عرض مشاركة واحدة
قديم 19-10-2006, 06:37 PM   رقم المشاركة : 2
Nathyaa
من المؤسسين
 
الصورة الرمزية Nathyaa






Nathyaa غير متصل

Nathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميز


افتراضي

الثانية: أن يكون مجهول المكان، مجهول الحياة، قاطعاً للأخبار والاتصال والنفقة، فحكمه حكم المفقود، ولزوجه الحق إذا أرادت الانفصال عنه والزواج من غيره، ولأهل العلم في ذلك ثلاثة أقوال، هي:

1. تجلس أربع سنين، ثم يطلقها وليه أوالقاضي، ثم تعتد عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشراً، ولها بعد ذلك أن تتزوج بمن تشاء، وإذا جاء زوجها الأول وقد تزوجت من ثانٍ خيِّر زوجها الأول بين أن ترد إليه وبين الصداق، مع تفصيل في ذلك لأهل العلم، وهذا أرجح الأقوال وأقيسها، وبهذا قضى الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون.

2. تجلس حتى يموت أقرانه وأنداده، ثم تطلق بعد ذلك وتعتد عدة الوفاة، ولها بعد ذلك أن تتزوج.

3. تجلس إلى أن يحضر أوتأتيها منيتها.

والقولان مضران بالمرأة أيما إضرار، وحارمان لها من الزواج، وقد نهى الشارع عن الضرر والإضرار، فقال: "لا ضرر ولا ضرار"، ولهذا فقد أوجب أهل العلم إزالة الضرر عن المتضرر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الصواب في امرأة المفقود مذهب عمر وغيره من الصحابة، وهي أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة، ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك، وهي زوجة الثاني ظاهراً وباطناً، ثم إذا قدم زوجها الأول بعد تزوجها، خيِّر بين امرأته وبين مهرها، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده، وهو ظاهر مذهب أحمد.

إلى أن قال: والتخيير فيه بين المرأة والمهر هو أعدل الأقوال).57

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (ومما ظن أنه خلاف، ما حكم به الخلفاء الراشدون في امرأة المفقود، فإنه قد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أجَّل امرأته – أي المفقود – أربع سنين، وأمرها أن تتزوج – أي بعد عدة الوفاة – فقدم المفقود بعد ذلك فخيَّره عمر بين امرأته وبين مهرها، فذهب الإمام أحمد إلى ذلك، وقال: ما أدري من ذهب إلى غير ذلك إلى أي شيء يذهب؛ وقال أبو داود في مسائله: سمعت أحمد – وقيل له: في نفسك من المفقود؟ فقال: ما في نفسي منه شيء، هؤلاء خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمروها أن تتربص؛ قال أحمد: من ضيق علم الرجال أن لا يتكلم في امرأة المفقود.

وقد قال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد: إن مذهب عمر في المفقود يخالف القياس، والقياس أنها زوجة القادم بكل حال.

وطائفة ثالثة أخذت ببعض قول عمر وتركوا بعضه، فقالوا: إذا تزوجت ودخل بها الثاني فهي زوجته، ولا ترد إلى الأول، وإن لم يدخل بها ردت إلى الأول).58

وقال الماوردي رحمه الله وهو يتحدث عن امرأة المفقود وعدتها: (فأما زوجته إذا بعد عهده، وخفي خبره، ففيها قولان:

أحدهما: أنها تتربص أربع سنين بحكم حاكم ثم بحكم موته في حقها خاصة، ثم تعتد عدة الوفاة، أربعة أشهر وعشراً، فإذا انقضت فقد حلت للأزواج، وهو قوله – أي الشافعي – في القديم، وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم؛ ومن الفقهاء: مالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، إلا أن مالكاً فرَّق بين خروجه ليلاً ونهاراً، فجعله مفقوداً إذا خرج ليلاً دون النهار.

ووجه هذا القول قول الله تعالى: "ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا"59، وفي حبسها عليه في هذه الحال إضرار وعدوان.

وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقالت: إن زوجي خرج إلى مسجد أهله وفقد؛ فأمرها عمر أن تتربص أربع سنين، فتربصت، ثم عادت، فقال لها: اعتدي أربعة أشهر وعشراً؛ ففعلت ثم عادت، فقالت: قد حللت للأزواج؛ فتزوجت، فعاد زوجها فأتى عمر، فقال: زوجتَ امرأتي؟! فقال: وما ذاك؟ فقال: غبتُ أربع سنين فزوجتها؛ فقال: يغيب أحدُكم أربع سنين في غير غزاة ولا تجارة، ثم يأتيني فيقول: زوجتَ امرأتي؟! فقال: خرجتُ إلى مسجد أهلي فاستلبني الجن، فمكثت معهم فغزاهم جن من المسلمين، فوجدوني معهم في الأسر، فقالوا: ما دينك؟ قلت: الإسلام؛ فخيروني بين أن أكون معهم وبين الرجوع إلى أهلي، فاخترت الرجوع إلى أهلي، فسلموني إلى قوم، فكنت أسمع بالليل كلام الرجال وأرى بالنهار مثل الغبار، فأسير في أثره حتى هبطت عندكم؛ فخيَّره عمر بين أن يأخذ زوجته وبين أن يأخذ مهرها.

وروى عاصم الأحول عن عثمان قال: أتت امرأة عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: استهوت الجن زوجها؛ فأمرها أن تتربص أربع سنين، ثم أمر ولي الذي استهوته الجن أن يطلقها، ثم أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، وهذه قضية انتشرت في الصحابة، وحُكم بها عن رأي الجماعة، فكانت حجة، ولأن الفسخ لما استحق بالعُنَّة، وهو فقد الاستمتاع مع القدرة على النفقة، واستحق بالإعسار وهو فقد النفقة مع القدرة على الاستمتاع، فلأن تستحق بغيبة المفقود، وهو جامع بين فقد الاستمتاع وفقد النفقة أولى.

والقول الثاني: أنها باقية على الزوجية، محبوسة على قدوم الزوج، وإن طالت غيبته ما لم يأتها يقين موته، وهو قوله – أي الشافعي – في الجديد، وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب، ومن الفقهاء أبوحنيفة والعراقيون، ووجهه ما رواه سوار بن مصعب عن محمد بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر"، ذكره الدارقطني في سننه.

وروى ابن عباس مثل ذلك، وهو نص إن ثبت).60

ولم يثبت.

خامساً: عدة كل فرقة في الحياة

عدة كل فرقة بين زوجين عدة الطلاق، سواء كان سبب الفرقة:

1. خُلع.

2. أولعان.

3. أورضاع.

4. أوفسخ بعيب، أوإعسار، أوإعتاق، أواختلاف دين.

5. أوزنا.

6. أوشبهة.

هذا مذهب العامة من أهل العلم، إلا بعض الخلاف في بعضها.

قال ابن قدامة رحمه الله: (وكل فرقة بين زوجين، فعدتها عدة الطلاق، سواء كانت بخُلع، أولعان، أورضاع، أوفسخ بعيب، أوإعسار، أوإعتاق، اواختلاف دين، أوغيره، في قول أكثر أهل العلم، وروي عن ابن عباس أن عدة المُلاعنة تسعة أشهر، وأبى ذلك سائر أهل العلم، وقالوا: عدتها عدة الطلاق، لأنها مفارقة في الحياة، فأشبهت المطلقة، وأكثر أهل العلم يقولون: عدة المختلعة عدة المطلقة، منهم سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وعروة، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والشعبي، والنخعي، والزهري، وقتادة، وخِلاس بن عمرو، وأبوعياض، ومالك، والليث، والأوزاعي، والشافعي.

وروي عن عثمان بن عفان، وابن عمر، وابن عباس، وأبان بن عثمان، وإسحاق، وابن المنذر: أن عدة المختلعة حيضة، ورواه ابن القاسم عن أحمد، لما روى ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة، رواه النسائي، وعن رُبَيِّع بنت مُعَوِّذ مثل ذلك، وأن عثمان قضى به، رواه النسائي61 وابن ماجة.

ولنا قول الله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، ولأنها فرقة بعد الدخول في الحياة، فكانت ثلاثة قروء كغير الخلع.

إلى أن قال:

والموطوءة بشبهة تعتد عدة المطلقة، وكذلك الموطوءة في نكاح فاسد62، وبهذا قال الشافعي.

والمزني بها، كالموطوءة بشبهة في العدة، وبهذا قال الحسن والنخعي، وعن أحمد رواية أخرى، أنها تستبرأ بحيضة، ذكرها ابن أبي موسى، وهذا قول مالك، وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: لا عدة عليها، وهو قول الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، لأن العدة لحفظ النسب).63

سادساً: عدة الذمية

تعتد الذمية إذا طلقت أومات عنها زوجها، وعدتها كعدة المسلمة في أرجح قولي العلماء، وقال مالك: تعتد من الوفاة بحيضة.

تداخل العدد

في بعض الأحيان قد تتداخل العدد، فقبل أن تنقضي عدة المطلقة الرجعية قد يموت الزوج، فإن بقي على عدتها يوم أوساعة استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وورثت، وكذلك ترث لو ماتت المعتدة قبل انقضاء عدتها ولو بساعة.

أما البائن بينونة كبرى إذا مات من طلقها ولم تنقض عدتها، أتمت عدتها ولا عدة وفاة عليها.

قال ابن قدامة: (وإذا مات زوج الرجعية، استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً بلا خلاف؛ وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك، وذلك أن الرجعية زوجة، يلحقها طلاقه، وينالها ميراثه، فاعتدت للوفاة، كغير المطلقة، وإن مات مطلق البائن في عدتها، بنت على عدة الطلاق، إلا أن يطلقها في مرض موته فإنها تعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أوثلاثة قروء، نص على هذا أحمد، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن؛ وقال مالك، والشافعي، وأبوعبيد، وأبوثور، وابن المنذر: تبني على عدة الطلاق، لأنه مات وليست زوجة له، لأنها بائن من النكاح، فلا تكون منكوحة؛ ولنا أنها وارثة له، فيجب عليها عدة الوفاة، كالرجعية، وتلزمها عدة الطلاق لما ذكروه في دليلهم، وإن مات المريض المطلق بعد انقضاء عدتها بالحيض، أوبالشهور، أوبوضع الحمل، أوكان طلاقه قبل الدخول، فليس عليها عدة لموته، وقال القاضي: عليهن عدة الوفاة، إذا قلنا يرثنه).64

وقال القرطبي: (أجمع العلماء على أن من طلق زوجته طلاقاً يملك رجعتها، ثم توفى قبل انقضاء العدة أن عليها عدة الوفاة وترثه، واختلفوا في عدة المطلقة ثلاثاً في المرض، فقالت طائفة: تعتد عدة الطلاق، هذا قول مالك، والشافعي، ويعقوب، وأبي عبيد، وأبي ثور، قال ابن المنذر: وبه نقول، لأن الله تعالى جعل عدة المطلقات الأقراء، وقد أجمعوا على أن المطلقة ثلاثاً لو ماتت لم يرثها المطلق، وذلك لأنها غير زوجة، فإذا كانت غير زوجة فهو غير زوج؛ قال الثوري: تعتد بأقصى العدتين، وقال النعمان ومحمد: عليها أربعة أشهر وعشراً، تستكمل في ذلك حيض).65

متى تبدأ عدة الطلاق والوفاة؟

في بعض الأحيان قد لا تعلم المطلقة بطلاقها، ولا المتوفى عنها زوجها بموته إلا بعد حين، فمتى تبدأ العدة، من ساعة الطلاق والوفاة، أم من ساعة العلم بذلك ولو إلى حين؟ قولان للعلماء:

1. تبدأ من ساعة الطلاق والوفاة

2. تبدأ من ساعة العلم بذلك.

قال القرطبي: (واختلفوا في المرأة يبلغها وفاة زوجها أوطلاقه، فقالت طائفة: العدة في الطلاق والوفاة من يوم يموت أويطلق، هذا قول ابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وبه قال مسروق، وعطاء، وجماعةمن التابعين، وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، والثوري، وأبوثور، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، وفيه قول ثانٍ، وهو أن عدتها من يوم يبلغها الخبر، وروي هذا الخبر عن علي، وبه قال الحسن البصري، وقتادة، وعطاء الخرساني، وجُـلاس بن عمرو، وقـال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز: إن قامت بينة فعدتها من يوم مات أوطلق، وإن لم تكن بينة فمن يوم يأتيها الخبر، والصحيح الأول، لأن الله تعالى علق العدة بالوفاة أوالطلاق، ولأنها لو علمت بموته فتركت الإحداد انقضت العدة، فإذا تركته مع عدم العلم فهو أهون).66

النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق أووفاة

الحديث عن النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق أووفاة أوفسخ، فيه تفصيل بالنسبة للرجعية، والبائن، والمتوفى عنها زوجها من ناحية، وبين الحامل وغير الحامل من ناحية أخرى، وإليك تفصيل ذلك:

أولاً: المطلقة رجعياً

هذه حكمها حكم الزوجة غير المطلقة في كل شيء، في السكنى، والنفقة، وغير ذلك، ولهذا لا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها إلا بعد انقضاء العدة، وما تفعله كثير من النساء سيما عندنا في السودان من الخروج مباشرة بعد طلاقها، وذهابها إلى بيت والديها أوأهلها ليس من السنة ولا من الدين، ولا يعين على الرجعة والوئام، وإنما يؤدي إلى توسيع دائرة الخصومة والنزاع، ويقلل من فرص الرجعة، فلا يحل للرجعية أن تخرج من بيت طليقها إلا بإذنه.

فعلى النساء أن يتقين الله في أنفسهن، ولا تأخذهن العزة بالإثم، ويتصرفن بردود الأفعال.

فالمطلقة الرجعية نفقتها، وكسوتها، وسكناها واجبة على مطلقها، لا يحق له أن ينقص مما كان ينفقه عليه قبل الطلاق شيئاً.

ثانياً: البائن بينونة كبرى

البائن بينونة كبرى إما أن تكون ذات حمل فلها النفقة والسكنى حتى ولو كان حملها من وطء شبهة أونكاح فاسد، من أجل حملها، لقوله عز وجل: "وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن".67

وإما أن تكون غير حامل، فهذه لا نفقة لها ولا سكنى، ومن أهل العلم من قال لها النفقة دون السكنى، وهم المالكية والشافعية، ومنهم من قال لها السكنى والنفقة وهم الأحناف، والقول الأول هو الراجح، وهو ما ذهب إليه أحمد وإسحاق.

ثالثاً: المتوفى عنها زوجها

لا نفقة ولا سكنى لها ولو كانت حاملاً من مال زوجها، إلا إذا تبرع الوارث، أوأنفق عليها من ميراثها أوميراث ما في بطنها.

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم": (قال أشهب عن مالك: يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل، لقوله تعالى: "أسكنوهن"، فلو كان معها ما قال: "أسكنوهن"، وقال ابن نافع: قال مالك في قول الله تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم"، يعني المطلقات اللائي بِنَّ من أزواجهن، فلا رجعة لهم عليهن وليست حاملاً، فلها السكنى68، ولا نفقة لها ولا كسوة، لأنها بائن منه، لا يتوارثان، ولا رجعة له عليها، وإن كانت حاملاً فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عدتها، فأما ما لم تبن منهن فإنهن نساؤهن يتوارثون، ولا يخرجن إلا أن يأذن لهن أزواجهن ما كن في عدتهن، ولم يؤمروا بالسكنى لهن لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن، حوامل كن أوغير حوامل، وإنما أمر الله بالسكنى للائي بنَّ عن أزواجهن مع نفقتهن.

إلى أن قال:

اختلف العلماء في المطلقة ثلاثاً على ثلاثة أقوال، فمذهب مالك والشافعي: أن لها السكنى ولا نفقة لها، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة، ومذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور: أن لا نفقة لها ولا سكنى، على حديث فاطمة بنت قيس، قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أخو زوجي، فقلت: إن زوجي طلقني، وإن هذا يزعم أن ليس لي سكنى ولا نفقة؟ قال: "بل لك السكنى ولك النفقة"؛ قال69: زوجها طلقها ثلاثاً؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة"، فلما قدمت الكوفة طلبني الأسود بن يزيد ليسألني عن ذلك، وإن أصحاب عبد الله70 يقولون: إن لها السكنى والنفقة؛ خرجه الدارقطني، ولفظ مسلم عنها: "أنه طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها نفقة دون، فلما رأت ذلك قالت: والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لي نفقة أخذتُ الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ شيئاً؛ قالت: فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا نفقة لك ولا سكنى"، وذكر الدارقطني عن الأسود قال: قال عمر لما بلغه قول فاطمة بنت قيس: لا نجيز في المسلمين قول امرأة، وكان يجعل للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة، وعن الشعبي قال: لقيني الأسود بن يزيد، فقال: يا شعبي، اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس، فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة، قلت: لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قلت: ما أحسن هذا).71

وقال صاحب نيل المآرب72 الحنبلي في كتاب النفقات: (وكذا رجعية في عدتها: فنفقتها، وكسوتها، وسكناها كزوجة، فأما البائن بفسخ أوطلاق بلا حمل فلا نفقة لها، فإن كانت البائن حاملاً وجبت نفقتها للحمل نفسه لا لها من أجله، فتجب بوجود الحمل ولو من وطء شبهة، أونكاح فاسد، للحوق نسبه فيهما، وتسقط بعدمه، فمن أنفق يظنها حاملاً، فبانت حائلاً رجع، ومن ترك الإنفاق يظنها حائلاً، فبانت حاملاً لزمه ما مضى، ولو قلنا: إن النفقة للحمل، وإنها تسقط بمضي الزمان، وأي مبانة ادعت حملاً وجب الإنفاق ثلاثة أشهر، فإن مضت ولم يبن رجع، وبناء على أن النفقة للحمل فتجب لناشز حامل.

إلى أن قال:

ولا نفقة ولا سكنى لمتوفى عنها – ولو حاملاً – من تركة، لانتقالها عن الزوج إلى الورثة، ولكن نفقة الحامل من حصة الحمل من التركة إن كانت، وإلا فعلى وارثه الموسر).73

وقال القرطبي: (إذا كان الزوج يملك رقبة المسكن فإن للزوجة العدة فيه، وعليه أكثر الفقهاء: مالك، وأبوحنيفة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم لحديث الفريعة، وهل يجوز بيع الدار إذا كانت ملكاً للمتوفى، وأراد ذلك الورثة؟

فالذي عليه جمهور أصحابنا أن ذلك جائز، ويشترط فيه العدة للمرأة، قال ابن القاسم: لأنها أحق بالسكنى من الغرماء، وقال محمد بن الحكم: البيع فاسد، لأنها قد ترتاب فتمتد عدتها).74

الخطبة للمعتدة من طلاق أووفاة

يحرم التصريح بخطبة المعتدة من طلاق أووفاة، ويجوز التعريض للبائن والمتوفى عنها زوجها، لقوله تعالى: "ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أوأكننتم في أنفسكم. ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله".75

أما الرجعية فلا يجوز التعريض بخطبتها أصلاً، لأنها زوجة حكماً.

ومن تزوجت في عدتها فنكاحها فاسد، وإن كانا عالمين بالتحريم فعليهما الحد، وإن لم يكونا عالمين بالتحريم فيؤدبان ويعزران، وعليها أن تتم عدتها الأولى، ثم تعتد عدة كاملة من نكاحها الفاسد، والله أعلم.

الإحداد على المعتدات أكثر من ثلاثة أيام

أجمع أهل العلم إلا من شذ – الحسن، والشعبي، والحكم بن عتيبة – أن الإحداد يجب على المتوفى عنها زوجها، وأجمعوا أنه لا إحداد على المطلقة الرجعية، واختلفوا في حكم الإحداد على:

1. البائنة.

2. والمختلعة.

3. والملاعنة.

على قولين، أرجحهما عدم وجوبه.

قال الماوردي: (فأما المحتدات فثلاث: معتدة يجب الإحداد عليها، فأما المعتدة التي يجب الإحداد عليها فالمتوفى عنها زوجها، وبوجوب الإحداد عليها قال جميع الفقهاء إلا ما حُكي عن الحسن البصري، والشعبي أن الإحداد غير واجب عليه.

وأما التي لا إحداد عليها فهي الرجعية، لا يجب الإحداد عليها لأنها زوجة، تجري عليها أحكام الزوجات، وفي استحباب الإحداد لها وجهان76.

وأما المختلف في وجوب الإحداد عليها فهي المبتوتة77، والمختلعة، والملاعنة، فالإحداد مستحب لهن وفي وجوبه قولان78 ).79



الإحداد 80


الاحداد لغة: الامتناع.

وشرعاً: ألاَّ تقرب المعتدة من الوفاة شيئاً من الزينة لا في بدنها ولا في ثوبها ولا تلبس حلياً.

وينقسم الإحداد إلى قسمين:

1. الاحداد على غير الزوج.

2. الاحداد على الزوج.

أولاً: الاحداد على غير الزوج

حكمه

جائز ورخصة لمن شاءت أن تفعله فعلته، ومن لم ترد فلا شيء عليها.

مدته

ثلاثة أيام فقط.

الدليل على ذلك

نهى الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحد على أحد كائن من كان فوق ثلاثة أيام إلآَّ على زوج أربعة أشهر وعشراً، وقد تواترت بذلك الاخبار عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن سيرين رضي الله عنه قال توفي ابن لأم عطية، فلما كان اليوم الثالث دعت بطيب فيه صفرة فتمسحت به، وقالت: نهينا أن نحد أكثر من ثلاثة أيام إلاَّ على زوج؛ وعن زينب بنت أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما جاء نعي أبي سفيان من الشام، دعت ام حبيبة رضي الله عنها بطيب فيه صفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها، وقالت: إني عن هذا غنية، لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أنْ تحد على ميت فوق ثلاثة إلاَّ على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً؛ ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: " لا يحل لإمرأة.." الحديث.

من هذه الأحاديث وغيرها يتضح أنه لا يحل ولا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تحد على أي ميت، أباً كان، أوأخاً، أوأماً، أكثر من ثلاث، إلآَّ على زوج، فإن فعلت فقد عصت الله وارتكبت حراماً.

ثانياً: الاحداد على الزوج

حكمه


الوجوب، فقد أوجب الإسلام على الزوجة أن تحد على زوجها، وأجمع العلماء على ذلك ولم يخالف في ذلك إلآَّ الحسن البصري، والحكم بن عتيبة كما سنبينه إن شاء الله.

المدة

مدة احداد الزوجة على زوجها المتوفي هي مدة العدة التي حددها الشرع، وهي أربعة أشهر وعشراً، هذا لغير الحامل، والأمة.

دليل وجوب الاحداد على الزوج
والأدلة هي نفس الأحاديث السابقة التي وردت عند الحديث عن الاحداد على غير الزوج مثل حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلآَّ على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً"، وكذلك ما روته زينب بنت جحش، وأم عطية، وكلها في صحيح البخاري.

علة الاحداد على الزوج أربعة أشهر وعشراً

لقد منع الإسلام المرأة أن تحد على أحد كائناً من كان أكثر من ثلاثة إلاَّ على زوج أربعة أشهر وعشراً وذلك وفاء لعقد الزوجية؛ لأنه من أشرف العقود، وبراءة للرحم.

قال ابن القيم في زاد المعاد قال شيخنا - يعني ابن تيمية: "والصواب أن يقال أنَّ عدة الوفاة هي حرم لانقضاء النكاح ورعاية لحق الزوجية".81

وهذا أكبر دليل على ما للرجال من حقوق نحو نسائهم كما قال صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن".

من يرى عدم وجوب الاحداد على الزوج، وحجتهم وردها

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (وأجمعت الأمة على وجوب الاحداد على المتوفي عنها زوجها إلآَّ ما روي عن الحسن البصري، والحكم بن عتيبة.

أما الحسن فروى حماد بن سلمة عن حميد عنه: أن المطلقة ثلاثاً والمتوفي عنها زوجها: تنكحان، وتمشطان، وتختضبان، وتنتقلان، وتصنعان ما تشاءان.

وأما الحكم فذكر عن شعبة: أن المتوفي عنها زوجها لا تحد، وحجتهم كما ذكر ابن القيم حديث منقطع يروى عن الحكم ابن عتيبة عن عبد الله بن شداد ابن الهاد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة جعفر بن أبي طالب: "إذا كان ثلاثة أيام فالبسي ما شئت"، وعن الحجاج بن أرطأة عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن شداد ابن الهاد: "أن أسماء بنت عميس استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تبكي على جعفر وهي امرأته - فأذن لها ثلاثة أيام، ثم بعث لها بعد ثلاثة أيام أن تطهري واكتحلي"، قالوا وهذا ناسخ لأحاديث الاحداد لأنه بعدها، فان أم سلمة روت الإحداد إذ أنه صلى الله عليه وسلم أمرها به أثر موت أبي سلمة، ولا خلاف أن موت أبي سلمة كان قبل موت جعفر، والجواب على ذلك أن هذا الحديث منقطع، فان عبد الله بن شداد ابن الهاد لم يسمع رسول الله صلى الله عيه وسلم ولا رآه، فكيف يقوم حديثه على الأحاديث الصحيحة المسندة التي لا مطعن فيها وفي الحديث الثاني الحجاج بن ارطأة ولا يعارض بحديثه أحاديث الأئمة الاثبات الذين هم فرسان الحديث).82

الاحداد واجب على كل الزوجات

الاحداد تستوي فيه جميع الزوجات المسلمة، والكافرة، الحرة، والأمة، والصغيرة، والكبيرة؛ هذا هو رأي الجمهور كالشافعي ومالك في المشهور عنه، كما هو مذكور في رسالة ابن أبي يزيد.

قال ابن القيم رحمه الله: (إلآَّ أن أشهب، وابن نافع قالا: لا إحداد على الذمية83؛ ورواه أشهب عن مالك، وهو قول أبي حنيفة، ولا إحداد عند أبي حنيفة على الصغيرة.84

وحجتهم في عدم وجوب الاحداد على الكافرة أن الاحداد جاء مرتبطاً بالإيمان بالله واليوم الآخر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد.." الحديث فلا تدخل فيه الكافرة.

ورد ابن القيم رحمه الله على ذلك بقوله: هذا مثل قوله تعالى في لباس الذهب: لا ينبغي هذا للمتقين؛ فلا يدل على أنه ينبغي لغيرهم، وكذلك قوله: "لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً"، فلا يدل على أنه ينبغي لغيرهم أن يكونوا كذلك.

و سبب هذا الخلاف في وجوب إحداد الذمية وعدمه راجع إلى اختلافهم: هل الإحداد هو حق للزوج أم حق لله؟ فالذين يرون أنه حق للزوج يوجبونه، والذين يرون أنه حق لله لا يوجبونه، ويقولون إنها مطالبة أولاً بالإيمان ثم بعد ذلك تؤمر وتنهى).85

والصواب والله أعلم أن الاحداد حق للزوج، وإكراماً لعقد الزوجية، وتبرأة للرحم، فالذمية إذن مطالبة به، وينبغي أن تجبر على ذلك، والله أعلم.

ما تمنع منه المحتدة

تمنع المحتدة على زوجها من الآتي:

1. الطيب.

2. الزينة: في البدن، الثوب، والحلي.

1. الطيب

تمنع المحتدة على زوجها في عدتها عن كل أنواع الطيب، كالمسك، والعنبر، والكافور، والند، والبخور، وماء الورد، والزهر، والياسمين، وعن كل أنواع الروائح الزيتية والغير زيتية.

وكذلك تمنع عن صابون الحمام ذي الرائحة، وكل أنواع الدهانات والكريمات ونحوها، ولا تمنع من استعمال الزيت، والسمن، وما ليس فيه رائحة.

2. الزينة

كما تمنع أيضاًعن الزينة، والزينة تكون في البدن والثوب والحلي.

أ. في البدن

يحرم على المحتدة على زوجها الخضاب بالحناء أوأن تحمر وجهها، وشفتيها، وغيرهما، وكذلك يحرم عليها النقش والكحـل، ومنعها بعض الفقهاء من الكحـل حتى ولو اضطرت إليه، كما أثر عن ابن حزم.

نقل الإمام ابن القيم رحمه الله عن ابن حزم قوله: (لا تكتحل ولو ذهبت عيناها لا ليلاً ولا نهاراً)86.

وحجة ابن حزم رحمه الله ما جاء في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة قالت: سمعت أمي أم سلمة تقول: "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عيناها أفأكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا"، مرة، أومرتين، أوثلاثاً، كل ذلك يقول: "لا"، ثم قال: "إنما هي أربعة أشهر وعشراً، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي البعرة على رأس الحول"، فقالت زينب: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً87 ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً، ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة - حماراً، أوشاة، أو طيرا - فتقتض به، فقلما تقتض بشيءٍ إلآَّ مات، ثم تخرج فتعطى بعرة، فترمى بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره"88، قال مالك: تقتض: تدلك به جلدها.

وكذلك احتج المانعون للكحل وغيره من أنواع الطيب بما روته أم عطية الأنصارية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام، إلآَّ على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوبا مصبوغاً إلآَّ ثوب عصب، ولا تكتحل، ولاتمس طيباً إلآَّ إذا طهرت نبذة من قسط89 أوأظفار".90

وكذلك ذكـر مالك رحمه الله حديثاً يؤيد ما ذهب إليه ابن حزم عن صفية بنت عبيد - زوج عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما: " انها اشتكت عينها وهي حاد على زوجها عبد الله، فلم تكتحل حتي كادت عيناها ترمضان".91

وقال الجمهور كمالك، والشافعي، وأبي حنيفة وغيرهم يجوز للمحتدة الاكتحال ليلاً ثم تمسحه نهاراً إذا اضطرت إليه - أي الاكتحال بِكُحْلِ الإثمد92 تداوياً لا زينة، وحجتهم في ذلك فتوى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها أبو داود عن أم حكيم بنت اسيد عن أمها: "أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينها، فتكتحل بالجلاء93، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة، فسألتها عن كحل الجلاء؟ فقالت: لا تكتحلي به إلآَّ من أمر لابد منه يشتد عليك، فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار".

قالت عند ذلك أم سلمة رضي الله عنها: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوسلمة، وقد جعلت عليَّ صِبْراً، فقال ما هذا يا أم سلمة؟ فقلت: إنما هو صِبْر يا رسول الله ليس فيه طيب؛ فقال: إنه يشب94 الوجه فلا تجعليه إلآَّ ليلاً وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشظي بالطيب، ولا الحناء فإنه خضاب؛ قالت، قلت: وبأي شيءٍ امتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر تغلفين95 به رأسك.

والصواب ما ذهب إليه الجمهور من جواز الاكتحال وما في معناه للمحتدة إن اضطرت لذلك، وأرادت به التداوي ولم ترد به الزينة، فإن الضرورات تبيح المحظورات، فقد أبيح للمضطر أكل الميتة، فإذا اضطرالمرء لأكلها ولم يأكلها حتى مات دخل النار، وأباح الرسول صلى الله عليه وسلم لبس الحرير للزبير ابن العوام لحكة ألمَّت به، وهو كما نعلم حرام على ذكور هذه الأمة، فما بالك باستعمال الكحل لعلاج العينين، وهما حبيبتا كل إنسان، وإذا فقدهما فقد نعمة من أكبر النعم؟

ب. زينة الثياب

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحتدة عن لبس الثياب التي فيها زينة، مثل المعصفر، والممشق96، ونحوها، فعن أم سلمة مرفوعاً: "المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق ولا الحلي، ولا تختضب ولا تكتحل"97، والمعصفر يعم المعصفر، والمزعفر، والمصبوغ بالحمرة، والصفرة، والأخضر، والأزرق.

نقل ابن القيم رحمه الله عن الإمام الشافعي قال: (في الثياب زينتان:

1. جمال الثياب على اللابسين.

2. وستر العورة.

فالثياب زينة لمن يلبسها، وإنما نهيت المحتدة عن زينة بدنها ولم تنه عن ستر عورتها، فلا بأس أن تلبس كل ثوب من البياض، لأن البياض ليس مزيناً، وكذلك الصوف والوبر، وكل ما ينسج على وجهه، ولم يدخل عليه صبغ من خز وغيره، وكذلك كل صبغ لم يرد به التزيين، بل السواد وما صبغ ليقبح أوليلقى الوسخ عنه، فأما ما كان من زينة أوشيء في ثوب وغيره فلا تلبسه المحتدة، وذلك لكل حرة أوأمة، كبيرة أوصغيرة، مسلمة أوذمية").98

ج. الحلي

يحرم على المحتدة لبس الحلي كلها حتى الخاتم.

ما يباح للمحتدة

1. لا تمنع المحتدة من تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق الشعر المندوب حلقه، ولا من الاغتسال والاستحمام بصابون ليس فيه رائحة، ولا الامتشاط لأنه يراد للتنظيف وليس الزينة، وما في معناها.

2. كذلك يجوز للمحتدة الخروج في قضاء حوائجها نهاراً، لما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: طلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجذ نخلها، فلقيها رجل فنهاها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تتصدقي أوتفعلي خيراً".99

3. إذا كانت المرأة عاملة أوموظفة في الأعمال النسائية أووسط النساء، مثل تعليم بنات جنسها أوفي التطبيب والتمريض لهن، من حقها أن تمنح إجازة، فإن لم تمنح عطلة لذلك لأي سبب، ولم يمكنها أخذ عطلة بغير مرتب، ولم يتعارض ذلك مع عرف أهل بلدها، فإن تعارض فلا، قياساً على السماح لها أن تعمل في جذاذ نخلها ونحوه إن كانت تسكن في ساقيتها أومزرعتها، وإن كان هناك فرق بين هذا وبين خروجها للمكتب أوالمدرسة ونحوها، فلا مانع من خروجها لمثل هذه الأعمال بالنهار في فترة العدة، شريطة أن تكون مستورة وألا تختلط بالرجال الأجانب.

والاختلاط بالأجانب لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، سواء كانت معتدة أوغير معتدة، فقد حرم الإسلام اختلاط النساء بالرجال، وحرم جميع الوسائل التي تؤدي إليه، وسد كل الذرائع التي توصل إليه، قال تعالى آمراً نساء النبي، أمهات المؤمنين، قدوة المؤمنات الصالحات: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً"100، وأمر جميع المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، فقال عز من قائل: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن"101، وأمر جميع النساء بالحجاب، فقال: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً".102

وسداً لذريعة الاختلاط كذلك فقد جعل الإسلام القوامة في الرجال، ومنع المرأة منعاً باتاً من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة أوأن تكون قاضية، وكل ما فيه مسؤوليات عامة، قال صلى الله عليه وسلم عندما سمع أن العجم في بلاد فارس ولوا أمرهم بنت كسرى: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"103، ولا يصنع هذا الصنيع إلا من لا خلاق لهم، كما فعل الهنادكة "الهندوس" والإنجليز اليوم، ومن تشبه بهم من المسلمين، أعاذنا الله من التشبه بالكفار، الموجب لغضب الجبار، والمؤدي إلى الخلود في دار البوار.

ملحوظة

تتقيد المحتدة في بضع البلاد الإسلامية بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ولا أثرت عن عَالِم من علماء الإسلام، مثل عدم خروجها من حجرتها عند طلوع الشمس وعند الغروب، وأن تتجه إلى عكس القبلة في هذين الوقتين، وأن لا تنام على سرير، وتمتنع عن أكل أطايب الطعام، وعن تقليم الأظافر، وتسريح الشعر، والاغتسال، ونحو ذلك.

وهذه وغيرها من الأمور المخالفة للسنة وهي من مخلفات الجاهلية الأولى وينبغي الكف عنها.

أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟

وهناك أمر هام متعلق بالعدة، وهو أين تعتد؟ هل تعتد في بيت زوجها الذي توفي عنها وهي فيه؟ أم أن لها أن تنتقل إلى غيره؟

جمهور العلماء يوجبون عليها أن تعتد في بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي فيه، وهناك من يجوِّز لها الانتقال منه لغيره.

أدلة الذين يوجبون عليها الاعتداد في بيت زوجها

كما ذكرت فإن جمهور العلماء على أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي فيه، وحجتهم في ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زينب بنت كعب بن عجرة عن الفريعة بنت مالك، أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما: "أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا104 حتى إذا كان بطريق القدوم105 لحقهم فقتلوه، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإنه لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم؛ فخرجتُ، حتى إذا كنتُ في الحجرة أوفي المسجد دعاني – أوأمر بي- فدُعيت فقال: كيف؟ قالت: فرددتُ عليه القصة التي ذكرتُ من شأن زوجي، قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله؛ قالت: فاعتددتُ فيه أربعة أشهر وعشراً؛ قالت: فلما كان عثمان رضي الله عنه أرسل إليَّ فسألني عن ذلك فأخبرته، فقضى به واتبعه".106

وذكر ابن القيم في زاد المعاد أن ابن عبد البر قال: "هذا حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق".107

وبجانب حديث الفريعة هذا هناك آثار كثيرة تؤيد ما ذهب إليه الجمهور أوردها ابن القيم في كتابه زاد المعاد، نذكر طرفاً منها108:

قال وكيع حدثنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب: "أن عمر بن الخطاب ردَّ نسوة من ذي الحليفة حاجات أومعتمرات توفي عنهن أزواجهن".

قال عبد الــرازق عن مسيكة: "أن امــرأة قد توفي عنها زوجها زارت أهلها فضربها الطلق109، فأتوا عثمان فقال: احملوها إلى بيتها وهي تطلق".

روى عبد الرزاق عن ابن عمر: "أنه كانت له بنت تعتد من وفاة زوجها، وكانت تأتيهم بالنهار فتتحدث إليهم، فإذا كان الليل يأمرها أن ترجع إلى بيتها".

وروى ابن أبي شيبة عن ثوبان: "أن عمر رخص للمتوفى عنها أن تأتي أهلها بياض يومها".

وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال: "كان عمر وعثمان – رضي الله عنهما – يرجعانهن حاجات ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة".

وذكر عبد الرزاق أيضاً عن علقمة قال: "سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن نساء من همدان نعي إليهن أزواجهن؟ فقلن: إنا نستوحش؛ فقال ابن مسعود: تجتمعن بالنهار، ثم ترجع كل امرأة منكن إلى بيتها باليل".

وذكر الحجاج بن منهال قال: حدثنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم: "أن امرأة بعثت إلى أم سلمة رضي الله عنها أم المؤمنين: أن أبي مريض وأنا في العدة، أفآتيه فأمرضه؟ فقالت أم سلمة: نعم، ولكن بيتي أحد طرفي الليل في بيتك".

والآثار في هذا المعنى كثيرة جداً، ونكتفي بهذا القدر، وكما قلت فإن هذا هو قول جمهور العلماء كما بينه ابن القيم في زاد المعـاد: أحمـد، ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابهم، والأوزاعي، وأبي عبيدة، وإسحاق.

وقال ابن القيم: (قال ابن عبد البر: وبه تقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والشام، والعراق، ومصر، وحجة هؤلاء حديث الفريعة بنت مالك، وقد تلقاه عثمان بالقبول، وقضى به بحضرة المهاجرين والأنصار، وتلقاه أهل المدينة، والشام، والعراق، ومصر بالقبول).110

من يجوَِّز لها الانتقال عن بيت زوجها الذي توفي عنها وهي فيه، وحجتهم

وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أنه يجوز للمتوفى عنها زوجها أن تعتد أنى شاءت، واحتجوا بأمرين هما كما ذكرهما ابن القيم في زاد المعاد:

1. أن الله عز وجل أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، ولم يأمرها بمكان معين.

2. وبما رواه أبو داود قال عطاء قال ابن عباس: "نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها، فتعتد حيث شاءت"، والآية هي قوله تعالى: "فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم"111، قال عطاء: إن شاءت خرجت، لقوله: "فإن خرجن فلا جناح.." الآية.112

3. وكذلك روى عبد الرزاق عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها، وخرجت بأختها أم كلثوم حين قتل طلحة بن عبيد الله في الفتنة إلى مكة المكرمة في عمرة".113

والصواب والله أعلم ما ذهب إليه جمهور هذه الأمة سلفاً وخلفاً – من أنها يجب عليها أن تعتد في المنزل الذي توفي عنها زوجها وهي فيه، لا تخرج منه إلا لضرورة – وذلك لورود هذه السنة الصريحة الصحيحة – أعني حديث الفريعة – التي تلقاها أكابر الصحابة بالقبول، ولما في ذلك من الوفاء لعقد الزوجيـة الذي شرعت العدة من أجله، وللزوج، فاعتدادهـا في بيته أكبر دليـل على وفائها له.

هذا كله إذا لم يكن هناك مانع من بقائها فيه، مثل منع الورثة لها من السكنى فيه، أوطلبوا منها أن تدفع لهم أجراً، أوكان البيت مؤجراً فطلب صاحبه زيادة الأجرة، ويمكنها أن تسكن مع أهلها، أوكان زوجها موظفاً يسكن في بيت حكومي، وطلب منها أن تخلي البيت، أوكان زوجها يعمل خارج بلده، وما شاكل ذلك، فلا حرج عليها أن تنتقل منه والأمر هكذا، أما بدون ضرورة فلا تخرج.

تنبيه

لا يجوز لمعتدة من طلاق أووفاة ونحوهما أن تخرج إلى حج أوعمرة، ولو كانت حجة الإسلام وعمرته، كبيرة كانت أم صغيرة، ولو كانت بمكة أومسافرة منها إلى بلدها؛ وإن كانت معتكفة في مسجد وتوفي زوجها قطعت اعتكافها وخرجت لتعتد في بيت زوجها، وقال مالك: لا تخرج إلا بعد قضاء اعتكافها؛ والقول الأول أرجح، والله أعلم.

لقد صاغ الإمام القحطاني رحمه الله أحكام عدد النساء شعراً، فقال114:

لا تنكحن محــدة في عـــدة فنكاحهــا وزناؤهــا شبهان

عِدَدُ النساء لها فرائــض أربـع لكن يضـم جميعهــا أصلان

تطليـق زوج داخــل أو مـوته قبل الدخـــول وبعـده سيان

وحـدودهن على ثلاثـة أقــرؤٍ أوأشهــر وكلاهمــا جسران

وكذاك عدة من توفي زوجــها سبعـون يوماً بعدهــا شهران

عدد الحوامـل من طلاق أو فنـا وضع الأجنة صـارخـاً أوفاني

وكذاك حكم السقط في إسقــاطه حكـم التمام كلاهمــا وضعان

من لم تحض أومن تقلص حيضها قد صح في كلتيهمــا العَدَدَان

كلتاهما تبقى ثلاثــة أشهـــر حكماهما في النـص مستـويان

عِدَدُ الجوار من الطـلاق بحيضة ومن الوفاة الخمـس والشهـران

فبطلقتين تبين عن زوج لهـــا لا ردَّ إلا بعــــد زوج ثـان

فكذا الحرائر فالثلاث تبينهـــا فيحـــــل تلك وهذه زوجان







التوقيع

Nathyaa