[frame="1 80"]أزمة تخفيض العملة:
يذكر لنا حمزة عباس الازمة الاولى، فيقول: «عندما حدثت الازمة الاقتصادية العالمية في العقد السادس، قامت بريطانيا في عام 1967م بتخفيض الجنيه الاسترليني، وحيث انه كان لدولة الكويت استثمارات كبيرة في بريطانيا بالجنيه الاسترليني. ولارتباط الدينار الكويتي بالعملة البريطانية، فان هذا الاجراء الذي اقدمت عليه الحكومة البريطانية قد انعكس سلبا على اوضاع الكويت الاقتصادية. فبادر سمو الشيخ جابر الاحمد بالدراسة ووضع الحلول والاختيارات، فكان امامه أحد البديلين التاليين: اما تخفيض الدينار الكويتي بالتبعية، او عدم اللجوء للخفض. فجاء رأي مجموعة الاقتصاديين الوطنيين ـ بعد الدراسة ـ بعدم الخفض. وكان هذا الرأي من رأي سموه وذلك حتى لا تتأثر القوة الشرائية للدينار،ويتضرر بذلك الشعب الكويتي. وقد حدث الشيء نفسه بعد ارتباط العملة الكويتية بالدولار الامريكي. ولم يوافق سموه ابدا على تخفيض قيمة الدينار الكويتي بعد تخفيض الدولار مرتين متتاليتين عام 1973م وعام 1978م من منطلق منظوره السياسي والاجتماعي للخفض، حفاظا على دخول ومدخرات المواطنين، وبعد ذلك اصبح الدينار الكويتي مرتبطا بسلة العملات».
دعم دول الصمود والتصدي:
وحول هذه الازمة ايضا يحدثنا حمزة عباس فيقول: «لقد حدث بعد حرب يونيو عام 1967م ان طلب من الكويت ان تسهم في الدعم المادي لدول الصمود والتصدي، وهي دول المواجهة، وتشمل كلا من مصر وسوريا ولبنان والاردن بجانب المقاومة الفلسطينية، وكان نصيب الكويت 55 مليون جنيه استرليني سنويا، وكانت تساوي 55 مليون دينار كويتي في ذلك الوقت وكانت الميزانية الكويتية آنذاك متواضعة، وتزامنت هذه الازمة مع ازمة تخفيض الجنيه الاسترليني، السابق ذكرها، مما ترتب عليه انخفاض استثمارات الكويت في بريطانيا مقابل الدينار الكويتي بحوالي 14%..».
ويمضي حمزه عباس، فيضيف: «... كان الدعم يدفع سنوياً من ميزانية الدولة لانه لم يكن في مقدورها ان تدفع من استثماراتها الخارجية. ولم يكن امامها سوى ثلاثة خيارات، يمكن ان تتصرف بموجبها:
1ـ اما ان تصرف سنوياً 55 مليون جنيه استرليني من الاحتياطي العام، والمتمثل في الاستثمارات الخارجية «والذي لم يكن يتعدى في ذلك الحين 300 مليون جنيه استرليني»، فتتلاشى كلها خلال ثلاث او اربع سنوات.
2ـ واما ان يوضع المبلغ في الميزانية العامة للدولة فيصبح جزءاً من المصروفات، وتتبع في ذلك مبدأ التقشف وضغط المصروفات.
3ـ او ان تقترض الدولة من البنوك، او تسييل الاحتياطي كي تستطيع الدفع.
وبعد الدراسة اتخذ سمو الشيخ جابر الاحمد قراره السياسي بالاخذ بمبدأ وضع المبلغ في الميزانية العامة للدولة..».
ويختم حمزه عباس حديثه قائلاً: «... وقد وصف الاقتصاديون المحليون والعالميون في الستينات هذا الحل بالسياسة المالية الحكيمة التي حفظت مسار الاقتصاد الوطني من الهزات، وان ترتب عليها وقف الكثير من المشروعات غير الحيوية لمدة ثلاث سنوات، خاصة وان موجة من هجرة النازحين من الضفة الغربية قدمت الى دول الجوار العربية ودول الخليج، فزادت الاعباء على المؤسسات الحكومية، والمرافق التي كانت موجودة...».
أزمة السوق المالية الاولى:
واجهت الكويت عام 1976م ازمة طاحنة في سوق الاوراق المالية متأثرة بالاحوال الاقتصادية العالمية المتأزمة في ذلك الوقت، وانهيار اسواق الاسهم بسبب الانعكاسات الخارجية، ادى الى هبوط الاسعار بشكل غير معقول وحول ادارة الشيخ جابر الاحمد لهذه الازمة، واهتمامه بانهاء تداعيات سوق الاوراق المالية الكويتية، ووضع الحلول العاجلة للقضاء على مسبباتها، والرجوع بها الى سابق عهدها في دعم الاقتصادي الكويتي يقول عبد اللطيف البحر: «.. لقد عمل سمو الشيخ جابر الاحمد منذ تفاقم الازمة على دراسة الوضع، ووضع الحلول العاجلة لمعالجة الازمة وآثارها، فأمر سموه بتشكيل مجموعة محددة ومتخصصة لدراسة ومعالجة هذا الامر، ممثلة بوزير المالية، ووزير التجارة، ومحافظ البنك المركزي، وممثل عن غرفة تجارة وصناعة الكويت، اضافة الى بعض الشخصيات الاقتصادية، وهم: السادة عبد العزيز البحر، وخالد ابو السعود، وعبد اللطيف البحر، وكانت اجتماعاتها ـ بتوجيه من سموه ـ تتم في غاية السرية. لكنه صدر بيان صحفي لحظتها يعلن بأن الموضوع قيد البحث والدراسة، وتحت نظر سمو ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الاحمد...».
ويمضي البحر، فيشير الى الحلول التي ارتأتها المجموعة لعلاج الازمة، فيقول: «... وفي نطاق توجيهات سمو الشيخ جابر الاحمد حددت المجموعة الخطوط العريضة لتصورها عن علاج المشكلة، وشدد سموه على عدم تسريب اي من قراراتها او الدراسات المتعلقة به، حتى لا تكون هناك محاولة للالتفاف حولها والكسب من ورائها، وكانت هناك ـ وفي الوقت نفسه ـ مراقبة دقيقة لوضع السوق حتى لا يكون هناك ادنى تسريب...».
ويضيف البحر الى ما سبق ذكره، فيقول: «... لقد كان من ضمن توصيات المجموعة اقتراح بدعم السوق بحوالي 200 مليون دينار، فتحفظت وزارة المالية على ضخامة المبلغ المقترح، فتدخل سموه معلناً موافقته على الدعم المطلوب، منوهاً بأن هذا قرار سياسي اتخذه كرئيس للحكومة، ومفوض من سمو امير البلاد ـ آنذاك ـ الشيخ صباح السالم الصباح. ذلك لان الازمة تمس اقتصاد دولة، ومصائر مواطنين تضرروا بالازمة. وبعد التواصل لخطوات العلاج النهائية للازمة خصص سموه جلسة سرية برئاسته للنظر فيها، واقتصر الاجتماع على الوزراء الاعضاء في المجموعة لضمان عدم تسرب القرارات. وقبل الجلسة طلب سموه اغلاق البورصة، وصدر اعلان بأنه في الساعة الرابعة عصراً سيصدر بيان حكومي يشتمل على اجراءات معينة تخص سوق الكويت للاوراق المالية. عندها اوقف التعامل بالسوق حتى لا يكون هناك مجال يؤثر على مساره، وقامت الدولة «وزارة المالية»، ممثلة بشركتي الاستثمارات الكويتية والاستثمارات الخارجية، بشراء الاسهم من كل من يرغب بالبيع وفقاً لاخر سعر اقفال وصل اليه سعر السهم، ونتيجة لذلك استحوذت الدولة على حوالي (60%) من اسهم بنوك وشركات كبرى...».
ويسترسل البحر في حديثه قائلاً: «.... وفي الوقت نفسه بدأت البنوك المتضررة بالقيام باجراءات الحجز على مساكن المواطنين لعدم قدرتهم على دفع الفوائد المقدرة بـ 7% فأصر سمو الشيخ جابر الاحمد على الا يتم الحجز على سكن خاص لاي من المواطنين.
وتدخلت الدولة بأمر من سموه لحماية المواطن والتخفيف عنه، وحماية البنوك في الوقت ذاته بصفتها جزءاً مهما من البناء الاقتصادي، بأن تضع الدولة ودائع بالمؤسسات المالية بسعر 5،3% حتى لا يلزم المواطن بدفع اكثر من نسبة الـ 5،3% المتبقية..».
وهنا يؤكد البحر بأنه: «.... نتيجة لبعد نظر سموه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فقد ازدهر الوضع العام في الدولة وخاصة في الجانب الاقتصادي، وتم تعديل مسار السوق، وارتفعت اسهم الشركات، وحققت الارباح لمتانة موقفها الاقتصادي وعوضت الدولة ما قدمته من دعم لعلاج الازمة والمقدرة بحوالي 200 مليون دينار كويتي، حيث بلغت قيمة الاسهم التي اشترتها الحكومة حوالي 800 مليون دينار كويتي، محققة بذلك ارباحاً فاقت التوقع. وقد شهد لسموه رجالات الاقتصاد المحليون والعالميون على هذه القيادة الواعية في ادارة وعلاج هذه الازمة الاقتصادية..». وحول ادارة هذه الازمة ومعالجتها، يشير الاقتصادي عبد العزيز البحر، فيقول: «.... وعلى ما اذكر فقد مرت علينا ازمة عايشتها ابان عملي مع الشيخ جابر الاحمد، وهي ازمة شبيهة بأزمة سوق المناخ، معروفة بأزمة سوق الاوراق المالية عام 1976م، وكان سموه يعيش ويفكر في الازمة وحلها منذ بدايتها، فاستدعانا، ونحن مجموعة، اذكر منهم الاخ حمزه عباس محافظ البنك المركزي، ومعنا عضوان آخران، وكلفنا بدراسة الموضوع وبحثه، وطرح علينا توجيهاته وتصوره لحل الازمة ليكون محوراً لعملنا. وللحقيقة، فإن العلاج السريع الذي طرحه علينا سموه، واتخذته المجموعة مفتاحاً لعلاج الازمة، جعل الناس لا يشعرون بوطأة الازمة، او يتأثرون بها بشكل مباشر، ولم تترك تلك الازمة حتى تتفاقم، وتفت في عضد السوق الكويتية للاوراق المالية، والتي تعتبر احدى ركائز الاقتصاد الكويتي الحر..».
ويضيف البحر بعد ذلك، فيقول: «... ومرت الازمة بسلام مدعومة بقرار سموه السياسي، واستفاد من الحل كل من الدولة والمواطنين، والمؤسسات المالية التي تفادت الخسائر التي تترتب ـ عادة ـ على حدوث مثل هذه الازمات، حتى ان الدولة باعت بعد ذلك ما اشترته من المواطنين بأضعاف قيمته، وكانت النتائج تدل على حنكة وخبرة سموه وحسه الاقتصادي الفطري المعروف، وكان الحل محلياً معتمداً على المجموعة الكويتية التي ترأسها سموه، ولم تتم الاستعانة بأي مستشار، او خبير من الخارج...».
هكذا، وبفضل حكمة الشيخ جابر الاحمد، واستشرافه للمستقبل، ومعالجته للامور الاقتصادية، ومن خلال منظوره الثلاثي الذي يربط الاقتصاد بالتنمية والمجتمع، فقد اصبح للجهاز المالي الكويتي حضوره في السوق المالي العالمي من خلال المؤسسات المالية التي انشأها في هذه الاسواق «لندن، نيويورك، سنغافورة»، وغيرها من العواصم المالية العالمية، الامر الذي يعتبر ضرورياً للاسهام في عملية تحقيق التكامل بين الاقتصاد الخارجي والاقتصاد المحلي الذي يعززه، بالتالي وجود سوق رأس المال القوي، الذي يضم سوق الاسهم «الرسمية والموازية» وسوق السندات، والتي يتم تطويرها كي تتحقق لها المرونة اللازمة للتكيف مع الظروف الاقتصادية، والمحافظة على استقرار الاقتصاد الوطني، واستقرار معدلات التنمية في انشطته المختلفة، ومن خلال تنظيم قواعد الاصدار والاسعار والتداول، والحد من المضاربات، وحسن اختيار وسطاء الصفقات داخل هذه الاسواق.
بهذا، اصبحت للكويت خبرة محلية في كيفية مواجهة عوامل اختلال سوق الاوراق المالية، وخاصة بعد ازمة سوق المناخ عام 1982م، اذ استطاعت ان تبتكر الوسائل المواجهة آثار هذه الازمة، وغيرها من الازمات الاقتصادية، سواء أكان بالتشريعات ام بالاجراءات المالية والنقدية.
كما ان وجود هذا المستوى لسوق النقد وسوق رأس المال في الكويت، وتطويره برعاية الشيخ جابر الاحمد، مكّن من ابتكار ادوات السياسة النقدية والمالية، ليس فقط في تعبئة المدخرات الوطنية، بل ـ ايضاً ـ في تخصيص الاستثمارات بما يخدم توسيع القدرة الاستيعابية والبيئة الاقتصادية للكويت.
«يتبع»[/frame]