[frame="1 80"]ويشير خالد ابو السعود الى ان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بتنظيم الميزانية العامة للدولة يرجع الى ما قبل صدور قانون الميزانية عام 1960، اذ يقول: «.. كان هناك العديد من الاجراءات التنظيمية والتعليمات اللازمة لاعداد ميزانية كل دائرة من دوائر الحكومة، فبدأنا نطالب الدوائر الأخرى بالتقيد بمصاريف وأدوار معينة لضبط واحكام عملية الصرف ومراقبة الايرادات، وان تتقدم بكشوف دقيقة بالمصروفات والايرادات، ولقد واجهنا في أول خطواتنا التنظيمية، هذه، بعض الصعوبات، ولكن مع ذلك اصبح الأمر سهلا بصدور احكام قانون الميزانية والحساب الختامي، التي تتقيد بها جميع دوائر الدولة، فكانت هذه الخطوة، وبرعاية سموه، هي اللبنة الأولى واحدى الدعائم الاساسية لبناء الاقتصاد الوطني لدولة الكويت منذ ذلك التاريخ..
ويمضي أبو السعود مؤكدا.. ولقد اشرف الشيخ جابر الاحمد منذ بداية التطوير على وضع الميزانية بوصفه رئيسا للمالية، وكما ذكرت، فقبل اصدار القانون كانت هناك قواعد ولوائح تصدر للادارات المعنية للتقيد بها، خصوصا ما يتعلق بالمخازن وعليه، فقد كان أول عمل تنظيمي هام قام به رئيس المالية في ذلك الوقت هو اعداد الميزانية العامة للدولة.
وتم وضع مشروع الميزانية بمساعدة الجهاز المالي والخبراء الموجودين آنذاك، ولقد تأثر مشروع الميزانية كثيرا بالتشريعات المصرية، ويمكنني القول بان المشروع وضع مطابقا لقانون الميزانية المصري، وبمساعدة عدد من الخبراء المصريين.
وفي عام 1962م صدر القرار الوزاري رقم 16 لسنة 1962م في شأن تنظيم وظائف ادارات الشؤون المالية في الوزارات، وقد اختصت المادة الاولى بتقسيم الاداراة الى اربع مراقبات رئيسية عامة هي:
1 ـ مراقبة الميزانية «ميزانيات الوزارات».
2 ـ مراقبة المحاسبة العامة.
3 ـ مراقبة البنوك.
4 ـ مراقبة الايرادات الاحتياطية.
وفي يوليو عام 1978م صدر القانون رقم 13 لسنة 1978م في شأن قواعد اعداد الميزانيات العامة، والرقابة على تنفيذها، والحساب الختامي، وقد اكدت المادة الاولى منه على ضرورة ان تشمل كل ميزانية عامة جميع الايرادات المقدر تحصيلها، وجميع المصروفات المقدر انفاقها في السنة المالية.
وأكدت المادة الرابعة عشرة على ان يعرض وزير المالية مشروع الميزانية مصحوبا ببيان على مجلس الوزراء لاقرارهما، والذي يجب ان يتم في وقت يسمح بتقديم المشروع الى السلطة التشريعية قبل انتهاء السنة المالية الجارية بشهرين على الأقل، ويبلغ وزير المالية قانون الميزانية بعد صدوره الى الجهات المعنية للعمل به. وأكدت المادة السادسة عشرة على أنه اذا لم يصدر قانون الميزانية قبل بدء السنة المالية يعمل بالميزانية السابقة لحين صدوره، ويصدر بذلك تعميم من وزير المالية. واذا كانت بعض أبواب الميزانية الجديدة قد أقرت من قبل السلطة التشريعية، يعمل بمقتضى تلك الأبواب.
وتشكل الايرادات النفطية، التي تتكون من مبيعات النفط الخام والغاز، وضريبة الدخل من شركات النفط، ورسوم الامتياز من شركات النفط ـ منذ بداية الانتاج ـ جميع ميزانيات الدولة تقريبا.
ففي السنة المالية 53/1954م بلغت نسبة مساهمة الايرادات النفطية حوالي 97% من جملة ايرادات الدولة، ولكن في السنة المالية 57/1958م انخفضت نسبة هذه المساهمة الى 87% الا انها عادت للارتفاع في الستينيات لتصل في السنة المالية 85/1986م الى ما نسبته 89.9% من جملة الايرادات. وكانت ايرادات الدولة دائما تفوق مصروفاتها، ففي السنة المالية 62/1963م بلغت الايرادات 189.8 مليون دينار كويتي، في حين كانت المصروفات 166.52 مليون دينار كويتي، وفي السنة المالية 69/1970م بلغت الايرادات 306.5 ملايين دينار كويتي، في حين وصلت المصروفات 285.5 مليون دينار كويتي، من هنا نجد ان الدولة كانت تحقق فائضا ماليا استخدم في تكوين احتياطات اخذت في التزايد حتى اصبحت موجوداتها المستثمرة تدر عائدا ملحوظا، لا سيما مع تراجع عائدات النفط.
ويحدثنا خالد أبو السعود عن اهم عنصر من عناصر المصروفات في الميزانية في ذلك الوقت، فيقول: .. لقد كان أهم عنصر من عناصر المصروفات في الميزانية هو عنصر الاستملاك «التثمين» قبل عام 1959م وبعده. وكان الاستملاك يمثل البند الأساسي في عملية الصرف، حيث كانت الدولة في نهضة ونمو وتطور وفي حاجة لاستملاك الاراضي للبناء والتعمير والسكن، وتشييد المدارس والمستشفيات والطرق والمرافق والمباني العامة وغيرها. وقد استملكت الدولة معظم الأراضي داخل السور.
وكان الاستملاك يستهلك مبالغ ضخمة من الميزانية لا تقل نسبتها عن 60% من مصروفات الدولة في السنوات من 1955م الى 1959م، وكانت أهداف سمو الشيخ جابر الأحمد تتبلور في ان الاستملاك في الواقع تنشيط للدورة الاقتصادية، كما كان للتثمين ـ عن طريق اعادة توزيع الثروة على المواطنين ـ دوره في تفعيل وتنشيط السوق والحركة التجارية، وحركة البناء والاعمار والتشييد في الدولة، ولقد كانت الكويت في هذه الفترة التنموية بمثابة ورشة عمل، وكان الاستملاك فيها هو العنصر الاساسي لتوزيع ايرادات الدولة على الشعب عمليا..».
ويضيف ابو السعود مؤرخا لفترة الاستملاك، فيقول: .. هذا، وكان المد الكبير في حركة الاستملاك فيما بين الاعوام 1954م الى 1959م، واستمر حتى عام 65/1966م، ولكن بشكل أقل بكثير من فترة الخمسينيات، حتى استكملت عملية شراء الاراضي والعقارات اللازمة لبناء وتطوير الدولة باشراف وتوجيهات سمو الشيخ جابر الاحمد، وقد استخدمت أموال الميزانية للصرف، وتحقيق أغراض رئيسية للشعب من تعليم واسكان وبناء مرافق واستملاك.. الخ، واصبح التنسيق كاملا بين وزارة المالية والوزارات الأخرى، تحكمه قوانين ولوائح الميزانية، والحساب الختامي..».
ومع تطور دولة الكويت ـ بصفتها دولة مؤسسات ـ في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ترتب على ذلك تقسيم الوزارات الى ادارات وهيئات وفروع وأقسام، الأمر الذي تعين معه انشاء جهاز للمحاسبة الحكومية، يمكن معه مراقبة مختلف نشاطات الادارات الحكومية.
وضمن هذه المؤشرات التنظيمية تم في عام 1960م اتخاذ عدة خطوات لتنظيم مالية الدولة، كان من بينها انشاء الاحتياطي العام الذي يتم تمويله من فائض الميزانية، وقد اشتمل الاحتياطي العام حينها على استثمارات الدولة، سواء أكان ذلك في الداخل أم في الخارج.
ولا شك في ان حكمة القيادة الاقتصادية الكويتية الواعية تجلت في السبعينيات حين قامت بخطوات واسعة تمثلت الأوضاع الاستثمارية في اطار رؤية مستقبلية شاملة، وذلك باصدار القانون رقم 106 لسنة 1976م الذي ينص على استقطاع 10% سنويا من الإيرادات العامة للدولة، ترصد في حساب خاص يسمى احتياطي الأجيال القادمة، واضافة العوائد الناتجة عن استثماراتها الى هذا الحساب، كما تضم نسبة قدرها 50% من المال الاحتياطي العام للدولة الموجود عند العمل بهذا القانون الى هذا الحساب، بحيث يكون الاحتياطي مصدر إيراد للأجيال القادمة إذا ما نضب النفط، أو تعرضت اسواقه للكساد.
واليوم تعد الاستثمارات الكويتية في الخارج واحدة من أهم مصادر الدخل القومي للبلاد بعد الصناعة النفطية، مؤكدة بذلك حجم الأنشطة المالية والتوظيف الاستثماري للاحتياطي العام للدولة واحتياطي الأجيال القادمة، وأضحت هذه الاستثمارات خير برهان على نفاذ بصيرة القيادة الكويتية التي وضعت الكويت بين الدول الرائدة في مجال الاستثمار المالي، وقد شملت الاستثمارات العقارية والنفطية وأسهم الشركات والخدمات العامة، وغيرها من المجالات الاستثمارية، وذلك على الرغم من المصاعب المالية التي تعرضت لها الكويت في الاونة الاخيرة.
وفي هذا النطاق قد تم شراء اسهم وسندات عديدة من شركات النفط الأوروبية، بجانب شراء محطات تزويد الوقود في أوروبا بهدف توسيع مجالات الاستثمارات النفطية، وتخفيف الاعتماد على النفط الخام كمورد وحيد للدخل القومي، ومد عمر احتياطي النفط في الكويت لتصبح موارد الاستثمار موازية لعائدات النفط، ان لم تفقها في المستقبل.
«يتبع»[/frame]