[frame="1 80"]واذكر ان اول شركة اسستها الدولة على هذا النحو، هي شركة البترول الوطنية، تبعتها شركة صناعة الكيماويات، فمطاحن الدقيق والمواصلات، والشركة الكويتية للاستثمار، والشركة الكويتية للتجارة والمقاولات والاستثمارات الخارجية. وقد شجع ذلك القطاع الخاص، فأسس عدداً من الشركات كبنك الخليج والبنك الاهلي، والشركة الدولية للاستثمار.. الخ.
وتلا عمليات التأسيس وتحقيق اغراض الشركات بدء عمليات التداول بأسهمها، بيعاً وشراء، على اسس استثمارية وتجارية، مما خلق سوقاً منتظمة تحكمها قواعد ونظم، تضعها، وتشرف عليها الدولة...».
وفيما يلي، بعض النماذج من هذه الشركات التي تكفل الشيخ جابر الاحمد برعايتها ووضعها على بداية الطريق، دعماً لمسيرة الاقتصاد الكويتي:
شركة النقل العام الكويتية:
يحدثنا عبد اللطيف البحر بأن فكرة انشاء شركة للنقل العام نبعت من فكر الشيخ جابر الاحمد، فيقول: «.... كان سموه ينظر الى قيام اي مشروع اقتصادي من منظوره الثلاثي الشهير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فجاءت شركة النقل العام الكويتية احدى الشركات التي تأسست وليدة فكره ابان توليه وزارة المالية، بهدف توفير الخدمات الاساسية بأيسر السبل واقل تكلفة للفئات غير القادرة من المواطنين والوافدين، ولضمان قيام الشركة بوظائفها المطلوبة لذوي الدخول المحدودة، وبالتالي فإنه، من الناحية المجتمعية لم يكن الهدف هو معيار الربح....».
وهنا تجدر الاشارة بأن شركة النقل العام الكويتية تأسست بموجب المرسوم الاميري رقم 60 لسنة 1962م، وكان اسمها في حينه «شركة المواصلات الكويتية» كما كانت اسهم الشركة موزعة بين الافراد والحكومة، وبنسبة 50% لكل منهما. وفي اغسطس عام 1985م تم تغيير الاسم لتصبح «شركة النقل العام الكويتية» وتشجيعاً للمواطنين للمساهمة في هذا المشروع، أمنت الدولة للمساهم في حينها حداً ادنى مضموناً بفائدة قدرها 5%.
شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية:
ولما كان اهتمام الشيخ جابر الاحمد عظيماً بكل الامور الخدماتية التي تهدف الى خدمة ورفاهية المواطن ورفع المعاناة عن كاهله وتلبية احتياجاته الضرورية، فقد بارك بحماس فكرة تأسيس شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية كاحدى المؤسسات الخدمية المباشرة لمختلف فئات الشعب، محققاً بذلك ضمان توافر الامن الغذائي للشعب بأسعار مدعومة من الحكومة.وفي هذا السياق يقول عبد اللطيف البحر: «... كان تأسيس شركة المطاحن الكويتية نظرة ذات ابعاد عميقة، اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً، وكانت هي الاخرى شركة خدماتية توفر احتياجات الناس. وقد ساهمت الحكومة فيها ايضاً بنسبة 50%، وضمنت ـ تشجيعاً للمساهمين ـ عائداً بحد ادنى قدره 10% كربح مضمون، وهي نسبة اعلى من الارباح البنكية، وفي الوقت نفسه فإن منتجاتها على اعلى درجة من الجودة وبسعر مناسب للمستهلك، وهي اعباء لا يمكن ان يتحملها القطاع الخاص وحده.
وقد قامت هذه الشركة نتيجة لدمج شركتين هما: شركة مطاحن الدقيق الكويتية التي تأسست عام 1961م وأدمجت في عام 1988م مع شركة المخابز ليصبح الاسم بعد الدمج «شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية»، حيث بدأ نشاط الشركة الصناعي بانتاج الدقيق عام 1965م. وانطلقت منه لتتخصص في قطاع الصناعات الغذائية التي لها صلة وثيقة مباشرة بكل مواطن، فانشأت في عام 1969م مصنع انتاج المعكرونة والشعيرية، وفي عام 1970م انشأت مصنع البسكويت لتنجز في عام 1976م مصنعها الرابع لانتاج الدهون والزيون النباتية.
وفي عام 1978م تبنت الشركة خطة طموحة لبناء وتشغيل تسعة مخابز آلية موزعة جغرافيا على مناطق الكويت لضمان انسياب واستمرار الانتاج للمستهلكين كافة، وسهولة التوزيع على مختلف المناطق.
دعم وتشجيع القطاع الخاص:
انطلاقا من جهود الشيخ جابر الاحمد في انشاء وارساء دعائم القطاع المشترك، فقد جاء اهتمامه برعاية وتشجيع القطاع الخاص عظيما كأحد ركائز الاقتصاد الكويتي الحر، وتميزه بين النظم الاقتصادية العالمية الرأسمالية منها، والموجهة.
وفي هذا المضمون يتحدث بدر النصرالله فيقول: «لقد اهتم سمو الشيخ جابر الاحمد بالقطاع الخاص ودفعه الى الامام، وكان يستشير في أمره الخبراء الاقتصاديين الكويتيين منذ توليه امور دائرة المالية، ومن أجل مساندة هذا القطاع وتقويته فقد اولى القطاع المشترك، الحكومي والاهلي كامل عنايته وتشجيعه مع السعي لحمايته وضمان استمراره».
وانسجاما مع هذا الاهتمام والرغبة الاكيدة في دفع عجلة الصناعة، قامت الحكومة بدعم وتشجيع الصناعيين على ارتياد المجالات الانتاجية الصناعية والزراعية وتنشيط التجارة الداخلية والخارجية من خلال:
1 ـ توفير القروض طويلة الاجل ذات الفائدة المخفضة من جانب البنك الصناعي والتي لا تتعدى 4% فقط.
2 ـ توفير القسائم الصناعية بايجار رمزي لا يتجاوز 50 فلسا للمتر المربع في السنة.
3 ـ المساهمة في رأس مال الشركات التي يؤسسها القطاع الخاص.
4 ـ دعم وتكويل القطاع الصناعي.
5 ـ توفير الخدمات المرافقية «المياه والكهرباء» اللازمة للانتاج والاستهلاك بأسعار مخفضة.
6 ـ فرض القيود والرسوم والضرائب على بعض السلع المستوردة بصفتها بدائل للانتاج المحلي.
7 ـ الاعفاء الكامل من ضرائب الدخل وضرائب التصدير.
دعم وتشجيع الاقتصاد التعاوني:
من الثوابت الراسخة في البناء الاقتصادي والسياسي لدولة الكويت، انها اتخذت الوسطية منهجا ونهجا في امورها الحياتية. وعلى الرغم من ارتباط الكويت بالنظام الرأسمالي واقتصاديات السوق الحر، الا انها لم ترفض يوما كل ما هو صالح ومفيد من النظام الاقتصادي الموجه. لهذا جاءت سياسة الكويت الاقتصادية مزيجا من النظامين الرأسمالي والاشتراكي، يمكن ملاحظة مظاهره في مجالات متعددة كمجانية التعليم والصحة، ودعم المواد الاساسية الاستهلاكية وقيام حركة تعاونية فاعلة في المجتمع، وضمان الوظيفة وتوفير السكن المناسب للمواطن.
لم يأت هذا التوجه عفويا او انتقائيا، بل كانت له جذور في عمق تاريخ الكويت.. هذا التاريخ الذي يحدثنا عن ماضي الكويت، بانه مجتمع تضامني تكافلي متراحم، قائم على التعاون بحكم طبيعة النظام الاقتصادي الذي ساد المجتمع الكويتي عبر عصور مختلفة، تمثلت في التجارة الخارجية مع دول اسيوية وافريقية فقد ركب الكويتيون الامواج العاتية بسفنهم الشراعية غير عابئين بمخاطر الطريق الذي كان يمتد بهم في رحلة طويلة بعيدا عن الاهل والوطن.. هذه الحياة الشاقة علمتهم ان التعاون والمشاركة الشعبية من اجل نمو وتطور الوطن امر اساسي ومهم. وكان الكويتيون يمارسون هذه المفاهيم عمليا دون ان يدركوا ماذا تعني الرأسمالية او الاشتراكية لكنهم كانوا يدركون تماما المعاني السامية للاية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
لا شك ان الشيخ جابر الاحمد قد اولى هذا النضال مع الحياة اهمية بالغة، ورأى فيه صفحات من تاريخ الكويت المشرّف، استقى منها اتجاهاته الفكرية والفلسفية في الحياة، وخاصة في جانبها الاقتصادي.. وفي هذا يقول: «لقد عاش شعبنا على هذه الارض الطيبة على مر السنين، تجمع بيننا اواصر القربى والتراحم، وتشدنا عرى التكاتف والتكافل وقد الف الله بين قلوبنا».
ويمضي مؤكدا: «ان من واجب الوفاء على هذا الجيل ان لا ينسى الرعيل الاول الذين قامت على سواعدهم كويتنا الحبيبة، والذين ضحوا بارواحهم واموالهم في سبيلها».
لقد كانت توجهات الشيخ جابر الاحمد الاقتصادية جزءا اساسيا من تلك الثوابت، فعلى الرغم من ميوله الكبيرة نحو اقتصاديات السوق، ودور القطاع الخاص كشريك فاعل في بناء المجتمع والدولة، الا ان الجوانب المشرفة، وخاصة الانسانية منها في النظام الاقتصادي الموجه، كان لها بريقها وكانت تجذبه دوما للاخذ بها.
من هنا جاء اهتمامه بالاقتصاد التعاوني، والحركة التعاونية ـ بصفة عامة ـ كقطاع اجتماعي اقتصادي مواز لاقتصاديات السوق، وعامل توازن في ضبط الاسعار والاحتكارات للمواد والسلع الاستهلاكية والخدمات.
وقد بدأت الحركة التعاونية في دولة الكويت بشكلها المنظم بصدور القانون رقم 20 لسنة 1962م، المعدل بالقانون رقم 24 لسنة 1979م... هذا القانون وتعديله قاما على اساس قاعدة مستمدة من حياة الكويتيين كمجتمع تعاوني، يجنح دوما نحو العمل الجماعي والمشاركة الشعبية في اثراء الحياة الكويتية.
وقد بلغ عدد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية حتى نهاية عام 2000م (46) جمعية غطت جميع مناطق الكويت، بالاضافة الى جمعيتين زراعيتين، وجمعيتين انتاجيتين، وجمعية توفير لموظفي ومستخدمي القطاع الحكومي، وجمعية مشتركة للانتاج والتسويق، وجمعية حرفية «جمعية السدو» واتحادين تعاونيين: احدهما استهلاكي، والاخر انتاجي زراعي.
وتضم الجمعيات التعاونية الاستهلاكية حسب حركة العضوية في عام 2000م، حوالي 246325 مساهما، بلغ اجمالي رأس المال المدفوع لها في العام نفسه 082،785،8 دينارا كويتيا، وبلغت جملة مبيعاتها خلال العام المذكور حوالي 337.766.320 دينارا كويتيا، وبلغ صافي ارباحها في العام نفسه حوالي 465،804،22 دينارا كويتيا، يقتطع منها 25% للخدمات الاجتماعية، يصرف منها 20% داخل منطقة عمل الجمعية، وترحل 5% الى اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية للصرف منها على المشروعات الكبيرة على مستوى الدولة، ويعتبر هذا الاجراء خطوة جماعية للتعبير عن مبادرة المساهمين التعاونيين في خدمة بلدهم ومجتمعهم المحلي.
لا شك في ان هذه القدرة المالية، التي ترعرعت ونمت في ظل توجيهات الشيخ جابر الاحمد ودعمه المباشر لها، قد مكنت الحركة التعاونية الكويتية من ان تلعب دورا رائدا في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، استطاعت معه ان تستحدث اقتصادا موازيا لاقتصاديات السوق، تمكنت من خلاله من المحافظة على اسعار السلع والخدمات عند حدودها المعقولة والمقبولة لدى المستهلك، وذلك بسبب سياسة البيع وتسعيرة المواد والسلع والخدمات المتبعة في الجمعيات التعاونية باعتماد هامش الربح اساسا لذلك.
اما في الجانب الاجتماعي، فان الخدمات الاجتماعية والثقافية والارشادية والترفيهية التي تقدمها الجمعيات التعاونية في مناطق عملها لها دور ايجابي كبير داخل المجتمع المحلي، وهي في مجملها جهود رائدة تتلاحم فيها ارادة الشعب والحكومة في تقديم صور انسانية رائعة للعمل الاجتماعي الشعبي التطوعي.
وهنا يجب الا ننسى دور الحكومة وجهودها في اقامة مراكز الضواحي في كل منطقة سكنية، وتقديمها للحركة التعاونية بأجور رمزية، بالاضافة الى تسهيلات وخدمات اخرى مكنت الحركة التعاونية الكويتية من ان تصبح احدى دعائم وركائز الاقتصاد الوطني في دولة الكويت في عهد الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح.
«يتبع»[/frame]