[frame="1 80"]
السلام والتعاون الدولي
ان السلام العالمي والتعاون الدولي من القضايا الدولية ذات البعد الانساني، وهما المدخل الاساسي لارساء قواعد السلام والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر والعوز اينما كانا، وكسب صداقات دولية مبينة على ممارسات واقعية ومصالح مشتركة.
وليس ما سيأتي ذكره في الصفحات القادمة الا بعضاً من تلك الممارسات والجهود التي سعى الشيخ جابر الاحمد لتأكيدها على ارض الواقع من منظور علمي وعملي، يحفظ كرامة الدول وسيادتها، ويعمد الى سعادة البشرية وحمايتها، ونشر العدل والسلام في ربوع المعمورة.
في يوليو عام 1979م بعث الشيخ جابر الاحمد رسالة الى الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان حول تنظيم العلاقات العربية ـ الاوروبية، بعد ان شهدت هذه العلاقة الكثير من التقلب نتيجة سياسات فرنسا واوروبا عموماً تجاه شعوب دول العالم الثالث، من بينها الدول العربية.
لقد جاءت رسالته الى الرئيس الفرنسي لتحدد معالم الطريق الجديد للتعاون العربي ـ الاوروبي، حيث تميزت الرسالة بالتوازن العاقل، اذ انها لم تكتف بمطالبة اوروبا بدعم القضايا العربية العادلة، بل تجاوزت ذلك بلغة العصر، وهي لغة المصالح المتبادلة التي من خلالها يصبح الحديث مقبولاً.
وعليه، فإنه في هذه الرسالة ربط بين قضية العدل، وبين المصلحة العامة. فالدعم السياسي المطلوب هنا للعالم العربي، يقابله تأمين مصلحة اوروبا في ضمان استمرارية تدفق النفط.
من هنا، جاءت الرسالة لتكون بمثابة نقطة تحول في بناء العلاقات العربية ـ الاوروبية. وسوف يسجل له التاريخ بأن خطوته هذه كانت بمثابة حجر الاساس في مسيرة العرب الجديدة نحو بناء الذات والتحرر من عوامل الضغط والاحتكار.
في الفترة من 7 ـ 21 سبتمبر عام 1980م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة عدد من الدول الاسيوية في اول جولة عمل له منذ توليه مقاليد الحكم، شملت: «باكستان ـ بنغلاديش ـ اندونيسيا ـ ماليزيا ـ سنغافورة»، تركزت مباحثاته مع قادة ورؤساء هذه الدول حول علاقات الكويت معها في المجالات الاقتصادية والسياسية، ومجالات المال والاستثمار بما يحقق توسيع هذا التعاون وتنسيقه وتنميته كما تناولت المباحثات ايضاً تعاون الكويت، وهذه الدول في سبيل ابعاد منطقة المحيط الهندي، التي تشمل الكويت وهذه الدول عن الحروب، وعن تدخل الدول الكبيرة بكل اشكاله وصوره.
وفي مجال المال والاستثمار استهدفت مباحثاته مع قادة هذه الدول من اجل اقامة مشروعات في صناعة البتروكيماويات، ومختلف الصناعات التي تعتمد على النفط ومشتقاته كمادة اساسية فيها. وكانت جهات الاختصاص في الكويت قد طلبت ـ في نطاق التحضير لهذه الجولة ـ اعداد تصوراتها الخاصة حول مجالات التعاون مع الكويت بشكل عام والتعاون الاسلامي بشكل خاص.
وفي باكستان التي وصلها الشيخ جابر الاحمد في 7 سبتمبر عام 1980م، بدعوة من الجنرال محمد ضياء الحق رئيس الجمهورية، صدر بيان مشترك تضمن نتائج المباحثات التي دارت بين زعيمي الدولتين والتي شملت العلاقات الثنائية بين البلدين، والقضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبخاصة ما يعلق منها باقليم آسيا والعالم الاسلامي.
وفي هذه الزيارة امر ببناء عدد من المساجد والمدارس والمستشفيات، وحفر الابار للمياه في عدد من القرى الباكستانية هدية من شعب الكويت لشعب باكستان. كما قام بغرس شجرة في منطقة جبلية تشرف على مدينتي «اسلام اباد وروال بندي» وكان زعماء آخرون مثل المغفور له العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، وملكة بريطانيا اليزابيث الثانية، ورئيس الوزراء السوفييتي الكسي كوسيجن، ورئيس الوزراء الصيني الراحل شيوان لاي، قد قاموا بغرس اشجار مماثلة اثناء زيارات سابقة قاموا بها لباكستان.
وقال اثناء قيامه بغرس الشجرة: «... انني سعيد بأن اغرس هذه الشجرة تعبيراً عن علاقات المودة والصداقة القائمة بين شعبي باكستان والكويت. وانني اتضرع الى المولى العلي القدير ان يلهم شعبي بلدينا بذل جهودهما لتعزيز الاسلام، وايفاد المسلمين من اجل السلام والتفاهم في العالم...».
وفي بنغلاديش التي وصلها الشيخ جابر الاحمد في 11 سبتمبر عام 1980م، بدعوة من الرئيس ضياء الرحمن رئيس الجمهورية، صدر بيان تحدث حول الجو الودي والتفاهم المشترك الذي ساد محادثات الزعيمين، والمحادثات المثمرة بين الوزراء المرافقين له، ونظرائهم من جمهورية بنغلاديش، مؤكدين عزمهما المشترك على تطوير العلاقات وتنمية التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات لما فيه مصلحتهما.
وعليه، تم الاتفاق على مواصلة التعاون بين البلدين في مجال استكشاف النفط والغاز، وزيادة حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والدخول في المشروعات المشتركة ذات المنفعة المتبادلة هذا وقد تم خلال الزيارة التوقيع على اتفاقية النقل الجوي بين البلدين.
وفي مجال استعراض الزعيمين للوضع السياسي الدولي، اكد الجانبان على اهمية قيام المجتمع الدولي بتكثيف جهوده من أجل تعزيز السلام والامن في العام، والعمل على مواصلة الجهود من اجل اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد على اساس من العدالة والمساواة، وان النزعات الدولية يجب حلها في اطار مبادىء ميثاق الامم المتحدة وآلياتها. مع التأكيد على ضرورة تعزيز التضامن بين الدول الاسلامية والسعي لجعل المحيط الهندي منطقة سلام، وان الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط لا يمكن تحقيقهما الا بانسحاب اسرائيلي من جميع الاراضي العربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية المشروعة كافة، بما فيها اقامة دولته المستقلة.
وفي اندونيسيا التي وصلها الشيخ جابر الاحمد في 13 سبتمبر عام 1980م بدعوة رسمية من الرئيس سوهارتو، جرت محادثات بين الزعيمين تناولت مجمل العلاقات الثنائية والاسلامية والدولية، كما جرت محادثات مثمرة بين الوزراء المرافقين به، ونظرائهم من جمهورية اندونيسيا.
وقد صدر في العاصمة «جاكرتا» بيان يؤكد فيه الجانبان على حق شعبي افغانستان وكمبوديا في تقرير مصيرهما ومستقبلهما السياسي دون اي تدخل اجنبي او اكراه او ترهيب وان السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الاوسط لا يمكن تحقيقه الا بانسحاب اسرائيلي من جميع الاراضي العربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس. كما اتفق الجانبان على ضرورة بذل الجهود كافة من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الدول المتقدمة من أجل تحقيق تقدم ملموس نحو اقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، معربين عن قناعتهما بان تحقيق ذلك يجب ان يتم ضمن اطار الامم المتحدة.
وفي هذه الزيارة اعرب الجانب الكويتي عن استعداده لدراسة امكانية المشاركة في عدد من مشروعات التنمية في القطاعات الاساسية من الاقتصاد الاندونيسي، وكذلك في المشروعات المجدية في مجالات الصناعة والتجارة والزراعة، ومن بينها مشروع محطة «باتام» للتكرير. كما تم الاتفاق على عقد اتفاقية تجارية بين البلدين وتنمية العلاقات الثقافية والعلمية، ودراسة سبل تعزيز التعاون بينهما في مجالات التربية والعلوم والدراسات الحضارية.
بدعوة من رئيس الدولة الاعلى السلطان حاجي احمد شاه المستعين بالله، حيث استقبل والوفد المرافق له بحفاوة بالغة من قبل رئيس الدولة الاعلى وحكومة وشعب ماليزيا وفي جو من الود والصداقة استعرض الجانبان التطورات المتزايدة في علاقتهما الثنائية، وأكدا من خلالها رغبتهما المشتركة في تعزيز وتطوير هذه العلاقة وتوسيع مجالات التعاون في مختلف المجالات لما فيه مصلحة البلدين.
وفي ختام هذه الزيارة صدر في العاصمة كوالالمبور» بيان مشترك أكد فيه الزعيمان على جملة من المعطيات الثنائية والاقليمية والدولية، وفي مقدمتها بذل الجهود من أجل تطوير التعاون العلمي والثقافي بين البلدين، ودراسة امكانية المشاركة في عدد من مشاريع التنمية الاقتصادية والتجارية في ماليزيا.
وفي مجال استعراضهما للوضع السياسي الدولي، اعرب الجانبان عن قلقهما للتوتر وعدم الاستقرار الناتجين عن خرق مبادىء ميثاق الامم المتحدة، واكدا ايمانهما بان السلام الدائم لا يمكن تحقيقه دون الالتزام التام بتلك المبادىء ومراعاتها، وخاصة ما يتعلق منها بالاستقلال الوطني والسيادة والسلامة الاقليميتين لجميع الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم اللجوء الى القوة او التهديد بها في حل المشاكل الدولية.
من جانب اخر، أكد الجانبان ـ ايضا ـ على ضرورة تعزيز التضامن والتعاون بين الدول الاسلامية وشعوبها، وتعهدا باستمرار تمسكهما بمبادىء ميثاق منظمة المؤتمر الاسلامي، وتأييدهما التام للتعاون المثمر بين الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي.
كما اعرب الجانبان عن اهمية وحدة وتضامن دول عدم الانحياز، مؤكدين التزامهما التام بمبادىء واهداف الحركة بصفتها عاملا اساسيا لتعزيز السلام والامن في العالم.
انهى الشيخ جابر الاحمد زيارته الرسمية للدول الاسيوية بتاريخ 20 سبتمبر عام 1980م وكانت سنغافوره التي وصلها في 18 سبتمبر عام 1980م بناء على دعوة من الدكتور هنري بنيامين شريو رئيس الجمهورية، آخر محطة له في تلك الزيارة، حيث صدر بيان مشترك عن الجانبين «الكويت وسنغافورة» اكدا فيه تمسكهما بمبدأ عدم الانحياز، ورفضهما للتدخل الاجنبي في شؤون الدول الاخرى. ودعت الدولتان الى اقامة سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط قائم على اساس انسحاب اسرائيلي من الاراضي العربية المحتلة كافة، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، والسيادة والاستقلال الوطني.
كما أكد الجانبان على اهمية الدور الذي تلعبه منظمة دول جنوب شرقي آسيا في مجال تعزيز التعاون الاقليمي في جنوب شرقي آسيا بروح من المساواة والاحترام المتبادل من اجل تحقيق السلام والرخاء والتقدم في المنطقة.
وفي مجال استعراضهما للوضع السياسي الدولي، اكد الجانبان على ضرورة قيام جميع الدول غير المنحازة ببذل الجهود كافة لتعزيز السلام والامن العالميين، معربين عن قلقهما الشديد بالاتجاه نحو ممارسة التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، مبديين معارضتهما لهذا الاتجاه ولاستخدام القوة لحل النزاعات بين الدول. وان تكون الوسائل السلمية المتفقة والمنسجمة مع ميثاق الامم المتحدة،. هي الطريق لحل مثل هذه النزاعات الدولية.
واتفق الجانبان ايضا على ضرورة بقاء الجهود اللازمة من قبل المجتمع الدولي. وخاصة الدول المتقدمة من اجل ضمان التقدم الايجابي الملموس نحو اقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، كما اتفقا ـ ايضا ـ على ان الامم المتحدة هي الاطار المناسب لاجراء المفاوضات بشأن ذلك.
«يتبع»[/frame]