[frame="1 80"]
وهنا نجد «فيصل المزيدي» يمس هذا الجانب المهم في حياة كل كويتي، حين يشير الى واقعة عايشها شخصيا في مطلع الستينيات، فيقول: «... في عام 1963م عندما اختلفت الكويت مع «شركة دينورا DeـNora الايطالية» على مشروع انشاء مجمع البتروكيماويات في الكويت بسبب اخلال الجانب الايطالي ببعض بنود الاتفاق، ولجوء الجانب الكويتي الى فسخ العقد المبرم، دخل الطرفان في عملية تحكيم، حيث عقدت محكمة خاصة في مدينة الاحمدي، قضت بمساءلة الشيخ جابر الاحمد لكونه الموقع على عقود المشروع بصفته وزيرا للمالية، وقد شكلت المحكمة من جنسيات اوروبية، فأتى الجانب الايطالي بمحكم ايطالي، والكويتي بمحكم بريطاني «شوكروس»، واختار الاثنان محكما سويسريا، حيث جاء الحكم في النهاية لصالح الكويت، واسترجعت من الشركة بعضا من حقوقها».
هكذا، تجدنا امام هذه الواقعة مأخوذين بعظمة مواقف، وصدق مبادىء وافكار الشيخ جابر الاحمد الذي لم يتردد للحظة في المثول امام المحكمة، ومن معه من المستشارين آنذاك «احمد السيد عمر، حامد اليوسف، فخري شهاب، فيصل المزيدي» رغم تمتعه بحصانة كاملة... هذا الموقف يؤكد ـ بلا شك ـ نزعته القوية نحو الاخذ بالنهج الديمقراطي كحل للاشكالات الحياتية في اي مستوى كان، وهي صفة عدلية وديمقراطية متناهية، يندر ان نلمسها او نشاهدها في المواقع القيادية في دول العالم الثالث، بل وفي الكويت ذاتها.
وفي هذا الخط يستمر الشيخ جابر الاحمد في متابعة المسيرة الديمقراطية وتقييمه لها، وحرصه البالغ على استمراريتها، رغم ما حدث من تجميد لبعض مواد الدستور، وتعطيل لاعمال مجلس الامة في عهده، ولم يكن ذلك سوى وقفة تأمل ومراجعة لتعديل المسار الديمقراطي نحو مزيد من الحرية والديمقراطية، وهذا حق دستوري لقائد الامة اذا ما وجد ان الامور تسير في عكس اتجاه مصالح وارادة الامة.
فحماية المجتمع هي مسؤولية قائدها، وتصحيح الاوضاع التي تقود الى صراعات ونزاعات مجتمعية هو شأن تحاسب عليه هذه القيادة، وبالتالي فان الوقفة الانتقالية في النظم الديمقراطية ليست ظاهرة سلبية، بل انها خطوة ايجابية متى ما اريد منها تصحيح الاوضاع، وتصحيح المسار الديمقراطي نحو المزيد من المشاركة الشعبية المسؤولة والملتزمة باصول واعراف النهج الديمقراطي في كل معطياته، وهذا ما اراده الشيخ جابر الاحمد من تلك الوقفة التي رأى فيها البعض ارتدادا ونكوصا عن النهج الديمقراطي، فاذا بها تدعو الى المزيد من الديمقراطية والحرية المسؤولة.
ان الاتجاهات الفكرية للشيخ جابر الاحمد المتصلة بالحياة الديمقراطية والنيابية والحريات العامة، لا يمكن ان يرتقى اليها الشك، فهو يؤكد في كل مناسبة على ان الديمقراطية والشورى هي اساس الحكم، وضميره منذ البدايات الاولى لقيام المجتمع الكويتي.. هذه التأكيدات المتكررة منه، سواء في احاديثه المحلية ام في مواقفه العربية ام الدولية، تدل جميعها على ان الديمقراطية الكويتية نابعة من خصوصيات هذا المجتمع، مارسها الآباء والاجداد وفق معايير محددة تجسدت في عادات وتقاليد واعراف المجتمع.
ولمزيد من الايضاح فإن هذا الفكر يبرز جلياً في كلماته التي القاها امام دورات مجلس الامة الكويتي منذ عام 1966م، اي قبل ان يتولى ادارة الحكم في الدولة.. تلك الكلمات والعبارات التي تجسد بوضوح فكره في المسألة الديمقراطية واشكالياتها، سواء أكان فيما يتعلق بفصل السلطات وادارة شؤون الدولة، ام فيما يتعلق منها بتطور المجتمع وتقدمه الحضاري.
ان المرسوم الاميري رقم 73 لسنة 1998 الذي اصدره الشيخ جابر الاحمد في 22 ديسمبر عام 1998 بتعديل المادة 69 من القانون رقم 12 لسنة 1963 في شأن اللائحة الداخلية لمجلس الامة الكويتي بالسماح بنقل الجلسات العلنية عن طريق وسائل الاعلام المسموعة والمرئية «الاذاعة، التلفاز» في ذات اليوم، ما لم يقرر رئيس المجلس منع اذاعة بعض ما دار في الجلسة، هو الآخر يجسد بوضوح فكره وحرصه على الدفع بالديمقراطية خطوة الى الامام، وذلك مكن خلال نقل ما يدور تحت قبة البرلمان من حوارات الى شعب الكويت بأجمعه، مهما تباينت الآراء واختلفت حول الامور والمسائل والقضايا المطروحة امام المجلس.
وليس من شك في ان الحرية التي يؤمن بها المجتمع الكويتي وقياداته السياسية، وعلى رأسهم الشيخ جابر الاحمد، ايماناً يعسكه سلوك أهل الكويت، وتؤكده الممارسة اليومية في علاقات الناس بعضهم ببعض، وعلاقاتهم مع من يحملون مسؤولية الحكم، لم تكن يوماً شعاراً لمرحلة او مطلباً لفترة من الزمن، انما هي قوام حياة ابناء الكويت، مارسوها وحرصوا عليها جيلاً اثر جيل، حتى باتت سلوكهم المألوف وطابعهم المعروف، وبالحوار وجدت طريقها في سهولة ويسر الى الذين يحملون مسؤولية الحكم حيث تلقى الاعتبار والتقدير.
هذه المسيرة الحضارية المشرقة لوطن واحد، وشعب واحد، ومصير واحد، لم تستطع رياح عاتية ان تقتلع جذورها من عمق تاريخ الكويت، او ان تنال منها، وعلى الرغم من ان الكويت وقعت ضحية للعدوان والاحتلال العراقي، فإن مسيرة الديمقراطية ومؤسساتها الدستورية بقيت شامخة تواصل كفاحها ونضالها ضد الاحتلال، حتى كتبت لها نعمة الحرية والتحرر لتستكمل المسيرة الخيرة بقوة اكبر وحرية اشمل.. هذه الحقيقة الساطعة لم يدركها النظام العراقي. فأخطأ فهم طبيعة الجبهة الداخلية الكويتية، وظن واهماً ان ما طرحه بعض المواطنين المجتهدين من آراء لترتيب اوضاع البيت الكويتي، انما هو باعث خلافات وتناقضات بين ابناء الوطن الكويتي الواحد.
المرأة الكويتية والحق السياسي
لقد عُرف عن الشيخ جابر الاحمد انه في مقدمة رموز الكويت المدافعة عن قضايا المرأة الكويتية وحقوقها. وقد بدا ذلك واضحاً عند دخوله معترك العمل السياسي في مطلع الستينات وما قبلها، عندما كان يتولى حاكمية مدينة الاحمدي ومناطق النفط.
وبالرغم من تحفظ الكثيرين ـ في ذلك التاريخ البعيد ـ على دخول المرأة ميادين العمل المختلفة، ومحاولة حصرها في وزارات وقطاعات عمل محددة. كان الشيخ جابر الاحمد منسجماً مع مواقفه السابقة، ومع معطيات الواقع الجديد الذي بدأت الكويت تخطو اولى خطواتها نحوه، الامر الذي جعله يقف موقفاً معارضاً من تقييد المرأة في وظائف محددة، وانه لابد من افساح المجال لها للانخراط في الوظائف كافة، بل وتشجيعها للارتقاء في المناصب الادارية اسوة بالذكور من ابناء الكويت.
وكان دفاعه في ذلك، ان الفتاة الكويتية التي نالت ثقة الاسرة والمجتمع بالتزود بالعلم والمعرفة، ليس في الكويت فحسب، بل في الخارج ايضاً، يجب الا تتزعزع الثقة بها عند دخولها ميادين العمل. ذلك لان الفتاة التي استطاعت ان تحافظ على شرفها وسمعتها طوال فترة الدراسة، وفي جو مختلط لا تمييز فيه بين الذكور والاناث، فإنها سوف تكون جديرة بالمحافظة على شرفها وسمعتها في اي موقع يمكن ان تعمل فيه.
لم يكتف الشيخ جابر الاحمد بالافصاح عن مواقفه حيال قضايا المرأة الكويتية في اجتماعات مجلس الوزراء عندما كان وزيراً للمالية، او ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء. كما لم يكتف بالتعبير عن هذا الموقف من خلال تصريحاته ومؤتمراته الصحفية، وانما سطرها في كلماته وهو حاكم لدولة الكويت.
فقد جاء في الكلمة التي وجهها الى المواطنين في العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1411هـ، وعلى وجه التحديد في 7 ابريل عام 1991م: «... لقد اثبتت النساء الكويتيات خلال فترة الاحتلال جدارتهن وثباتهن، وتحملهن للمتاعب والشدائد كافة، وانهن لسن مترفات، كما يحلو للبعض ان يقول، بل شديدات على اعداء بلادهن، سواء اللواتي كن داخل البلاد أم خارجها...».
معلناً عن موقفه بايمان كبير، عندما يقول: «... وسوف يدرس موضوع مشاركة المرأة في الحياة النيابية بكامل دورها في بناء المجتمع والنهوض به...».
ويؤكد على هذا التوجه في كلمة له بمناسبة ذكرى العيد الوطني، والذكرى الاولى لتحرير الكويت في 22 فبراير عام 1992م، حين يشير: «... ان المرأة الكويتية التي تسعى لتحقيق ذاتها كعضو فعال ومنتج في هذا المجتمع، والتي بلغت الذروة في العطاء والفعالية والتضحية ايام المحنة، يجب ان تنال منا جميعاً المزيد من الاهتمام بما يتلاءم ودورها في مجتمع ما بعد التحرير..».
وفي 16 مايو عام 1999 اوفى الشيخ جابر الاحمد بهذا الوعد حين طلب من مجلس الوزراء تعديل قانون الانتخاب بما يسمح باعطاء المرأة الكويتية كامل حقوقها السياسية في الترشيح والانتخاب للمجالس والمؤسسات النيابية، وذلك اعتباراً من عام 2003م تقديراً منه للدور الحيوي والمهم والمتميز الذي تضطلع به المرأة الكويتية في بناء ونهضة المجتمع الكويتي والارتقاء به، وما قدمته من تضحيات جسيمة، ودور مسؤول وفعال ازاء مختلف التحديات التي تعرضت لها الكويت، وبخاصة اثناء فترة العدوان والاحتلال العراقي. منوهاً بأن المرأة الكويتية التي نجحت في كل المناصب التي تقلدتها عبر مسيرة الكويت لقادرة على القيام بواجباتها على اكمل وجه، ومشاركة الرجل بثقة ومسؤولية تامة في دفع عجلة التنمية والتقدم وبناء كويت المستقبل.
لقد أتت مبادرة الشيخ جابر الاحمد انجازاً تاريخياً يعكس حرصه على تجسيد معاني الديمقراطية، وتوسيع القاعدة الانتخابية والمشاركة الشعبية. ومن هنا، جاء المرسوم بالقانون رقم 9 لسنة 1999م، (انظر مرفق رقم 20) ليشكل منعطفاً تاريخياً في مسيرة الكويت الحضارية.. وفيما يلي شيء من ردود الفعل المختلفة على جميع المستويات:
ردود الفعل المحلية:
اشاد سفراء الدول المعتمدون لدى دولة الكويت بهذه المبادرة الاميرية الحضارية، ووصفوها بأنها خطوة ايجابية في تجربة الكويت الديمقراطية، وبخاصة ان عدد الاناث في الكويت يمثل اكثر من 50% من السكان الكويتيين حسب البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط، علاوة على تبوؤ نساء الكويت لارفع المناصب في الادارة الكويتية بمختلف قطاعاتها.
ومنذ اليوم التالي لاعلان الرغبة الاميرية توجهت وفود نسائية وشعبية كبيرة تمثل مختلف القطاعات، سواء أكانت في الادارة الحكومية ام القطاع الخاص ام ممثلين وممثلات عن الجمعيات والهيئات الاهلية والنقابات العمالية، وبخاصة الجمعيات النسائية، لمقابلة الشيخ جابر الاحمد بمكتبه في قصر بيان، وذلك للتعبير عن شكرهن وتقديرهن لاعطائهن كامل حقوقهن السياسية، الذي حسم جدلاً طال خمسين عاماً هو عمر مجلس الامة الكويتي حتى تاريخ اعداد هذا الكتاب.
وفي كلمة ترحيبية امام هذه الوفود اشاد الشيخ جابر الاحمد بالمرأة الكويتية،قائلاً: «...لقد كنت متابعاً لمسيرة المرأة الكويتية ودورها الوطني، ودائماً نسمع ان المرأة نصف المجتمع، وأنا لا اعرف لماذا يطلق عليها هذا الوصف دون ان تتحمل مسؤولية حاضر ومستقبل بلدها.
ومن هذا المنطلق، اتمنى ان يكون هذا الاجراء مفيداً، ويعطي قوة ومتانة لهذا البلد العزيز علينا. وانا على ثقة تامة بأن نساءنا سيكن عند حسن الظن بهن ليتحملن مسؤوليتهن في سبيل هذا البلد الطيب...».
وفي الوقت ذاته، اصدرت جمعيات النفع العام، والهيئات الاهلية الاخرى بيانات واعلانات تأييد وترحيب بهذه المبادرة الاميرية التي ستثري الحياة النيابية، وتنقل الكويت الى عداد الدول العريقة في التجربة الديمقراطية، وضمان الحريات العامة. كما ان الصحف الكويتية تناولت هذه المبادرة بالاشادة والتحليل، وبخاصة كتاب الزوايا في هذه الصحف، مثلما شهدت الكويت زخماً من اللقاءات الشعبية ابتهاجاً وسروراً بهذه النقلة النوعية في تاريخ الكويت الحديث.
«يتبع»[/frame]