[frame="1 80"]إذا كان الأمير الراحل عبدالله السالم هو رائد ديموقراطيتنا فالشيخ جابر رائد نهضتنا الاقتصادية والاجتماعية الأمير ملتزم بقضية الإنسان الكويتي وبحل مشكلاته والتخفيف من معاناته
الفكر الاقتصادي لسمو الأمير
العرض السريع لجهود الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت الذي استخلصناه واستنبطناه من ثنايا خلاصة فكره الاجتماعي والمجتمعي، وفي جانب منه، وليس كله.. هذا الفكر المبادر الذي يحمله الشيخ جابر الاحمد الى مواطنيه في كل مناسبة واخرى، ويدعوهم للمشاركة في تحمل جزء من مسؤولياته.. هذا الفكر الملتزم بقضية الانسان الكويتي ومشكلاته يحاول الشيخ جابر الاحمد ـ باصرار ـ السعي الى تطبيقه منذ صدور بيانه التاريخي الذي ألقاه امام مجلس الامة الكويتي في يونيو عام 1970م ذلك البيان الذي هدف الى تقييم مسيرة البناء، وتحديد معالم المستقبل بالتخطيط لمقومات الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
ان الالتزام بالكلمة موقف شجاع وقضية حق مقدسة. وهي واحدة من المزايا الخُلقية والادارية الفذة التي جعلت من الشيخ جابر الاحمد رجل دولة واسع الافق بعيد النظر شديد الحرص على النهوض بالمجتمع الكويتي الى ارقى مراتب التقدم الحضاري، مع الحرص الشديد على الالتزام والتقيد بانجازات الماضي وحسناته، لكونها تمثل صور البطولات ونضال الشعب الكويتي على جميع المستويات.
هذا الالتزام والحرص على الوفاء للكلمة جعله قريبا من الحس والنفس الشعبي والوطني.. يتحسس من خلالهما مشاكل المواطنين الحياتية، ويتلمس من خلالهما ايضا معاناتهم الناجمة عن التداعيات السلبية المصاحبة لعملية التطور والرقي الحضاري.
هذا الادراك الحي الفطري لقضايا المجتمع، وبخاصة في جانبها الاجتماعي والمجتمعي، لم يأت من فراغ او نتيجة لردود فعل آنية، او ممارسة مهنية، بل كان نابعا من حالة المعايشة الشعبية التي كان يصر دوما على ان يكون في أتونها يفرح لنجاحاتها التي تسير في الطريق القويم ويحزن لاخفاقاتها التي تسير في طريق المحاكاة والتقليد.
من هنا، كان يطلب بالحاح شديد من الاجهزة الرسمية والاهلية العامة في الميدان الاجتماعي السعي لايجاد الحلول المناسبة والسريعة للمشكلات الاجتماعية التي تطل برأسها على المجتمع بين حين وآخر، حتى لا تتفاقم هذه المشكلات وتتدحرج ككرة الثلج، فتلد كل واحدة منها مجموعة من المشكلات الجانبية، تكبر بمرور الزمن، فتصبح قضية تشكل سياجا خطرا حول بنية المجتمع تقلق بال كل مواطن، وتأخذ من جهد المؤسسات العاملة في هذا الميدان اضعاف ما كان مطلوبا منها لو تمت مواجهتها منذ البداية. ذلك لان المواجهة المتأخرة رغم الجهود المضاعفة تحمل لنا حلولا ومعالجات تأتي في معظم الاحوال مشوهة ومكلفة.
من هذا المنظور القريب البعيد كان يرى الشيخ جابر الاحمد ان مواجهة المشكلات والقضايا الاجتماعية والمجتمعية لا يمكن ان تعالج باسلوب فردي احادي. فالجميع ـ مواطنون وهيئات رسمية واهلية ـ مطالبون ومدعوون للتعاون في عملية المواجهة متى ارادوا ان تكون الحلول ناجعة ومفيدة. ذلك لان اي طرف من هذه الاطراف لا يستطيع وحده ان يفكر ويعمل وينجح في مسعاه ما لم يشدّ الآخرون من أزره، ويتعاونوا معه في كل خطوة يقدم عليها. فالمجتمعات المتقدمة لم تحقق هذه الطفرة الهائلة في الحضارة الانسانية من فراغ بل من خلال التعامل والتكامل بين مؤسسات الدولة سواء أكانت حكومية ام اهلية.. انها حالة من التكامل والتمازج العضوي في كينونة الدولة، وسمفونية شذية متناغمة يعزفها المواطنون وتستمع اليها قياداتهم السياسية في حفل انتصارهم الحضاري.
فاين نحن من هذا كله؟ ومتى نستطيع ان نقطع المسافة التي تفصل بيننا وبين العالم المتقدم؟ انها مجرد امان ننشدها، وقد يراها البعض ضربا من الاحلام. لكن أليس من حق هذا الشعب، وهذا الوطن ان يحلما بمستقبل افضل كما تطمح اليه قيادته السياسية وعلى رأسها الشيخ جابر الاحمد؟
بداية نود ان نشير الى حقيقة ساطعة، وهي إن كان المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، امير دولة الكويت الاسبق، رائد الديمقراطية الكويتية، فان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، امير دولة الكويت اليوم هو رائد النهضة الاقتصادية والصناعية التي عمت البلاد منذ ان تعهد، بصفته رئيسا لدائرة المالية ثم وزيرا للمالية والاقتصاد، باقامة وتأسيس الشركات والمؤسسات الاقتصادية والصناعية والخدمية.
وكانت قدرته الفائقة على التحليل، بجانب ثقته بنفسه، وثقة كل من الشيخ عبدالله السالم الصباح، والشيخ صباح السالم الصباح، الكبيرة به ومحبتهما له، هي التي يسرت له العمل في هذا المجال بقوة مما جعل الامور الاقتصادية وغيرها ـ جميعا ـ بيده في ذلك العهد.
ان ابناء الجيل المعاصر للشيخ جابر الاحمد وعلى وجه الخصوص ابان توليه منصب وزير المالية والاقتصاد والتجارة. شهود على انجازاته التي شكلت ـ ولا تزال ـ دعائم الاقتصاد والمال والصناعة والخدمات الوطنية العظيمة.
وفي هذا الصدد يحدثنا خالد ابو السعود، فيقول: «لقد اجمعت الاراء على ان سمو الشيخ جابر الاحمد هو رجل اقتصاد من الطراز الاول وهو من كان ـ دائما ـ وراء المشروعات العظيمة التي كانت من دعائم بناء وتنمية الاقتصاد الوطني وراعي تأسيس الشركات المساهمة وتفعيل دورها، وواضع اسس السياسة الاستثمارية لاموال الاحتياطي العام. ولقد كان هو صاحب فكرة انشاء احتياطي الاجيال القادمة، وراعي خطة استثماره. كما عمل على دخول الكويت كعضو عامل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وغيرهما من المنظمات الاقتصادية العالمية والاقليمية».
وقد آثرنا التركيز على تغطية جوانب الفكر الاقتصادي للشيخ جابر الاحمد، واهم انجازاته الاقتصادية ونتائجها المستقبلية خلال الفترة التي تولى فيها حاكمية مدينة الاحمدي ومناطق النفط عام 1949 ثم رئيسا لدائرة المالية عام 1959م فوزيرا لاول وزارة للمالية فوليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء.
يعتبر الاقتصاد الكويتي وعناصره التي يقوم عليها، والتي أرسى قواعدها الشيخ جابر الاحمد، ركنا مكينا في البناء الكويتي، وهو اساس رئيسي في انطلاقة وازدهار الدولة ووسيلة الانسان الكويتي لصنع التنمية على ارضه وامتداد الخير لمن حوله.
ويقوم الاقتصاد الكويتي على اساس الحرية المنظمة فحرية العمل مكفولة امام رأس المال الخاص، بالاضافة الى قيام الدولة بالعديد من المشروعات الضرورية الحكومية والمشتركة.
ولقد اجمع خبراء الاقتصاد العرب والعالميون على ان الشيخ جابر الاحمد هو مهندس الاقتصاد الكويتي، منذ ان تولى زمام الامور في مدينة الاحمدي ومناطق النفط عام 1949م، تاركا بصماته وافكاره وتطلعاته المستقبلية على كل ما تقوم به الدولة، وتنفذه في مجال التنمية الاقتصادية على المستويين المحلي والعالمي.
فعلى المستوى المحلي، كانت فكرة توزيع الثروة على ابناء الشعب بطرق مختلفة، وتعدد مصادر الدخل دون الاعتماد على سلعة واحدة «النفط»، من بنات افكاره التي طرحها بالحاح شديد.
اما على المستوى العالمي، فقد اقترح امام قمة عدم الانحياز في بلغراد في سبتمبر عام 1989م اربعة مقترحات عملية لحل مشكلة الديون وفوائدها التي تعاني منها الدول الفقيرة، كما كرر في الخطاب الذي ألقاه في الامم المتحدة، اثناء انعقاد دورتها الـ 43، دعوته في ايجاد نظام اقتصادي انساني عالمي وعادل، مؤكدا على ان الفوائد المتزايدة لديون دول الشمال على دول الجنوب ذات تأثير سلبي على التنمية في دول الجنوب، مما يعرقل بناءها وتطورها، وقد ادخلت هذه الدعوة وهذا المقترح كوثيقة رسمية من وثائق الامم المتحدة، لتصبح فيما بعد جزءا من اعلان «كراكاس».
لقد كان لدعوة الشيخ جابر الاحمد، وفكره الاقتصادي الذي حمله معه ونقله الى المجتمع الدولي، صدى دوليا واسعا، فقد لقيت مقترحاته ترحيبا كبيرا من عدد كبير من رؤساء دول العالم، والامم المتحدة، والمنظمات الدولية المتخصصة وخاصة تلك المنظمات والهيئات العاملة في المجالات التنموية.
وفي هذا السياق يتحدث عبد اللطيف البحر، فيقول: «... كان سموه ـ حفظه الله ـ مثالا لرجل الدولة الذي يدير الازمات بحكمة وروية وحنكة سياسية واجتماعية، وكان لديه حس اقتصادي فطري لازمه طوال ادارته لمسار الاقتصاد الكويتي، وكان لدى سموه قاعدة تكاد تكون ثابتة في فكره الاقتصادي، اذ كان ينظر الى اي مشروع اقتصادي من منظور ثلاثي: اقتصادي وسياسي واجتماعي، وكان يشدد دائما في كل دراسة على الجدوى الاقتصادية لما يعرض عليه، والتأكد من ان هذه العناصر متوفرة فيه سعيا لضمان تحقيق الهدف من اقامة المشروع»....
«يتبع»[/frame]