ظلام دامس يطمس الأجواء ..
وأصوات بجانبي تسبب ضوضاء ..
ولا ادري هل مازال الوقت نهاراَ ام مساء ..
كم هي مخيفة ومزعجة هذه الخزانة السوداء ..
بعد ساعات من خوفي وأوهامي قسم خط النور وجهي ..
ولم استطع رؤية من يتكلم ..
امي : اخرج الأن ياريان ولا تزعج والدك مرة أخرى حتى لا يسجنك في هذه الخزانة المظلمة لمدة يوم .
خرجت وتوجهت الى غرفتي الجديدة وبقيت صامتاً
فتح الباب بكل هدوء ..
انه ابي(يرحمه الله) يحمل خلفه مجلة صغيرة
ابي: اما زلت متضايق ..من سفرنا ياريان ..يا لم تكن يوماً الولايات المتحدة وطن لنا نحن عرب وهذا موطننا وأنا لم اكن هنالك إلا لدراسة والعمل كي اصبح يوما ضابطاً
سحبت لحافي على كل وجهي واستدرت بجسمي للطرف الأخر
أبى : اعلم انك تفتقد صديقك الصغير وكلبه لكن صدقني سيكون هنا لك أصدقاء جدد لك ..انظر ماذا أحضرت لك .
أنا : أريد النوم ..يا أبي ..
أبي : ياريان لا يصح أن تغضبني أنت من انزعج من كلامي وقام بصراخ والاعتراض على السفر غداً ستكبر وتفهمني تصبح على خير .
بعد سماعي صوت قفل الباب ورؤيتي لمجلة ميكي فوق مكتبتي الصغيرة نزلت دمعة صغيرة على مخدتي وتنفست بكل ألم وداعاً
بول وداعا شيكي .
اليوم الأول في المدرسة الجميع يتحدثون يا الهي ما أقوى صوت هذا الجرس.
؟؟: هل أنت ابكم ؟
انا : لا
؟؟: أنا سيف سمعت من مدرس العلوم انك من بلاد الخارج ؟ وانك طالب جديد في الصف هل تعلم لقد فاتتك الكثير من الدروس .
مددت يدي إلى سيف وقلت :أنا ريان لا لقد ولدت في السعودية وفي منطقة اسمها المدينة تبعد عن هذه المدينة الصناعية ربما 3 ساعات ثم انتقل والدي إلى أمريكا بسبب عمل ودراسة .
سيف : أهلا ريان أنا سيف والدي عربي وامي بريطانية .
ومن هنا بدأت صداقتي مع سيف وتعرفت على أمه وأخواته صوفيا و مريم وكانت مريم تحب تربية القطط وسيف يحب تربية سمك الزينة تعلمت معهم حب الحيوانات .
خمسة سنوات قضيتها مع سيف كل يوم اكتشف شيء جديد
حتى أن سليمان والد سيف احبني كثيراً واصبح في وقت فراغه يعلمني الكلمات الجديدة, في بداية حياتي لم اكن احب شيئاً
مثل زرع النباتات فلقد كانت أمي بستانية من الطراز الأول تحب زراعة كل شيء عرفتني بأنواع الزهور ومن هنا بدأت هواية الرسم عندي وعند سيف لتلك الزهور وكم أعجبت أم سيف برسوماتي كان كل شيء جميل ومثالي أحببت هذه الحياة
..وزاد المفاجاة ان والدتي وضعت مولوداً صغيرا كان لطيفاً
جداً انه آخي (عبد العزيز) وبعد سنوات أنجبت أيضا آخي (أحمد)
و في ذات مساء اسود قاتم
عدت الى المنزل ومعي لوحة رسمها سيف عن قوس قزح
وجدت والدتي ووالدي يتهماسان وينظران إلى .
أحسست بخوف ..وقبل إن أسأل تكلم والدي بكل شدة
أبى : اسمع ياريان اليوم هو أخر يوم في هذه المدينة لقد ارتفعت مرتبتي وسوف أكون برتبة عقيد وسوف نذهب إلى منطقة تسمى القصيم غداً ..و ..
أنا : ليس عدلاً ..هاأنت تسافر مرة أخرى يا أبي ..لا لا أنا ارفض
أبي : ريان أفهمني سوف أكون مدير تلك المنطقة وسوف تكون لدينا فلة جميلة اكبر من هذه ..
أنا : لا لا لن نسافر لن اترك سيف ..دائما نسافر نسافر أرجوك يا أبي ..اجعلني عند سيف اوعدك سأطيع كل ما تريده وسوف أكون دكتور كما تريد أرجوك أبى لا نسافر ..
أمي : ريان أنت تصعب الموقف السفر سيكون غداً أهدأ يا
أنا : أنا أكرهكم لا احب أن أعيش معكم ..أريد أن أعيش عند عائلة سيف عائلة سيف لا تسافر .
أبى : ريان ..إلى الخزانة المظلمة حالاً قبل أن تقول كلاماً تندم عليه .
عدت إلى الخزانة المظلمة يألهي كم هي موحشة طول ليلتي ابكي لماذا لا يتوقف والدي عن السفر لماذا دائما يفقدني أصحابي هذه ليست حياة ,في كل مرة اصنع صديقا يأتي شبح السفر .
جاء الغد سريعاً ولم انم في الخزانة السوداء تحركت كأني
جثة وتركت سيف لوحده بدون وداع فقد كان موعد سفري باكراً
رغم جمال هذه المنطقة الجديدة إلا أني لم احبها فلم يكن هنالك بحر
وهي تبعد عن مدينة مولدي مسافة خمسة ساعات .
بدأت المرحلة المتوسطة لم اختلط في الطلبة بل لم أتكلم إلا مع المعلمين او إدارة المدرسة . كان الجميع يقولون عني إنني شخص مغرور .
ولكن الحقيقة هي إنني لم أريد أن أتعرف على أصدقاء حتى لا اخسرهم يوما ً وبدأت كل يوم اكتب مذكراتي عن حياتي ومشاعري
حتى يوماً فاجأني والدي بروايات كثيرة وكتب عن كل شيء
هنا فقط أصبحت القراءة والكتابة هم كل أصحابي كنت قارئ نهماً
حتى في أيام إجازتي في فترة بعد الظهيرة اقضيها مع مسيو بوار
في سلسة وروايات اجاثا كريستي .
وفي أخر الليل اقضيها مع كتابات الدكتور نبيل فاروق الرومانسية في سلسلة زهور وفي بقية وقتي القليل بينمها الاعب اخوتي الصغار .
في يوم عدت من مدرستي وقبل أن اتجه إلى غرفتي العلوية
لمحت أمي تبكي وآبي يواسيها ويذكرها بالله والأيمان ..توقفت
وأتيت بكل هدوء وقبلت رأسها وأنا لا ادري ماذا يحصل
قبلتني على رأسي وقالت : لقد توفى والدي ياريان جدك لقد مات .
بيني وبين نفسي تسألت ..عن جدي لم اكن اعرف عن جدي سوى انه رجل فاحش الثراء ولديه مزارع ولم اره بسبب سفري طول فترة طفولتي واسيت والدتي ..وتوقفت دموعها حالما رأتني فهي من عودني إلا ابكي أبدا ..
بدأت الرحلة إلى المدينة لأول مرة أرى مدينتي التي ولدت فيها
والتي لم أرها طول الخمسة عشر سنة .
كانت بيت جدي كبير جدأ ويضم الكثير من الناس انقضت فترة العزاء وانا في كل يوم فيها أتعرف على خالاتي وخيلاني وابناء عمومتي و الكل ينظرون إلى بإستغراب وفي كل مرة أواجه سؤال عن من أنا وماصلتي بالعائلة .
بعد ايام طلبت خالتي الكبرى (مريم) إن نزور مزارع جدي ووافقت والدتي وما أجملها من مزارع إنها غابة تضم بيوت ريفية جميلة وإسطبلات للخيول و مكان للدواجن والأرانب ومسابح جميلة المنظر بحكم سفري الكثير لم يكن لدي بيت محبب انشأ فيه
لكني تمنيت إن أعيش إلى الأبد في مزارع جدي كان صوت تحرك النخيل وقت الغروب منظر يسكنني ولطالما عشقت رائحة ازهار الفل و الياسمين والريحان في تلك المزارع .
ماعرفته عن جدي كان كثير ومنها انه كثير الاهتمام بقراءة الكتب
وجدت في مزرعته مكتبة تضم عشرات الكتب القديمة عن كل شيء تقريباً ..هنا وجدت نفسي ..واصبح جل وقتي في تلك المكتبة وكان أبناء خيلاني وخلاتي يحبون لعب الكرة ولا التقي معهم إلا في المساء حينما يدعونني إلى المسبح .
وفي أخر ساعات الليل نجلس مع خالاتي وخيلاني ونسمع قصص عائلتنا التي لم اعرف عنها الكثير في تلك الأيام والكل يوجهون الي الأسئلة لكي يعرفون تفكيري نحو العائلة والكل كانوا ظريفين في تعاملهم خصوصا خلاتي لقد أحسست معهم لفترة بدفء العائلة
غريب إن الخالة تحمل أحيانا حنان الأم .
حست أمي أنى اشعر بالارتياح و أني تقبلت اختلاطي بالعائلة لان هذا سيفرج قليلأ من انعزالي وكانت متخوفة من رأي ابي ..ولذلك قصة..وتفسير .
أن والدي هو اكثر شخص مثقف بين إخوانه ودائما كانت مشاكل ابناء عمومتي كثيرة وكان والدي رحمه الله قبل زواجه يحلم بتربية نموذجية لأبنائه فاتفق مع والدتي على أن يكون كل أبنائه مثقفين وناجحين في حياتهم ولذلك كانت تربيتي تشبه التربية العسكرية لان والدي كان عسكري وجزء من شروط تربيته أني لا اختلط مع أي كان في العائلة ..لذلك ترى عائلة والدتي أن والدي شديد القسوة علي وانه ليس من حقه أن يضع تربية بهذه الشروط أما والدتي المسكينة فكانت تتمنى أن اختلط بأقاربي لاني لم احظ يوماً بصديق دائم وقربي من العائلة سيجعلهم أصدقائي إلى الأبد مهما سافرت مع عائلتي .
طبعا ترجت والدتي أبى أن أظل أسابيع قليلة في المدينة ووافق على مضض وكان يتصل بي كل يوم ليعرف تغير مشاعري حول العائلة
وهذا ما جعل خلاتي يحضنوني بكل طيبة وحنان أملاً بان أتعلق يوما بأقاربي .
في أحد الأيام دخلت إلى مكتبة جدي وجذبني كتاب اسمه (المستظرف) فمددت يدي لكني سمعت صوت من ورائي يقول
: لا تتعب نفسك لا يوجد به صور .
استغربت من صيغة الفكرة والكلام ..فبدأت بتعريف نفسي لها
قلت : أنا ريان ابن خالتك ..
قاطعتني وقالت : اعرف من تكون
ثم قالت لي : هذه مكتبة جدي اعرف كل كتاب فيها واحب إن أحافظ على الكتب كما هي بالترتيب هنا كتب العرب وهنا الكتب الدينية
رجاء لا تلخبط الترتيب فليست كل الكتب متشابهة .
قلت لها: اعرف وأنا لم الخبط أي كتاب فقد كنت ..
قاطعتني مرة أخرى : كنت او لك تكن من سمح لك الدخول هنا ولماذا لا تلعب مع الشباب في الخارج ..
استغربت من طريقة كلامها إنها جداً كريهه في تعاملها رغم إنها فتاة جميلة .
قلت : كتب جدي ملك جميع أحفاده وليست حكراً عليكِ ثم من تكونين حتى تتكلمين بهذه الطريقة .
ضحكت وقالت : العصبية وطولت اللسان أهلا بك أنت الآن فردأ من العائلة .
أزعجتني نظراتها الباردة وغادرت المكتبة وان أشيط غضباً .
وجلست قرب المسبح فجاني ابن خالتي واسمه (فهد)
فقلت له : فهد من تلك المغرورة .
فضحك وقال : هي ابنة خالتك هند واسمها (نورا ) جميع أبناء خيلانك وخالاتك يفكرون بها هي جميلة ولكن لديها لسان أحد من السيف لم تترك أحدا إلا انتقدته تعيش في المنطقة الشرقية وتزورنا كل سنة ووالدها رجل أعمال مشهور في العائلة تحب الكتب والروايات مثلك حتى إنها لا تجلس كثيرا مع بنات خالاتك تقول عليهم تافهات ومحدودي الفكر أتصدق ههههههههه
حزنت لها ولم اعرفها وقلت له : غريبة جدا هذه المخلوقة.
قال : اخبرني ياريان بمن وقعت في الحب ؟
قلت له : حب ...أتمزح
قال: كل شاب فينا بالعائلة يفكر الآن بوحدة ويحبها مثلا أنا تعجبني (روان) ابنة خالتك مريم ..صحيحة إنها لديها لدغه في نطق حرف الراء لكنها تعجبني .
واخذ يعدد لي كيف بدأت قصة حب كل شاب من العائلة فأخبرته انه ليس شرط أن يحب كل شاب من العائلة الفتاة من العائلة نفسها .
استغرب من كلامي جداً وقال : هذه أول مرة اسمع بهذا الشيء
ثم نبهني أن لا أقول هذا الكلام أمام خلاتي فهم يفضلون زواج العائلة مهما كان وبالفعل حينما فتحت هذا الموضوع في سهرة مع خالاتي وخيلاني أيدني خيلاني لكن خلاتي لم يروق لهم الأمر لانهم لا يفضلون الرجل الذي يكون خارج العائلة ليست مسألة عادات وتقاليد بل بسبب انهم يحبون أن تكثر روابط العائلة .
في المساء مرت بجانبي (نورا) وقالت وهي تمشي :
ما اكثر الفلاسفة في العائلة ..أهلا بك يا فيلسوف زمانك الطريف أني أؤيدك في كلامك .
نظرت إليها وقلت : رأيك يا نورا لا يهمني كثير
ابتسمت ورحلت بهدوء وابتسامتها تزيدني قهرأ
في الصباح الباكر توجهت إلى المكتبة وبدأ ت أرتب الكتب بترتيب أخر لا ادري لماذا ربما كي اقهرها فقط .