صناديق بريد ذكية لكن الخدمة ليست ذكية
 

د. محمد اليماني


استحوذت الإجراءات الجديدة لمؤسسة البريد على قدر كبير من النقاشات والاهتمام وما ذاك إلا لأهمية هذا المرفق الحيوي المهم وتزايدها مع الزمن، لا فرق في ذلك بين الأفراد أو مؤسسات القطاع الخاص أو العام.
وقد سادت حالة من التعب والتذمر من هذه الإجراءات والتي رفعت كلفة استخدام البريد وجعلتها أكثر تعقيداً في حين كان المأمول هو العكس.
مشكلة الكثيرين أنهم ما زالوا ينظرون إلى خدمات البريد على أنها خدمات كمالية، وبالتالي، لا ضير من زيادة أسعارها خاصة ونحن في عصر التخصيص، وفي ظل انعدام التفرقة بين ما يترتب على تخصص شركة سابك أو الاتصالات السعودية أو الخطوط السعودية وما يترتب على تخصيص مؤسسة البريد أو مستشفى حكومي.
كم هو مناسب أن ينظر القائمون على مؤسسة البريد إلى الخدمات البريدية المقدمة ليس في دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وإنما إلى تلك الموفرة في سريلانكا والهند وإندونيسيا ومصر لندرك البون الشاسع بين ما يقدم هنا وما يقدم هناك.
في هذه الدول خدمات البريد لا تقتصر على المدن فقط وإنما تصل إلى المنازل في أعماق الغابات وأعالي الجبال والجزر النائية.
ولدينا - وبفضل مؤسسة البريد - ربما يصبح صندوق البريد وليست خدمة إيصال الرسائل إلى المنازل سلعة تفاخرية يتفاخر بها علية القوم وأكابرهم.
ما نحتاج أن نتفق عليه هو أن توفير عنوان بريدي لكل شخص حق له مثل توفير خدمة الأمن والنظافة العامة والطرق والتعليم العام والصحة وغيرها. وأنه لا بد من وجود جهة مسؤولة عن توفير عنوان لكل مسكن ومحل ومصنع ومنشأة وغيرها، ليس هذا فحسب بل وجعل التعرف عليه سهلاً وواضحاً. ونحتاج لأن نتفق على أن الحاجة لعنوان السكن لا تقتصر على توصيل الرسائل، بل يحتاجه الشخص عند شراء سلعة أو خدمة ما ويرغب في توصيلها إلى محله أو الاستفادة منها هناك. فعند الاتصال على مطعم البيتزا يكفي فقط إعطاؤه رقم المنزل واسم الشارع والرمز البريدي ليصل إلى المكان المطلوب، وهكذا عند الحاجة إلى خدمات السباك أو الليموزين أو الطبيب أو المطافي أو الشرطة ليس هذا فحسب بل إن عنوان المسكن للأفراد ضروري حال إنماء إجراءات الحصول على إثبات الهوية مثل البطاقة الوطنية والإقامة ويفترض أن يضمن في هذه الوثائق وأن تستبدل حال تغييره ولا تختلف في ذلك المنشآت والمؤسسات والمحلات.
وعلى هنا فوجود عنوان السكن الواضح ضرورة لكل شخص ويجب أن توفر له هذه الخدمة بدون مقابل لأنها جزء مكمل لتكوينه القانوني.
ومن غرائب الأمور أن تفرض مؤسسة البريد رسماً على كل من يرغب أن يكون له عنوان مسكن خاص به، إلا إذا كان هذا ليس من مهامها فحينئذ يجب تحديد الجهة المسؤولة عن توفير عناوين المساكن وإلزام مؤسسة البريد باعتمادها.ويصبح عندئذ الرسم السنوي لا مبرر له، وكل ما هو مطلوب دفعه هو تكلفة الإرسال والشحن والتي تختلف تبعاً لاختلاف العديد من العوامل، أما وجود رسم تأسيس واشتراك سنوي وقيمة إرسال أو شحن فهذا لا سبب واضح له إلا وجود احتكار في أبشع صوره، أو عدم وضوح الرؤية في تكييف وتصور هذه الخدمة وتطبيقاتها المختلفة، إذ إنها أصبحت تعامل معاملة توصيل المياه أو الكهرباء أو خدمات الصرف الصحي إلى المنازل.
وتوفر النظريات الاقتصادية العديد من النماذج والأنماط التي يمكن استخدامها في مثل هذه الحالات، والتي تغني عن كثير من الاجتهادات.
تتزامن هذه الممارسات مع تزايد الدعوات لتأسيس البنية التحتية للتجارة الإلكترونية، والتي من بينها وجود خدمات بريد وشحن على مستوى عال من الكفاءة والمصداقية والموثوقية وانخفاض في التكاليف، وبدون شك فإن هذا الموضوع لم يكن غائباً عند وضع الإجراءات الحالية.

يعطيك الف عافيه يا توفيق