
لم تكن قناة العربية بحاجة إلى رصاصة الرحمة على مصداقيتها , ولكنها مع ذلك
أطلقتها من خلال فلمها الهوليودي ( حكيم في زنزانة ) .العربية وعبر هذا الوثائقي أرادت استغباء الناس معتقدة أن الذاكرة باتت معدومة
لدى الجميع , وبالتالي لامانع من بناء ذاكرة مفصلة على مقاس أهدافها وأهداف من
تسعى للترويج لهم .سمير جعجع , ومن لا يعرف سمير جعجع , يطل علينا فجأة ببساطة على قناة العربية
كملاك بريء رفض المساومات ورفض بيع نفسه , حتى يكاد الواحد منا أن يبكي على
هذا البطل وسيرته النضالية .
هكذا ومن دون مقدمات تريد قناة العربية , وعبر مقدمتها ( جيزيل خوري ) أن
تقنعنا جميعا أن جعجع بريء , وأن كل تلك السنوات التي قضاها تحت الأرض , لم تكن
إلا ثمنا كبيرا دفعه ملاك طاهر دون أي ذنب .
جيزيل والتي بات وجودها في أي قناة كافيا لنزع صفة المصداقية والحيادية عنها ,
كانت تتابع كلام جعجع مشدوهة، حزينة العينين ،كسيرة القلب , كيف لا , وهي
تستمع لسيرة هذا البطل الذي قام بمجزرة إهدن ومجزرة صبرا وشاتيلا وثبتت عليه
تهمة اغتيال الراحل رشيد كرامي , عدا عن تهم أخرى كثيرة لا داعي لذكرها لأنها
تبدو كتفاصيل صغيرة أمام هـول تلك المجازر ...
إذن , وببساطة يتحول الجلاد إلى ضحية , وما علينا نحن إلا تلاوة صلوات
الرحمة له ولجسده الذي أنهكته سنون الأسـر ...!!
الغريب أن هذا البطل يقع في كثير من المغالطات أثناء حديثه للمذيعة ( المحترفة
) جيزيل , فهو يحاول الإيحاء بعدم مهابته للسجن حينذاك , وعلى الطرف النقيض
يقول : أنه لم يكن ليعتقد أن سجنه سيطول لأكثر من أيام , وأن أحدا ما لابد وأن
يتدخل لإخراجه , وهو يرفض على طول الخط , التحدث إلى السوريين أو طلب العون
منهم , لكنه يناقض نفسه من جديد عندما يقر أنه وعندما أدرك أن حسابه قد اقترب
, حاول كثيرا الاتصال بغازي كنعان , ورستم غزالي , لكن أحدا لم يجبه .
العربية عادت من جديد للعبة تزوير الحقائق , لكنها زادت الجرعة كثيرا هذه
المرة عبر تقديمها لصورة تتناقض تماما مع الصورة الحقيقية التي يعرفها ملايين
الناس , ولعل الرابح الوحيد من هذه المهزلة الإعلامية , هو جعجع نفسه الذي
أثبت مقدرة عالية على التمثيل تجعله يبشر بمستقبل واعد إذا ما هو ابتعد عن
السياسة واتجه لاحتراف التمثيل .
العربية قدمت من جديد مثالا ساطعا عن الإعلام الموجه والمزيف للحقائق , لكننا
من جديد يحق لنا أن نسأل أين إعلامنا مما يجري حوله ؟ألا يرى كل يوم التأثير
المتزايد للإعلام على الرأي العام وعقول الناس , أم أنه رأى , فكان نتيجة
رؤيته المباركة إغلاق أول قناة فضائية وإصدار أول جريدة خاصة ،جريدة لم تكن
سوى نسخة مطابقة لأيقونتنا الرسمية ذات الأسماء الثلاثة