[frame="1 80"]أزمة الغذاء والتضخم العالمي في الستينات كانت مدخلا لتقديم الغذاء المدعوم للمواطنين الأمير: كثيرون دخلوا سوق المال دون خبرة بهدف الربح السريع وخلقوا أزمة المناخ
الحلقة السابعة عشر
في الحلقة السابقة تطرقنا لحكمة سمو الأمير في التعامل مع الازمات مستشهدين بازمة سوق المناخ وازمة الغزو وغيرهما وفي هذه الحلقة نواصل القاء الضوء على بعض الازمات التي واجهها سموه بحنكته وسياسته الرشيدة.
أزمة المواد الغذائية والتضخم العالمي:
لقد عصفت بالعالم في حقبة الستينات ازمة اقتصادية عالمية عاتية تتمثل في التضخم المالي والنقدي. انهارت معه النظم المالية والاقتصادية لاغلب الدول التي تأثرت مباشرة بهذه الازمة وتداعياتها الكارثية.
ولما كانت هذه المشكلة العالمية. وما أفرزته من تفاقم حاد في معدل تضخم اسعار المواد الاولية والسلع الغذائية، فقد اولاها الشيخ جابر الاحمد جل عنايته واهتمامه لتفادي الكويت وشعبها افرازات هذه المشكلة وتداعياتها، وفي هذا السياق يقول سموه في احدى المناسبات «لقد شهد العام الماضي على المستوى العالمي تفاقما حادا في معدل تضخم اسعار المواد الاولية والسلع المصنفة، وكان لذلك انعكاسه على سوقنا المحلي الذي يتميز بارتباطه الوثيق وسرعة تأثره بالسوق العالمي، وقد واجهت الحكومة هذه الحالة بما يناسبها من إجراءات فعالة وستواصل اتخاذ ما يلزم من الوسائل والاجراءات والتدابير لحماية المستهلكين والعمل على توفير الاحتياجات من المواد الغذائية والضرورية.
وحول هذه الازمة وحماية المجتمع الكويتي من آثارها، يتحدث عبداللطيف البحر، فيقول: «اتذكر اثناء عملي في مكتب سمو الشيخ جابر الاحمد، وكان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء في ذلك الوقت، ان أزمة اقتصادية عصفت بالعالم في اوائل الستينيات، وارتفعت اسعار الحنطة والمواد الغذائية ارتفاعا كبيرا، وتأثرت الكويت بذلك مثلها مثل الدول الاخرى. فطلب سموه الاجتماع بالمسؤولين عن الجمعيات التعاونية لتدارس الموقف واتخاذ الاجراءات اللازمة الكفيلة بمعالجة هذه الازمة. كما امر ان تقوم شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية باستيراد المواد الغذائية بالسعر العالمي، وتوزيعها على الجمعيات التعاونية لتسويقها بسعر مدعوم عن طريق البطاقات التموينية.
وعلى ضوء ما تقدم، انشئت الشركة الكويتية للتموين في 4 اغسطس عام 1973م بناء على التجربة التي قامت بها شركة المطاحن، والتي كانت تقوم بالعمل نيابة عن مكتب سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، حيث كانت تعرض على المكتب المواد الغذائية لشراء المناسب منها، وتوزيعها على المستهلك من خلال الجمعيات التعاونية.
هذا وقد أخذت دول نفطية اخرى عن الكويت هذا النظام الحمائي لنجاحه وفاعليته، وبعد سنوات من تطبيقه برعاية الشيخ جابر الاحمد ومعالجته الواعية للازمات وخاصة تلك التي تمس القوت اليومي للشعب، او تهدد أمنه الغذائي.
أزمة سوق الاوراق المالية الثانية:
وتأتي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1409هـ الموافق 21 ابريل عام 1989م ليلقي الشيخ جابر الاحمد مزيدا من الضوء على الوضع الاقتصادي في الكويت بعد ازمة سوق الاوراق المالية الثانية، والمسمى بسوق المناخ قائلا: «لقد تعرض الاقتصاد الكويتي في الثمانينيات لمؤثرات عالمية باعتباره من اسواق الاقتصاد الحر، والمؤثرات داخلية اضعفت الدورة الاقتصادية واصابتها بالضمور.
وان الكويت التي تخطت المشكلات السياسية المعقدة والتي استهدفت كيانها، غير عاجزة ـ بعون من الله ـ وبتعاون ابنائها ـ عن تخطي مشكلاتها الاقتصادية».
وفي لقائه مع الصحفيين ورجال الاعلام الكويتي، القى مزيدا من الضوء على هذه الازمة، حين قال: «لقد دخل الى سوق الاوراق المالية شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي، وكان دخولها دون سابق معرفة او خبرة او تخطيط، وبدون ارادة واعية. وكان هدفها الوحيد هو الربح السريع والسهل، وقد رأت ان مثل هذا الامر لا يتوافر الا في سوق الاوراق المالية، حيث الحصول على المال اصبح سهلا وميسورا، ولا يتطلب اي جهد سوى القليل من راس المال حتى يتضاعف بصورة خيالية. وقد شجعهم على ذلك ما حصل عليه بعض المتعاملين من مكاسب سريعة وكبيرة اغرتهم بالتوجه الى السوق والمقامرة على حساب اعمالهم ووظائفهم.
مبرزا اثر الازمة على المجتمع الكويتي، فيقول: «عندما حدثت الازمة وتشابكت، حاولنا ايجاد الحلول الكفيلة، ليس من اجل صغار المتعاملين، او من اجل انقاذ سمعة الاقتصاد الكويتي فحسب، وانما كانت الجهود متجهة لانقاذ المجتمع من التفكك والارتباك، فصغار المتعاملين يشكلون الاغلبية الساحقة. وهم بالتالي مسؤولون عن اسر ليس لها ذنب سوى ان عائلها، او من يعيلها كان من ضمن المتعاملين ومن ضحايا ازمة السوق المالية الذين انجرفوا في هذا التيار، فكان الهدف من اصدار القانون 59 لعام 1982م حماية هذه الاسر من التفكك والضياع».
ويضيف في هذا السياق، قائلا: «إن ما دعانا الى اعداد المرسوم المعروض حاليا، هو الحاجة لتعديل بعض قوانين وزارة التجارة الخاصة باجراءات التفليسة، والتي نعتقد انها سوف تخفف عدد المتضررين، وقد طلبت الحكومة من مجلس الامة الاستعجال في البت بهذا المرسوم، لانه كلما طالت الفترة زاد الضرر. والحكومة تامل من المجلس ان يناقش هذا المرسوم في اقرب فرصة ممكنة، وتعديله او اقراره مع ما تتطلبه المصلحة العامة».
وفي حديث آخر لرجال الصحافة والاعلام الكويتي يعود بالازمة الى المشكلات الاقتصادية العالمية، فيقول: «يمكن ارجاع 80% من المشكلة الى المشكلة الاقتصادية العالمية، وهذا شيء اساسي، بينما ترجع 20% من الازمة الى العوامل المحلية، فقاعدة الاقتصاد كانت راسخة حتى عام 1976م، وظلت كذلك حتى نهاية السبعينات، وما حدث في اول الثمانينيات هو استثناء عارض لا يمثل الاقتصاد الكويتي، ونحن جميعا مسؤولون عن حدوثه لذلك يجب ان نبدأ من جديد في اعادة بناء اقتصادنا الوطني».
ويضيف قائلا: «هناك دول عديدة تعرضت لما هو اكثر من ذلك، وواجهت حروبا طاحنة خسرت معها اقتصادياتها، ولكنها تمكنت في سنوات قليلة من اعادة بناء نفسها واصبحت قوية اقتصاديا».
وفي هذا الحديث الصحفي يحاول الشيخ جابر الاحمد ان يتلمس بعض الحلول، فيقول: «هناك فكرة اولية تقدم بها بعض المواطنين ممن ليست لهم علاقة مباشرة بازمة سوق الاوراق المالية، وما نتج عنها. وتتلخص الفكرة في انشاء شركة للخدمات العامة والاستثمار برأسمال 100 مليون دينار كويتي، تطرح اسهمها لكل الكويتيين خاصة المتقاعدين، واصحاب المعاشات والايتام، وجمعيات النفع العام، والاتحادات الطلابية والرياضية، والنقابات العمالية، والمساهمين في الشركات المقفلة، بحيث لا يدخل ضمن هؤلاء من استفادوا من صندوق صغار المستثمرين».
«يتبع»[/frame]