[frame="1 80"]ويؤكد هذا القول سكرتير مكتب الشيخ جابر الاحمد الاسبق بدر النصر الله، فيقول: «... لقد لمست طوال عملي مع سموه، ان لديه فكرا واهتماما فطريا بالجانب الاقتصادي، فهو من اقام قواعد بناء الاقتصاد الكويتي وتطوير مساره، بجانب قيادته وتوليه لامور النفط وشركاته وعوائده، ووضعه لسياسة الاستثمار وتنظيم العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول، وتوزيع مداخيل النفط وعوائده على الشعب من خلال «التثمين»، بجانب رعايته لنهضة الكويت وتقدمها وتطوير الخدمات بها»...
وعن نهج الشيخ جابر الاحمد يقول خالد ابو السعود: «... ومن المعروف عن الشيخ جابر الاحمد انه متدين، فهو في جميع اموره الشخصية وتوجهاته يسير على النهج الاسلامي، فيتحاشى مثلا التعامل بالفوائد او الاستثمار في اسهم الشركات ذات الاغراض المحرمة شرعا كشركات الكحول او ألعاب الميسر او مأكولات الخنزير، وكنا نعرف عنه هذا النهج، وكانت استراتيجية الاستثمار التي نسير عليها تراعي هذه الامور، وعلى الرغم من ان اموال الحسابات الاحتياطية تستثمر في جميع اوجه الاستثمار من اسهم وسندات وعقار وودائع... الخ، الا ان نسبة الاسهم والاستثمار الجيد المباشر كانت تدر ارباحا تزيد باضعاف على فوائد السندات او الودائع، ويركز سموه على الاستثمار الملموس الطويل الاجل والبعيد عن المضاربة او المتاجرة مع مراعاة تقوية وتطوير السوق المالي الكويتي باشكاله المختلفة، وقد ادت سياسة سموه هذه الى امتلاك الدولة لاجود المحافظ الاستثمارية الدولية، والى حيازتها لنسب عالية في اسهم اكبر الشركات العالمية»...
مسيرة الاقتصاد الوطني
بين التطور والازدهار
قبل اكتشاف النفط بزمن طويل عرفت الكويت، بصفتها مركزا تجاريا مهما في الخليج، التجارة وتبادل السلع، وقد وصل تجار الكويت بسفنهم الى جنوب شرقي آسيا وشرقي افريقيا، وكانت السفن الكويتية تمخر عباب المحيط الهندي على شكل سلسلة من الرحلات البحرية المنتظمة، زودت الرعيل الاول بحنكة تجارية وخبرة في التعامل مع الآخرين على اختلاف اجناسهم وطبائعهم وعاداتهم.
وكان اكتشاف النفط وبدء تصديره في نهاية الاربعينيات نقطة تحول مهمة في تحديث وتبديل نمط الحياة الاقتصادية في الكويت، فقد بدأت الفوائض المالية بالتزايد مع تجاوز ايرادات النفط للانفاق العام، مما دعا الى ضرورة ايجاد السبل لاستثمار تلك الفوائض، وتنميتها للصالح العام، واشرفت على تلك الجهود ـ آنذاك ـ دائرة المالية التي كان يرأسها الشيخ جابر الاحمد من خلال مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، وادارات متخصصة في دائرة المالية في الكويت.
ولقد لعبت الدولة، منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية، ثم وزارة المالية في المراحل الاولى من تطور الاقتصاد الوطني، دورا حيويا لتراكم رأس المال التجاري، واقامة صرح المشروعات الصناعية المختلفة، ولقد برز دور الدولة في تحقيق التحول الصناعي عن طريق اقامة الشركات الصناعية والتجارية وحماية المشروعات الداخلية، وبعد ان تخطى الاقتصاد الكويتي هذه المرحلة، برز دور الدولة بصفتها حارسة يقوم الافراد في ظلها بممارسة نشاطهم الاقتصادي والتجاري بحرية تكاد تكون كاملة.
لقد اعتمدت الدولة، منذ الخطوات الاولى في مسار الاقتصاد الكويتي، على الايرادات النفطية بصفتها مصدرا احاديا ومهما واساسيا لايرادات ميزانية الوزارات والادارات الحكومية بشكل مباشر، ومحركا لنشاطات سائر القطاعات الاقتصادية الاخرى بشكل غير مباشر، وسوف يستمر هذا الوضع حتى يتغير الهيكل الاقتصادي والمالي، بحيث يقل الاعتماد على مصدر واحد للايرادات.
اذ لا تشارك الايرادات الاخرى، وهي ايرادات رسوم، واثمان خدمات، وايرادات استثمار المالي الاحتياطي، الا بما يقارب 30% من المصروفات الجارية، وعموما فانه مع ازدياد الايرادات تزداد النفقات العامة التي تقدمها الدولة من اجل اشباع الحاجات العامة.
ولم يغب عن فكر الشيخ جابر الاحمد حاجة الاقتصاد الوطني الى المراجعة والتأمل بين وقت وآخر لضمان حسن ادائه، وعلاج مشكلاته، وترشيد مساره من خلال تبني مجموعة متكاملة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية، تهدف الى تقليل الاختلالات الهيكلية، وزيادة معدلات نمو القطاعات الاقتصادية، وذلك بعد اجراء الدراسات المكثفة والمتعمقة التي يمكن تطبيقها بصفتها مجموعة موحدة ومتناسقة.
وقد اضحت عملية التخطيط الشامل اكثر من ضرورية لمتابعة وقياس اداء الاقتصاد الكويتي بشكل مستمر، وتحقيق التوازن بين قوى العرض والطلب بالسوق المحلية، واعطاء دفعات قوية لقطاعات الانتاج غير النفطية لتقليل الاعتماد على مصدر ناضب كمورد رئيسي للثروة والدخل، وتنمية الموارد البشرية، وفي مقدمتها العنصر البشري الكويتي للارتقاء بمساهمة في قوة العمل الاجمالية بشكل مستمر، وترشيد استخدام الموارد المالية، وتوجيه الانفاق الخاص بما يعود بالنفع على المجتمع، ويضمن توظيف رأس المال الخاص، ومدخرات الافراد في مشروعات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لقد كانت الاعوام 1976/1977م مشحونة بالانجازات الرائدة، شعر بها الجميع، سواء على المستوى الشعبي داخليا ام لاحظه المراقبون في الخارج، عن وجود تحولات تنموية، وتوجهات سياسية تحدث في الكويت لصالح بناء المجتمع المدني، ودعم مسيرة النظام الديموقراطي الذي اتخذته الكويت طريقا ومنهجا لها في الحياة وفي النظام السياسي.
ففي الداخل، كانت اهتمامات الشيخ جابر الاحمد منصبة بشكل كبير على تنفيذ مشروعات المخطط الهيكلي للدولة، وقد عهد بهذه المهمة ـ حينذاك ـ الى عدد كبير من كبار المستشارين المعماريين في العالم لوضع تصوراتهم للتوسع المعماري، والتخطيط الحضاري والمدني في الكويت.
فالكويت تنمو، والسكان يتضاعفون، والحياة تتبدل من حال الى حال ولا بد من مواجهتها بحس وفكر حضاري... هذا المشروع الضخم، الذي نلمس اليوم نتائجه على ارض الواقع، كان ثمرة من ثمار جهد وفكر الشيخ جابر الاحمد ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك، والذي كان حريصا كل الحرص على ان يترأس اجتماعات خبراء المخطط الهيكلي بنفسه، ليزودهم بتوجيهاته وارشاداته وتطلعاته المستقبلية.
فاذا كان المخطط الهيكلي للدولة أحد المشاريع الكبرى التي شغلت بال الشيخ جابر الاحمد، فان خطة تطوير الجهاز الوظيفي، ورفع كفاءته لكي يكون له مردود طيب في مجال العطاء الوظيفي، كانت هي الاخرى احدى المشروعات الكبيرة التي نلمس نتائجها اليوم، والتي جعلت للكويت مكانا بين صفوف الدول المتقدمة في علم الادارة والتنظيم الاداري.
وما أن انتهى هذا المشروع حتى تقدم بمشروع اخر، وبرغبة ضرورية في انجازه، ألا وهو مشروع القسائم السكنية للمواطنين. وراح يرعاه بنفسه، ويطلب بالحاح شديد ان تنتهي بلدية الكويت من اعداد هذه القسائم، ليتم توزيعها على المواطنين قبل نهاية عام 1977م، ليتحقق الامل للمواطن في امتلاك بيت مناسب يأويه وافراد اسرته.
وخلال هذه المرحلة ايضا، وبجهود الشيخ جابر الاحمد، بادرت الكويت باتخاذ خطوة نفطية ذات تأثير هائل في هذه المنطقة. لقد قررت الكويت ان تستعيد ثروتها الطبيعية النفطية، وان يكون لها كامل السيطرة عليها، وبالاضافة الى انه اولى خلال هذه المرحلة، امور الصناعة والتصنيع في البلاد اهمية بالغة، وسوف نتناول هذه الانجازات باسهاب اكثر في موضعها من فصول الكتاب التالية فيما بعد.
«يتبع»[/frame]