[frame="1 80"]
وكانت مواقفه على الدوام واضحة، سواء أكان من خلال طرحه السياسي اثناء المداولات في لقاءات القمة ام من خلال مقترحاته لكيفية التصدي للعدوان اينما كان مصدره، حتى باتت سياسة الكويت يوماً، في نظر بعض الدول الاوروبية والولايات المتحدة الامريكية، سياسة غير مرضية، ولم يسلم هو نفسه من هذه النظرة، والتحليل والتفسير السياسي، حين اتهم بأنه ينحى منحى يسارياً في سياسته الدولية، وكان رده حينها، بقوله: «... اهلاً بذلك اذا كان فيه سعادة لشعبي، وسعادة للامة العربية...».
وكان للقضية الفلسطينية حضور مستمر في فكر الشيخ جابر الاحمد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وكان يرفض دوماً المساومة على قضية الشعب الفلسطيني، وكانت افكاره في هذا الصدد تسبق عباراته وكلماته، وكان اعتزازه بحركة التحرير الفلسطينية اعتزازاً كبيراً، ليس لكونها نبتت على أرض الكويت وفي ظل رعايته فحسب، بل لكونها واحدة من حركات التحرر العالمي الذي كان مولعاً بالدفاع عنها، ايماناً منه بحق الانسان في الحياة وحقه الكامل في استعادة ما سلب منه.
لم يترك الشيخ جابر الاحمد فرصة او مناسبة تمس القضية الفلسطينية الا كان في صدارة قادة الدول العربية في الدفاع عن الحق الفلسطيني، بل نستطيع ان نقول: انه اكثر قادة الدول العربية حزناً والماً على المحن التي كانت تصيب الشعب الفسلطيني في الشتات. لقد كان حزنه بالغاً في ايلول الاسود، وما اصاب الشعب الفسلطيني في مخيمات اللاجئين في صبرا وشاتيلا.
وكان دوماً متضامناً مع الشعب الفلسطيني في يوم التضامن، حتى باتت مشاركته في هذا اليوم من القضايا السياسية المحورية في فكره الانساني والسياسي. وفيما يلي شيء من تلك المواقف المشرفة مع الشأن الفلسطيني على جميع المستويات، وذلك على سبيل المثال لا الحصر:
في نوفمبر عام 1979م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للأمم المتحدة بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. جاء فيها: «... لقد صمد الشعب الفلسطيني طوال ثلاثين السنة الماضية امام انواع الظلم والجحود كافة في المجتمع الانساني، وظل وحيداً يكافح ويناضل من اجل حقوقه واسترجاع وطنه. فإذا لم ينصف العالم هذا الشعب المظلوم، ويقف بجانبه حتى ينال حقوقه المشروعة، فإن مأساة الشعب الفلسطيني ستظل تعكر اجواء السلام والتفاهم بين الدول، وبخاصة في منطقة حساسة من العالم كالشرق الاوسط...».
وفي نوفمبر عام 1980م، وبمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للامم المتحدة، دعا فيها: «... الى كل محب للسلام، ونصير للحق والعدالة والحرية، وكل ذي ضمير حي نبيل الاحساس من المؤمنين بالقيم والمبادىء الاخلاقية العليا، لان يبذلوا جهوداً جادة في سبيل مساندة قضية هذا الشعب المظلوم، والعمل من اجل التوصل الى حل عادل لقضيته التي ـ وبالتأكيد ـ يشكل عدم حلها خطراً على السلام العالمي...».
وفي نوفمبر عام 1982م اكد الشيخ جابر الاحمد على ان المأساة التي عاشها الشعب الفلسطيني، اكثر من اربعة عقود مضت، تعد بحق صورة مؤلمة لتنكر المجتمع الانساني للقيم الاساسية التي يجب ان تعم هذا الكون، وتسود العلاقات بين اممه المختلفة.
وقال في الرسالة التي وجهها الى السكرتير العام للامم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: «... ان قضية هذا الشعب واجهت من الظلم والتعسف والتشويه مالم تواجهه اي قضية اخرى..».
وناشد في رسالته الشعوب المحبة للسلام والعدل كافة، وكل نصير للحق والعدالة والحرية للعمل على تضافر الجهود المخلصة لمساعدة الشعب الفلسطيني من اجل نيل حقوقه الانسانية المشروعة، حتى لا تكون مأساته عنواناً لتجاهل المجتمع الدولي والانساني لابسط الحقوق الانسانية.
وفي نوفمبر من عام 1983م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى المجتمع الدولي، من خلال السكرتير العام للامم المتحدة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، اكد فيها مجدداً تضامن الكويت الكلي مع الشعب الفلسطيني، حين قال: «... ان مأساة هذا الشعب لم يشهد عصرنا الحاضر لها نظيرا، وان الكلمات تعجز عن وصف ابعادها.. هي قضية شعب انتهكت فيها حقوق الانسان والاعراف والقوانين المرعية كافة..».
ويمضي في رسالته قائلاً: «... ان ستة وثلاثين عاماً مرت على القضية الفلسطينية، وهي تستصرخ العدالة، وما من مجيب، ولا يزال العدو جاثماً على صدور الشعب الفلسطيني يلاحقه، ويضع العراقيل تلو الاخرى للحيلولة دون حل القضية، وابقائها معلقة بين السماء والارض...».
ويدعو الامم المتحدة، والمجتمع الدولي للعمل على رفع لواء الحق والعدل والانصاف في ربوع العالم دون تمييز، بدلاً من الاخذ بيد الظالم ومؤازرته على ظلمه، وبذل كل جهد ممكن لاتاحة الفرصة للشعب الفلسطيني لتحقيق امانيه المشروعة، والعيش بسلام على ارض آبائه واجداده.
ويشدد على مبدأ العدالة، فيقول: «... ويكفي القاء نظرة واحدة على خريطة فلسطين، عند التقسيم، وعلى خطً تعيين الحدود ـ آنذاك ـ لفضح محاولات المعتدي التوسعية، فيظهر للعيان الى اي مدى تمادى في غيه دون ان يردع، عندها يتساءل كل ذي ضمير ماذا اقول لاصحاب البلاد الشرعيين؟.. اين العدالة يا ترى؟...».
وفي نوفمبر عام 1984م، وبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني اعلن الشيخ جابر الاحمد ان استمرار المشكلة الفلسطينية دون حل يشكل تحدياً للقوى الكبرى وللشرعية الدولية.
وطالب في رسالة وجهها الى السكرتير العام للامم المتحدة، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، بالعمل من اجل تحقيق حل سريع وعادل لهذه القضية.
واعرب عن امله في ان تتوج بالنجاح الجهود المبذولة لتحقيق آمال وأماني الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والكرامة الانسانية.
وبمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للامم المتحدة في نوفمبر عام 1985م، دعا فيها المجتمع الدولي والدول الكبرى الى مساعدة هذا الشعب من اجل استرداد حقوقه المشروعه على تراب وطنه، مشيراً الى الممارسات غير الانسانية لقوات الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في الاراضي المحتلة التي تتم تحت سمع وبصر الامم المتحدة والمجتمع الدولي.
ويضيف مستعرضاً مأساة الشعب الفلسطيني، فيقول: «... لقد مر نحو اربعين عاماً على النكبة التي حلت به والتي لم يشهد التاريخ المعاصر نظيراً لها، ولا يسع المرء الا ان يتساءل حائراً، لماذا تعثرت قضيته، وبقيت تسير في متاهات، وفي حلقة مفرغة طوال هذه المدة؟.. كيف عجزت الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها؟.. «والى متى يظل المعتدون ماضين في سياستهم التعسفية القمعية القائمة على الامر الواقع؟».
ويمضي في تساؤلاته قائلا: «واين هي حقوق الانسان؟.. هل حقوق الانسان هي فقط في هجرة اليهود من شتى بقاع العالم الى فلسطين؟.. أما اصحاب البلاد الشرعيون.. اولئك الذين اغتصبت ارضهم، وطردوا، وشردوا، وفقدوا حريتهم، وهدرت كرامتهم، فليسوا على البال مطلقا. وفي غضون ذلك يحظى المعتدون ـ على الدوام ـ بالتأييد التام من القوى العظمى، مما يشجعهم على التمادي في غيهم، ويزيد المسألة تعقيدا، بل يقف حجر عثرة في وجه تنفيذ القرارات».
وفي هذه الرسالة يقدم الشيخ جابر الاحمد للاسرة الدولية حلا عمليا لقضية انسانية مزمنة، مر عليها اكثر من اربعة عقود من الزمان، فيقول: «وفي رأينا، ان خير وسيلة للتوصل الى نتائج ملموسة في هذا السبيل. هي عقد مؤتمر دولي تحت رعاية دولية، تشترك فيه جميع الاطراف المعنية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني».
وفي ديسمبر عام 1986م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للأمم المتحدة، اكد فيها ان الوقت قد حان لاتخاذ خطوات عملية وفعالة لحل القضية الفلسطينية. وان تجاهلها يمثل ـ بدون شك ـ عائقا كبيرا لعملية التطور والتنمية في الدول العربية، والمنطقة باسرها.
داعيا في الوقت نفسه الدول الكبرى والتكتلات الدولية بان تقوم بدور اساسي في حل المشكلة، احقاقا للعدل، واحلالا للسلام والامن العالميين. وقد توجه في دعوته هذه الى دول السوق الاوروبية المشتركة على وجه الخصوص، حين قال: «ان باستطاعة السوق الاوروبية المشتركة ان تساهم ايجابيا في حل المشكلة الفلسطينية، حتى يتسنى لهذا الجزء المتفجر من العالم ان يعيش حقبة جديدة في الرفاه والاستقرار، وفي جو تعمه المحبة والرخاء».
ويضيف مستنكرا: «اننا ندين كل سياسة تقف حائلا امام المساعي الهادفة الى حل القضية الفلسطينية، ونجدد تأكيدنا لمناصرة الشعب الفلسطيني في كفاحه لاستعادة حقوقه المشروعة.
ثم يتساءل، الى متى ستبقى القضية الفلسطينية تدور في حلقة مفرغة؟ ألم يحن الوقت لحلها بطريقة عملية وبخطوات فعالة؟
«يتبع»[/frame]