عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2005, 12:13 PM   رقم المشاركة : 5
Nathyaa
من المؤسسين
 
الصورة الرمزية Nathyaa






Nathyaa غير متصل

Nathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميز


افتراضي

الاجتماع على قراءة يس عدة مرات ثم الدعاء

س 29يوجد بالسجن بعض الأشخاص يجتمعون ويقرءون سورة يس، ثم يتقدم أحدهم ويدعو، والباقي يرفعون أيديهم ويؤمنون على دعائه، وتكون القراءة بعدد معين مرة أو أكثر. فهل جاء في القرآن أو السنة ما يؤيد هذا؟ أفيدونا أفادكم الله؟


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بأصحابه ويقرأ القرآن في مجالسه عليه الصلاة والسلام، ويذكر أصحابه ويعلمهم ويوجههم إلى الخير عليه الصلاة والسلام، وربما مر بالسجدة في القرآن فيسجد ويسجدون معه، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ وهو يستمع كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم: يا عبد الله اقرأ علي القرآن فقال يا رسول الله كيف أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم إني أحب أن أسمعه من غيري عليه الصلاة والسلام قال عبد الله فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [ النساء 41] قال حسبك قال عبد الله فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام، يعني يبكي لما تذكر هذا الموقف العظيم يوم القيامة عليه الصلاة والسلام.

فإذا اجتمع السجناء أو الإخوان في مجلس، أو في أي مكان، وقرءوا ما تيسر من القرآن وتدبروا وتعقلوا وتذكروا فهذا خير عظيم، وفيه فضل كبير ويستحب لمن يسمع القرآن أن ينصت، حتى يستفيد ويتدبر، وإذا دعوا بعد القراءة بما شاءوا من الدعاء فلا حرج في ذلك.

لكن كونهم يعتادون تكرار يس أو غيرها عددا معينا فهذا ما لا نعلم له أصلا ولكن يقرءون ما تيسر من يس أو من البقرة أو من غير ذلك، أو يتدارسون من أول القرآن إلى آخره، هذا يقرأ ثم يقرأ الآخر وهكذا، أو يقرأ هذا ثم يعيد القراءة هذا، حتى يستفيدوا جميعا ويتدبروا.

أما تخصيص عدد معين من السور وتكرار السورة فهذا ما لا أعلم له أصلا، وكذلك رفع الأيدي لا أعلم أنه وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اجتماعاته مع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالأولى أن يكون الدعاء بما تيسر من غير رفع أيد، ومن غير دعاء جماعي، بل كل يدعو لنفسه بما تيسر بينه وبين نفسه، هذا هو الذي نعلمه من السنة، ولكن ينبغي على كل جالس التدبر والتعقل، وأن تكون القراءة مقصودة ليس لمجرد القراءة فقط.

ولكن يعتني المؤمن بما يقرأ وبما يسمع ويتدبر؛ لقوله عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29] فالمقصود من القراءة التدبر والتعقل والعمل والفائدة، نسأل الله التوفيق والهداية.




دخول الخلاء بما فيه ذكر الله


س 30 يقول السائل: إننا نتعامل بدنانير كتب عليها سورة الإخلاص فهل يجوز أن أدخل بها الكنيف أم لا؟ وإن كان غير جائز فماذا أفعل وخاصة عندما أكون خارج المنزل في مكان لا آمن فيه؟


الجواب:

هذا فيه تفصيل؛ إذا كنت في محل آمن فاتركها في خارج المرحاض أو الكنيف، كأن تكون عند أهلك، أو في مكان آخر مأمون حتى تخرج؛ تعظيما لكلام الله عز وجل، وهكذا إذا كان فيها ذكر الله فالأفضل إخراجها، كالخاتم الذي فيه ذكر الله، أو رسائل فيها ذكر الله، تجعلها في الخارج إذا تيسر ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه خارجه، لأن فيه : "محمد رسول الله".

أما إذا كنت في محل غير آمن فلا حرج عليك أن تدخل وهي معك؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].






حول حديث: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"


س 31 سائل يقول: سمعت أحد المذيعين يوم جمعة وكان يتحدث في فضل يوم الجمعة، وقد أورد حديثا يقول: فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ فقال إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء رواه الخمسة إلا الترمذي. أليس هذا يتعارض مع الآية الكريمة التي يقول الله فيها: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [ الكهف: 110]، وقوله: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [ الكهف: 8]،

وأنه لما دخل عليه العباس عمه حينما مات، ومكث ثلاثة أيام قبل أن يدفن، وكان واضعا يديه على أنفه، وقال: عجلوا بدفن صاحبكم، والله إنه ليأسن كما يأسن سائر البشر.
وهذا الحديث الذي سمعته موجود في كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخيار، والحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه. وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه بأنه حديث منكر؛ لأن في إسناده عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو منكر الحديث، وقال ابن العربي إن الحديث لم يثبت. وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه؟




الجواب:


الحديث المذكور معروف عند أهل العلم ولا بأس به عند أهل العلم، ولا نكارة في ذلك، فإن الله جل وعلا له أن يخص من شاء من عباده بما يشاء سبحانه وتعالى، فإذا خص الأنبياء بتحريم أجسادهم على الأرض فلا غرابة في ذلك؛ لما لهم لديه من الكرامة.

والصلاة والسلام عليه مشروعة مطلقا، ولو فرضنا أن الجسد قد أكلته الأرض كما تأكل أجساد الناس الآخرين، فإن هذا لا يمنع من الصلاة والسلام عليه، ولا يمنع أيضا من تخصيص الجمعة بالإكثار من ذلك لما جاء في الحديث، فإن الصلاة والسلام عليه مشروعان دائما عليه الصلاة والسلام في حياته وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام.

وقد قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] اللهم صل عليه وسلم صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين. وقال عليه الصلاة والسلام كما روى مسلم في الصحيح: من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا فالصلاة والسلام عليه أمر مشروع في حياته وبعد وفاته، حال كونه في البرزخ وفي غير ذلك، وهذا أمر مشروع ومعلوم عند الجميع.

أما كون جسده يبقى فهو في هذا الحديث، وسنده لا بأس به عند أهل العلم، أما قول العباس، فلم أعلم إلى يومي هذا صحته ولم أتتبع أسانيده، ولو فرضنا صحة هذا عن العباس فإنه لا ينافيه؛ فقد يعتري الجسد ما يعتريه ولكنه يسلم ويبقى، ويحرم على الأرض أن تأكله، ويزول ما يعتريه من تغير ورائحة، فإن الله على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، فإذا وضع في القبر ففي الإمكان أن تزول هذه الرائحة وهذا التغير، وأن يبقى الجسد سليما طريا، وليس في الشرع ولا في العقل ما يمنع ذلك.

والمقصود أن الصلاة والسلام عليه مشروعان مطلقا سواء بقي الجسد أم لم يبق الجسد، وكونه تعرض صلاتنا عليه لا يمنع ذلك فناء جسده لو لم يصح الحديث؛ لأن الروح باقية في الرفيق الأعلى، وهكذا الأرواح باقية عند أهل السنة والجماعة، أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، وروحه صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين عليه الصلاة والسلام، وأرواح المؤمنين في طيور تعلق في شجر الجنة كما صح بذلك الحديث، وأرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديل معلقة تحت العرش، وهي في جوف طير خضر كما جاء في الحديث الشريف. فالمقصود أن الأرواح باقية وفي الإمكان عرض الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، ولو ذهب الجسد، ولكن حديث إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء لا بأس به، فالأصل الأخذ به والبقاء عليه، حتى يعلم بالأدلة التي لا شك فيها ما يخالف ذلك.

وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء خبر منه صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فمتى سلم الخبر من العلة، وهو عند أهل العلم في ظاهر أسانيده صحيح ولا بأس به، وإذا ثبت أثر العباس، فإن ما قاله العباس لو ثبت ووقع لا يمنع من بقاء الجسد وزوال هذا الأثر كما تقدم.






حول رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام


س 32 يقول السائل: ادعى بعض الناس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، وأنه عليه الصلاة والسلام قال له: إنه خجلان في قبره لأن الحرب لم تتوقف بين إيران والعراق.

وقال آخر: إنه رآه عليه الصلاة والسلام وقال له: سوف تستمر الحرب ستة وثلاثين شهرا وها قد مضى على الحرب الآن أربع سنوات فما حكم الشرع في مثل هذه الرؤى التي فيها ما يخالف الواقع؟



الجواب:

كثير من الناس يدعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إما كاذب، وإما أنه لم يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن أنه الرسول وليس هو الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي فمن رآه في صورته فقد رآه، وهو صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق. لكن هذه المرائي تعرض على ما علم من الشرع، فإن وافقت ما علم من الشرع فهي حق، وإلا فهي تلبيس على صاحبها، وأن صاحبها لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما خيل له وظن أنه الرسول وليس هو الرسول، فقد يراه بعض الناس في صورة شاب أمرد، وقد يراه بعض الناس شيبة قد ابيض شعره، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان قصير، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان طويل، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان أسود اللون، وقد يراه بعض الناس في صور أخرى، وهذا ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم. الرسول ربعة من الرجال، أبيض اللون، مشرب بحمرة عليه الصلاة والسلام من أجمل الرجال عليه الصلاة والسلام، شعره أسود ليس فيه إلا بياض قليل، شعرات قليلة من الشيب. فلابد في الرائي أن يكون رآه على صورته المعروفة في كتب الحديث والسيرة، وأن يكون ثقة معروفا بالصدق والأمانة والعدالة، وإلا فإنه لا يعتمد على قوله ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولم يقل لا يتمثل بي، بل قال: في صورتي، فدل ذلك على أنه إذا رآه الإنسان في غير صورته فليس هو النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إذا رآه فلابد أن يعرض ما رآه على ما جاء به الشرع إن كانت تتعلق بالأحكام والعبادات فتعرض على الشرع فإن خالفت الشرع، فليس هو النبي عليه الصلاة والسلام. ثم قوله خجلان ليس من لغة النبي صلى الله عليه وسلم بل هذه من لغة العصر، فهذا دليل على أنه لم ير الرسول عليه الصلاة والسلام وإنما رأى شيطانا ثم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب والوحي قد انقطع، فهو لا يعلم الغيب في حياته إنما يعلم ما أوحى الله إليه وبينه له سبحانه وتعالى، وما لم يأت به الوحي لا يعلمه عليه الصلاة والسلام من أمور الغيب، فهو لا يعلم شأن الحرب التي بين العراق وبين إيران والوحي قد انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام، وهذا من أوضح الدلالة على أن هذه الرؤيا مكذوبة وليست من النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من بعض الشياطين الذين تراءوا للرجل القائل، أو أنه كاذب في رؤياه ولم ير شيئا.






قوله تعالى: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا


س 33 يقول السائل: ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام، في قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ إلى قوله تعالى: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [ الكهف: 79-82]. لاحظت أنه عند السفينة قال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وعند ذكر الأبوين المؤمنين: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار: فَأَرَادَ رَبُّكَ فما الفرق بين التعابير الثلاثة؟ وهل ذلك يعني أن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله؟


الجواب:

الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه نبي، وليس مجرد رجل صالح بل الصحيح أنه نبي، ولهذا قال: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي أي بل عن أمر الله سبحانه وتعالى. وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت. فدل ذلك على أنه من الأنبياء، ولهذا قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وقال: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي والرسول يعلم إرادة الله حيث جاءه الوحي بذلك. وفي قصة السفينة نسب الأمر إليه فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا هذا والله أعلم لأن الرب سبحانه ينسب إليه الشيء الطيب، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب فنسبه إلى نفسه تأدبا مع ربه عز وجل، فقال: فأردت أن أعيبها، وهذا عيب يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك؛ لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة سليمة فأراد الخضر أن يعيبها لتسلم من هذا الملك إذا رآها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه، فلما كان ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق إضافته لله نسبه لنفسه فقال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وعند ذكر الأبوين المؤمنين قال: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا كذلك لما كان أمرا طيبا نسبه إلى نفسه لأنه مأمور من جهة الله عز وجل "أردنا" وذكر نون الجمع لأنه نبي، والنبي رجل عظيم فناسب أن يقول: أردنا، ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله فناسب أن يقال فيه: أردنا، ولأنه كان عملا طيبا ومناسبا وفيه مصلحة. ولما كان أمر اليتيمين فيه خير عظيم وصلاح لهما، ومنفعة لهما قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ فنسب الخير إليه سبحانه وتعالى، وهذان جنس قول الجن في سورة الجن، حيث قال سبحانه عن الجن: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن: 10]. فالشر لم يضيفوه إلى الله سبحانه وتعالى، ولما جاء الرشد قالوا: أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا فنسبوا الرشد إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الرشد خير فنسبوه إلى الله، وأما الشر فلا ينسب إليه، كما جاء في الحديث الصحيح: والشر ليس إليك وهذا من الأدب الصالح، من أدب الجن المؤمنين، ومن أدب الخضر عليه الصلاة والسلام، قال في العيب: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وفي اليتيمين: فَأَرَادَ رَبُّكَ وهذا من الأدب المناسب مع الله سبحانه.






اليوم الآخر


قوله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ

س 34يقول السائل: يقول الله تعالي: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [ النمل: 82]. ما تفسير هذه الآية الكريمة. جزاكم الله خيرا؟


الجواب:

جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها دابة تخرج في آخر الزمان عند طلوع الشمس من مغربها؛ قبلها بقليل أو بعدها بقليل، والله أعلم بمكثها في الأرض، ولكنها تخرج في آخر الزمان، وتكلم الناس، كما قال الله عز وجل، وأما تفاصيل أخبارها فليس في تفاصيل أخبارها أحاديث صحيحة فيما أعلم.






حول السؤال عن الأعمال يوم القيامة


س 35 يقول السائل في رسالته: يقول الله تعالى يوم القيامة: تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ [ النحل: 56]، ويقول جل وعلا: وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ النحل: 93]، ولكني وجدت آية في سورة الرحمن تنفي حدوث السؤال للإنس والجن يوم القيامة، يقول المولى فيها: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [ الرحمن: 39]، فكيف يمكن الجمع بين هذه الآيات التي تثبت الحساب والأخرى التي تنفي السؤال؟


الجواب:

أيها الأخ السائل، اعلم أن يوم القيامة له أحوال وله شئون، وهو يوم طويل، مقداره خمسون ألف سنة، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج: 4-7]. فهو يوم طويل عظيم وله شئون وله أحوال، والناس فيه على أحوال، ففي وقت يسألون، وفي وقت لا يسألون، في وقت يسألهم الله عن أعمالهم، كما قال عز وجل: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: 92 ، 93]، فيسألهم ويجازيهم وتعرض عليهم صحائفهم، وفي وقت آخر من هذا اليوم الطويل لا يسألون، وهكذا ما في قوله جل وعلا عن الكفار أنهم قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23]، وفي الموضع الآخر قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42]، ولهذا نظائر، فيوم القيامة طويل عظيم، للناس فيه شئون مع ربهم عز وجل، فتارة يقرون وتارة يجحدون، وتارة يسألون وتارة لا يسألون، فانتبه لهذا ولا تشك في شيء من ذلك، فكله حق والله المستعان





مصير من تساوت حسناته وسيئاته

س 36 ما مصير من تساوت حسناته وسيئاته يوم الحساب ، هل سيدخل الجنة أم لابد أن يأخذ نصيبه من النار؟


الجواب:

الله أعلم، أمره إلى الله سبحانه، لكن لابد من القطع بأنه لابد أن يكون مصيره إلى الجنة في المنتهى، أما كونه قد يعذب أو لا يعذب هذا إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الموحد الذي تساوت حسناته وسيئاته منتهاه الجنة، لكن قد يعفى عنه بفضل الله سبحانه، ويدخل الجنة من أول وهلة، وقد يدخل النار بسيئاته التي لم يتب منها، فهو تحت مشيئة الله عز وجل، والله أعلم هل يدخل الجنة من أول وهلة أو لا يعفى عنه، بل يعذب على قدر المعاصي التي مات عليها ولم يتب، ثم يدخل الجنة. هذه قاعدة عند أهل السنة والجماعة؛ وهي أن مصير الموحدين الجنة، سواء دخلوا النار أم لم يدخلوا النار؛ فمن دخلها بذنوبه فإنه لا يخلد فيها؛ بل يخرج منها بعدما يطهر ويمحص يخرج من النار إلى الجنة، يلقى في ماء الحياة فينبت كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم بعد ذلك يدخل الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي كلمة، وقد يعفو الله سبحانه وتعالى عن العاصي الموحد المؤمن، بشفاعة الشفعاء أو برحمته من دون شفاعة أحد فيدخله الله الجنة جل وعلا كما قال الله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعض العصاة يدخل النار ويبقى فيها ما شاء الله، ثم يخرجه الله سبحانه من النار بسبب توحيده وإيمانه وإسلامه إلى الجنة. فالذين تتساوى حسناتهم وسيئاتهم هم في حكم العصاة، وأمرهم إلى الله سبحانه وتعالى.




شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

س 37 يقول السائل: للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ثلاث شفاعات فلمن تجوز الشفاعة الأولى والثانية والثالثة؟


الجواب:

له عليه الصلاة والسلام ثلاث شفاعات خاصة به عليه الصلاة والسلام. إحداها: الشفاعة العظمى في أهل الموقف يوم القيامة، يشفع لهم حتى يقضى بينهم، وهذا هو المقام المحمود الذي قال فيه سبحانه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء: 79]، هذا هو المقام المحمود الذي يبعثه الله يوم القيامة، وهو أنه يشفع في أهل الموقف عليه الصلاة والسلام إلى الله سبحانه ليقضى بينهم في هذا الموقف العظيم، حتى ينصرف كل إلى ما كتب الله له.

أما الشفاعة الثانية: فهي الشفاعة في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة؛ فإنهم لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته عليه الصلاة والسلام فيشفع إلى ربه فيؤذن لهم بدخول الجنة.

الشفاعة الثالثة: خاصة بعمه أبي طالب، يشفع في عمه أبي طالب أن يخفف عنه، قال صلى الله عليه وسلم: إنه وجده في غمرات النار فشفع له حتى صار في ضحضاح من النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم يشفع لعمه أبي طالب فقط في التخفيف لا في الخروج؛ لأنه مات كافرا، هذا الذي عليه أهل العلم والتحقيق، أنه مات كافرا، أراد النبي صلى الله عليه وسلم عند موته أن يقول لا إله إلا الله فأبى وقال: هو على ملة عبد المطلب فمات على الكفر بالله. فالرسول صلى الله عليه وسلم شفع له بأن يكون في ضحضاح من النار، بسبب ما حصل من نصره للنبي صلى الله عليه وسلم وتعبه وحمايته له عليه الصلاة والسلام، ولهذا حرص صلى الله عليه وسلم أن يسلم لكن لم يقدر له الإسلام فصار هذا من الآيات الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك هداية أحد، فالهداية بيد الله سبحانه وتعالى، فهو يهدي من يشاء، ولهذا لما مات عمه أبو طالب على الكفر أنزل الله في حقه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص: 56]، وقال سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة: 272]. ولهذا شفع فيه في أن يكون في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه - نسأل الله العافية -، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أهون الناس عذابا يوم القيامة أبو طالب فإنه في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفي لفظ آخر يقول : إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة من يكون له نعلان من نار يغلي منهما دماغه وهو يرى أنه أشد الناس عذابا وهو أهونهم عذابا. وهناك شفاعات له أخرى صلى الله عليه وسلم ليست مختصة به صلى الله عليه وسلم، فهناك شفاعات فيمن دخل النار من أهل التوحيد يخرج منها، ومن لم يدخلها أن لا يدخلها من العصاة؛ فإن العصاة قسمان قسم يعفى عنه قبل دخول النار بالشفاعة أو برحمة الله سبحانه وتعالى، وعفوه جل وعلا. وقسم يدخل النار بمعاصيهم وسيئاتهم ثم بعدما يمضي عليهم ما شاء الله في النار يخرجون منها بشفاعة الشفعاء، أو برحمة الله سبحانه المجردة من دون شفاعة أحد؛ لأنه كتب جل وعلا أنه لا يخلد فيها إلا الكفرة، فالنار لا يخلد فيها إلا الكفار. أما العصاة إذا دخلوها فإنهم يمكثون فيها ما شاء الله ثم يخرجون، هذا هو الذي عليه أهل الحق؛ من أهل السنة والجماعة أن العصاة لا يخلدون في النار ولكن يمكث فيها من دخلها منهم ما شاء الله ثم يخرجهم الله من النار إلى نهر يقال له نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في (حميل) السيل. وهؤلاء الذين يخرجون من النار أقسام: منهم من يخرج بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يخرج بشفاعة غيره من الأنبياء، ومنهم من يخرج بشفاعة الملائكة، ومنهم من يخرج بشفاعة المؤمنين والأفراط، ومنهم من يبقى في النار حتى يخرجه الله برحمته، من دون شفاعة أحد، فإذا شفع الشفعاء وانتهى أمرهم يخرج الله من النار من بقي فيها من بقية أهل التوحيد، الذين ماتوا على بعض السيئات والمعاصي، فيخرجهم سبحانه من النار فضلا منه ورحمة سبحانه وتعالى والأصل في هذا قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ مع ما ثبت من الأحاديث الصحيحة عن ذلك.





حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم

س 38قال الله تعالى في كتابه الكريم: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [ الإسراء: 15]، وقد ورد في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن والديه في النار. والسؤال: ألم يكونا من أهل الفترة والقرآن صريح بأنهم ناجون؟ أفيدونا أفادكم الله.


الجواب:

أهل الفترة ليس في القرآن ما يدل على أنهم ناجون أو هالكون، إنما قال الله جل وعلا: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا والله جل وعلا من كمال عدله لا يعذب أحدا إلا بعد بعث الرسول، فمن لم تبلغه الدعوة فليس بمعذب حتى تقام عليه الحجة، أخبر سبحانه أنه لا يعذبهم إلا بعد إقامة الحجة. والحجة قد تقوم عليهم حتى يوم القيامة، كما جاء في السنة أنه تقام الحجة على أهل الفترات ويمتحنون يوم القيامة؛ فمن أجاب وامتثل نجا، ومن عصى دخل النار، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أبي وأباك في النار لرجل سأله عن أبيه قال أين أبي فقال في النار فلما رأى ما في وجهه من التغير قال إن أبي وأباك في النار حتى يتسلى بذلك، وأنه ليس خاصا بأبيه، ولعل هذين بلغتهما الحجة، فلعل أبا الرجل وأبا النبي صلى الله عليه وسلم بلغتهما الحجة.

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: إن أبي وأباك في النار قاله عن علم، فهو عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 1-4]. فلولا أن عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم قد قامت عليه الحجة؛ لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ما قاله، فلعله بلغه ما يوجب عليه الحجة من جهة دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنهم كانوا على ملة إبراهيم حتى أحدثوا ما أحدثه عمرو بن لحي الخزاعي، وسار في الناس ما أحدثه عمرو، من بث الأصنام ودعوتها من دون الله، فلعل عبد الله كان قد بلغه ما يدل على أن ما عليه قريش من عبادة الأصنام باطل فتابعهم؛ فلهذا قامت عليه الحجة. وهكذا ما جاء في الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له، فاستأذن أن يزورها فأذن له، فهو لم يؤذن له أن يستغفر لأمه؛ فلعله لأنه بلغها ما يقيم عليها الحجة، أو لأن أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في أحكام الدنيا، فلا يدعى لهم، ولا يستغفر لهم؛ لأنهم في ظاهرهم كفار، وظاهرهم مع الكفرة، فيعاملون معاملة الكفرة وأمرهم إلى الله في الآخرة. فالذي لم تقم عليه الحجة في الدنيا لا يعذب حتى يمتحن يوم القيامة؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا فإذا علم كان أناس في فترة لم تبلغهم دعوة نبي فإنهم يمتحنون يوم القيامة فإن أجابوا صاروا إلى الجنة وإن عصوا صاروا إلى النار، وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة، والمجانين الذين ما بلغتهم الدعوة وأشباههم، وأطفال الكفار على الصحيح يمتحنون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم قال: الله أعلم بما كانوا عاملين فأولاد الكفار يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة، فإن أجابوا جوابا صحيحا نجوا، وإلا صاروا مع الهالكين، فليس بحمد الله في حق أبوي النبي صلى الله عليه وسلم إشكال على من عرف السنة وقاعدة الشرع.






مصير أطفال المسلمين وأطفال المشركين الذين ماتوا صغارا


س 39يقول السائل: قرأت في كتاب شفاء العليل رواية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما توفي طفل قالت طوبى لك طير من طيور الجنة فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عائشة أنه في الجنة لعل الله اطلع على ما كان يفعل؟ والنبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة ذكر منهم: الطفل حتى يحتلم والروايتان صحيحتان فلا أدري كيف الجمع بينهما.


الجواب:

هذا الحديث حديث صحيح عند الشيخين، قالت فيه عائشة رضي الله عنها: عصفور من عصافير الجنة. قال النبي: لا يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم والمقصود من هذا منعها من أن تشهد لأحد معين بالجنة أو بالنار، ولو كان طفلا لا يشهد له؛ فقد يكون تابعا لأبويه وأبواه ليسا على الإسلام وإن أظهراه، فالإنسان قد يظهر الإسلام نفاقا، وقد تظهره أمه نفاقا، فلا يشهد لأحد بالجنة أو بالنار، ولو طفلا، ولا يقال هذا من أهل الجنة قطعا؛ لأنه لا يدري عن حالة والديه، والأطفال تبع لآبائهم. ومن كان مات على الصغر ولم يتبع للمسلمين فإنه يمتحن يوم القيامة على الصحيح، فإذا كان ليس ولدا للمسلمين بل لغيرهم من الكفار فإنه يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، كأهل الفترة، فالصحيح أنهم يمتحنون، فهكذا الأطفال، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال: الله أعلم بما كانوا عاملين وجاء في السنة ما يدل على أنهم يمتحنون، يعني يختبرون يوم القيامة، ويؤمرون بأمر، فإن أطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، فالمقصود من هذا أنه لا يشهد لأحد معين بجنة ولا بنار إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة. فإنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة لأنها شهدت بالتعيين؛ لأنها قالت: عصفور من عصافير الجنة، فلهذا أنكر عليها أن تقول هذا؛ لأن هناك شيئا وراء هذا الأمر قد يكون سببا لعدم دخوله الجنة، وأنه يمتحن يوم القيامة، لأن والديه ليسا على الإسلام. أما أولاد المسلمين فإنهم تبع لآبائهم عند أهل السنة والجماعة في الجنة، وأما أولاد الكفار فإنهم يمتحنون يوم القيامة وهذا هو الحق، فمن أطاع يوم القيامة دخل الجنة ومن عصى دخل النار، كأهل الفترة، هذا هو الصواب وهذا وجه الحديث.





القضاء والقدر

هل الإنسان مخير أم مسير؟



س 40يقول السائل: هناك بعض الناس يقول: إن كل الأعمال التي يعملها الإنسان هي من إرادة الله فنرجو أن توضحوا لنا: هل الإنسان مخير أم مسير؟



الجواب:

هذه المسألة قد يلتبس أمرها على بعض الناس، والإنسان مخير ومسير، مخير لأن الله أعطاه إرادة اختيارية، وأعطاه مشيئة يتصرف بها في أمور دينه ودنياه، فليس مجبرا مقهورا، بل له اختيار ومشيئة وله إرادة، كما قال عز وجل: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28 ، 29]، وقال تعالى: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر: 55 ، 56]، وقال سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء: 18]. فالعبد له اختيار وله إرادة وله مشيئة، لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، فهو جل وعلا المصرف لعباده، والمدبر لشئونهم، فلا يستطيعون أن يشاءوا شيئا أو يريدوا شيئا إلا بعد مشيئة الله له وإرادته الكونية القدرية سبحانه وتعالى، فما يقع في العباد، وما يقع منهم كله بمشيئة من الله سابقة وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب وانتزاع ملك، وقيام ملك، وسقوط دولة، وقيام دولة، كله بمشيئة الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26] سبحانه وتعالى. والمقصود أنه جل وعلا له إرادة في عباده ومشيئة لا يتخطاها العباد، ويقال لها الإرادة الكونية والمشيئة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام: 125]، وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]. فالعبد له اختيار وله إرادة ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة الله وإرادته سبحانه وتعالى، فالطاعات بقدر الله، والعبد مشكور عليها ومأجور، والمعاصي بقدر الله والعبد ملوم عليها ومأزور آثم، والحجة قائمة، فالحجة لله وحده سبحانه قال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام: 149]، وقال سبحانه وتعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام: 35]. فالله سبحانه لو شاء لهداهم جميعا ولكن له الحكمة البالغة حيث جعلهم قسمين: كافرا ومسلما، وكل شيء بإرادته سبحانه وتعالى ومشيئته فينبغي للمؤمن أن يعلم هذا جيدا، وأن يكون على بينة في دينه فهو مختار، له إرادة، وله مشيئة، يستطيع يأكل، ويشرب، ويضارب، ويتكلم، ويطيع، ويعصي، ويسافر، ويقيم، ويعطي فلانا، ويحرم فلانا، إلى غير هذا، فله مشيئة في هذا وله قدرة؛ ليس مقهورا ولا ممنوعا. ولكن هذه الأشياء التي تقع منه لا تقع إلا بعد سبق القدر من الله بها، بعد أن تسبق إرادة الله تعالى ومشيئته لهذا العمل قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [التكوير: 28 ، 29]، فهو سبحانه مسير لعباده، كما قال عز وجل: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس: 22]، فهو مسير لعباده وبيده نجاتهم وسعادتهم وضلالهم وهلاكهم، وهو المصرف لعباده، يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه وتعالى، يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، يسعد من يشاء ويشقي من يشاء، لا أحد يعترض عليه سبحانه وتعالى. فينبغي لك يا عبد الله أن تكون على بصيرة في هذا الأمر، وأن تتدبر كتاب ربك، وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، حتى تعلم هذا واضحا في الآيات والأحاديث، فالعبد مختار له مشيئة وله إرادة وفي نفس الأمر ليس له شيء من نفسه، بل هو مملوك لله عز وجل مقدور لله سبحانه وتعالى، يدبره كيف يشاء سبحانه وتعالى فمشيئة الله نافذة، وقدره السابق ماض فيه، ولا حجة له في القدر السابق، فالله يعلم أحوال عباده ولا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، وهو المدبر لعباده والمصرف لشئونهم جل وعلا، وقد أعطاهم إرادة ومشيئة واختيارا يتصرفون به فله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وهو الحكيم العليم.









التوقيع

Nathyaa