[frame="1 80"]ما بعد الانسحاب...
رنده حيدر
صحيفة النهار اللبنانية 10/8/2005
خروج الجيش الإسرائيلي من غزة وتفكيك المستوطنات اليهودية التي أقيمت هناك وإجلاء المستوطنين محطة أساسية في التاريخ الفلسطيني تؤرخ لبدء انتهاء الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية.
ولكن مفاعيل تطبيق خطة شارون لفك الارتباط عن غزة والانسحاب منها من طرف واحد لا تقل أهمية وجذرية على الصعيد الإسرائيلي أيضاً. فمع اقتراب ساعة الصفر للانسحاب بدأت تظهر التغيرات والتبدلات التي ستطرأ مستقبلاً على الحياة السياسية والحزبية مما يجعل من خطة فك الارتباط مؤشراً لمرحلة مختلفة في الحياة السياسية لإسرائيل. سيكون حزب الليكود الذي يقوده حالياً رئيس الحكومة أرييل شارون أول المتأثرين بخطة الفصل وأهمهم، وما استقالة وزير المال بنيامين نتنياهو من الحكومة سوى مؤشر إلى المسار الذي تتخذه الأحداث داخل هذا الحزب المعروف عنه تقليدياً أنه ممثل لليمين العلماني والمتشدد في آن واحد والذي حوّله شارون خلال السنوات الثلاث الأخيرة حزباً أقرب للوسط منه إلى اليمين لا سيما بعد خروج ممثلي أحزاب اليمين القومي الديني المتشدد من الحكومة احتجاجاً على خطة فك الارتباط ودخول حزب العمل كشريك في الائتلاف الحكومي.
بدأ الخلاف الداخلي في الليكود مع طرح شارون خطته الانسحاب من طرف واحد من غزة، واشتد عقب تجاهله نتائج الاستطلاع الذي أجراه داخل حزبه والذي أظهر أن غالبيته تعارض الخطة. وبرزت حركة تمرد داخل الحزب جمعت عدداً من ممثليه في الكنيست برئاسة عوزي لنداو شكلت نواة صلبة للمعركة المقبلة على رئاسة الحزب التي لن تكون هذه المرة معركة بين أسماء وإنما معركة بين إيديولوجيتين: واحدة محافظة ومتشددة منغلقة تعتبر أي انسحاب من المناطق الفلسطينية هو بمثابة خطأ سيدفع الإسرائيليون ثمنه من حياتهم وأمنهم واستقرارهم وأخرى أكثر قبولاً بالمنطق الدولي الداعي إلى ضرورة فتح أفق نحو تسوية سياسية للنزاع مع الفلسطينيين عبر إعطائهم ما يمكن أن يشكل دولة فلسطينية بحدود مؤقتة وفقاً لنظرية شارون في الحلول الجزئية والطويلة الأمد.
من هنا من المنتظر أن يشهد هذا الحزب فور الانتهاء من تطبيق خطة الفصل، وبغض النظر عن احتمالات النجاح والفشل، خلافاً حاداً بين معسكري الليكود الآنفي الذكر حيث سيحاول كل منهما استقطاب القاعدة الشعبية نحو آرائه استعداداً للمعركة الانتخابية المقبلة التي تُجمع الآراء أنها قريبة، وقد يكون فشل الحكومة الحالية في إقرار الموازنة العامة سبباً للدعوة إلى انتخابات مبكرة. وانضمام بنيامين نتنياهو إلى معسكر المتمردين في الليكود لن يغير كثيراً في موازين القوى بين المعسكرين كما لن يؤدي على الأرجح كما تنبأ أيهود باراك الزعيم السابق لحزب العمل إلى انشقاق الليكود.
فلقد شهد هذا الحزب طوال تاريخه خلافات حادة بين أعضائه ونشوء معسكرات داخله، وغالباً ما أدت الحركات الانشقاقية عنه إلى ذوبان المنشقين وضعف تأثيرهم السياسي كما جرى مثلاً لديفيد ليفي الذي خسر نفوذه السياسي بعد خروجه من الليكود، وعدم قدرة الأحزاب المستقلة التي أنشأها المنشقون عن الليكود مثل حزب الوسط على البقاء طويلاً على خريطة الأحزاب السياسية.
من هنا سيشكل تنفيذ خطة فك الارتباط بداية مسار لبلورة أيديولوجيا واضحة وجديدة لهذا الحزب يمكنها أن تشكل بديلاً من فكرة أرض "إسرائيل" الكاملة التي ستصبح جزءاً من التاريخ مع تفكيك مستوطنات غوش قطيف في غزة.
من جهة أخرى، من المنتظر مع انتهاء تطبيق المرحلة الرابعة والأخيرة للخطة أن يخرج حزب العمل الشريك الأساسي لشارون في تنفيذ خطته عن تأييده الكامل والمطلق لشارون وأن يحاول هو بدوره إعداد نفسه للمعركة الانتخابية المقبلة. أما اليمين القومي والديني الرافض خطة فك الارتباط فلن يتوقف عن عملية التحريض المستمرة ضد شارون والفلسطينيين والتي قد تؤدي إلى اختلال التوازن الهش القائم منذ قيام دولة "إسرائيل" بين الأقلية العربية والدولة الإسرائيلية.
يتبع>>[/frame]