[frame="1 80"]وقد جاء في وثيقة بريطانية عند اختيار الشيخ جابر الاحمد ولياً للعهد تعليق على سيرته الذاتية: «... ان الشيخ جابر الاحمد رجل طموح قادر، ومسلم تقي، وان له صيتاً بحسن الادارة واتخاذ القرار...».
واذا ما تجاوزنا هذه الوقائع والشواهد التي لامست عن قرب جانبا من الصفات والسمات الشخصية للشيخ جابر الاحمد، لنقف عند المراحل الدراسية التي قطعها، فإننا نجد انه في ذلك التاريخ البعيد نسبيا، لم تكن مراحل التعليم المتقدمة مكتملة في الكويت كمعظم الدول العربية الاخرى، الامر الذي جعل والده رحمه الله وطيب ثراه، يتيح له الفرصة لأن يتلقى تعليماً خاصا على أيدي عدد من الاساتذة المتخصصين في مجالات علوم الدين واللغة العربية واللغة الانجليزية.
ومما زاده إلماماً ومعرفة بما يدور في هذا العالم اتاحة والده له ثانية الفرصة لزيارة العديد من بلدان العالم من اجل الاحتكاك بثقافتها وحضاراتها، وخاصة تلك الدول التي بدأت تخطو خطوات واسعة وسريعة في مضمار التقدم والنهضة، حيث رأى عن كثب أحوال تلك المجتمعات وحياة شعوبها الحضارية وما بلغته من تقدم في شتى ميادين الحياة، والأخذ بأسباب التقنية الجديدة التي بدأت تشارك الانسان حياته، وهذا نلمسه اليوم في كل لحظة من لحظات تعاملنا مع أوجه هذه الحياة. وقد كانت هذه الرحلات ـ كما قال احد ساسة الكويت المخضرمين ـ بمثابة «المدرسة الجامعة التي اسهمت في تكوين الشخصية الطموحة للشيخ جابر الاحمد».
خلاصة القول، ان الشيخ جابر الاحمد قبل ان يصبح أميرا وحاكماً هو انسان كويتي، يجسد تراث الاجداد في تواضعه، ويحمل في توادّه وتراحمه مع الناس أصالتهم.
كان والده المغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح يتفرّس فيه منذ طفولته ملامح خاصة من النباهة والجدّية وسرعة الخاطر، فعوّده على الانضباط السلوكي، سواء أكان ذلك في البيت ام في مجالس الاسرة، ام في المدرسة، ام في المجتمع، وكان لاصطحابه له في رحلاته الخاصة وسفراته الرسمية الى الخارج وهو صغير دور كبير في اكتسابه المزيد من الخبرة في الحياة ومعرفة الناس، والاطلاع على اساليب الحكّام. وكان يردد على مسامعه دائما: «عليك يا بني بالحلم فهو أساس الحكم، وإياك ان تفقده فتفقد كل شيء».
وعندما نتحدث عن الطبيعة الشخصية لسمو الشيخ جابر الاحمد، فاننا نتحدث عن تواضع حقيقي لا متخيّل، فزهد هذا الرجل في المظاهر والمبالغات يعرفه من عرفوا انجازاته. فهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد هذه الحقيقة، نستقي منها الواقعتين الآتيتين: اولاهما: إنه رفض بعد توليه حكم الامارة ان توضع صورته على ورق النقد المتداول بعدما كادت تصبح قاعدة عامة، اما الثانية: فقد تمثّلت في عزوفه عن لقب «المعظم» واصراره العفوي على عدم تمجيد شخصه.
لقد تجمّعت فيه صفات عقلانية وخلقية عدة، تجسّدت في سلوك مثالي، وقدرة على الحوار والاستعدادلتقبل الرأي الآخر اذا اقتنع بالجدل الموضوعي.
ومن المعروف عن الشيخ جابر الاحمد انه متواضع دون تصنع، بسيط السلوك، ودبلوماسي لبق، واداري حازم يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، صادق في تعامله، يقول كلمة الحق على الدوام، يجيد فن الاستماع والاصغاء، فيستمع الى اكثر التفاصيل دقة. واذا ما جاء الحديث في موضوع له اهمية خاصة امسك قلمه ودوّن ملاحظاته، واذا تحدث فانه لا يتحدث الا بقدر، لكنه عندما يتحدث تجده بصيب لب الموضوع.
ان صفة التواضع الجم فكرة أساسية في سلوك الشيخ جابر الاحمد منذ ان كان حاكما امنياً لمدينة الاحمدي ومناطق النفط... وهنا ايضا واقعتان تؤكدان هذه الحقيقة: الواقعة الاولى تتمحور حول لقائه بطلبة الكويت أثناء زيارته للولايات المتحدة الامريكية، فقد وقف الطلاب لحظتها هاتفين بالهتاف التقليدي المعروف بالروح بالدم نفديك يا جابر... فقاطعهم وهو قليل التدخل في مثل هذه الاحوال، وطلب منهم ألا يهتفوا بهذا النوع من الهتافات.
اما الواقعة الأخرى، فقد تمثلت في الفكرة التي طرحها بعض المثقفين الكويتيين حول انشاء جائزة كبرى باسم جائزة جابر الاحمد تمنح للمتميزين والمبدعين من المثقفين الذين ساهموا بفكرهم وعطائهم، وكانت لهم مواقف جيدة ومتميزة من العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت. وقد قبل الفكرة ورحب بها بشرط عدم ذكر اسمه فيها، وبادر بتسميتها باسم «جائزة الكويت».
ان الشيخ جابر الاحمد ليس رجل دولة فحسب، انما هو رجل أمة، يضرب به المثل والقدوة في التفاني والعمل والعطاء دون حدود، لذلك تجده يضيف دوماً الى الموقع الذي يتولى ادارته كل ما هو جديد في عالم الرقي والتقدم. كما يحرص أشد الحرص على تدعيم وتقوية صلاته مع افراد شعبه داخل وخارج نطاق العمل، فهو يتسم بوداعة قلبه الكبير الذي يتسع لحمل هموم ومشاكل وآمال وطموحات وتطلعات وطنه وشعبه.
«يتبع»[/frame]