[frame="1 80"]هكذا انتهت عاصفة الصحراء بانتصار رائع للعدالة والحق والحرية، تضافرت فيها جهود ثلاث وثلاثين دولة، رصت صفوفها في تحالف فريد بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، تتفيأ مظلة الشرعية الدولية من أجل تحرير دولة الكويت من براثن العدوان والاحتلال العراقي، تنفيذا للاجماع الدولي المتمثل في قرارات الامم المتحدة، وتحقيقا لاول انجاز في استراتيجية النظام العالمي الجديد.
لقد عادت الكويت دولة حرة مستقلة، وعادت الشرعية الكويتية اكثر قوة وعزما وتصميما لممارسة حق السيادة على ارض الوطن، والعودة بالكويت من جديد في حلة ناصعة تؤكد للعالم دورها البناء في المجال الانساني والانمائي.
وكانت اولى الخطوات التي اتخذها الشيخ جابر الاحمد يوم اعلان تحرير دولة الكويت في 26 فبراير عام 1991م اصدار مرسوم اميري يقضي باعلان الاحكام العرفية في جميع انحاء الكويت اعتبارا من التاريخ المشار اليه ولمدة ثلاثة اشهر. وبتعيين ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح حاكما عرفيا عاما، يتولى التنسيق بين القوات الكويتية المسلحة، وبين قيادة القوات العسكرية في الدول المتعاونة مع دولة الكويت. واكد المرسوم الاميري على انه جاءت بعد تحرير الكويت وجلاء المعتدين عنها لحظات جهاد اكبر تتوجه فيها الجهود كلها نحو بناء ما تهدم، واصلاح ما خرب، وتأمين الحياة على ارض الكويت من بقايا العدوان ومخلفاته. وفيما يلي نص المرسوم الاميري رقم 41 لسنة 1991م.
بسم الله الرحمن الرحيم
أتم الله سبحانه نعمته على الكويت وشعبها، فتحررت ارضها بحمد الله من الغزو العراقي الغاشم، ورحل عنها المعتدون بعد ان عاثوا في ربوعها، فخربوا، ودمروا، واحرقوا. وقتلوا، واهلكوا الحرث والنسل، وكلل بالنصر والفتح جهاد شعب الكويت الذي ضحى وصابر ورابط، وجهود دول شقيقة وصديقة وقفت داخل الامم المتحدة وخارجها الى جوار الكويت وحقها المغتصب.
وبعد ان جاءت لحظات جهاد اكبر توجهت فيها الجهود كلها نحو بناء ما تهدم واصلاح ما خرب وتأمين الحياة على ارض الكويت من بقايا العدوان ومخلفاته وحماية الانفس والاعراض والاموال من كل ما يهددها، او يجدد الخطر عليها. وحتى يتحقق ذلك كله تحتاج الاجهزة المسؤولة والمعنية الى ان تتوافر لها السلطات القانونية التي تسمح لها بمواجهة كل خطر، ومعالجة كل خلل، ورأب كل صدع، وانجاز كل عمل في سرعة وكفاءة وحزم، حتى تعود الحياة على ارض الكويت، لابنائها، والمقيمين عليها، الى ما كانت دائما موضع الفخر والاعتزاز لنا، حياة امن وأمان، وسلام واستقرار، وتمكينا للمؤسسات والاجهزة المسؤولة من اداء واجبها على اتم وجه وأكمله في هذه الظروف الصعبة المعقدة. وبعد الاطلاع على الدستور. وعلى الامر الاميري الصادر في 27 شوال 1406هـ الموافق 3 يوليو (تموز) 1986م.
وعلى الامر الاميري الصادر في 12 محرم 1411هـ الموافق 13 اغسطس (آب) 1990م في شان المقر المؤقت لحكومة الكويت، وبعض الاحكام المنظمة لاعمالها. رسمنا بالاتي:
مادة أولى:
تعلن الاحكام العرفية في جميع انحاء دولة الكويت اعتبارا من يوم الثلاثاء 12 من شعبان سنة 1411 هـ الموافق 26 من فبراير (شباط) 1991 م لمدة ثلاثة اشهر.
مادة ثانية:
يعين سعد العبدالله السالم الصباح حاكما عرفيا عاما، ويخول اتخاذ ما تتطلبه الظروف من التدابير المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 22 لسنة 1967م المشار اليه.
مادة ثالثة
يتولى الحاكم العرفي العام التنسيق ين قيادة القوات المسلحة الكويتية وبين قادة القوات العسكرية في الدول المتعاونة مع دولة الكويت في تحرير ارض الوطن.
مادة رابعة
على رئيس مجلس الوزراء والوزراء ـ كل في ما يخصه ـ تنفيذ هذا المرسوم، ويعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية.
أمير دولة الكويت
جابر الاحمد الصباح
رئيس مجلس الورزاء
سعد العبدالله السالم الصباح
ومن جهة اخرى، اعلن الرئيس الامريكي جورج بوش في خطاب له بتاريخ 27 فبراير عام 1991م.. ان الاجراء الذي اتخذه التحالف ضد العراق كان ناجحا، وان التحالف سيعلق عمليات القتال الهجومية اعتبارا من منتصف الليل بالتوقيت المحلي لشرق الولايات المتحدة في ذلك اليوم» وانه لا يمكن ان يدعي اي بلد ان هذا الانتصار لجميع شركاء التحالف، وانما هو انتصار للامم المتحدة وللبشرية جمعاء، ولسيادة القانون ولما هو حق (انظر مرفق رقم 21).
هذا الانتصار اجبر النظام العراقي على ان يركع، ويرسل من خلال ممثله الدائم لدى الامم المتحدة عبدالامير الانباري رسالتين متطابقتين موجهتين الى الامين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الامن بتاريخ 8 مارس عام 1991م ارفق بهما صورة قرار مجلس قيادة الثورة العراقي رقم 55 الصادر بتاريخ 5 مارس عام 1991م، بشان تطبيق الفقرة 2 (أ) من القرار 686 لعام 1991م والذي يتضمن ضمن بنود اخرى اعتبار كل قرارات مجلس قيادة الثورة الصادرة منذ 2 اغسطس 1990م، والتي لها صلة بالكويت لاغية. وقد نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية للجمهورية العراقية بالعدد 3345 بتاريخ 18 مارس 1991م(انظر مرفق رقم 22).
لا شك انها كانت تجربة مريرة، ومحنة قاسية، وصدمة شديدة اخلت بموازين الاخاء ومعايير حسن الجوار، وهزت القيم في النفس والوجدان. ولكن عزيمة الرجال كانت هي الاسمى والاقوى في كل الاوقات.. عزيمة صلبة مكنت شعب الكويت من تجاوز مرارة التجربة، وتخطي المحنة رغم قساوتها.. عزيمة شجاعة بددت قوة الصدمة. وجعلتها جحيما يرتد الى صدور الغزاة المعتدين.
لقد سالت دماء ابناء الكويت الغالية رخيصة من أجل الكويت، وهي تستحقها. واقتيد الكثير منهم عنوة، ولا يزالون يقيمون اسرى ومرتهنين في سجون ومعتقلات النظام العراقي الحاكم في بغداد دون ذنب اقترفوه، اللهم انهم كويتيون احبوا تراب وطنهم واخلصوا لقيادتهم.
وفي هذا، يقول الشيخ جابر الاحمد عند افتتاحه لدور الانعقاد العادي الاول من الفصل التشريعي السابع لمجلس الامة الكويتي في 20 اكتوبر عام 1992م «لقد مررنا بتجربة مريرة ستلازم ذاكرتنا زمنا طويلا، فلا يمكن ان ننسى الغزو الغادر، ولا المواقف التي صاحبته.. لقد سالت دماء شهدائنا من الصغار والكبار، من الرجال والنساء ولم يسلم اطفالنا الابرياء من رصاص الغزاة، ولقد واجه شعب الكويت الوفي كارثة الغزو باقصى ما يستطيع، وبكل ما يملك من ادوات الصمود والمقاومة والسعي ليل نهار على كل الاصعدة وفي جميع المحافل الدولية، مما جعل قضيتنا مركز الاهتمام العالمي على مستوى الحكومات والشعوب».
وعلى الرغم من ذلك كله، فقد آلى الكويتيون على انفسهم ان يكونوا موضوعيين، لا تحكمهم جروح الغزو والعدوان والاحتلال التي لن تندمل ابدا، ولا آلام النفس لما تعرض له الوطن، بل سيتركون الاخرين يروون للتاريخ ما اصاب الكويت واهل الكويت وما فعله العدوان والاحتلال العراقي بهم.. يجسدون هول ما لمسوه من قتل وتشريد واسر، وما شاهدوه من تدمير وخراب لحق بكل مؤسسات الكويت عمرانية، وثقافية، وعلمية، وصحية، واجتماعية واقتصادية.
عندما نتحدث عن الشيخ جابر الاحمد الحاكم.. الوالد.. الانسان، فاننا لا ندعي اننا نعرف كل شيء خفي علينا، حيث ان لكل شخص خازنة لافكاره واسراره، فما بالك فيما لو كان هذا الشخص حاكماً، امتلأت حياته بالاحداث والآمال الجسام، اضافة الى عدم رغبته في الحديث عن نفسه، وعن اعماله مما يجعل البحث عن مناقبه الخفية اصعب على نفس وفكر الكاتب من تلك المعلنة الجلية، وهي ضرورة لان ذاكرته هي ذاكرة شعبه، وخفاياه هي خفايا واسرار امته. فذاكرة الشعوب في ذاكرة قائدها وملهمها تشكل عروة وثقى لا انفصام فيها، هي في الواقع تاريخ الامة وتراثها الاصيل البعيد عن زيف الواقع التاريخي للشعوب، والمرتكز على ما يبرزه جدل الاحداث، وتداخلاتها مع قائد المسيرة الشيخ جابر الاحمد عبر رحلته التاريخية منذ توليه حاكمية الاحمدي، ومناطق النفط، حتى اعتلائه سدة الحكم في البلاد راعياً لنهضتها وبانياً لاقتصادها، ومنمياً لمجتمعها الحديث.
هذه الافكار والخواطر وما يعتريها من تساؤلات كانت تزدحم بها رؤوسنا، وتدور سريعاً في اذهاننا، وتضغط بالحاح شديد على وجداننا، ونحن مقدمون على تدوين السيرة الذاتية للشيخ جابر الاحمد... الحاكم.. الوالد.. الانسان.
لقد كنا بحق امام معادلة صعبة قوامها تاريخ طويل حافل بالمنجزات لابد ان نتناوله بأمانة وموضوعية، وشخصية ديناميكية، لابد من انصافها واعطائها حقها كاملاً، وكلمة حق لابد ان نتمسك بها، ولا نحيد عنها.
نحن ندرك ان كتابة السير الذاتية لهؤلاء الزعماء، والقادة الذين تركوا بصمات على حياة ومقدرات شعوبهم، ومجتمعاتهم، ليست مسألة سهلة هينة، وان الامر يزداد تعقيداً وصعوبة اذا كانت تلك الشخصية لا تزال مستمرة في عطائها، تسير على درب الخير متفانية في خدمة وطنها وشعبها.
بعبارة اخرى، نجد في الجانب المعاكس انه من السهولة بمكان ان يتناول الكاتب حياة الطغاة، وخانقي انفاس الشعوب. ذلك لان جرائمهم ـ وهي كثيرة وعديدة ومتنوعة ـ تتحدث عن سيرتهم الذاتية لتشكل في النهاية اكبر دليل وشاهد على طغيانهم، وانحدارهم بمجتمعاتهم وشعوبهم الى الدرك الاسفل من الويلات، حيث الفقر والجهل والمرض، مهما ملكت هذه المجتمعات والشعوب من مقومات الحضارة في عهود تاريخية زاهرة مرت عليها، وتاريخنا الحديث مليء بمثل هذه الشواهد والعبر. اما الكتابة عن العظماء الذين اثروا حياة مجتمعاتهم وشعوبهم، وقادوا اوطانهم نحو التقدم والازدهار فهي مهمة ليست سهلة، بل هي مسؤولية تاريخية وادبية، تتطلب من الكاتب الثقة في ان يكون حذراً في خطواته، وان يتلمس الموضوعية وينشدها في كل حرف وعبارة ينتقيها ليسرد الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، خوفاً من الوقوع في شباك التطرف، سواء اكان بالمديح والثناء ام بالنقد الجارح المستهدف سلباً لجوانب معينة لحياة ومسيرة من سيكتب عنهم.
والشيخ جابر الاحمد واحد من اولئك الذين حباهم الله بالقبول، احب شعبه، وخدم وطنه باخلاص وتفان، فأحبه الجميع، واخلصوا له، فلا غرو في ذلك، فهو واحد من العظماء لانه استطاع ان يقود بلاده ـ مع غيره من حكام الكويت ـ من مجتمع اولي بسيط الى مجتمع حضاري مدني مترابط بأنظمته وقوانينه... مجتمع ديمقراطي، الحكم فيه لآل صباح، والامة هي مصدر السلطات.. مجتمع اسلامي عروبي يؤمن بأمته العربية اشد الايمان، رغم ما اصابه ايام محنة العدوان والاحتلال العراقي من نكران بعض الاخوة من العرب لوجوده ولاستقلاله وسيادته.
ان افكار الشيخ جابر الاحمد المتصلة بقضايا الامة العربية جلية وواضحة للعيان منذ ان دخل معترك العمل السياسي... لم يساوم يوما على عروبته وقوميته ومبادئه الانسانية، ولم يعد بيد ليأخذ بالاخرى.. كان دوماً المدافع عن قضايا الامة العربية من المحيط الى الخليج، وكانت قضية فلسطين، وشعب فلسطين، واردة باستمرار في ذاكرته ووجدانه حتى في احلك الظروف واصعبها. ففي الوقت الذي كان يناضل من اجل حرية وطنه وشعبه من طغيان النظام العراقي، كانت فلسطين، وشعب فلسطين، على لسانه وجزءاً من نضاله الوطني، سواء أكان ذلك في المحافل الدولية ام في خطابه السياسي للعالم. وكان يحارب على جبهتين في آن واحد.. تحرير الوطن وتحرير الانسان الفلسطيني، على الرغم من انحياز قادتهم لجانب قوى الاحتلال، وموقفهم غير المبرر من تحرير دولة الكويت، ودعمهم غير المحدود للمحتل لاستمرار احتلاله لارض الكويت وشعب الكويت.
«يتبع»[/frame]