الحلقـــــة الثالثـــــة والأخيــــــــرة
حلقة اليوم هي الحلقة الثالثة و الأخيرة في ( الصحة ) و في الحقيقة الحلقة الماضية كانت حلقة مليئة بالأوجاع, وقد لمسنا من خلالها مشكلات كثيرة وتكلمنا عن الواقع المرير للأمراض الغير معدية وقلنا أن الوطن العربي أصبح موطنا لكثير من هذه الأمراض الخطيرة كالسمنة وأمراض ضغط الدم والسكر فقد فاق الوطن العربي العالم أجمع في هذه الأمراض ، وكذلك قضية المياه الملوثة المنتشرة في العالم العربي والقرى الكثيرة التي يشرب أهلها مياه ملوثة. تكلمنا عن مشاكل كثيرة جدا .
عرضنا مشكلة جودة الخدمة في المستشفيات، فهي تحتاج إلى نظام للجودة يضغط عليها ويحسن الخدمات فيها, تكلمنا عن الأدوية ومشكلة الدواء في الوطن العربي كله...
الحقيقة تكلم الشباب عن أوجاع زيادة وقالوا لنا : أن الصورة التي عرضناها الحلقة الماضية- يعني هم موافقون عليها- قالوا أن الحل الأساسي أن نبدأ بالتخطيط في كليات الصيدلة و نبدأ بالتخطيط بالوزارة الصحة كيف نصلح من هذا الواقع ؟! ..كيف تكون رسائل الدكتوراة والماجستير مفيدة للواقع الذي نعيش فيه؟ ...كيف نرتقي بشباب الجامعات ونصلح فيهم ؟ ..عندنا آمال كبيرة أن نحقق هذه الرؤى جميعها.. وعندنا آمال أن ما قيل في الحلقة الماضية يتناوله الشباب و يتحركون به ، لكن بلا شك الواقع كان صعب جدا جدا جدا ..
هذه الحلقة مختلفة نوعا ما ، هذه الحلقة سنتكلم فيها عن شيء بعيد عن الأجهزة والمستشفيات والأدوية..سنتكلم عن الشيء الذي رغم نقص الإمكانيات بشدة ورغم كثرة كمية المشاكل التي ذكرت الحلقة الماضية... لو وجد هذا الشيء يكن مثل البلسم ، ما هذا الشيء ؟ !
إنسانية الإنسان.. إنسانية الطبيب.. إنسانية الأصحاء تجاه المرضى..
الإنسانية ..الرحمة..الرحمة التي تضع الابتسامة الحلوة على الوجوه..حسن التعامل مع المريض.. الرقة.. فالطب أصلا مهنة الإنسانية.. هل نسيتم هذا ؟ الإمام الشافعي يقول كلمة جميلة جداً يقول :" أنبل العلوم بعد علم الحلال والحرام علم الطب فقالوا له:لما؟ قال:لأن الله يريد أن يرحم العالمين سبحانه وتعالى, والنبي رحمة للعالمين, والطب جزء من هذه الرحمة للعالمين" أليس كذلك ؟ أليس في الطب رحمة للناس؟ تأملوا نظرة الإمام الشافعي لمهنة الطب...
في هذه الحلقة سنكلم مَنْ ؟ !
سنتكلم فيها مع الثلاثة: الأطباء وأقول لهم أربع وصايا..وأكلم المرضى وأقول لهم أربع وصايا..وأكلم الأصحاء وأقول لهم أربع وصايا...
يعني هدفي من هذه الحلقة : أحنن قلب الطبيب على المريض، وأحنن قلوب الأصحاء على المرضى ، و أحنن قلب المريض على نفسه وأصبره.. وكأن نيتي من هذه الحلقة أن تتداول هذه الحلقة بين الناس وتكون في شرائط ونعطيها للأطباء لنذكرهم ونعطيها للمرضى لنصبرهم.. ونعطيها للأصحاء لنفكرهم ..
ماذا نقول للأطباء ؟
أقول لهم يا أطباء, أول شيء نريده منكم الرحمة والحنان... الرحمة والحنان أعرف أوضاع و ظروف الأطباء ، وبالأخص ظروف الأطباء الشبان ، نعرفها جيدا..أعرف أنه تخرج من دراسته متأخرا عن بقية زملاءه الذين في عمره.. أقرانه في الكليات الأخرى... أعرف أن كل أصحابه بدءوا حياتهم و تزوجوا ويمكن أنجبوا...وهو ما زال في السنة الخامسة والسادسة من دراسة الطب ، ويلي ذلك تحضيره لدبلوم أو ماجستير حتى يكون طبيبا جيدا ...أعرف ضغط الحياة المادية عليه, أعرف أنه يأمل أن يتزوج ويتمنى أن يعيش.. هذا حقه, ليس ذلك فقط , أعرف أيضاً أنه مطالب بصفته طبيب أن يظهر بمظهر معين وبشكل معين وأداء معين...يظهر به للمجتمع ..وكل هذا يحتاج إنفاق..وأعرف أن هناك آلاف مثله يعانون ذلك.. وأنه يريد أن يتعلم تعليما جيدا لكنه ليس لديه القدرة على الحصول على التعليم الجيد وأعرف أكثر من هذا أن هناك آلاف الخريجين مثله...فأين يجد مستقبله ؟ ...وكيف يتميز بينهم ؟ وأعرف أن العمر يمر ، لكن هذا لا يمنعني أن أقول له أين؟!
شيء لن يكلفك مالا : الحنان .. العطف...الرحمة..أقول لكم يا أيها الأطباء حديثي التخرج... أرجوكم أن تحفظوا حديثا جميلا جدا
يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة يا إبن آدم مرضت فلم تعدني فيقول كيف أعودك يا ربي وأنت رب العالمين؟ فيقول مرض عبدي فلان, أما تعلم أنك لو زرته لوجدتني عنده؟
هذه كلمتي للأطباء ببساطة شديدة...
انظروا إلى تاريخنا الجميل..تاريخ المسلمين... وتخيلوا كانوا يسمون الأطباء ( الرحماء ) !..تخيلوا ماذا يسموهم ؟ ما لقب عمر بن الخطاب ؟ أمير المؤمنين . أليس كذلك ؟... والطبيب ما لقبه؟
منقذ المؤمنين...تأملوا هذه اللفظة وانظروا تاريخنا الجميل ، كانوا يسمون الطبيب الرحيم ( منقذ المؤمنين ) ..يا جماعة ألا يوجد بيننا من سيأخذ لقبا يوم القيامة ، ولا في الدنيا أمير المؤمنين يعني عمر فقط !!...لكن كم من الأطباء يستطيع أن يأخذ لقب ( منقذ المؤمنين ) ؟
تخيل معي ينادى يوم القيامة : ليقم منقذي المؤمنين ، فيقوم الرازي ويقوم ابن سينا ويقوم فلان ويقوم الدكتور الفلاني وتقوم الدكتورة الفلانية النساء .....طبيبات... الطبيبات النساء أنت أولى بهذا الكلام ، لا تكوني غليظة...
إن فقهاء المسلمين للتعبير عن أهمية قضية الرحمة والحنان ومدى علو شأنها عندهم ، قالوا : يجوز للطبيب والممرض أن يتخلف عن صلاة الجماعة من أجل المريض.. بل ويتخلف عن صلاة الجمعة من أجل المريض... فقيل لهم: هل تقصدون ساعة إجراء العمليات الجراحية ؟ قالوا : إن اشتكى المريض وتأوه فالأولى بالطبيب أن يكون بجواره .
لا يفهم الأطباء هذه القضية خطأ ويتخلفوا عن صلاة الجمعة ويبحث له عن مريض في هذا الوقت لكن الفكرة ..انظروا رؤية الفقهاء لقضية الطب وعلو شأنها لديهم ؟
انظر الأجمل من هذا !
نعرف جميعا أن الطبيب عندما يتخرج من كليته يقسم قسماً ، تخيلوا أن أول من ابتكر هذا القسم كان في القرن الثالث الهجري ، في عهد الدولة العباسية ،، سأقرأ لكم القسم وتأملوا كيف كان هؤلاء الناس يتكلمون عن رحمة وحنان الأطباء وكيف أعطوها من الأهمية ؟
"أقسم بالله رب الحياة والموت, واهب الصحة وخالق الشفاء وكل علاج, وأشهد أولياء الله من الرجال والنساء جميعا على أني أفي بهذا اليمين, وأرى أن المعلمين لي هذه الصنعة بمنزلة أبائي,...و أما الجنس المتناسل منه.. فأرى أنه مساوٍ لأخوتي, وأعلمهم هذه الصناعة إن إحتاجوا إليها وأن أعلمها لهم بغير أجرة ولا شرط وأن أرحم كل مريض غاية الرحمة, وأن أرحم أهل المريض ولا أتأخر عليه مهما كلفني الأمر رحمة بأهله... وكل المنازل التي أدخلها إنما ادخلها لمنفعة المرضى لا لظلم ولا لجور ولا فساد .. وأما الأشياء التي أعاينها في أوقات علاج المرضى أو أسمعها في غير أوقات علاجهم فلا أنطق بها خارجا..وأمسك عنها وأرى أن مثلها لا ينطق به ...
هذا الكلام في أي عام ؟!
ثلاثمائة للهجرة...انظروا كيف كنا سباقين ؟
الرحمة بالمريض أيها الأطباء ..هذا المعنى الأول الذي أريد قوله...والحقيقة أنا آسف عندما أقول أن لو نظرنا إلى الغرب و رأينا الرحمة بالمريض مع أن ديننا قال هذا الكلام ...انظروا الرحمة بالمرضى في قسم واحد من مستشفيات الغرب ألا وهو مستشفيات الأطفال، عندما زرت أطفال في مستشفيات الأطفال في إنجلترا .. عندما تدخل تجد الغرفة التي بها الطفل مليئة بالألعاب من حوله ، والممرضات لا تلبسن المعطف الأبيض ، ولكن ترتدين ملابس أشبه بثياب النادي ، عندما تدخل تجد الأطباء والممرضات يلعبوا مع الأطفال ويعاملوهم بحب ، فتجد الأولاد يحبوهم حبا غير عادي ، وأتضح لي أنهم يدرسوا برامج في السلوك النفسي للطفل ، وكيف يجذب الطفل إليه .
سأذكر لكم ما يجعلكم تتعجبون أكثر من هذا .. المبشرات المسيحيات ... الممرضات في أفريقيا...ممرضة أتت من هولندا وأسبانيا وإنجلترا جميلة جدا و شابة جدا ، ذهبت إلى صحراء أفريقيا تحمل طفلا إفريقيا يمكن أن يكون لعابه يسيل أو يمكن أن يكون مجروحا وتحتضنه وتقبله ، لماذا تفعل هذا ؟!
عندها رسالة..وأين بناتنا أليس عندهن رسالة ؟ وكذلك رجالنا أليس عندهم رسالة ؟ كل واحد يجيب عن نفسه.. يا أطباءنا ...أين الرسالة؟؟؟
طبعا تعرفون أن سيدنا عيسى النبي العظيم سيدنا عيسى طبيب.. أبرأ الأكمه والأبرص ..بإذن الله...هل تعرفون لماذا سمي سيدنا عيسى بالمسيح ؟ لأنه كان يربت بيده عليهم ( يطبطب )..ماذا يعني ذلك ؟ المسيح جاءت من المسح , يمسح على المريض فيشفى بإذن الله فسمي بالمسيح..أين (الطبطبة )يا أطباءنا ؟ أرجوكم نتمنى أن نرى الأطباء كلهم يفعلوا هذا... يا أطباءنا أين الكلمة الحلوة التي أحلى من مائة دواء؟؟؟
تخيلوا يا جماعة أن المستشفيات في بلادنا في الحضارة الإسلامية كيف كانت ؟ !
كان بها قاعة اسمها قاعة التمثيل الفكاهي, من أجل تسلية المرضى، متى كان هذا الكلام ؟ ثلاثمائة هجرية... هل وصلت الحضارة الإسلامية لهذه الفكرة ؟ ولهذا الرقي ؟ قاعة تمثيل ويدخل المرضى ويجدوا ممثلين يمثلون لهم ، وقد دفعت المستشفى لهم الأجر على تمثيلهم بعض التمثيليات المضحكة ، وقاعة أخرى للغناء يسمعوا فيها الموسيقى ، وقاعة ثالثة ولكنها ليست بقاعة ، إنها شيء عجيب جدا ، المرضى في الليل عندهم أرق يتمنون طلوع الفجر فماذا نفعل لهم ؟ نسمعهم صوت الآذان بصوت جميل جدا وصوت هادئ على فترات متقطعة حتى يطمئن المريض أن الفجر قرب وقته ...وكذلك هناك منشدون طوال الليل بجوار حجرة المرضى ينشدون بصوت يؤنس اليقظان و لا يوقظ النائم..
نحن لا نريد أن ننبهر بالغرب ونقول أن الغرب الوحيد الذي نجح و نحن ضائعون ، نحن الآن سيئون فقط لكن لن نظل على هذه الحالة من السوء والتردي ...أملنا في الرجال والشباب الذين سيغيرون شكل الدنيا... في العشرين أو الثلاثين عاما القادمة .
وفكرة النهضة ليست كلام فقط ..بل ستكون ..نعم ستكون واقعا بالشباب الذين حضروا اليوم وبالناس الذين يشاهدوننا الآن .
فن التعامل مع المريض ، هناك مادة مع الغرب تدرس الآن اسمها ( أخلاقيات المهنة ) ، ولم يبدأ تدريسها في الوطن العربي للأسف إلا يمكن في السنة الأخيرة قبل التخرج ..
يقول لك مثلا من الأشياء الجميلة في فن التعامل مع المريض ، لو كشف الطبيب عورة المريض أو رفع الغطاء من غير أن يستأذن المريض وأعرف نساء كثر يتأذين مما يحدث فيهن أثناء الكشف - لا نقصد شيئا سيئا - لكن..لا يوجد فن التعامل مع المريض...ليس هذا فقط ، بل لا بد أن تستأذنه في مرضه يعني تحب أعرف مَن مِن أهلك على هذا المرض أم يبقى سرا ؟ يتعلمون في الغرب أن هذا الجسم جسم المريض وليس جسمك أنت أيها الطبيب .
النقطة الثالثة التي أوصي بها – واسمحوا لي أن أقول أوصي بها - هي التعلم المستمر أيها الأطباء الشباب ويا أيها الأساتذة الكبار .. التعلم المستمر لا ينفع أن نقول أنهيت الدراسة أو ليس عندي وقتا .. لا ينفع ذلك أتعرف لماذا ؟! أتعرف لماذا التعليم المستمر ؟!
لأنه أيضا سبب ستقابل به الله يوم القيامة ، انتبهوا
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم :" لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه."
من ضمن ما يسأل عنه الإنسان الصحة ، فتخيل مريضا واقفا أمام ربنا يوم القيامة ..يُسأل ماذا فعلت بصحتك؟ أين ذهب عمرك ؟ يجيب المريض يا رب هذا الطبيب ... هو الذي ضيع عمري وضيع شبابي
هناك أية ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13
ما علاقة هذه الآية ؟
أعطى الله لكل شعب خصائص معينة يكتشفوا من خلالها أشياء معينة ، وشعب أخر يكتشف أشياء أخرى ؛ حتى يكون الناس جميعا في حاجة لبعضهم البعض فتتكامل البشرية
ماذا تريد أن تقول ؟ باعتقادي وهذه نظرية عندي أن أحد أسباب الأمراض الموجودة في العالم والتي لم يكتشف لها دواء حتى الآن أننا متقاعسون في مجال البحث العلمي ....وأن هناك أمراض عند أمم أخرى دواءها عندنا ...
ماذا بقي للأطباء؟؟؟
النقطة الرابعة و الأخيرة .. ذَكِر المريض بالله ،
ماذا يعني ( ذكر المريض بالله ) ؟ يا جماعة العلاج بالإيمان أقوى من العلاج بالأدوية.. أنا لا أقول هذا من أجل الدين فقط ، أنا أقول هذا حتى يشفى المريض .. و أنت تحقق نجاحك... العلاج بالإيمان أقوى من العلاج بالأدوية..
أضرب لكم مثلا جميلا جدا ... هناك طبيب شهير متخصص في مشاكل الركبة والعظام ، هذا الطبيب يعالج ثلاثة أو أربعة لاعبين لكرة القدم في مصر ، وكان سببا في تدينهم ، ولم يكلمهم أبداً في الدين ، ما هذا ؟! كيف تكون هذه القصة ؟!
هذا الطبيب عظيم جدا..كل اللاعبين يحتاجون له لأنه ماهر جداً .. يذهب اللاعبون عند هذا الطبيب وبالتالي لا بد أن يقوموا بعمل تمارين يفعلها اللاعبون بمئات المرات مثل : ترفع قدميك على ثلاث مرات وتنزلها على ثلاث مرات إلى أن يملوا منها ، لكن هذا الطبيب يعمل شيئا جميلا جدا ، سترفع قدميك معي كالتالي... سنقول مع بعض ثلاث مرات : الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله... وسننزلها ثلاث مرات ونقول : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله...
ستعمل هذا في البيت ثلاثمائة مرة ، يحكي اللاعبون لي - وهم أصحابي – عندما بدءوا في ذكر الله ، وبعد أن كانت ، واحد ، اثنين ، ثلاثة ثقيلة على قلوبنا ، أصبحنا نأخذ1 حسنات بذكر الله وأصبحنا نعمل التمرين ولا نريده أن ينتهي .. العلاج بالإيمان أقوى من العلاج بالأدوية..
هذه أربع نصائح للأطباء.
الآن نكلم المرضى
أريد أن أقول لكم أربعة أشياء :
أول نقطة : أعرف الأمراض المنتشرة في العالم العربي الآن ..مثل الالتهاب الكبدي ، وأمراض الكلى أول نصيحة الصبر ، فالذي يصبر على مرضه ليس له إلا الجنة ، صبر المرض يساوي الجنة !! هل تعرف ماذا تعني الجنة ؟!
سأروي لكم قصة جميلة جداً
عن عطاء بن أبى رباح قال : قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟
قلت : بلى
قال : هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " إ ن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك .
فقالت : أصبر ولي الجنة و قالت : إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف.
فدعا لها الرسول الكريم .. " رواه البخاري ومسلم
انظر ماذا قال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم – فماذا لو قيل لك ذلك ؟ ما رأيك في شيء مثل ذلك ؟
واسمع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"[ صحيح البخاري] فللمرض بعد ثاني أيها الأحبة، المرض له بعد عظيم جدا عنوانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:10] كل الناس يقفون في طوابير الحساب يوم القيامة وحضرتك لا تحاسب، هل صبرت؟ إلى أين أنت ذاهب؟ ذاهب إلى الجنة مباشرة، أيها الناس أيها المرضى، أول طلب أطلبه منكم الصبر، ولنا في أيوب -عليه السلام- أسوة حسنة، مكث (18) سنة قعيدا دون حراك، (18) سنة دون أية حركة! فتخيلوا، وزوجته تقول له: أما ضجرت؟ ألم تتعب؟ فيرد عليها ويقول كم أبقانا الله في النعيم؟ إلى أي مدى أنعم الله علينا؟ فقالت له (40) سنة. قال وكم لنا في البلاء؟ قالت (18) سنة. قال نصبر حتى يستوي البلاء بالنعيم. يعني أن الله أنعم علينا (40) سنة برحمته أفنسخط من (18) سنة!
الأمر الثاني الذي أريد أن أوصي به المرضى أجمل من الصبر، الرضا عن الله، فليس صبرا فحسب وإنما أصبر وأرضى عنك يا رب، راضٍ بكل ما تقضيه لي، كلمة الرضا هذه يا إخوتي كلمة سحرية، انتبهوا، سحرية، أتعرف ماذا تعني سحرية؟ تعني أن تكون تعبان ومهموم فتأتي كلمة الرضا عن ربنا فتمسح الهم من على قلبك ويتفتح الوجه وتزول التجاعيد وينتعش القلب، أتدرون الرضا هذا ماذا يعني؟ الرضا ألا تتهم الله في ملكه، الرضا سكون القلب مع الله، في أن تجعل اختيار الله وفق ما يريد، فإن مرضت فأنا راضٍ يا رب، وإن مرض ابني فأنا راضٍ، يقول العلماء في الرضا أنه باب الله الأعظم، من دخله دخل جنة الدنيا، فيستريح في الدنيا ويضمن جنة الآخرة؛ لأنك راضٍ عن ربنا، راضٍ عن أفعال الله في حياتك، يقف قلبك مع الله حيث أراد هو.
لذلك أقول نصيحة للمرضى بل وللأصحاء أيضا: الإسلام يدرِّبـك على الرضا، كيف؟ تمرينات تؤديها كل يوم كالتمرينات الرياضية، ما تمرينات الرضا هذه؟ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا كان حقا على الله أن يرضيه"[حسن ابن حجر] سترضى في هذا اليوم، لاحظ التمرين وثوابه الدائم، فمن يقول ذلك يضمن رضا الله في ذلك اليوم، رضيت بالله ربا وبالإٍسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يسمع المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدا عبده ورسوله. رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا. غفر له ذنبه"[ صحيح مسلم] أمتخيل أنت كيف هي أهمية الرضا عن الله -سبحانه وتعالى-! واسمعوا دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء"[صحيح الألباني] وليس قبل القضاء؛ لأن ما قبل القضاء مجرد كلام، لكن أرنا العمل والرضا بعد القضاء.
عمران بن حصين صحابي جليل، جاهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عشرين سنة، وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصابه مرض فأقعده (30) سنة، لا يقوم من على فراشه (30) سنة! حتى أنه قد فتِحتْ له في السرير فتحة صغيرة ليتبول منها! يدخل الناس عليه لا يدرون ما يقولون له، فيقول لهم: شيء أحَـبَّه الله أحببْـته. أحب ما يحب ربنا، فالرضا الرضا أيها المرضى، أظن هذه الكلمات كالدواء أليس كذلك؟ إن شاء الله.
سيدنا عروة بن الزبير، خالته السيدة عائشة، عروة بن الزبير أخذ ابنه وذهب ليزور أمير المؤمنين في دمشق، فلما وصل إلى أمير المؤمين أصابه مرض في رجله، فكشفوا عليه ثم قالوا له يجب أن تـبْتَر رجلك، فبتِرت رجله، والألم شديد، ونزل ابنه يلعب مع الخيل في إسطبل أمير المؤمين فداسته الخيل فمات، ففي يوم واحد مات ابنه الصغير المقرب إلى قلبه كثيرا وبتِرت رجله، فدخل الناس عليه لا يعرفون ما يقولون له، فقال لهم: اللهم لك الحمد كان عندي (8) أولاد فأخذت واحدا وأبقيت سبعة، وكان عندي (4) أعضاء فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، فإن كنت أخذت فقد أبقيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، فلك الحمد على ما أبقيت ولك الحمد على ما أخذت. الرضا باب الله الأعظم، ما رأيكم؟ يا أيها المرضى ويا أيها الأصحاء الرضا الرضا.
الأمر الثالث وهو الإكثار من الصدقة، لماذا؟ أذكرك بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- "داووا مرضاكم بالصدقة"[حسن الألباني] ألديك مريض؟ داوه بالصدقة، أبدا لن أنسى هذه القصة لأنني رأيتها وعشتها، صديق لي له ابن في الخامسة من عمره، فجأة أصاب الولد الهزال، ولم يعد يأكل، يمرض ويضمحل ويضمحل ، فكشفوا عليه فإذا هو مصاب بسرطان مبكر ، شهرين أو ثلاثة ويموت، أتتخيلون ألم أب على ابنه وهو يموت؟ كيف يكون ألمه عليه؟ وفي يوم وهو مهموم وماشٍ في الشارع لقي امرأة كبيرة في السن تبحث في القمامة على طعام فقال لها ما بك يا حجّة؟ ماذا تفعلين؟ فقالت له عندي (4) عيال أربيهم. فقال لها يا حجة تعالي معي، لا تخافي. وأخذها إلى الجزار، ولم يعطها قرشين فحسب، ألم نقل فن التعامل مع المرضى، وفن الصدقة، وأخذها إلى الجزار وقال له ستأتي هذه المرأة إليك كل شهر لتعطيها كذا وكذا وكذا وأنا سأدفع الأموال، ثم أخذ المرأة إلى البقال وقال له ستأتي إليك هذه المرأة كل شهر لتعطيها كذا وكذا وكذا وسأدفع الأموال، ثم ذهب بها إلى الخياط وقال له ستأتي إليك هذه المرأة كل شهر لتعطيها ملابس لعيالها، ملابس كذا وكذا وكذا وسأدفع الأموال. يقسم بالله وأنا شاهد أنه بعد ثلاثة أسابيع تحسن الولد أكثر وأكثر، فذهب للأطباء فقال لهم ابني يتحسن وأصبح يأكل، فكشفوا عليه وقالوا له لا نحن نريد الولد الذي جاءنا قبل ذلك، الذي قمنا نحن بالكشف عليه. قال لهم هذا هو ابني. قالوا له لا من المؤكد أنه أخوه، أين الولد الذي كان مصابا بالسرطان؟ فقال هو والله هو. فقالوا ما عندنا من تفسير. فيقول بقيت أمشي وأنا في حيرة، وفي يوم من الأيام فتحت كتابا فيه بعض الأحاديث فقرأت حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "داووا مرضاكم بالصدقة"[حسن الألباني] فأغلقت الكتاب وسجدت لربنا، أنا فهمت يا رب، أنت من بعث لي هذه المرأة لكي... "داووا مرضاكم بالصدقة"[حسن الألباني].
الأمر الرابع والأخير الذي أقوله للمرضى: استمر في العطاء مهما كان المرض، وماذا يعني إن كان ابنك مصابا بالسكر؟ فليقم وليعمل وينتج، فنحن أمة تريد العطاء، نحن أمة يجب أن يعمل شيوخنا قبل شبابنا؛ ليفوق الشباب من سباتهم فيجد الكبار المرضى وهم يعملون، فلو عمل المرضى لعمل الشباب من باب أولى، فهذا النائم على القهاوي يشرب الشيشة ويلعب ويرى الأمة وهي ضائعة سيفوق وينشط ويقول عيب عليّ.
وماذا نقول للأصحاء؟
عودوا المرضى، لماذا أصبحت هذه الطاعة ثقيلة على قلوبنا؟ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح"[صحيح الألباني] تخيل! صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، رواه الترمذي، ولكن من الذي عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- لما مرض؟ جبريل -عليه السلام- نزل من السماء ليس بآيات من القرآن بل نزل من السماء يعود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا سلام! ويقول له كلمات جميلة جدا: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين أو حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك"[صحيح الألباني] لما كنت في مصر، ولما كان القلب يقسو، كنت آخذ الشباب معا لزيارة المقابر، نذهب ونرجع أناسا آخرين! فلما سافرت إنجلترا أعدت الكرَّة ثانية فذهبت أنا والشباب لزيارة المقابر، فوجدنا المقابر ورودا وحدائق! ما هذه المقابر! ولكن ما العمل؟ كيف سنرقق قلوبنا الآن؟ أتدرون ماذا فعلنا؟ ذهبنا إلى مستشفيات الحروق، لا تظن أن عيادة المريض لا تكون إلا لأحد أقربائك، لو ذهبتم إلى مستشفى الحروق أو قسم الحروق في أي مستشفى غدا فستلاحظ تضاعفا في عبوديتك لربنا أضعافا مضاعفة، وسيرقّ قلبك مئة مرة، وتذكر هذه الكلمة، عيادة المريض، زوروا المستشفيات وخذوا الهدايا معكم.
الأمر الثاني الذي أطلبه من الأصحاء أن تذكروهم بالله -سبحانه وتعالى- وهذه نفسها قلتها للأطباء، فالعلاج بالإيمان أقوى من العلاج بالأدوية، ذكروا المريض بالله -سبحانه وتعالى- ناوله أشرطة إيمانية، كلِّمه في الدين، اقرأ عليه القرآن، ناوله سبحة، ذكره بربنا قدر ما تستطيع.
الأمر الثالث: ادعُ للمريض، ادعُ له أمامه، وأعلمك دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول في الحديث الصحيح: "من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك(؛ إلا عافاه الله من ذلك المرض"[صحيح الألباني] تعلموا هذا الحديث واكتبوه يا إخوتي، ودعاء آخر أيضا أعلمك إياه، فسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان لما يعود مريضا يسأله أين الألم؟ لاحظوا فن التعامل مع المرضى، تعلموا أيها الأطباء من النبي -صلى الله عليه وسلم- ليت الأطباء يفعلون هذا، والله سيعشقك المريض، يسأله أين الألم؟ فيقول لك في هذا المكان، فيقوم النبي -صلى الله عليه وسلم- بوضع يده الشريفة على مكان الألم قائلا: "أذهب البأس رب الناس، اشف و أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما"[صحيح الألباني]
آخر شيء أقوله للأصحاء تجاه المرضى أن تتعاملوا معه بشكل طبيعي، لا تشعره بأنه مريض، ارفع روحه المعنوية، قل له يلزمك أن تقف وتنتج، فإن كان ابنك معوقا من ذوي الاحتياجات الخاصة هل سنقعد ونبكي بجانبه؟ لا، بل تقول له أنت رجل وعليك أن تعمل، وما المشكلة في ذلك؟ استعد قواك وكن رجلا. لا نريد أيها الأحبة نظرة الشفقة التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من شعور المريض بمرضه، أنا سأعرض عليكم فيلما، هذا الفيلم عجيب جدا، وفيه رسالة، تعالوا لنشاهد معا هذا الفيلم.
يرنّ الهاتف وترد السكرتيرة وتقول السلام عليكم وتقول حاضر حاضر ثم تغلق الهاتف ثم تقوم بإرسال فاكس ثم تطبع على الآلة الكاتبة وتقول أنا مشغولة جدا، عملي هو كل حياتي، أنتم هكذا عرفتم كل شيء عني، ولكن بقي شيء واحد فقط لم تعرفوه. وتشير الكاميرا إلى الكرسي المتحرك الذي تجلس عليه السكرتيرة فهي مقعدة، وتقول هل تفاجأتم، أنا ناريمان، يا ترى هل تغيرت نظرتكم لي، ليتكم تهتمون بقدراتي قبل أن تروا مشكلتي.
نحن هكذا انتهينا من أربع وصايا للأطباء:
1. الرحمة والحنان.
2. فن التعامل مع المريض.
3. التعلم المستمر.
4. تذكير المريض بالله.
أربعة للمرضى:
1-الصبر
2. والأكثر منه الرضا عن الله.
3. والأكثر منه "داووا مرضاكم بالصدقة".
4. والأجمل منه الإصرار على العطاء والبذل والنجاح في الحياة رغم المرض.
أربع وصايا للأصحاء:
.
1-عيادة المريض وإلم تعرفه، اذهبوا إلى المستشفيات.
2. تذكير المرضى بالله.
3. ادعُ له وتعلم دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-.
4. ساعد الناس في أن تنجح في الحياة، فلا تشعره بالشفقة بل أشعره بأنه قادر على العطاء والإصرار على النجاح.
هذه الحلقة تتطلب القلب، وأناس يحبون الناس، تتطلب أطباء رفيقين يريدون دخول الجنة، تتطلب مرضى ليصبروا فيدخلون الجنة، تتطلب أصحاء ليزوروا المرضى ليدخلوا الجنة، تتطلب قلبا، نريد أن نعود إلى قلوبنا، فعلى ماذا قامت نهضة أوروبا؟ قامت على الماديات البحتة، ولدينا في نهضتنا ما ينقصهم وهي الإنسانيات العالية جدا جدا جدا، المرتبطة بجنة ورضا الله ورحمة، فقد قال ربنا -سبحانه وتعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107]. أرجوكم أن تطبقوا هذه الحلقة؛ لأنها سهلة جدا، وهي أسهل حلقة في صناع الحياة، وأرق حلقة في صناع الحياة، أسأل الله تبارك وتعالى أن تصل هذه الحلقة للناس أجمعين، أرجو أن تتابعونا في الحلقة القادمة التي أعتقد أنها أهم حلقة في صناع الحياة والتي إن شاء الله سننقل صناع الحياة بها نقلة جديدة، فابقوا معنا لأننا سنبدأ العمل بجدّ، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفتح علينا وينصرنا ويعزنا
*****
الذهبي
ومع أطيــــــب التمنيـــــات ،،