[frame="1 80"]ويمضي في هذا الاتجاه موجها حديثه لأعضاء المجلس، فيقول: «إن مجلسكم الموقر لا يألو جهدا في نقد اعمال الحكومة جملة، واعمال كل وزارة على حدة نقدا صريحا لا موارية فيه ولا مجاملة، وهذا حقكم بل واجبكم الذي ترحب به الحكومة كل الترحيب. ولكن هل من الصالح العام في شيء ان يضيع وقت السلطتين التشريعية والتنفيذية في موضوعات مكررة، او في اسئلة يشغل اعداد الاجوبة عليها اجهزة الحكومة ولا يفيد منها المجتمع شيئا؟ لانها لا تتناول في اغلبها الا مسائل شخصية، او لا يقصد بها إلا إحراج شخص وزير بالذات، او اثارة مناقشات جدلية لا طائل من ورائها، أليس من الافضل ان نركز على الموضوعات والاسئلة التي تعود على الشعب بالنفع العام، وان نرتفع بمناقشاتنا الى مستوى المسؤولية التي عهد بها الدستور ـ ايما عهد ـ الى الحكومة ومجلس الامة متعاونين فيما بينهما...؟».
وبكل معاني السمو والصدق والايمان بحق الوطن في البقاء والازدهار، وبحق المواطنين في حياة افضل، كانت دعوة الشيخ جابر الاحمد لمواجهة مواضع الخلل والتحديات بروح تضامنية شجاعة وعزيمة تعاونية لا يرقى اليها الملل او يصيبها السأم.. لقد جاءت دعوته، ليقول لابناء وطنه وشعبه: «علينا ان نضاعف جهودنا ونزيل كل عقبة في طريقنا، لرفع المستوى المادي والاجتماعي لمواطنينا الذين ما زال مستواهم دون ما نرجو لهم، ولتأمينهم وذويهم على حاضرهم ومستقبلهم.
علينا ان نوفر لجميع المواطنين بأقصر وقت ممكن، ومهما كلفنا ذلك، السكن الصالح فنزيد من بناء بيوت ذوي الدخل المحدود لتوزع على مستحقيها.
علينا ان نعيد النظر في اجراءات الاستملاك والتثمين ومشاكل التنظيم وتوزيع القسائم، كي يجد من ثمنت بيوتهم بديلا عنها بالسرعة اللازمة، وحتى لا تظل ممتلكات المواطنين معطلة بين ايديهم، فلا هم يستفيدون منها ولا هم يحصلون على تعويض عادل عن تعطيلها.
علينا تعجيل معاملات المواطنين وقضاياهم امام القضاء ودوائر الحكومة بقوانين تتفق وبيئتنا.
علينا ان نحقق لاحيائنا السكنية وقرانا وجزرنا مزيدا من العناية، مع التعجيل بتزويدها بالمرافق الحيوية الضرورية.
علينا ان نعيد النظر ـ منذ الآن ـ في أجهزتنا الادارية المختلفة على مستوى الادارة المركزية والادارة المحلية لإصلاح ما يحتاج منها الى اصلاح، وللتمهيد للتوسع ـ في الوقت المناسب ـ في نظام الحكم المحلي الذي يعتبر بحق اللبنة الاولى في صرح الحكم الديمقراطي في ظل توجيه الدولة ورقابتها طبقا لأحكام الدستور في هذا الشأن.
علينا ان نحمل العاملين في اجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات العامة على ادراك ان الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، هدفها مصلحة الجمهور والشعب عامة لا الأهواء الشخصية والمصالح الخاصة.
علينا ان ننسق سويا علاقات السلطتين التنفيذية والتشريعية لكي تعود للحكومة قدرتها على العمل المثمر لخير الجميع.
علينا ان نحمل الشركات العاملة في بلادنا، لاسيما القائمة على ثرواتنا الطبيعية، على تفهّم ان ما لها من حقوق يتطلب بالدرجة الاولى مراعاتها بالدقة اللازمة لكافة التزاماتها نحو الحكومة ونحو العاملين في هذه الشركات من المواطنين مع تحسين حالة هؤلاء بما يتمشى مع ما تحققه من منافع»..
هذا البيان التاريخي الذي أدلى به الشيخ جابر الاحمد امام مجلس الامة في بداية توليه ولاية العهد ورئاسته لمجلس الوزراء جاء معبرا عن حديث المجتمع الكويتي، وأماني وتطلعات شعب الكويت وهو يدخل عهداً جديداً، تقود رئاسة السلطة التنفيذية فيه شخصية اقتصادية متميزة عرفت بحنكتها وسعة افقها، وخبرتها ودرايتها بما يدور حولنا في عالم الاقتصاد والمال من تطورات ايجابية يعرف كيف يستفيد منها، واخرى سلبية يدرك ابعادها وكيفية تجاوزها والابتعاد عنها.
هذا البيان الذي هو بمثابة استراتيجية عمل لرئيس الحكومة، تناولته الصحافة المحلية بالتحليل والتعليق لمدة طويلة، تفاعل الكتاب والمحللون الاقتصاديون والاجتماعيون والسياسيون مع مضامينها الآنية وتوجهاتها المستقبلية.
هذه الحالة من الاستجابة والتفاعل التلقائي بين المواطنين ومضامين البيان لم تقف عند شرائح المثقفين والمفكرين من ابناء الكويت، بل ان صدى ذلك البيان الذي بدأ به الشيخ جابر الاحمد المرحلة الثانية من حياته السياسية والعملية بعد توليه ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، قد هز ارجاء دواوين الكويت وملتقيات اهلها ومنتدياتهم ليصبح حديث الناس والمجتمع كله.
وهذه الحالة من الامتزاج الفكري والوجداني بين المواطنين وبين الشيخ جابر الاحمد، فيما استعرضه من مشكلات مجتمعية، وما طرحه من حلول وافكار مستقبلية، لم تقف عند حدود الكويت، بل تجاوزتها الى وسائل الاعلام الخارجية التي اشادت بدورها بالبيان وبالكلمة وبالتحليل الموضوعي.
هنا، يشير عبد اللطيف البحر الى حوار جرى بين الشيخ جابر الاحمد وبين مجموعة من العاملين في الحركة العمرانية والمخطط الهيكلي للدولة والقائمين على الاسكان الحكومي ، فيقول: «.... واذكر في هذه المناسبة، عندما صارت ازمة السكن في الستينات، وكان قد تم توزيع القسائم السكنية الخاصة، وكان يجري بيعها، ثم فجأة اوقفوا البيع، وبدت بوادر الازمة السكنية، وكانت المشروعات والقسائم الحكومية ـ آنذاك ـ تقع داخل الدائري الرابع الذي انشىء عام 64/1965م، وليس خارجه..».
ويمضي البحر، فيضيف: «.... ومنذ حدوث هذه الازمة كان سموه يعطي كل اهتمامه لدراستها وحلها. فلما استحكمت حلقاتها طلب سموه ان نستدعي رئيس واعضاء مجلس البلدية لمقابلته، وطرح عليه فكرة الامتداد بالمشاريع الاسكانية الى ما بعد الدائري الرابع، حيث لم يعد هناك بديل آخر، وان الشباب مقبلون على الحياة ولهم احتياجاتهم، ولم يعد هناك قسائم تكفي. فقيل لسموه بأن هذه الاراضي تدخل ضمن املاك الدولة، وخارج تنظيم المدينة، فرد سموه بأن املاك الدولة هي للكويتيين ويجب توظيفها واستغلالها لخدمة احتياجاتهم الاجتماعية، وان الامتداد والنماء من سنة الحياة..».
ولو تتبعنا تحركات الشيخ جابر الاحمد البناءة، وانجازاته الوطنية خلال الفترة من 31 مايو عام 1966 حتى 31 ديسمبر عام 1977، وهي الفترة التي تولى فيها ولاية العهد ومقاليد رئاسة الحكومة.
لوجدنا انفسنا امام زخم من الافكار التي تسعى لمعالجة القضايا القائمة وطرح البدائل المناسبة برؤية مستقبلية تضع شأن الاجيال القادمة في اولويات حساباتها وبرامجها.. هذه الافكار والطروحات، وغيرها، جاءت ضمن بيانات ادلى بها امام مجلس الامة الكويتي في اكثر من خمس عشرة مناسبة.. متناولاً فيها الشأن المحلي بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، او مدافعاً عن قضية العرب الاولى ـ القضية الفلسطينية ـ بروح وطنية وقومية نالت الشكر والتقدير من الدوائر العربية كافة والمتعاطفين مع حركات التحرر الوطني في العالم. او داعياً للمشاركة في دعم عمليات التنمية في الدول العربية الاكثر احتياجاً، وفي الدول النامية الاشد فقرا، او مندداً بالممارسات العنصرية اينما كانت، وخاصة قضية الفصل العنصري في الجنوب الافريقي.
لقد اختار الشيخ جابر الاحمد دوماً منبر مجلس الامة للادلاء ببياناته الاصلاحية التزاماً بالواجب الدستوري، وايماناً بأن هذا المجلس هو بيت الكويتيين جميعاً، ومن خلاله تحدد المسؤوليات والواجبات والحقوق الوطنية، لتقوم كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية كل منهما في مجالها بتنفيذ ما يوكل اليها، وذلك تأكيداً لنص المادة الرابعة من دستور الكويت الذي حدد نظام الحكم في الكويت بأنه: وراثي محصور في ذرية المغفور له مبارك الصباح، وانه ديمقراطي، وان السيادة فيه للامة مصدر السلطات جميعاً. (المادة السادسة من الدستور).
«يتبع»[/frame]