[frame="1 80"]لقد امتد فكر الشيخ جابر الاحمد في المجال الاداري الى التنظيم المحلي، ونعني بذلك دعم المحافظات الادارية القائمة، واعادة تنظيمها وانتشارها لتوائم اوضاع المنطقة والمقيمين فيها، وهي اليوم ست محافظات، هي: محافظة العاصمة، محافظة حولي، محافظة الفروانية، محافظة الجهراء، محافظة الاحمدي، ومحافظة مبارك الكبير، وعلى رأس كل محافظة محافظ يتولى مسؤولية المساهمة في الاشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة، ومتابعة مشروعات خطة التنمية في دائرة محافظته، وتعرف احتياجات المناطق الواقعة ضمن دائرته، كما تم انشاء مجلس في كل محافظة سمي مجلس المحافظة، يقوم بمعاونة المحافظ في اداء مهامه المحددة في المرسوم الأميري.
وكان الشيخ جابر الاحمد قد اعتاد ـ خاصة في بداية حكمه ـ ان يقوم بزيارات تفقدية لهذه المحافظات، حيث يلتقي هناك بالمواطنين والمقيمين من اجل الوقوف على مشاكلهم ومتطلبات مناطقهم واحتياجاتهم الحياتية، ولهذا الغرض كان يلتقي دوما بوزراء الخدمات لكي يستعرض معهم بحث ما تم تنفيذه، وما هو في طور التنفيذ من الطلبات التي تقدم بها المواطنون في المحافظات المختلفة عند زياراته التفقدية لها.
وفي مثل هذه اللقاءات ايضا، كان الشيخ جابر الاحمد يبدي الكثير من الملاحظات حول موضوع فك تشابك الاختصاصات بين الوزارات، مؤكدا ان على المسؤول الاول في كل وزارة وعلى غيره من المسؤولين ـ مهما كانت مستوياتهم ـ ان يطلعوا على كل ما يجري في وزارتهم او ادارتهم او الاقسام التابعة لهم، وان لا يكتفي الوزير او المسؤول بالتقارير التي ترفع اليه، بل يجب عليه التأكد بنفسه من جدية هذه التقارير، وما هو مردودها على المصلحة العامة، مشيرا الى ان بعض التقارير التي تكتب عن الموظفين ليست كلها مطابقة للواقع، بل ان الموظفين ظلموا من جراء ذلك، وان على المسؤول ان يغوص في اعماق اعمال وزارته، وان يقوم بين فترة واخرى بزيارات لاداراتها واقسام كل منها ليطلع بنفسه على سير الامور، ومدى تسهيل معاملات المواطنين من قبل الموظفين الذين وجدوا اساسا لخدمة المواطن، وعلى المسؤول مكافأة من هو مجد ومخلص في عمله، ويخدم مواطنيه بتواضع ونشاط بدون ترفع او تعال.
وكان يؤكد في هذه اللقاءات للوزراء ـ باستمرار ـ ان هناك بعض الموظفين يوهم المراجعين واصحاب المصالح من المواطنين بان هناك اوامر عليا تمنعه من تلبية حاجاتهم، حين يريد التخلص منهم، وان المطلوب في هذه الحالة ان يستفسر المواطن من هذا الموظف عن تلك الجهة، ولا يكتفي بقبول كلامه امرا مسلما به، مؤكدا ان الموظف يعمل ضمن قوانين وانظمة، وعليه ان يخضع لها.
لقد اراد الشيخ جابر الاحمد ان يشعر المسؤولين كل في موقعه وبصورة قاطعة ان الحكومة في خدمة الشعب، وان الموظف في خدمة المواطن، وان الجميع في خدمة الوطن، ولم يكن اختياره لوزراء الخدمات على وجه الخصوص كي يجتمع بهم الا تعبير عن اهتمامه بحل مشاكل المواطنين.
وكان يحرص ـ دوما ـ ان يكون صريحا مع الوزراء، وذلك تأكيدا لمفهومه للخدمة الحكومية، وضرورة ان تتميز بالعطاء والتفاني بما يكفل تحقيق حقوق المواطنية التي حددها الدستور، واكدتها سياسة الحكومات المتعاقبة.
لقد اعطى الشيخ جابر الاحمد في هذه اللقاءات النموذج الذي ينبغي ان يحتذى به في قيادة العمل على كل المستويات، وهو بهذا يقدم لنا برنامجا للاصلاح الشامل للعمل الحكومي، وينبغي الا يفهم من ذلك انه تحرك وقتي يفقد حرارته مع الوقت، بل هو دعوة للقيادات الادارية وعلى رأسهم الوزراء ان يسعوا بصفة مستمرة لاحداث نقلة نوعية في عمل الجهاز الحكومي تواكب هذه الرؤية.
وفي هذا السياق ايضا، وبتاريخ 6 مارس عام 1989م، كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع الوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء العامين بوزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة... ومما قاله في هذا اللقاء: «... ان الكويت ستشهد نقلة نوعية وموضوعية تنقلها من حقبة الثمانينيات الى التسعينيات، تشمل معها جميع مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وانه سيكون لكل مواطن دور مهم في هذه النقلة، نأمل ان تسهم في رفع مكانة الكويت في الداخل والخارج»...
لقد اراد الشيخ جابر الاحمد ان يقول لكل مواطن: ان ما حققته الكويت من تقدم ليس كافيا بمعيار الطموح الذي يتميز به الانسان الكويتي بحكم طبيعته وفطرته، فالكويت التي يتطلع اليها والعالم على ابواب القرن الحادي والعشرين، ان تكون في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة والمعتمدة على ابنائها في احداث كل تطور ونمو ايجابي.
وفي هذا يقول ضمن ما جاء في كلمته في العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1405هـ، وعلى وجه التحديد في 4 يونيو عام 1986م: «... فمن ابرز موازين تقدم الحياة في امة ان يكون ابناؤها قادرين على القيام بمسؤولياتها واعمالها والاستجابة لآمالها، والامة كالجسد الواحد، حياتها في وحدتها وتكاملها وقدرة كل جهاز فيها على اداء وظيفته، وان العمل شرف وكرامة، ولقد مدح الله ـ تبارك وتعالى ـ كلا من الاعمال الفكرية واليدوية في كتابه العزيز، وكانت حياة اكثر الانبياء، عليهم صلوات الله وسلامه، جمعا بين عمل الفكر واليد واللسان»...
وفي سبتمبر عام 1989م، وفي لقاء مع اعضاء لجنة شؤون البلدية بمناسبة تعيينهم، تحدث الشيخ جابرالاحمد عن امور ادارية عديدة تهم اللجنة وكيفية اداء خدماتها للمواطنين، كان اهمها ذلك التوجيه الواضح والصريح الى وزير الدولة لشؤون البلدية حول اهمية التشاور مع اعضاء اللجنة، والرجوع اليهم لاخذ آرائهم في حال الرغبة في اصدار القرارات والتنظيمات، لما في هذا التشاور من اهمية في تسهيل مهمته، وتلافي الاخطاء باجماع الآراء، وتيسير مهمة مجلس الوزراء في الموافقة على هذه القرارات ليصب بالتالي كل ذلك في خدمة المواطن.
هذا التوجه، والفكر الديموقراطي الذي عبر عنه الشيخ جابر الاحمد ينسحب بلا شك على جميع الوزراء والمسؤولين في الدولة إذ لا بد من التشاور واخذ رأي اللجان، وجمعيات النفع العام، والهيئات الاهلية في حال الرغبة في اصدار تشريعات، او قرارات، او تنظيمات تمس مجال نشاطاتهم.
الليل والنهار تساويا أمام المحنة.. وإصرار سموه كان شديدا على عودة كل تراب الوطن وسيادته الشيخ جابر الأحمد.. عمل دؤوب وطاقة جبارة في مواجهة العدوان العراقي
الحلقة السابعة والعشرون
لقد كانت ساعة الغزو العراقي لدولة الكويت لحظات قاسية وعصيبة، وصدمة قوية للعقل والفكر والوجدان، والايمان بمشيئة الله وقدره، جعلت تلك اللحظات العصيبة والصدمة القوية تتهاوى امام ارادة الرجال وعزيمة الشجعان، فكان التأكيد والاصرار على تحرير الوطن، وان لا مساحة في العقل والفكر والوجدان للمساومة على الارض، وان الكويت لابد ان تعود بكامل ترابها وبحارها واجوائها... فكان للكويت ـ قيادة وشعبا ـ ما ارادت، وما عقدت العزم عليه، وان جاء الثمن باهظا وغاليا في الارواح والممتلكات، لكن الكويت في نفوس ابنائها هي الأغلى والاثمن في الوجود.
لقد كانت الكويت ـ دائما وأبدا ـ في فكر ووجدان الشيخ جابر الاحمد كما كانت في فكر ووجدان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح وكل كويتي محب لتراب وطنه، من هنا، ومنذ اللحظات الاولى كانت الشرعية الكويتية المتمثلة بالقيادة السياسية وعلى رأسها الشيخ جابر الاحمد في حالة عمل مستمر، يواصلون الليل بالنهار، فالوقت لا قيمة له اذا لم يقترن بانجاز كبير يضاهي عمق المأساة، وساعات العمل لا تحتسب اذا لم تتخذ فيها القيادة الكويتية خطوة الى الامام من اجل عودة الكويت حرة مستقلة.
كان الشيخ جابر الاحمد في حالة من العمل المتواصل والجهد الدؤوب، لم تكن هناك ساعات محددة لعمله، فالليل والنهار قد تساويا امام محنة الكويت، والنماذج التالية من جهوده وتحركاته توضح لنا حجم العمل وعمق المسؤولية وخطورتها، والاصرار على عودة الوطن بكامل ترابه، وسيادته، وعودة شعب الكويت لممارسة حياته الطبيعية على ارضه، وعودة الكويت ـ بقوة مضاعفة ـ للمشاركة في دعم نشاطات التنمية الدولية، ودعم قضايا الانسان والعدالة الاجتماعية في العالم.
لا شك ان خروج القيادة الكويتية وعلى رأسها الشيخ جابر الاحمد فجر يوم الغزو والعدوان الى المملكة العربية السعودية هو المسمار الاول في نعش النظام العراقي وقيادته الجائرة، ذلك لان المعتدي كان قد وضع في اعتباره وهو يجتاح الكويت الآمنة المسالمة في تلك الساعات المتأخرة من الليل، ان اول خطوة ينبغي له اتخاذها عند احتلاله الكويت ان يقضي على قيادته الشرعية، لكن آماله تحطمت بخروج القيادة الكويتية، واصابته حالة من الهذيان السياسي، وهو يبحث عن مخرج يبرر به عدوانه الآثم... فمن الحديث عن التصدي لمؤامرة امريكية ترتب ضد العراق من اراضي ودوائر واجهزة دولة الكويت، الى الحديث عن ثورة شعبية قادت انقلابا وتطلب الدعم والمساندة، الى المطالبة بحق تاريخي لو اخذ به، وعمل بموجبه لتغيرت خريطة العالم، واصبح العراق اول الخاسرين.
ان خروج قادة الكويت، ووصولهم آمنين سالمين الى المملكة العربية السعودية من الامور المهمة التي رفعت الروح المعنوية لشعب الكويت، ودعم صموده، ونظمت صفوفه في صور وأشكال مختلفة من المقاومة الوطنية، واصبح ذلك نقطة الانطلاق للعمل من اجل تحريرالكويت، ولذا فان هذا الخروج كان واجبا لبّاه اولئك الرجال حتى يتمكنوا من الحفاظ على الكويت وأهلها.
«يتبع»[/frame]