[frame="1 80"]لم تكن الدورة السابعة عشرة لاجتماعات المجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي عقدت في مدينة الدوحة خلال الفترة من 7 ـ9 ديسمبر عام 1996م، اقل حماسا عن غيرها من دورات المجلس في الدفاع عن الحق الكويتي، فقد اعرب البيان الختامي الذي صدر عن اجتماعات المجلس عن الاسف البالغ لاستمرار حكومة العراق في سياسة المماطلة حيال تنفيذ جوانب أساسية في التزاماتها الدولية، وفي مقدمتها استكمال ازالة اسلحة الدمار الشامل، والافراج عن الاسرى والمرتهنين من مواطني دولة الكويت والدول الاخرى، والالتزام بآلية التعويضات، واعادة جميع الممتلكات الكويتية، والامتناع عن القيام باي عمل عدواني او استفزازي للدول المجاورة، امتثالا لقرار مجلس الامن رقم .949
كما اعرب البيان عن قلقه الشديد ازاء استمرار الحكومة العراقية في اخفاء اسلحة خطرة وفتاكة، واعاقة اعمال مهمة للجنة الخاصة التابعة للامم المتحدة المكلفة بازالة اسلحة الدمار الشامل العراقية، مؤكدا دعمه المستمر لجهود اللجنة الدولية.
لقد قدرت الكويت هذا الموقف الاخوي الملتزم، وبدا ذلك واضحا في كلمة الشيخ جابر الاحمد التي القاها في الجلسة الختامية لاعمال الدورة نيابة عن اخوانه قادة دول الخليج، جاء فيها بين امور اخرى: «لقد منّ الله ـ تعالى ـ على دولنا بكثير من الخير، واعلى ذلك واكثره بركة نعمة الاخاء بين شعوبنا، التي قربت بينها الحياة الاجتماعية الواحدة لقرون متتابعة، فضلا على روابط الاعراق والاوطان واللغة والدين، ثم كان من صنع الله لنا ما اتسمت به قياداتنا من الحكمة والرفق وايثار الصالح العام، مما جعل ما بيننا من روابط تمتد وتترسخ، فتزداد المحبة والاخاء، وتنمو المودة والصفاء واصبحت منظومة مجلس التعاون مضربا للمثل في التعاون بين الدول الهادفة الى خير الشعوب وصالحها المشتركة».
كما بدا ذلك واضحا في تصريحه الصحفي، اثر عودته الى أرض الوطن، من اشادة بالحوار البناء، وبروح الاخوة والتفاهم اللذين سادا اعمال الدورة، معبرا عن تقديره واعتزازه لما انتهت اليه الاجتماعات من قرارات مهمة، وبما اكده قادة دول المجلس من قلق ازاء استمرار النظام العراقي في مماطلته في تنفيذ قرارات مجلس الامن كافة. بدءا من اطلاق سراح الاسرى والمرتهنين، ومرورا بالتعاون مع اللجنة الخاصة المكلفة بازالة اسلحة الدمار الشامل، والالتزام بآلية التعويضات واعادة الممتلكات الكويتية، الى جانب الامتناع عن ممارسة اي تهديد او عمل عدواني او استفزازي لجيرانه، وكذا ما اكده البيان الختامي من مسؤولية النظام العراقي وحده تجاه المعاناة التي يعيشها سعب العراق.
وفي لقاء جديد على ارض الكويت عقدت الدورة الثامنة عشرة خلال الفترة من 20 ـ 22 ديسمبر عام 1997م، وكان للشيخ جابر الاحمد ـ رئيس الدورة ـ كلمة في الجلسة الافتتاحية، قال فيها:
«وبالامس القريب، الذي ما زالت اثاره قائمة، تصدى هذا المجلس لأعتى ضربة مخربة، ونجح في صدها، وما زال يعالج جراحها. والامر الثاني: ان اعباء العمل الجماعي من خلال مجلس التعاون الخليجي، ظلت منذ البداية والى الان، معصوبة في معظمها برؤوس القادة، معتمدة على حكمتهم، تتقدم رويدا رويدا، تضبط الاناة خطواتها، وتكف من غلوائها حتى تتبع الخطوة سابقتها، مؤمنين ان الحركة الوئيدة الى الامام، انجح الف مرة من هرولة تضطرنا الى الارتداد او التوقف. وكان دور الشعوب في تلك الفترة، مفعما بالحماسة مليئا بالطموحات والاحلام، تغلب عليه «الفزعة» العربية المعروفة، دون فلسفة متبلورة للعمل الجماعي، حتى تتحقق ثمراته للمجموع. وعلى المدى المستمر».
ويمضي قائلا: «ان حروب المصالح اليوم اعتى عتوا وأشد ضغطا وأشرس فعلا من حروب الجيوش. فحرب المصالح تعني الاستئثار بالمنافع الى اقصر درجة ممكنة. وجنود حرب المصالح واسلحتها تسعى الى الاستيلاء على العقول والنفوس قبل الاستيلاء على المواد والمنافع، فهناك الاعلام الذي غدا يندس الى اعمق اعماق القلوب، وهناك التكنولوجيا التي يعني تطورها اليومي تكثيفا لقوى قاهرة وقدرات مهيمنة، وهناك الارهاب، الذي يبدو انه صناعة محكمة، لا يدري احد من مفردات سفرتها الا القليل، وهناك التناقضات التي لا يخلو منها مجتمع، والتي غدت كقنابل موقوتة، يلعب بها القادرون على ملئها، وعلى دقة توقيتها».
ويستطرد مؤكدا: «ان مفهوم الامن لدى شعوبنا ودولنا، ومهما تختلف الاجتهادات في توصيفه، يرتكز على حماية دولنا، وصيانة مجتمعاتنا، والمحافظة على ثرواتنا. وليس خافيا ان مكامن الخطر ومصادر التهديد لا يمكن تجاهلها ولا اغفال مصادرها فهي موجودة مهما بعدت. ومن ثم فانه لا بد لنا من التاكيد على تحقيق مبدأ الدفاع الجماعي والبناء العسكري الشامل لقدراتنا، لنتمكن من التصدي للاخطار».
ويتجدد لقاء المجلس في دورته التاسعة عشرة في رحاب دولة الامارات العربية المتحدة في الفترة من 7ـ9 ديسمبر عام 1998م، لدراسة جملةمن الامور اتفقت عليها جميع الاطراف في مقدمتها تطور الاوضاع السياسية والامنية في المنطقة. شارك الشيخ جابر الاحمد في اعمال الدورة بفاعلية ومسؤولية كعادته في الدورات السابقة. وما تصريحه الصحفي الذي ادلى به لدى وصوله الى ابو ظبي الا انعكاس مسبق للاهمية البالغة التي اولاها للقاء.. ذلك التصريح الذي جاء فيه: «ان منطقتنا التي تمثل بموقعها محطة جذب عالمي بحاجة دائمة الى التعامل الديناميكي والمتجدد وفق تغيرات الروابط الدولية، فضلا عن خصوصية العلائق داخل الاقليم، وضمن المنظومة العربية والاسلامية، والمنظمات العالمية».
ويمضي في تصريحه الصحفي: «ومن ثم فان لقاءنا، في هذه القمة التاسعة عشرة، هو احد السبل التي تعبر عن موقف موحد يضمن لنا ما تصبو اليه كل الشعوب من الاستقرار والرخاء، كما ان الحوار بين الاخوة القادة، وتبادل المشورة، ومناقشة وجهات النطر نهج لنا دائم ومستمر».
وفي مثل هذه اللحظة لم ينس ان يشير الى آماله وتطلعاته المستقبلية لمسيرة المجلس، حين يقول: «وفي هذه القمة يحدوني الامل في ان تسهم القرارات التي نتوصل اليها في تلبية بعض طموحات شعوبنا، مع ثقتي بان الرئاسة الحكيمة للقمة التي يتولاها اخي الشيخ زايد بن سلطان، سيكون لها اثر واضح في مسيرة الحوارات وعلاج المسائل المطروحة باذن الله».
ولدى وصوله الى ارض الوطن عائدا من رحلة الخير والعمل، ادلى بتصريح صحفي جسد فيه روح التعاون والتضامن الذي ساد اعمال دورة المجلس، وما دار فيها من مناقشات وحوارات ايجابية، حين قال: «كان لقاؤنا الخليجي ـ كما هو معهود ـ لقاء مفيدا للغاية تبادل فيه الاخوة قادة دول الخليج العربية الآراء والافكار حول الاوضاع والشؤون المحلية المشتركة بصراحة ووضوح، وبروح اخوية مخلصة، عكست عمق الترابط وقوة التلاحم، والرغبة الاكيدة في تعزيز وتقوية اواصر الاخاء والتعاون».
وفي هذا السياق أكد الشيخ جابر الاحمد على اهمية الدور الذي يلعبه مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مسيرة السلام والتعاون الدولي، حين يشير: «ولقد أظهرت القمة لاالخليجية التاسعة عشرة ما يحتله مجلس التعاون الخليجي من مكانة مهمة في المجال الدولي، وذلك لما يحضره من ضيوف، وما توجه اليه من رسائل من الدول الكبرى، ولا شك في ان هذا يمثل تقديرا للدور البناء الذي يضطلع به على الساحة الدولية، وما يتبناه من اهداف خيرة تعمل على اشاعة السلام والتفاهم والتعاون لخير الجميع».
وكعادته في مثل هذه المناسبات المهمة، ترأس الشيخ جابر الاحمد اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء بتاريخ 12 ديسمبر 1998م حضره رئيس مجلس الامة الكويتي ووزير شؤون الديوان الاميري الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح حيث قام بتقديم عرض وشرح للقضايا والموضوعات التي تم بحثها في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي تمت في مناخ مفعم بروح الاخوة الصادقة، وروح المسؤولية والتفاهم التي ترجمت الوعي المشترك بحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها دول المجلس في ظل التطورات والمتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وما تستلزمه من خطوات جادة تعكس عمق الروابط، وقوة التلاحم بين دول المجلس وتجسد وحدة الهدف والمصير المشترك لابنائه كافة.
وفي البحرين وخلال يومي 30 ك 31 ديسمبر عام 2000م صدر عن الدورة الحادية والعشرين للمجلس الاعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اعلان «اعلان المنامة» تضمن تسعة بنود، اعتبرها المراقبون مؤشرات مستقبلية جادة نحو الوحدة الخليجية المرتقبة، وهي:
اولا: تعزيز وتقوية مسيرة مجلس التعاون بمزيد من التنسيق والتعاون والترابط والتكامل، وذلك بتبني استراتيجية موحدة، في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية والاجتماعية والاعلامية والثقافية والعلمية، قوامها وحدة الهدف والمصير المشترك.
ثانيا: ترسيخ مبدأ الامن المشترك لدول المجلس بتعزيز التعاون والتنسيق في القضايا الامنية والدفاعية حماية لامنها القومي والاقليمي، وحفاظا على استقلال دولها وسيادتها ووحدة اراضيها في اطار مبادىء اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس والالتزام بها.
ثالثا: حث الخطى لاقامة الاقتصاد الخليجي الموحد، الذي لا يمكن ان يظل بعيدا عن تأثيرات الاقتصاد العالمي لتمكينه من التعامل مع الكيانات الاقتصادية الكبرى، وذلك من خلال اعادة النظر في الانظمة والقوانين الاسترشادية لتحويلها ـ بعد تقييمها ـ الى انظمة وتشريعات جماعية، وفق قاعدة عامة. وفي اطار زمني محدد.
رابعا: اعطاء الاولوية في المرحلة المقبلة من مسيرة التعاون للقطاعات الاقتصادية، تمشيا مع ما يسمى بالاقتصاد الجديد القائم على المعرفة والتقنية، وخصوصا قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الالكترونية، حيث يتوقع ان تشكل هذه القطاعات في المستقبل مصدرا مهما من المصادر الرئيسية للنمو الاقتصادي، الامر الذي يحتم سياسات واجراءات من شأنها اعطاء دول مجلس التعاون السبق والميزة النسبية في استقطاب وتوطين هذه الانشطة الاقتصادية والتجارية.
خامسا: تعزيز استقرار اسعار صرف عملات دول مجلس التعاون، وذلك من خلال الاتفاق على مثبت مشترك لعملات دول المجلس، وتنسيق السياسات المالية والاقتصادية والنقدية تمهيدا للوصول الى العملة الموحدة لدول المجلس، وقيام الاتحاد النقدي فيما بينها.
سادسا: النظر في تسريع برنامج قيام الاتحاد الجمركي، وتوحيد التعرفة الجمركية بين دول مجلس التعاون التي تم الاتفاق عليها في القمة العشرين بالرياض، والتعجيل كذلك بقيام السوق الخليجية المشتركة.
سابعا: التنسيق فيما بين دول المجلس لدراسة الالتزامات والتعهدات التي تقدمت بها دول المجلس الى منظمة التجارة العالمية، ضمن الاتفاقات التي تضمنها المنظمة ووضع آلية مناسبة، وجدول زمني مناسب للبدء في تطبيق تلك الالتزامات فيما بين دول المجلس.
ثامنا: دراسة امكانية استحداث آليات فعالة، يناط بها تسوية المنازعات التي تحيلها اليها الدول الاعضاء المعنية فيما يتعلق بتطبيق الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول المجلس، والقرارات الصادرة عن المجلس الاعلى في الشؤون الاقتصادية واعطاء دور اكبر لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون.
تاسعا: اعادة النظر في اعتماد اسلوب الاجماع بشان اتخاذ القرارات الاقتصادية، وذلك بعد ان قطعت دول المجلس شوطا كبيرا في مسيرة التعاون المشترك.
«يتبع»[/frame]