[frame="1 80"]أهالي "برقة" يحبسون أنفاسهم استعدادا للاحتفال برحيل كابوس المستوطنة الثقيل على قلوبهم
ومغتصبة (حومش) الصهيونية إلى زوال
نابلس- المركز الفلسطيني للإعلام
"حين تدخل قرية برقة هذه الأيام، يخالجك شعور غريب، تشعر أن الناس جميعا بانتظار أهم حدث في التاريخ، ربما لم يكن بحق كذلك، لكن رحيل المستوطنين عن أراضي قريتنا حدثا ليس عاديا".
تدور هذه الكلمات التي يتناقلها السائق مع ركابه في السيارة المتجهة إلى قرية برقة شمال غرب نابلس في رأس كل مواطن من القرية بدأ يحبس أنفاسه استعدادا لما سيكون عليه الحال بعد الإخلاء.. هنا برقة المحررة، قد لا تكون كذلك وقد تبقى تحت الحصار وضمن إجراءات الاحتلال العسكرية التي تذكر الناس بالأيام الماضية حين كانت القرية محاطة بالأسلاك الشائكة، لكن أهلها يصفون رحيل المستوطن عن مستوطنة "حومش" المقامة على أراضيهم بالتحرير وعيونهم تشخص نحو الشمال، باتجاه المستوطنة وكأنهم ينتظرون أن تبتلعها الأرض فتختفي عن الوجود.
ربع قرن من الاحتلال
ويقول غسان دغلس ابن القرية والمدير في الشؤون القروية والبلدية بمحافظة نابلس: "لقد أقيمت مستوطنة حومش على أراضي المواطنين شمال برقة في العام 1982، وهي الآن تجثم على أراض مساحتها (1050) دونم معظمها يعود لمواطني برقة، ربع قرن وأصحاب تلك الأرض يرونها بأعينهم ويتحسرون على خيراتها التي تذهب لغيرهم".
ويضيف لم تكن الدونمات التي أقيمت عليها المستوطنة وحدها ما حرم المواطنون منه خلال الربع قرن، بل إن أغلب الأراضي والمناطق الزراعية المشجرة بالزيتون واللوز والحمضيات كانت سياجا امنيا للمستوطنة يمنع المواطنين من الاقتراب منها، وهذا كله حرم الأهالي من خيرات أراضيهم وتركهم يعيشون أوضاعا اقتصادية سيئة وضعهم من التمدد العمراني أفقيا.
ويعبر دغلس عن المعاناة الكبيرة التي لقيها الأهالي بالقول: "في الانتفاضة الأولى عانينا الأمرين، حومش كانت نقطة توتر واستفزاز دائمة ولقربها من مدرسة القرية كانت دائما سببا لاندلاع المواجهات واقتحام الجيش الإسرائيلي للقرية والاعتداءات على المواطنين".
تشكيك بجدية الانسحاب من مغتصبة "حومش"
ويستعرض المهندس إياد أبو عمر عضو مجلس برقة القروي تاريخ القرية المنكوب مع المستوطنة قائلا: "هذه المستوطنة كانت الذريعة الدائمة لسرقة الأرض ونهبها ومصادرتها على مراحل، ففي حزيران/يونيو من العام 2002 صادر الاحتلال نحو 1948 دونما لشق طريق الذي يصل شمال فلسطين المحتلة بجنوبها، وفي 16/12/2002 صودرت أراضي بطول 4400 مترا لإنشاء شارع يحيط بالمستوطنة بعرض 10 أمتار وفي 21/6/2005 صودرت 2012 دونما من أراضينا منها 474 دونم في حوض (5) المعروف باسم حوض سرطاسة والباقي من حوضي 21 (العابور) و22(الهبابير) لتصل مساحة الأرض التي أقيمت عليها المستوطنة إلى 1050 دونما وهذا ما يدفعنا للتشكيك بجدية الانسحاب من "حومش".
ويتساءل أبو عمر "إذا كانوا قد قرروا الخروج من المستوطنة التي أقيمت أصلا في حوض (6) (الطهور) فلماذا صادروا حوض (5) المقابل لها؟ أم أنهم سينتقلون من حوض لآخر ويحسبون ذلك انسحابا؟!".
تحرير ولكن
وإذا كانت تجربة الفلسطينيين مع الاحتلال علمتهم أن لا يحكموا على أقواله دون النظر لما ينفذ فإنهم ما زالوا يحتبسون الفرحة في قلوبهم ولا يصرحون بها إلا مذيلة بعبارة "إن صدقوا" كما يقول ثمين عبد القادر المهندس الزراعي من القرية: " بلا شك أن مشاعر الفرح والسرور تملأ قلوب الناس، الكل يرتقب رحيل المستوطنة وسكانها على أحر من الجمر لكن هناك توجس وخيفة منعتهم من التعبير عن هذه الفرحة.
أما الصحفي عاطف دغلس ابن القرية فيؤكد أنه يعيش عرسا مهنيا وهو منشغل بعمل اللقاءات والحوارات مع أهالي الشهداء والأسرى من القرية ليرسم انطباعاتهم عن الانسحاب، ويقول: "ألمح في عيون أهالي شهداء وجرحى وأسرى قريتنا فرحة خفية، هم يرون أن من ضحى أبناؤهم لطرده قد رحل أخيرا لكن أبناءهم وخصوصا فيما يتعلق بالأسرى ما زالوا خلف القضبان ومغيبون عن الساحة".
وفي حالة أخرى يرفض طلبة بجامعة النجاح وصف خروج المستوطنين من "حومش" بالتحرير، ويقول أحدهم: "هذه خطوة رائعة على الطريق، خروجهم إنجاز لكن رحيلهم عن كل أرضنا هو الإنجاز الأهم وهو ما لم يتحقق بعد".
ويشير طلبة آخرون من أبناء القرية إلى أن هموم المواطنين والناس في برقة لا تنتهي عند زوال المستوطنة، ويضيف دغلس "على الأقل سنشتم هواء لا تلوثه مخلفات المستوطنين لكن بقاء الحواجز العسكرية يرهقنا".
تناقل الحلم
وبالعودة إلى غسان دغلس نجده يعبر عن مواقف أكثر رمزية يقول فيها "أنت تتحدث عن ربع قرن من وجود المستوطنة عدد كبير من أصحاب الأراضي التي صودرت قد توفوا وفارقوا الحياة، لكن أبناءهم اليوم وأحفادهم يستعدون للاحتفال برحيل المستوطنة عن أرض الآباء والأجداد.
ويتوقع دغلس حياة سعيدة وطيبة للمواطنين في قريته بعد رحيل المستوطنين قائلا: "صحيح أن مصير الأرض التي ستخلى لم يحدد بعد لكنها على كل الأحوال لن تعود إلى أيد إسرائيلية، وأتوقع أن تتحسن أحوال المواطنين المعيشية بعد رحيل المستوطنين، سنتمكن من بناء المنازل والتوسع العمراني بحرية ودون قيود وسننشئ الشبك الذي أقيم في محيط القرية إلى الأبد، ولن يبقى هواؤنا الذي نتنفسه ملوثا بزفير الغرباء.
فرحة العمر التي يرقبها المواطنون في برقة ما زالت تتراءى في الأفق، والناس من حولها بين مصدق ومشكك بالانسحاب، وفي كلتا الحالتين الكل يحبس أنفاسه بانتظار ساعة الانسحاب التي يبدو أنها قد أصبحت على الأبواب.
يتبع>>>[/frame]