عرض مشاركة واحدة
قديم 10-03-2006, 06:22 PM   رقم المشاركة : 3
Nathyaa
من المؤسسين
 
الصورة الرمزية Nathyaa






Nathyaa غير متصل

Nathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميز


افتراضي

[FRAME="12 70"]


نماذج للأبناء البررة



سنورد في هذه الصفحات بعض النماذج الحية والصور النادرة لبر الوالدين والإحسان إليهما، عسى أن تكون شاحذاً ودافعاً للأخيار، ومذكراً ومنبهاً للمقصرين والعاقين لآبائهم، فالاقتداء بالسلف الصالح هو سبيل المهتدين، وطريق العقلاء الكيسين من المؤمنين، فنقول وبالله التوفيق:


1. سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم




يتجلى بر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوالديه، وعمه، وزوجه خديجة بعد وفاتها، وبقومه في أحسن صوره في حرصه على هداية الأحياء منهم الذين أدركوا الإسلام، وفي سؤاله لربه أن يستغفر لأمه، فلم يجبه ربه لذلك، ولكن عندما سأله أن يزور قبرها أذن له في ذلك، فزار قبرها.
قال تعالى: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم".95


خرج مسلم في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله"؛ فقال أبوجهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؛ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب؛ وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"؛ فأنزل الله عز وجل: "ما كان للنبي..." الآية، وأنزل الله في أبي طالب لرسوله صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين".


قال القرطبي: (هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم، فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين).96



2. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه




روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (كنت باراً بأمي، فأسلمتُ، فقالت: لتدعنَّ دينك، أولا آكلُ ولا أشربُ حتى أموت فتعيَّر بي، ويقال: يا قاتل أمه؛ وبقيت يوماً ويوماً، فقلت: يا أماه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركتُ ديني هذا، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي؛ فلما رأت ذلك أكلت، ونزلت: "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"97).98
وكذلك نزلت فيه آية لقمان99: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمُّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليَّ ثم إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون".


قال القرطبي: (وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات الندب، ومنه أمر الجهاد الكفاية، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة، على أن هذا أقوى من الندب، لكن يعلل بخوف هلكة عليها، ونحوه مما يبيح قطع الصلاة100 فلا يكون أقوى من الندب، وخالف الحسن في هذا التفصيل فقال: إن منعته أمه من شهود العشاء شفقة فلا يطعها).101



3. حارثة بن النعمان رضي الله عنه




ممن اشتهروا ببر الأبوين الصحابي البدري الجليل، فقد نال ببره لأمه الدرجات العلا، وشهد له بذلك رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فسمعتُ فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البر، كذلكم البر"، قالت عائشة: وكان باراً بأمه.102



4. عبد الله بن عبد الله بن أبيّ الصحابي الجليل رضي الله عنه




كان عبد الله بن عبد الله بن أبي باراً بأبيه عبد الله رأس النفاق قبل الإسلام، وعندما تظاهر أبوه بالإسلام كان عبد الله حريصاً على هداية أبيه، ولكن أبى الله ذلك.


من بره بأبيه بجانب ما سبق ذكره كما قال ابن عمر: جاء عبد الله بن عبد الله بن أبيّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين مات أبوه، فقال: أعطني قميصك أكفنه فيه، وصلِّ عليه، واستغفر له؛ فأعطاه قميصه، وقال: "إذا فرغتم فآذنوني"، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر، وقال: أليس قد نهى الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا بين خيرتين، استغفر لهم أولا تستغفر لهم"، فصلى عليه، فأنزل الله عز وجل: "ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً"، فترك الصلاة عليهم.


قـال أبو عمـر: (كان رسـول الله صلى الله عليه وسلم يثني على عبد الله بن عبد الله بن أبيّ هذا، واستشهد عبدالله بن عبدالله بن أبيّ يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق سنة12ﻫ، وروت عنه عائشة).103



5. أبو هريرة رضي الله عنه



كان من البارين بأمهاتهم المحسنين إليهن.


عن أبي مُرَّوة مولى عقيل: "أن أبا هريرة كان يستخلفه - مروان على المدينة - وكان يكون بذي الحليفة، وكانت أمه في بيت وهو في آخر، قال: فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها، فقال: السلام عليك يا أمتها ورحمة الله وبركاته؛ فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته؛ فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً؛ فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً؛ ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثله".104



6. عبد الله بن عمر رضي الله عنهما



كان عبد الله بن عمر من عباد الله المتقين، ومن الصحابة المتميزين، ومن الأبناء البارين بآبائهم في الحياة وبعد الممات، ومن ذلك بره وإحسانه لبدوي كان أبوه من أصحاب عمر رضي الله عنه.


عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبر البر أن يصل الرجلُ وُدَّ أبيه".


وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وُداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أبر البر صلة الرجل أهل ودّ أبيه".


وفي رواية عن ابن دينار عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروَّح عليه105 إذا مل ركوب الراحلة، وعمامة يشد بها رأسه، فبينما هو يوماً على ذلك الحمار، فقال: اركب هذا، وأعطاه العمامة، وقال اشدد بها رأسك؛ فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أعطيتَ هذا الأعرابي حماراً كنت تروَّح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يولى"، وإن أباه كان صديقاً لعمر رضي الله عنه.106


7. أويس القرني رحمه الله



أويس القرني سيد التابعين منعه من الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بره بأمه، فعوضه الله عما فقده من الهجرة أن كان مجاب الدعاء والاستغفار.


عن أسير بن جابر قال: "كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم؛ قال: من مراد ثم من قَرَن؟ قال: نعم؛ قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم؛ قال: ألك والدة؟ قال: نعم؛ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن، من مراد ثم من قَرَن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بار، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي؛ قال: فاستغفر له؛ فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة؛ قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؛ قال: أكون في غُبُرَّات107 الناس أحب إلي؛ قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس، قال: تركته رث الهيئة، قليل المتاع.



فأخبره عمر بحاله، فعندما رجع إلى الكوفة قال لأويس: استغفر لي؛ قال: لقيتَ عمر؟ قال: نعم؛ فاستغفر له، قال: ففطن له الناس، فانطلق على وجهه، قال أسير: وكسوته بردة، وكان كل من رآه قال: من أين لأويس هذه البردة".



8. محمد بن سيرين رحمه الله


من الأبناء البررة كذلك الإمام محمد بن سيرين التابعي الجليل، والمعبِّر القدير.
روى الذهبي في ترجمته عن هشام بن حسان قال: (حدثتني حفصة بنت سيرين قالت: كانت والدة محمد حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيد، صبغ لها ثياباً، وما رأيته رافعاً صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي إليها).109



9. عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله



كان من أبر أهل زمانه ومن أتقاهم رحمه الله.


قال ابن قتيبة رحمه الله: (كان لعمر بن عبد العزيز أربعة عشر ابناً، منهم عبد الملك الولد الصالح ابن الصالح، كان من أعبد الناس، توفي في خلافة أبيه وهو ابن سبعة عشرة سنة وستة أشهر، وكان أحد المشيرين على عمر بمصالح رعيته، والمعينين له على الاهتمام بمصالح الناس، وكان وزيراً صالحاً وبطانة خير رحمه الله، وكان أبر أهل عصره بوالده، أومن أبرهم، وله مناقب مشهورة).110



10. محمد بن المنكدر رحمه الله



قال: "بتُّ أغمز رجلي أمي، وبات عمي يصلي ليلته، فما سرني ليلته بليلتي".
11. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنما ردَّ الله عقوبة سليمان عن الهدهد لبره لأمه".


نماذج للأبناء العاقين



سنعرض في مقابل الأبناء البررة نماذج من الأبناء العاقين حتى تكتمل الصورة، ويتضح الفرق بين الصنفين، وكما قيل: وبضدها تتميز الأشياء، فلولا وجود الكفر والشرك لما عُرفت قيمة الإيمان، ولولا وجود الأشرار لما عُرف فضل الأخيار.


1. الذي قال لوالديه أفٍّ لكما



يمثل العقوق أصدق تمثيل ما حكاه لنا القرآن على لسان ذلك الابن الكافر العاق لوالديه: "والذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين. أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين".111


قال الحسن وقتادة: (هي نعت عبد كافر عاق لوالديه).112


وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما، وقد كان أبوه يدعوه إلى الإسلام فلا يجيبه، وقيل نزلت في أخيه عبد الرحمن، ولا يصح ذلك، وقد كذبت ذلك عائشة رضي الله عنها ونفته نفياً قاطعاً.


خرَّج ابن كثير بسنده إلى ابن أبي حاتم قال: (أخبرني عبد الله بن المديني قال: إني لفي المسجد حين خطب113 مروان، فقال: إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً، وإن يستخلف فقد استخلف أبوبكر عمر رضي الله عنهما؛ فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: أهرقلية؟ إن أبا بكر رضي الله عنه ما جعلها في أحد من ولده، ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده؛ فقال مروان: ألستَ الذي قال لوالديه أفٍّ لكما؟ فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: ألستَ ابن اللعين الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك؟ قال: وسمعتهما عائشة رضي الله عنها، فقالت: يا مروان، أنت القائل لعبد الرحمن رضي الله عنه كذا وكذا؟ كذبتَ ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلان؛ ثم انتحب مروان، ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها، فجعل يكلمها حتى انصرف.


وفي رواية للنسائي عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية رضي الله عنه لابنه، قال مروان: سنة أبي بكروعمر رضي الله عنهما؛ فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: سنة هرقل وقيصر؛ فقال مروان: هذا الذي أنزل الله تعالى فيه: "والذي قال لوالديه أفٍّ لكما" الآية؛ فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها، فقالت: كذب مروان، والله ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي نزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضفض من لعنة الله).114



2. يحكى أن شاباً كان مكباً على اللهو واللعب، لا يفيق عنه، وكان والده صالحاً ذا دين وخلق، كثيراً ما يعظه ويقول له: يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألحَّ عليه زاد في العقوق وجار على أبيه، وفي يوم ألحَّ على ابنه بالنصح كعادته، فمدَّ الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله مجتهداً ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة، ويدعو على ولده، فخرج إلى البيت الحرام وتعلق بأستار الكعبة، وأنشأ يقول:



يا من إليه الحجاج قد قطعـوا عَرْضَ المهامة من قرب ومن بعد
إني أتيتك يـا من لا يخيِّب من يدعـوه مبتهـلاً بالواحد الصمـد
هذا مُنُـازلُ لا يرتد من عققي فخذ بحقي يا رحمن من ولـدي
وشلَّ منه بحـول منك جـانبه يا من تقدس لم يولــد و لم يلـد




فاستجاب الله دعاءه فشلَّ شق ولده الأيمن في الحال.


3. وحُكي أن رجلاً كان من المياسير بالبصرة، وكان يتمنى أن يرزق ولداً وينذر عليه النذور، فولد له وسرَّ به، وأحسن تربيته حتى ارتفع عن مبلغ الأطفال إلى حد الرجال، ولم يهمه شيء من أمر الدنيا سوى هذا الولد، وقد أحسن إليه غاية الإحسان، فلم يشعر الأب ذات يوم إلا بخنجر خالط جوفه من وراء ظهره، فاستغاث بابنه مرتين فلم يجبه، فالتفت فإذا هو صاحب الضربة، فقال الشيخ وهو يضطرب من الألم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أستغفر الله، صدق الله؛ أراد بالتهليل أن يلقى الله بالإيمان، وأراد بالاستغفار أن الله حذره فلم يحذر من ابنه بقوله: "إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم"115 ، فجمع في هذه الكلمات كل ما يحتاج إليه في هذه الحال.


4. ورد في سبب نزول قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم" عن ابن عباس رضي الله عنه أنها نزلت بالمدينة – وبقيتها مكية – في عوف بن مالك الأشجعي، شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده.


وعن عطاء بن يسار: كان – أي عوف – ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، فقالوا: إلى من تدعنا؛ فيرق فيقيم.


قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا يبين وجه العداوة، فإن العدو لم يكن عدواً لذاته وإنما كان عدواً بفعله، فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدواً، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة.


قال القرطبي: (كما أن الرجل يكون ولده وزوجه عدواً، كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدواً بهذا المعنى بعينه، وعموم قوله: "من أزواجكم" يدخل فيه الذكر والأنثى لدخولهما في كل آية.


ثم قال: قال الحسن في قوله "إن من أزواجكم": أدخل من للتبعيض لأن كلهم ليسوا بأعداء، ولم يذكر "من" في قوله تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة"116 لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما).117



5. من العقوق البيِّن الواضح تصرف بعض الأبناء الغلاة الجفاة مع آبائهم وأمهاتهم، ومخاشنتهم لهم، والغلظة عليهم، ثم هجرهم وتكفيرهم في نهاية المطاف.


الواجب على هؤلاء أن يتلطفوا ويرفقوا بآبائهم وأمهاتهم، وذوي أرحامهم، وأن يتأسوا بالأنبياء والرسل في صنيعهم مع آبائهم وذويهم من الكفار، فقد سلكوا معهم شتى السبل، وسألوا الله نجاتهم، فنوح عليه السلام: "ونادى نوح ربه فقال ربِّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألنِِ ما ليس لك به علمإني أعظك أن تكون من الجاهلين"118، ولم ييأس من ابنه ولم يتوقف عن دعوته حتى بعدما ركب السفينة، قال له: "يا بنيَّ اركب معنا".119


وهاهو إبراهيم أبو الأنبياء وإمام الأتقياء لم يتبرَّأ من أبيه وقومه إلا بعد أن بذل معهم كل مجهود، وداراهم وناظرهم، بل إن أباه كان يلزمه في أول نشأته أن يبيع له مع إخوته الأصنام التي كان يصنعها، فكان إبراهيم عليه السلام يأخذها ويخرج، وينادي عليها: من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟ فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم، ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي.


وها هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لم ييأس من عمه إلى ساعة الاحتضار، وسأل ربه أن يستغفر لأمه، فأبى، ثم سأله أن يزورها فأذن له في ذلك.


ما يفعله هؤلاء منافٍ للدين، والعقل، والعرف، إذ أن أمر الوالدين حتى في الأمر والنهي يختلف عن أمر الآخرين، وإن كان الرفق مطلوباً مع جميع الخلق، فما دخل في شيء إلا زانه، فهو مع الوالدين من باب أولى وبالأحرى، حتى إذا يئس منهم اعتزلهم بالحسنى، ورحم الله أبا داود صاحب السنن عندما سئل هل يروي عن أبيه، فقال للسائل: سل عن هذا غيري؛ فأصرَّ عليه، فقال: إنه الدين، لا تروِ عنه.


ولله در ابن عمر عندما سئل عن الخوارج، وقيل له: ما تقول في فتية شببة، ظراف، نظاف، وذكِر له من اجتهادهم في العبادة، ثم قيل له: ولكن يكفِّر بعضهم بعضاً؛ قال: ماذا تركوا من دناءة الأخلاق إلا أن يكفِّر بعضهم بعضاً.
فالتكفير بالذنوب والمعاصي من غير استحلال من علامات أهل الأهواء، وعلامة على قلة العلم والفقه في الدين، وعلى دناءة الأخلاق وفساد الاعتقاد.



المراجع



الآداب الشرعية لابن مفلح.
إحياء علوم الدين للإمام الغزالي.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر.
بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس لأبي عمر يوسف بن عبد البر (368-463ﻫ) تحقيق محمد مرسى الخولي.
تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي.
الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي.
رياض الصالحين للإمام النووي.
حسن الأسوة فيما ثبت عن الله ورسوله في النسوة، لصديق حسن خان.
فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني.
فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد للبخاري تأليف فضل الله الجيلاني – طبع دار الفكر.
كتاب الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المتوفى 386هـ، حققه وعلق عليه محمد أبو الأجفان – عثمان بطيخ – طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1403ﻫ.
شرح السنة للإمام أبي الحسن محمد بن مسعود البغوي (436-516ﻫ) تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى.
موارد الظمآن لدروس الزمان لعبد العزيز المحمد السليمان، الطبعة الحادية عشرة 1402ﻫ
[/FRAME]






التوقيع

Nathyaa