[frame="1 80"]
وقد وجه الشيخ جابر الاحمد بيانا الى القمة اشار فيه الى مجمل القضايا الساخنة في العالم الاسلامي شاكرا للملك الحسن الثاني ولشعبه وحكومته جهودهم المخلصة في توفير اسباب النجاح للمؤتمر، مؤكدا على ضرورة احياء ما نص عليه اعلان الدار البيضاء من وجوب ان يقوم التعامل بين الدول الاسلامية على روح الاخاء الاسلامي المبني على التفاهم والحوار دون اللجوء الى القوة والقتال.
منوها بالقمة الخليجية الخامسة عشرة التي عقدت في دولة البحرين، وبالموقف التضامني لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتلاحم دولها في مواجهة احداث الحاضر وتوقعات المستقبل.. هذه الوقفة الخليجية التضامنية التي عبر عنها قائلا «ولقد تعرضت منطقتنا لاخطار جسيمة تسببت في زعزعة ثوابتها وتدمير الكثير من انجازاتها وتبديد معظم طاقاتها في غير صالح ابنائها.
ومن ثم كان علينا - جميعا - ان نواجه احداث الحاضر وتوقعات المستقبل مواجهة جماعية تتلاحم فيها قوى مجلس التعاون الخليجي مؤمنين بان ايا منا مهما بلغت قوته لا يستطيع مواجهتها منفردا، وبحمد الله تعالى وتوفيقه كانت هذه الرؤية محل اتفاق بين جميع الاخوة قادة دول مجلس التعاون الخليجية وقد كان مما تحققه لنا هذه الرؤية التركيز على جانبي الامن والاقتصاد، اذ هما عصب قوتنا وهما في الوقت نفسه صنوان متلازمان.
وفي القمة الثامنة التي عقدت في طهران خلال الفترة من 9 - 11 ديسمبر عام 1997م كان للشيخ جابر الاحمد كلمة اشار فيها بمرارة الى واقع العالم الاسلامي فقال: «في تقديري ان علاقات العالم المعاصر بالامة الاسلامية تتأثر بأمرين اساسيين اولهما: وجودنا التاريخي بعلاقاته مع العالم القديم التي اعادت صياغته لقرون متتابعة وثانيهما: واقعنا الحالي بامتداده الجغرافي الذي يشغل اهم المناطق وسطية، واهم الامكانات، ولا ينفصل عن هذين بحال سواء علمنا ام جهلنا - اننا امة ذات رسالة والامة ذات الرسالة عليها واجب اساسي وهو ان تصون رسالتها من كل تشويه ينأى بها عن كل ما يشين صورتها وبخاصة اذا كان ذلك على ايدي اتباعها..».
ويمضي في هذا السياق مؤكدا: «.. فأي خسارة افدح من ان تدور بين الاخوة في البلد الواحد رحى القتال ضارية في اكثر من ارض اسلامية والافدح ان يكون ذلك باسم الاسلام الذي ينطق كتابه الكريم (انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) واي خسارة افدح من كون العالم ينظر الينا، فاذا بلد مسلم يشن حربا على جار مسلم تحصد النفوس والطاقات والعمران ثماني سنين وبعدها يغدر بجار مسلم اخر يريد ان يمحو وجوده! فلما لم يتم له ذلك راح يحتجز من المسلمين الابرياء المغلوبين على امرهم عددا كبيرا على انهم اسرى ليتخذهم رهائن لديه، مناقضا لقيم الاسلام ومبادىء الانسانية».
ويحاول الشيخ جابر الاحمد في اتون هذه المتناقضات والممارسات المرفوضة ان يتلمس نقطة التقاء تجمع مصالح المسلمين كافة فيقول «ان عالم اليوم هو عالم المصالح التي جعلت كثيرا من الدول تتجمع في تكتلات ووحدات بغية تحقيق اكبر قدر ممكن من المصالح لشعوبها فهل نعجز بصفتنا منظمة عن البحث الجدي من خلال وجود اخوي متعاون بعيد عن الانانية والاطماع وحب السيطرة ليكون لنا مكان او اكثر بين هذه الدوائر من الكتل والمجموعات؟».
ولتحقيق شيء من هذا يقترح اول خطوة على طريق التضامن والعمل المشترك فيقول «.. وفي سبيل تحقيق صورة ناصعة لامتنا، ودخول حلبة المنافسة التي تفرضها المرحلة الحالية، ارى ان يكون طريقنا الى ذلك ان نحدد، دون مزايدات ودون المساس بخصوصيات دولنا ضوابط الالتزام من كل الاطراف، واحترام المواثيق ونبذ العدوان..».
وفي هذا الاطار يمضي قائلا «.. وتتجه جهودها - في الوقت نفسه - نحو البحث عن الوسائل الممكنة البالغة الوضوح والتحديد والخطوات والمراحل لتحقيق اهدافنا الى البحث عن صيغة عملية نضمن من خلالها قدرا متفقا عليه من التنسيق بين مواقف الدول الاسلامية، فان لم يصل الى التطابق فلا يصل الى التضارب والتناقض..».
وفي ختام المؤتمر صدر اعلان عرف باسم «اعلان طهران» استنكر المؤتمرون من خلاله ما تقوم به اسرائيل من اعمال هادفة الى تغيير الوضع الديموغرافي في القدس، مشددين على ضرورة تخلي اسرائيل عن ارهاب الدولة وداعين الى جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل والطلب من اسرائيل الانضمام الى معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية ووضع كل منشآتها تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذا دعوة العراق الى استكمال تنفيذ التزاماته بموجب قرارات مجلس الامن الدولي المتعلقة بعدوانه على دولة الكويت.
وكان الشيخ جابر الاحمد قد صرح لوكالة الانباء الايرانية لدى وصوله الى مطار «مهرباد الدولي» ان ما بين دولة الكويت والجمهورية الاسلامية الايرانية من لحمة الجوار، وما يضمنها من تاريخ قديم زادها الاسلام عقدا ومتانة، وما يجمعنا من حاضر يفرض نفسه بكل ما يحويه من متطلبات لمواجهة تغييراته المتلاحقة، هذه العلاقة الثنائية تضعنا امام مسؤوليات جمة لا يتوقف اثرها على بلدين جارين وشعبين مسلمين بل يتعداها الى الصالح الاسلامي العام.
معلنا عن سعادته وتفاؤله بهذا اللقاء حين يشير «انني لسعيد ان اصل الى طهران لاشارك في القمة الاسلامية الثامنة التي تحتضنها وترعاه الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي لها اكثر من جانب مميز، وخصوصا، من زاوية الرؤية الكويتية ومن ثم فانني واثق بان هذه القمة الاسلامية ستتصدى بايمان وموضوعية لكل ما يهم عالم الاسلام من قضايا النهضة والتنمية ومواجهة التحديات الذاتية والعالمية من خلال الادارة الحكيمة للرئاسة الايرانية التي تحيط بكل ما يهم الامة العربية ويعلي شأنها».
لم تتوقف جهود الشيخ جابر الاحمد عند حدود ما سلف ذكره من مساع واجتهادات لتأكيد هوية منظمة المؤتمر الاسلامي في كل مناسبة دولية او اقليمية بوصفها تكتلا دوليا، لابد من ان يؤخذ في الاعتبار ضمن معطيات المنظومة الدولية بل تجاوز ذلك الى مآثر وانجازات عديدة لو سطرت بتفاصيلها لاصبحت اصدارا قائما بذاته.
فعلى المستوى المحلي قرن القول بالعمل حين اصدر في 2 ديسمبر عام 1991 م المرسوم رقم 139/91 بانشاء اللجنة الاستشارية للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية في دولة الكويت هذه اللجنة التي لا تزال الى اليوم تواصل اعمالها في تنقية القوانين الوضعية الكويتية بما يتواءم واحكام الشريعة الاسلامية السمحاء.
وفي ميدان المعرفة والثقافة كانت للشيخ جابر الاحمد جهود بارزة في تأكيد دور الاسلام والمسلمين في اثراء المعرفة والثقافة والحضارة العالمية وهذا ما حدا بمدير عام المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة «ايسيكو» في 12 نوفمبر عام 1996 م الى اهدائه درع المنظمة تقديرا لمواقفه الداعمة للارتقاء بانشطة المنظمة، واهتماماته في مجال المعرفة العلمية والتربوية والثقافية.
وفي مجال الاعمال ا لخيرية، وبخاصة النشاطات المساندة لجهود المنظمات والتنظيمات الاهلية والاسلامية، كانت له دوما يد بيضاء ومبادرات كريمة نابعة من ايمانه باهمية العمل الشعبي المرادف والمؤازرة للانشطة وللفعاليات الرسمية وكان النشاط الخيري واحدا من ابرز تلك الاهتمامات التي اولاها عناية كبيرة، وبخاصة في الدول الاسلامية المتضررة نتيجة للحروب او الكوارث الطبيعية تجلى في دعمه للهيئات الاهلية الساعية لاعمال الخير واسعاد البشرية في القارة الافريقية وغيرها من المناطق المحتاجة لمثل هذه الخدمات في العالم.
الأسرة الدولية
اولى الشيخ جابر الاحمد اهتماماً بالغاً للقضايا الدولية في مجملها، وبخاصة تلك القضايا المتصلة بالوطن العربي والامة الاسلامية..هذا الاهتمام الذي لم يقل حماساً عن اهتمامه بقضايا الكويت، او تلك القضايا الساخنة المتصلة بالشأن العربي والاسلامي.
فقد كان ينظر الى القضايا العالمية كوحدة واحدة وفي حلقات متصلة، وان كانت لكل منها خصوصيتها، الا ان تأثيراتها وتداعيات احداها على الاخرى جعلت قضايا هذا الكون قضية واحدة، ومنبعها الاقتصادي او السياسي هو امتداد لبعضها. وكان فكر الشيخ جابر الاحمد في معالجة القضايا الدولية ومصادرها الاساسية يتضح بشكل جلي في المقترحات والمبادرات التي كان يتقدم بها الى المحافل الدولية سعياً وراء حلول مناسبة، لعلها تمكن المجتمع الدولي من الوصول الى حال من الانفراج تزيل عنه مخاطر الانزلاق في حرب كونية، لا يعرف الانسان مداها وتأثيراتها المدمرة للبشرية، بعد ان اصبح العالم يمتلك اليوم من سلاح الدمار الشامل ما يمكنه من ان يفني الكرة الارضية برمتها.
لقد عانت البشرية الكثير من الحروب السابقة، سواء أكانت الحرب العالمية الاولى ام الثانية، ام الحروب الاقليمية المحدودة، ورغم امكاناتها وادواتها التقليدية في عملية المواجهة، ما زالت هناك مجتمعات تعاني الى اليوم من آثارها المدمرة. فاذا كانت القدرات المحدودة بالامس قد تركت مثل تلك الاثار المفزعة، فماذا سيكون عليه الامر في الغد حين تتبارى دول عددية، سواء اكان ذلك في العالم المتقدم ام في دول العالم الثالث، في التصدي لبعضها بأدوات وآليات ووسائل يمكن ان تفني الجميع؟
هنا، كان الشيخ جابر الاحمد يرى دوماً ان الفكر الانساني اذا ما استخدم استخداماً سليماً ومنتجاً وموجهاً نحو خدمة البشرية والانسانية والسلام، فإنه سيكون اقوى واكثر فاعلية من ادوات وآليات الدمار الشامل. لذا فإن جميع المبادرات التي تقدم بها للمحافل الدولية في هذا الصدد كانت نابعة من ذلك الفكر وفي نفس الاتجاه، وهذا ما نلمسه في الحوارات الدولية اليوم بعد ان وضعت الحرب الباردة بين المعسكرين اوزارها، واصبحت لغة الكلام والحوار البناء هي المنهج الذي يسير في فلكه عالم اليوم في حل المعضلات السياسية وقضاياها الساخنة بعيداً عن التهديد والوعيد باشعال حرب عالمية ثالثة. كما كانت الحال في الفترات العصيبة التي واجهها العالم ابان الحرب الباردة.
نحن لا ننكر انه في اطار هذا التوجه الحضاري الداعي لعالم نظيف من الصراعات والحروب، برزت تيارات سياسية اعتمدت لغة العنف والارهاب طريقاً للمواجهة في حسم صراع الحضارات، ونسي اصحاب هذه المدارس ان العالم قد دخل الالفية الثالثة بعقلية جديدة تحاول من خلاله اعادة صياغة تاريخ الانسانية، لتكون اكثر اشراقاً وتفاؤلاً لمستقبل آمن كان يوماً حلم البشرية.
نقول ذلك، لان سياسة الكويت التي اتخذت الوسطية منهجاً لها، والتي اكدها الشيخ جابر الاحمد على مسامع العالم في اكثر من مناسبة،هي سياسة تقوم على مبادىء الوفاق والسلام العالمي، وتنبذ العنف والارهاب على مختلف اشكاله.. سياسة تنبع من روح القانون الدولي والنظام العالمي الجديد القائم على قوة القانون والشرعية الدولية، واستخدام الادوات والصلاحيات التي يوفرها ميثاق الامم المتحدة، مع التمسك والحفاظ على الهوية العربية والتراث الاسلامي السمح.
«يتبع»[/frame]