يكشف الشيخ سعود الناصر الصباح في الحلقة الخامسة من اوراقه عن الغزو والتحرير تفاصيل اللقاء الذي جمع سمو امير البلاد بالرئيس بوش وان الاخير بعد اللقاء الرسمي اراد الاجتماع مع الامير على انفراد ليسأله: ماذا تريد مني بالضبط؟ فأجاب سموه، وقد اشار الى خريطة الكويت التي وضعت على مكتب الرئيس الاميركي بالقول «اريد استعادة الكويت». وهنا رد الرئيس بوش «هذا ما ستحصل عليه».
ويبين الشيخ سعود الذي كان سفيرا للكويت في واشنطن اثناء الغزو كيف ان المؤامرة كانت ابعد من مجرد احتلال الكويت، بل تقسيم الجزيرة العربية بالاتفاق بين صدام حسين والملك حسين وياسر عرفات والرئيس اليمني علي عبدالله صالح، واعاد الى الذاكرة مطالبة الملك حسين بالعودة الى لقب الشريف!
كما اكد ان هذه المؤامرة تقاطعت مع اطماع تاريخية سوفيتية بالوصول الى المياه الدافئة في الخليج على ان يتم تحويل أم قصر الى ميناء عسكري سوفيتي.
وفي الحلقة الخامسة من اوراقه عن الغزو والتحرير يروي الشيح سعود كيف ان القوات الاميركية اعترضت سفينتين في البحر الاحمر اثناء الغزو وانطلقتا من ميناء العقبة الاردني باتجاه اليمن وهي محملة بالسيارات الكويتية المسروقة وبعض المسروقات من الكويت.
رغم المواقف المعادية التي اظهرتها ما اطلق عليها دول الضد الا ان الكويت لم ترد بالمثل، واذكر كيف ان سمو امير البلاد حرص خلال لقائه مع الرئيس بوش على تأكيد الكويت وتمسكها بضرورة ايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية كانت في ضمير الامير.
وايضا استذكر بعد الاجتماع الموسع برغبة سمو الامير ان يقدم للرئيس بوش هدية رمزية، وسألني آنذاك عن المتوفر لدينا في السفارة لتقديمها للرئيس بوش كهدية، وقدمنا مجموعة هدايا كي يختار منها، وقد اختار صاحب السمو لوحة عليها خريطة الكويت مصنوعة من النحاس واهداها الى الرئيس بوش قبل اللقاء.
وبعدما انتهى اللقاء الموسع في المكتب البيضاوي في البيت الابيض، دعا الرئيس بوش صاحب السمو الى لقاء خاص في مكتبه وحضرت اللقاء، وقال الرئيس بوش للامير هل هناك امور لم تذكرها في اللقاء الرسمي تريد قولها هنا، فالتفت صاحب السمو الى الهدية التي قدمها للرئيس التي وضعها على المكتب، وقال الامير ليس لدي ما اقوله، واشار الى الخريطة وقال يجب ان يعود هذا البلد، ورد عليه الرئيس هذا ما ستحصل عليه دون اي شك.
منذ انتهاء الحرب العراقية - الايرانية اخذ صدام حسين يعد خطة الهيمنة على المنطقة، وبمساعدة الاردن واليمن والسودان ومنظمة التحرير الفلسطينية والجزائر، نحن اكتشفنا انه نسق مع تلك الدول للهيمنة من خلال خطة متفق عليها، ولو رجعنا الى التاريخ الى قبل الغزو لوجدنا ان بعض الامور التي كانت تواجهنا لا تلفت اليها انتباها، ولا يتوقع ان تكون جزءا من خطة لعملية مستقبلية، فعندما طلب الملك حسين عدم تلقيبه بالملك واطلاق لقب الشريف عليه كان بسبب الاطماع التي كان يخطط لها في المنطقة الغربية من مدن الحجاز وغيرها، من مناطق السعودية والعراق كانت اطماعه بالكويت والمنطقة الشرقية من السعودية، اما منظمة التحرير، فأطماعها كانت خاصة بأن تكون الكويت البديل لفلسطين، واعتقد ان هؤلاء القادة كانوا على درجة كبيرة من السذاجة، وعدم الحنكة السياسية بأن يضعوا أيديهم بيد صدام حسين، اذا لم يكن لديهم تأكيدات ماذا ينوي ومن يقف وراءه.
والحقيقة ان الملك حسين والرئيس علي عبدالله صالح وياسر عرفات وغيرهم من قادة الدول الذين دعموا صدام اثناء الغزو صدقوا تأكيدات صدام حسين بأنه يتلقى دعما من احدى الدول الكبرى لاجتياح الكويت، ومثل هؤلاء القادة لا يمكن ان يغامروا بمستقبلهم السياسي، او يرهنوا علاقات بلادهم بالولايات المتحدة والدول الاوروبية الغربية، لولا انهم كانوا على قناعة بأن صدام مدعوم، وكانوا يراهنون على مفاجآت اللحظة الاخيرة، وبأن الولايات المتحدة لن تخوض حربا في المنطقة، وان القوات الاميركية وقوات التحالف لن تستطيع تجاوز العملاق السوفيتي الذي كان يحركه بريماكوف والذي تربطه علاقات مميزة مع صدام حسين.
وانا اتساءل عن هؤلاء الرؤساء ومنهم الملك حسين والرئيس اليمني وياسر عرفات الذي زار صدام حسين بعد الغزو مباشرة، وقام بتهنئة الرئيس والفرحة بادية على وجهه، امام شاشات التلفزيون، لا بد ان وراءها سرا، فكما تعلم ان العراق بلد من العالم الثالث ولا يصنع السلاح.
كما انه ليس لديه القوة الاستراتيجية التي تستطيع بها ان يكتسح المنطقة دون سند قوي من دولة كبرى، هل انا استطيع ان اضع يدي بيدك اذ لم تكن هناك ضمانات منك بأنك انت مدعوم من جهة أو قوى كبرى، مثل هذه المغامرة التي تدخل بها الكويت ودولة اخرى في المنطقة.
ضحية
والكويت كانت ضحية من جانبين، الاول اعتمادها على ضمانات المنظومة العربية، والشق الثاني انها ضحية كبداية للمؤامرة الكبرى ضد المنطقة، وذكرنا مطامع الملك حسين في الحجاز ومطامع اليمن والعراق في الكويت والمنطقة الشرقية، والحديث عن هذا الموضوع يجب اخذ شموليته والصورة تبلورت لدى الادارة الاميركية، ولدي شخصياً في 10/8/1990 بعد نتائج مؤتمر القاهرة، اذ كانت المؤامرة واضحة ومن يقف وراءها، وهذا ما استدعى الرئيس بوش لعقد مؤتمر قمة هلسنكي مع الرئيس غورباتشوف في شهر سبتمبر عام 1990 والتي اوضحت فيها الولايات المتحدة انها تعرف جميع هذه المخططات.
مؤامرة
هناك من يقول ان الكويت تعرضت لمؤامرة اميركية وهذا الرأي مردود عليه، وعلينا العودة الى التاريخ وما قبل 2/8 ونتساءل ما سر وجود 8 آلاف فني من الاتحاد السوفيتي ضمن الحرس الجمهوري العراقي، وهنا يتبين ان العملية ليست بين الكويت والعراق فقط وانما العملية اكبر من ذلك، وكان هذا الحديث بدور بيني وبين الادارة الاميركية، وكانت هناك مؤشرات ودلائل على موقف الاتحاد السوفيتي الذي يخفي اطماعاً تاريخية في الوصول الى المنطقة.
أطماع
فالهدف أكبر من احتلال الكويت بالتأكيد لان المشروع كان تقسيم الجزيرة العربية ضمن خطة مسبقة بين صدام وبعض القيادات العربية.
وقد تقاطعت هذه المؤامرة مع اطماع تاريخية قديمة للاتحاد السوفيتي للوصول الى الحياة الدافئة في الخليج. وكانت ملامح هذه المؤامرة ان يتم تحقيق حلم الاتحاد السوفيتي بان تكون ام قصر ميناء عسكريا للسوفيت. ولابد ان ان نربط بين المطامع السوفيتية والازمة التي اثارها العراق في مطلع السبعينات بشأن المطالبة بممر مائي والسيطرة على جزيرة بوبيان.
ولابد ان نذكر ان اتفاقا كان بين العراق والاتحاد السوفيتي لاعطاء الروس موطئ قدم بحريا في الخليج، لكن السوفيت عادوا واضطروا الى الغاء الاتفاق بعدما تبين لهم ان الامور لا تسير حسبما تشتهي المطامع السوفيتية.
تعيين غنيم
وعن تفسيره لتعيين واشنطن سفيرا لها اثناء الاحتلال يقول: هناك نقاط ذات حساسية سياسية كان يجب ذكرها لملء الفراغات وكانت ضمن اسرار الدولة، فاثناء الغزو كان السفير الاميركي في الكويت «نك هول» في السفارة واصبح تحت الحصار مع العاملين معه وقد دام الحصار 133 يوما، وهو ما تعرضت له سفارات اخرى ومنها البريطانية والسعودية والفرنسية ودول الخليج.
وكانت ولاية السفير الاميركي منتهية وتم تعيين السفير ادوارد غنيم وبعد ان اصبحت الامور صعبة جدا واضطرت السفارة والسفير الى اخلاء السفارة وكان ذلك في اوائل شهر نوفمبر وخرج السفير والعاملون معه.
وتم بالفعل تعيين السفير الجديد ادوارد غنيم واقيم له حفل رسمي في مبنى وزارة الخارجية الاميركية في واشنطن وحلف اليمين لتسلم منصبه الجديد كسفير لاميركا في الكويت ونحن تحت الاحتلال، في ذلك الوقت، واستلم رسميا وذهب للطائف لتقديم اوراق اعتماده لصاحب السمو.
سيارات كويتية مسروقة من العقبة ..إلى اليمن!
يروي الشيخ سعود الناصر كيف ان المسؤولين في الادارة الاميركية كانوا يطلعونه على تفاصيل العمليات التي تنفذها القوات العسكرية سواء البرية او البحرية منها. وقال ان القوات البحرية الاميركية اعترضت سفينتين غادرتا من ميناء العقبة الاردني وهي محملة بالسيارات الكويتية والسلع والمعدات التي تم نهبها بشكل منظم من الكويت.
وقد حدث ذلك بعد شهر واحد من الغزو اي في شهر سبتمبر وحجزت البحرية الاميركية السفينتين.
وابلغت من المسؤولين الاميركيين بان السفينتين ستبقيان رهن الاحتجاز حتى تقرر الامم المتحدة ما سيؤول اليه مصيرهما.
وتساءل الشيخ سعود: أهكذا تكون العلاقات العربية ـ العربية؟
كارثة اقتصادية
عندما وصلت انباء حرق النظام العراقي لاكثر من 700 بئر في الكويت كان الرئيس الاميركي متألماً جداً وسماها «سياسة» حرب الكويت وكانت احد العناصر التي دفعت الرئيس الاميركي لبدء الحرب البرية للقضاء على الوجود العراقي في الكويت.
وكانت الكويت تخسر اكثر من 300 مليون برميل يومياً تحرق في هذه الكارثة الاقتصادية.
مرتزقة
يقول الشيخ سعود ان العراق اعد للمؤامرة سياسيا واعلاميا وعسكريا واشترى كثيرا من الاقلام العربية والمفكرين ودفع لكثير من الانظمة العربية للوقوف معه.
عمليات سرية داخل العراق
يكشف الشيخ سعود عن بعض العمليات السرية للقوات البريطانية والاميركية داخل الاراضي العراقية قبل بدء عاصفة الصحراء، ويقول هذه العمليات السرية قامت بها القوات الخاصة الاميركية والبريطانية بهدف الاستطلاع، وكانت عمليات استخباراتية اكثر منها عسكرية.
لكن عندما لجأ صدام حسين الى استخدام صواريخ سكود على السعودية، كان مصدرا للقلق وتساؤلا عما اذا كانت هذه الصواريخ تحمل مواد كيماوية.
وبالنسبة لي، شاهدت عن طريق الاقمار الصناعية ان صدام جهز تحديدا 18 مدفعا لاطلاق اسلحة وقذائف تحمل مواد كيماوية، وكانت الاستخبارات الاميركية على يقين بأن هذه الاسلحة تحمل قذائف كيماوية، لأن تجهيزها يدل على ذلك، لذلك كانت القوات الاميركية بالمرصاد لهذه المدافع التي دمرت منذ الساعات الاولى من بدء عاصفة الصحراء، وكانت من الاهداف الرئيسية لإبعاد شبح الاسلحة الكيماوية عن المنطقة، وصدام لم تكن لديه القدرة على تحميل صواريخ سكود بالاسلحة الكيماوية، وكان يطلقها بطريقة عمياء على السعودية، حيث ادت الى سقوط عشرات الضحايا في السعودية.