[frame="1 80"]ويضيف من منطلق هذا المنظور السياسي، فيقول: «.... كما اننا نؤمن بأن الكويت لن يعيش منعزلاً عن شقيقاته الدول العربية، وبأن مجد الامة العربية وازدياد نفوذها وتأثيرها الفعال في المجالات الدولية، وقدرتها على استرداد ما اغتصب ظلماً وعدواناً من ارض العروبة، كل ذلك رهين بتماسك بنيان هذه الامة، واتحاد كلمة حكوماتها وشعوبها، فيد الله مع الجماعة. ومن اجل ذلك بذلنا ونبذل قصارى جهدنا لاحلال الصفاء والوئام بين الشقيقات العربيات جميعاً بازالة اسباب الخلاف والقطيعة اينما وجدت. ايماناً منا بقوميتنا العربية، وبديننا الاسلامي الحنيف الذي يحض على التعاون، وتقديراً منا لمصالح شقيقاتنا، وواقعنا، وما يلقيه علينا من واجبات اخوية نحوها جميعاً...».
في أول وأهم وأخطر بيانات سموه التي ألقاها بعد تعيينه ولياً للعهد ورئيساً للوزراء جابر الأحمد: الكويت الدولة الوحيدة التي تساعد صحافتها كي تنقدها
وما زلنا مع البيان الذي ألقاه سمو الامير الشيخ جابر الاحمد بعد مبايعته وليا للعهد والذي تطرق فيه سموه الى محددات السياسية الخارجية... كما تحدث ايضا عن التركيبة السكانية، والعمالة الوافدة الخ.
وحول التركيبة السكانية، وما يكتنفها من خلل وعدم توازن، كان للشيخ جابر الاحمد ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء رؤية بعيدة المدى في هذا الشأن، حيث لا يزال المجتمع الكويتي يعاني من تداعيات هذا الخلل التي خلقتها التدفقات الكبيرة للعمالة الوافدة على الكويت، والتي بلغت نسبتها قبل الغزو والعدوان والاحتلال العراقي حوالي 73% في التعداد العام لسكان الكويت عام 1985م، لتنخفض هذه النسبة الى حدود 63% في التعداد العام للسكان عام 1995م، وذلك بسبب هروب هذه العمالة من بطش قوات الاحتلال العراقي، وعودتها التدريجية بعد تحرر الكويت من براثن هذا العدوان والاحتلال.
ان هذا الكم من العمالة الوافدة ـ سواء أكان ذلك قبل الغزو ام بعده كان له بلا شك انعكاسات امنية واجتماعية لخصها الشيخ جابر الاحمد في بيانه، حين قال: «... ان بلدنا قد فتح ذراعيه مرحبا بأبناء الدول العربية جميعا، فحلوا بين ظهرانينا يسهمون مع ابناء هذا البلد المضياف في بناء نهضته، تلك النهضة المباركة التي مهدت لهؤلاء واولئك سبل الرزق الحلال، حتى جاوز عدد الوافدين عدد المواطنين، وهذا الامر في حد ذاته يلقي على عاتق المسؤولين عن مصير هذا البلد، وعلى الشعب الكويتي بأسره مسؤولية جسيمة، قد لا يوجد لها نظير في اي بلد من بلاد العالم»...
ويضيف قائلا: «... ان تجمع هذا العدد الكبير من الوافدين في بلد محدود المساحة نسبيا كبلدنا، يكون مشكلة كبرى فيما يتعلق بسلامة الدولة والامن العام، وبالاتجاهات الفكرية المؤثرة في مصيرنا، فليس كل الوافدين على البلاد من نفس الطراز او من نفس البيئة، وليس كلهم ممن يحترمون مقدسات هذا البلد، ويقدرون له حسن ضيافته، بل ان منهم من لا يراعي لتقاليدنا وقوانيننا حرمة، او يعمل لحساب مصالح اجنبية ولخدمة مبادىء غريبة عنا، محاولا استقطاب بعض المواطنين وجذبهم الى مبادئه وتسخيرهم لخدمة نشاطه الضار، وهكذا ظهر في بلادنا نشاط يهدف الى تفتيت عرى وحدتنا الوطنية بغرس بذور الحقد والحسد والكراهية بين الاخ واخيه والابن وأبيه، وبعض الاسر وبعضها الآخر، والى اشاعة روح الاستهتار واللامبالاة بالقيم التي نقدسها وتقاليدنا التي نشأنا عليها، والتشكيك في نظمنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يقوم عليها كياننا الاجتماعي...».
وحول حرية الصحافة، وحرية التعبير عن الرأي وحدودهما التي يجب الا تطول حرية الآخرين افرادا او جماعات او مؤسسات، كان للشيخ جابر الاحمد رأي محدد في ذلك التاريخ، حين اشار: «... وقد اثبت فريق من غير الكويتيين الذين يعملون في صحافتنا انهم يقدرون مصالح هذا الوطن، ويشاركونه افراحه واتراحه، وينظرون بالاحترام الواجب الى امنه ومقدساته، لكن فريقا آخر سلم نفسه الى الشيطان، وساهم في جعل بعض الصحف والمجلات ادوات طيعة في ايدي كل نشاط ضار بوطننا ومصالحنا القومية»...
ويمضي، فيقول: «... نحن لا نطلب من الصحافة او من غيرها ان تمدحنا، بل لعلنا الدولة الوحيدة التي تساعد صحافتها كي تنقدها، ولكن من حقنا وواجبنا ان نعمل على ان يكون هذا النقد بناء خالصا لوجه الله والوطن ومصلحة ابنائه جميعا، لا نقدا هداما مسخرا لخدمة جهات معينة، للتمهيد لمبادىء دخيلة يراد فرضها على مجتمعنا...».
ويؤكد: «... اننا نؤمن بالصحافة الحرة النزيهة ونقدر رسالتها، الصحافة التي تبني ولا تدمر، التي تحض على المحبة والوئام لا على الحقد والكراهية، التي تجمع الشمل لا تشتته او تفرقه، التي تخدم مصلحة الوطن لا المآرب الذاتية والمصالح الاجنبية...»
وحول الاوضاع الاجتماعية، والمشكلات المجتمعية التي صاحبت الطفرة الاقتصادية والتغيير الحضاري، كان له الوقفة التالية في بيانه: «... ان الرواج الاقتصادي وما صاحبه من تطور اجتماعي نتيجة للموارد النفطية خلال السنوات الاخيرة، لم تنعكس آثاره بعد على جميع ابناء البلاد... فهناك من المواطنين من يسمع عن المبالغ الكبيرة التي تقرضها الدولة للغير، وهو لا يزال يعيش بيننا عيش الكفاف، معتمدا على راتبه او نصيبه من المساعدات العامة، ومنهم من يشاهد البيوت تقام في كل مكان، وهو ما زال يسكن العشيش التي لا تقيه برد الشتاء ولا حرارة الصيف، وهناك مشكلة بيوت ذوي الدخل المحدود وتوزيعها على المستحقين، والشكوى المزمنة من التأخير في هذا التوزيع، هناك التنظيم ومشاكله، فبعض المواطنين قد ثمنت بيوت سكنهم ولم يتمكنوا من انشاء بيوت بديلة لها، لعدم كفاية مبلغ التثمين، او لعدم وجود قسائم لهم، او للتأخير في منحهم هذه القسائم حتى ذاب مبلغ التثمين بأيديهم دون ان يعود عليهم او على اسرهم بنفع حقيقي، ومن المواطنين من حرم عليهم التصرف في بيوتهم وعقاراتهم سنين طويلة ترقبا لاستملاكها، ثم صرف النظر في ذلك دون تعويض او ترضيه من اي نوع كان عن هذا الحرمان»...
وبنظرة الحاكم العادل العارف بمعاناة شعبه وابناء وطنه يمضي مسلطا الضوء على شكوى المواطنين، فيقول: «... وهناك من يشكون من بقاء قضاياهم معلقة امام المحاكم مددا طويلة، ومن يشكون من تعطيل مصالحهم لدى الوزارات والادارات الحكومية المختلفة، او من عدم تفرغ الموظفين كبارهم وصغارهم لاعمالهم الرسمية، او من عدم صلاحية بعض الموظفين للاعمال التي خصصوا لها.
وهناك شكوى بعض المواطنين من اهمال احيائهم ومناطق سكنهم، وشكوى سكان القرى والجزر من ان الحكومة لا تولي شؤونهم المحلية الاهتمام الكافي اسوة باخوانهم في المدينة»....
وفي معرض حديثه حول معاناة المواطنين مع الادارة الحكومية وقضاياهم ومشكلاتهم اليومية التي تتطلب حلولا حاسمة وسريعة لمجابهة مرحلة التحول الحضاري ومعطياته العصرية، لا ينسى الشيخ جابر الاحمد ان يتناول السلطة التنفيذية ـ جهازا ونظاما وافرادا ـ بالنقد الذاتي والتحليل الموضوعي اللذين قلما نجد قياديا يقوم بمثلهما. ذلك لان ارادة الاصلاح كانت دوما ماثلة امامه، وان عمليات الاصلاح وتعديل المسارات غير المتوازنة لا يمكن ان تتم او تلقى النجاح ما لم يتوافر لها جو صحي قوامه المصارحة والنقد البناء. وهذا ما هدف اليه حين قال: يؤسفني ان اسجل فقدان الانسجام والثقة بين الادارة المركزية ممثلة في الحكومة وبين بعض الهيئات والمؤسسات العامة المتمتعة بشخصية معنوية مستقلة.
ويمضي في هذا الاتجاه فيقول ان البلاد لا تتحمل تطاحنا بين الاجهزة المختلفة التي يجب ان يكون رائدها في العمل التعاون الوثيق المثمر، والتحرر من التقيد، وتعويق الاعمال، والغيرة على مصالح المجموع لا الغيرة على اختصاصات كل منها وصلاحياته او رغبته في الاستئثار بالسلطة.
كما ان التداخل في الاختصاصات بين جهاز البلدية وبين عدد من وزارات الدولة واضح لكل انسان، ويحتاج الى مزيد من التنسيق ولا شك ان ادارة جميع الشؤون المحلية المتطورة للقرى والمدن المختلفة من مركز واحد، وبواسطة جهاز واحد هو امر يستحق التأمل والنظر فيه. فاهل مكة ادرى بشعابها كما يقولون.
وعلى مستوى العاملين في الاجهزة الحكومية ومؤسساتها كان له وقفة طويلة ومريرة، عندما قال «واذا نحن انتقلنا من اجهزة السلطة التنفيذية الى العاملين فيها، طالعتنا ظاهرة خطيرة اخذت تتسرب الى ادارتنا الحكومية ومؤسساتنا وهيئاتنا العامة، واقصد بها انعدام الولاء لدى بعض الموظفين وهنا لا اقصد الولاء لشخص الوزير او الوزراء الذين هم في كراسي الحكم، فاشخاصهم زائلة ومتغيرة بطبيعة الحال، ولكن اقصد الولاء للدولة ككل، وللسلطة التنفيذية التي تمثل الدولة في قيامها بوظيفتها الحكومية والادارية.. هذا الولاء الذي يتطلب من الموظف الامانة التامة في أداء الوظيفة والقيام بكامل اعبائها واحترام الرؤساء وتنفيذ تعليماتهم بالدقة اللازمة في حدود القوانين واللوائح».
ويستمر في حديثه حول هذه الظاهرة مؤكدا: «ان انحراف بعض الموظفين عن هذه المبادىء الاولية لمعنى الامانة في اداء الوظيفة العامة، ينعكس اثره السيىء على سير العمل في المرافق العامة، فتتحول المصالح والادارات الحكومية الى تكتلات متباينة متنافرة، تذوب خلالها المسؤولية وتصاب مصالح الشعب بالاذى والتعطيل. فتعم الشكوى وينتشر السخط بين الجمهور من سوء الادارة الحكومية.
وينتهي من حديثه حول هذه المظاهر محذرا: «واذا كانت الحكومة قد التزمت سياسة اللين والتسامح مع هؤلاء حتى اتهمت بالضعف وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية فانها لن تتوانى من الان فصاعدا عن اداء واجبها في تنحية كل معطل لمصالح الشعب من اولئك الموظفين الذين لا يفهمون معنى الامانة في اداء اعمالهم».
وحول العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهي علاقة حذرة في الانظمة الديمقراطية كافة، تتسم بالمد والجزر، لكنهما في نهاية الامر تسعيان سويا للصالح العام وخدمة الاهداف العليا للدولة. ومن هذا المنظور القريب البعيد كان للشيخ جابر الاحمد وقفة امام هذه العلاقة حين قال: «ان نظام الحكم عندنا يقوم على اساس فصل السلطات، مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور. واذا كان الدستور قد قرر مسؤولية كل وزير سياسيا عن اعمال وزارته امام الامير وامام مجلس الامة، فانه قد قرر في الوقت ذاته ان مجلس الوزراء هو المهيمن على مصالح الدولة وهو الذي يرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الادارات الحكومية.
وعلى اساس من هذه النصوص الدستورية الصريحة، والاعراف البرلمانية فالاصل ان تطلق يد الحكومة في تصريف الشؤون العامة وفقا لما تراه محققا للصالح العام، في حدود الدستور والقوانين النافذة وان يمهد امامها الطريق لتعديل هذه القوانين متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، لا ان يضيق عليها الخناق لدرجة تفقدها القدرة على العمل، او تعوق نشاطها الحكومي والاداري».
«يتبع»[/frame]