[frame="1 80"]وان الشباب في نظر الشيخ جابر الاحمد وفكره طاقات مبدعة خلاقة منتجة تتفجر حيوية ونشاطاً، يمثلون مرحلة نضج وانطلاق امكانات بشرية هائلة، تدعمها قدرات وخبرات من العلم والمعرفة، ومن ثم، فإن على الدولة ان تحرص على انماء هذه الثروة، والاهتمام بها ورعايتها والحفاظ عليها. وهنا يحدد قيمة الشباب ومدى اهميتهم لنمو واستمرارية المجتمع وتطوره، حين يقول: «... الشباب هم التيار المتجدد في نهر الحياة للكويت، ولابد دائماً من دعم روافد هذا النهر، حتى لا ينقطع نبع القوة ومدد التجديد لجوانب الحياة في انحاء وطننا...».
لم تكن الطفولة والشباب وحدهما في دائرة اهتمام الشيخ جابر الاحمد، بل ان للرعيل الاول الذين قامت الكويت على سواعدهم مكانة عظيمة في نفسه. من هنا فإن التواصل واللقاءات بينه وبينهم لم تنقطع، سواء قام بزيارتهم في اماكن تجمعاتهم ام حضروا للقائه في مناسبة ما. ويتجسد هذا الاهتمام عنده في العبارات التالية: «.... ان من واجب الوفاء على هذا الجيل ان لا ينسى الرعيل الاول الذين قامت على سواعدهم كويتنا الحبيبة، والذين ضحوا بأرواحهم واموالهم في سبيلها، ومنهم من يعيشون بيننا الان. فيجب ان نعمل ما في وسعنا لاسعادهم، وان نكون لهم ابناء بررة واوفياء راعين حقهم في التقدير والاجلال لما قاموا به وما قدموه من تضحيات...».
اذا كانت الرعاية التعليمية والرعاية الاجتماعية في صلب اهتمامات الشيخ جابر الاحمد، فإن الرعاية الصحية كانت تسير معهما في خط متواز، باعتبار ان المواطن السليم بدنيا هو القادر على بذل الجهد في تلقي العلم، ثم في التخصص المهني، فالانتاج والخلق والابداع والاسهام في تنمية الوطن.
واذا كان هناك دليل على تقدم الرعاية الصحية التي اولاها الشيخ جابر الاحمد عناية خاصة، فإنه يتجلى في ثلاثة مؤشرات هي:
1ـ العمر الافتراضي للانسان الكويتي الذي ارتفع معدله حسب بيانات منظمة الصحة العالمية من 63 سنة عام 1970 الى 74 سنة عام 1992م بالنسبة للذكور، في حين بلغ 77 سنة بالنسبة للاناث، وهي واحدة من اعلى المعدلات في العالم المتقدم، ويمكن تفسير ذلك بارتفاع المستوى المعيشي والوعي الصحي، والمستوى الثقافي للمواطن الكويتي.
2ـ اما المؤشر الآخر، فهو معدلات وفيات الاطفال التي نلاحظ فيها انخفاضاً هائلاً، وخاصة بين الاطفال الرضع، حيث انخفض حسب بيانات وزارة الصحة الكويتية من 3،41 الى 7:10 لكل الف طفل على مدى حقبتين من الزمن منذ السبعينيات وحتى التسعينيات.
3ـ اما المؤشر الثالث ، فإنه يتضح فيما تبذله الدولة في مجال الرعاية الصحية، والتي تتمثل في معدلات الانفاق على الخدمات الصحية سنوياً.
ففي الاحتفال الذي شمله الشيخ جابر الاحمد برعايته بمناسبة افتتاح المؤتمر الطبي الثامن، اليوبيل الفضي للجمعية الطبية الكويتية في نوفمبر عام 1989م، كان له وقفة امام هذه الخدمات الانسانية، حين يشير في كلمته الافتتاحية لاعمال المؤتمر: «.... ان الطب علم وتجربة، وممارسة واخلاق، وان الناس يرون في الطبيب يد الرحمة الالهية والتقدم العلمي، والذي يجمع بين التطلع الدائم الى المزيد من المعرفة، والتواضع امام قدرة الله تعالى الذي احاط بكل شيء علماً....».
ويستطرد قائلاً: «.... ان الطب من ابرز محاولات الانسانية لانتصار الحياة، وزيادة قدرتها على تخطي عقبات الضعف والمرض. وهو كما يجمع بين الجانبين الوقائي والعلاجي، يجمع ايضاً بين الجوانب الجسمية والنفسية والعقلية، وينظر الى الانسان في شموله مستهدفاً ان يحيا حياة سوية صاعدة الى مستويات افضل..».
ويؤكد:«.... ان هذه النظرة الشاملة التي انتهى اليها الطب الحديث، هي ذات النظرة التي انطلق منها الاسلام، والتي رسم بها الاطار العام لانماط الحياة التي ارتضاها رب الناس للناس...».
ويمضي في هذا الاتجاه الفكري، فيقول: «... ان الصحة منحة، وان المرض محنة، واننا نود ان يخفف الطب من محن الانسان، لتعود الى النفوس والاجسام الصحة والطمأنينة، وليكون الفرد والمجتمع اكثر قدرة على السير في طريق التقدم.. واننا نؤمن بقضاء الله وقدره، ونؤمن بأن الطب ذاته من قدرة الله، وان لكل انسان قدره المحتوم. وان في العلاج لقاء بين العلم والدين...».
ويأتي تأكيده على دعم حقوق الانسان، فيشير: «... ان العناية بالانسان تكريم لمن يقوم بها، كما هي حق للمحتاج اليها، والتقدم في الطب، في اي فرع وفي اي مكان، انما هو تقدم انساني شامل...».
وفي نصحه للاطباء والباحثين في مجال الطب، دعاهم الى ان يكون العمل الدائب والتعاون طريقهم، والرحمة والسعي لشفاء الانسان هدفهم. وهنا يشير بين امور اخرى: «... لقد حفظ لنا تاريخنا، كما يحفظ لنا حاضرنا، نماذج كريمة ونبيلة لاعلام الطب الذين اناروا طريق العلم والاخلاق، وكانت يد الله فوق ايديهم رحمة وبرا وشفاء...».
ان الفكر الاجتماعي لدى الشيخ جابر الاحمد جاء في اطاره الشمولي، فالعلم والمعرفة والصحة الجيدة لا بد ان تواكبها رعاية سكنية لائقة، من هنا كان السكن احد القضايا الاجتماعية والانسانية التي استحوذت على اهتماماته بنفس القدر من الرعاية والمتابعة اللتين بذلهما للجوانب الاخرى في حياة الانسان الكويتي، معتبرا ان السكن هو الركيزة الاساسية لحياة الفرد، حيث يمكن من خلاله ان يمارس حياته الطبيعية، ويباشر فيه وظائفه الاسرية.
ويمكن لنا أن نعتبر توقيت انطلاقة الكويت الحقيقية في مجال الرعاية السكنية هو عام 1975م، عندما انشئت الهيئة العامة للاسكان، وان كانت الرعاية السكنية بدأت خطواتها الاولى منذ سنوات بعيدة، وعلى وجه التحديد عام 1951م.
وكان اضخم مشروع اسكاني هو ما قام الشيخ جابر الاحمد بتسميته «مشروع القرين الاسكاني»، نسبة الى الاسم التاريخي الذي عرفت به الكويت في القرن السابع عشر، والذي شمله برعايته، حيث وضع حجر الاساس له، وازاح الستار عن اللوحة التذكارية لنصب المشروع، وغرس نخلة تخليدا للمناسبة، وذلك في ابريل عام 1986م، هذا المشروع الذي يضم 13 الف وحدة سكنية، يمكن لها ان تستوعب حوالي 000،100 نسمة، وبتكلفة قدرها 750 مليون دينار كويتي.
وان للسكن حرمة خاصة لدى الشيخ جابر الاحمد، مما جعله يصدر امرا لوزير المالية لابلاغ البنوك المحلية كافة بعدم المساس بالسكن الخاص للمواطنين، فيما يتعلق بمعاملات الحجز وغيرها، مهما كانت المبررات.
وتطبيقا لهذه الرغبة السامية، صدر المرسوم الاميري بالقانون رقم، 121 لسنة 1986م، باضافة بند جديد الى المادة 216 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالمرسوم بالقانون رقم 38 لسنة 1980م، لتحقيق هذا الغرض.
وهنا يقدم لنا عبداللطيف البحر مثالا حيا من ذكرياته حول ما سبق، فيقول: «... ويحضرني قول اتفق عليه زعيمان اشتراكيان: احدهما عربي، هو كمال جنبلاط،، والآخر هو مستشار النمسا برنوكرايسكي حول الكويت بعد التعرف على نهضتها في ظل قيادة سمو الشيخ جابر الاحمد، حين قال الزعيمان: لقد اخذت الكويت احسن ما في النظام الاشتراكي: العدالة الاجتماعية، والضمانات الاجتماعية، وتوفير العلم، والخدمات الطبية والعلاجية، كما اخذت احلى ما في النظام الرأسمالي: الديموقراطية، والحريات العامة، والاقتصاد الحر، وحرية انتقال رؤوس الاموال، وهذا ما لم يتوفر في اي مكان آخر»...
تأسيسا على ما سبق، نستطيع القول بان سعادة الشعب وتقدمه ونماءه كان هدفا اساسيا في فكر الشيخ جابر الاحمد، سعى الى تحقيقه على مدار سنوات عمله منذ ان كان حاكما امنيا لمدينة الاحمدي ومناطق النفط، مرورا بدائرة المالية ووزارة المالية والصناعة، ثم ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، فحاكما لدولة الكويت.
نقول، خلال هذه المواقع، وبالمسافة الزمنية التي قطعها في خدمة الدولة والمجتمع، كان هذا الهدف ـ دائما وابدا ـ محور تفكيره... يسير امام كل مشروع انمائي، يبارك دراسته والتخطيط له، او الشروع في تنفيذه، وما دعوته ومساندته لتحقيق مجتمع الرفاه الا جزء من ذلك الحلم الذي كان يسعى اليه، فاصبح حقيقة واقعة.
كم هو سعيد اليوم لاختفاء ظاهرة الامية بين الكويتيين، وتبوئهم للمناصب القيادية والادارية كافة على جميع مستوياتها في الدولة... وكم هو سعيد ايضا عندما يلاحظ الحالة الصحية في الكويت تحتل موقعا متميزا ومرموقا في تقارير منظمة الصحة العالمية... وكم هو سعيد الآن لان سياسة اعادة توزيع الثروة التي اتبعها قد حققت هدفها، واصبحت الكويت اليوم ـ بحق ـ نموذجا لدولة الرفاه بين دول العالم الثالث في ظل نظام ديموقراطي، واقتصاد حر، وحياة متوازنة قوامها العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الانسان، وكفالة الحريات العامة.
«يتبع»[/frame]