا علم أنه حرام بعينه فلا يأكل.


قال الشيخ تقي الدين:


مفهوم هذه الرواية أنهما قد يطاعان إذا لم يعلم أنه حرام، ورواية المروذي فيها أنهما لا يطاعان في الشبهة، وكلامه يدل على أنه لولا الشبهة لوجب الأكل، لأنه لا ضرر عليه فيه، وهو يُطيِّب أنفسهما). 24


وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله:


(أكثر العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة في الشبهات، وإن لم تجب في الحرام المحض، حتى إذا كانا يتنغصان بانفرادك عنهما بالطعام فعليك أن تأكل معهما لأن ترك الشبهة ورع، ورضا الوالدين حتم). 25



أمثلة للمباح الذي تجب فيه طاعة الوالدين



الأحكام الشرعية خمسة، حلال، وحرام، ومندوب، ومكروه، ومباح، فالمباح هو ما يجوز فعله وتركه، فمن أمثلة المباح الذي تجب فيه طاعة الوالدين ما لم يكن مانع شرعي آخر أن يطلبا منك أوأحدهما:


1. أن تسكن معهما في المنزل.

2. أن تتزوج امرأة معينة.



ومن أمثلة المندوب الذي تجب فيه طاعة الوالدين أوأحدهما، مثل:


1. النهي عن صيام يوم تطوعاً لشدة الحر مثلاً.

2. الذهاب لخلوة لحفظ القرآن الكريم كله.

ومن أمثلة الحرام الذي لا يجب فعله، والواجب الذي لا يجوز تركه ولا تجوز طاعتهما فيه ما يأتي:




1. الأمر بحلق اللحية.

2. الأمر بمصافحة الأجنبيات والدخول عليهن من الأقارب.

3. الأمر بإسبال الملابس.

4. طلب الانتماء إلى طريقـة من الطـرق الصوفيـة أوحـزب من الأحـزاب العلمـانية، سواء كان ينتمي إليها الوالدان أم لا.

5. النهي عن الذهاب إلى صلاة الجماعة إلا بسبب خوف من لصوص ليلاً، قال الحسن البصري: إذا نهته أمه عن شهود العشاء شفقة عليه فلا يطعها؛ ومن أهل العلم من قال يطيعها.

6. النهي عن الحجاب الشرعي للبنات.

7. إذا طُلب منه ممارسات شركية نحو الذهاب لزيارة رجل مبتدع أودخول قبة شيخ والخشوع والدعاء عندها مثلاً.

8. الإجبار على الدراسة في الجامعات المختلطة.

9. إذا طلب منه العمل في البنوك أوالشركات الربوية أوفي خمارة.

10. إذا طلب منه الهجرة إلى دار الكفر ولا ضرورة لذلك.



ما لا يعمل إلا بعد إذن الوالدين



أولاً: السفر لطلب علم مندوب أومباح


طلب العلم منه ما هو فرض عين26 ومنه ما هو فرض كفاية أومندوب أومباح، فالسفر لطلب العلم الواجب تعلمه لا يحتاج إلى إذن الوالدين، أما ما سوى فرض العين فلا يجوز أن يسافر له ويبتعد عن والديه إلا بإذنهما ورضاهما معاً، وكذلك الأمر لفرض العين إذا كان هو الكافل أوالملازم الوحيد، وهما أوأحدهما في حاجة إليه.

قال أبو حامد الغزالي: (وكذلك ليس لك أن تسافر في مباح أونافلة إلا بإذنهما.. والخروج لطلب العلم نفل إلا إذا كنت تطلب علم الفرض من الصلاة والصوم ولم يكن في بلدك من يعلمك، وذلك كمن يُسْلِم ابتداء في بلد ليس فيها من يعلمه شرع الإسلام فعليه الهجرة ولا يتقيد بحق الوالدين). 27



ثانياً: السفر للحج والعمرة



من كان حياً والداه أوأحدهما فلا يجوز له الذهاب والسفر إلى الحج أوالعمرة إلا بعد إذنهما.

وليس لهما أو لأحدهما أن ينهياه عن حج الفريضة إذا وجب عليه خاصة أن الراجح من قولي العلماء أن الحج يجب على الفور، ما لم يكونا في حاجة لرعايته لهما، ولم يكن لهما راعٍ غيره، هذا في حال الكبر والمرض، أما في الأحوال العادية فلا يجوز لهما أن يمنعاه عن حج الفريضة.

أما بالنسبة لحج وعمرة التطوع فلهما منع الابن عن ذلك، وله أن يرضيهما إن لم تكن بهما حاجة إليه أوكان هناك من يقوم بواجبهما.

قال أبو حامد الغزالي: (والمبادرة إلى الحج الذي هو فرض الإسلام نفل لأنه على التأخير28).29


ثالثاً: الخروج إلى الجهاد



جهاد الكفار والمنافقين بالنفس لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى من أجل القربات،



وهو نوعان:



1. فرض عين واجب، وهذا لا يستأذن فيه الوالدان، وهو نوعان كذلك:
أ. إذا استنفر الإمامُ المسلمين لقتال الكفار.


ب. إذا هجم الكفار وغزوا داراً من ديار المسلمين، كما هو الحال الآن في فلسطين، وأفغانستان، والعراق، وكشمير، والشيشان، وجنوب الفلبين، وغيرها من البلاد المغصوبة، وجهاد الدفاع يكون تحت راية الإمام وغير الإمام، إذا دعا إليه ولاة الأمر من العلماء.



2. فرض كفاية، وهو جهاد الطلب، بأن يخرج المسلمون رافعين راية الجهاد تحت إمام من أئمتهم يدعون الكفار والمشركين للدخول في الإسلام، وهو الذي خاضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام والمسلمون من بعدهم، حتى حل علينا هذا العصر الحديث الكبيس، حيث ركن المسلمون إلى الدنيا واستسلموا للكفار.


وجهاد الطلب لا يخرج إليه إلا بعد إذن الوالدين.


وجهاد الدفاع يتعين على أهل البلد الذي غلب عليه أوغزاه الكفار، فإن لم يغنوا فعلى من يليهم من المسلمين، وهكذا حتى يشمل الحكم سائر المسلمين، أما إذا استغنى أهل البلد المغزو وقاموا بالواجب فلا يجب على غيرهم.
الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وإجماع الأمة


فمن الكتاب:


1. قوله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم".30

2. وقوله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".31

3. وقوله: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم".32



ومن السنة:


1. "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق".33

2. "أبواب الجنة تحت ظلال السيوف".34

3. "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم، القائم، القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله، وتوكل الله للمجاهد في سبيل الله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أويرجعه سالماً مع أجر وغنيمة".35

وقد أجمعت الأمة على وجوب جهاد الدفاع وعند النفرة، وعلى ندب جهاد الطلب.


من الأمور المباحة التي يستحب فيها استئذان الوالدين والاجتهاد في إرضائهما ومداراتهما مسألتان هما:



أولاً: الزواج.

ثانياً: الطلاق.

أولاً: الزواج


أ. البنت


لا يحل للبنت أن تتزوج من غير إذن ورضا أبيها أووليها في حال موت الأب أوفقدانه، بكراً كانت البنت أم ثيباً، بالغة أم غير بالغة، وذلك لما صح عنه صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، ولا ينبغي للأب أوالولي أن يعضل وليته ويمنعها من الزواج أوالرجوع من كفء تقدم لها إلا لسبب شرعي، فإن فعل فهو آثم، والسلطان ولي من لا ولي لها.


ويستحب للأب أوالولي أن لا يزوج وليته إلا بعد الاطمئنان لرضاها بمن تقدم لها، وأجاز الجمهور للأب خاصة أن يزوج بنته البكر غير البالغ لمن يأنس فيه الكفاءة، أسوة بما فعله أبوبكر رضي الله عنه حيث زوج عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من غير إذنها ورضاها.


هذا وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الزانية هي التي تزوج نفسها يعني من غير ولي.


صحَّ في سبب نزول قوله تعالى: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون"48: "أن معقل بن يسار كانت أخته تحت أبي البدَّاح، فطلقها وتركها حتى انقضت عدتها، ثم جاء فخطبها، فرضيت، وأبى أخوها أن يزوجها، وقال: وجهي من وجهك حرام إن تزوجتيه؛ فنزلت الآية، فقال مقاتل: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم معقلاً فقال: إن كنت مؤمناً فلا تمنع أختك من أبي البداح؛ فقال: آمنت بالله؛ وزوَّجها منه".49



ب. الابن


يستحب للابن أن يتزوج بإذن ورضا والديه، وينبغي للوالدين أن لا يجبروا أبناءهم وبناتهم على زواج من يكرهون ولا يحبون، فالزواج عشرة طويلة، فإذا كان لا يجب على ابن أن يأكل ما يجبره عليه أبواه فمن باب أولى لا يجب عليه أن يتزوج من لا يرغب في زواجها، وإن رغب في زواجها له والداه أوأحدهما.



ولكن عليه أن يداري في ذلك حتى يقنعهما أويقنعانه.


بل لا تجب طاعة الأبوين إذا كان المرغوب في زواجه من الأبوين أوأحدهما:


1. منافقاً نفاق اعتقاد مثل الشيوعيين، والجمهوريين، والعلمانيين.
2. لا يصلي.
3. مبتدعاً أورافضياً.
4. منحرفاً في عقيدته بممارسة بعض الشركيات.
5. متحرراً من القيود الشرعية.
6. بالنسبة للمرأة إذا كانت متبرجة سافرة.
7. فاسقاً، شارب خمر، مرابٍ، ممثلاً، فناناً، ونحوه.



أما إذا توفر الدين والخلق، وراقت للابن فالأفضل له طاعة والديه.



ثانياً: الطلاق


لا يجب على الابن طاعة والديه أوأحدهما في طلاق زوجته من غير سبب شرعي، سيما إذا كانت الزوجة مستورة الحال، مقيمة للصلاة، راعية لحق زوجها، غير متبرجة، فليس عليه أن يطيع والديه في ذلك لعدم استلطافهما لها، أولمشكلة حدثت بين أم هذه المرأة أوأختها مع أحد الوالدين أوإحدى بناتهن.


أما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر أن يطلق زوجه التي كان يحبها وكان عمر يأمره بطلاقها لأنه خشي أن تشغله عن الغزو والجهاد وليس لحظوظ نفس ولا أمر دنيوي، لهذا قال أحمد رحمه الله لرجل طلب منه أبوه أن يطلق زوجه لغير عذر شرعي: لا تطلق؛ فقال له: ألم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يطلق زوجه لأن أباه أمره بذلك؟ فقال له أحمد: إن كان أبوك مثل عمر أوبشر بن الحارث الحافي فطلق.


بهذا تفهم الأحاديث والآثار التي أمرت بطاعة الأبوين في الأمر بالطلاق، وهي:



1. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كانت تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها؛ فأبيتُ، فأتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طلقها".51



2. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلاً أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها؟ فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أواحفظه".52


قال الونشريسي المالكي: (سئل أبو إسحاق التونسي عن رجل له زوجة موافقة له، وبينها وبين أمه سرورة، هل يلزمه طلاقها، إذا طالبته أمه بفراقها للسرورة التي بينهما؟ وهل يكون عاقاً لأمه في ترك طلاق زوجته وهو يعلم أن زوجته غير ظالمة لأمه؟ وهل له أن يرجع على زوجته ويعين عليها مع أمه فيما يجري بينهما من السرورة، ويصول عليها ويقصر من حقوقها ولا يحسن إليها لترضى بذلك أمه إذا لم ترض عنه الأم إلا بفعل ما ذكرنا؟ وهل يلزمه أن تكون معه أمه في بيت واحد على قصعة واحدة؟



فأجاب: لا يلزم الابن ذلك، وإنما عليه القيام بواجبات أمه، ولا يلزمه أن تكون مع زوجته، وإذا كانت زوجته موافقة عنده، ولم يثبت عنده ظلم زوجته لأمه، ولم يكن في ترك طلاق زوجته رضى لوالدته وإثم، وليترَضَّ أمه بما قدر من غير أن يوافقها على ما لا يجوز له من الإضرار بها، ولا يساعدها عليه).54
قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إنه ليس لأحد الوالدين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك، وأولى، فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول تؤذي صاحبه، ولا يمكنه فراقه.


وقال أحمد في رواية أبي داود: إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثاً إن فعل لم آمره بفراقها، وإن كان له والدان يأمرانه بالتزويج أمرته أن يتزوج، وإن كان شاباً يخاف العنت أمرته أن يتزوج، وإذا قال له والداه: تزوج فلانة، فإنه يمكنه أن يتزوج غيرها، وهذا معنى ما نقله الفضل بن زياد.


إلى أن قال: فإن أمره أبوه بطلاق امرأته لم يجب، ذكره أكثر الأصحاب، قال سَنَدي: سأل رجل أبا عبد الله فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي؟ فقال: لا تطلقها؛ قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه.


واختار أبو بكر من أصحابنـا أنه يجب، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمـر، ونص أحمـد في روايـة بكر بن محمد عن أبيه إذا أمرته أمه بالطلاق لا يعجبني أن يطلق، لأن حديث ابن عمر في الأب55.
ونص أحمد أيضاً في رواية محمد بن موسى أنه لا يطلق لأمر أمه، فإن أمره الأب بالطلاق طلق إذا كان عدلاً، وقول أحمد رضي الله عنه: لا يعجبني كذا، هل هو يقتضي التحريم أوالكراهة؟ فيه خلاف بين أصحابه، وقد قال الشيخ تقي الدين فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته، قال: لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها، وليس تطليق امرأته من برها، قال أحمد في رواية أبي داود: إذا خاف العنت أمرته أن يتزوج، وإذا أمره والده أمرته أن يتزوج.


وقال في رواية جعفر: والذي يحلف بالطلاق انه لا يتزوج أبداً؟ قال: إن أمره أبوه تزوج، قال الشيخ تقي الدين: كأنه أراد الطلاق المضاف إلى النكاح، كذا قال، أوكأنه مزوَّجاً فحلف أن لا يتزوج أبداً سوى امرأته، وقال في رواية المروذي: إذا كان الرجل يخاف على نفسه، ووالداه يمنعانه من التزوج فليس لهم ذلك، وقال له رجل: لي جارية وأمي تسألني أن أبيعها، قال: تتخوف أن تتبعها نفسك؟ قال: نعم؛ قال: لا تبعها، قال: إنها تقول: لا أرضى عنك أوتبيعها، قال: إن خفت على نفسك فليس لها ذلك.


قال الشيخ تقي الدين – ابن تيمية -: لأنه إذا خاف على نفسه يبقى إمساكها واجباً، أو لأن عليه في ذلك ضرراً، ومفهوم كلامه أنه إذا لم يخف على نفسه يطيعها في ترك التزويج وفي بيع الأمَة، لأن الفعل حينئذ لا ضرر عليه فيه، لا ديناً ولا دنيا.


وقال أيضاً: قيد أمره ببيع السرية إذا خاف على نفسه، لأن بيع السرية ليس بمكروه، ولا ضرر عليه فيه، فإنه يأخذ الثمن، بخلاف الطلاق، فإنه مضر في الدين والدنيا، وأيضاً فإنها متهمة في الطلاق ما لا تتهم في بيع السرية).56
ما يختص به الوالد في ولده دون غيره
[/FRAME]

 

 

توقيع : Nathyaa

Nathyaa