جهاد الاستشهاديين الأطهار ومنزلته في الفقه والآثار
العجب العجاب ان هؤلاء الأطهار المجاهدين المجاهدين الذين قلب الله تعالى بهم الأوضاع يتعرضون اليوم للوم بل التأثيم والانكار بدعوى أن صنيعهم يخالف الشرع المطهر , ويضاد مدلول الأدلة الشريفة , فأين يذهب بهذه الأمة وكيف يكون هذا , وقد اطلعت على فتاوى المنكرين فوجدتها مبنية على أدلة عامة لا تدل في الحقيقة الى ما ذهبوا اليه , وهم محجوبون بجملة من الأدلة منها عمل طائفة من الصحابة والسلف الصالح من بعدهم , ورأيت طائفة من الأمة يتعلقون بهذه الفتاوى وصار القاعدون ينكرون على المجاهدين !! ولما رأينا اليهود يقرعون الشباب المجاهد بمضمون هذه الفتاوى غرنا والله على هذا الدين وعلى عبادة الجهاد التي هي ذروة سنامه , وهذا الموضوع يتحدث عن العمليات الاستشهادية على انها أعظم القربات وأحسن أنواع الجهاد , وينقسم الموضوع الى قسمين : الأدلة والآثار التي تدل بوضوح على جواز مثل هذا العمل , والقسم الآخر عمل طائفة من السلف ومن تبعهم في هذا الباب المبارك.
واعتمدنا في موضوعنا بعد الاستعانة بالله عز وجل على كتابين نفيسين وهما ( مصارع العشاق ومشارع الأشواق) لابن البنا الدمياطي والكتاب الآخر هو ( قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح ) لشيخ الاسلام ابن تيمية.
أما الأدلة والآثار فهي:
1- قول الله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد ) ووجه الدلالة فيها ان سبب نزولها ان صهيبا هاجر الى المدينة واتبعه نفر من قريش وهو وحده فأراد قتالهم بمفرده ثم صالحهم بعد ذلك على ماله يعطيهم اياه فلما قدم على النبي قال له ربح البيع أبا يحيى وأثنى الله عليه في كتابه العزيز , ولو لم يكن هذا جائزا لما أثنى الله عليه.
وقد استدل عمر بهذه الآية في حادثة مهمة حصلت في فترة خلافته ورد فيها على من يقول ان الانغماس في العدو تعريض النفس للهلاك وأنه لا يجوز وهو ما يتمسك به بعض من أفتى بحرمة العمليات الاستشهدية في فلسطين , فقد روى ابن المبارك وابن أبي شيبة عن مدرك بن عوف قال كنت عند عمر اذ جاءه رسول النعمان بن مقرن الصحابي المشهور فسأله عمر عن الناس فقال أصيب فلان وفلان وآخرون لا أعرفهم فقال عمر لكن الله يعرفهم فقال يا أمير المؤمنين ورجل شرى نفسه فقال مدرك بن عوف ذاك والله خالي يا أمير المؤمنين , زعم الناس أنه ألقى بيده الى التهلكة , كذب أولئك ولكنه ممن اشترى الآخرة بالدنيا.
2- ذكر الله سبحانه وتعالى قصة طالوت وأصحابه في معرض الثناء عليهم وقد حملوا وحدهم وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا - عدة أصحاب بدر - وقابلوا جيشا مؤلفا من عشرات الآلاف قيل كانوا 90 ألفا وقيل أكثر وفي ذلك هلكة بينة.
3- وهذا معاذ بن عفراء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده ؟ قال غمسه يده في العدو حاسرا قال فألقى درعا كانت عليه وقاتل حتى قتل رضي الله عنه وغمس الرجل يده في العدو حاسرا فيه تعريض نفسه للموت المحقق , وهو يشبه ما يفعله أبطال الجهاد في فلسطين في عملياتهم الاستشهادية.
وللحديث بقية ان شاء الله.
ومازلنا نستعرض الأدلة والآثار الواردة بشأن قاعدة الانغماس في العدو:
1- فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير باسناد عن أبي الدرداء عن النبي قال (ثلاثة يحبهم الله ويضحك اليهم ويستبشر بهم : الذي اذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه فاما أن يقتل واما أن ينصره الله ويكفيه فيقول الله:
انظروا الى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه ) وموضع الشاهد هنا قول النبي (قاتل وراءها بنفسه) وهذا مظنة الهلكة ولكن الله تعالى يحب هذا الصنيع ويرتضيه.
2- وأخرج الامام أحمد بسنده الى عبد الله بن مسعود عن النبي ( عجب ربنا من رجلين : رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحيه الى صلاته فيقول الله عزوجل : انظروا الى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حيه وأهله الى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي . ورجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه وعلم ما عليه من الانهزام وما له في الرجوع فرجع حتى يهرق دمه فيقول الله: انظروا الى عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يهرق دمه).
قال ابن النحاس الدمياطي رحمه الله: ولو لم يكن في هذا الباب الا هذا الحديث الصحيح لكفانا في الاستدلال على فضل الانغماس.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى تعليقا على هذا الحديث: فهذا رجل انهزم هو وأصحابه ثم رجع وحده فقاتل حتى قتل, وقد أخبر النبي ان الله يعجب منه وعجب الله من الشيء يدل على عظم قدره وانه لخروجه عن نظائره يعظم درجته ومنزلته , وهذا يدل على ان مثل هذا العمل محبوب لله مرضي .
3- روى ابن أبي شيبة والحاكم بسند صحيح الى أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يحبهم الله فذكر أحدهم: رجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل او يفتح له.
ومن أحسن ما يرد على من يقول ان العمليات الاستشهادية القاء بالنفس في التهلكة ما رواه ابو داود والترمذي والحاكم عن أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا الينا صفا عظيما فخرج اليهم من المسلمين مثلهم وأكثر فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم فصاح الناس وقالوا سبحان الله يلقي بيده الى التهلكة , فقام ابو أيوب رضي الله عنه فقال يا أيها الناس انكم لتأولون هذا التأويل وانما نزلت فينا الآية معشر الأنصار لما أعز الله الاسلام وكثر ناصروه فلما أقمنا في اموالنا واصلحنا ما ضاع منها أنزل الله تعالى ما يرد علينا ما قلنا (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة).وكانت التهلكة الاقامة على الأموال واصلاحها وتركنا الغزو , فما زال ابو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
فأي تفسير احسن من هذا التفسير الذي فسر به ابو أيوب الآية وهل يملك أحد ان يؤول الآية خلاف تأويله ؟!
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : وقد أنكر ابو أيوب على من جعل المنغمس بالعدو ملقيا بيده الى التهلكة دون المجاهدين في سبيل الله , ضد ما يتوهم هؤلاء الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه فانهم يتأولون الآية على ما فيه ترك الجهاد في سبيل الله والآية انما هي أمر للجهاد في سبيل الله ونهي عما يصد عنه.
اما الفقهاء رحمهم الله تعالى فقد تكلموا في هذا الموضوع كلاما حسنا جدا , فمن ذلك الامام ابو حامد الغزالي رحمه الله تعالى حين قال: لا خلاف في ان المسلم الأحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وان علم انه يقتل , لكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجز فذلك حرام , وداخل تحت عموم آية التهلكة , وانما جاز له الاقدام اذا علم أنه لا يقتل حتى يقتل من الأعداء او علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جرأته واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة وحبهم للشهادة في سبيل الله فتكسر بذلك شوكتهم.
وللحديث بقية ان شاء الله تعالى.
الشيخ القطان
--------------------------------------------------------------------------------