منتدى الشبكة الكويتية

منتدى الشبكة الكويتية (https://www.kwety.net/vb/index.php)
-   المنـتدى العـام (https://www.kwety.net/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   سيــرة سيـــدي الشيــخ جابــر الأحمـــد الصبـــاح أميـــر البـــلاد رحمه الله (https://www.kwety.net/vb/showthread.php?t=16139)

Nathyaa 15-01-2006 09:41 AM

سيــرة سيـــدي الشيــخ جابــر الأحمـــد الصبـــاح أميـــر البـــلاد رحمه الله
 
[frame="1 80"]أقدم لكم سيرة سيدنا الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه من كل مكروه والتي هي عباره عن كتاب كامل :

لمسة وفاء في حق صاحب الوفاء الحاكم «الوالد» الإنسان .. ومن منا لا يعرفه؟
الحاكم «الوالد» الانسان.. من منا لا يعرفه.. انه جابر الأحمد.. الذي مهما ملئت الصفحات حبراً لن توفيه حقه.. ومهما دارت المطابع لن تكفي لسرد تفاصيل انسانيته ومسيرة عمله في حب الكويت وأهلها والتفاني للصعود بالكويت إلى هامات العلا.
وبمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على تولي سموه مقاليد الحكم في البلاد، صدر مؤخراً كتاب (الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.. الحاكم «الوالد» الإنسان).
وقال الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح وزيرشؤون الديوان الأميري ان هذا الكتاب عبارة عن موسوعة شاملة عن حياة حضرة صاحب السمو الأمير، وسجل حافل بالانجازات الكبيرة لسموه والعطاء المتواصل من أجل الكويت.
ولقد تولى سمو أمير البلاد أمانة المسؤولية منذ العام 1949 عندما اختير رئيسا للأمن العام ونائباً للأمير في الأحمدي، فرئيسا لدائرة المالية ثم وزيرا للمالية والاقتصاد، ثم بويع سموه ولياً للعهد ورئيساً للوزراء، وبعد ذلك تولى حضرة صاحب السمو امارة البلاد في الحادي والثلاثين من ديسمبر .1977
أنها رحلة 55 عاماً من العطاء الرسمي المتواصل، وعمر مديد بإذن الله قضاه سموه في حب الكويت والعطاء المتفاني لها.
وشمل الكتاب في فصله الأول «الطريق إلى الحكم» تطرقاً إلى سنوات الاعداد والتأهيل والبدايات في العمل الحكومي ثم مرحلة ولاية العهد ورئاسة الوزراء.
وفي فصله الثاني، «الشيخ جابر الأحمد أميراً وحاكماً» تتطرق المباحث إلى المبايعة ركناً أساسياً في نظام الحكم ورسالة إلى الشعب والحكومة والمؤسسات والتقاء بالشعب وفعاليات المجتمع.
وفي فصله الثالث «الاتجاهات الفكرية للشيخ جابر الأحمد» تناولت المباحث الثلاثة الفكر المجتمعي والاقتصادي والسياسي والديموقراطي والمنهج المؤسسي والمنهج الاداري.
وأفرد الفصل الرابع لـ «الشيخ جابر في مواجهة العدوان والاحتلال العراقي»، وتناولت مباحث هذا الفصل دعم الجبهة الوطنية والجهود على الساحة العربية والاسلامية والتحركات الدولية.
وعرض الكتاب لشجرة الأسرة الحاكمة من الذكور والمراسيم الأميرية وكلمات وشهادات وقوانين ومراسيم وصور تمثل رحلة الحاكم الوالد الانسان.
وعود على بدء، فكما قلنا مهما بذلت الجهود لن توفي صاحب السمو حقه.. لكنها جهود يجب أن تبذل للتاريخ.. وللوفاء الذي هو سمة الكويت وأهلها حكاماً ومحكومين.
ويستحق الشكر والتقدير كل من بذل جهداً في هذا الكتاب الموسوعة بدءاً من معّده عبدالله غلوم الصالح وبهاء عبدالقادر الابراهيم وللمشرف ابراهيم محمد الشطي وعن مراجعي الكتاب بدر خالد البدر ود.يعقوب يوسف الغنيم وعبدالعزيز أحمد البحر وحمزة عباس حسين وفيصل منصور المزيدي وخالد أبو السعود.


سمو الأمير.. رفض وضع صورته على ورق النقد وعزف عن الالقاب

تواصل «الوطن» نشر الكتاب الموسوعي «الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.. الحاكم.. الوالد.. الإنسان» على حلقات حيث تضيء حلقة اليوم بداية تولي أسرة آل الصباح للحكم ثم تنتقل الى حياة سمو أمير البلاد فترصد نشأته منذ الصغر وحتى توليه الحكم، وذلك من خلال آراء مجايليه الذين كان لهم شرف مزاملة سموه في الدراسة وفي الوظائف التي شغلها بعد ذلك.
وتعكس تلك الآراء الملامح الشخصية لسمو الأمير كما تعكس الصفات التي نشأ عليها، وبوادر السمات القيادية التي طبعت شخصية سموه منذ الصغر وصولا الى توليه سدة القيادة ومباشرته النهوض بالكويت على كل الصعد لتصبح منارة يشار لها بالبنان.
وفيما يلي الحلقة الثانية من الكتاب:

الكويت دولة شابة فتية، يشكل عنصر الشباب بين سكانها حوالي 44%، نشأت عام 1613م، في الركن الشمالي الغربي للخليج العربي. وهي على هيئة مثلث، يتصل ضلعه الشمالي الغربي بالعراق، وضلعه الجنوبي بالمملكة العربية السعودية، وضلعه الشرقي متصل بشاطىء الخليج العربي، ومناخها بوجه عام صحراوي قاري، حار صيفا وبارد شتاء، وكان لهذا الموقع الاستراتيجي ـ بلا شك ـ دور أساسي في اتصال الكويتيين بالعالم الخارجي والاحتكاك بالحضارات الاخرى منذ القدم.
وقد تمكنت اسرة آل الصباح منذ ان تولت الحكم في هذا البلد ان تقيم نظاما سياسيا مستقرا، مكّن الكويتيين ان ينعموا في ظله بالامان وينطلقوا في نشاطاتهم الاقتصادية والتجارية البحرية منها والبرية عبر بلاد فارس، وبلاد ما بين النهرين، وشرقي الجزيرة العربية ووسطها، وبلاد الشام وأوروبا . وكذا الوصول الى الهند وشرقي افريقيا، وذلك على ظهر سفن شراعية صنعتها سواعد كويتية، او قوافل تجارية يقودها كويتيون عبر الصحراء.
لقد تعددت آراء المؤرخين حول بداية نزوح آل الصباح الى الكويت، لكن رسالة الشيخ مبارك الصباح الى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، حول مسألة الحدود الكويتية، كانت واضحة، حيث جاء فيها بين امور اخرى:
... الكويت ارض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022هـ، هذا التاريخ يؤكد ان استقرار آل الصباح في الكويت يعود الى عام 1613م، وان الجد الاكبر للاسرة ومن أتى بعده من ابنائه كان لهم دور في الشأن الكويتي بعد هذا التاريخ حتى عام 1170هـ الموافق 1756م، حين وقع اختيار اهل الكويت على الشيخ صباح بن جابر (صباح الاول) المتوفى في عام 1176هـ الموافق 1763م، ليدير شؤون البلاد لرجاحة عقله وفكره، وشجاعته في قول كلمة الحق، وتميزه بصفات حميدة، ونزاهة وعدل متناهيين.
ومنذ ذلك التاريخ البعيد والعلاقة بين الكويتيين وحكامهم تتسم دوما بالانفتاح والتشاور والتعاون وعلاقة الوجه للوجه. فالشيخ صباح بن جابر ومن أتى بعده من ابنائه واحفاده، كان حكمهم قائما على الشورى وتبادل الرأي في المهم والعاجل من امور الدولة والرعية. فلم يكن الشيخ عبدالله بن صباح (1177 هـ ـ 1228هـ) الموافق (1763م ـ 1813م) يبت في امر او يتخذ قرارا ما لم يقطع مرحلة من التشاور والحوار مع ابناء شعبه. وهذا ما سار عليه الشيخ جابر بن عبدالله (1228هـ ـ 1276هـ) الموافق (1813م ـ 1859م) والشيخ صباح بن جابر بن عبدالله (1276هـ ـ 1283هـ) الموافق (1859م ـ 1866م) والشيخ عبدالله بن صباح (1283هـ ـ 1311هـ) الموافق (1866م ـ 1893م) والشيخ محمد بن صباح (1311 هـ ـ 1314هـ) الموافق (1893م ـ 1896م).
وهنا يجب الا تصيبنا الدهشة حين نقف على ماكتبه بعض الرحالة، ومن مروا بالكويت، او قاموا بزيارتها حيث سجلوا انطباعاتهم عنها مستخدمين اسم جمهورية الكويت للدلالة على طبيعة النظام السياسي الذي كان سائدا في ذلك العهد.، والذي تأصل وتجذر من خلال احكام دستور الكويت لعام 1962م.
وتأكيدا لهذا فان ما دونه، وعبر عنه مدحت باشا والي بغداد الذي زار الكويت عام 1289هـ الموافق عام 1872م يؤكد هذه الحقيقة. فقد ذكر من بين امور عديدة، بان اهل الكويت تعودوا حياة الشورى وتبادل الرأي والمشاركة الشعبية للحاكم فيما يحقق مصلحتهم وهم بذلك شبه جمهورية.
اما المقيم البريطاني في الخليج لويس بللي ج. الذي زار الكويت عام 1282هـ الموافق عام 1865م، فقد وصف حاكمها الشيخ صباح بن جابر بن عبدالله بانه يدير امور البلاد بروح الاب تجاه ابنائه، فهو يتولى الحكم والسلطة التنفيذية والى جواره القاضي يباشر مهامه باستقلالية وكان لا يأنف من النزول على حكم القاضي اذا خالفه فيما ذهب اليه.
من جانب آخر، نجد هذه التسمية ايضا في الخريطة التي رسمها العالم الالماني كارل رايتر K.Writer للجزيرة العربية عام 1234 هـ الموافق عام 1818م، والخريطة التي رسمها العالم الانجليزي الكسندر جونستون E.Jonston في الاطلس الكبير الذي صدر في ادنبره عام 1291 هـ الموافق عام 1874م.
وكان لتولي الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير) الحكم (1314هـ ـ 1334 هـ) الموافق (1896 م ـ 1915م) نقطة تحول في تاريخ الكويت الحديث فقد استطاع بدرجة عالية من الذكاء ان يحمي الكويت من المطامع الاقليمية والدولية التي اشتدت في عهده، وان يحقق للكويت شخصية اقليمية ودولية مميزة ومتوازنة،.
ففي الوقت الذي تمكن فيه من التصدي للاطماع الاجنبية، ومقاومة الضغوط العثمانية، والحفاظ على الكيان السياسي والجغرافي في الكويت، وخاصة على حدودها الشمالية، كانت مواقفه الداعمة للحق العربي، ومساعدته للاشقاء امام اية محنة دليلا اكبر على ان الكويت في عهده استطاعت ان تلعب دورا ملحوظا في السياسة الاقليمية والدولية.
وقد يتساءل البعض: اذن، لماذا لجأ الشيخ مبارك الصباح الى ابرام معاهدة حماية مع الحكومة البريطانية في 23 يناير عام 1899م.
ويأتي الجواب سريعا وصريحا، بان الشيخ مبارك الصباح والكويتيين جميعا لم يكونوا مطمئنين لتحركات الدولة العثمانية على حدودهم الشمالية وبالتالي فان الاطماع العثمانية في ابتلاع بلدهم كانت واضحة للعيان.
هذه المخاوف اكدتها فيما بعد الممارسات العدائية للدولة العثمانية باثارة المشاكل والصراعات المسلحة المتكررة على الحدود الكويتية الشمالية والجنوبية حتى جاءت اتفاقية 1913م لتضع حدا لتلك الاطماع العثمانية الجامحة، هذه الاتفاقية كانت واحدة من الوثائق التي تم تداولها في مناقشات لجنة الامم المتحدة لترسيم الحدود الكويتية ـ العراقية، والتي شكلت مع غيرها من الاتفاقيات الحدودية التي أبرمت مع الحكومة العراقية قرار مجلس الامن الدولي رقم 687 الصادر في مطلع ابريل عام 1991م بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
ان اهتمام الشيخ مبارك الصباح لم ينصب على الشؤون الخارجية للدولة فحسب، بل ان الشؤون الداخلية كان لها الصدارة في اولوياته، وعلى رأسها شؤون الحكم، حيث حصر رئاسة الدولة في ذريته (المادة الرابعة من دستور الكويت) وذلك حرصا منه على ان يظل رئيس الدولة ابا لابناء هذا الوطن جميعا.
وعليه، فقد جاء من بعده الشيخ جابر المبارك الصباح (1334هـ ـ 1336 هـ) الموافق (1915م ـ 1917م)، فالشيخ سالم المبارك الصباح (1336هـ ـ 1340هـ) الموافق (1917م ـ 1921م)، ومن بعدهما الشيخ أحمد الجابر الصباح (1340هـ ـ 1370هـ) الموافق (1921م ـ 1950م) الذي كان له دور مميز في معالجة علاقات الجوار بحكمة متناهية من خلال مؤتمر «العقير» واهل البلاد للدخول في مرحلة دولة المؤسسات، ليأتي الشيخ عبدالله السالم الصباح (1370هـ ـ 1385 هـ) الموافق (1950 م ـ 1965م) فيقود المسيرة الديمقراطية باصدار دستور الكويت عام 1962م، وقيام حياة نيابية متمثلة في مجلس الامة الكويتي عام 1963م.
هذه هي المسيرة الخيرة التي قادها فيما بعد الشيخ صباح السالم الصباح (1385هـ ـ 1397هـ) الموافق (1965م ـ 1977م) ليسلمها امانة وطنية للشيخ جابر الاحمد في 21 ذو الحجة 1397 هـ الموافق 31 ديسمبر عام 1977م. حتى وقتنا الحاضر.
وهكذا تتواصل الجهود الطيبة التي قام بها حكام الكويت وشعب الكويت لتأصيل هذه التجربة الديمقراطية الشوروية. وما تلاحم الاسرة الكويتية الواحدة وتضامنها المنقطع النظير سوى شاهد على ذلك. فقد وقف الكويتيون جميعا ـ رجالا ونساء ـ وقفة رجل واحد ابان محنة الغزو والاحتلال العراقي للكويت.. رافضين الاحتلال.. معلنين المقاومة والعصيان المدني. واقفين خلف قيادتهم الشرعية وعلى رأسها الامير الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، يساعده ويؤازره في حمل الامانة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح. هذه الوقفة التي أذهلت العدو واثارت اعجاب الدنيا كلها.. وقفة كشفت عن اصالة معدن الشعب الكويتي وتلاحمه مع قيادته واصرارهما على تحرير الكويت مهما كان الثمن باهظا والطريق طويلا.. وكان لهما ما ارادا فحمدا لله على نعمة الحرية والتحرير، وشكرا لكل من آزر وساند الحق الكويتي ولو بكلمة طيبة.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:41 AM

[frame="1 80"]الطريق الى الحكم

«ان الايدي خلقت لتعمل. فان لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية اعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل ان تشغلك بالمعصية». عمر بن الخطاب

مهما اختلفت مراحل الزمن وتباينت انظمة الحكم في المجتمعات البشرية، فان الطريق الى الحكم ـ في جميع الاحوال ـ ليس مفروشا بالزهور لكن بصورة عامة نستطيع القول بان القادة والزعماء يلعبون دورا اساسيا في حياة شعوبهم وتقدم مجتمعاتهم، فالذكاء الشديد، ونفاذ البصيرة وحسن الادراك يجعل من هو مهيأ للحكم قائدا وزعيما قبل ان يتولى زمام السلطة والحكم، وحين يدركها تكون نتائج ابداعاته في تقنين القوانين والانظمة الاجتماعية والاقتصادية قد أتت بثمارها. وما عليه الا ان يتابع تنميتها وتطويرها نحو الافضل والاحسن.
وفي هذا يقول بعض المفكرين المحدثين من علماء النفس والاجتماع امثال ماكدوجل Mac Dogal الانجليزي وتارد Tard الفرنسي ان سبب تطور المجتمعات يرجع الى اعمال القادة والزعماء في ابتداع نظام جديد، يهديهم اليها ذكاؤهم ونفاذ بصيرتهم، ومن ادراكه لما ينبغي ان تكون عليه مجتمعاتهم ويتفانون في العمل على نشر نظمهم فيحاكيهم جماعة من الشعب، ويحاكي هذه الجماعة جماعة اخرى هكذا دواليك حتى تصبح اراؤهم نظما مستقرة، وتختفي امامها النظم القديمة.
من جهة اخرى، فإن سمات القيادة الصانعة للتاريخ تتجلى في اولئك النفر من الرجال القادرين على تنشيط القوى المنتجة في المجتمع من اجل الاسراع في تغيير الانظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتواكب الحداثة وقوى الانتاج، وتزيل العقبات التي قد تحدث فيما بينها، او تحول دونها.
فالقائد الذكي النافذ البصيرة هو من يسعى دوماً الى وضع المصلحة العامة فوق المصالح الخاصة، فيتقمص روح الامة، ويعمل على تفجير الطاقات الكامنة في شعبه لغرض تحقيق درجة اسمى في التطور والرقي الحضاري.
وهنا يقول فيلسوف التاريخ هيجل: «.... ان التجربة التاريخية هي تجربة الافراد الذين يرتفعون فوق مستوى المصلحة الخاصة، ولا تعيد اعمالهم الانماط القديمة، ولكنها تخلق اشكالاً جديدة للحياة، وهم صناع التاريخ، انبثقت اعمالهم من مصالحهم الخاصة، ولكنها تطابقت مع المصلحة العامة، لان المصلحة العامة تسمو وتتفوق على المصلحة الخاصة، وهكذا سيطروا ووجهوا الخط العام لمسيرة التاريخ...».
ولم يكن الشيخ جابر الاحمد الا واحداً من اولئك الرجال الذين تميزوا بصفات انسانية جمة، وسمات وملامح قيادية مبكرة، وذكاء ونفاذ بصيرة وحسن دراية، وادراك لاستشراف المستقبل، ساهم ـ كما سنرى ـ في بناء الدولة والمجتمع الجديد في الكويت، وبالتالي هو واحد من رموز صناع تاريخ هذا الاقليم وهذه الامة، والذي استطاع بحركته الدؤوبة والمتواصلة تنشيط القوى المنتجة في المجتمع الكويتي، والدفع بالشباب الى الخارج للتزود بسلاح العلم والمعرفة، ليصبح هؤلاء جميعاً ـ وفي فترة زمنية قياسية ـ اداة تغيير اجتماعي واقتصادي وسياسي، نقلت المجتمع الكويتي من حالة البساطة الى الحداثة.
لم يكتف الرجل بهذا القدر من الحركة والنشاط في اتجاه الخط العام لمسيرة تاريخ الكويت الحديث، بل انطلق من مصالحه الخاصة، وسخرها ادوات تساند وتدعم المصلحة العامة التي جند كل طاقاتها وامكاناتها من اجل البناء وخدمة الدولة والمجتمع الجديد، وهذا ما جعل مسيرة عمله وانجازاته منذ عام 1949 ركناً اساسياً في سجل الكويت، شكلت في مجملها منعطفاً تاريخياً، ونقلة نوعية في حياة الكويتيين، كما كانت الحال بالنسبة لعهد والده المغفور له الامير الراحل الشيخ احمد الجابر الصباح.

المبحث الأول
سنوات الإعداد والتأهيل

«ان بناء كويت المستقبل هو التحدي الكبير الذي يجب على جيلنا ان ينهض لمواجهته وينذر نفسه لتحقيقه». جابر الأحمد

ان تسجيل السيرة الذاتية، او المسيرة التاريخية لحاكم خدم شعبه وامته باخلاص، وترك بصماته الانسانية تدوي في ارجاء الدنيا، ليست بالمهمة السهلة.. فهي دقيقة وشائكة تتطلب الامانة في سرد الاحداث، وصدق الكلمة والحياد في التحليل والتعليق، ذلك لأن السيرة الذاتية، والمسيرات التاريخية لمثل هذه الشخصيات التاريخية كنز دفين، وتراث لابد من نقله الى دائرة الضوء لتطلع عليها الاجيال المتعاقبة.. فهي ملك لهم وليس لصاحبها، ومن حقهم ان يستأنسوا بأفكاره الرائدة، ويهتدوا بنصائحه وارشاداته وتوجيهاته التي ساهمت في تغيير ملامح المجتمع نحو الافضل ويقتدوا بصفاته الحميدة وحنكته في ادارة شؤون الدولة، وعلاقاته بدول الجوار، وبالاسرة الاقليمية والدولية.
ونحن، اذ نرصد اليوم للشيخ جابر الاحمد مسيرته التاريخية، نكون وجهاً لوجه امام هذه الحقائق التي يجب علينا ان نتعامل معها بصدق وامانة وحياد. وهي بلا شك مهمة صعبة للغاية، لكون الرجل لا يزال على قيد الحياة ـ اطال الله في عمره المديد ـ ونحن قد تعودنا ـ وفي هذا اغلب الاحوال ـ قراءة كتب السيرة الذاتية واصحاب المسيرات التاريخية، بعد ان ينتقل صاحب الشأن الى جوار ربه، فتتوه الحقيقة ضمن منابع الاشاعات والخيال، لتنسج حول عقول وافكار المطلعين عليها والمهتمين بها خيوط عنكبوت تصبح بمرور الزمن مرتعاً خصباً لترويج الفتن والافكار المشوهة والمشوشة، وبث روح الانهزامية بين الناس. وهي جميعاً حالة من الغدر والاجحاف الصريح بحق الرجل وحق التاريخ... انها بحق مسؤولية تاريخية، وامانة علمية تدعونا للحرص على انتقاء كل كلمة وعبارة، وسرد المعلومات عن اي حدث، ونقل اية معلومة مهما كان حجمها ومساحة انتشارها.
من هذه المقدمة والديباجة الصغيرة ندخل الى صلب الموضوع وعنوانه «سنوات الاعداد والتأهيل»، فنقول: ان الشيخ جابر الاحمد هو النجل الثالث للمغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح حاكم دولة الكويت الاسبق، والامير الثالث عشر في عائلة آل الصباح، وثالث امير لدولة الكويت منذ استقلالها.
فقد ولد الشيخ جابر الاحمد في مدينة الكويت العاصمة في 29 يونيو عام 1926، وتلقى تعليمه في المدرسة الاحمدية والمباركية والشرقية، وكان مثالاً للطالب المجد الحريص في تصرفاته، الهادىء بطباعه، الخلوق مع زملائه من الطلبة، متواضعاً في علاقاته مع اقرانه من التلاميذ، لم يتعال بتصرفاته عليهم، تربطه علاقة احترام وود بأساتذته، وقد ذكر هذه الصفات وغيرها عدد من زملاء الدراسة، من بينهم خالد الخزام الذي عاصره في المدرسة المباركية في اوائل الثلاثينيات، واصفاً تلك العلاقة بقوله: «... اني لم اشعر يوماً بأن الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح ابن حاكم الكويت بسبب تواضعه وقرب تفكيره وتعامله مع الاخرين، وكأنه واحد من ابناء عامة الشعب، مما جعله صديقاً للجميع في المدرسة تربطه بهم علاقات ود حميمة..».
ويمضي زميل الدراسة في وصفه، فيقول: «... ان ذلك السلوك المتسم بالأدب والتواضع ظل ملازماً لسموه اثناء فترة عمله رئيساً لدائرة الامن في مناطق النفط في الاحمدي، حيث ظل سموه محتفظاً بذلك الود الكبير الذي يكنه لكل كويتي، واستطيع ان اقول بأن اكبر امنية كانت تداعب افكاره ان يجد شركات النفط العاملة في الكويت جميعها بيد كويتية وطنية...».
ويضيف زميل الدراسة: «... لم يكن سموه من تلك الفئة من العاملين الذين يلزمون مكاتبهم طوال يوم عملهم، بل كان سموه يتنقل من مكان لآخر، يتفقد سير العمل في شركات النفط، ويحث الكويتيين على ان يعملوا بجد واخلاص لكي يتسلموا مقادير بلدهم ليديروها بأنفسهم...».
وهنا تتطابق اقوال خالد الخزام مع ما ذهب اليه بدر يوسف النصر الله، عندما يقول: «.... لقد كنت زميل دراسة لسموه في المدرسة الشرقية، واذكر انه كان معنا من الزملاء الشيخ صباح الاحمد، وكان يأخذ معه بعد انتهاء الدوام الدراسي في السيارة المخصصة له مجموعة من الزملاء القاطنين في منطقة سكنه لتوصيلهم الى منازلهم. ولم يشعرنا قط بتميزه كابن لحاكم الكويت، فكان ولا يزال مثالاً للتواضع منذ صغره..».
ويمضي النصر الله، فيقول: «... وكان سموه يحمل صفات النجابة منذ صغره، وبدت عليه في شبابه، وعند توليه المسؤولية المبكرة سمات رجال الدولة ومتخذي القرار..».
ويؤكد محدثنا، ومن خلال معايشته له بضع سنوات، فيقول: «... انه رجل متواضع كريم الخلق والاخلاق، ومتدين مستنير سمح، لا يحب السهر، يستيقظ يومياً في الصباح الباكر ليبدأ يوم عمله بقراءة القرآن الكريم..» ويضيف قائلاً :« ...منذ ان عرفت سموه، وانا اجد فيه رجلاً عفيف اللسان، ودوداً وعطوفاً، يمتص انفعال الاخرين في تودد، ويعالج الامور بالهدوء والروية، كما انه صبور جلد على تحمل الصعاب وتبعات العمل، وكان دائماً شعلة من النشاط والحيوية، عجزنا نحن الذين نعمل معه عن مجاراته..».
وفي هذا السياق ايضاً، يشير النصر الله: «... انه شخصية جذابة متميزة ومحبوبة، وله قبول وحضور لدى ملوك ورؤساء وزعماء دول العالم، يحظى باحترامهم، ويحرص على اقامة العلاقات الطيبة معهم، وان الكثير من افعاله ومواقفه تعبر عن انسانيته الفياضة، سواء أكان ذلك على الصعيد المحلي ام العربي او الدولي..».

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:42 AM

[frame="1 80"]

وحول هواياته الخاصة، يذكر لنا النصر الله انه مولع برياضة المشي، وقيادة السيارات، والصيد والقنص، وله ولع بالزراعة، وخاصة زراعة النخيل وتربية النحل.
اما عبد العزيز سليمان الدوسري، فيحدثنا عن الشيخ جابر الاحمد قائلاً: «... لقد بدأت علاقتي ومعرفتي بسمو الشيخ جابر الاحمد اثناء زمالتنا في الدراسة بالمدرسة الاحمدية عام 1943م، وكنت اسبقه بسنة دراسية، وكان يرافق سموه في الدراسة اخوه الشيخ صباح الاحمد...».
ويمضي الدوسري لينقل لنا شيئا من انطباعاته عن الشيخ جابر الاحمد كطالب وزميل دراسة فيقول: «... كان سموه في مرحلة التلمذة انيقاً في هيئته، مهذبا ومتواضعا، لا تشعر بفرق بينه وبين اي من زملائه، مرحا محبا للعب في ساحة المدرسة مع اصدقائه الحميمين، اذكر منهم: ثنيان العلي، وعبد اللطيف امان، وخالد الخزام الذي زامله فيما بعد في المدرسة المباركية»...
وحول صفاته وخصائصه الحميدة، يقول الدوسري: «... انه شخص متدين، خلوق وودود، حليم ومخلص، ومحب للكويت والكويتيين، وانه سخي من غير صخب، فكثيرا ما يوفد المبعوثين على حسابه الخاص، ويساعد المرضى غير القادرين حتى لو اقتضى علاجهم في الخارج، كما يساعد الاسر المتعففة بهدوء وبما يحفظ كرامتهم»...
وهنا، يروي لنا الدوسري واقعة انسانية اقدم عليها الشيخ جابر الاحمد، ولا يزال متأثرا بأحداثها، فيقول: «... يحضرني بهذه المناسبة انه كلفني ذات مرة بشراء بيت خاص، قمت باختياره وشرائه، وعندما اخبرته بذلك كتب لي شيكا بقيمته، وشيكا آخر للدلال، وشيكا ثالثا بمصاريف السجل العقاري، وبعد ان انهيت اجراءات البيع والشراء طلب مني تسجيل البيت باسم احد اصدقاء طفولته، وكان متوفيا وله ابناء ايتام»...
وقد أكد الدوسري ما ذهب اليه النصر الله فيما يتعلق بهوايات الشيخ جابر الاحمد، حين اشار: «... ما اعرفه عن هوايات سموه انه يحب البحر والسباحة، ويحب الفروسية والصيد، والزراعة، وهو من اكبر المشجعين على زراعة النخيل، وهو صاحب مشروع المليون نخلة، وتخضير الكويت الذي نرى آثاره واضحة اليوم على الطرق وفي الساحات».
ويضيف عبد اللطيف عبد الرحمن البحر على ما سبق بقوله: «.. كان سموه رجلا تتسم طباعه بالتواضع الجم، كما انه رجل دولة، ذو انسانية فياضة وسماحة، لا يحب المظاهر، وكانت الحماية تفرض عليه قسرا في تنقلاته، يتفقد الاسواق ليتعرف على الأسعار، كما يتفقد المشروعات ويتابع انجازاتها، وعندما يلاحظ اي خلل في اي موقع يعطي توجيهاته للمسؤولين والمعنيين بالامر على الهاتف مباشرة لاصلاح الوضع، وتقويم الأخطاء مهما كبرت أم صغرت...».
ويمضي البحر، فيشير: «... لقد عُرف عن الشيخ جابر الاحمد نزاهته المطلقة، وترفعه عن الصغائر، يعود المريض، ويشارك المواطنين في افراحهم واحزانهم، ولا يغفل واجبه تجاه شعبه...».
وهنا كان للبحر وقفة، قال فيها: «... كان اجتماعيا يصل الرحم، ومن عادته اليومية بعد صلاة الفجر التوجه لزيارة والدته وشقيقته، بعدها يتوجه الى مكتبه الخاص في قصر دسمان ليبدأ يوم عمل جديدا...».
وحول هواياته الخاصة، يؤكد لنا البحر ما سبق ان اشار اليه الآخرون، ويضيف: «... ومن هواياته ايضا مشاهدة الافلام الاجتماعية والسياسية، يحب الشعر الشعبي وله محاولات في هذا المجال، يحب القراءة والاطلاع، وهو صاحب فكرة ديوانية شعراء النبط...».
وفي هذا السياق يقول حمزة عباس حسين: «... ما اعرفه عن سموه انه رجل متدين عاف، يبدأ يومه مبكرا بقراءة القرآن الكريم، ومن هواياته الخاصة رياضة المشي وقيادة السيارات، والاهتمام بالزراعة وممارستها باليد، وكذا مشاهدة الافلام الهادفة، وخاصة الاجتماعية، وهو ليس أكولاً بطبعه، وأكلاته خفيفة جدا حتى في المناسبات الرسمية، حيث يجالس من يدعوهم ويجاملهم بتناول اشياء خفيفة، وهو بذلك حريص جدا على نظامه الغذائي والصحي....».
ويمضي حمزة عباس، فيقول: «... كان سموه يحب مساعدة الناس في سرّية تامة، يحفظ لهم كرامتهم، وأذكر، انه في احدى زيارات سموه الى مصر في الستينيات، انني وجدت بعض المصريين من البسطاء وعامة الشعب يأتون الى جناح سموه في الفندق للسلام عليه وألسنتهم تلهج له بالدعاء، وكان ذلك مدعاة لدهشتي وإثارة لفضولي، فاستفسرت من احد المرافقين عن هوية هؤلاء الاشخاص، فأفاد بان اولادهم يدرسون على حساب سموه الخاص، والبعض الآخر يتلقون مساعدات جارية من سموه... لقد كان سموه عطوفا محسنا، احسانه في السر يسبق احسانه في العلن....».
اما فيصل المزيدي فيرى في الشيخ جابر الأحمد: «... انه انسان متواضع غير محب للظهور، ولم يستخدم قط وسائل الاعلام للاعلان عن نفسه وآرائه ومنجزاته، وهذا ما يجعله من المميزين بين حكام دول العالم الثالث. وهو شخص بطبيعته يتميز بالهدوء الشديد، ومستمع جيد يصغي الى محدثه بتركيز واهتمام، وهو لبق جدا وفي غاية الادب مع من يخاطبه، لكنه في الجانب الآخر قوي في الحق ومناصرة الضعفاء، ولعلنا نرى ذلك جليا في رسائله الى الامين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، ومحاربة التمييز والتفرقة والعنصرية....».
ويضيف المزيدي في هذا السياق، حين يشير: «... إنه من عظيم خلقه انه غير انفعالي ولا سريع الغضب، وليست لديه روح الانتقام حتى مع المسيئين. فالعفو من شيم العظام، عادل في حكمه، لا يأخذ احدا بجريرة غيره، مقدرا الصداقة الخالصة، وخاصة مع الرعيل الاول من الذين عملوا معه منذ توليه حاكميه مدينة الأحمدي ومناطق النفط ورئاسة دائرة المالية...».

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:42 AM

[frame="1 80"]وقد جاء في وثيقة بريطانية عند اختيار الشيخ جابر الاحمد ولياً للعهد تعليق على سيرته الذاتية: «... ان الشيخ جابر الاحمد رجل طموح قادر، ومسلم تقي، وان له صيتاً بحسن الادارة واتخاذ القرار...».
واذا ما تجاوزنا هذه الوقائع والشواهد التي لامست عن قرب جانبا من الصفات والسمات الشخصية للشيخ جابر الاحمد، لنقف عند المراحل الدراسية التي قطعها، فإننا نجد انه في ذلك التاريخ البعيد نسبيا، لم تكن مراحل التعليم المتقدمة مكتملة في الكويت كمعظم الدول العربية الاخرى، الامر الذي جعل والده رحمه الله وطيب ثراه، يتيح له الفرصة لأن يتلقى تعليماً خاصا على أيدي عدد من الاساتذة المتخصصين في مجالات علوم الدين واللغة العربية واللغة الانجليزية.
ومما زاده إلماماً ومعرفة بما يدور في هذا العالم اتاحة والده له ثانية الفرصة لزيارة العديد من بلدان العالم من اجل الاحتكاك بثقافتها وحضاراتها، وخاصة تلك الدول التي بدأت تخطو خطوات واسعة وسريعة في مضمار التقدم والنهضة، حيث رأى عن كثب أحوال تلك المجتمعات وحياة شعوبها الحضارية وما بلغته من تقدم في شتى ميادين الحياة، والأخذ بأسباب التقنية الجديدة التي بدأت تشارك الانسان حياته، وهذا نلمسه اليوم في كل لحظة من لحظات تعاملنا مع أوجه هذه الحياة. وقد كانت هذه الرحلات ـ كما قال احد ساسة الكويت المخضرمين ـ بمثابة «المدرسة الجامعة التي اسهمت في تكوين الشخصية الطموحة للشيخ جابر الاحمد».
خلاصة القول، ان الشيخ جابر الاحمد قبل ان يصبح أميرا وحاكماً هو انسان كويتي، يجسد تراث الاجداد في تواضعه، ويحمل في توادّه وتراحمه مع الناس أصالتهم.
كان والده المغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح يتفرّس فيه منذ طفولته ملامح خاصة من النباهة والجدّية وسرعة الخاطر، فعوّده على الانضباط السلوكي، سواء أكان ذلك في البيت ام في مجالس الاسرة، ام في المدرسة، ام في المجتمع، وكان لاصطحابه له في رحلاته الخاصة وسفراته الرسمية الى الخارج وهو صغير دور كبير في اكتسابه المزيد من الخبرة في الحياة ومعرفة الناس، والاطلاع على اساليب الحكّام. وكان يردد على مسامعه دائما: «عليك يا بني بالحلم فهو أساس الحكم، وإياك ان تفقده فتفقد كل شيء».
وعندما نتحدث عن الطبيعة الشخصية لسمو الشيخ جابر الاحمد، فاننا نتحدث عن تواضع حقيقي لا متخيّل، فزهد هذا الرجل في المظاهر والمبالغات يعرفه من عرفوا انجازاته. فهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد هذه الحقيقة، نستقي منها الواقعتين الآتيتين: اولاهما: إنه رفض بعد توليه حكم الامارة ان توضع صورته على ورق النقد المتداول بعدما كادت تصبح قاعدة عامة، اما الثانية: فقد تمثّلت في عزوفه عن لقب «المعظم» واصراره العفوي على عدم تمجيد شخصه.
لقد تجمّعت فيه صفات عقلانية وخلقية عدة، تجسّدت في سلوك مثالي، وقدرة على الحوار والاستعدادلتقبل الرأي الآخر اذا اقتنع بالجدل الموضوعي.
ومن المعروف عن الشيخ جابر الاحمد انه متواضع دون تصنع، بسيط السلوك، ودبلوماسي لبق، واداري حازم يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، صادق في تعامله، يقول كلمة الحق على الدوام، يجيد فن الاستماع والاصغاء، فيستمع الى اكثر التفاصيل دقة. واذا ما جاء الحديث في موضوع له اهمية خاصة امسك قلمه ودوّن ملاحظاته، واذا تحدث فانه لا يتحدث الا بقدر، لكنه عندما يتحدث تجده بصيب لب الموضوع.
ان صفة التواضع الجم فكرة أساسية في سلوك الشيخ جابر الاحمد منذ ان كان حاكما امنياً لمدينة الاحمدي ومناطق النفط... وهنا ايضا واقعتان تؤكدان هذه الحقيقة: الواقعة الاولى تتمحور حول لقائه بطلبة الكويت أثناء زيارته للولايات المتحدة الامريكية، فقد وقف الطلاب لحظتها هاتفين بالهتاف التقليدي المعروف بالروح بالدم نفديك يا جابر... فقاطعهم وهو قليل التدخل في مثل هذه الاحوال، وطلب منهم ألا يهتفوا بهذا النوع من الهتافات.
اما الواقعة الأخرى، فقد تمثلت في الفكرة التي طرحها بعض المثقفين الكويتيين حول انشاء جائزة كبرى باسم جائزة جابر الاحمد تمنح للمتميزين والمبدعين من المثقفين الذين ساهموا بفكرهم وعطائهم، وكانت لهم مواقف جيدة ومتميزة من العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت. وقد قبل الفكرة ورحب بها بشرط عدم ذكر اسمه فيها، وبادر بتسميتها باسم «جائزة الكويت».
ان الشيخ جابر الاحمد ليس رجل دولة فحسب، انما هو رجل أمة، يضرب به المثل والقدوة في التفاني والعمل والعطاء دون حدود، لذلك تجده يضيف دوماً الى الموقع الذي يتولى ادارته كل ما هو جديد في عالم الرقي والتقدم. كما يحرص أشد الحرص على تدعيم وتقوية صلاته مع افراد شعبه داخل وخارج نطاق العمل، فهو يتسم بوداعة قلبه الكبير الذي يتسع لحمل هموم ومشاكل وآمال وطموحات وتطلعات وطنه وشعبه.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:43 AM

[frame="1 80"]

شهادات بعض من عملوا مع سمو الأمير في بداياته الأولى بالدوائر الحكومية مثال للأخلاق ومريح في التعامل ويحب الاطلاع على تفاصيل العمل ولا يأخذ إجازات خاصة
الحلقة الثالثة

البدايات الاولى للعمل في الادارة الحكومية: في يناير عام 1949م بدأ الشيخ جابر الاحمد حياته العملية واتصاله المباشر بامور الحكم والامارة السياسية بتعيينه رئيسا للامن العام، ونائبا للامير في مدينة الاحمدي ومناطق النفط... هذه المدينة التي جسدت وشهدت انتقال المجتمع الكويتي من مرحلة قاسية، عانى فيها الشعب الكويتي قساوة الحياة، وشظف العيش، وركوب المخاطر من اجل استمرار الحياة، الى مرحلة اتسمت بالرفاه الاجتماعي والتعامل مع مقتنيات واسباب الحضارة الحديثة، هذه المرحلة زوّدت الشيخ جابر الاحمد بخبرة ادارية واسعة وعريضة، ودراية بامور فنية تتعلق بشؤون النفط واقتصادياته وآثاره وانعكاساته على المجتمع، مما جعل ذلك دوما في دائرة اهتمامه، لكونه كان على ثقة بأن هذه المادة الاستراتيجية هي حياة الكويت وشريان مستقبلها. فاجتاز هذه المسؤولية الكبيرة بنجاح باهر، وكان ذلك تأهيلا علميا واداريا وفنيا له ليتولى شؤون النفط والمال في مرحلة لاحقة، ويحقق فيها نجاحا عظيما.
فقد تناولت جريدة «الشرق» اللبنانية شخصية الشيخ جابر الاحمد في مقال، جاء فيه: «... ان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح الذي اشتهر عنه انه قليل الكلام، كثير الاعمال والافعال، يدرس ويفكر قبل القدوم على اية خطوة تنفيذية، وهو اختصاصي بشؤون النفط، وله شأن كبير بالنسبة لشركات النفط العاملة في الكويت، وان لكل كلمة يقولها وزنها الكبير وابعادها المستقبلية التي لا يمكن اغفالها او اهمالها»...
وفي فبراير عام 1959م حين تولى الشيخ جابر الاحمد منصب رئيس دائرة المالية واملاك الحكومة، وتمثيل امير البلاد لدى شركات النفط العاملة في الكويت لم يكن الا وظيفة جاءت منسجمة مع تفكيره والتجارب والخبرات التي اكتسبها حين تولى حاكميه مدينة الاحمدي مدينة الاحمدي ومناطق النفط.
وبتشكيل اول وزارة عقب الاستقلال في يناير عام 1962م، بموجب المرسوم الاميري رقم 3 لسنة 1962م، تم تغيير اسماء مؤسسات الدولة من كيانات ادارية صغيرة «دوائر» الى وزارات كان من بينها وزارة للمالية والاقتصاد تولى الشيخ جابر الاحمد مهامها بصفته اول وزير لها ليستمر على رأس هذا الجهاز ما بين عام 1959 ـ 1965م، وقد تغيرت خلالها تسمية الوزارة الى وزارة المالية والصناعة في يناير عام 1963م، ليصبح بعدها وزيرا لوزارتي المالية والصناعة، ووزارة التجارة في يناير عام 1965م.
وقد جاءت هذه المهمة ايضا امتدادا لاهتماماته المبكرة في الامور والمسائل الاقتصادية للدولة، وتميزه بعقلية اقتصادية متفتحة قادرة على تحمل اعباء هذه الوزارة، وهنا تجدر الاشارة الى انه بالاضافة الى عمله وزيرا للمالية والصناعة تولى ايضا في مناسبات معينة مهام نائب رئيس مجلس الوزراء وكذا كان نائبا للامير في مناسبات اخرى.
وقد تمكن الشيخ جابر الاحمد خلال الفترة المشار اليها، اي ما بين، عامي 1959 ـ 1965م ومن انجاز جملة من المشروعات الحيوية والمهمة بينها:
1 ـ انشاء بنك الائتمان لتيسير الائتمان العقاري والصناعي والزراعي، لزيادة دخل المواطنين والدولة من حصيلة قيام الافراد بانشاء صناعات ومشروعات زراعية.
2 ـ اصدار النقد الكويتي لاستخدامه في التداول بدلا من النقد الهندي بغية عدم الارتباط بعملة دولة اخرى، مما قد يؤثر على كيان الدولة.
3 ـ انشاء مؤسسة عامة، هي مجلس النقد الكويتي بغية الاشراف على اصدار اوراق النقد والمسكوكات في الكويت.
4 ـ اعداد مشروع النظام الخاص بالصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، ليكون دعامة من دعائم التنمية الاقتصادية في البلاد العربية.
وحول هذه المرحلة يحدثنا حمزة عباس الذي عمل بدائرة المالية في نهاية عام 1958م، اي قبل ان يتولى الشيخ جابر الاحمد مهام رئاسة الدائرة بشهور قليلة، فيقول: «... كان الشيخ جابر الاحمد مريحا في تعامله مع الآخرين بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان سامية. وكان مثالا للتواضع، قليل الكلام كثير الافعال، محبا للعمل، يعمل صباحا ومساء ولا يكتفي بالعمل المرتبط بالدوام الرسمي. وكانت ابوابه مفتوحة لنا جميعا في اي وقت نشاء، حتى في بيته في قصر دسمان. كان دائم الاتصال بنا لمتابعة ورعاية المشروعات، ولم يكن الامر مقصورا علينا، بل كانت ابوابه مفتوحة ايضا للخبراء والمستشارين الذين يعرفهم مثل روكفلر وغيره، ويقابلهم في اي وقت لمناقشة الامور الاقتصادية معهم، مما يحرص دوما على توفير الجو العائلي الحميم لهم، والخالي من التكلف والتقيد بالرسميات، مما جعلهم يؤدون عملهم باخلاص وتفان»...
ويمضي حمزة عباس الذي عمل مع الشيخ جابر الاحمد منذ اليوم الاول لتوليه مهام رئاسة دائرة المالية في حديثه، فيؤكد: «... ان الشيخ جابر الاحمد كان رجل دولة من الطراز الاول، ينظر الى مشروع يعرض عليه من جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واضعا نصب عينيه مصلحة الكويت والكويتيين، ويدير الازمات الاقتصادية بروية واداراك وخبرة عالية، ولديه طاقة كبيرة لتحمّل مواصلة العمل، ولم يكن يحب الرسميات، وتتسم طباعه بالبساطة مع الجدية في العمل والصراحة في الحق، وكانت علاقته مع موظفيه سهلة ومبسطة، ويشجعهم دوما على طرح افكارهم بحرية، لقد كان ديمقراطي التوجه والقرار، وكانت قراراته تأتي بعد الدراسة والمشورة حاسمة قاطعة، وكانت باكورة المشروعات الوطنية الضخمة من نتاج فكره. وقد دلّ نجاحها على صدق استشرافه للمستقبل»...
وفي هذا السياق يضيف محدثنا حمزة عباس، فيقول: «... تدل افعال الشيخ جابر الاحمد وقراراته كلها على مدى اهتمامه بمصالح الشعب، فكان ينظر للامور ـ كما قلت ـ من زوايا عدة: اقتصادية وسياسية واجتماعية، فعندما يتخذ اي قرار او يعالج ازمة كان يحرص دائما على ان لا تمس النتائج مقدرات الشعب، وان لا يتأثر دخلهم او يتضرروا بالوضع...
اما عبد العزيز البحر الذي عمل مع الشيخ جابر الاحمد عام 1959م مديرا عاما لادارة الاسكان، فانه يحدثنا عن تلك الفترة من الزمن، فيقول:«... عاشرناه بشخصه سواء بالعمل او في اسفاره وتنقلاته، فكان مثالا للاخلاق الحميدة والتواضع الجم، ولمسنا فيه حسن معاملته وسماحته لمرؤوسيه، ينأى في تعامله معهم عن الرسميات ويشعرهم بصداقته، مما كان يدفعنا جميعا للتفاني والاخلاص في العمل»....
ويضيف محدثنا البحر، مؤكدا: «... لقد كان الشيخ جابر الاحمد من اولئك القادة الذين لا ينفردون بالقرار، وكثيرا ما كان يستشير، كما كان مستمعا جيدا ومترويا قبل ان يصدر قراراته المدروسة، وكثيرا ما كان يطرح الموضوع ويطلب منا دراسته، ونرجع الى سموه بوجهة نظرنا، وقد تكون مخالفة احيانا في الرأي، فكان يتقبل طرحنا بكل رحابة صدر، ولم نجد منه اصرارا على وجهة نظره، وعند التنفيذ كنا نجد وجهة نظره قد اخذت في الاعتبار»....
وحول اسلوبه في العمل، يقول فيصل المزيدي: «... كان له اسلوبه الخاص في الادارة، فهو محب للاطلاع على أدق التفصيلات، ولو اقتضى الامر الاستماع الى موظف يثق به، حتى لو لزم الامر تخطي رئيسه. فغايته دائما الوصول الى الحقيقة وبكل الوسائل المتاحة...».

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:43 AM

[frame="1 80"]ويشارك محدثنا من سبقه الحديث في الرأي، حين يقول: «... لقد كان محبا للعمل، وساعات العمل لديه ليس لها حدود، فكانت له قوة تحمّل على العمل يصعب مجاراتها، فعندما كان وزيرا للمالية كان يعمل زهاء ثماني عشرة ساعة في اليوم بالوزارة، وكان يواصل عمله ومقابلاته في كثير من الاحيان في منزله بقصر دسمان، ولم أتذكر انه اخذ اجازة خاصة، فقد كانت متعته في عمله»...
وفيما يتعلق باهتمامه بالشباب الكويتي، يضيف محدثنا قائلا: «... وبالنسبة لاهتمامه وتشجيعه للكويتيين، فقد كانت لديه ثقة كبيرة في الشباب وخاصة الخريجين منهم. وكان يفعل كل ما بوسعه لتحقيق طموحاتهم وآمالهم، واكبر دليل على ذلك انه احتضننا ونحن خريجون جدد، وأولانا ارفع المناصب، فلم يأت بنا كخبراء وانما جعل منا خبراء بوضعنا في هذه المراكز، وافادتنا من الخبراء الذين كانوا متواجدين في ذلك الزمن، واحتكاكنا بالامور المحلية والدولية، واذكر من هؤلاء الشباب حمزة عباس، عبداللطيف البحر، عبدالعزيز البحر، فيصل الفليج، جاسم خالد المرزوق، حمد يوسف العيسى، وفجحان هلال المطيري وغيرهم.
أما زميل الدراسة في المدرسة الشرقية بدر النصر الله، فانه ينقل لنا شيئا من انطباعاته عن الشيخ جابر الاحمد الذي بدأ العمل معه عام 1960م سكرتيرا لمكتبه، حين يشير.. ان انطباعي عن سموه اثناء عملي معه انه كان شعلة من النشاط سريع البديهة، ذا خبرة عالية في مجالات المناصب التي تقلدها عن وعي وبصيرة وكان كثيرا ما يحرر لنفسه البرقيات والمذكرات دون الاعتماد على الغير. لقد تعلمنا من توجيهاته الشيء الكثير. وكان رحب الصدر، يحترم رأي الاخرين ويتقبل اي فكرة تأتيه من اهل ورجالات الكويت، ويعكف على دراستها.
ويمضي محدثنا النصرالله.. كان يتمنى منذ الستينات ان يمتد العمران في الكويت الى اقصاه، وكان من امنياته ان يرى الكويتيين وقد امتد بهم الرحيل الى الجنوب لاعماره، وكثيرا ما كان يذهب الى منطقة الخيران الخالية في ذلك الوقت وهذا ـ بلا شك ـ مثال على استشرافه لمستقبل الكويت واعمارها وكان يعمل بنفسه على تحقيق هذا التطلع فترجمه من الامنية الى الواقع.
لم يقف محدثنا النصرالله عند هذه الكلمات والعبارات من ذكرياته بل اضاف قائلا: كما فتح الشيخ جابر الاحمد باب التعيينات ـ وهو وزيرا للمالية ـ امام الشباب الكويتي القادم من جامعات العالم ليسهم في بناء دولة المؤسسات على اساس من العلم. كما اغدق على بناء المدارس ودور العلم والتوسع في التعليم العام والجامعي. كما اعطى اولوية في اهتماماته لمحو الامية ادراكا منه لاهمية ذلك في وعي الشعوب وتقدم الامم.
ويمضي محدثنا مؤكدا على جانب مهم في حياة الشيخ جابر الاحمد العملية حين يقول: كان يأتي الى عمله مبكرا وبالتزام شديد بوقت الدوام الرسمي. وكان حازما شديد الملاحظة، سريع البديهة وله حضور، وان من طبعه العفو، وكان عميق التفكير والتدبير في كل رأي او فكرة تطرح عليه يدرسها من جميع الجوانب ثم يعطي توجيهاته وقراراته بسرعة التنفيذ ودون تباطؤ.
وفي هذا السياق يمضي النصر الله في تأكيده. ليقول: «عندما كان رئيسا للمالية، وفي نفس الوقت مسؤولا عن شؤون النفط في الدولة كان اسلوبه التنظيمي في العمل هو تخصيص يوم في الاسبوع يوم الاثنين للتفرغ لشؤون النفط وكنا نذهب من الكويت الى مدينة الاحمدي حيث كان له مكتب خاص هناك لمتابعة شؤون النفط، وفي بقية الايام كان يستقبل المسؤولين عن شركات النفط في مكتبه بمدينة الكويت العاصمة ويخصص لهم وقتا كافيا لمناقشة الامور النفطية معهم واتخاذ القرارات في شأنها.
وها هو عبداللطيف البحر الذي عمل مع الشيخ جابر الاحمد منذ شهر ديسمبر عام 1966م يسرد لنا ذكرياته عن هذه الفترة فيقول «انه رجل دولة بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى معروف عنه دقته في العمل والتزامه الشديد وعدم التسرع في الامور، وكل ما يعرض عليه من افكار ومشاريع يخضعها للدراسة والتقييم والاستشارة الفنية كما انه لماح سريع البديهة ولديه قوة استيعاب فائقة وله حدس وشفافية وله قدرة عجيبة على تلخيص الموضوعات وعرضها امام المختصين، وله ايضا حس اقتصادي فطري وخبرة اقتصادية هائلة. وكان جلده وصبره وقدرته على استمرارية العمل بشكل مذهل يضعه دوما امام شعار: لا تؤجل عمل اليوم الى الغد».
ويمضي البحر فيشير الى جانب آخر من ممارساته في العمل فيقول: «كثيرا ما يكتب بنفسه الخطابات ويدفع بها الى المستشارين ثم يراجعها بنفسه وكثيرا ما يدخل عليها بعض التصويبات في صيغتها النهائية، وكان ينظر دائما الى المشروعات المقدمة له من ثلاثة ابعاد: البعد الاقتصادي والبعد التنموي والبعد الاجتماعي.
لهذه الاسباب مجتمعة وغيرها، جاءت الفترة الواقعة بين عام 1949م وعام 1978 م فترة مزدحمة وثرية بالانجازات تمكن خلالها الشيخ جابر الاحمد من ان يضع عصارة فكره في اقامة البنية الاساسية للدولة وهياكلها التنظيمية بمساعدة عدد من شباب الكويت ومجموعة من الخبراء العالميين وبخاصة في المجال الاقتصادي والعمراني. وان ينتقل بسرعة كبيرة من مجال التخطيط والبرمجة الى مجال التطبيق والتنفيذ رغم العوائق والتحديات التي كان يواجهها.
وكانت مؤازرة المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح امير دولة الكويت الاسبق والمغفور له الشيخ صباح السالم الصباح امير دولة الكويت السابق، ودعمهما ومساندتهما المطلقة لمشروعاته وتطلعاته المستقبلية قد جعلته في وضع مكنه من الانتقال بالكويت من امارة بسيطة تحكمها العادات والتقاليد والاعراف الى مجتمع حضاري ودولة عصرية، يحكمها دستور وقوانين منظمة لجميع جوانب شؤون الحياة ومسيرة المجتمع يتراجع من امامها نفوذ مواقع القوة، والرموز المؤثرة في تسيير المجتمع، لتحل مكانها تلك التشريعات والمؤسسات القائمة على تنفيذها.
فالشيخ جابر الاحمد لم يكن مهندس الاقتصاد الكويتي فحسب بل كان واضع الاسس الاولى للحركة العمرانية، ورافع شعار مجتمع الرفاه الذي يعيشه اليوم كل كويتي بدءا بثمرة النهج الاقتصادي الذي رسمه، والذي جاء مزيجا ووسطا بين الانظمة الاقتصادية العالمية المتباينة والذي تشهد له المؤسسات المالية الدولية «البنك الدولي ـ صندوق النقد الدولي» بالكفاءة وحسن المواجهة، والاداء الجيد امام الازمات الاقتصادية التي تواجهها الكويت بين حين وآخر بسبب اوضاع اقتصادية داخلية، او مؤثرات اقتصادية وسياسية خارجية. وانتهاء بما ترتب على ثمرة هذا النهج الاقتصادي من حركة عمرانية شاملة، تضمنها المخطط الهيكلي للدولة الذي اشرف شخصيا على جميع مراحل اعداده منذ ان كان رئيسا لمجلس التخطيط عام 1966م ومتابعته له حتى يومنا هذا.
هذا الى جانب صياغة حياة مرفهة للمواطنين وضمان حياة كريمة للأسرة الكويتية المحدودة الدخل وذوي الاحتياجات الخاصة هذه النظرة التخطيطية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لم تقف عند حاضر الكويت بل تخطتها الى المستقبل البعيد، حيث سعى بكل جهده وفكره الى ضمان حياة كريمة للاجيال القادمة والمحافظة على ثروات الكويت وايجاد موضع قدم لاقتصاد الكويت ومركزها المالي في الاسواق العالمية.

سموه ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء

في 30 نوفمبر عام 1965م، كان الشيخ جابر الاحمد لا يزال وزيراً لوزارة المالية والصناعة، ووزارة التجارة، حين صدر امر اميري بتعيينه رئيساً لمجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة.
وبعد اربعة ايام من صدور الامر الاميري ، رفع خطاباً الى امير البلاد متضمناً اسماء الحكومة في اول تشكيل وزاري يترأسه بعد تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء، وبعد اداء اليمين الدستوري امام الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، ومن ثم امام مجلس الامة الكويتي، قام رئيس مجلس الوزراء في 8 ديسمبر 1965م بعرض البرنامج الحكومي امام المجلس، وقد تضمن تطلعات الحكومة المستقبلية، ومشروعاتها الصناعية والانمائية خلال عام 1966م.
وفي 31 مايو 1966م، صدر امر اميري بتعيين الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح ولي عهد لدولة الكويت وقد بعثت ملكة بريطانيا «اليزابيث الثانية» برقية لأمير دولة الكويت الشيخ صباح السالم الصباح، تتضمن تحياتها وتهنئتها الحارة بتعيين الشيخ جابر الاحمد ولياً للعهد.
كما بعث عدد من رؤساء الدول والحكومات في الدول الشقيقة والصديقة بمثل هذه التهنئة والمباركة على حسن الاختيار.
وعلى اثر هذه المبايعة الاجتماعية لهذا الاختيار من قبل مجلس الامة الكويتي، ومن ثم الشعب الكويتي بأسره بتاريخ 2 يونيو عام 1966م، قام الشيخ جابر الاحمد بالقاء بيان امام مجلس الامة الكويتي، تضمن تشخيصاً دقيقاً لواقع المشكلات المجتمعية القائمة في المجتمع الكويتي، مع التركيز على التداعيات السلبية الحادة على وجد الخصوص، وذلك بهدف السعي من قبل السلطتين... التنفيذية والتشريعية لايجاد الحلول المناسبة الناجعة لها، والتوجه للمستقبل برؤية جديدة. وقد جاء هذا البيان بمثابة استراتيجية عمل للحكومة في عهد جديد لمواجهة اوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية وتنظيمية، وتوصيف العلاقة المتبادلة بين السلطتين، وما ينبغي ان تكون عليه هذه العلاقة من تضامن وتعاون من اجل الصالح العام، وفي مقدمتها مصالح الدولة العليا.
وفي صدر هذا البيان استعرض ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الاحمد ما حققته الكويت من تقدم وتطور حضاري، ورأى ان من الواجب اخضاعه للتقييم والمراجعة المتأنية ضماناً لسلامة الوطن ومسيرته، وحماية للمجتمع من كل شائبة يمكن ان تقفز على التراث الوطني، وتمس الامن القومي، والثوابت الاجتماعية والسياسية التي تمسك بها الآباء والاجداد وساروا على هداها.
وهنا، كان للشيخ جابر الاحمد وقفة، قال فيها: «... لقد خطت البلاد في سنوات قليلة خطوات واسعة في شتى الميادين، وتوالت عليها من الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما كان له ابلغ الاثر في تطوير حياتنا العامة وتغيير في ملامح المجتمع الذي الفناه. فمن تعديل شامل في تشريعات البلاد ونظامها القضائي، الى استكمال لاستقلالها وسيادتها في الداخل والخارج، الى دستور يساير نهضتها، ويصون الحريات، ويكفل الاستقرار، وهكذا دخلنا معترك الحياة الديمقراطية والنيابية من اوسع باب...».
ويمضي قائلاً: «.... وكان طبيعياً ان نستعين في هذا التطور السريع الذي يكاد يشبه الطفرة بعدد من اخواننا من الدول العربية الشقيقة. ورغم ما بذلوه من جهد مشكور فإن الوقت لم يتسع امامهم لتشرب عاداتنا وتقاليدنا المحلية، فجاءت بعض التشريعات والنظم المستحدثة غير مجارية لواقعنا. ولكن ما دام زمامها الان بأيدينا فما علينا الا ان نعدل او نلغي ما يتطلب التعديل او الالغاء منها في ضوء التجربة العملية المكتسبة، بدلاً من التشكيك بالجملة في كل ما هو مستحدث...».
مؤكداً في بيانه: «.... ان النقد البناء وحده هو الكفيل بارشادنا الى ما يجب ان نفعله، والى الحلول المثمرة المرتجاة، اما النقد الهدام، فلن يعود على هذا البلد الا بأشد الاضرار...».
وحول السياسة الخارجية اشار: «.... لقد قلنا في اكثر من مناسبة، اننا نؤمن بأن سياسة الحياد الايجابي، وعدم الانحياز لاي من المعسكرين الكبيرين المتنافسين، هي الخطة السليمة المحققة لمصالحنا، وصالح الاسرة الدولية عامة. واود ان اقول بصراحة ووضوح، اننا اصدقاء لجميع الدول التي نتعامل معها، اياً كان المعسكر الذي تنتمي اليه، علاقتنا بها جميعاً تقوم على الاحترام المتبادل والمساواة في المعاملة، مع عدم السماح لاي منها بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وان اي تدخل من اي منها في هذه الشؤون، ومهما كانت الروابط التي تربطنا بها، سوف ينبني عليه حتماً اعادة النظر في علاقتنا معها. فنحن لا نقبل بحال من الاحوال ان تساس امورنا من الخارج...».

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:44 AM

[frame="1 80"]ويضيف من منطلق هذا المنظور السياسي، فيقول: «.... كما اننا نؤمن بأن الكويت لن يعيش منعزلاً عن شقيقاته الدول العربية، وبأن مجد الامة العربية وازدياد نفوذها وتأثيرها الفعال في المجالات الدولية، وقدرتها على استرداد ما اغتصب ظلماً وعدواناً من ارض العروبة، كل ذلك رهين بتماسك بنيان هذه الامة، واتحاد كلمة حكوماتها وشعوبها، فيد الله مع الجماعة. ومن اجل ذلك بذلنا ونبذل قصارى جهدنا لاحلال الصفاء والوئام بين الشقيقات العربيات جميعاً بازالة اسباب الخلاف والقطيعة اينما وجدت. ايماناً منا بقوميتنا العربية، وبديننا الاسلامي الحنيف الذي يحض على التعاون، وتقديراً منا لمصالح شقيقاتنا، وواقعنا، وما يلقيه علينا من واجبات اخوية نحوها جميعاً...».

في أول وأهم وأخطر بيانات سموه التي ألقاها بعد تعيينه ولياً للعهد ورئيساً للوزراء جابر الأحمد: الكويت الدولة الوحيدة التي تساعد صحافتها كي تنقدها


وما زلنا مع البيان الذي ألقاه سمو الامير الشيخ جابر الاحمد بعد مبايعته وليا للعهد والذي تطرق فيه سموه الى محددات السياسية الخارجية... كما تحدث ايضا عن التركيبة السكانية، والعمالة الوافدة الخ.
وحول التركيبة السكانية، وما يكتنفها من خلل وعدم توازن، كان للشيخ جابر الاحمد ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء رؤية بعيدة المدى في هذا الشأن، حيث لا يزال المجتمع الكويتي يعاني من تداعيات هذا الخلل التي خلقتها التدفقات الكبيرة للعمالة الوافدة على الكويت، والتي بلغت نسبتها قبل الغزو والعدوان والاحتلال العراقي حوالي 73% في التعداد العام لسكان الكويت عام 1985م، لتنخفض هذه النسبة الى حدود 63% في التعداد العام للسكان عام 1995م، وذلك بسبب هروب هذه العمالة من بطش قوات الاحتلال العراقي، وعودتها التدريجية بعد تحرر الكويت من براثن هذا العدوان والاحتلال.
ان هذا الكم من العمالة الوافدة ـ سواء أكان ذلك قبل الغزو ام بعده كان له بلا شك انعكاسات امنية واجتماعية لخصها الشيخ جابر الاحمد في بيانه، حين قال: «... ان بلدنا قد فتح ذراعيه مرحبا بأبناء الدول العربية جميعا، فحلوا بين ظهرانينا يسهمون مع ابناء هذا البلد المضياف في بناء نهضته، تلك النهضة المباركة التي مهدت لهؤلاء واولئك سبل الرزق الحلال، حتى جاوز عدد الوافدين عدد المواطنين، وهذا الامر في حد ذاته يلقي على عاتق المسؤولين عن مصير هذا البلد، وعلى الشعب الكويتي بأسره مسؤولية جسيمة، قد لا يوجد لها نظير في اي بلد من بلاد العالم»...
ويضيف قائلا: «... ان تجمع هذا العدد الكبير من الوافدين في بلد محدود المساحة نسبيا كبلدنا، يكون مشكلة كبرى فيما يتعلق بسلامة الدولة والامن العام، وبالاتجاهات الفكرية المؤثرة في مصيرنا، فليس كل الوافدين على البلاد من نفس الطراز او من نفس البيئة، وليس كلهم ممن يحترمون مقدسات هذا البلد، ويقدرون له حسن ضيافته، بل ان منهم من لا يراعي لتقاليدنا وقوانيننا حرمة، او يعمل لحساب مصالح اجنبية ولخدمة مبادىء غريبة عنا، محاولا استقطاب بعض المواطنين وجذبهم الى مبادئه وتسخيرهم لخدمة نشاطه الضار، وهكذا ظهر في بلادنا نشاط يهدف الى تفتيت عرى وحدتنا الوطنية بغرس بذور الحقد والحسد والكراهية بين الاخ واخيه والابن وأبيه، وبعض الاسر وبعضها الآخر، والى اشاعة روح الاستهتار واللامبالاة بالقيم التي نقدسها وتقاليدنا التي نشأنا عليها، والتشكيك في نظمنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يقوم عليها كياننا الاجتماعي...».
وحول حرية الصحافة، وحرية التعبير عن الرأي وحدودهما التي يجب الا تطول حرية الآخرين افرادا او جماعات او مؤسسات، كان للشيخ جابر الاحمد رأي محدد في ذلك التاريخ، حين اشار: «... وقد اثبت فريق من غير الكويتيين الذين يعملون في صحافتنا انهم يقدرون مصالح هذا الوطن، ويشاركونه افراحه واتراحه، وينظرون بالاحترام الواجب الى امنه ومقدساته، لكن فريقا آخر سلم نفسه الى الشيطان، وساهم في جعل بعض الصحف والمجلات ادوات طيعة في ايدي كل نشاط ضار بوطننا ومصالحنا القومية»...
ويمضي، فيقول: «... نحن لا نطلب من الصحافة او من غيرها ان تمدحنا، بل لعلنا الدولة الوحيدة التي تساعد صحافتها كي تنقدها، ولكن من حقنا وواجبنا ان نعمل على ان يكون هذا النقد بناء خالصا لوجه الله والوطن ومصلحة ابنائه جميعا، لا نقدا هداما مسخرا لخدمة جهات معينة، للتمهيد لمبادىء دخيلة يراد فرضها على مجتمعنا...».
ويؤكد: «... اننا نؤمن بالصحافة الحرة النزيهة ونقدر رسالتها، الصحافة التي تبني ولا تدمر، التي تحض على المحبة والوئام لا على الحقد والكراهية، التي تجمع الشمل لا تشتته او تفرقه، التي تخدم مصلحة الوطن لا المآرب الذاتية والمصالح الاجنبية...»
وحول الاوضاع الاجتماعية، والمشكلات المجتمعية التي صاحبت الطفرة الاقتصادية والتغيير الحضاري، كان له الوقفة التالية في بيانه: «... ان الرواج الاقتصادي وما صاحبه من تطور اجتماعي نتيجة للموارد النفطية خلال السنوات الاخيرة، لم تنعكس آثاره بعد على جميع ابناء البلاد... فهناك من المواطنين من يسمع عن المبالغ الكبيرة التي تقرضها الدولة للغير، وهو لا يزال يعيش بيننا عيش الكفاف، معتمدا على راتبه او نصيبه من المساعدات العامة، ومنهم من يشاهد البيوت تقام في كل مكان، وهو ما زال يسكن العشيش التي لا تقيه برد الشتاء ولا حرارة الصيف، وهناك مشكلة بيوت ذوي الدخل المحدود وتوزيعها على المستحقين، والشكوى المزمنة من التأخير في هذا التوزيع، هناك التنظيم ومشاكله، فبعض المواطنين قد ثمنت بيوت سكنهم ولم يتمكنوا من انشاء بيوت بديلة لها، لعدم كفاية مبلغ التثمين، او لعدم وجود قسائم لهم، او للتأخير في منحهم هذه القسائم حتى ذاب مبلغ التثمين بأيديهم دون ان يعود عليهم او على اسرهم بنفع حقيقي، ومن المواطنين من حرم عليهم التصرف في بيوتهم وعقاراتهم سنين طويلة ترقبا لاستملاكها، ثم صرف النظر في ذلك دون تعويض او ترضيه من اي نوع كان عن هذا الحرمان»...
وبنظرة الحاكم العادل العارف بمعاناة شعبه وابناء وطنه يمضي مسلطا الضوء على شكوى المواطنين، فيقول: «... وهناك من يشكون من بقاء قضاياهم معلقة امام المحاكم مددا طويلة، ومن يشكون من تعطيل مصالحهم لدى الوزارات والادارات الحكومية المختلفة، او من عدم تفرغ الموظفين كبارهم وصغارهم لاعمالهم الرسمية، او من عدم صلاحية بعض الموظفين للاعمال التي خصصوا لها.
وهناك شكوى بعض المواطنين من اهمال احيائهم ومناطق سكنهم، وشكوى سكان القرى والجزر من ان الحكومة لا تولي شؤونهم المحلية الاهتمام الكافي اسوة باخوانهم في المدينة»....
وفي معرض حديثه حول معاناة المواطنين مع الادارة الحكومية وقضاياهم ومشكلاتهم اليومية التي تتطلب حلولا حاسمة وسريعة لمجابهة مرحلة التحول الحضاري ومعطياته العصرية، لا ينسى الشيخ جابر الاحمد ان يتناول السلطة التنفيذية ـ جهازا ونظاما وافرادا ـ بالنقد الذاتي والتحليل الموضوعي اللذين قلما نجد قياديا يقوم بمثلهما. ذلك لان ارادة الاصلاح كانت دوما ماثلة امامه، وان عمليات الاصلاح وتعديل المسارات غير المتوازنة لا يمكن ان تتم او تلقى النجاح ما لم يتوافر لها جو صحي قوامه المصارحة والنقد البناء. وهذا ما هدف اليه حين قال: يؤسفني ان اسجل فقدان الانسجام والثقة بين الادارة المركزية ممثلة في الحكومة وبين بعض الهيئات والمؤسسات العامة المتمتعة بشخصية معنوية مستقلة.
ويمضي في هذا الاتجاه فيقول ان البلاد لا تتحمل تطاحنا بين الاجهزة المختلفة التي يجب ان يكون رائدها في العمل التعاون الوثيق المثمر، والتحرر من التقيد، وتعويق الاعمال، والغيرة على مصالح المجموع لا الغيرة على اختصاصات كل منها وصلاحياته او رغبته في الاستئثار بالسلطة.
كما ان التداخل في الاختصاصات بين جهاز البلدية وبين عدد من وزارات الدولة واضح لكل انسان، ويحتاج الى مزيد من التنسيق ولا شك ان ادارة جميع الشؤون المحلية المتطورة للقرى والمدن المختلفة من مركز واحد، وبواسطة جهاز واحد هو امر يستحق التأمل والنظر فيه. فاهل مكة ادرى بشعابها كما يقولون.
وعلى مستوى العاملين في الاجهزة الحكومية ومؤسساتها كان له وقفة طويلة ومريرة، عندما قال «واذا نحن انتقلنا من اجهزة السلطة التنفيذية الى العاملين فيها، طالعتنا ظاهرة خطيرة اخذت تتسرب الى ادارتنا الحكومية ومؤسساتنا وهيئاتنا العامة، واقصد بها انعدام الولاء لدى بعض الموظفين وهنا لا اقصد الولاء لشخص الوزير او الوزراء الذين هم في كراسي الحكم، فاشخاصهم زائلة ومتغيرة بطبيعة الحال، ولكن اقصد الولاء للدولة ككل، وللسلطة التنفيذية التي تمثل الدولة في قيامها بوظيفتها الحكومية والادارية.. هذا الولاء الذي يتطلب من الموظف الامانة التامة في أداء الوظيفة والقيام بكامل اعبائها واحترام الرؤساء وتنفيذ تعليماتهم بالدقة اللازمة في حدود القوانين واللوائح».
ويستمر في حديثه حول هذه الظاهرة مؤكدا: «ان انحراف بعض الموظفين عن هذه المبادىء الاولية لمعنى الامانة في اداء الوظيفة العامة، ينعكس اثره السيىء على سير العمل في المرافق العامة، فتتحول المصالح والادارات الحكومية الى تكتلات متباينة متنافرة، تذوب خلالها المسؤولية وتصاب مصالح الشعب بالاذى والتعطيل. فتعم الشكوى وينتشر السخط بين الجمهور من سوء الادارة الحكومية.
وينتهي من حديثه حول هذه المظاهر محذرا: «واذا كانت الحكومة قد التزمت سياسة اللين والتسامح مع هؤلاء حتى اتهمت بالضعف وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية فانها لن تتوانى من الان فصاعدا عن اداء واجبها في تنحية كل معطل لمصالح الشعب من اولئك الموظفين الذين لا يفهمون معنى الامانة في اداء اعمالهم».
وحول العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهي علاقة حذرة في الانظمة الديمقراطية كافة، تتسم بالمد والجزر، لكنهما في نهاية الامر تسعيان سويا للصالح العام وخدمة الاهداف العليا للدولة. ومن هذا المنظور القريب البعيد كان للشيخ جابر الاحمد وقفة امام هذه العلاقة حين قال: «ان نظام الحكم عندنا يقوم على اساس فصل السلطات، مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور. واذا كان الدستور قد قرر مسؤولية كل وزير سياسيا عن اعمال وزارته امام الامير وامام مجلس الامة، فانه قد قرر في الوقت ذاته ان مجلس الوزراء هو المهيمن على مصالح الدولة وهو الذي يرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الادارات الحكومية.
وعلى اساس من هذه النصوص الدستورية الصريحة، والاعراف البرلمانية فالاصل ان تطلق يد الحكومة في تصريف الشؤون العامة وفقا لما تراه محققا للصالح العام، في حدود الدستور والقوانين النافذة وان يمهد امامها الطريق لتعديل هذه القوانين متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، لا ان يضيق عليها الخناق لدرجة تفقدها القدرة على العمل، او تعوق نشاطها الحكومي والاداري».

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:44 AM

[frame="1 80"]ويمضي في هذا الاتجاه موجها حديثه لأعضاء المجلس، فيقول: «إن مجلسكم الموقر لا يألو جهدا في نقد اعمال الحكومة جملة، واعمال كل وزارة على حدة نقدا صريحا لا موارية فيه ولا مجاملة، وهذا حقكم بل واجبكم الذي ترحب به الحكومة كل الترحيب. ولكن هل من الصالح العام في شيء ان يضيع وقت السلطتين التشريعية والتنفيذية في موضوعات مكررة، او في اسئلة يشغل اعداد الاجوبة عليها اجهزة الحكومة ولا يفيد منها المجتمع شيئا؟ لانها لا تتناول في اغلبها الا مسائل شخصية، او لا يقصد بها إلا إحراج شخص وزير بالذات، او اثارة مناقشات جدلية لا طائل من ورائها، أليس من الافضل ان نركز على الموضوعات والاسئلة التي تعود على الشعب بالنفع العام، وان نرتفع بمناقشاتنا الى مستوى المسؤولية التي عهد بها الدستور ـ ايما عهد ـ الى الحكومة ومجلس الامة متعاونين فيما بينهما...؟».
وبكل معاني السمو والصدق والايمان بحق الوطن في البقاء والازدهار، وبحق المواطنين في حياة افضل، كانت دعوة الشيخ جابر الاحمد لمواجهة مواضع الخلل والتحديات بروح تضامنية شجاعة وعزيمة تعاونية لا يرقى اليها الملل او يصيبها السأم.. لقد جاءت دعوته، ليقول لابناء وطنه وشعبه: «علينا ان نضاعف جهودنا ونزيل كل عقبة في طريقنا، لرفع المستوى المادي والاجتماعي لمواطنينا الذين ما زال مستواهم دون ما نرجو لهم، ولتأمينهم وذويهم على حاضرهم ومستقبلهم.
علينا ان نوفر لجميع المواطنين بأقصر وقت ممكن، ومهما كلفنا ذلك، السكن الصالح فنزيد من بناء بيوت ذوي الدخل المحدود لتوزع على مستحقيها.
علينا ان نعيد النظر في اجراءات الاستملاك والتثمين ومشاكل التنظيم وتوزيع القسائم، كي يجد من ثمنت بيوتهم بديلا عنها بالسرعة اللازمة، وحتى لا تظل ممتلكات المواطنين معطلة بين ايديهم، فلا هم يستفيدون منها ولا هم يحصلون على تعويض عادل عن تعطيلها.
علينا تعجيل معاملات المواطنين وقضاياهم امام القضاء ودوائر الحكومة بقوانين تتفق وبيئتنا.
علينا ان نحقق لاحيائنا السكنية وقرانا وجزرنا مزيدا من العناية، مع التعجيل بتزويدها بالمرافق الحيوية الضرورية.
علينا ان نعيد النظر ـ منذ الآن ـ في أجهزتنا الادارية المختلفة على مستوى الادارة المركزية والادارة المحلية لإصلاح ما يحتاج منها الى اصلاح، وللتمهيد للتوسع ـ في الوقت المناسب ـ في نظام الحكم المحلي الذي يعتبر بحق اللبنة الاولى في صرح الحكم الديمقراطي في ظل توجيه الدولة ورقابتها طبقا لأحكام الدستور في هذا الشأن.
علينا ان نحمل العاملين في اجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات العامة على ادراك ان الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، هدفها مصلحة الجمهور والشعب عامة لا الأهواء الشخصية والمصالح الخاصة.
علينا ان ننسق سويا علاقات السلطتين التنفيذية والتشريعية لكي تعود للحكومة قدرتها على العمل المثمر لخير الجميع.
علينا ان نحمل الشركات العاملة في بلادنا، لاسيما القائمة على ثرواتنا الطبيعية، على تفهّم ان ما لها من حقوق يتطلب بالدرجة الاولى مراعاتها بالدقة اللازمة لكافة التزاماتها نحو الحكومة ونحو العاملين في هذه الشركات من المواطنين مع تحسين حالة هؤلاء بما يتمشى مع ما تحققه من منافع»..
هذا البيان التاريخي الذي أدلى به الشيخ جابر الاحمد امام مجلس الامة في بداية توليه ولاية العهد ورئاسته لمجلس الوزراء جاء معبرا عن حديث المجتمع الكويتي، وأماني وتطلعات شعب الكويت وهو يدخل عهداً جديداً، تقود رئاسة السلطة التنفيذية فيه شخصية اقتصادية متميزة عرفت بحنكتها وسعة افقها، وخبرتها ودرايتها بما يدور حولنا في عالم الاقتصاد والمال من تطورات ايجابية يعرف كيف يستفيد منها، واخرى سلبية يدرك ابعادها وكيفية تجاوزها والابتعاد عنها.
هذا البيان الذي هو بمثابة استراتيجية عمل لرئيس الحكومة، تناولته الصحافة المحلية بالتحليل والتعليق لمدة طويلة، تفاعل الكتاب والمحللون الاقتصاديون والاجتماعيون والسياسيون مع مضامينها الآنية وتوجهاتها المستقبلية.
هذه الحالة من الاستجابة والتفاعل التلقائي بين المواطنين ومضامين البيان لم تقف عند شرائح المثقفين والمفكرين من ابناء الكويت، بل ان صدى ذلك البيان الذي بدأ به الشيخ جابر الاحمد المرحلة الثانية من حياته السياسية والعملية بعد توليه ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، قد هز ارجاء دواوين الكويت وملتقيات اهلها ومنتدياتهم ليصبح حديث الناس والمجتمع كله.
وهذه الحالة من الامتزاج الفكري والوجداني بين المواطنين وبين الشيخ جابر الاحمد، فيما استعرضه من مشكلات مجتمعية، وما طرحه من حلول وافكار مستقبلية، لم تقف عند حدود الكويت، بل تجاوزتها الى وسائل الاعلام الخارجية التي اشادت بدورها بالبيان وبالكلمة وبالتحليل الموضوعي.
هنا، يشير عبد اللطيف البحر الى حوار جرى بين الشيخ جابر الاحمد وبين مجموعة من العاملين في الحركة العمرانية والمخطط الهيكلي للدولة والقائمين على الاسكان الحكومي ، فيقول: «.... واذكر في هذه المناسبة، عندما صارت ازمة السكن في الستينات، وكان قد تم توزيع القسائم السكنية الخاصة، وكان يجري بيعها، ثم فجأة اوقفوا البيع، وبدت بوادر الازمة السكنية، وكانت المشروعات والقسائم الحكومية ـ آنذاك ـ تقع داخل الدائري الرابع الذي انشىء عام 64/1965م، وليس خارجه..».
ويمضي البحر، فيضيف: «.... ومنذ حدوث هذه الازمة كان سموه يعطي كل اهتمامه لدراستها وحلها. فلما استحكمت حلقاتها طلب سموه ان نستدعي رئيس واعضاء مجلس البلدية لمقابلته، وطرح عليه فكرة الامتداد بالمشاريع الاسكانية الى ما بعد الدائري الرابع، حيث لم يعد هناك بديل آخر، وان الشباب مقبلون على الحياة ولهم احتياجاتهم، ولم يعد هناك قسائم تكفي. فقيل لسموه بأن هذه الاراضي تدخل ضمن املاك الدولة، وخارج تنظيم المدينة، فرد سموه بأن املاك الدولة هي للكويتيين ويجب توظيفها واستغلالها لخدمة احتياجاتهم الاجتماعية، وان الامتداد والنماء من سنة الحياة..».
ولو تتبعنا تحركات الشيخ جابر الاحمد البناءة، وانجازاته الوطنية خلال الفترة من 31 مايو عام 1966 حتى 31 ديسمبر عام 1977، وهي الفترة التي تولى فيها ولاية العهد ومقاليد رئاسة الحكومة.
لوجدنا انفسنا امام زخم من الافكار التي تسعى لمعالجة القضايا القائمة وطرح البدائل المناسبة برؤية مستقبلية تضع شأن الاجيال القادمة في اولويات حساباتها وبرامجها.. هذه الافكار والطروحات، وغيرها، جاءت ضمن بيانات ادلى بها امام مجلس الامة الكويتي في اكثر من خمس عشرة مناسبة.. متناولاً فيها الشأن المحلي بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، او مدافعاً عن قضية العرب الاولى ـ القضية الفلسطينية ـ بروح وطنية وقومية نالت الشكر والتقدير من الدوائر العربية كافة والمتعاطفين مع حركات التحرر الوطني في العالم. او داعياً للمشاركة في دعم عمليات التنمية في الدول العربية الاكثر احتياجاً، وفي الدول النامية الاشد فقرا، او مندداً بالممارسات العنصرية اينما كانت، وخاصة قضية الفصل العنصري في الجنوب الافريقي.
لقد اختار الشيخ جابر الاحمد دوماً منبر مجلس الامة للادلاء ببياناته الاصلاحية التزاماً بالواجب الدستوري، وايماناً بأن هذا المجلس هو بيت الكويتيين جميعاً، ومن خلاله تحدد المسؤوليات والواجبات والحقوق الوطنية، لتقوم كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية كل منهما في مجالها بتنفيذ ما يوكل اليها، وذلك تأكيداً لنص المادة الرابعة من دستور الكويت الذي حدد نظام الحكم في الكويت بأنه: وراثي محصور في ذرية المغفور له مبارك الصباح، وانه ديمقراطي، وان السيادة فيه للامة مصدر السلطات جميعاً. (المادة السادسة من الدستور).

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:45 AM

[frame="1 80"]الشيخ جابر الأحمد
أميراً وحاكماً لدولة الكويت

في 20 ذو الحجة عام 1397 هـ الموافق 30 ديسمبر عام 1977م، انتقل الشيخ صباح السالم الصباح امير دولة الكويت الى جوار ربه، بعد ان ترك خلفه مسافة زمنية في الحكم امتدت زهاء اثني عشر عاماً حافلة بالعمل والمنجزات.
وكان الشيخ جابر الاحمد رفيق دربه ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، يمده دوماً بما يحمله في فكره من مشروعات انمائية، وتطلعات مستقبلية واعدة لخير الكويت وشعبها، ولأنه كان موضع ثقة كبيرة لدى الامير الراحل، فقد تمكن الاثنان من السير بالدولة والمجتمع خطوات الى الامام، ترك معها الامير الراحل بصمات على سجل الكويت، لا يزال الجميع يتذكرها لكونها باتت جزءاً من تاريخ الكويت الحديث.
لقد عاشت الكويت منذ القدم في احضان الشورى اسرة واحدة متضامنة متكافلة متراحمة، وكان نظام الحكم واختيار الحاكم جزءاً من هذا النظام منذ عام 1170 هـ الموافق 1758م، عندما اختار الكويتيون الشيخ صباح بن جابر (صباح الاول) حاكماً لامارة الكويت، من خلال بيعة شارك فيها الجميع.. تجاراً وبسطاء حرفيين ومهنيين، حضراً وبادية.
هذا النظام الشوروي ظل ثابتاً ومستقراً في النظام السياسي لدولة الكويت. لا يقبل التأويل او التفسير، خاصة بعد ان التحمت من جديد ارادة الامة ممثلة بالسلطة والشعب في المادة الرابعة من دستور الكويت لعام 1962م، والتي تنص على الآتي: «الكويت امارة وراثية في ذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح، ويعين ولي العهد خلال سنة على الاكثر من تولية الامير. ويكون تعيينه بأمر اميري بناء على تزكية الامير ومبايعة من مجلس الامة، تتم في جلسة خاصة بموافقة اغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
وفي حال عدم التعيين على النحو السابق، يزكي الامير لولاية العهد ثلاثة على الاقل من ذرية آل الصباح فيبايع المجلس احدهم ولياً للعهد. ويشترط في ولي العهد ان يكون رشيداً عاقلاً، وابناً شرعياً لابوين مسلمين.
وينظم سائر الاحكام الخاصة بتوارث الامارة قانون خاص يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بهذا الدستور وتكون له صفة دستورية، فلا يجوز تعديله الا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور».
وقد حرص الدستور الكويتي ان يظل رئيس الدولة اباً لابناء الوطن جميعاً، وذلك حين نأى بالامير عن اي مساءلة سياسية وجعل ذاته مصونة لا تمس (مادة 54)، كما ابعد عنه مسببات التبعة وذلك بالنص على ان رئيس الدولة يتولى سلطاته الدستورية من خلال وزرائه (مادة 55)، وهم المسؤولون عن الحكم امامه (مادة 58) وامام مجلس الامة (المادتان 101 و 102).
وعليه، فإنه من خلال هذه النصوص الدستورية، والقانون رقم (4) لسنة 1964م في شأن توارث الامارة، ونظام الشورى الذي عرفه الكويتيون، ولا يزالون متمسكين به، جاء اختيار الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح اميراً لدولة الكويت.
المبايعة ركن أساسي في نظام الحكم

في 21 ذو الحجة عام 1397هـ الموافق 31 ديسمبر عام 1977م بويع الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح اميرا لدولة الكويت اثر وفاة المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح، ليصبح الامير الثالث عشر في أسرة آل الصباح، وثالث امير لدولة الكويت منذ استقلالها.
وكان الشيخ جابر الاحمد، كما عرف عنه في الدوائر السياسية، وما كتب عنه في الصحافة العربية والعالمية، قد اعد اعدادا جيدا لتولي مهام عمله اميرا للبلاد. فقد كان مسؤولاً عن الامور المالية ومهتما بأمور التخطيط وشؤونهما منذ اواخر الخمسينيات، وولي عهد ورئيس وزراء نشط في العطاء والابداع، كان قريبا من قضايا الدولة والاحداث الجارية في المنطقة وفي العالم، وكان مشهودا له بحب العمل والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، والدقة في تناول القضايا.
وكان لهذه الصفات والمميزات وغيرها دور رائد في حركة الاصلاح والبناء التي شارك فيها بفاعلية منذ مطلع الاستقلال، فقد أرسى واقعا، وقواعد جديدة للدولة والمجتمع العصري، قائما على القانون والنظام والعمل ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا ما سهّل لدولة الكويت الدخول الى المجتمع الدولي وهي تملك رصيدا كبيرا من مقومات المجتمع الحضاري:
وفي ذلك التاريخ، اي في 31 ديسمبر عام 1977م، ادلى رئيس مجلس الوزراء بالنيابة وزير الاعلام الشيخ جابر العلي السالم الصباح ببيان اعلن فيه»... باسم اخواني وابنائي واولادي من اسرة الصباح وايمانا بما يتمتع به حضرة صاحب السمو اميرنا ووالدنا المفدى الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح من حنكة ودراية ورؤية مستقبلية ثاقبة، ولما يكنه سموه لخير هذا البلد، ولما يشعر به من العاطفة الابوية التي يشمل بها كل ابنائه الكويتيين، ولتمسكه بكتاب الله وسنة رسوله، وتمثله بتراث الآباء والاجداد الذين ساروا عليه عبر ثلاثمائة سنة، في هذا البلد... بلد ذي ثلاثة اسوار، فاننا نعاهده بان نكون ابناء وجندا له مطيعين، عنه مفتدين... عاشت الكويت وعاش جابر»...
وعلى اثر هذا البيان قام ابناء الشعب الكويتي بمبايعة الشيخ جابر الاحمد اميرا للبلاد، وهو نهج وسيرة تعارف عليها ابناء الشعب الكويتي حكاما وشعبا، وهي سيرة عطرة وسنة حميدة حرص عليها الجميع، كواحدة من مبادىء نظام الشورى في الحكم، فالحاكم لا بد ان يحظى بقبول واختيار الجميع، سواء كان ذلك على مستوى الاسرة الحاكمة او على مستوى الشعب عامة، وان تاريخ الكويت يشهد منذ ان اختير صباح الاول حاكما للكويت بان نهج الشورى كان اساسا في اختياره، وظل هذا النهج وبقيت تلك المبادىء قائمة الى يومنا هذا، فالجميع ارتضاه منهجا ومبدأ وطنيا، وعمل بموجبه ولم يشذ عنه، وجاء دستور الكويت لعام 1962م. ليؤكد بوضوح في مادته الرابعة هذه المبادىء والاعراف التي جبل عليها اهل الكويت، وساروا على هداها.
وامام هذه الرغبة الشعبية الاجماعية، وكاجراء دستوري قام الشيخ جابر الاحمد بأداء اليمين الدستوري في اليوم التالي، وذلك في اجتماع عقده مجلس الوزراء في قصر المسيلة برئاسة رئيس مجلس الوزراء بالنيابة ووزير الاعلام الشيخ جابر العلي السالم الصباح، جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

«اقسم بالله العظيم ان احمي الدستور وقوانين الدولة، واذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، واصون استقلال الوطن وسلامة اراضيه».
ثم قدم رئيس الوزراء بالنيابة وزير الاعلام الشيخ جابر العلي اكبر الاعضاء سنا من الوزراء حمود يوسف النصف، وهو وزير الاشغال العامة آنذاك، ليلقي كلمة في هذه المناسبة، جاء فيها:
«... يا صاحب السمو لقد فقدنا اليوم ببالغ الحزن والاسى اميرنا ووالدنا وقائدنا صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح، تغمّده الله برحمته ورضوانه، وألهمنا الصبر والعزاء، لقد اراد خيرا للوطن فألهمه الله ان يختاركم وليا لعهده، وتكون محله عند القضاء المحتوم لتكملوا مسيرة كويتنا العزيزة نحو تقدم ورفعة البلاد، ونحن واثقون انكم تحملون الامانة بكفاءة ومقدرة، لتواصلوا العهد من اجل الكويت، داعين لكم بالتوفيق والنجاح»...
وفي الثاني من يناير عام 1978م وجه الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت كلمة الى الشعب الكويتي أبّن فيها المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح طيّب الله ثراه... ذاكرا صفاته الحميدة وحبه لأهل الكويت ومكانته في قلب كل مواطن... مشيرا الى الدور الرائد الذي بذله في بناء الكويت الحديثة... آخذا على نفسه الوعد بان يسير على خطاه في عملية البناء والتحديث.

وفيما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

اخواني وابناء وطني،،،،
بقلوب مليئة بالحزن والأسى شيعنا والدنا البار، وقائدنا الحكيم، ورائد نهضتنا، فقيدنا العظيم المغفور له صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح الى مثواه الاخير.
لقد كان اميرنا الراحل والدا للجميع، احب الكويت واهلها حبا خالصا، وبادلته الحب والاخلاص، وكان وفيا لأمانيها وتطلعات شعبها، فبادلته الوفاء والولاء.
لقد كرّس كل حياته منذ صغره لخدمة هذا الوطن، وبقي يتحمل الاعباء والمسؤوليات على حساب راحته وصحته، وأدى واجبه كاملا حتى آخر لحظات حياته.
لقد كان لفقيدنا الكبير ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ مكانة رفيعة ومقاما ساميا في قلب كل مواطن من ابناء هذا البلد الامين، ولدى كل من عرفه من ابناء العروبة والاسلام، ولا استطيع ان اعبر عن مشاعري بصورة اعمق مما عبر عنها شعبنا العزيز في وداعه لقائده واميره، فقد عبّرت الكويت بأسرها عما تكنه من مشاعر اصيلة لفقيدها العزيز ومقدرة في الوقت ذاته لاشقائها في العروبة والاسلام مشاركتهم لها في مصابها الجلل.

اخواني،،،
لقد بذل الامير الراحل كل جهده من اجل تقدم وازدهار ورفعة وطننا الحبيب، حتى وصلت الكويت في عهده الميمون الى ما وصلت اليه، من مكانة محمودة لدى الدول الشقيقة والصديقة كافة، واحتلت مكانها اللائق في المجال الدولي، وسوف نكمل المسيرة الخيرة التي اختطها فقيدنا الكبير، ونسير على خطاها لنحقق لوطننا مزيداً من الانجازات في مختلف المجالات. وسنبذل كل ما في وسعنا من جهد ووقت لتحقيق ما يصبو اليه شعبنا من امن وأمان.
وفي الختام، اتوجه بالشكر والتقدير الى ابناء شعبنا الكريم كافة، والى المقيمين في رحاب هذا الوطن العزيز كافة والى كل من شارك في مواساتنا بمصابنا الاليم من الدول الشقيقة والصديقة.

وفقنا الله جميعاً
وسدد على دروب الخير خطانا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:45 AM

[frame="1 80"]لقد اعتاد الشيخ جابر الاحمد منذ توليه رئاسة الحكومة ان يطرح على الشعب الكويتي، ومؤسسات المجتمع المدني في الكويت وعلى رأسها مجلس الامة الكويتي، برنامج عمله المستقبلي. شارحاً امانيه وطموحاته وتطلعاته لجعل الكويت بلداً ومجتمعاً حضارياً، وواحة امن وأمان للجميع، ينعمون بخيراتها ويتفيأون ظلالها، ويشاركون في بنائها وطناً عزيزاً للجميع، تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
نقول، لقد اعتاد الشيخ جابر الاحمد ان تكون له مثل هذه الوقفة، فهي فرصة يتاح من خلالها للشعب الكويتي ان يراجع معه ما تم انجازه تمهيداً للانطلاق معه الى المستقبل. وكان عند عادته، فحين وجه خطاباً سياسياً الى الشعب الكويتي يوم 14 فبراير عام 1978م، بعد انتهاء فترة الحداد الرسمي لوفاة الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، اعلن فيه عن رؤيته المستقبلية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والادارية، والعسكرية. مؤكداً ان الديمقراطية ليست مجرد الاطار الشكلي البرلماني، بل هي مفهوم حقيقي وممارسة شعبية فعلية نابعة من تراثنا وتقاليدنا، وفي هذا الصدد يقول: «..... لقد عاش شعبنا على هذه الارض الطيبة على مر السنين، تجمع بيننا اواصر القربى والتراحم، وتشدنا عرى التكاتف والتكافل، وقد الف الله سبحانه بين قلوبنا، وكان امرنا دائماً شورى، حتى غدت الشورى صفة اساسية للحكم، حرصت اجيالنا المتعاقبة على التمسك بها. فالديقمراطية متأصلة في نفوسنا جميعاً ككويتيين منذ القدم، الديمقراطية الصحيحة لا تعني مجرد الاطار الشكلي البرلماني، ولكنها تعني المفهوم الحقيقي والممارسة الفعلية للديمقراطية. وسنظل حريصين على ترسيخ ديمقراطيتنا الاصيلة بالمشاركة الشعبية النابعة من تراثنا وتقاليدنا، والتي سنعمل على تطويرها وانضاج ممارستها تلبية لمتطلبات مجتمعنا الجديد في اطار قيمنا واخلاقنا ومبادىء ديننا الحنيف...».
ويمضي مستقياً العبر من انجازات الماضي، فيقول: «.... اننا اذ نذكر بالتقدير ما قام به الآباء والاجداد من اعمال وتضحيات، وما خلفوه لنا من منجزات، يجب علينا ان نواصل مسيرتهم ساعين لتحقيق الافضل والمزيد من التقدم والرقي لوطننا ومجتمعنا. وان ما نطمح اليه اليوم ونسعى لتحقيقه في المرحلة الجديدة من نهضتنا، هو بناء كويت المستقبل والمجتمع الافضل الذي تتعزز فيه منجزاتنا القائمة على الحق والعدل والاخاء والمساواة والعيش الكريم للجميع، والذي نعمل فيه جميعاً اسرة متحابة من ا جل خير الوطن ورفعته....».
لقد تحدث الشيخ جابر الاحمد في هذا الخطاب الجامع عن جملة من التحديات العصرية الكبيرة التي تواجه مسيرة الدولة والمجتمع. مشيراً الى ان الاوضاع الادارية في المؤسسات العامة للدولة تحتاج الى تحديث وتطوير على جميع المستويات... تنظيماً واسلوباً وافراداً، كي تستطيع ان تواكب متطلبات المرحلة، ومعطيات علم الادارة الحديثة وتقنيتها. وهنا يشير الى الاوضاع القائمة بالنقد الموضوعي، والتوجيه البناء، فيقول: «.... ان بناء كويت المستقبل هو التحدي الكبير الذي يجب على جيلنا ان ينهض لمواجهته، وينذر نفسه لتحقيقه، وعلينا من اجل ذلك ان نشرع في بناء الدولة الحديثة التي تأخذ بأسباب التقنية المتقدمة، والاسباب العصرية في مختلف مجالات الحياة. ولعل اول ما ينبغي البدء به تحديث الادارة العامة والجهاز الوظيفي للدولة، وتطبيق المقهوم الحقيقي للوظيفة العامة باعتبارها خدمة عامة، وان الموظف العام من رئيس الدولة الى اصغر موظف في اجهزتها انما هو خادم لهذا الشعب الذي اعطاه ثقته، فيجب ان يصون هذه الثقة بالنزاهة والجدية ورعاية مصالح المواطنين دون اي تقصير او محاباة، وفي الوقت ذاته ينبغي النظر بعين الاعتبار لتحسين اوضاع العاملين في مختلف اجهزة الدولة من مدنيين وعسكريين، كما ينبغي تطوير وتحسين المرافق والخدمات العامة في القطاعات كافة، وتعديل القوانين والانظمة بما يكفل حل مشاكل المواطنين في تعاملهم مع وزارات الدولة وادارتها...».
وعلى مستوى البناء الاقتصادي، والمشاركة الشعبية في بناء المجتمع، يدعو الشيخ جابر الاحمد باستمرار الى ضرورة الاخذ بسياسة الاعتدال في استغلال موارد الدولة، وحسن استثمار عائداتها، وحفظ حق الاجيال القادمة فيه، منوهاً بنشاط القطاع الخاص ودوره المشهود في تاريخ الكويت، متطلعاً الى دور اكبر لجامعة الكويت والمعاهد والمراكز العلمية ومؤسسات المجتمع المدني في بناء كويت المستقبل، الا ان وقفته امام بناء الانسان الكويتي كانت وقفة طويلة، حين يقول: «... ينبغي ان لا نغفل حقيقة اساسية، وهي ان افضل واحدث المعدات والاساليب التقنية لا يمكن ان تؤتي الثمرة المرجوة منها ان لم يقم عليها الانسان الكفء الجاد المخلص. لذلك فإن عملية بناء الدولة الحديثة يجب ان تواكبها عملية بناء الانسان الكويتي، واعداده لمواجهة تحديات العصر. وسوف يكون للشباب النصيب الاكبر من عنايتنا واهتمامنا فكويت الغد هي كويت الشباب رجالاً ونساء تنبض عروقها الفتية بدم الاشباب، وتنطلق الى المستقبل الزاهر بعزيمة الشباب وخطاه...».
ويمضي ناصحاً الشباب نصيحة الوالد الموجه، فيقول: «.... اننا نريد شبابنا ان ينشأوا على الكفاح والجد والخشونة، والبعد عن الترف وحب المظاهر، مقتدين بآبائهم في الطموح وشدة المراس، وعدم الاسترخاء او التواكل....».
ومن الشباب الى المواطنين عامة رسالة مماثلة حملها اليهم، يقول فيها: «نريد للمواطنين عامة ان يقدسوا العمل الشريف أيا كان نوعه، وان يقدروا قيمة الوقت ويكرسوه من أجل خدمة مجتمعنا.. نريد للمواطنين ان يحرصوا على المرافق والاموال والخدمات العامة، فلا يسرفوا في استهلاكها،. وان يتحلوا بروح الايجابية والتعاون مع جهود الدولة للصالح العام، وان يدركوا ان المعيار الحقيقي للمواطنة هو بمقدار الاسهام في خدمة الون، وتحقيق التوازن العادل بين الحقوق والواجبات وبين الاخذ والعطاء.».
ويعود من جديد ناصحا ابناء وطنه، شارحا لهم ما يجيش في فكره وتطلعاته المستقبلية، فيقول: «ان وطننا يتطلع اليوم الى جيل مؤمن بربه ووطنه، يعكف على التزود بالعلوم والمعرفة والتقنية، ويجمع بين الاخذ بأساليب العصر الحديثة والتمسك بديننا وقيمنا ومثلنا واخلاقنا ويسعى الى اثراء حضارتنا العربية والاسلامية العريقة بانتقاء الارفع والانفع من ثمار الحضارات الاخرى بغير خضوع او انقياد لها..».
وعلى المستوى السياسي جاء صوت الشيخ جابر الاحمد معبرا بصدق وقوة عن مواقف الكويت الداعمة لقضايا الامة وحقوقها، المتمسكة بعروبتها الملتزمة بمواصلةسياستها الخارجية، القائمة على ثوابت قوامها الحياد والوسطية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول اخرى، ومما يشير اليه في هذا الصدد أن: «الكويت المؤمنة بدينها وعروبتها، ستظل وفية وصادقة مع نفسها واشقائها، وستظل تكافح من أجل تعزيز التفاهم والتقارب ووحدة الكلمة، منتهجة سياستها المعروفة نفسها تحاه شقيقاتها الدول العربية، محترمة التزاماتها وتعهداتها، ساعية نحو علاقات الأخوة والثقة المتبادلة، متمسكة بقرارات القمة العربية، ومخلصة لشعب فلسطين ونضاله الوطني».
ويمضي مؤكدا: «وستواصل الكويت انتهاج سياستها الخارجية الثابتة ، وستظل تبنى علاقاتها مع سائر الدول على اساس التقدير والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، دون تمييز بين شرق وغرب، وبما يخدم مصالحنا الوطنية وقضايانا القومية».
وفي نهاي هذا الخطاب السياسي، توجه الشيخ جابر الاحمد الى ابناء شعبه حاملا اليهم ما يختلج في نفسه وفكره من نوازع الخير لوطنه.. طارحا امامهم تصوراته المستقبلية لكويت الغد.. داعيا الجميع للعمل يدا واحدة. بقوله: «لا يظن اي فرد منكم انه غير مسؤول، او ان المسؤولية يتحملها غيره، فكلنا اخوة متساوون، لا فرق بين كبير وصغير، غني وفقير الا بالحق وخدمة المواطن. وكلنا اخوة متحابون وابناء بلد واحد، ولا مكان للحسد او الحقد في نفوسنا، والكويت لنا جميعا، وعلينا جميعا مسؤولية بنائها، والذود عنها، ودفع عجلة التقدم والرقي فيها. ولكل واحد منا دوره وواجبه ومسؤوليته. وعلى جيلنا الحاضر مسؤولية جماعية خاصة، تفرضها تحديات عصرنا وطموحنا لان نجعل من الكويت مجتمعا حضاريا رائدا».
ويضيف مشجعا الارادة والهمم، فيقول: «هذا هو قدر جيلنا، وعلينا ان نرتفع الى مستواه.. نحمل عن طيب خاطر عبء المسؤولية التي سبقنا الى حملها الآباء والاجداد وننذر انفسنا للقيام بها خير قيام، ثم نسلمها حين يشاء الله لمن بعدنا. وحسبنا ان يقال عنا ـ حينئذ ـ أننا أدينا الامانة، وحافظنا على كويتنا الحبيبة، واضفنا لبنة الى صرحها العتيد..!».
وكان في قمة الصدق والايمان بارادة شعبه، حين وقف مناشدا: «انني ايها الاخوة اذ اتحدث اليكم هذا الحديث ادعوكم جميعا ان تعينوني بسواعدكم.. تعينوني بمشورتكم. تعينوني باقتراحاتكم. فنحن اقوياء بتكاتفنا.. اقوياء بتعاضدنا.. اقوياء برباط المحبة والتعاطف بيننا».
لقد أراد الشيخ جابر الاحمد من خلال هذا البيان التاريخي ان يقف على نبض الشارع الكويتي حول مجمل المشكلات المجتمعية، وبخاصة الاجتماعية منها والاقتصادية والاستئناس برأي قطاعات الشعب المختلفة ومؤسسات المجتمع حول خطط الدولة المقبلة، والتعرف على مرئياتهم بشأن التداعيات الحضارية التي صاحبت انتقال المجتمع من حالته البسيطة وعلاقاته الاولية الى دولة عصرية يسودها النظام والقانون.. انها صورة من صور الديمقراطية والمشاركة في تحمل مسؤولية بناء الوطن والمواطن.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:46 AM

[frame="1 80"]سموه يدشن فترة حكمه باللقاءات مع الشعب وفعاليات المجتمع الأمير يعتمد الاتصال المباشر بالمواطنين أساساً لتلمس معاناتهم ومشكلاتهم
اللقاء بالشعب وفعاليات المجتمع

لقد وجد الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت ان الخطوة التالية لتحركاته لا بد ان تكون من خلال الاتصال المباشر بالمواطنين، سواء أكان على المستوى الرسمي ام الشعبي، ذلك لان معاناة الناس ومشاكلهم لا يمكن تلمسها والاحساس بها الا عن قرب، ومن خلال المعايشة الشخصية لها، وان الافكار والمبادىء والبرنامج المستقبلي الذي طرحه في كلمته السياسية، ووجهه للشعب الكويتي بمناسبة انتهاء فترة الحداد الرسمي على الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، لا بد ان تصل الى كل مواطن والى جميع شرائح المجتمع، وذلك في محاولة للوقوف على ردود الفعل لتلك الكلمة التي حاولت ان تحدد معالم المسيرة الكويتية المستقبلية.
نقول، من هذا المنطلق كان للشيخ جابر الاحمد زيارات ولقاءات مع المواطنين في مناطق سكنهم، اتيحت الفرصة فيها لكل مواطن ان يعبر عما يختلج في صدره، وان يسأل ما يريد في جو اسري، وعلاقات تسودها الديموقراطية والكلمة الصادقة، وكانت اجاباته وردوده على تلك التساؤلات بمثابة اشارة للمراقبين عما كان يريد ان يقوله لابنائه وشعبه، وماهي الرسالة التي كان يحملها لتصل اليهم نقية صافية في لقاء الوجه للوجه.
ففي 24 ابريل عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع الرعيل الاول، رجال البحر، جمعهم في مأدبة عشاء اقامها لهم في منزله بقصر دسمان، وكان له كلمة في هذا اللقاء، نذكر منها: «... يسعدني جدا ان اجتمع بالرعيل الاول، وفي الواقع انهم يمثلون آباء لي، وفيهم من يمثل اخوانا لي، واني اؤكد بأنني دائما لهم، ولا احب ان اسمع بان هناك مظلوما او محتاجا او عنده مشكلة، فبابي مفتوح لكم جميعا فاعتبروني ابنا لكم، وهذا في الواقع لا ينطبق فقط عليكم انتم بالذات، بل على كل كويتي، ارجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ ان يوفقنا لما فيه خير هذا البلد وعزته»....
وبتاريخ 26 ابريل عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع الضباط في سلاح الطيران والدفاع الجوي الكويتي، حيث تفقد قاعدة احمد الجابر الجوية مستمعا الى شرح مفصل من كبار ضباط سلاح الطيران عن طبيعة وسير العمل. وقد القى في هذه الزيارة كلمة، جاء فيها: «... لقد أثلج صدري ما رأيته اليوم في سلاح الطيران والدفاع الجوي، حيث انه احد المرافق الاساسية لحماية بلادنا وامتنا العربية، وان ما رأيته اليوم ليدل على ايمان وتصميم شبابنا ورجالنا على الذود عن بلادهم وامتهم العربية»...
ويمضي مؤكدا: «... انني أحرص دائما على الاتصال بفئات الشعب كافة حتى نكون اقرب الى بعضنا، ونوثق روح الاسرة الواحدة التي بيننا، وانني على ثقة من ان شبابنا قادر على تحمّل مسؤولية الدفاع عن الوطن والامة، ولن تكون زيارتي هذه لكم الاخيرة، بل سأزوركم مرات عديدة، وأتمنى للجميع في القوات المسلحة كل توفيق في كل خطواتهم الهادفة الى حماية هذا الوطن، وهذا الشعب، وهذه الامة»...
وبتاريخ 2 مايو عام 1978م التقى الشيخ جابر الاحمد مع رئيس واعضاء مجلس الادارة الجديد لجمعية الصحفيين الكويتية، فتحدث اليهم بانفتاح وصراحة كاملة، قائلا: «... اننا نريد من الصحافة الكويتية ان تكون عامل بناء دائما، وهذا لا يعني اننا نصادر حق النقد، بل اننا نرى ضرورة قيام الصحافة بالنقد البناء»...
ويضيف قائلا: «... انني اتابع ما تكتبه الصحف الكويتية، وأبحث عن النقد، لانني كمسؤول لا يمكن ان ألم بكل شيء، ولهذا فانني اعتمد على ما تكتبه الصحف من نقد، ومن هنا، فانني ارجو ان تكون صحافتنا على مستوى المسؤولية، وان تناقش مشاكل الكويت بكل موضوعية، وتوجه المسؤولين الى ما فيه مصلحة الكويت، وهذا يستدعي ان تكون هناك علاقة بين الصحافة والمسؤولين»...
ويستطرد في الحديث فيقول: «... انني من جانبي على استعداد، وفي اي وقت، لاستقبالكم وسماع مشاكلكم، كما ارجو ان تكون لكم لقاءات مع المسؤولين، وتأكدوا انهم يرحبون بذلك، سواء سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء او الوزراء او اي مسؤول في الدولة، لان الصحافة لها دور كبير في رصد اتجاهات الرأي العام، وهذا يهمنا...».
وبتاريخ 8 يونيو عام 1978م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة محافظة الفروانية، حيث التقى هناك بابنائه ورجالات المنطقة، وذلك للوقوف والاطلاع عن كثب على اوضاع المنطقة ومشاكلها الحياتية، ففي حديثه مع المواطنين هناك، اشار: «... ان زيارتي لبعض المناطق التي تنقصها أمور كثيرة من الخدمات هي لتأكيد رعايتنا لهذه المناطق حتى تصل للمستوى المطلوب، كما هي الحال في المدينة....».
ويمضي قائلا: «... انه امر طبيعي في كل بلدان العالم ان تنمو العواصم قبل غيرها من المناطق الاخرى، لكن الواجب يحتم ان تنمو كل المناطق، وتنهض معا»...
ويحاول ان يلامس الواقع، فيقول: «... انني لم احضر هنا لألقي كلمات او خطب، بل جئت اليكم وانا مؤمن بالعمل الجاد والمثمر، ولا تفرقة عندي بين المدينة والقرية لان الجميع سواسية، وجميعكم اخوة اعزاء عندي...».
ويختتم حديثه بالقول: «... من الطبيعي ان ينظر الانسان للمفاهيم نظرة الحريص على تحقيقها، وهدفنا هو الصالح العام، وانني ادعوكم الآن لترك الرسميات واطلب منكم حوارا مفتوحا، فدعونا نتحدث في محبة وسعادة من اجل رفع مستوى الوطن والمواطن»...
وبتاريخ 10 يونيو عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع مواطني محافظة الاحمدي، حيث تحدث اليهم قائلا: «... الحقيقة انني سعيد بالاجتماع مع اخوة لي اليوم، كما استمعت لاخوة لهم في الاسبوع الماضي. وفي الواقع ـ كما ذكرت في لقائي السابق ـ انني لا اريد القاء الكلمات او الخطب، وانما نحن في ديوانية كبيرة نستمع ونبحث عن الحقيقة. فهناك امور عديدة يجب ان تتوفر لكم في المنطقة.. أمور تهم الجميع وللصالح العام. اما الامور الخاصة او التي تهم فرداً معيناً، فلا مجال هنا لطرحها . ان ما يجب الاستماع اليه هو امور المنطقة التي تهمنا بشكل عام... هذه الامور هي التي اريد بحثها هنا مع اخواني ابناء المنطقة...».
وحول ذكرياته في هذه المحافظة قال: «.... ان محافظة الاحمدي لها وقع عزيز على نفسي، لانها كانت اول عمل رسمي لي، حينما كانت مدينة الاحمدي مجرد بيوت متناثرة من الخيام والبيوت الخشبية. وان عملنا بهذه المدينة ـ آنذاك ـ لم يدفعنا للتأفف والاحتجاج، بل ان خدمة الوطن دفعتنا للعمل في اي مكان وفي اي موقع..».
وبتاريخ 18 يونيو عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع مواطني محافظة الجهراء اكد فيه على اهمية روح التعاون والاخوة المستمرة بين ابناء الشعب الكويتي. وقال في معرض حديثه لاهالي المنطقة«... الحقيقة كما سعدت بلقاء اخوان لكم في المناطق التي زرتها، يسعدني ان ازور اخواني في هذه المنطقة.
ان مثل هذه الزيارات في الواقع يجب ان تستمر لمعرفة ما يجري، ومعرفة المتطلبات التي تهم المناطق، والتي يجب علينا كمسؤولين ان نلبيها لهم، انطلاقاً من الثقة التي اولاني اياها الشعب الكويتي لاحتل هذا المركز، من ثم فإن الواجب يحتم عليّ ان اتفقد احوال هذا الشعب لاكون عند ثقته...».
ويمضي في حديثه ، فيقول: «... اليوم أزور هذه المنطقة، والجهراء بالذات ستكون آخر زيارة لي من هذه الزيارات في الوقت الحاضر، وآمل ان أتمكن من زيارة مناطق اخرى كلما دعت الحاجة الى ذلك. ان الجهراء لها شرف احتواء القصر الاحمر الذي يمثل ويرمز الى الشجاعة والى التضحية ويرمز الى التعاون الذي صمد امام من حاولوا المساس بتراب الكويت، والذي كان نقطة تغيير في تاريخ الكويت.
ولو حصل ـ لا سمح الله ـ أي تخاذل، او حصل اي تسليم من قبل من كان يحمي هذا القصر، لكان قد حدث مالا تحمد عقباه. ولكن بالصبر والشجاعة والتضحية والمساندة، عندما استنجدوا باخوانهم في الكويت، هبت الكويت عن بكرة ابيها لمساندتهم في الدفاع عن ارضهم. ان هذا المنطق يؤكد حقيقة واحدة، وهي انه بالتعاون المستمر بين ابناء الشعب الكويتي في سبيل وطنهم وفي سبيل ارضهم، نجح ابناء الكويت في صد الكثير ممن حاولوا ان يمسوا تراب هذا الوطن، او كانت لهم اطماع في هذا البلد...و.
وينتهي من حديثه مؤكداً لمحدثيه انه «... بالتعاون المستمر، وبالتآخي وبانكار الذات، سنصل دائماً الى هدفنا المنشود في الحفاظ على استقلال بلدنا، وارض بلدنا...».
وبتاريخ 28 يونيو عام 1978 كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع ضباط ومسؤولي القطاعات التابعة لوزارة الداخلية، بعد ان تفقد اهم ما حققته الوزارة من اعمال وانجازات. وكان له في هذا اللقاء كلمة، جاء فيها: «... قبل فترة زرت اخواناً لنا في الجيش وفي سلاح الطيران والحرس الوطني، واليوم ازور اخواناً لي في وزارة الداخلية. وقد استمعت الى شرح من مختلف الادارات التابعة للوزارة، ويمكن ان يكون هناك ملاحظات لا مجال هنا لشرحها، لكنني اقول ـ بشكل عام ـ اننا كمسؤولين، من اكبر واحد في هذه البلد الى اصغر واحد، علينا ان نجد، وعلينا ان نجتهد وان نخلص..».
مشدداً هنا على كلمة: (النزاهة... النزاهة.. ثم النزاهة في عملنا).
موجهاً حديثه لجميع العاملين بالاجهزة الرسمية في الدولة دون استثناء، حين قال: «... يجب الا تغرينا المسائل المادية، وان لا تؤثر على الوظيفة التي كلفنا بها، ونحن هنا كمسؤولين جئنا لخدمة شعبنا، ويجب ان نكون عند ثقة هذا الشعب فينا...».
ويمضي مؤكداً: «... وفي الواقع انا احب ان اوجه هذا الكلام بصفة عامة، وليس فقط للمسؤولين في الداخلية او في الادارات الاخرى، انما كمسؤولين.. مني شخصياً الى اصغر واحد فينا...»
وهنا استدرك ملاحظة على قدر من الاهمية، حين اشار: «... لكن هنا احب ان ابرز نقطة واحدة خاصة برجال الشرطة والامن، وهي ان المواطن ينظر الى الشرطي وكأنه عدو له، ومن المؤسف ان هذه النظرة ليست في الكويت وحدها وانما في مختلف البلدان. وهنا، يجب ـ كرجال شرطة ـ ان نشعر هذا المواطن بأن وجودنا هو لحماية حياته، ولحماية ارضه، ولحماية ماله ـ وعلينا بالصبر ازاء بعض التصرفات التي يقوم بها المواطن، فمن واجبنا ان نكون لطيفين معه. ومن واجبنا ايضاً ان نهديه الى الطريق القويم. لكن هذا لا يعني انه ليس هناك بعض المستهترين الذين يتحدون القوانين، او يتحدون كرامة رجل الشرطة، مثل هؤلاء يجب ان نقف منهم موقفاً صارماً، ولا نسمح لهم بذلك، لان رجل الشرطة او رجل الامن له كرامته مثل اي شخص آخر...».
ويضيف في هذا الاتجاه قائلاً: «..... في الواقع هناك اشياء وملاحظات كثيرة يمكن بحثها مع الوزير لامكانية تلافيها في المستقبل، ولا مجال الان لذكرها. وما احب ان اقوله لكم الان هو ان نعمل بجد واخلاص، مترفعين عن كل شيء يؤثر على عملنا ووظيفتنا، اذا اردنا ان نرضي الله ـ سبحانه وتعالى ـ اولاً، وان نرضي ضمائرنا ثانيا. لان العمل الذي نقوم به عمل جاد وهادف...».
وبتاريخ 10 يوليو عام 1978م اقام الشيخ جابر الاحمد في منزله بقصر دسمان مأدبة عشاء تكريما لرجال الدين، القى خلالها كلمة ترحيبية بالحضور، جاء فيها: «.... ان مهمتكم كبيرة ازاء مواطنيكم، وازاء المسلمين عامة، انكم تعملون ما في وسعكم لتنبيه المسلمين الى ما امر الله ـ سبحانه وتعالى ـ به وما نهى عنه، متبعين في ذلك سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم...».

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:46 AM

[frame="1 80"]ويستطرد قائلاً: «... اننا نجتمع الليلة لنتدارس ولنتباحث في الامور التي تهم ديننا وعقيدتنا السمحة، وما تفرضه هذه العقيدة من واجبات علينا. وقد كلفت الاخ وزير الاوقاف بأن يشكل لجنة من اخوانه رجال الدين،لتكون على اتصال معي في الامور التي تهم ديننا وعقيدتنا. هدانا الله ووفقنا لما فيه خير هذه الامة...».
وبتاريخ 2 اغسطس عام 1978م تفقد الشيخ جابر الاحمد اللواءين الخامس عشر والسادس للجيش الكويتي، بادئاً زيارته للواء الخامس عشر، وبعد ان استمع الى شرح حول الواجبات المناطة باللواء وحدود مسؤولياته، توجه فألقى كلمة بضباط اللواء، جاء فيها: «.... ان زيارتي لكم هي لاستمرارية الاتصال بكم، وليكون المسؤول الاول مع ضباطه دائماً، يتحسس الامور التي تعود بالمصلحة العامة على هذا البلد وشعبه الوفي...».
وكان اللقاء الثاني مع اللواء السادس الذي وجه له كلمة، جاء فيها: «.... ان هذه الزيارة ستتبعها زيارات اخرى لجميع مؤسساتنا العسكرية التي هي اهم جزء في مجتمعنا الكويتي...».
ويمضي ليضيف: «... لاشك، ان المهمة كبيرة، والمسؤولية شاقة، فعلينا ان نتحمل جميعاً الدفاع والذود عن هذا البلد كل من موقعه، اننا بالاخلاص والوفاء سنصل للهدف المنشود لنا. ثقتي بكم كبيرة لرفع مستوى هذا الجيش الى المكان اللائق به لخدمة وطننا وشعبنا الوفي وأمتنا العربية...».
وبتاريخ 15 اغسطس عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع رواد الرعيل الاول من ابناء الكويت، وكانت لفته كريمة منه حين قام بزيارة المقهى الشعبي الكائن في منطقة السالمية، وذلك في اطار الزيارات التي حرص على القيام بها بعد توليه مقاليد الحكم، حيث تبادل الاحاديث الاسرية مع الرواد الاوائل والبحارة القدامى. ومما جاء في حديثه في هذا التجمع الشعبي: «... انتم الذين قامت الكويت على سواعدكم وعلى اكتافكم... انتم ابناء اولئك الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الكويت. ولا انسى ايضاً كثيراً من التجار الذين دفعوا اموالهم عندما احتاجت الكويت لهذه الاموال في سبيل الدفاع عنها...».
ويمضي في هذا الحديث قائلاً: «... نحن كلنا نعيش في حلقة واحدة لا نسمح لأي واحد ان يدخل فيما بيننا.. اننا اخوان، واننا اهل ديرة واحدة، ولا يوجد بيننا حجاب ولا بيننا مانع، وان شاء الله تدوم هذه المحبة لما فيه مصلحة بلدنا وعزة بلدنا. واننا ما دمنا متكاتفين متضامنين متحابين فلن يقدر احد على ان يدخل او يتدخل بيننا..».
وبتاريخ 18 اكتوبر عام 1978م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة جمعية المكفوفين الكويتية متفقدا فيها المطبعة، وقسم الكهرباء. والمكتبة الصوتية والبصرية، مطلعا على احوال المكفوفين متلمسا احتياجاتهم وما يواجهونه من مشكلات حياتية.
وقد ألقى كلمة امام اعضاء الجمعية، جاء فيها: «جئتكم اليوم لأشعركم بانكم فئة من هذا المجتمع يجب علينا ان نقدم لها كل ما نستطيع من أجل اسعادها. لقد لاحظت في زيارتي هذه النشاطات التي تقوم بها الجمعية، وهي ان كانت محددة، فان سبب ذلك يرجع الى عدم استطاعة الجمعية في مقرها الحالي ان تتوسع في نشاطاتها. ونحن الان بصدد مساعدة جميع جمعيات النفع العام والاسهام في منشآتها..».
وأضاف قائلا: «ومن الطبيعي ان جمعيات المعاقين سواء المكفوفون، ام الصم والبكم، وغيرها من جمعيات النفع العام، لها الحق في ان نوفر لها كل ما نستطيع حتى لا يشعر اعضاؤها باي نقص، ولكي يشعروا بان هذا الوطن مثل ما يسعد الفئات الاخرى في المجتمع، فانه يجب عليه ان يسعدهم اولا وان يضعهم بعين الاعتبار. واذا كنا قد تأخرنا في السنوات الماضية، ارجو من الاخوان ان يعذرونا، فقد انشغلنا باشياء كثيرة، وارجو ان نتمكن من انجاز المشاريع الخاصة بالمعاقين، وبالذات انديتهم الجديدة، وان نتمكن من تحقيق رغباتكم قريبا».
ان الخطاب السياسي الذي افتتح به الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت عهده الجديد لم يكن خطابا تقليديا، او ردة فعل لأوضاع محلية معينة او مؤثرات خارجية، بل كان بيانا الى الامة والشعب الكويتي، يدعوهم ويحفزهم لاستقبال مرحلة نهضوية من مسيرة المجتمع، يتوسم فيها الخير كله، اذا تضافرت الجهود وحسنت النوايا من أجل تحقيق نقلة نوعية في جميع نواحي الحياة، ومختلف مجالات العمل والانتاج التي يمكن أن تساهم في دفع عجلة التقدم والارتقاء نحو الأفضل.
فاذا كان الشيخ جابر الاحمد قد بدأ مرحلة ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء ببيان شمولي، وانجازات سريعة واكبت ما ورد في البيان من افكار وطروحات، فان بداية عهده بالحكم قد بدأها ايضا بخطاب سياسي واكبه تحرك شخصي على المستوى الشعبي، سواء بزيارته لمؤسسات المجتمع المدني ام زيارة المواطنين في اماكن تجمعهم.
لقد كان الخطاب واضحا، ومحددا للاهداف والغايات، وشاملا لجملة من القضايا المجتمعية التي تبحث عن حلول سريعة، او استكمالا لخطوات تنموية بدأها سلفه الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح.. بعبارة ثانية، جاء الخطاب بمثابة برنامج عمل يقوم به خلال مرحلة انتقالية اراد بها تحقيق شيء من النقلة النوعية التي اشار اليها، وسبق ان كررها في خطاباته وبرامج حكومته امام مجلس الامة الكويتي خلال الفترة التي ترأس فيها الحكومة، او في مناسبات معينة، او من خلال تصريحات صحفية.
إن الشيخ جابر الاحمد في زياراته لمؤسسات المجتمع المدني والتجمعات الشعبية التي لا يزال ملتزما بزيارتها في المناسبات، وخاصة خلال شهر رمضان الفضيل. انما يمثل متابعة حية لشؤون الوطن، ومسحا ميدانيا عمليا لقضايا المواطنين وتطلعاتهم إلى المستقبل» هذه الزيارات بلا شك تمنحه رؤية حقيقية لمتطلبات الناس، وتجعل اتجاهاته الفكرية في مختلف المجالات، سواء اكان على مستوى التخطيط ام التنفيذ، تحاكي تلك التطلعات المستقبلية.. وهذا ما سنقف عليه في الفصل القادم من الكتاب.
ولكننا قبل ذلك نستمع الى عبداللطيف البحر في تعليق له على مجمل هذه الامور حين يقول: «كان لدى سموه حس خاص باهمية روح الاسرة الواحدة والمحافظة عليها، وحثه الدائم على التعاون والتكاتف بين ابناء الكويت، وما خلا خطاب وجهه لشعبه الا ضمنه النصح والارشاد».
ويمضي «البحر» في هذا السياق. فيقول: «وسموه دائم التواصل مع حميع فئات شعبه، يستمع الى آرائهم وطروحاتهم وقضاياهم ومشاركتهم في افراحهم واتراحهم. وكذلك حضوره للديوانيات لإثراء النقاش العفوي حول القضايا المحلية وغيرها. وكذا زيارة المواطنين في اماكن تجمعاتهم في المناسبات كشهر رمضان والاعياد. وان معظم قراراته نابعة من واقع هذا التواصل واحساسه بشعبه واحتياجاتهم وسبر غور مشاعرهم».
وفي هذا السياق والاتجاه يحدثنا بدر النصرالله، فيقول: «كان سموه قريبا من حميع فئات الشعب، حريصا على زيارتهم في مناسباتهم المختلفة.. محبوبا وله حضور وقبول لدى جميع فئات الشعب. وكان في حياته مثالا للتواضع في سكنه ومعيشته، فأحس كل فرد في المجتمع الكويتي بانه منهم. ولدي مثال على ذلك، اذ ان ما يسمى بصالة الجوهرة في قصر دسمان. ما هو في الواقع الا مبنى متواضع. كان يتخذه سموه مكتبا ثانيا له، يجتمع فيه بعامة الناس والمسؤولين عند الساعة الرابعة بعد العصر لمناقشة مختلف الموضوعات والمشاريع. وكان هذا المبنى يعتبر مطبخا لافكار الشيخ جابر الاحمد..».
هكذا، يتضح لنا من هذه الحوارات واللقاءات مدى التصاق الشيخ جابر الاحمد بشعبه وابناء وطنه التصاقا وعلاقة ألغت جميع مظاهر الرسميات التي تحاط عادة برئيس الدولة. فعلاوة على اتباعه لسياسة الباب المفتوح في عمله. ولقائه المباشر بالمواطنين في ديوانية يوم السبت من كل اسبوع فان انتقاله الى اماكن تجمعات المواطنين وزيارتهم في مناطق اقامتهم، وتفقد جمعياتهم ومؤسساتهم التطوعية بين حين وآخر، لدليل قاطع على قوة ومتانة العلاقة الابوية والاخوية التي تربط شعب الكويت بالشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح رئيس الدولة.

الكويت كانت تشغل تفكيره ومعاناة شعبها شظف العيش ـ قبل النفط ـ كانت هاجساً يقلقه الأمير: أنا تقدمي في حدود وأمقت التمدن الزائد الذي يعبق جوه بالرذيلة والشر
الاتجاهات الفكرية للشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح

كانت اهتمامات الشيخ جابر الأحمد متعددة منذ ان دخل معترك العمل السياسي وهو في الحادية والعشرين من العمر، فالكويت كانت دوما تشغل حيزا واسعا في تفكيره. وشعب الكويت، وما كان يعانيه من شظف العيش وقساوة الحياة قبل تدفق عوائد النفط، كان هو الآخر هاجسا كبيرا يقلق تفكيره ويشده دوما للمشاركة في تخفيف تلك المعاناة، وللسعي الدؤوب لايجاد الحلول التي تتناسب وامكانات الكويت في ذلك التاريخ البعيد....
هذه الرؤية المبكرة ـ وهو لا يزال في خطواته الاولى في حياته العلمية ـ دفعته لان يلتصق بالناس ويتنقل بينهم ويستمع اليهم، وقد كان اتباعه لسياسة الباب المفتوح في الادارة، منذ ذلك العهد الذي كانت الكويت فيه لا تعرف الادارة بمفهومها الحالي، من الروافد الاساسية لتعرف معاناة اهل الكويت والوقوف عليها، ومحاولة ايجاد الحلول المناسبة لها.
هنا، نقف قليلا مع بعض رفاق العمل في نهاية عقد الخمسينات ومطلع الستينات، حيث يحدثنا فيصل المزيدي، فيقول: «... لقد تعرضت الكويت مثلها مثل بقية دول العالم لمشاكل سواء أكانت اقتصادية ام سياسية، وحسب علمي فإن الشيخ جابر الأحمد لم يلجأ قط الى حل يضر الناس كخفض الرواتب او العلاوات او تخفيض قيمة العملة، بل كان يلجأ في معالجاته للازمات الى تقليص المشروعات في الباب الثالث من الميزانية العامة للدولة على حساب الابواب الاخرى، وذلك حتى لا تتأثر معيشة الناس بالأزمات والمشاكل المحلية والاقليمية والعالمية، خاصة انه هو من رفع شعار مجتمع الرفاه، وهو من عمل على اعادة توزيع الثروة من خلال تثمين البيوت القديمة، ومن خلال توفير فرص العمل وفتح باب التوظيف في القطاع الحكومي....».
اما عبد اللطيف البحر فانه يحدثنا عن جانب اخر من هذا الفكر، حين يقول: «... وعلى الصعيد المحلي كان اهتمام سموه ببناء الانسان الكويتي من اولويات مشروعاته، فكانت النهضة التعليمية التي عمت البلاد، والتي تشهد بكفاءة التخطيط، علما وفكرا واسلوبا يتلاءم وروح العصر في شتى المجالات، فكان التوسع في التعليم العالي، وايفاد البعثات الى الخارج على نفقة الحكومة، بجانب البعثات على نفقته الخاصة»...
من جهة اخرى، يحدثنا حمزة عباس فيقول: «... ان فكر سمو الشيخ جابر الاحمد كان وراء كل نجاح اقتصادي في الدولة، وكان هو المؤسس لكثير من المشروعات الاقتصادية والشركات المساهمة، وهو رائد حركة التصنيع بدءا بالصناعات البتروكيماوية، كما انه كان قائد ومنظر الاستثمارات الخارجية بجانب قيادته لبداية تنظيم الاقتصاد الوطني الحديث منذ رئاسته لدائرة المالية عام 1959م»...
ويضيف بدر النصرالله في هذا السياق، حين يقول: «... لقد لمست طوال عملي معه ان لديه فكرا واضحا واهتماما فطريا بالمسائل الاقتصادية، فهو باني أسس مسار الاقتصاد الكويتي، بجانب قيادته وتوليه لأمور النفط وشركاته وعوائده، ووضعه لسياسة الاستثمار، وتنظيم العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول، وتوزيع مداخيل النفط وعوائده على الشعب، بجانب مساهمته في نهضة الكويت وتقدمها وتطوير الخدمات بها....».
وعليه، وبعد تقديم بعض من الشواهد والوقائع الدالة على فكر الشيخ جابر الاحمد، ومن خلال اشخاص عايشوه وعملوا معه منذ البدايات الاولى لعمله الرسمي، دعونا نبحر في رحلة علمية وعملية مع فكر الشيخ جابر الاحمد عبر مسيرة طويلة، وقنوات متعددة، فهي خير معين لنا للوقوف على شخصية هذا الزعيم العربي، والتعرف على اسلوب تفكيره ونهجه في تشخيص واقع الحال في وطنه وامته، وما يدور في العالم من تطورات وصراعات، وكذا استشراف تطلعاته المستقبلية لخير هذا الوطن وأمته العربية، وسعيه الدؤوب لضم صوته الى تلك الاصوات النزيهة والشريفة الداعية لخير البشرية اينما كانت، والدعوة الى اقامة عالم نظيف يسوده سلام عالمي بعيداً عن الحروب والنزاعات، ومجتمع انساني يتحقق فيه شيء من العدالة والكفاية الاجتماعية وضمان حقوق الانسان.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:46 AM

[frame="1 80"]الفكر المجتمعي

كان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح حاكم دولة الكويت، متابعا جيدا للتداعيات والافرازات الاجتماعية التي صاحبت رياح التغيير التي هبت على الكويت بعد تدفق عوائد النفط عليها، وانفتاح المجتمع لاستقبال افواج العمالة العربية والاجنبية الوافدة للمساهمة في بناء كويت المستقبل، وكذلك خروج افواج من الكويتيين لزيارة دول حضارية متقدمة، وخاصة في اوروبا الغربية والولايات المتحدة الامريكية، وبعض الدول العربية، وكذا افواج من الطلبة الكويتيين الذين خرجوا من خلف اسوار الكويت لأول مرة من اجل التحصيل العلمي في دول عربية واخرى اجنبية.
لا شك ان هذا الانفتاح عرض المجتمع لهزة كبيرة اثرت في انماط الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها الكويتيون، فالأسرة الكبيرة بدأت تتقلص لتأخذ شكلا جديدا هي الاسرة الصغيرة «الاسرة النواة»، والاعراف والتقاليد التي كانت تحكم احوال المجتمع تراجعت هي الاخرى لتحل محلها التشريعات القانونية، والفتاة الكويتية خرجت من اسوار البيت لتلقي العلم ليس فقط في مدارس الكويت، بل وفي الخارج ايضا، وان التعاون بين الاسر وابناء الحي في مواجهة اي معضلة او متطلبات حياتية قد انتهت لتحل مكانها مؤسسات رسمية جاءت للاشراف على تنفيذ القوانين وخدمة المواطنين.
هذه التحولات، وغيرها كثيرة جداً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الكويتي، نقلته من الحالة الاولية حيث علاقة الوجه للوجه، والاسرة محورها ووحدتها الانتاجية والاستهلاكية الى وضع جديد في مجتمع مدني تحكمه القوانين، وتنظم حياته نظم واجراءات تشرف على تنفيذها مؤسسات الدولة. ان وضعاً كهذا كان لابد ان يفرز تداعيات اجتماعية يتعرض لها المجتمع، وتصيب شرائح عديدة فيه.
في ذلك التاريخ لم تكن الكويت قد اقدمت على تنظيم الهيئات الاهلية التطوعية، وان كان المجتمع الكويتي كما عرف عنه منذ نشأته مجتمعاً تكافلياً تضامنياً، الا ان مثل تلك التداعيات الاجتماعية الخطيرة كان لابد من التصدي لها من مركز القيادة، وان الاستجابة الشعبية بالتالي لملاحقتها تكون امراً تلقائياً.
وهكذا، كان الشيخ جابر الاحمد واحداً من اولئك القادة الذين اعطوا اهتماماً بالغاً لهذه التداعيات والافرازات الاجتماعية، وان مسيرته الطويلة مليئة بمواقف وصور يمكن لنا ان نستخلص منها الشيء الكثير في كيفية تصديه ومواجهته للقضايا الاجتماعية والمجتمعية، وفيما يلي نماذج من العمل الاجتماعي الرائد:
¼ في ديسمبر عام 1961م، التقت مجلة الهدف الكويتية بالشيخ جابر الاحمد حينما كان رئيسا لدائرة المالية، لتعرض عليه جملة من القضايا المجتمعية، وكانت اجاباته تتم عن فهم وبعد نظر.
ففي ذلك التاريخ، كان هناك مجلس اطلق عليه «المجلس المشترك»... هذا المجلس اقدم على قرار بحصر عمل الفتاة الكويتية في ثلاث دوائر حكومية فقط. وعندما سئل عن رأيه في ذلك لكونه اول من امر بتوظيف فتاة كويتية في احدى شركات النفط، كان جوابه انه ضد هذا القرار، وانه اتخذ في غيابه. وعندما عرض القرار مرة ثانية على المجلس لاعتماده كان الشيخ جابر الاحمد اول المعارضين له معلقاً على هذه الخطوة قائلاً:«.... انا لا اتكلم هكذا كي ابين انني تقدمي امام الفتاة الكويتية، ولكن هذا هو الواقع... اتكلم بما يمليه علي ضميري. فأنا افتخر بأنني تقدمي في حدود، ولكني امقت التمدن الزائد الذي يعبق جوه بالرذيلة والشر.. فأنا أؤمن بحق العمل للفتاة، ولو اننا علمنا الفتاة حتى انتهاء الدراسة الثانوية فقط، لهان الامر، ولكننا بعثنا بها الى الجامعات لتعيش في وسط غريب لسنوات عديدة، حتى اذا ما عادت الى وطنها خدمته ووضعت علومها في سبيل انتعاشه وازدهاره. وانا اعتقد ان الفتاة التي تحافظ على شرفها في تلك الاماكن البعيدة في الغربة. ستحافظ على هذا الشرف ـ حتماً ـ حينما تعمل بين اشخاص من اهلها، يعتبرون شرفها شرفهم..».
¼ منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية وقضية الاجيال القادمة واحدة من الهواجس التي كانت تقلق باله، وحاول جاهداً ان يجد مخرجاً حكيماً يضمن حياة سعيدة لابناء الكويت على مر الدهر، حتى لا ينعم بثروات الكويت جيل من اجيالها، وتحرم اجيال قادمة من ذلك الخير والنعيم، من هنا، اهتدى فكرة الى ضرورة انشاء صندوق للاجيال القادمة يدخر فيها ما يمكن ادخاره من عائدات الدولة واستثماراتها. وبالفعل، وضحت الرؤية وتحققت الفكرة التي سعى اليها بصدور مرسوم اميري في 28 نوفمبر عام 1986م بالقانون رقم 106 لسنة 1986م في شأن احتياط الاجيال القادمة (لمزيد من التفصيل انظر الفكر الاقتصادي).
ويشاء العلي القدير ان يكون هذا التفكير السابق لزمانه، والمعبر عن روح التضحية في سبيل كفالة استمرار عملية التنمية، وتحقيق الرفاه للابناء من الاجيال القادمة، خير معين في مواجهة ما نجم عن عدوان النظام العراقي، واحتلاله لدولة الكويت في الثاني من اغسطس عام 1990م من آثار بالغة الخطورة والضرر، مكنت الشرعية الكويتية من ان تكفل للمواطنين الكويتيين خارج الكويت، بل وداخلها دخلاً مناسباً يكفي لحياة كريمة لائقة.
وهنا، يؤكد الشيخ جابر الاحمد، قائلاً: «... كنت اريد الا افرط في هذه الاموال، والاحتفاظ بها لمثل هذه الازمات، وللاجيال القادمة...».
حقاً لقد كان تفكيراً صائباً ورؤية ملؤها الشفافية في استقراء المستقبل، جعلت الكويتيين في الداخل وفي الشتات يحتفظون بعزتهم وشموخهم.
¼ لم ينصرف فكر الشيخ جابر الاحمد مند ان دخل معترك العمل السياسي عن الجوانب الاجتماعية في الحياة الكويتية، وما يصاحبها من مظاهر وظواهر طارئة على المجتمع، لها تأثيراتها وتداعياتها السلبية في كثير من الاحوال، بل على العكس من ذلك، فقد وجه جل اهتمامه لهذه القضايا الاجتماعية في محاولة منه لايجاد السبل الكفيلة للحد منها، وسعياً منه لضمان تعديل مسار المجتمع نحو الطريق الصحيح.
فقد سادت في المجتمع الكويتي في حقبة الستينيات ظاهرة اجتماعية، هي انصراف الشباب الكويتي عن الزواج داخل المجتمع، وذلك بسبب المتطلبات الكبيرة التي لم يعتد عليها الكويتيون من قبل، الامر الذي دفع الشباب الكويتي الى الزواج من الخارج تفادياً لهذه المتطلببات الجديدة الباذخة التي بدأت تصاحب حالات الزواج. وكان الشيخ جابر الاحمد وقتها ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، وكان له موقف ونظرة اصلاحية حيال هذه الظاهرة الاجتماعية. ففي احدى مقابلاته الصحفية مع الصحافة الكويتية انتقد بألم ومرارة هذه الظاهرة، حين علق قائلاً: «... منذ متى عرفت افراحنا تلك النزعة الخرافية في الاسراف وتقديم طعام يكفي عشرات الالوف لعدة مناسبات، وتلك المبالغات في فساتين الزفاف ومجوهرات الخطوبة.. انني ارى المسألة تتصاعد يوماً بعد يوم، وكل فرح يأتي يصر اصحابه على ان يكون اكثر بذخاً واسرافاً، وانني ارى العكس، فالمهم ليس شكل الفرح ومظاهره، ولكن المهم هو الحياة بين الزوجين بعد ذلك، وكيف تكون..».
ويذهب الى ابعد من ذلك، حين يقول: «... ان الناس ـ وانا متأكد مما اقول ـ تفعل هذا وهي غير مؤمنة به، انهم يجارون هذه البدع الجديدة التي جرّونا اليها، وانا اعلم ان الكثيرين الان اصبحوا يخافون الاقدام على الزواج اشفاقاً على تلك الحفلات الباذخة التي لا يمكن ايجاد تفسير لها، وهو امر لم يعد مقصوراً على فئة معينة بل اصبح وباء منتشراً...».
ثم يدلل على صور تلك العيوب الاجتماعية بواقعة عملية، حين يشير: «... اتذكر انني في احدى جولاتي الليلية في البادية مررت بعرسين في نفس الليلة، فوجدت في العرس الاول عشرين رأساً من الغنم مذبوحة للضيوف، وفي العرس الثاني عددت ثلاثين رأساً، فصممت ان امر في اليوم التالي لارى ماذا سيتم لخمسين ذبيحة في ليلة واحدة، وفعلاً عدت في الصباح فوجدتها ملقاة في الفضاء، حتى الكلاب عافتها بعد ان اتخمت.. فهل هذا يعقل في عصر تعمل فيه الامم حساباً لكل مواردها ونفقاتها ان يحدث فيها شيء من هذا القبيل..».
ويمضي مخاطباً الذات كحالة يراد منها التوجيه والنصح، فيقول: «...انا لا اسمح لاحد من اخوتي ان يقيم عرساً بشكل من هذه الاشكال، كل ما هناك تذكرتان بالطائرة، ونفقات معقولة لرحلة شهر العسل..».
هذا الوضع الاجتماعي، الذي برز على سطح الاحداث الاجتماعية في المجتمع الكويتي في تلك الحقبة، دفع الشيخ جابر الاحمد للتفكير في ايجاد اداة عملية لمواجهة هذه الظاهرة خوفاً من انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمع الكويتي، وبالتالي الاخلال بالتركيب النوعي للسكان الكويتيين، فكان القرار رقم 2 لسنة 1959م بشأن لائحة القروض الاجتماعية والمعدل بالقرار رقم 1 لسنة 1962م، بتحديد اعانة زواج للكويتي الراغب بالزواج من كويتية بمبلغ وقدره الفا دينار كويتي، الف دينار منها هبة، والالف الآخر قرض يدفعه المواطن على اقساط مريحة جداً.
وان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بهذه الظاهرة ومتابعتها جعله يبارك بحماس شديد رفع قيمة هذه الاعانة لتصل الى اربعة آلاف دينار كويتي، الفين منها هبة من الدولة، والالفان الاخران يدفعهما المواطن على اقساط مريحة.
كان تواصل الشيخ جابر الاحمد مع ابناء شعبه والمواطنين كافة احد الاهتمامات الرئيسية لنشاطاته، فقد كانت جولاته وزياراته لاماكن تجمع المواطنين في المناطق المختلفة مصدرا من مصادر الوقوف على مشكلات المجتمع وما يعانيه المواطنون. كما كانت هذه الجولات والزيارات فرصة طيبة لدعوة المواطنين للعمل من اجل بناء الوطن، والمساهمة بكل جهد ممكن في تحمل هذه المسؤولية التاريخية.
ففي لقاء مع رجالات الكويت الاوائل دعا الى الحفاظ على روح المحبة والالفة بين المواطنين، مشددا على ان الكويت التي بنيناها متكاتفين ستستمر وستزذهر بتكاتف وتضامن ومحبة ابناء الوطن، واصفا المجتمع الكويتي بانه حلقة واحدة يجب الا نسمح لأحد ان يخترقها ليفرق بيننا.
وفي إشارة اخرى له في هذا الاتجاه، بانه لولا هذه المحبة بين ابناء الشعب لما استطاعت الكويت ان تصمد امام التيارات المختلفة والمتناحرة من حولها، لكن ترابط الشعب ووحدته جعلاه صفا قويا منيعا في وجه هذه التيارات.
كان الشيخ جابر الاحمد يسعى دائما في سياسته الاجتماعية للقضاء على الامية في هذا البلد بأي ثمن. ذلك لايمانه المطلق بان تفشي الامية في المجتمع عائق امام الوصول الى الاهداف المرجوة، فالامية اكبر عدو لتقدم الشعوب ورقيها نحو الافضل. من هنا فان بناء الاوطان والانسان يتطلب القضاء في المرتبة الاولى على الامية واقتلاع جذورها.
كان هذا هو نهجه وتطلعاته نحو حياة افضل للوطن والمواطنين، وان هذا الفكر الرائد يتجلى لنا في الكلمة التي وجهها لابناء الشعب الكويتي عند بدء حملة للقضاء على الامية في الكويت، وبمناسبة صدور مرسوم بقانون رقم 4 في 23 اغسطس عام 1981م في شأن الالتزام بمحو الامية.. هذه الكلمة التي جاء فيها: «وبما اننا نعيش عصر التفجر العلمي الهائل، فنرى ونسمع ونتمتع بالكثير الكثير من منجزات الانسان العلمية في العالم، نتساءل كيف يتمكن الامي في هذا العصر من ادراك ما يدور حوله، ومن استيعاب دوره في الاستفادة من هذه المنجزات، والحفاظ عليها وحسن استخدامها، بل كيف يمكن له ان ينمي نفسه ويرعى اسرته، وان يسهم في نهضة بلده دون حصوله على قدر مناسب من العلم الذي يفتح له نوافذ المعرفة».


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:47 AM

[frame="1 80"]ويمضي في هذا الاتجاه مؤكدا: «ان القانون وحده لا يحقق الامال التي نتوخاها، ما لم يشعر كل فرد منا، وكل مؤسسة، بواجبه في احترام القانون وتنفيذه بحماس واخلاص وذاتية وادراك بان القانون يستهدف مصلحة المواطنين ومصلحة البلاد، واننا نتطلع ان يأتي قريبا اليوم الذي تحتفل الكويت فيه ـ باذن الله ـ بيوم القضاء على الامية، ضاربة المثل كالمعتاد في تضافر جهودها وتعاونها الذي يذلل كل الصعاب».
وحول مجمل هذه القضايا يحدثنا عبداللطيف البحر. مستوحيا من ذكرياته مواقف تتسم بالايثار والتضحية من أجل الصالح العام، فيقول: «ومن واقع المسؤولية الوطنية كثيرا ما كان سموه يضرب الامثال في التضحية بدءا بنفسه. ويرفض دائما اي تصرف يخرج عن العمل المألوف، حتى ولو كان يمسه او يمس احدا من افراد الاسرة الحاكمة، فقد كان سموه عنوانا للايثار يقدم مصلحة الامة على اية مصالح اخرى شخصية».
ويورد لنا البحر اكثر من مثال على هذا السلوك النابع من عقلية قيادية تريد كل الخير للكويت وشعب الكويت، فيقول: «عندما شرعت الدولة في تنفيذ مشروع شارع الخليج كان لسموه استراحة خاصة على شاطىء الخليج، حيث كان قصر دسمان متصلا بالبحر، وعندما وجد ان هذه الاستراحة تعيق سير المشروع تنازل عنها، وتم هدم سور دسمان. وعندها تبعه غيره من المواطنين ممن لهم استراحات على شاطىء الخليج دون ابطاء فاكتلمت اقامة المشروع.
اما المثال الاخر، فقد كان لسموه ارض في منطقة السرة تسمى السريرات فأرادت الدولة تثمينها وكان اجمالي ميزانية التثمين التي اقرت في ذلك الوقت تقدر ـ على ما اذكر ـ بحوالي عشرة ملايين دينار كويتي. بينما قدرت قيمة تثمين «السريرات» وحدها بثمانية ملايين دينار كويتي. وعندما عرض الامر على سموه، وكان وليا للعهد، رفض رفضا باتا وقال: الاولى بها حاجة الكويت والكويتيين. وآثر التنازل عنها وتوزيعها على المواطنين الذين هم في اعتقاده احق بها.
أما المثال الثالث، فانه يتمحور حول أبراج الكويت، عندما وجد المنفذون ان انسب الاماكن لاقامتها هو نفس موقع الاستراحة التي سبقت الاشارة اليها. وهو موقع يطل مباشرة على قصر دسمان، ورغم ذلك اصر سموه على اقامتها في نفس المكان الذي تم اختياره. وكان سموه يشرف بنفسه على التصميم ويعطي توجيهاته كي يخرج نابعا من البيئة الكويتية، ويحمل معنى الاصالة والحضارتين الاسلامية والحديثة، وهذا ما نلمسه اليوم، حيث تأخذ الابراج شكل المأذنة والصاروخ. وحتى اختيار نسب الارتفاع لتمكن الدولة من الاستفادة العملية منه في تخزين المياه، واعداده مرفقا ترفيهيا وسياحيا بما يحويه من مطاعم وصالات هذه الامور الهندسية جاءت من بنات افكاره، لتصبح ابراج الكويت اليوم ـ بفكر سموه ـ معلما حضاريا متكاملا في الدولة».
هذه المرئيات المبكرة للشيخ جابر الاحمد في قيادة الدولة والمجتمع كانت تدعو للاخذ بما هو صالح من ثمار الحضارة والتقدم. وان ما هو مناسب لمجتمع متقدم لا يعني انه ملائم لمجتمع لا يزال في طور النمو.. هذه المرئيات الخالصة لوجه الوطن، كانت دعوة صريحة ضد المحاكاة والنقل العشوائي لحضارة الاخرين، مثلما كانت دعوة واضحة لتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وتسخير ما يمكن الاستعانة به من اجل نماء الدولة ورفع شأن المجتمع بين الشعوب والامم. كما كانت دعوة لنبذ الانانية البغيضة والمصلحة الفردية الضيقة، وترجيح نداء العقل والحكمة عند الشروع في اتخاذ اي قرار يمس امن الوطن والمواطن في حاضره او من اجل مستقبله.
سموه أولى اهتماما لكافة الشرائح الاجتماعية ولم ينس الفئات الخاصة والرعيل الأول الأمير أرسى تقاليد الدولة العصرية وحقق نموذج دولة الرفاه
المعنى الشمولي
لمفهوم دولة الرفاه الاجتماعي:

مع استقلال الكويت بدأت الدولة بالتأكيد في كل مناسبة على مفهوم دولة الرفاه الاجتماعي. وكان لهذا المفهوم في فكر الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح ابعاد اجتماعية عميقة تشمل كل الوحدات الصغيرة في محيط الاسرة، وما يحيط بها من قضايا ومشكلات اجتماعية سواء اكان ذلك على مستوى الفرد ام كان على مستوى المجتمع. فالتعليم كان فكرة مستقبل الكويت، وكان يعني مواكبة الحضارة الحديثة بكل معطياتها، وكان يعني في فكره مستقبل الكويت، وكان يعني الاعتماد على النفس، وكان يعني ادارة المجتمع والدولة من قبل ابناء الكويت وحدهم، وكان يعني الرأسمال الثابت والمستمر الذي لا ينضب ابدا، وهو وحده الذي يحقق رقي المجتمع وتقدمه.
فالحياة التعليمية والبحث العلمي وتنمية الموارد البشرية لا يمكن لها ان تقف عند حدود معينة بل عليها الاستمرار في نشد المزيد، منه والوقوف على ما يستجد في عالمنا المعاصر في معرفة وتطور وخاصة فيما يتعلق بتعليم المرأة لكونها تحدد بشكل واضح الوجه الحضاري للدولة وتقدمها.
هكذا كان فكر الشيخ جابر الاحمد وتطلعاته المستقبلية في كل مناسبة من المناسبات العلمية، التي يلتقي بها مع ابنائه وبناته في محاريب العلم ومؤسساته.
وتأكيدا لذلك، فانه اثناء استقبال الوفود التي شاركت في المؤتمر التربوي العربي السابع عشر، الذي عقد في الكويت في مطلع ابريل عام 1987م اثار الشيخ جابر الاحمد قضايا تربوية محلية وعربية من شأنها ـ لو طبقت ـ ان تدفع العملية التربوية في طريقها السليم، وطالب بالبحث عن حلول لهذه القضايا بشكل يخدم الطالب في التحصيل، والمعلم في ايصال المعلومات الى الطالب. مؤكدا على اهمية الاستفادة من الحاسوب والتقنيات الحديثة في العملية التربوية والتعليمية مشيرا الى اهمية استخدام هذه الوسائل التربوية الحديثة لما فيه مصلحة الجيل الصاعد، بحصوله على معلومات تهيئه للمستقبل. مستعرضا قضية على درجة كبيرة من الاهمية. ما زالت موجودة الى يومنا هذا، الا وهي ظاهرة عدم احترام الطالب للمعلم او الاعتداء علىه. وقد دعا في ذلك الوقت البعيد الى دراسة هذه الظاهرة وايجاد الحلول المناسبة لها لخير الطالب والمعلم.
وانطلاقا من هذه المعاني والمفاهيم كلها، كان له بصمات واضحة على مسيرة الخير.. مسيرة المجتمع الكويتي، نذكر منها، على سبيل المثال الآتي:
في 14 سبتمبر عام 1987م استقبل الشيخ جابر الاحمد رئيس واعضاء المجلس الاعلى للتعليم، حيث بحث معهم برامج التربية بمستوياتها كافة، داعيا الى ان تتمشى هذه البرامج مع التطورات العلمية الحديثة ومتطلبات الحياة العصرية، اخذين بعين الاعتبار التقاليد والخلق التي امر باتباعها ديننا الحنيف، مؤكدا على انه من الضروري ان يكون المدرس قويما في عمله وخلقه، ويضرب المثل الرائع للابناء في شخصيته وسلوكه، كما اكد لهم ايضا على ضرورة غرس روح المواطنة عند الطالب في ولائه لارضه ووطنه وامته.
كانت الدعوة لتوفير فرص العمل للمواطنين هي الاخرى واحدة من معطيات فكر الشيخ جابر الاحمد. وجاء دستور الكويت ليؤكد في مادتيه (41، 42) على هذا الحق. وكانت امنياته دائما ان يرى مخرجات التعليم وهي تحتل مواقع مرموقة في العمل، وألا يحدث هناك تسرب في المراحل الدراسية خوفا من زيادة العمالة الهامشية بين ابناء البلد.
كان الشيخ جابر الاحمد يفكر دوما في الوسائل التي تجعل ابناء الكويت وبناتها افرادا منتجين مفكرين مبدعين حتى في العمل المهني والحر في ذلك لان رسالة التقدم العلمي قد ازالت من قاموس العمل العمالة الهامشية الا بالقدر الضئيل، فالمستخدمون في المكاتب لم يعد لهم معنى، وسعاة البريد. وناقلو المراسلات لم يعد لهم ايضا مكان الا بشكل هامشي، وان هذه الفئات مجتمعة لا يمكن لها ان ترتقي بالدولة وتنهض بها. من هنا كان تشديده واصراره المستمر على العلم والعمل المنتج في اقصى درجاته، وهذا ما نلاحظه اليوم في بعض المجتمعات المتقدمة هذه المجتمعات كقوة عظمى في المجتمع العالمي.
هذا المعنى الشمولي لمفهوم دولة الرفاه الاجتماعي في فكر الشيخ جابر الاحمد امتد ليشمل العمل التطوعي، من هنا كان تشجيعه ودعوته لاقامة وتأسيس جمعيات وتنظيمات اهلية، وفق احتياجات المجتمع، من اجل تحقيق اهداف اجتماعية وثقافية تقوم على اساس المشاركة الشعبية، واسهام المواطنين في خدمة مجتمعهم.
وتأسيساً على هذا التوجه، فقد توالى اشهار الجمعيات والهيئات الاهلية لتخدم اغراضاً متعددة ومختلفة، وان تلاقت جميعها عند خدمة المجتمع وشرائحه المختلفة، مع قدر من التباين والاختلاف في اسلوب ومنهج تقديم هذه الخدمات. وقد استأثرت المرأة الكويتية بقدر لا يستهان به من هذا العمل التطوعي.
ويمثل اليوم هذا النشاط التلقائي الشعبي، وغير المحكوم بقيم الربح والمنفعة، مدى ما يتمتع به المجتمع الكويتي من حرية في التعبير، وممارسة لحقوقه التي نص عليها الدستور والتشريعات المختلفة.
كما يعبر هذا النشاط عن دوافع اكيدة لدى المواطنين، ورغبات ذاتية تلقائية نابعة عن طواعية واختيار للاسهام في مساندة جهود الدولة، والتعاون معها في كل ما من شأنه ان يؤدي الى تحقيق عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يحفزهم الى ذلك مجرد شرف الخدمة في ذاتها اعتزازاً بالوطن ومحبة له، وهو ما يكشف في الوقت نفسه عن مستوى عالي من الوعي والنضج لدى المواطنين.
لقد كان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بشرائح اخرى من المجتمع، كالامومة والطفولة والشباب، والشيخوخة، والفئات ذات الاحتياجات الخاصة، اهتماماً منقطع النظير، وتواصلت متابعته شخصياً لهموم وقضايا هؤلاء جميعاً، على ان هذا الاهتمام انما يمثل جانباً من اهتماماته بسائر مراحل حياة المواطن الكويتي على مدى سنوات عمره، من الطفولة الى الشباب فالشيخوخة. كما يجسد هذا الاهتمام ما يعبر عنه فكر الشيخ جابر الاحمد في اكثر من مناسبة، وعلى المستويات كافة المحلية والاقليمية... ومما يشير اليه في هذا الصدد: «... ان قضية العناية بالطفل تعني في حقيقة الامر عناية بالاسرة والمجتمع، فالطفل هو ثروة المجتمع الحقيقية، وهو مستقبله وان كنا نريد عالماً اكثر رحابة وتسامحاً ونمواً، فعلينا ان نؤكد على اهمية الطفل وحقوقه التي هي جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان..».


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:47 AM

[frame="1 80"]وان الشباب في نظر الشيخ جابر الاحمد وفكره طاقات مبدعة خلاقة منتجة تتفجر حيوية ونشاطاً، يمثلون مرحلة نضج وانطلاق امكانات بشرية هائلة، تدعمها قدرات وخبرات من العلم والمعرفة، ومن ثم، فإن على الدولة ان تحرص على انماء هذه الثروة، والاهتمام بها ورعايتها والحفاظ عليها. وهنا يحدد قيمة الشباب ومدى اهميتهم لنمو واستمرارية المجتمع وتطوره، حين يقول: «... الشباب هم التيار المتجدد في نهر الحياة للكويت، ولابد دائماً من دعم روافد هذا النهر، حتى لا ينقطع نبع القوة ومدد التجديد لجوانب الحياة في انحاء وطننا...».
لم تكن الطفولة والشباب وحدهما في دائرة اهتمام الشيخ جابر الاحمد، بل ان للرعيل الاول الذين قامت الكويت على سواعدهم مكانة عظيمة في نفسه. من هنا فإن التواصل واللقاءات بينه وبينهم لم تنقطع، سواء قام بزيارتهم في اماكن تجمعاتهم ام حضروا للقائه في مناسبة ما. ويتجسد هذا الاهتمام عنده في العبارات التالية: «.... ان من واجب الوفاء على هذا الجيل ان لا ينسى الرعيل الاول الذين قامت على سواعدهم كويتنا الحبيبة، والذين ضحوا بأرواحهم واموالهم في سبيلها، ومنهم من يعيشون بيننا الان. فيجب ان نعمل ما في وسعنا لاسعادهم، وان نكون لهم ابناء بررة واوفياء راعين حقهم في التقدير والاجلال لما قاموا به وما قدموه من تضحيات...».
اذا كانت الرعاية التعليمية والرعاية الاجتماعية في صلب اهتمامات الشيخ جابر الاحمد، فإن الرعاية الصحية كانت تسير معهما في خط متواز، باعتبار ان المواطن السليم بدنيا هو القادر على بذل الجهد في تلقي العلم، ثم في التخصص المهني، فالانتاج والخلق والابداع والاسهام في تنمية الوطن.
واذا كان هناك دليل على تقدم الرعاية الصحية التي اولاها الشيخ جابر الاحمد عناية خاصة، فإنه يتجلى في ثلاثة مؤشرات هي:
1ـ العمر الافتراضي للانسان الكويتي الذي ارتفع معدله حسب بيانات منظمة الصحة العالمية من 63 سنة عام 1970 الى 74 سنة عام 1992م بالنسبة للذكور، في حين بلغ 77 سنة بالنسبة للاناث، وهي واحدة من اعلى المعدلات في العالم المتقدم، ويمكن تفسير ذلك بارتفاع المستوى المعيشي والوعي الصحي، والمستوى الثقافي للمواطن الكويتي.
2ـ اما المؤشر الآخر، فهو معدلات وفيات الاطفال التي نلاحظ فيها انخفاضاً هائلاً، وخاصة بين الاطفال الرضع، حيث انخفض حسب بيانات وزارة الصحة الكويتية من 3،41 الى 7:10 لكل الف طفل على مدى حقبتين من الزمن منذ السبعينيات وحتى التسعينيات.
3ـ اما المؤشر الثالث ، فإنه يتضح فيما تبذله الدولة في مجال الرعاية الصحية، والتي تتمثل في معدلات الانفاق على الخدمات الصحية سنوياً.
ففي الاحتفال الذي شمله الشيخ جابر الاحمد برعايته بمناسبة افتتاح المؤتمر الطبي الثامن، اليوبيل الفضي للجمعية الطبية الكويتية في نوفمبر عام 1989م، كان له وقفة امام هذه الخدمات الانسانية، حين يشير في كلمته الافتتاحية لاعمال المؤتمر: «.... ان الطب علم وتجربة، وممارسة واخلاق، وان الناس يرون في الطبيب يد الرحمة الالهية والتقدم العلمي، والذي يجمع بين التطلع الدائم الى المزيد من المعرفة، والتواضع امام قدرة الله تعالى الذي احاط بكل شيء علماً....».
ويستطرد قائلاً: «.... ان الطب من ابرز محاولات الانسانية لانتصار الحياة، وزيادة قدرتها على تخطي عقبات الضعف والمرض. وهو كما يجمع بين الجانبين الوقائي والعلاجي، يجمع ايضاً بين الجوانب الجسمية والنفسية والعقلية، وينظر الى الانسان في شموله مستهدفاً ان يحيا حياة سوية صاعدة الى مستويات افضل..».
ويؤكد:«.... ان هذه النظرة الشاملة التي انتهى اليها الطب الحديث، هي ذات النظرة التي انطلق منها الاسلام، والتي رسم بها الاطار العام لانماط الحياة التي ارتضاها رب الناس للناس...».
ويمضي في هذا الاتجاه الفكري، فيقول: «... ان الصحة منحة، وان المرض محنة، واننا نود ان يخفف الطب من محن الانسان، لتعود الى النفوس والاجسام الصحة والطمأنينة، وليكون الفرد والمجتمع اكثر قدرة على السير في طريق التقدم.. واننا نؤمن بقضاء الله وقدره، ونؤمن بأن الطب ذاته من قدرة الله، وان لكل انسان قدره المحتوم. وان في العلاج لقاء بين العلم والدين...».
ويأتي تأكيده على دعم حقوق الانسان، فيشير: «... ان العناية بالانسان تكريم لمن يقوم بها، كما هي حق للمحتاج اليها، والتقدم في الطب، في اي فرع وفي اي مكان، انما هو تقدم انساني شامل...».
وفي نصحه للاطباء والباحثين في مجال الطب، دعاهم الى ان يكون العمل الدائب والتعاون طريقهم، والرحمة والسعي لشفاء الانسان هدفهم. وهنا يشير بين امور اخرى: «... لقد حفظ لنا تاريخنا، كما يحفظ لنا حاضرنا، نماذج كريمة ونبيلة لاعلام الطب الذين اناروا طريق العلم والاخلاق، وكانت يد الله فوق ايديهم رحمة وبرا وشفاء...».
ان الفكر الاجتماعي لدى الشيخ جابر الاحمد جاء في اطاره الشمولي، فالعلم والمعرفة والصحة الجيدة لا بد ان تواكبها رعاية سكنية لائقة، من هنا كان السكن احد القضايا الاجتماعية والانسانية التي استحوذت على اهتماماته بنفس القدر من الرعاية والمتابعة اللتين بذلهما للجوانب الاخرى في حياة الانسان الكويتي، معتبرا ان السكن هو الركيزة الاساسية لحياة الفرد، حيث يمكن من خلاله ان يمارس حياته الطبيعية، ويباشر فيه وظائفه الاسرية.
ويمكن لنا أن نعتبر توقيت انطلاقة الكويت الحقيقية في مجال الرعاية السكنية هو عام 1975م، عندما انشئت الهيئة العامة للاسكان، وان كانت الرعاية السكنية بدأت خطواتها الاولى منذ سنوات بعيدة، وعلى وجه التحديد عام 1951م.
وكان اضخم مشروع اسكاني هو ما قام الشيخ جابر الاحمد بتسميته «مشروع القرين الاسكاني»، نسبة الى الاسم التاريخي الذي عرفت به الكويت في القرن السابع عشر، والذي شمله برعايته، حيث وضع حجر الاساس له، وازاح الستار عن اللوحة التذكارية لنصب المشروع، وغرس نخلة تخليدا للمناسبة، وذلك في ابريل عام 1986م، هذا المشروع الذي يضم 13 الف وحدة سكنية، يمكن لها ان تستوعب حوالي 000،100 نسمة، وبتكلفة قدرها 750 مليون دينار كويتي.
وان للسكن حرمة خاصة لدى الشيخ جابر الاحمد، مما جعله يصدر امرا لوزير المالية لابلاغ البنوك المحلية كافة بعدم المساس بالسكن الخاص للمواطنين، فيما يتعلق بمعاملات الحجز وغيرها، مهما كانت المبررات.
وتطبيقا لهذه الرغبة السامية، صدر المرسوم الاميري بالقانون رقم، 121 لسنة 1986م، باضافة بند جديد الى المادة 216 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالمرسوم بالقانون رقم 38 لسنة 1980م، لتحقيق هذا الغرض.
وهنا يقدم لنا عبداللطيف البحر مثالا حيا من ذكرياته حول ما سبق، فيقول: «... ويحضرني قول اتفق عليه زعيمان اشتراكيان: احدهما عربي، هو كمال جنبلاط،، والآخر هو مستشار النمسا برنوكرايسكي حول الكويت بعد التعرف على نهضتها في ظل قيادة سمو الشيخ جابر الاحمد، حين قال الزعيمان: لقد اخذت الكويت احسن ما في النظام الاشتراكي: العدالة الاجتماعية، والضمانات الاجتماعية، وتوفير العلم، والخدمات الطبية والعلاجية، كما اخذت احلى ما في النظام الرأسمالي: الديموقراطية، والحريات العامة، والاقتصاد الحر، وحرية انتقال رؤوس الاموال، وهذا ما لم يتوفر في اي مكان آخر»...
تأسيسا على ما سبق، نستطيع القول بان سعادة الشعب وتقدمه ونماءه كان هدفا اساسيا في فكر الشيخ جابر الاحمد، سعى الى تحقيقه على مدار سنوات عمله منذ ان كان حاكما امنيا لمدينة الاحمدي ومناطق النفط، مرورا بدائرة المالية ووزارة المالية والصناعة، ثم ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، فحاكما لدولة الكويت.
نقول، خلال هذه المواقع، وبالمسافة الزمنية التي قطعها في خدمة الدولة والمجتمع، كان هذا الهدف ـ دائما وابدا ـ محور تفكيره... يسير امام كل مشروع انمائي، يبارك دراسته والتخطيط له، او الشروع في تنفيذه، وما دعوته ومساندته لتحقيق مجتمع الرفاه الا جزء من ذلك الحلم الذي كان يسعى اليه، فاصبح حقيقة واقعة.
كم هو سعيد اليوم لاختفاء ظاهرة الامية بين الكويتيين، وتبوئهم للمناصب القيادية والادارية كافة على جميع مستوياتها في الدولة... وكم هو سعيد ايضا عندما يلاحظ الحالة الصحية في الكويت تحتل موقعا متميزا ومرموقا في تقارير منظمة الصحة العالمية... وكم هو سعيد الآن لان سياسة اعادة توزيع الثروة التي اتبعها قد حققت هدفها، واصبحت الكويت اليوم ـ بحق ـ نموذجا لدولة الرفاه بين دول العالم الثالث في ظل نظام ديموقراطي، واقتصاد حر، وحياة متوازنة قوامها العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الانسان، وكفالة الحريات العامة.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:48 AM

[frame="1 80"]أكد أنه لا ينظر إلى الدول بمقياس كبر حجمها أو عدد نفوسها وإنما بترابطها الأمير: الكويت عميقة الجذور ثابتة الفرع طيبة الثمر واطيب ثمارها حب أبنائها
الكويت في مواجهة الارهاب

ان الأمن دائما هاجس ملح بالنسبة للشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، ودعوته المتكررة للوحدة الوطنية والتأكيد عليها في اكثر من مناسبة، دليل على ان هذه الدعوة هي صمام الامان، وهي القوة التي ستواجه اي عمل تخريبي، او اطماع يراد بها النيل من هذا المجتمع. وان بيانه الى الشعب الكويتي يوم 22 يناير عام 1984م. بمناسبة احدى حوادث التفجير، يبين مدى قلقه على مستقبل الكويت.. هذا البلد الآمن الذي لم يعتد شعبه على مثل هذه الحوادث المؤلمة.
لقد جاء ذلك البيان ليحذر المواطنين من ظاهرة عانت منها الشعوب الاخرى، فجاءت لتطل برأسها المليء بالشر على المجتمع الكويتي. وليبين ان التصدي لها لا يتم الا بتعاون الجميع وتكاتفهم. وهذا ما يشير اليه حين يقول: ان الكويت وطننا جميعا وكلنا يعمل من أجلها ليست الكويت فردا ولا تحيا بفرد، ان الفرد حياة محدودة، والامة حياة ممدودة، ليست الكويت انا وانت.. انها نحن، وآباؤنا من قبلنا.. وابناؤنا من بعدنا. ان الكويت امة عميقة الجذور ثابتة الفرع، طيبة الثمر، وان اطيب ثمارها هذا الحب الذي يجمع بين قلوبنا،. والتماسك الذي نعتز به في مسيرتنا، واللواء الذي نرفعه. وقد كتبنا عليه عهد الوفاء، كلنا للكويت والكويت لنا...».
ولم يمض عام 1984م، حتى كانت الكويت قد تعرضت لمحنة ارهابية اخرى، كانت محنة الطائرة كاظمة التي اختطفت من قبل شرذمة من الارهابيين العرب، وكانت القيادة الكويتية، ومن خلفها شعب الكويت يتابعون تلك المأساة الاليمة، لا يملكون من وسائل الدفاع عن ابنائهم المحتجزين في تلك الطائرة سوى الدعوات والتضرع الى الله ـ سبحانه وتعالى ـ ان يخلصهم من هذه الايدي المجرمة، وان يعيدهم سالمين. وكان للكويت ما ارادت فخرجت لاستقبالهم يوم 12 ديسمبر عام 1984م. وكان في مقدمة المستقبلين الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح.
ومما قاله الشيخ جابر الاحمد في تلك اللحظات المؤثرة: «ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ حمى الكويت بترابط اهلها وتضامنهم وتكاتفهم وان الدول لا تنظر اليها بمقياس كبر حجمها او عدد نفوسها انما بترابطها».
ويمضي في كلمته المرتجلة، فيقول: «ان الكويت كلها كانت تتابع باهتمام مصير ابنائها الذين كانوا مختطفين على متن الطائرة وان هذا الاهتمام لم يقتصر على رابطة الاسرة او العائلة او القرابة فالكويتيون كلهم عائلة واحدة.
كما اكد لوفد من المواطنين الذين زاروه شاكرين على موقف القيادة الكويتية من المحنة التي مروا بها: «ان الكويت عاشت على ان تقدم الخير لغيرها.. وانها لم تقدم الشر للاخرين في يوم من الايام لكنها لا تريد الشر لنفسها».
من هنا، فان ارتباط الشيخ جابر الاحمد بابناء بلده وشعبه تتجلى في كل مناسبة سواء أكان ذلك في افراحهم في عزائهم هذا الترابط العفوي الذي تمليه الاعراف والتقاليد السائدة في المجتمع الكويتي والذي لازم الكويتيين كأسرة واحدة منذ فجر تاريخها، وقد ظل الترابط باقيا الى اليوم رغم بعض المظاهر التطورية التي صاحبت هذه العلاقة الاجتماعية. وكان ـ ولا يزال ـ يحاول بشكل او بآخر ان يعود بها الى حالتها الطبيعية العفوية.
وللتدليل على ذلك، فقد لاحظ ان بعض المواطنين يقومون بنشر اعلانات تشكره على مثل هذه المبادرات الانسانية، وهي حالة لم يجد لها داعيا. اضافة الى التكلفة المالية التي يتحملها المواطن، الامر الذي دفعه الى ان يطلب من المواطنين عدم تكليف انفسهم هذه النفقات. معلنا ان ما يقوم به هو مجرد مشاركة وواجب كرب للأسرة الكبيرة وهذه ـ بلا شك ـ لفتة اراد بها ان تعود العلاقة بين الحاكم وابناء شعبه الى حالها الطبيعية النقية.
إن علاقة الشيخ جابر الاحمد بشعبه علاقة ابوية حميمة تحكمها تلك العلاقات الاسرية التي تربط رب الاسرة بابنائه واقربائه كما ان الشعب الكويتي يكن له كل تقدير ومودة وقد تجلت العلاقة الحميمة في صور مختلفة ومناسبات متعددة سواء أكانت تلك المناسبات سارة ام مؤلمة. فانه كان بين ابنائه، كما كان هؤلاء الابناء يلتفون دائما حوله. وقد تجلت صورة هذه المحبة المتبادلة في الاعتداء الاثم الذي تعرض له موكبه، وهو في طريقه الى مكتبه صباح يوم 25 مايو عام 1985م.
كان لهذا الحادث الاثم ردود فعل شعبية عارمة، ظهرت من خلال الهيئات الحكومية والتنظيمات الاهلية، جمعيات نفع عام ـ اتحادات اصحاب اعمال ـ نقابات عمالية ـ اندية واتحادات رياضية جمعيات تعاونية، وغيرها من الفعاليات الاهلية، التي أجمعت على شجبها واستنكارها لهذا الاعتداء، وتأكيدها على الوحدة الوطنية والوقوف الى جانب اميرها وقيادته الحكيمة.
وفي مساء اليوم التالي لذلك الاعتداء الآثم اقيم مهرجان شعبي خطابي بنادي القادسية الرياضي، شاركت فيه جموع الشعب الكويتي وعلى رأسها الهيئات والمؤسسات الاهلية السالفة الذكر. ومما قيل في هذا المهرجان الشعبي: ان الخدوش التي اصابت وجه اميرنا يوم امس، ما هي في حقيقة الامر الا جروح عميقة في ضميرنا جميعا، وسنقطع تلك الاصابع التي خدشت وجه الكويت. سنقطعها بوحدتنا وتكاتفنا وديمقراطيتنا. وسيجدون في شعب الكويت العربي حكاما ومحكومين، شيبا وشبابا رجالا ونساء، الجدار الصلب الذي تتحطم عليه مؤامراتهم، ولن نسمح لهم بهدم ما بنيناه ولن نرضخ لغدرهم وضلالهم وسنكمل ما بدأه الاباء والاجداد من بناء لكويتنا الحر العربي.
وتمضي هذه الجموع البشرية، ومؤسساتها المدنية، معبرة عن مشاعرها واحاسيسها حيال قائد مسيرتها الشيخ جابر الاحمد بكلمات وعبارات يسجلها التاريخ، وهي تعلن على الملأ: «... ان من العواطف والاحاسيس ما يملأ الصدر، ويفيض فيضا، عجز المرء ان يترجمها، فضاقت الكلمة واستعصت وامتد اشراقها اشعاعا وايحاء، فلن تسمو الى تعبير عما شهدته الكويت من مشاعر عربية فياضة، واحاسيس انسانية نبيلة صادقة، استنكارا وتنديدا وشجبا لهذه الجريمة البشعة التي استهدفت رمز كويتنا جابرنا وجابر افراحنا، واستهدفت حياتنا الديموقراطية بكل مؤسساتها الدستورية...».
وتتجلى هذه المشاعر الوطنية حين تلتحم بالاحاسيس الروحية والوجدانية لابناء الكويت حيال اميرهم ووالدهم... وهي مشاعر واحاسيس ترجمتها كلمات وعبارات، تقول: «... ان فعل الخير والايمان بالعمل لن يضيع عند صاحب الخير، وهذا ما لاقيته يا جابر، ان عناية الله لن تنسى المحسنين الصادقين، اما جزاء الغادرين الاشرار فانهم محاسبون في الدنيا، من جنود الله الذين لن ينسوا هذه الفعلة القذرة، وسينالهم القصاص ـ لا محالة ـ من الله في الآخرة يوم الحساب، اما انت يا جابر فسر على بركة الله.
لا تثنيك عن قصدك هذه الشرذمة من الحاقدين المرتزقة، رسل الشياطين، والكويت كلها معك تحميك وتفديك، وستبقى رمزا للحرية والدفاع عن الحق، الله معك يرعاك ويحميك بعنايته»...
لقد كان لردود الفعل الشعبية المحلية معنى كبير ضد تلك الفئة الضالة التي ارادت السوء بشعب الكويت والنيل منه في شخص قائده، واستمرت ردود الفعل هذه كبيرة وغاضبة، ولأيام متوالية تتصدر الصفحات الاولى للصحافة المحلية، لتتناقلها وكالات الانباء والصحف العربية والعالمية بصفتها نموذجا ومثالا لمدى حب الشعب لقائده والتفافه حوله.
لقد جاء الاعتداء ليبرهن للعالم ان شعب الكويت اسرة واحدة، متمسكة بقيادتها ولا ترضى لها بديلا، وهذا ما اكده فيما بعد المؤتمر الشعبي الذي عقد في جدة بالمملكة العربية السعودية ابان فترة الاحتلال والعدوان العراقي على دولة الكويت.
لم تكن ردود الفعل هذه محصورة في المستوى المحلي، بل تجاوزت ذلك الى المستوى العربي والدولي الرسمي منه والشعبي، حيث توالت البرقيات والمكالمات الهاتفية على الشيخ جابر الاحمد مستنكرة الحادث بكل ابعاده واهدافه.
هذه المواقف والصور التي جاءت مليئة بحب الشعب لقائده، تؤكد بكل قوة ان شعب الكويت لن يتخلى عن النظام السياسي الذي ارتآه وان الاسرة الكريمة... اسرة آل الصباح التي اولاها هذا الشعب كل ثقته منذ نشأة الكويت، ستظل باقية وماضية في طريقها اجيالا تلو اجيال، وهذا ما أكدته المادة الرابعة من دستور الكويت.
لقد كان الشيخ جابر الاحمد فوق مستوى الحدث الذي تعرض له شخصيا، والذي كاد ان يدفع فيه حياته ثمنا لمواقف الكويت والمبادىء التي ظلت متمسكة بها، وعملت ـ ولا تزال ـ تعمل بموجبها على جميع المستويات، فها هو في لقاء مع رؤساء تحريرالصحف المحلية في الاول من يونيو عام 1985م، يبلغ زواره ان هاجسه الاول والاخير ان تبقى الكويت ـ كما كانت دائما ـ اسرة واحدة متماسكة، خيرها التعاون والتآلف، ومنطلقها الالتزام الثابت لخير وصالح المواطنين والمقيمين، مع تكريس لا يحيد عن قضايا الامة العربية والاسلامية.
وفي هذا السياق، وبتاريخ الاول من يونيو عام 1985م وجه الشيخ جابر الاحد كلمة الى الشعب الكويتي بمناسبة استئنافه لنشاطه الرسمي بعد الاعتداء الآثم على موكبه... كلمة شدد فيها على حماية المنجزات التي حققتها الكويت، وبذلت في سبيلها الكثير، مؤكدا على رفض المساومات والمجاملات على حساب الوطن... كلمة صدق حملت في طياتها رد الوفاء حين اشار موجها حديثه الى شعبه الوفي: «... ان مشاعر الايمان والمحبة التي فاضت بها نفوسكم على سجيتها، ونحن نجتاز المحنة التي كانت تفيض بها نفسي، فكنا جميعا نعبر في موقف واحد ولحظة واحدة عن الرباط القوي الذي يجمعنا، وكان الايمان بالله ومحبتكم دوائي وشفائي هكذا كنا، وهكذا تكون دائما»....
ويمضي ناصحا ومرشدا، فيقول: «... اننا بذلنا الكثير لتصبح الكويت دار امان واستقرار، ومنبرا للحرية والديموقراطية، ونبعا للخير وعلينا ان نبذل الكثير لحماية هذه المنجزات واستمرار اشعاعها، ولا حماية دون نظام، دون التزام دقيق بالتنفيذ، ولا نجاح للالتزام الا بجعله فوق المساومة والمجاملة على حساب الكويت»...
ويتوالى مسلسل الارهاب على الكويت وشعبه باختطاف الطائرة الكويتية «الجابرية» في 23 ابريل عام 1988م، وقد وجه الشيخ جابر الاحمد كلمة الى شعبه اثر انتهاء هذه المحنة، اكد فيها: «... ان الكويت ليست سلعة في سوق السياسة، وان مبادىء الكويت ليست أوراقا على موائد المفاوضات، وان شمس كرامة الشعب الكويتي لا تغيب، ولن تغيب، بإذن الله تعالى»...
واوضح: «... ان الطائرة المختطفة عاشت ستة عشر يوما، كانت فيها ارض صراع بين الذين لا يملكون ما يدفعون به عن انفسهم، وبين اشباح ابت ان تظهر في النور، فمن الظلام جاءت والى الظلام عادت...».
ويمضي امام هذه المحنة مؤكدا صلابة الجبهة الداخلية في مواجهة اية محاولة لاختراق الوحدة الوطنية، فيشير: «... لقد حاول البعض اختراق الوحدة الوطنية، وما زالوا يحاولون، ولكن بعون الله تعالى، وبتماسك ووعي من ابناء الكويت، خرجت وحدتنا الوطنية من كل هذه المحاولات، وهي اصلب عودا، واعمق بصيرة، واعلن ابناء الكويت: ان الكويت هي الام والاب والارض والعرض... انها الماضي والحاضر والمستقبل... ارض عاشت على الايمان بالله تعالى، والتماسك بين ابنائها في السراء والضراء، وهذا هو ميثاقهم الذي عاهدوا الله عليه»...
لقد كان الشيخ جابر الاحمد ـ ولا يزال ـ شديد الحساسية تجاه امن الكويت، وامان شعبها، رغم سياسة الكويت الداخلية التي تؤكد عمليا حسن معاملة الغرباء على ارضها، وضمان حقوقهم، ومحاربة اشكال التمييز كافة والتفرقة في المعاملة ضدهم، ورغم سياستها الخارجية الملتزمة بالسلام والحياد، ونبذ العنف والصراعات في معالجة القضايا الدولية والاقليمية، وخصوصا القضايا التي تمس علاقات الجوار.
نقول رغم هذا كله، فقد صدق حس الشيخ جابر الاحمد فيما كان يذهب اليه حين نفذ على ارض الكويت مسلسل ارهابي مبرمج، خططت له بعض الدوائر العربية التي احتضنت قوى الارهاب العربي والعالمي، وراحت ضحيته ارواح بريئة من شعب الكويت والمقيمين على ارضها... هذا المسلسل الآثم الذي لم يقف عن مواصلة جرائمه بحق الكويت وشعبها،

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:48 AM

[frame="1 80"]الكلمات الرمضانية ظاهرة
اجتماعية تعنى بالبيت الكويتي

شهر رمضان في الكويت من الشهور التي تتجدد فيها عادات اهل الكويت، وتتجسد فيها روح الاسرة الواحد من خلال الزيارات المتبادلة على المستويات كافة طوال هذا الشهر الفضيل. فإذا كان ابناء الشعب الكويتي يبادرون في الثلاثة ايام الاولى بزيارة الاسرة الحاكمة، فإن هؤلاء وفي مقدمتهم امير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، يقومون بدورهم برد هذه الزيارات لابناء الشعب في اماكن اقامتهم طوال شهر رمضان المبارك.
لقد اعتاد الشعب الكويتي في العشر الاواخر من هذا الشهر الفضيل الاستماع الى قائد المسيرة الشيخ جابر الاحمد في كلمة يتناول فيها عادة ـ بين امور اخرى ـ الشأن الكويتي. هي سمة حميدة كرسها منذ عام 1981م، وباتت احدى سمات وملامح هذا الشهر الكريم في الكويت... هذه الكلمات التي تجيء في معظم الاحوال لتعبر عن الفكر الاجتماعي والمجتمعي للشيخ جابر الاحمد. وفي الصفحات التالية سوف نحاول ان نلقي شيئاً من الضوء على محتوى تلك الكلمات، ونتعرف على فحوى ذلك الفكر، وما يهدف اليه.
ففي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1401هـ الموافق 23 يوليو عام 1981 كان للشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت اول وقفة رمضانية وجه فيها كلمة الى مواطنيه وابناء شعبه.
مشيراً الى ما انعم الله على الكويت وشعبها من نعمة الايمان والوطن الطيب، والعيش من قديم الزمان على المودة والمحبة وعرفان الجميل للوطن والدفاع عنه بالارواح والغالي والنفيس.
كما طالب في هذه الكلمة بضرورة التمسك بالوحدة الوطنية، وزيادة قوتها، وزيادة المحبة في القلوب، ونبذ من يريد شراً بهذا البلد الآمن، لتظل الكويت ـ كما كانت دائماً ـ دار امن وامان ومودة تجمع ابناءها والمقيمين على ارضها، ومن اجل ذلك كله كان يتوجب على كل فرد او مؤسسة ان يتحمل المسؤولية المناطة به.
وتأتي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1402 هـ الموافق 23 يوليو عام 1982 ليكون للشيخ جابر الاحمد لقاؤه الثاني مع الاسرة الكويتية. تحدث اليهم بمرارة كبيرة عن الصراعات القائمة على ارض العروبة والاسلام، حيث شهدت هذه الارض اكثر من حرب بين ابناء الوطن الواحد، وبين الاشقاء والجيران ممن تجمعهم العقيدة واللسان احدهما او كلاهما، داعياً الى ضرورة عبور ارض الخلاف الى ارض التعاون. منوهاً بأن غياب الفكر والتخطيط العربي الموحد سيبقي الصراع الاسرائيلي حركة في اتجاه واحد. وان الكويت التي كان لها شرف انبثاق الثورة الفلسطينية فوق ارضها، لن تتأخر عن بذل كل ما تستطيع لدعم هذه الثورة وحمايتها، حتى يعود الشعب المناضل الى ارضه التي طالت غربته عنها.
وكرر الشيخ جابر الاحمد دعوة ابنائه وشعبه الى المحافظة على ارض الوطن التي يحيا الجميع عليها، وعلى تاريخ الكويت الذي صنعه الاباء والاجداد، وان يكون ذلك كله أمانة في الاعناق، تسلم من جيل الى جيل لتكتمل المسيرة، وتسير الكويت بأمان وبروح من المشاركة والتعاون، وعلى اسس من الايمان العميق بالله تعالى، وبالتخطيط العلمي والعمل الدائب.
وفي العشر الاواخر من رمضان عام 1403هـ الموافق 6 يوليو عام 1983م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الثالث مع ابنائه وشعبه، دعا فيه الى صون الوحدة الوطنية، والتراحم بين ابناء هذا الوطن العزيز واكرام من فيه، والدفاع الباسل عنه، وهو هدف يتصدر اولويات المسؤوليات على مستوى القيادة والشعب.
مشيراً الى ان قوة الوطن تقاس بقدرة افراده على العمل، وان الكسب اذا ما ارتبط بالجهد وسلامة الهدف والوسيلة كان سعادة تدركها النفوس، وتبدو آثارها الطيبة في الحياة العامة، اما اذا ارتبط هذا الكسب بالاستغلال، وجذبه بريق المطامع العاجلة، كان مفسدة للاقتصاد والنفوس جميعاً. وكان بهذه العبارات يشير الى الازمة الحادة التي حصلت في سوق الاوراق المالية. وهذا ما اكده للاسرة الكويتية الكبيرة. حين اشار الى ان هناك فارقاً وخطأ واضحاً بين حرية الكسب، وبين الجور على سلامة وتقاليد الاقتصاد الوطني الذي قام على شرف الكلمة وحسن التعامل.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1404هـ الموافق 25 يونيو عام 1984م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الرابع مع ابنائه وشعبه، دعا فيه الى ان حب الكويت يسبق حب النفس والمال والولد في قلب كل كويتي نبتت بذرته وامتدت جذوره وفروعه في ارضها الطيبة.
داعياً الى ان الوحدة الوطنية، والتعاون الخليجي، والانتماء العربي، وهدي الاسلام، والسلام العالمي، دعائم خمس تقوم عليها حياة الكويت الداعية الى الخير والدامغة للشر والعدوان.
مؤكداً ان دور الابوين والاسرة اساسي في غرس القيم، ورعايتها بالقدوة الحسنة والتربية المستمرة، فالنساء شقائق الرجال في الحق والواجب والعطاء الذي يعود خيره على الاسرة والمجتمع، وان ابناء اليوم وبناته هم آباء الغد وامهاته فضعوا في ايديهم وسائل الحياة.. ايماناً وعلماً وقوة. فأقلامهم اسلحة العلم. واسلحتهم اقلام النصر.
ناصحاً كل فرد في المجتمع، حين يقول: «.... ان نعم الله وعطاءه اختبار للانسان، ايشكر ام يكفر؟ وحياة كثير منكم بين اقامة وسفر وانتم في سفركم تحملون الكويت في قلوبكم حباً وعلى لسانكم ذكراً، فاختاروا لانفسكم واهليكم مواقع الخير، واجتنبوا مواقع الذين ظلموا انفسهم، واجعلوا اقوالكم وافعالكم صورة كريمة لوطن كريم...».


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:49 AM

[frame="1 80"]كلمات سموه الى الشعب في العشر الاواخر أوضحت مشاعره تجاههم واصبحت تقليدا ثابتا الامير: استقرار الكويت في تماسك ابنائها والعواصف كانت جزءا من حياة الاجداد
الحلقة التاسعة

ما زلنا مع .. في كلمات سمو الامير في العشر الاواخر من رمضان ودلالاتها ومعانيها .. ففي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1405 هـ الموافق الاول من يونيو عام 1985 كان اللقاء الخامس بين الشيخ جابر الاحمد والشعب الكويتي لكنه في هذه المرة كان لقاء مختلفا عن سابقيه لكونه أتى في ظروف مؤلمة، ومحنة قاسية مرت على الكويت وشعبه، تلك المحنة التي تمثلت في الاعتداء الآثم على موكبه، فتزامنت الفترة المعتادة لالقاء الكلمة مع استئنافه لنشاطه الرسمي بقصر السيف، حيث شدد في هذه الكلمة على حماية المنجزات التي حققتها الكويت وبذلت في سبيلها الكثير، مؤكدا على رفض المساومة والمجاملة على حساب الكويت.
ولم يفت الشيخ جابر الاحمد امام هذه الملحمة الشعبية ان يتقدم بالشكر للمواطنين والمقيمين على ارض الكويت لوقفتهم الرائعة، وادانتهم للجريمة منوها بالقول «لقد وقفتم معي في هذه المحنة بجميع فئاتكم، رجالا ونساء واطفالا، وكنتم كالعهد بكم اهل الفضائل والوفاء فشكرا لكم وشكرا للمقيمين فقد عاشوا معنا بمشاعرهم وتعاونهم، بارك الله في هذا الشعب الطيب وابعد عنه كل مكروه يراد به وايدنا جميعا بنصر من عنده، انه سميع مجيب..».
وفي العشر الاواخر من رمضان عام 1406هـ الموافق 4 يونيو عام 1986 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء السادس مع ابنائه وشعبه اكد فيه ان استقرار الكويت هو تماسك ابنائها وقدرتهم على العطاء، مشيرا الى ان العواصف كانت جزءا من حياة البحر التي عاشها الآباء، ولكل عصر عواصفه ومشكلاته وان ثقته كبيرة في قدرات الشعب الكويتي على التغلب على هذه الازمات.
محددا ان اكبر آماله تنحصر في اعداد الجيل الكويتي الجديد لحياة جديدة وان اول عناصر ذلك توسيع افاق العمل امام الشباب، وثانيها هو الارتفاع بمستوى الاداء وثالثهما تحويل طاقاتهم الى التحدي الحضاري ليكونوا شركاء في صناعة الحياة.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1407هـ الموافق 23 مايو عام 1987 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء السابع من اللقاءات الرمضانية مع ابنائه وشعبه، منوها بان شهر رمضان المبارك شهر نلتقي فيه جميعا على الخير ونسعد بالرعيل الاول الذي شيد اساس حياتنا، ونحفظ له الجميل، ونسعد بالابناء، وهم زينة الحاضر وامل المستقبل ونسعد بالود والتزاور وصفاء القلوب، وعلينا ان نتمسك بها فهي لنا نور على طريق الحياة وزاد في مسيرة الكويت نحو تحقيق المزيد من الانجازات.
ويمضي شارحا الوضع الاقتصادي للبلاد والاخطار التي احاقت به فيقول: «نحمد الله تعالى انه اعاننا على تحقيق خطوات نحو الاستقرار الاقتصادي الداخلي وتجاوز جانب من السلبيات التي افرزتها المضاربات المرتجلة للكسب السريع دون اي جهد انتاجي، وما جاء بعد هذا من تدني اسعار النفط فالتقى العاملان الداخلي والخارجي ووصل الاقتصاد الكويتي الى وضع خطير ولولا عناية الله والعمل الجاد الذي اعاد الثقة به وذلك بتعاون وثيق بين القطاعات الحكومية والاهلية.
والآن علينا ان نتابع التعاون في ترشيد الانفاق والترشيد منهج شعبي وحكومي معا يبدأ من مستوى الدولة في امانة وسلوك القائمين على اجهزتها للمحافظة على الاموال العامة ثم يأتي دور رب الاسرة ليكمل بما بدأت به الدولة..!
وفي اليوم السابق من شهر رمضان عام 1408هـ الموافق 23 ابريل عام 1988 م وبخلاف ما جرت عليه العادة ان تأتي مثل هذه المناسبة في العشر الاواخر من الشهر الفضيل بسبب المحنة التي تعرضت لها الكويت باختطاف الطائرة «الجابرية» الامر الذي دعا الشيخ جابر الاحمد ان يستعجل في القاء الكلمة في وقت مبكر من الشهر الفضيل.
فقد اظار فيما اشار اليه «ان منهجنا امام الارهاب ان ندينه وندين كل عدوان وان ندافع عن ارضنا وابنائنا ما استطعنا اليه من قوة، وان نقيم ميزان العدل في وطننا ذلك لان العدل هو محراب القضاء ونحن لا نملك تغيير المحراب».
ويضيف في هذه الكلمة المحزنة: «ان أكثر من تجربة مرت بها الكويت، واستهدفت ابتزازها وتهديدها، واغتيال ابنائها فوق ارضها وفي خارجها وحاولت تفجير منشآتها في تآمر مدبر بليل، او عدوان سافر بالنهار وكان منا الثبات على ما نؤمن انه الحق والعدل..».
ثم يرتفع على هذه الجراح شامخا، ومعلنا: «لقد رأيت توحد الكويت في هذه المحنة مرتين الاولى، وهي تشييع الشهيدين الى مثواهما بالحزن النبيل والثانية وهي تستقبل العائدين بالفرح العزيز..».
ويمضي والنفس مشحونة بالحزن: «ورأيت في عين الكويت اللقاء بين دمعة الحزن ودمعة الفرح، ورأيتكم يا ابناء الديرة من بادية وحاضرة كبارا في حزنكم كبارا في فرحتكم كبارا في تماسككم كبارا في ثقتكم بانفسكم واعتزازكم بكرامتكم..»
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1409 هـ الموافق 3 مايو عام 1989م كانت للشيخ جابر الاحمد الوقفة التاسعة مع اهله وابنائه وشعبه، اكد فيها على ان التنمية الحق تتخذ من الانسان الكويتي محورا، ومن الانتماء للكويت اساسا، وان الخبرات الكويتية هي اساس التنمية، وهي الاقدر على تحديد المشكلات وحلها، وان السنوات المقبلة تحتاج الى عمل دؤوب ونكران ذات وتحديث وتجديد، وان الواجب يدعونا الى ان نعطي انفسنا فرصة لمراجعة الذات فاما الاستمرار وتحمل المسؤولية او افساح المجال للاخرين، منوها بان مرحلة التسعينيات تحتاج الى جهد اكبر من سابقاتها وان اتفقت معها في الجذور الاصيلة التي نستمد منها القدرة على حمل المسؤولية وهذه طبيعة الحياة في سيرها، وجمعها بين الاستمرار والتغيّر.
وهنا دعا الى ضرورة التجديد والتحديث ومواكبة تطورات العصر.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1410هـ الموافق 21 ابريل عام1990م كان اللقاء العاشر الذي جمع بين الشيخ جابر الاحمد وابنائه وشعبه مذكرا اياهم بحديثه في مطلع التسعينيات حول النقلة النوعية التي طالب بها جموع الكويتيين في حياتهم وعلى جميع المستويات حيث تم فتح حوار حول مجمل القضايا الكويتية لمدة ثلاثة شهور ذلك الحوار الذي اكد فيه مرات عديدة علي قاعدة الشورى وتوسيع الحياة النيابية والمشاركة في المسؤولية باعتبارها جميعا من مقومات الحياة الكويتية.
داعيا من خلاله للمحافظة على الوحدة الوطنية وسد الطريق امام اي بادرة لشق الصف الكويتي.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1411هـ الموافق 7 ابريل عام 1991م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الحادي عشر مع ابنائه وشعبه، استعرض في كلمته مأساة الغزو ومحنة الاحتلال العراقي لتراب الوطن الغالي معبرا عن فخره واعتزازه بابنائه، ابناء الكويت جميعا، رجالا ونساء .. كبارا وصغارا، داعيا للرجوع الى الله بقلوب نقية سليمة بعد ان امتحن - سبحانه وتعالى - هذا الشعب بهذه المحنة على ايدي طغاة لا يعرفون الله.
ويمضي في هذا الاتجاه ناصحا ابناءه وشعبه قائلا: «لقد قدر الله - سبحانه وتعالى - جلت قدرته، نحن لحكمته - تعالى - من الصابرين ان جرى احتلال بلادنا والاضرار بشعبنا وبجميع مؤسساته ولسنا اول بلد محتل، غير ان الاحتلال الذي حل ببلادنا لم يكن لهمجيته ووحشيته مثيل في تاريخ البشرية الطويل، وقد كانت بشاعته وانعدام انسانيته وتجرده من الاخلاق والمثل مصدر اشمئزاز وانزعاج لدى شعوب العالم كافة، ومع ذلك لم تفتت هذه الوحشية المنقطعة النظير عضد الكويتيين الذين اثبتوا وجودهم في الحاضر كما اثبتوه في الماضي ولم تضعف قلوبهم او تضمحل ارادتهم في الدفاع عن ارضهم ووطنهم ومواجهة العدو الغاشم بل قويت عزيتهم وزاد تصميمهم على التمسك بهذه الارض الطيبة مما جعلهم مضرب الامثال.
ويضيف قائلا «لم يكن ذلك مقصورا على الرجال فقد اثبتت النساء الكويتيات خلال فترة الاحتلال جدارتهن وثباتهن وتحملهن المتاعب والشدائد كافة.
وفي هذه الكلمة توجه الشيخ جابر الاحمد بالشكر والثناء للمملكة العربية السعودية التي وضعت اراضيها ومواطنيها هدفا للعدوان من اجل تحرير الكويت كما توجه بالتحية والشكر الى دولة البحرين ودولة الامارات العربية المتحدة ودولة قطر وسلطنة عمان وجمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية والمملكة المغربية الذين اثبتوا ان الاخوة والاخاء ليس كاملا اجوفا يردده اللسان بل ايمانا راسخا في القلوب يظهر بجلاء عند الشدائد والمحن
كما اشاد بالدور الذي قامت به الدول الاسلامية الصديقة في تحرير الكويت وكذلك الاصدقاء الاوفياء الاعضاء في قوة التحالف الدولية الذين وضعوا كل امكاناتهم من اجل الدفاع عن الحق والقانون والمثل السامية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وجمهورية فرنسا وبقية دول التحالف واولئك الذين ساندوا الكويت ادبيا في مواقفهم المعلنة الصريحة في رفض العدوان وشجبه، الى هؤلاء جميعا توجه بعظيم الشكر والتقدير والعرفان.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:49 AM

[frame="1 80"]وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1412هـ الموافق 28 مارس عام 1992م كان اللقاء الثاني عشر بين الشيخ جابر الاحمد وابنائه وشعبه، تحدث اليه عن تطلعاته المستقبلية لكويت الغد، بلد أمن وأمان وشعب محب للخير والسلام، بلد بات في مواجهة ظروف ومعطيات جديدة تدور حولها عشرات القضايا التي تعني حاضره ومستقبله، هذه التطلعات والامال باعثها - كما قال الشيخ جابر الاحمد - هو شعب الكويت وان الطريق لبلوغها هو شعب الكويت بعملهم الدؤوب المتواصل وعطائهم المخلص وارادتهم الصلبة هذا الشعب الذي قبل التحدي وواجه الصعاب واقتحم العقبات ليعيد الى وطنه الكويت مقومات واساسيات حياته.
وفي معترك هذا الطرح المتفائل بالامال والتطلعات ركز الشيخ جابر الاحمد على عدد من القضايا ذات الاولوية القصوى في الشأن الكويتي جاءت مسألة التركيبة السكانية والمسيرة الاقتصادية في مقدمتها.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1413هـ الموافق 17 مارس عام 1993م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الثالث عشر مع مواطنيه وابناء شعبه استعرض فيه اربع حقائق مهمة استقرأها من تاريخ الكويت ومسيرته ونضال شعبه.
كانت اولى هذه الحقائق: ان الثروة البترولية ليست وحدها الدافع المحرك للمطامع في الكويت، وثانيها: ان شعب الكويت لم تنحن هامته قط بسبب قلة عدده او قلة موارده، وربما كانت هذه الحالة سر قدرته على التحدي والابداع وثالثها: ان الكويت خاضت من قبل معارك متعددة ذاقت فيها النصر ولم تبطر، وعرفت الهزيمة فلم تنكسر، اما الحقيقة الرابعة فهي ان الكويت لم تبدأ احدا بالعدوان قط، قريبا كان ام بعيدا، وهذا ما جعل اجناسا من البشر يفدون اليها ليعيشوا على ارضها الطيبة متمتعين بالحرية والامان.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1414هـ الموافق 5 مارس عام 1994 م تجدد اللقاء الرابع عشر بين الشيخ جابر الاحمد ومواطنيه وابناء شعبه، لقاء شرح فيه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وان الواجب يدعو الجميع الى التضحية من اجل حماية مستقبل الابناء والاجيال القادمة.
مشيرا الى ما اصاب النفوس من تغيير كبير جراء الغزو والعدوان ومحنة الاحتلال لكنه لم ير في ذلك التغيير والتحول الشر كله، ذلك لان الشر الحقيقي - كما اشار اليه - هو الاسترسال مع سالف العادات واستحلال شواذ السلوك كأنه لم يحدث شيء وكأن اصحاب المطامع سكتت مطامعهم.
امام هذه الظاهرة السلبية التي استشرت في النفوس وغيرت من عوائد وطبائع اهل الكويت كان للشيخ جابر الاحمد وقفة طويلة ننقل جانبا منها حين يقول «ان الاستمرار في نمط الترف والبذخ ليس اعباء مالية فقط، وانما هو في المقام الاول هدم للشخصية السوية المتزنة وغرس لامراض الغرور والترهل وما هكذا يكون كويتي مابعد التحرير..».
ويمضى محذرا «ان تعدي حدود القوانين والاداب والتقاليد ليس مجرد مخالفات او جرائم تنتهي بعقوبة مرتكبيها بل هي خطة سوء تهدم استقرارنا من داخله، ما هذا بمراد كويتي مابعد التحرير».
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1415هـ الموافق 20فبراير عام 1995م كان اللقاء الخامس عشر بين الشيخ جابر الاحمد ومواطنيه وابناء شعبه ناقلا اليهم خواطره وما يجيش في نفسه وفكره من تطلعاته وآمال لمستقبل الكويت وشعب الكويت.
مشيرا الى ان المحبة لا توجد بقرار، وان سماحة النفوس لاتزرع بامر وان التعاون والايثار وكل مفردات الاخلاق لا تصدر بها مراسيم، انها صورة النفوس التي تتكون من خلال القيم التي تربى عليها الفرد ونشأ، بحيث يشعر ان الخروج عليها نوع من سوء الخلق بل والعار.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1416هـ الموافق 12 فبراير عام 1996 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء السادس عشر من مواطنيه وابناء شعبه وكعادته في مثل هذه المناسبات لم يغب عن باله ا لتوجه بالحديث الى شباب الكويت - ذكورا واناثا - لانه يرى في وجوههم دوما المد الدائم المستمر لموج الحياة المتدفق.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1417هـ الموافق اول فبراير عام 1997م تجدد اللقاء، فكان اللقاء السابع عشر من اللقاءات الرمضانية بين الشيخ جابر الاحمد ومواطنيه وابناء شعبه، حدثهم عن بناء الذات واعتبرها المسؤولية الاولى التي يواجهها كل راشد وكل عاق، وكرامة الانسان ترفض ان يحتقر نفسه او يحتقر الاخرون، كما تأبى ان يذل نفسه بالمطامع والشهوات وان يكون عالة على الاخرين.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1418هـ الموافق 21 يناير عام 1998 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الثامن عشر مع مواطنيه وابناء شعبه حيث توجه اليهم بكلمة اشار فيها الى ان الامم الواعية، ذات الموروث الحضاري هي التي تعرف كيف يكون هذا الموروث قوة في بناء شخصية الفرد والجماعة تتحقق عن طريقها ثلاثة من اهم المقومات لوجود الامم ونجاحها:.
اولها: التميز الذي يحفظها من الذوبان في الغير ويضمن لها البروز والذكر الحسن.
وثانيها: قوة الصمود امام الزعازع مهما بلغ اضطرابها وطغيانها.
وثالثها: قوة الاندفاع نحو العمل والانجاز التي يحقق لها الرضا الذاتي واحترام الاخرين.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1419هـ الموافق 11 يناير عام 1999 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء التاسع عشر مع مواطنيه وابناء شعبه حدثهم حول المشكلات والتحديات التي تواجهها الكويت بقوله «ان المشكلات التي تواجهها الكويت كثيرة ومتنوعة وان التحديات التي تقف امام تقدمها متجددة، وان المطلوب هو علاج عاجل مهما كانت مرارة الدواء»..
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1421هـ الموافق 20 ديسمبر عام 2000 كان لامير الكويت الشيخ جابر الاحمد اللقاء الحادي والعشرون مع مواطنيه وابناء شعبه، كان لقاء مصارحة عبر ما يختلج في صدره وضميره من هموم الوطن وما يحمل في فكره ووجدانه من هواجس حين اشار: «ونحن نواصل طريق الخير، يجب الا نغفل ابدا عن الطامعين فينا والمتربصين بنا فانهم لا يسلطون عليها جيوشهم البشرية وحدها بل يسعون لاضعاف تماسكنا وضرب وحدتنا، واغراقنا في الامراض الاجتماعية التي تروج لها شياطينهم عن طريق المخدرات والآثام.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:50 AM

[frame="1 80"]إذا كان الأمير الراحل عبدالله السالم هو رائد ديموقراطيتنا فالشيخ جابر رائد نهضتنا الاقتصادية والاجتماعية الأمير ملتزم بقضية الإنسان الكويتي وبحل مشكلاته والتخفيف من معاناته
الفكر الاقتصادي لسمو الأمير

العرض السريع لجهود الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت الذي استخلصناه واستنبطناه من ثنايا خلاصة فكره الاجتماعي والمجتمعي، وفي جانب منه، وليس كله.. هذا الفكر المبادر الذي يحمله الشيخ جابر الاحمد الى مواطنيه في كل مناسبة واخرى، ويدعوهم للمشاركة في تحمل جزء من مسؤولياته.. هذا الفكر الملتزم بقضية الانسان الكويتي ومشكلاته يحاول الشيخ جابر الاحمد ـ باصرار ـ السعي الى تطبيقه منذ صدور بيانه التاريخي الذي ألقاه امام مجلس الامة الكويتي في يونيو عام 1970م ذلك البيان الذي هدف الى تقييم مسيرة البناء، وتحديد معالم المستقبل بالتخطيط لمقومات الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
ان الالتزام بالكلمة موقف شجاع وقضية حق مقدسة. وهي واحدة من المزايا الخُلقية والادارية الفذة التي جعلت من الشيخ جابر الاحمد رجل دولة واسع الافق بعيد النظر شديد الحرص على النهوض بالمجتمع الكويتي الى ارقى مراتب التقدم الحضاري، مع الحرص الشديد على الالتزام والتقيد بانجازات الماضي وحسناته، لكونها تمثل صور البطولات ونضال الشعب الكويتي على جميع المستويات.
هذا الالتزام والحرص على الوفاء للكلمة جعله قريبا من الحس والنفس الشعبي والوطني.. يتحسس من خلالهما مشاكل المواطنين الحياتية، ويتلمس من خلالهما ايضا معاناتهم الناجمة عن التداعيات السلبية المصاحبة لعملية التطور والرقي الحضاري.
هذا الادراك الحي الفطري لقضايا المجتمع، وبخاصة في جانبها الاجتماعي والمجتمعي، لم يأت من فراغ او نتيجة لردود فعل آنية، او ممارسة مهنية، بل كان نابعا من حالة المعايشة الشعبية التي كان يصر دوما على ان يكون في أتونها يفرح لنجاحاتها التي تسير في الطريق القويم ويحزن لاخفاقاتها التي تسير في طريق المحاكاة والتقليد.
من هنا، كان يطلب بالحاح شديد من الاجهزة الرسمية والاهلية العامة في الميدان الاجتماعي السعي لايجاد الحلول المناسبة والسريعة للمشكلات الاجتماعية التي تطل برأسها على المجتمع بين حين وآخر، حتى لا تتفاقم هذه المشكلات وتتدحرج ككرة الثلج، فتلد كل واحدة منها مجموعة من المشكلات الجانبية، تكبر بمرور الزمن، فتصبح قضية تشكل سياجا خطرا حول بنية المجتمع تقلق بال كل مواطن، وتأخذ من جهد المؤسسات العاملة في هذا الميدان اضعاف ما كان مطلوبا منها لو تمت مواجهتها منذ البداية. ذلك لان المواجهة المتأخرة رغم الجهود المضاعفة تحمل لنا حلولا ومعالجات تأتي في معظم الاحوال مشوهة ومكلفة.
من هذا المنظور القريب البعيد كان يرى الشيخ جابر الاحمد ان مواجهة المشكلات والقضايا الاجتماعية والمجتمعية لا يمكن ان تعالج باسلوب فردي احادي. فالجميع ـ مواطنون وهيئات رسمية واهلية ـ مطالبون ومدعوون للتعاون في عملية المواجهة متى ارادوا ان تكون الحلول ناجعة ومفيدة. ذلك لان اي طرف من هذه الاطراف لا يستطيع وحده ان يفكر ويعمل وينجح في مسعاه ما لم يشدّ الآخرون من أزره، ويتعاونوا معه في كل خطوة يقدم عليها. فالمجتمعات المتقدمة لم تحقق هذه الطفرة الهائلة في الحضارة الانسانية من فراغ بل من خلال التعامل والتكامل بين مؤسسات الدولة سواء أكانت حكومية ام اهلية.. انها حالة من التكامل والتمازج العضوي في كينونة الدولة، وسمفونية شذية متناغمة يعزفها المواطنون وتستمع اليها قياداتهم السياسية في حفل انتصارهم الحضاري.
فاين نحن من هذا كله؟ ومتى نستطيع ان نقطع المسافة التي تفصل بيننا وبين العالم المتقدم؟ انها مجرد امان ننشدها، وقد يراها البعض ضربا من الاحلام. لكن أليس من حق هذا الشعب، وهذا الوطن ان يحلما بمستقبل افضل كما تطمح اليه قيادته السياسية وعلى رأسها الشيخ جابر الاحمد؟
بداية نود ان نشير الى حقيقة ساطعة، وهي إن كان المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، امير دولة الكويت الاسبق، رائد الديمقراطية الكويتية، فان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، امير دولة الكويت اليوم هو رائد النهضة الاقتصادية والصناعية التي عمت البلاد منذ ان تعهد، بصفته رئيسا لدائرة المالية ثم وزيرا للمالية والاقتصاد، باقامة وتأسيس الشركات والمؤسسات الاقتصادية والصناعية والخدمية.
وكانت قدرته الفائقة على التحليل، بجانب ثقته بنفسه، وثقة كل من الشيخ عبدالله السالم الصباح، والشيخ صباح السالم الصباح، الكبيرة به ومحبتهما له، هي التي يسرت له العمل في هذا المجال بقوة مما جعل الامور الاقتصادية وغيرها ـ جميعا ـ بيده في ذلك العهد.
ان ابناء الجيل المعاصر للشيخ جابر الاحمد وعلى وجه الخصوص ابان توليه منصب وزير المالية والاقتصاد والتجارة. شهود على انجازاته التي شكلت ـ ولا تزال ـ دعائم الاقتصاد والمال والصناعة والخدمات الوطنية العظيمة.
وفي هذا الصدد يحدثنا خالد ابو السعود، فيقول: «لقد اجمعت الاراء على ان سمو الشيخ جابر الاحمد هو رجل اقتصاد من الطراز الاول وهو من كان ـ دائما ـ وراء المشروعات العظيمة التي كانت من دعائم بناء وتنمية الاقتصاد الوطني وراعي تأسيس الشركات المساهمة وتفعيل دورها، وواضع اسس السياسة الاستثمارية لاموال الاحتياطي العام. ولقد كان هو صاحب فكرة انشاء احتياطي الاجيال القادمة، وراعي خطة استثماره. كما عمل على دخول الكويت كعضو عامل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وغيرهما من المنظمات الاقتصادية العالمية والاقليمية».
وقد آثرنا التركيز على تغطية جوانب الفكر الاقتصادي للشيخ جابر الاحمد، واهم انجازاته الاقتصادية ونتائجها المستقبلية خلال الفترة التي تولى فيها حاكمية مدينة الاحمدي ومناطق النفط عام 1949 ثم رئيسا لدائرة المالية عام 1959م فوزيرا لاول وزارة للمالية فوليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء.
يعتبر الاقتصاد الكويتي وعناصره التي يقوم عليها، والتي أرسى قواعدها الشيخ جابر الاحمد، ركنا مكينا في البناء الكويتي، وهو اساس رئيسي في انطلاقة وازدهار الدولة ووسيلة الانسان الكويتي لصنع التنمية على ارضه وامتداد الخير لمن حوله.
ويقوم الاقتصاد الكويتي على اساس الحرية المنظمة فحرية العمل مكفولة امام رأس المال الخاص، بالاضافة الى قيام الدولة بالعديد من المشروعات الضرورية الحكومية والمشتركة.
ولقد اجمع خبراء الاقتصاد العرب والعالميون على ان الشيخ جابر الاحمد هو مهندس الاقتصاد الكويتي، منذ ان تولى زمام الامور في مدينة الاحمدي ومناطق النفط عام 1949م، تاركا بصماته وافكاره وتطلعاته المستقبلية على كل ما تقوم به الدولة، وتنفذه في مجال التنمية الاقتصادية على المستويين المحلي والعالمي.
فعلى المستوى المحلي، كانت فكرة توزيع الثروة على ابناء الشعب بطرق مختلفة، وتعدد مصادر الدخل دون الاعتماد على سلعة واحدة «النفط»، من بنات افكاره التي طرحها بالحاح شديد.
اما على المستوى العالمي، فقد اقترح امام قمة عدم الانحياز في بلغراد في سبتمبر عام 1989م اربعة مقترحات عملية لحل مشكلة الديون وفوائدها التي تعاني منها الدول الفقيرة، كما كرر في الخطاب الذي ألقاه في الامم المتحدة، اثناء انعقاد دورتها الـ 43، دعوته في ايجاد نظام اقتصادي انساني عالمي وعادل، مؤكدا على ان الفوائد المتزايدة لديون دول الشمال على دول الجنوب ذات تأثير سلبي على التنمية في دول الجنوب، مما يعرقل بناءها وتطورها، وقد ادخلت هذه الدعوة وهذا المقترح كوثيقة رسمية من وثائق الامم المتحدة، لتصبح فيما بعد جزءا من اعلان «كراكاس».
لقد كان لدعوة الشيخ جابر الاحمد، وفكره الاقتصادي الذي حمله معه ونقله الى المجتمع الدولي، صدى دوليا واسعا، فقد لقيت مقترحاته ترحيبا كبيرا من عدد كبير من رؤساء دول العالم، والامم المتحدة، والمنظمات الدولية المتخصصة وخاصة تلك المنظمات والهيئات العاملة في المجالات التنموية.
وفي هذا السياق يتحدث عبد اللطيف البحر، فيقول: «... كان سموه ـ حفظه الله ـ مثالا لرجل الدولة الذي يدير الازمات بحكمة وروية وحنكة سياسية واجتماعية، وكان لديه حس اقتصادي فطري لازمه طوال ادارته لمسار الاقتصاد الكويتي، وكان لدى سموه قاعدة تكاد تكون ثابتة في فكره الاقتصادي، اذ كان ينظر الى اي مشروع اقتصادي من منظور ثلاثي: اقتصادي وسياسي واجتماعي، وكان يشدد دائما في كل دراسة على الجدوى الاقتصادية لما يعرض عليه، والتأكد من ان هذه العناصر متوفرة فيه سعيا لضمان تحقيق الهدف من اقامة المشروع»....

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:51 AM

[frame="1 80"]ويؤكد هذا القول سكرتير مكتب الشيخ جابر الاحمد الاسبق بدر النصر الله، فيقول: «... لقد لمست طوال عملي مع سموه، ان لديه فكرا واهتماما فطريا بالجانب الاقتصادي، فهو من اقام قواعد بناء الاقتصاد الكويتي وتطوير مساره، بجانب قيادته وتوليه لامور النفط وشركاته وعوائده، ووضعه لسياسة الاستثمار وتنظيم العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول، وتوزيع مداخيل النفط وعوائده على الشعب من خلال «التثمين»، بجانب رعايته لنهضة الكويت وتقدمها وتطوير الخدمات بها»...
وعن نهج الشيخ جابر الاحمد يقول خالد ابو السعود: «... ومن المعروف عن الشيخ جابر الاحمد انه متدين، فهو في جميع اموره الشخصية وتوجهاته يسير على النهج الاسلامي، فيتحاشى مثلا التعامل بالفوائد او الاستثمار في اسهم الشركات ذات الاغراض المحرمة شرعا كشركات الكحول او ألعاب الميسر او مأكولات الخنزير، وكنا نعرف عنه هذا النهج، وكانت استراتيجية الاستثمار التي نسير عليها تراعي هذه الامور، وعلى الرغم من ان اموال الحسابات الاحتياطية تستثمر في جميع اوجه الاستثمار من اسهم وسندات وعقار وودائع... الخ، الا ان نسبة الاسهم والاستثمار الجيد المباشر كانت تدر ارباحا تزيد باضعاف على فوائد السندات او الودائع، ويركز سموه على الاستثمار الملموس الطويل الاجل والبعيد عن المضاربة او المتاجرة مع مراعاة تقوية وتطوير السوق المالي الكويتي باشكاله المختلفة، وقد ادت سياسة سموه هذه الى امتلاك الدولة لاجود المحافظ الاستثمارية الدولية، والى حيازتها لنسب عالية في اسهم اكبر الشركات العالمية»...

مسيرة الاقتصاد الوطني
بين التطور والازدهار

قبل اكتشاف النفط بزمن طويل عرفت الكويت، بصفتها مركزا تجاريا مهما في الخليج، التجارة وتبادل السلع، وقد وصل تجار الكويت بسفنهم الى جنوب شرقي آسيا وشرقي افريقيا، وكانت السفن الكويتية تمخر عباب المحيط الهندي على شكل سلسلة من الرحلات البحرية المنتظمة، زودت الرعيل الاول بحنكة تجارية وخبرة في التعامل مع الآخرين على اختلاف اجناسهم وطبائعهم وعاداتهم.
وكان اكتشاف النفط وبدء تصديره في نهاية الاربعينيات نقطة تحول مهمة في تحديث وتبديل نمط الحياة الاقتصادية في الكويت، فقد بدأت الفوائض المالية بالتزايد مع تجاوز ايرادات النفط للانفاق العام، مما دعا الى ضرورة ايجاد السبل لاستثمار تلك الفوائض، وتنميتها للصالح العام، واشرفت على تلك الجهود ـ آنذاك ـ دائرة المالية التي كان يرأسها الشيخ جابر الاحمد من خلال مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، وادارات متخصصة في دائرة المالية في الكويت.
ولقد لعبت الدولة، منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية، ثم وزارة المالية في المراحل الاولى من تطور الاقتصاد الوطني، دورا حيويا لتراكم رأس المال التجاري، واقامة صرح المشروعات الصناعية المختلفة، ولقد برز دور الدولة في تحقيق التحول الصناعي عن طريق اقامة الشركات الصناعية والتجارية وحماية المشروعات الداخلية، وبعد ان تخطى الاقتصاد الكويتي هذه المرحلة، برز دور الدولة بصفتها حارسة يقوم الافراد في ظلها بممارسة نشاطهم الاقتصادي والتجاري بحرية تكاد تكون كاملة.
لقد اعتمدت الدولة، منذ الخطوات الاولى في مسار الاقتصاد الكويتي، على الايرادات النفطية بصفتها مصدرا احاديا ومهما واساسيا لايرادات ميزانية الوزارات والادارات الحكومية بشكل مباشر، ومحركا لنشاطات سائر القطاعات الاقتصادية الاخرى بشكل غير مباشر، وسوف يستمر هذا الوضع حتى يتغير الهيكل الاقتصادي والمالي، بحيث يقل الاعتماد على مصدر واحد للايرادات.
اذ لا تشارك الايرادات الاخرى، وهي ايرادات رسوم، واثمان خدمات، وايرادات استثمار المالي الاحتياطي، الا بما يقارب 30% من المصروفات الجارية، وعموما فانه مع ازدياد الايرادات تزداد النفقات العامة التي تقدمها الدولة من اجل اشباع الحاجات العامة.
ولم يغب عن فكر الشيخ جابر الاحمد حاجة الاقتصاد الوطني الى المراجعة والتأمل بين وقت وآخر لضمان حسن ادائه، وعلاج مشكلاته، وترشيد مساره من خلال تبني مجموعة متكاملة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية، تهدف الى تقليل الاختلالات الهيكلية، وزيادة معدلات نمو القطاعات الاقتصادية، وذلك بعد اجراء الدراسات المكثفة والمتعمقة التي يمكن تطبيقها بصفتها مجموعة موحدة ومتناسقة.
وقد اضحت عملية التخطيط الشامل اكثر من ضرورية لمتابعة وقياس اداء الاقتصاد الكويتي بشكل مستمر، وتحقيق التوازن بين قوى العرض والطلب بالسوق المحلية، واعطاء دفعات قوية لقطاعات الانتاج غير النفطية لتقليل الاعتماد على مصدر ناضب كمورد رئيسي للثروة والدخل، وتنمية الموارد البشرية، وفي مقدمتها العنصر البشري الكويتي للارتقاء بمساهمة في قوة العمل الاجمالية بشكل مستمر، وترشيد استخدام الموارد المالية، وتوجيه الانفاق الخاص بما يعود بالنفع على المجتمع، ويضمن توظيف رأس المال الخاص، ومدخرات الافراد في مشروعات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لقد كانت الاعوام 1976/1977م مشحونة بالانجازات الرائدة، شعر بها الجميع، سواء على المستوى الشعبي داخليا ام لاحظه المراقبون في الخارج، عن وجود تحولات تنموية، وتوجهات سياسية تحدث في الكويت لصالح بناء المجتمع المدني، ودعم مسيرة النظام الديموقراطي الذي اتخذته الكويت طريقا ومنهجا لها في الحياة وفي النظام السياسي.
ففي الداخل، كانت اهتمامات الشيخ جابر الاحمد منصبة بشكل كبير على تنفيذ مشروعات المخطط الهيكلي للدولة، وقد عهد بهذه المهمة ـ حينذاك ـ الى عدد كبير من كبار المستشارين المعماريين في العالم لوضع تصوراتهم للتوسع المعماري، والتخطيط الحضاري والمدني في الكويت.
فالكويت تنمو، والسكان يتضاعفون، والحياة تتبدل من حال الى حال ولا بد من مواجهتها بحس وفكر حضاري... هذا المشروع الضخم، الذي نلمس اليوم نتائجه على ارض الواقع، كان ثمرة من ثمار جهد وفكر الشيخ جابر الاحمد ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك، والذي كان حريصا كل الحرص على ان يترأس اجتماعات خبراء المخطط الهيكلي بنفسه، ليزودهم بتوجيهاته وارشاداته وتطلعاته المستقبلية.
فاذا كان المخطط الهيكلي للدولة أحد المشاريع الكبرى التي شغلت بال الشيخ جابر الاحمد، فان خطة تطوير الجهاز الوظيفي، ورفع كفاءته لكي يكون له مردود طيب في مجال العطاء الوظيفي، كانت هي الاخرى احدى المشروعات الكبيرة التي نلمس نتائجها اليوم، والتي جعلت للكويت مكانا بين صفوف الدول المتقدمة في علم الادارة والتنظيم الاداري.
وما أن انتهى هذا المشروع حتى تقدم بمشروع اخر، وبرغبة ضرورية في انجازه، ألا وهو مشروع القسائم السكنية للمواطنين. وراح يرعاه بنفسه، ويطلب بالحاح شديد ان تنتهي بلدية الكويت من اعداد هذه القسائم، ليتم توزيعها على المواطنين قبل نهاية عام 1977م، ليتحقق الامل للمواطن في امتلاك بيت مناسب يأويه وافراد اسرته.
وخلال هذه المرحلة ايضا، وبجهود الشيخ جابر الاحمد، بادرت الكويت باتخاذ خطوة نفطية ذات تأثير هائل في هذه المنطقة. لقد قررت الكويت ان تستعيد ثروتها الطبيعية النفطية، وان يكون لها كامل السيطرة عليها، وبالاضافة الى انه اولى خلال هذه المرحلة، امور الصناعة والتصنيع في البلاد اهمية بالغة، وسوف نتناول هذه الانجازات باسهاب اكثر في موضعها من فصول الكتاب التالية فيما بعد.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:51 AM

[frame="1 80"]النظام المالي للدولة

ان النظام المالي للدولة، هو مجموعة المؤسسات والعلاقات التي تمارس الدولة من خلالها نشاطها المالي، وترتيباً على ذلك فإن النظام المالي في فكر الشيخ جابر الاحمد، هو جزء من النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدولة، الذي يتمثل هدفه بالامور التالية:
1ـ المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، خاصة وان طبيعة هذا النظام معرضة لبعض الازمات الطارئة.
2ـ عدالة توزيع الدخل القومي بهدف تقليل الضغوط التي يتعرض لها النظام الرأسمالي عادة بسبب التناقضات والتفاوت الحاد في نمط توزيع الدخل.
3ـ التخصيص الكفء للموارد لتقليل تبديد الموارد الاقتصادية.
4ـ دعم النمو الذاتي لهذا النظام لتأمينه وحمايته.
وتهدف هذه الاغراض جميعها الى تحقيق ما يعرف بالرفاهية الاجتماعية، وهذا هو وجه التكامل بينها. من هنا كانت فلسفة دولة الرفاه في مقدمة الاهداف في فكر الشيخ جابر الاحمد، والذي سعى الى تحقيقها منذ توليه الشؤون المالية في الامارة، ومن ثم في الدولة.
يقول خالد ابو السعود في هذا الصدد: «... لقد كان للخبراء الاجانب قبل الاستقلال ـ وبخاصة الانجليز منهم ـ دور عملي كبير في دائرة المالية وما يتبعها من ادارات اخرى في ذلك الوقت، واذكر منهم «ماكريجرMcgrager» وكان مسؤولاً عن ملف النفط، و«ستورفر Strover» وكان مسؤول حسابات الاستثمار الذي يشمل اموال الاحتياطي، ويقوم «دوف Doff» بادارة العمليات المصرفية، بينما كان «اودونيل Odunell» مسؤولاً عن الشؤون الادارية وهكذا..».
ويمضي ابو السعود مؤكداً: «.... وكانت هذه الدائرة من اهم الدوائر التي توليها الدولة رعايتها، لانها كانت تتولى حركة البناء والتشييد، حيث كانت الدولة في ذلك الوقت في حركة بناء ونمو مستمر، وكانت على ارتباط ببقية الدوائر الاخرى في الدولة من خلال ما تقوم به من تغذية مالية...».
وفي هذا السياق يمضي ابو السعود، فيقول: «..... عند تولي الشيخ جابر الاحمد رئاسة المالية في عام 1959م، تغير مسمى الدائرة ليصبح دائرة المالية والنفط كما تغير بعد ذلك مسماها عدة مرات. وكانت هذه التغيرات في المسمى تحدث وفقاً للتطور والاغراض والنشاطات التي كانت تضاف اليها، او ترفع عنها.
وكانت هذه الدوائر تقوم في الوقت نفسه ببعض اعمال الادارات الاخرى التي لم تكن لها دائرة قائمة بذاتها، مثل البريد والبرق التي كانت تقوم بنشاطاتها شركة انجليزية، حيث الغيت هذه الشركة بعد سيطرة الحكومة على شؤونها كلياً، واصبحت تحت ادارة ومراقبة دائرة المالية...».
ويسترسل ابو السعود في سرد ذكرياته عن تلك المرحلة، فيقوب: «.... لم يكن آنذاك جهاز للخارجية فكانت دائرة المالية تقوم عملياً بكثير من الاعمال التي من المفترض ان يقوم بها جهاز الخارجية، مثل الاتصالات والعلاقات الدولية، وابرام معاهدات معينة، واتفاقيات نفطية معينة، واجتماعات المنظمات الدولية والاقليمية وغيرها..».
ويعود ابو السعود ثانية، ليؤكد: «....ان دائرة المالية، في عهد الشيخ جابر الاحمد، كانت ـ عملياً ـ هي مركز نشاطات الدولة، وخصوصاً الدوائر التي لم تكن قد تأسست آنذاك، والتي انبثقت فيما بعد من رحم دائرة المالية.. بعبارة ثانية كان التنظيم الاداري واحداً من الامور التي شغلت فكر الشيخ جابر الاحمد، في تلك الفترة في خطوة منه لجعل الكويت دولة مؤسسات. وكانت انجازاته في هذا الاتجاه كبيرة، وكان اول انجاز رئيسي قام به هو تنظيم ميزانية الدولة...».

إدارة وتنظيم
الميزانية العامة للدولة

لقد كان للشيخ جابر الاحمد افكاره العصرية في تنظيم الهياكل الاساسية لكيانات مؤسسات الدولة، فقد اهتم بإرساء التنظيمات اللازمة لميزانية الدولة الحديثة، فمنذ ان تسلم دائرة المالية في عام 1959، بدأ التخطيط لتوضع ميزانية دقيقة ومرتبة للدولة. هذه الجهود والرغبة في التحديث واجهت صعوبات كثيرة، تمكن من التغلب عليها بمساندة ودعم المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، وكان من نتيجتها ان اصبح للدولة ميزانية حسب المعايير والاصول المتعارف عليها، يتم الصرف منها بموجب البنود الواضحة، وفي حدود اللوائح والنظم المالية.
وفي هذا المضمون يقول فيصل المزيدي، وهو واحد من رجالات الرعيل الاول الذين عملوا معه: «.. كان سمو الشيخ جابر الاحمد يعتبر الميزانية العامة للدولة دعامة اساسية من دعائم النظام السياسي والمالي في البلاد، والمنهاج السياسي والادارة الفعالة للخطة العامة الادارية والاقتصادية والاجتماعية للحكومة..».
ويضيف المزيدي، فيقول «.. قبل ذلك الوقت، اذا احتاج رؤساء الدوائر اموالا كانوا يرسلون طلبهم الى احمد عبداللطيف «مدير دائرة المالية»، فيتم الصرف بهذا المقتضى، ولم يكن سموه يحبذ هذه الطريقة غير المنظمة في الصرف، فأمر بتشكيل لجنة اقتصادية وصناعية، كنت ارأسها، وكانت مهمتها النظر في الامور الاقتصادية وطلبات الصرف المالية..».
ويمضي المزيدي في هذه الاضافة، فيقول: .. وفيما يتعلق باللجنة الاقتصادية والصناعية، فقد دعمها بالخبرات العربية كأعضاء فيها. ومن هؤلاء الاستاذ الياس سابا، الدكتور بشير الداعوق والدكتور صائب الجارودي، والدكتور عصام عاشور. وجميع هؤلاء ـ بالاضافة الى الاخرين ـ درسوا في الجامعة الامريكية في بيروت. وكانت للجنة محاضرها التي تصدر فيها قراراتها وتوصياتها، وكانت في منتهى الشفافية وتصدر في جريدة «الكويت اليوم» الرسمية.
ولذلك كان سموه كثيرا ما يتبنى ـ دون تحفظ ـ ما كان يقترح عليه من قبل هذه اللجنة ومستشاريه الاخرين لتحقيق اهدافه. وكان تنظيم ميزانية الدولة واحدا من اولويات هذه الاهداف..».
ويختم المزيدي هذه المداخلة حول ذكرياته في هذا الجانب، فيقول: «.. ومن اهم ما قامت به اللجنة ـ بتوجيهات سموه ودعمه ـ فكرة انشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وفكرة إنشاء هيئة الشعيبة الصناعية، وهما فكرتان رائدتان. اسهمت الاولى في المساعدة على تطوير اقتصاديات الدول العربية، ومن بعدها دول كثيرة في العالم الثالث. اما الثانية فقد اثرت الكويت وجعلت منطقة الشعيبة منطقة صناعية حديثة، تزخر بالصناعات الوطنية المختلفة التي استفادت من استثمارات الحكومة في انشاء البنية التحتية كشق الطرق، وبناء شبكة انابيب لتوصيل ما تحتاج من كهرباء وماء وغاز. كما انشىء في المنطقة ميناء حديث لصادرات المنطقة، وامور اخرى تتعلق بخلق بيئة صناعية متكاملة..».
منهيا تلك الافكار الخاتمة بنتيجة خلاصتها: «... ولقد امكن عن طريق الميزانية العامة للدولة منح المواطنين الكويتيين قوة شرائية هائلة، تطورت ونمت بصورة متناسقة ومنسجمة عبر السنين مع تطور ونمو الايرادات والعائدات النفطية»..
وفي هذا السياق يقول خالد ابو السعود: «.. لقد كان النظام المحاسبي المتبع في دائرة المالية انذاك، نظام يستند على تعبير محاسبي اصطلح على تسميته بالسلفة المستديمة، وكان المتبع في ذلك الوقت ان يعهد الى كل رئيس دائرة من دوائر الدولة بمبلغ معين ليقوم بالصرف منه على شؤون واحتياجات دائرته، ثم يقدم كشوفا بالمصروفات في اخر كل شهر الى دائرة المالية حتى تعوضه عما تم صرفه، ليعود رصيد المبلغ كما كان اول الشهر، فكان النظام المالي مبنيا على هذا الاساس، ولم تكن هناك قيود على الصرف، ما عدا ما تعارف عليه في ذلك الوقت بأن يكون الصرف في حدود اختصاصات والتزامات الدائرة المختصة..».
من جهة اخرى، فإن النفقات العامة في الكويت تنساب من الخزانة العامة الى الاوعية الاقتصادية وفقا لحاجة المجتمع، ووفقا لطبيعة الاثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المترتبة عليها.
وعليه يمكن اعتبار مجموع الرواتب والاجور والمخصصات المدفوعة «الباب الاول» ابرز فقرة رئيسية في الميزانية ، نظرا للاهمية الفائقة التي اعطتها دائرة المالية لسياسة الاجور في الجهاز الحكومي، وذلك باعتمادها للاجر بصفته وسيلة فعالة من وسائل السياسة الرامية الى اعادة توزيع الثروة، ورفع المستوى المعيشي للمواطنين، مما رتب على ذلك اثارا اقتصادية واجتماعية وسياسية مهمة دافعة للنمو الاقتصادي، ومثبتة لدعائم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الدولة.
ويعود تاريخ اول تعميم صدر عن دائرة المالية في شأن الميزانية الى مطلع عام 1965، الذي حددت بموجبه القواعد الواجب اتباعها في اعداد الميزانية، فقام على اثرها الشيخ عبدالله السالم الصباح بتاريخ 11 يوليو عام 1956 بإصدار امر الى رئيس دائرة المالية بالالتزام بالقواعد الواردة في التعميم المشار اليه.
وفي عام 1957 صدر المرسوم الاميري رقم 1 بشأن ميزانية الامارة ومسؤولية الدوائر عن محاسبتها، وكان هذا المرسوم اول اداة تشريعية في هذا الشأن، نصت في مادتها الاولى على انه يجب ان تكون لكل دائرة، بدون استثناء، موازنة عامة، وضعت بدقة، وعلى اصح التقديرات، واقربها الى الصواب على قدر الامكان.
وفي 9 فبراير عام 1960 صدر المرسوم الاميري رقم 1 لسنة 1960 موضحا بصورة كاملة المبادىء الاساسية في كيفية اعداد الميزانية والجهات المسؤولة عنها في كل مرحلة من مراحلها. وقد تناول المرسوم العديد من القواعد التي استخلص اكثرها من التجارب التي مرت بها دائرة المالية، وثبتت صلاحيتها، ودلت الحاجة على وجوب تقنينها لتكون قواعد مستقرة وملزمة وثابتة، وهذا امر من الامور الكبيرة الاهمية في السياسة المالية للدولة، كما جاء في المذكرة التفسيرية لهذا القانون. وكان من ضمن هذه المؤشرات التنظيمية انشاء الاحتياطي العام الذي يتم تمويله من فائض الميزانية، الذي اشتمل حينها على جميع استثمارات الدولة، سواء اكان داخل الكويت ام خارجها.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:52 AM

[frame="1 80"]ويشير خالد ابو السعود الى ان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بتنظيم الميزانية العامة للدولة يرجع الى ما قبل صدور قانون الميزانية عام 1960، اذ يقول: «.. كان هناك العديد من الاجراءات التنظيمية والتعليمات اللازمة لاعداد ميزانية كل دائرة من دوائر الحكومة، فبدأنا نطالب الدوائر الأخرى بالتقيد بمصاريف وأدوار معينة لضبط واحكام عملية الصرف ومراقبة الايرادات، وان تتقدم بكشوف دقيقة بالمصروفات والايرادات، ولقد واجهنا في أول خطواتنا التنظيمية، هذه، بعض الصعوبات، ولكن مع ذلك اصبح الأمر سهلا بصدور احكام قانون الميزانية والحساب الختامي، التي تتقيد بها جميع دوائر الدولة، فكانت هذه الخطوة، وبرعاية سموه، هي اللبنة الأولى واحدى الدعائم الاساسية لبناء الاقتصاد الوطني لدولة الكويت منذ ذلك التاريخ..
ويمضي أبو السعود مؤكدا.. ولقد اشرف الشيخ جابر الاحمد منذ بداية التطوير على وضع الميزانية بوصفه رئيسا للمالية، وكما ذكرت، فقبل اصدار القانون كانت هناك قواعد ولوائح تصدر للادارات المعنية للتقيد بها، خصوصا ما يتعلق بالمخازن وعليه، فقد كان أول عمل تنظيمي هام قام به رئيس المالية في ذلك الوقت هو اعداد الميزانية العامة للدولة.
وتم وضع مشروع الميزانية بمساعدة الجهاز المالي والخبراء الموجودين آنذاك، ولقد تأثر مشروع الميزانية كثيرا بالتشريعات المصرية، ويمكنني القول بان المشروع وضع مطابقا لقانون الميزانية المصري، وبمساعدة عدد من الخبراء المصريين.
وفي عام 1962م صدر القرار الوزاري رقم 16 لسنة 1962م في شأن تنظيم وظائف ادارات الشؤون المالية في الوزارات، وقد اختصت المادة الاولى بتقسيم الاداراة الى اربع مراقبات رئيسية عامة هي:
1 ـ مراقبة الميزانية «ميزانيات الوزارات».
2 ـ مراقبة المحاسبة العامة.
3 ـ مراقبة البنوك.
4 ـ مراقبة الايرادات الاحتياطية.
وفي يوليو عام 1978م صدر القانون رقم 13 لسنة 1978م في شأن قواعد اعداد الميزانيات العامة، والرقابة على تنفيذها، والحساب الختامي، وقد اكدت المادة الاولى منه على ضرورة ان تشمل كل ميزانية عامة جميع الايرادات المقدر تحصيلها، وجميع المصروفات المقدر انفاقها في السنة المالية.
وأكدت المادة الرابعة عشرة على ان يعرض وزير المالية مشروع الميزانية مصحوبا ببيان على مجلس الوزراء لاقرارهما، والذي يجب ان يتم في وقت يسمح بتقديم المشروع الى السلطة التشريعية قبل انتهاء السنة المالية الجارية بشهرين على الأقل، ويبلغ وزير المالية قانون الميزانية بعد صدوره الى الجهات المعنية للعمل به. وأكدت المادة السادسة عشرة على أنه اذا لم يصدر قانون الميزانية قبل بدء السنة المالية يعمل بالميزانية السابقة لحين صدوره، ويصدر بذلك تعميم من وزير المالية. واذا كانت بعض أبواب الميزانية الجديدة قد أقرت من قبل السلطة التشريعية، يعمل بمقتضى تلك الأبواب.
وتشكل الايرادات النفطية، التي تتكون من مبيعات النفط الخام والغاز، وضريبة الدخل من شركات النفط، ورسوم الامتياز من شركات النفط ـ منذ بداية الانتاج ـ جميع ميزانيات الدولة تقريبا.
ففي السنة المالية 53/1954م بلغت نسبة مساهمة الايرادات النفطية حوالي 97% من جملة ايرادات الدولة، ولكن في السنة المالية 57/1958م انخفضت نسبة هذه المساهمة الى 87% الا انها عادت للارتفاع في الستينيات لتصل في السنة المالية 85/1986م الى ما نسبته 89.9% من جملة الايرادات. وكانت ايرادات الدولة دائما تفوق مصروفاتها، ففي السنة المالية 62/1963م بلغت الايرادات 189.8 مليون دينار كويتي، في حين كانت المصروفات 166.52 مليون دينار كويتي، وفي السنة المالية 69/1970م بلغت الايرادات 306.5 ملايين دينار كويتي، في حين وصلت المصروفات 285.5 مليون دينار كويتي، من هنا نجد ان الدولة كانت تحقق فائضا ماليا استخدم في تكوين احتياطات اخذت في التزايد حتى اصبحت موجوداتها المستثمرة تدر عائدا ملحوظا، لا سيما مع تراجع عائدات النفط.
ويحدثنا خالد أبو السعود عن اهم عنصر من عناصر المصروفات في الميزانية في ذلك الوقت، فيقول: .. لقد كان أهم عنصر من عناصر المصروفات في الميزانية هو عنصر الاستملاك «التثمين» قبل عام 1959م وبعده. وكان الاستملاك يمثل البند الأساسي في عملية الصرف، حيث كانت الدولة في نهضة ونمو وتطور وفي حاجة لاستملاك الاراضي للبناء والتعمير والسكن، وتشييد المدارس والمستشفيات والطرق والمرافق والمباني العامة وغيرها. وقد استملكت الدولة معظم الأراضي داخل السور.
وكان الاستملاك يستهلك مبالغ ضخمة من الميزانية لا تقل نسبتها عن 60% من مصروفات الدولة في السنوات من 1955م الى 1959م، وكانت أهداف سمو الشيخ جابر الأحمد تتبلور في ان الاستملاك في الواقع تنشيط للدورة الاقتصادية، كما كان للتثمين ـ عن طريق اعادة توزيع الثروة على المواطنين ـ دوره في تفعيل وتنشيط السوق والحركة التجارية، وحركة البناء والاعمار والتشييد في الدولة، ولقد كانت الكويت في هذه الفترة التنموية بمثابة ورشة عمل، وكان الاستملاك فيها هو العنصر الاساسي لتوزيع ايرادات الدولة على الشعب عمليا..».
ويضيف ابو السعود مؤرخا لفترة الاستملاك، فيقول: .. هذا، وكان المد الكبير في حركة الاستملاك فيما بين الاعوام 1954م الى 1959م، واستمر حتى عام 65/1966م، ولكن بشكل أقل بكثير من فترة الخمسينيات، حتى استكملت عملية شراء الاراضي والعقارات اللازمة لبناء وتطوير الدولة باشراف وتوجيهات سمو الشيخ جابر الاحمد، وقد استخدمت أموال الميزانية للصرف، وتحقيق أغراض رئيسية للشعب من تعليم واسكان وبناء مرافق واستملاك.. الخ، واصبح التنسيق كاملا بين وزارة المالية والوزارات الأخرى، تحكمه قوانين ولوائح الميزانية، والحساب الختامي..».
ومع تطور دولة الكويت ـ بصفتها دولة مؤسسات ـ في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ترتب على ذلك تقسيم الوزارات الى ادارات وهيئات وفروع وأقسام، الأمر الذي تعين معه انشاء جهاز للمحاسبة الحكومية، يمكن معه مراقبة مختلف نشاطات الادارات الحكومية.
وضمن هذه المؤشرات التنظيمية تم في عام 1960م اتخاذ عدة خطوات لتنظيم مالية الدولة، كان من بينها انشاء الاحتياطي العام الذي يتم تمويله من فائض الميزانية، وقد اشتمل الاحتياطي العام حينها على استثمارات الدولة، سواء أكان ذلك في الداخل أم في الخارج.
ولا شك في ان حكمة القيادة الاقتصادية الكويتية الواعية تجلت في السبعينيات حين قامت بخطوات واسعة تمثلت الأوضاع الاستثمارية في اطار رؤية مستقبلية شاملة، وذلك باصدار القانون رقم 106 لسنة 1976م الذي ينص على استقطاع 10% سنويا من الإيرادات العامة للدولة، ترصد في حساب خاص يسمى احتياطي الأجيال القادمة، واضافة العوائد الناتجة عن استثماراتها الى هذا الحساب، كما تضم نسبة قدرها 50% من المال الاحتياطي العام للدولة الموجود عند العمل بهذا القانون الى هذا الحساب، بحيث يكون الاحتياطي مصدر إيراد للأجيال القادمة إذا ما نضب النفط، أو تعرضت اسواقه للكساد.
واليوم تعد الاستثمارات الكويتية في الخارج واحدة من أهم مصادر الدخل القومي للبلاد بعد الصناعة النفطية، مؤكدة بذلك حجم الأنشطة المالية والتوظيف الاستثماري للاحتياطي العام للدولة واحتياطي الأجيال القادمة، وأضحت هذه الاستثمارات خير برهان على نفاذ بصيرة القيادة الكويتية التي وضعت الكويت بين الدول الرائدة في مجال الاستثمار المالي، وقد شملت الاستثمارات العقارية والنفطية وأسهم الشركات والخدمات العامة، وغيرها من المجالات الاستثمارية، وذلك على الرغم من المصاعب المالية التي تعرضت لها الكويت في الاونة الاخيرة.
وفي هذا النطاق قد تم شراء اسهم وسندات عديدة من شركات النفط الأوروبية، بجانب شراء محطات تزويد الوقود في أوروبا بهدف توسيع مجالات الاستثمارات النفطية، وتخفيف الاعتماد على النفط الخام كمورد وحيد للدخل القومي، ومد عمر احتياطي النفط في الكويت لتصبح موارد الاستثمار موازية لعائدات النفط، ان لم تفقها في المستقبل.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:52 AM

[frame="1 80"]استعادة الثروات النفطية

«إن الثروة النفطية ليست وحدها الدافع المحرك للمطامع في الكويت في هذه الحقبة من تاريخنا، فقد كانت الكويت موضعا لمطامع كثيرة على امتداد تاريخها».
جابر الأحمد

لقد بادرت الكويت خلال مرحلة التنظيم والبناء بجهود الشيخ جابر الأحمد باتخاذ خطوة نفطية جريئة ذات تأثير هائل في المنطقة. عندما قررت ان تستعيد ثروتها النفطية واحكام السيطرة عليها بالكامل، وذلك عن طريق الغاء الامتياز النفطي الذي اعطي للشركات الأجنبية، والذي وقع عام 1936م، حيث كان مقدرا ان يبقى هذا الامتياز حتى عام 2025م.
وهكذا تحقق للكويت ما أرادته، وما سعت اليه، بصدور المراسيم الأميرية التي حققت ذلك الانجاز الوطني العظيم. وهذه كانت واحدة من أهداف الشيخ جابر الأحمد الاقتصادية. حين استثمرت الحكومة برئاسته كل فرصة تسمح بها التطورات العالمية لتحقيق هذا الهدف، وكان منها اتفاقية المشاركة الموقعة بتاريخ 29 يناير عام 1974م التي صدقت عليها الكويت بالقانون رقم 9 لسنة 1974م، وحصلت على 60% من حقوق الامتياز والعمليات والمرافق النفطية التي كانت لشركة BP الكويت المحدودة، وشركة غلف الكويت.
ولم تكتف الكويت بهذا القدر من المشاركة فسرعان ما طرحت الحكومة الكويتية على الشركتين ضرورة مراجعة هذه العلاقة، تنفيذا لنص المادة السابعة من الاتفاقية التي تعطي الحكومة حق المطالبة بمراجعة بنودها قبل عام 1979م، وبهذا تحقق اتمام سيطرة الدولة سيطرة كاملة على ثروتها النفطية، عندما استجابت الشركتان لما اعلنته الحكومة، وانتهت المفاوضات بين الطرفين الى اتفاقية تنهي هذه المشاركة، حيث قرر رئيس مجلس الوزراء تفويض وزير النفط بتوقيعها نيابة عن الحكومة في الأول من ديسمبر عام 1975م ومن ثم احالتها الى مجلس الأمة اعمالا بنص المادة 152 من الدستور.
وقد نصت المادة الأولى من الاتفاقية على انه: اعتبارا من تاريخ 5 مارس 1975م قد آلت الى الحكومة جميع المصالح النفطية المتبقية للشركتين من الحقوق، بما في ذلك: حقوق الامتياز والعمليات والمرافق في الكويت، شاملة مرافق التكرير وتسييل الغاز وموجودات النفط في ذلك التاريخ.
وبهذا النص تحققت الأمنية الوطنية للكويت وابنائها بالغاء الامتياز الذي منح للشركتين المعنيتين، وكل ما ترتب عليه منذ 23 ديسمبر عام 1936م، والغاء ما لحقه من اتفاقيات اخرى، وعلى وجه الخصوص اتفاقية المشاركة الموقعة بتاريخ 29 يناير عام 1974م.

سموه أدرك أن القطاع العام له دور رئيسي في دعم التنمية الصناعية الأمير سعى لتحقيق طفرة في القطاع النفطي لتنمية المجتمع وتحديث الاقتصاد وتحقيق الرفاهية
توقفنا في الحلقة السابقة عند الغاء الامتياز الذي منح للشركات الاهلية في مجال النفط وايلولة جميع ما تبقى للشركتين من مصالح نفطية في الكويت الى الحكومة، تصفية مساهمة الشركتين في شركة نفط الكويت التي انشئت في اطار اتفاقية المشاركة لمباشرة عمليات الانتاج النفطي بذاتها، فنصت المادة الثالثة من الاتفاقية على التزام الشركتين بتحويل كامل ملكيتهما من الاسهم الى الشركة المذكورة لقاء حصولهما على القيمة الاسمية لهذه الاسهم. كما تم انهاء تمثيل الشركتين في مجلس ادارة شركة نفط الكويت، ليصبح تشكيل هذا المجلس من صلاحيات الحكومة المطلقة، وكذا انهاء تمثيلهما في اللجنة الادارية المشتركة التي كانت تباشر ـ في اطار اتفاقية المشاركة ـ سلطة اتخاذ القرارات الاساسية للادارة العليا.
وقد قررت الاتفاقية ايضاً في مادتها الرابعة دخول الحكومة والشركتين في ترتيبات بشأن تزويد الشركتين ـ وعلى اسس تجارية ـ بالنفط، وما يتعلق بذلك من مسائل كتأجير الناقلات الكويتية، وتزويد السفن التي تحمل النفط الكويتي بالوقود.
وقد كفل هذا النص تأمين صادرات النفط الكويتي واستمرار تدفقه الى اسواقه العالمية، كما اكد النص على الترتيبات التعاقدية المشار اليها، وهي ترتيبات تبنى على الاسس التجارية المعتادة من عقود بيع النفط، وتتم بموافقة الحكومة عليها في حينه، وتراعى فيها اوضاع صناعة وتجارة النفط العالمية وتطوراتها.
كما نصت المادة الخامسة من الاتفاقية على اعتبار ما تم الاتفاق عليه تسوية تامة ونهائية للمطالب المعلقة لكلا الطرفين حتى 4 مارس عام 1975م، وهو تاريخ اليوم السابق مباشرة لموعد ايلولة حقوق الشركتين ومصالحهما الى الدولة، على ان يستثنى من هذه التسوية ما هو مترتب على الشركتين من التزامات خاصة بضريبة الدخل، وهي التزامات تسوى نهائيا وفقاً لاحكام مرسوم ضريبة الدخل الكويتية.
واخيراً نصت المادة السادسة على ان تصبح الاتفاقية نافذة المفعول عند التصديق عليها وفقاً لاحكام دستور الكويت. ومتى تم ذلك التصديق سرت احكامها وترتبت آثارها اعتباراً من 5 مارس عام 1975م.
وفي 16 مارس عام 1976م صدر القانون رقم 10 لسنة 1976م القاضي بالموافقة على الاتفاقية المذكورة، لتصبح الدولة المالك الوحيد لكامل قطاع النفط والمسيطر على السياسة الانتاجية والتسعيرية والتشغيلية لاستخراج النفط والعمليات اللاحقة له. وكانت هذه الخطوات ضرورية لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن تحديد معدلات انتاج النفط الخام، ومعدلات النمو للقطاع النفطي، واشكال هذا النمو، بما يخدم السياسات الانمائية والمصالح الرئيسية للكويت، ويؤمن الاستغلال الامثل لثروتها النفطية.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:53 AM

[frame="1 80"]دور عائدات النفط
في انماء الصناعات النفطية

لقد ادرك الشيخ جابر الاحمد منذ بداية النهضة ان مساهمة القطاع العام في عمليات التنمية الصناعية امر ضروري، لكون الدولة هي المسيطر الوحيد على قطاع النفط، بالتالي يقع عليها عبء تنمية المجتمع، وتحديث اقتصاده وتحقيق الرفاه لافراده، واختصار الطريق الى بناء المجتمع المدني العصري المتقدم. من هنا سعى، ومنذ توليه مسؤوليه تنظيم واستثمار العائدات النفطية، الى زيادة معدلات تصنيع النفط بدلاً من تصديره خاماً الى الاسواق العالمية. فقامت الدولة بتوسعة وتحديث المصافي المحلية في منتصف الثمانينات لانتاج منتجات بترولية بمواصفات عالمية ووقود نظيف، الامر الذي اصبحت معه المصافي الكويتية تضاهي المصافي العالمية في مواصفاتها.
وكان من اوائل المشروعات التي اولاها الشيخ جابر الاحمد جل اهتمامه تأسيس شركة صناعة البتروكيماويات عام 1963م لتحقيق اهداف تنويع مصادر الدخل القومي، والاستفادة من موارد الدولة الطبيعية لاقامة صناعة بترو كيماويات متنوعة، واستغلال الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط، وكانت اولى هذه الخطوات هي: استثمار هذا الغاز في صناعة الاسمدة النتروجينية المخصبة للتربة.
وقد شهدت صناعة البتروكيمياويات عدة توسعات على مدار السنوات الماضية، وتعددت المصانع المتنوعة التي تمتلكها الشركة، وكان في مقدمة انجازاتها الضخمة «مشروع مجمع البتروكيماويات»: وهو مشروع مشترك تساهم فيه كل من شركة صناعة الكيماويات البترولية بنسبة 45% والشريك الاجنبي «يونيون كاربيد» بنسبة 45% وللقطاع الخاص «شركة بوبيان للبتروكيماويات» بنسبة 10% وكذلك «مشروع البولي بتروبيلين». وتخطط الشركة لانشاء مجمع العطريات، والذي من اهم منتجاته مادة البرازلين التي تدخل في العديد من الصناعات النسيجية وصناعة مواد الجراحة.
وقد شكلت قيمة الانتاج المتولدة من الصناعة النفطية حسب البيانات والاحصائيات المتوفرة عام 1998م حوالي 67% من جملة قيمة الصناعات التحويلية في الدولة، وتدل هذه النسبة على مدى ارتفاع مساهمة صناعة النفط في جملة الصناعات التحويلية في دولة الكويت.
وفي عام 1980م انشئت مؤسسة البترول الكويتية بموجب مرسوم القانون رقم 6 لسنة 1980م، والذي صدر بتاريخ 21 يناير 1980م بوصفها مؤسسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة يشرف عليها وزير النفط، ويكون مقرها القانوني الكويت، ولها حق انشاء الفروع والمكاتب والتوكيلات في الداخل والخارج.
وقد حدد مرسوم قانون الانشاء اغراض المؤسسة بالقيام بالاعمال المتعلقة بصناعة النفط كافة، والمواد الهيدروكربونية بصفة عامة، او بالصناعات المتفرعة او المرتبطة بها.
ونص القانون ـ ايضاً ـ ان تؤول للمؤسسة اسهم الدولة جميعاً في شركات: نفط الكويت، والبترول الوطنية الكويتية، وصناعة الكيماويات البترولية، وناقلات النفط الكويتية، وكذلك حصة الدولة في رأسمال شركة الزيت العربية المحدودة ـ الكويتية اليابانية ـ 60%، وكذا امتياز انتاج النفط والغاز في المنطقة المحايدة المغمورة، ومشروع الاستغلال الشامل للغاز الطبيعي، وملكية ناقلات الغاز المسال، وعقود ناقلات الغاز المسال، وقد حدد القانون رأسمال المؤسسة بألف مليون دينار كويتي في عام 1982م.
كما ساهمت المؤسسة، في يونيو عام 1980م، بالمشاركة مع ثلاث شركات ـ امريكية وكندية وسويدية ـ في تأسيس «الشركة الدولية لتنمية الطاقة «لتباشر نشاطاتها في مجال الاستكشافات والتنقيب عن النفط الخام والغاز، وبخاصة في دول العالم الثالث.
وفي ديسمبر عام 1981 تملكت المؤسسة «شركة سانتافي الامريكية» التي يرجع تاريخ تأسيسها الى عام 1948م، والتي تعمل في الصناعة النفطية من خلال اربع شركات كبرى.
وفي الاول من فبراير عام 1983م وقعت المؤسسة في لندن، اتفاقية تملكت بموجبها المرافق المتممة للانتاج والتابعة «لشركة غلف اويل» في «هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ» وشملت هذه الصفقة مصفاة بطاقة تبلغ 75 الف برميل يومياً، واخرى لزيوت التزييت في روتردام بهولندا، بالاضافة الى شبكتها الخاصة بالتسويق والتوزيع التي تتضمن 705 محطات بنزين في بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وتسعة مستودعات للمنتجات التي تحمل جميعها دلالة الكويت Q.8 وبهذه الخطة دخلت الكويت ممثلة بالمؤسسة مجال التسويق المباشر للمستهلكين في خارج حدودها.
في الرابع من شهر مارس عام 1983م وقعت المؤسسة اتفاقية تم بموجبها امتلاك مرافق اخرى لشركة «غلف اويل»، منها: مصفاة طاقتها 85 الف برميل في اليوم في الدنمارك، ومرفقات لمزج زيوت التزييت، اضافة الى 825 محطة بنزين في الدنمارك والسويد.
وفي شهر اغسطس من عام 1983م اقامت المؤسسة شركة اخرى هي الشركة الدولية الكويتية للبترول التي تتخذ من لنذن مقراً لها. وتتولى هذه الشركة عدة مهام من بينها: التنسيق بين العمليات المتممة للانتاج.
وفي اغسطس عام 1984م قامت المؤسسة بتوقيع اتفاقية تعاون مشترك مع شركة «فولفو» السويدية للسيارات. تم بمقتضاها بيع الغازولين الكويتي لاصحاب الشركة بأسعار مخفضة، وتغطي الاتفاقية عمليات تنمية تجارية وفنية مشتركة.
وفي ديسمبر عام 1984م اصبحت المؤسسة اول شركة نفط عالمية توفر بنزيناً خالياً من الرصاص للسائقين في خمس دول اوروبية هي: «الدنمارك والسويد وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ»، كما قامت المؤسسة بكثير من المشروعات النفطية المشتركة على المستوى الخليجي والعربي والدولي.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:53 AM

[frame="1 80"]الشيخ جابر الأحمد ودعمه
للصناعة والتصنيع

تعد النهضة الصناعية في اي بلد من بلدان العالم عنواناً لتقدم وتطور مجتمعها المنتج، وتفاعله مع مقدرات اقتصاده الوطني، وتنمية ركائزه على اسس الانتاج.
ويتطلع الاقتصاديون ورجال الاعمال الى القطاع الصناعي بنظرة مميزة بصفته قطاعاً حيوياً ذا اهمية بين القطاعات الاخرى، نظراً لطبيعة المنتجات السلعية لهذا القطاع والتي تتعدد استخداماتها في حياة الانسان المعاصر الى حد بعيد.
ومع ان الكويت تسعى بجدية ملحوظة لتطوير مرافقها الاقتصادية بالشكل الذي يجعلها تنأى عن الاعتماد على اقتصاد احادي الجانب، فإن معوقات البيئة والطبيعة تجابه الطموح المحلي لجعل القطاع الصناعي قطاعاً مهماً في الحياة الاقتصادية، وعلى الرغم من ذلك فإن الانتاج الصناعي الكويتي اخذ في التزايد في السنوات الاخيرة في ضوء الامكانات المتاحة، والتي يسعى الاقتصاد الكويتي بطموح بارز الى تطويرها.
لقد اولى الشيخ جابر الاحمد خلال هذه المرحلة، «مرحلة توليه لمهام دائرة المالية وحتى توليه ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزارة»، اهمية خاصة لهذا الجانب في الاقتصاد الكويتي، والذي يبرز جلياً في كلمته بمناسبة افتتاح بنك الكويت الصناعي ما يؤكد هذا التوجه، حين يقول:«... حظيت الصناعة بنصيب وافر من اهتمام الدولة منذ مطلع نهضتها الاقتصادية، مما كفل لها اسباب النجاح والنمو المضطرد، وقد تولت الحكومة بنفسها اقامة المشاريع الصناعية، واشركت معها مؤسسات القطاع الخاص في عدد من هذه المشاريع، وامدتهاجميعاً بالخبرة والمشورة الفنية. ووفرت لها الحوافز والتسهيلات كافة...».
مبرزاً دور الحكومة ودعمها المتنامي لعملية التصنيع في البلاد، حين يشير: «... والحكومة في دعمها لقطاع الصناعة، تهدف الى اقامة اقتصاد وطني على اسس راسخة، وبتنويع مصادر الدخل، وباقامة صناعات توفر المزيد من الفرص لطاقة العمل الكويتية المتنامية، وايجاد فرص استثمار بديلة للفوائض العامة والمدخرات الخاصة....».
وتعتبر اهداف هذا القطاع بالاساس جزءاً من الاهداف العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة لدولة الكويت، حيث يتركز هدفه الاساسي على تدعيم بنية الانتاج الحالية في الاقتصاد الكويتي، وتنمية مصادر انتاج سلعي جديدة تسهم في تنويع القاعدة الاقتصادية، مع احداث التغييرات الاجتماعية المطلوبة لايجاد هذا التنويع.
هكذا، بدأ الاهتمام بالصناعة في دولة الكويت بعد اكتشاف وتصدير النفط، حيث نشأت صناعة نفطية استخراجية متقدمة من الناحية التكنولوجية والتنظيمية والادارية تؤول ملكيتها للشركات الاجنبية الكبرى، وليس لها ارتباط مباشر مع هيكل الاقتصاد الوطني. ويعتبر بدء مرحلة الاهتمام الفعلي بالقطاع الصناعي الوطني مع تولي الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح مهام دائرة المالية ثم وزارة المالية من بعدها. حيث اخذ على عاتقه بناء نهضة الاقتصاد الكويتي الوطني المستقل بكل جوانبه وقطاعاته المختلفة.

المرحلة الاولى (1961م ـ 1968م):

وتبدأ هذه المرحلة بعد حصول الكويت على استقلالها مباشرة، سواء من جانب الحكومة او من جانب القطاع الخاص الذي قام بدور الريادة، بينما اكتفت الحكومة بتسهيل سبل انشائها وتحفيزها، او المساهمة في الصناعات الكبرى المرتبطة بالنفط، والقيام بتوفير الهياكل الاساسية اللازمة لتطوير ونمو هذا القطاع المتمثل في انشاء الطرق ومحطات الطاقة والمناطق الصناعية، وغيرها من الخدمات التي يتطلبها القطاع الصناعي.
ولعل اهم حدث في هذه الفترة هو انشاء منطقة الشعيبة الصناعية عام 1964م، والتي تعتبر مركزاً للتوطّن الصناعي في دولة الكويت، حيث عملت هذه المنطقة على جذب صناعات متعددة ترتبط فيما بينها بروابط خلفية او امامية كبيرة.
وتضم منطقة الشعيبة الصناعية الموسعة، التي تبلغ مساحتها 24 مليون متر مربع، كلاً من المنطقة الشرقية «منطقة الشعيبة الصناعية حوالي 11 مليون متر مربع» والمنطقة الغربية «منطقة غربي ميناء عبد الله الصناعية حوالي 13 مليون متر مربع».
وقد جاء قانون التنمية الصناعية عام 1965م ليدفع الحكومة الى تقديم المزيد من الدعم والعون لهذا القطاع، ومنها المساهمة بدعم نسبي «مباشر وغير مباشر»، وكذا تأجير الاراضي للاغراض الصناعية بأجور رمزية، بالاضافة الى فرض حماية على المنتجات المحلية.

المرحلة الثانية(1968م ـ 1974م):

وفي هذه المرحلة حاولت الدولة ان تنظم عملية التصنيع، وتغير الخطة من نمو صناعي عفوي الى تنمية صناعية مخططة ومبرمجة، وذلك باعداد مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخمسية الاولى 67/1968م ـ 71/1972م، واعداد العديد من المسودات والمقترحات المطلوبة لاستراتيجية التنمية الصناعية.

المرحلة الثالثة (1974م ـ 1980م):

اتسمت هذه المرحلة بسيادة الانتعاش والرواج الاقتصادي، اذ تصاعدت معدلات نمو الطلب المحلي بكل مكوناته، وتسارعت، وتأثر الانفاق الحكومي والفردي بمعدلات غير مسبوقة، مما ترتب عليه دفع الموارد نحو الاستثمار في القطاع الصناعي لسد احتياجات هذا الطلب المتزايد. وهكذا حقق الناتج الصناعي المحلي الحقيقي خلال هذه الفترة معدلاً للنمو بنسبة 8.7% ولعل هذا الانتعاش كان نتيجة حركة تصحيح اسعار النفط وارتفاع ايرادات الدولة، وما صاحب ذلك من توسع في القاعدة الانتاجية، حيث شهد قطاع الصناعات التحويلية نمواً كبيراً بلغ في المتوسط 45%.
واذا ما استبعدنا المنتجات البترولية من قطاع الصناعة التحويلية، فإننا نرى الاستثمار الصناعي في هذا القطاع قد ارتفع من 4،6 ملايين دينار كويتي عام 1974م الى 4،20 مليون دينار كويتي عام 1977م، ثم الى 3،40 مليون دينار كويتي عام .1980
وهكذا فيما بين عامي 1974م و1980م زاد الاستثمار في قطاع الصناعة التحويلية بمعدل زيادة سنوية قدرها 9،35%.

المرحلة الرابعة (1980م ـ 1988م):

وفي هذه المرحلة تعرّض الاقتصاد الكويتي الى ثلاث صدمات حادة، هي الحرب العراقية الايرانية واثارها، وتراجع سوق النفط العالمي الذي ادى الى تدني اسعار النفط الخام بشكل كبير، وانعكس ذلك على تراجع مساهمة القطاع النفطي في الناتج الاجتماعي بالاضافة الى ازمة سوق الاوراق المالية سوق المناخ.
وقد تفاعلت هذه المتغيرات مع بعضها وأدت الى تراجع نصيب قطاع الصناعات التحويلية ـ باستبعاد صناعة التكرير ـ الى 3،7% عام 1984م. لكن الاستثمار الصناعي ظل عام 1981م عند نفس مستوى عام 1980م ثم زاد خلال الفترة من عام 1982م وحتى 1984م، بمعدلات متباطئة بلغت 11% سنويا، ثم بدأ حجم الاستثمار الصناعي في الانخفاض بشكل مطلق، وتراجع بمعدلات سريعة حتى بلغ حجم الاستثمار الصناعي عام 1989م حوالي 50% عن مستواه عام 1980م و1981م.
وفي هذه الفترة انضمت دولة الكويت الى المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين وعلى وجه التحديد عام 1983م كما انضمت الى منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية وتحقيق هدف التكامل الصناعي العربي والعالمي، ودعم المشروعات على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي:

المرحلة الخامسة 1989م ـ 1998م):

وتعتبر هذه المرحلة مرحلة استثنائية بسبب العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت في الثاني من اغسطس عام 1990م وما تركه من آثار تخريبية وتدميرية رهيبة. وبناء عليه انخفض الانتاج الصناعي عام 1990م بنسبة 45% مقارنة بمستوى عام 1989م. حيث يعتبر هذا العام نقطة انتقال بين مرحلتين، هما: المرحلة السابقة، والمرحلة اللاحقة للعدوان والاحتلال. وتعتبر الفترة من عام 1990م ـ 1993م فترة قائمة بذاتها لها ظروفها وتطوراتها المتغيرة المؤثرة فيها بمفردها، وبالتالي فهي ليست امتدادا للفترة الزمنية السابقة. وكما اشرنا انه في عام 1990م انخفض الانتاج الصناعي بنسبة 45% مقارنة بالاسعار الثابتة لعام 1989م. اما في عام 1991م ونتيجة لعدم عودة النشاط الصناعي بعد التحرير «في نهاية فبراير 1991م» الى المستويات الطبيعية مباشرة نظرا للتخريب والتدمير الذي تعرضت له الاصول المستخدمة في قطاع الصناعة التحويلية «بالاسعار الثابتة لعام 1989م». فقد انخفض الانتاج الصناعي بنسبة 63% عن مستوى انتاج عام 1990م.
ونتيجة للجهود التي بذلت لاعادة بناء ما دمره العدوان والاحتلال العراقي، والمحاولات المتواصلة لعودة النشاط الصناعي الى مستوياته الطبيعية قبل العدوان والاحتلال، حققت الطاقة الانتاجية الصناعية باسعار عام 1989م زيادة نسبتها 45% مقارنة بمستوى عام 1990م في حين بلغت الزيادة نسبة 129% مقارنة بمستوى عام 1991م كما بلغت الطاقة الانتاجية الصناعية في عام 1992م حوالي 88% من الطاقة الانتاجية الساندة عام 1989م وهو العام السابق على سنة العدوان والاحتلال.
أما في عام 1993م فقد تابع قطاع الصناعات التحويلية نموه حيث بلغت قيمة مساهمته نحو 586 مليون دينار كويتي الا ان مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي انخفضت الى 7،8% وذلك نتيجة ازدياد قيمة مساهمة القطاعات الاخرى، وفي مقدمتها قطاع النفط. ثم اخذ هذا القطاع يسترد عافيته، وبدأت تظهر صناعات تصديرية غير نفطية، وازداد الوعي الصناعي بين المستثمرين في هذا القطاع.
وفي عام 1996م صدر قانون الصناعة رقم 56 لسنة 1996م بانشاء الهيئة العامة للصناعة، والتي تهدف الى تنمية النشاط الصناعي والنهوض به عن طريق تشجيع الصناعا المحلية، وتنمية وتشجيع الحرف الصناعية وتهيئة المناخ الملائم لجذب المزيد من الاستثمارات وتعميق الوعي الصناعي لدى المواطنين وتوثيق التعاون الصناعي مع مختلف الدول والمنظمات الدولية.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:54 AM

[frame="1 80"]
العوامل المحفّزة لنمو القطاع الصناعي

بتوجيهات من الشيخ جابر الاحمد وزير المالية صدر قانون الصناعة رقم 6 لسنة 1965م المتضمن مجموعة الحوافز التي توفرها الدولة للمستثمر الصناعي لتشجيعه وضمان بقاء واستمرارية المشروعات الصناعية. وتشمل هذه الحوافز دعما عينيا مباشرا ودعما اداريا خلال الاحكام الواردة في هذا القانون، ومن اهم الحوافز والتشجيعات التي كفلها القانون وتعمل الدولة بموجبها ما يلي:

حوافز الحماية وتشجيع التصنيع:

وتشمل الحوافز المقدمة قبل مرحلة الاستثمار وبعده، نظاما مؤسسيا يسعى لتشجيع المستثمر في المضي قدما في نشاطه. ففي المرحلة الاولى تقوم الدولة بتقديم كل ما يحتاجه المستثمر من بيانات ومعلومات واستشارات دون مقابل، بالاضافة الى شمول منتجه الصناعي بنظام حماية من المنافسة الاجنبية.
وقد تضمن نظام الحماية شروطا الزامية تهدف الى المنشآت الصناعية على تطوير مواصفات منتجاتها باستخدام علامة الجودة الكويتية والالتزام بالمواصفات والمقاييس الكويتية، او الخليجية، او العالمية، بالاضافة الى السعي للحصول على شهادة المواصفات العالمية «الايزو».
كما تضمن هذا النظام الحماية الجمركية كمعايير تشجيعية استهدفت تشجيع المنشآت الصناعية التي ترغب في حماية منتجاتها، وزيادة حجم صادراتها وقدراتها على تكثيف راس المال العامل في المنشأة، وتكثيف استخدام العمالة الوطنية، وزيادة مساهمتها في تغطية متطلبات السوق المحلي.

إنشاء المناطق الصناعية:

تقوم الحكومة بتخصيص قسائم صناعية للمستثمر الصناعي في المناطق الصناعية المختلفة التي هيأتها مسبقا لهذا الغرض، ويتم تأجيرها باسعار رمزية، كما يتم تزويد المصانع بالمياه للتبريد ومياه الشرب والطاقة الكهربائية باسعار رمزية وتجدر الاشارة الى ان عدد المناطق الصناعية في دولة الكويت تصل الى اكثر من اثنتي عشرة منطقة، حيث بلغت مساحتها الاجمالية نحو 35.1 مليون متر، وان اغلب هذه المناطق تم تجهيزها بالكامل. وفي احصائية لوزارة التجارة والصناعة عام 1998م تشير الى ان حوالي (35%) من المنشآت الصناعية، المسجلة في السجل الصناعي، تتركز في منطقة الشويخ الصناعية، بينما (62%) من تلك المنشآت تتركز بالمناطق الصناعية الاخرى بنسب تتراوح ما بين (06،1%) الى (08،9%).

إنشاء البنك الكويتي الصناعي:

يعود تاريخ تأسيس البنك الصناعي الى اواخر عام 1973م برأسمال قدره عشرة ملايين دينار كويتي عند التأسيس وارتفع ليصل الى 20 مليون دينار كويتي. وقد دعمت الحكومة البنك من خلال تقديم قرضين قيمتهما 200 مليون دينار كويتي، بفائدة منخفضة تراوحت بين 5،2و3% لدعم نشاطه.
وقد اوضح الشيخ جابر الاحمد دور البنك الصناعي وواجباته في مواجهة هذه النقلة النوعية في تاريخ الكويت الحديث، عندما علق قائلا: «إن البنك الصناعي يختلف في أهدافه ومجال نشاطه عن البنوك التجارية الاخرى، وليس ثمة شك في ان الاهداف التي تسعى البنوك المتخصصة لتحقيقها، والسبل التي تسلكها اصعب من اهداف وسبل البنوك التجارية، ولذا فان من الضروري ان تكرس البنوك المتخصصة اعمالها في المجالات المخصصة لنشاطها وان لا تخرج عن نطاق تخصصها».
ويمضي في هذا السياق، فيقول: «والبنك الصناعي حيث يركز نشاطه على خدمة الصناعة في البلاد لا يخدم قطاع الاقتصاد فحسب، بل يؤدي واجبا وطنيا اوسع باسهامه في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى الدولة الى استكمالها، ومن هنا، كان لزاما على البنك ان يضع لنفسه مقاييس خاصة في تقييم المشاريع المعروضة عليه، وان يراعي في ذلك التوازن المعقول بين متطلبات التنمية العامة واعتبارات الربح التجاري».
ويضيف مؤكدا، حين يقول: «وان على البنك الصناعي قبل ان ينظر في المشاريع الجديدة ان يهتم بدعم الصناعات القائمة حاليا، وخاصة تلك التي قامت بجهود فردية، واستطاعت ان تسهم في خدمة الاقتصاد الوطني، وان تسد بعض احتياجات البلاد، والتي تحمّل اصحابها المصاريف الباهظة والفوائد المصرفية المرتفعة من اجل اقامة هذه المشاريع الصناعية التي تفخر الكويت بالكثير منها. واود ان اؤكد ان الحكومة من جانبها لن تألو جهدا في تدعيم بنك الكويت الصناعي لتحقيق الاهداف التي انشىء من أجلها».
ويعمل البنك على اتخاذ الاجراءات الخاصة بتشجيع التنمية الصناعية، وتأسيس المشروعات الصناعية، والمشاركة في ملكية مشروعات جديدة، بالاضافة الى منح القروض لآجال متوسطة وطويلة بفائدة لا تتجاوز5% سنويا، وكذلك اقراض مشروعات توسعة وتحديث الصناعات القائمة بفائدة 6% سنويا.

التمويل الصناعي:

استكمالا لجهود الدولة في تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في الصناعة جاء انشاء بنك الكويت الصناعي اواخر عام 1973م بتشجيع ورغبة من الشيخ جابر الاحمد، فتبنته الحكومة في مبادرة لتوفير وسائل الدعم والحماية والتمويل الصناعي للمستثمرين في هذا القطاع، وقد عمد البنك منذ ذلك التاريخ الى تمويل المشروعات الصناعية عن طريق تقديم قروض ميسرة متوسطة وطويلة الاجل، او المساهمة في راس مال المشروعات الصناعية.
وقد ساهمت الحكومة بشكل مباشر في تمويل العديد من المشروعات الصناعية، وخاصة في قطاع البترول والبتروكيماويات كما ان هناك مؤسسات تمويلية اخرى كالبنوك التجارية ومؤسسات الاستثمار التي ساهمت في تمويل عدد من المشروعات الصناعية، بجانب العديد من المشروعات الصناعية التي طرحت للاكتتاب العام، واسهم في تأسيسها وملكيتها افراد ومؤسسات ذات طابع غير مالي.

تدريب القوى العاملة الوطنية:

اهتمت الدولة اهتماما كبيرا بتدريب وتأهيل القوى العاملة للعمل في القطاع الصناعي فمنذ الخمسينيات انشأت مراكز للتدريب المهني، بالاضافة الى الادارة المركزية للتدريب والاشراف على المعاهد، وفي نهاية عام 1982م قامت الدولة بانشاء الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب التي أخذت على عاتقها تدريب الكوادر الوطنية، وذلك ما تقدمه من برامج لأنشطتها المختلفة.

الاعفاءات الجمركية:

نصت المادة (14) من قانون الصناعة رقم 6 لعام 1996م ، بانه يجوز لوزير التجارة والصناعة بناء على توصية لجنة تنمية الصناعة، وبعد موافقة مجلس الوزراء، اعفاء المنشآت الصناعية المسجلة او المرخصة من دفع الرسوم الجمركية على الواردات من الآلات والمعدات وقطع الغيار والمواد الاولية، والبضائع نصف المصنعة التي تحتاجها المنشأة لاغراضها الانشائية، بالاضافة الى رفع التعرفة الجمركية على البضائع المستوردة المشابهة للمنتج المحلي ولمدة اقصاها عشر سنوات، واعفاء صادرات منتجات الصناعة المحلية من رسوم وضرائب التصدير كافة، وبذلك اعتبرت هذه الاعفاءات من اهم وسائل تشجيع الدولة لصناعتها المحلية.

تأهيل المنشآت الصناعية لانتاج السلع ذات المنشأ الوطني:

في اطار الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون، وطبقا لنص الفقرة (أ) من المادة الثالثة من هذه الاتفاقية التي اشترطت لاكتساب صفة المنشأ الوطني ان يتم انتاجه في احدى دول مجلس التعاون وان يحقق قيمة مضافة لا تقل عن 40%.
بناء على ذلك ونظرا لاهمية تأهيل المنشآت الصناعية في تنشيط صادرات الكويت لدول مجلس التعاون، فقد سعت دولة الكويت الى تاهيل العديد من المنشآت الصناعية والحرفية التي بلغ عددها عام 1996م (39) منشأة، ارتفعت عام 1997م الى (116) منشأة. علما بان تأهيل المنشآت لاكتساب صفة المنشأ الوطني، يمنحها الحق في تصدير منتجاتها الى الاسواق الخليجية معفاة من الرسوم الجمركية.
وهكذا يتضح لنا ان سياسة تحفيز الصناعة والتصنيع في دولة الكويت التي اسسها الشيخ جابر الاحمد وسعى الى الارتقاء بها، قد ساعدت في المساهمة الفعالة في نمو الصناعة وتطورها، مما ادى الى تقدمها وبلوغها الحجم الذي وصلت اليه اليوم، حيث زادت مساهمة القطاع الصناعي في الدخل القومي، وذلك بتوجيه منه، وبتشجيع من الحكومة للصناعة باعتبارها احد اهم الخيارات المتاحة لتنويع مصادر الدخل القومي، وتوسيه القاعدة الاقتصادية، ولذلك جاءت هذه الاهداف ضمن الاولويات التي حددتها خطط التنمية الاقتصادية وخطط تنمية القطاع الصناعي بثورة خاصة.

مجموعة الصناعات الوطنية:

تأسست شركة الصناعات الوطنية في عام 1960م وفي عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، تحقيقا لرغبة ملحة في اقامة شركة مشتركة بين القطاعين. العام والخاص تشجيعا للاستثمار الاهلي، ومحاولة لتوجيهه نحو تنمية وتنويع مصادر الدخل القومي، وتفعيل دور القطاع الخاص في المساهمة في خلق فرص صناعية واستثمارية. تسهم في نهوض وتطوير دولة الكويت الناشئة. وكان للشيخ جابر الاحمد دور كبير ومميز في تأسيس شركة الصناعات الوطنية لكونها ثمرة طالما دعا اليها وعمل من اجلها.
ففي بيان للشركة تحت عنوان «دعامة متينة للاقتصاد الوطني» بمناسبة زيارة الشيخ جابر الاحمد التي قام بها للشركة في 14 ابريل عام 1963م عندما كان وزيرا للمالية والصناعة، ما يوضح اهتمامه البالغ بالنهضة الصناعية في الدولة ورعايته المستمرة لها منذ اوائل الستينات. ففي هذه الزيارة كتب في سجل الشركة ما يلي:
«لقد كان بودي ان املأ صفحات عديدة من هذا الكتاب، لأسجل بكل فخر واعتزاز ما قام به المسؤولون عن هذه الشركة من تعب وجهد في سبيل تحقيق دعامة الاقتصاد الوطني الذي سيأتي بالثمرة المرجوة منه قريبا جدا، وسيتضح للشعب الكويتي ما لهذا المجهود من نتائج ستعرفها الاجيال القادمة. كما قلت، فانني مهما كتبت فلن اوفي الجهد الذي بذل في سبيل تحقيق هذه الدعامة. والله اسأل ان يوفق القائمين عليها من مجلس ادارة وموظفين وعمال الى ما يصبون اليه من نجاح، وستكون الحكومة ـ وعلى الاخص ـ وزارة المالية والصناعة سندا دائما والله الموفق».
ولقد كان من اغراض شركة الصناعات الوطنية، عند تأسيسها برأسمال قدره عشرون مليون روبية، اي ما يعادل مليونا ونصف مليون دينار كويتي في ذلك التاريخ، تملّك واستغلال مصنع الطابوق الرملي الجيري ومصنع منتجات الاسمنت اللذين تم تأسيسهما من قبل حكومة الكويت في 1955م.
من جهة اخرى، اسهمت شركة الصناعات الوطنية في تأسيس شركة الكيماويات البترولية، وشركة صناعات الاسبست الكويتية بنسبة 75% وبدأت بانتاج انابيب وملحقات الاسبست لشبكات المياه والصرف الصحي في عام 1962م كما تبنت الشركة خلال عقد الستينات العديد من دراسات الجدوى الاقتصادية لمجموعة متنوعة من المشروعات والفرص الاستثمارية الصناعية، بغية خلق قاعدة صناعية مع تنميتها لتساند القطاع النفطي وتنوع من موارد الدخل القومي. وكذلك المساهمة في الحد من الاستيراد واستغلال المواد الاولية المتوافرة في الدولة، وخلق فرص استثمارية وصناعية جديدة لاستثمار اموال ومدخرات المواطنين وتوفير مجالات العمل لهم.
كما اهتمت الشركة خلال عقدها الاول بالاستثمار والتأسيس في صناعات جديدة، وشركات زميلة تحتل اليوم موقعا رياديا وبارزا في الكويت. منها على سبيل المثال الشركة الكويتية للمباني والتعمير والشركة الكويتية لصناعة الانابيب المعدنية، وشركة الخدمات البترولية، وشركة اسمنت الكويت وغيرها من الشركات الصناعية الرائدة.
وجاء الغزو والاحتلال العراقي في 2 اغسطس عام 1990م وجلب معه الدمار لمختلف اوجه الحياة في الكويت. ولم تسلم شركة الصناعات الوطنية من التخريب، وتعرضت مصانعها للتدمير والسرقة المنظمة والمدبرة واتلفت معدات التحكم الالكترونية واجهزة الكمبيوتر، وتعطلت مراكز البنى التحتية وتكبدت الشركة خسائر باهظة جراء هذا العدوان والاحتلال.
وبتأييد وعون المولى القدير، وتوجيهات ودعم الشيخ جابر الاحمد تحدت شركة الصناعات الوطنية هذه الظروف البالغة الصعوبة، وبادرت فور التحرير الى اعادة تجهيز مصانعها وتشغيلها لتتمكن من اداء دورها، والمساهمة في خطة اعادة الاعمار التي تبنتها الدولة.
وفي 11 مايو عام 1997م وافقت الجمعية العمومية على تحويل شركة الصناعات الوطنية الى شركة قابضة باسم مجموعة الصناعات الوطنية ¢Ni Grop"، تهتم بانشاء شركات جديدة وطرحها للمساهمين، مع المحافظة على نسبة تملك معينة حتى تحصل هذه الشركات على الدعم اللازم.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:55 AM

[frame="1 80"]لقد واجهت شركة الصناعات الوطنية، وهي اقدم واكبر شركة صناعية في الكويت خارج القطاع النفطي، منذ انشائها العديد من الصعوبات، ولم يكن لديها من خيار سوى ان يكون لها استراتيجية مستقبلية ثاقبة، فعملت ـ وما زالت تعمل ـ بدعم وتشجيع من الشيخ جابر الاحمد راعي قيام هذا الصرح الاقتصادي والصناعي العملاق، حيث تبنت سياسة مالية متطورة وواعية، استغلت من خلالها مواردها المالية افضل استغلال من اجل توفير متطلبات النمو والتوسع.

دعم وتشجيع القطاع الزراعي:

انطلاقا من توجهات الشيخ جابر الاحمد في تنويع مصادر الدخل، وتوسيع القاعدة الاقتصادية في الدولة، فقد أولى الكثير من اهتمامه للقطاع الزراعي وتشجيعه، ودعمه لمشروعاته اسوة بالقطاع الصناعي.
ففي عام 1969م انشئت اول وحدة من نوعها في الشرق الاوسط لزراعة الخضراوات بدون تربة، وذلك بالتعاون مع خبراء من منظمة الاغذية والزراعة الدولية، حيث امكن الحصول على معلومات قيمة عن هذا النظام الزراعي الذي ثبتت صلاحيته من الناحية الفنية.
وفي عام 1972م اقيم مركز لانتاج الخضراوات المحمية بالتعاون مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة ¢UNDP"، ومنظمة الاغذية والزراعة الدولية ¢FAO"، وقد حقق هذا المركز تقدما كبيرا في مجال ابحاثه، حيث نجح في ادخال نظم حديثة باستعمال المياه المحلاة بطرق اقتصادية.
وفي عام 1983م تم انشاء الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية التي انيط بها الاشراف على قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية في الدولة، بعد ان كان هذا القطاع تابعا لادارة الزراعة التي تأسست بوزارة الاشغال العامة عام 1968م.
وعلى الرغم من الظروف الطبيعية التي تقف في مواجهة اتساع القطاع الزراعي، والتطورات الايجابية التي شهدها هذا القطاع منذ مطلع الخمسينيات، وبالتحديد عام 1953م، عندما اسست محطة التجارب الزراعية، وزوّدت بالخبرات الفنية الكافية لاجراء التجارب الزراعية، واستخلاص النتائج الملائمة في القطاعين: النباتي، والحيواني، ونشرها بين المواطنين المهتمين في القطاع الخاص.
نقول، منذ ذلك التاريخ، كان الاعتقاد السائد بين المختصين يؤكد على انه لا تزال هناك طاقات كامنة لم تستغل بالطريقة المثلى بعد. وان الانتفاع بدرجة استغلال الامكانات المتاحة الى حدودها القصوى من شأنه تحقيق نهضة زراعية تساعد بنصيب اكبر في الدخل القومي.

الانماء الاقتصادي والمسألة السكانية:

وفي معترك الطموح المتفائل للآمال نحو ازدهار وتقدم الازدهار الكويتي الوطني ركز الشيخ جابر الاحمد، على عدد من القضايا ذات الاولوية القصوى في الشأن الكويتي، وان مسألة التركيبة السكانية والمسيرة الاقتصادية المتعلقة بطبيعة المجتمع وشخصيته، وبمستقبل الكويت والتخطيط لصيانة امنها ورفاهية شعبها، كانت في مقدمة هذه الآمال والطموحات.
لقد ابرزت الدراسات والخطط الانمائية مدى اختلال توزيع قوة العمل في القطاعات الاقتصادية وفي الانشطة الانتاجية داخل كل قطاع، باستثناء القطاع الحكومي، من هنا كانت توجيهات الشيخ جابر الاحمد بضرورة ربط الجهد الانمائي المتعلق بالتركيبة السكانية بتعديل هذه التركيبة، لتصبح في صالح السكان الكويتيين ضمن اجمالي التعداد العام للسكان وقوة العمل، وهذا يعني السعي لتقليل حجم مجتمع السكان الوافدين بما يتوافق مع المعطيات الاقتصادية والاجتماعية في الكويت.
وفي ظل هذه التوجيهات عمدت الحكومة الكويتية الى تحقيق المعادلة الاقتصادية التي تربط مستوى المعيشة بحجم الانتاج وعدد السكان، على ان يكون انخفاض عدد السكان لصالح نمو السكان الكويتيين، ووقفا لخطة مدروسة، وبغض النظر عن الجدل الفكري المتعلق بربط الحجم الامثل للسكان وعلاقته بمستوى المعيشة الامثل، نجد ان الاقتصاد الكويتي ـ وبتوجيهات الشيخ جابر الاحمد ـ قد حقق دخلا متوسطا للفرد، يماثل ما تحقق في الدول الصناعية المتقدمة، اضافة الى ان الكويت قد حققت مواقع ايجابية متقدمة في نوعية الحياة كافة، كمؤشرات التحضر، نصيب الفرد من الاستهلاك الغذائي، مستوى الخدمات الصحية، ودرجة انتشار التعليم والوعي الثقافي، وهي كلها مؤشرات تعكس قفزة في تطور نمط ونوعية الحياة للسكان، وليس من المبالغة القول ان توجه الدولة نحو استخدام التقنيات الحديثة في تصنيع الموارد المتاحة ممثلة في النفط ومشتقاته، والتوسع في بعض القطاعات الحديثة كالقطاع المالي والتجاري، يمكن ان يعمل على توسيع النشاط الاقتصادي في الدولة.
وخلاصة القول، ان القابلية للتوسع الاقتصادي التي يتمتع بها الاقتصاد الكويتي، لا يمكن ان تكون وحدها سندا لتوجيه معدل التركيبة، السكانية في الكويت. لذلك ارتأت الدولة ـ وبتوجيهات من الشيخ جابر الاحمد ـ ان يكون هذا التوجه قائما على دوافع اخرى مساندة مثل:
1 ـ تشجيع وحفز الاستثمار
2 ـ ربط زيادة المقدرة الانتاجية بمستوى قوة العمل وهيكلها.
3 ـ حرية اختيار نمط واسلوب الانتاج.
وهكذا يتبين لنا ان تعديل التركيبة السكانية الذي يمثل اهم التوجيهات التخطيطية في الكويت، لا يستند الى دوافع اقتصادية بالدرجة الاولى، بل ايضا الى دوافع اجتماعية وثقافية، ومن هنا، يتوجب استعراض المصاحبات الاخرى المتصلة بالاعتماد على العمالة الوافدة، والتي تحرص الحكومة على معالجتها بما يتمشى والمصلحة الوطنية للدولة.

سموه اهتم بدعم القطاعات الثلاثة: المشترك والخاص والاقتصاد التعاوني الأمير استلهم النظام الاقتصادي الرأسمالي ــــ الاشتراكي من كفاح الشعب الكويتي
التنمية وتنويع القاعدة الاقتصادية

ينصرف مفهوم القاعدة الاقتصادية «الانتاجية» لدى الشيخ جابر الاحمد، منذ توليه رئاسة دائرة المالية، الى بناء الاقتصاد الوطني بين انشطة انتاجية سلعية ذات وجه اقتصادي خالص، وانشطة انتاجية خدمية ذات ابعاد اجتماعية.
ويقصد بعملية التنويع هذه خلق التوازن بين المساهمات النسبية لهذه الانشطة ـ مجتمعة ـ في تكوينها للدخل المحلي، ومدى استيعابها لقوة العمل والاستثمار. وينصرف مفهوم المقدرة الاستيعابية الى مجموع الفرص الاستثمارية التي يمكن انجازها في الاقتصاد الوطني بأقصى عائد اجتماعي ممكن خلال فترة محددة. ونلاحظ من سياق مفهوم تنويع القاعدة الاقتصادية، ومفهوم المقدرة الاستيعابية، ان هناك ارتباطاً وثيقاً بين كلا المفهومين، وبين الجهد التخطيطي والانمائي على المستوى الوطني. واستمرار نمو المجتمع ومسيرته الانمائية على النحو الذي يحقق اقصى كفاءة ممكنة في تعبئة الموارد واستخدامها وتنميتها، سواء أكان للجيل الحاضر ام للاجيال المقبلة.
وفي هذا السياق يقول فيصل المزيدي: «... وادراكاً من سموه لحقيقة هذه العلاقة، منذ ان بدأ العمل بهذا التصور وحتى تاريخه، فقد احتل مبدأ تنويع القاعدة الاقتصادية مكاناً بارزاً بين اهداف برامج التنمية، سواء أكان في مشروعات الخطط الانمائية الخمسية السابقة التي بدأت عام 1967م، ام ما جاء ضمن اهداف الخطة الخمسية للفترة (85/1986م ـ 89/1990م) بجانب التصورات المتوقعة لمسيرة التنمية المستقبلية الصادرة عن وزارة التخطيط، وكذلك تصورات المجلس الاعلى للتخطيط حول الاستراتيجية الانمائية بعيدة المدى الصادرة في نهاية عام 1989م...».
ويمضي المزيدي موضحاً اهداف القاعدة الاقتصادية، فيقول: «.... كما ان من اهداف تنويع القاعدة الاقتصادية التي تتمحور حول هدفين متكاملين في التخطيط الوطني، مايلي:
1ـ زيادة المساهمة النسبية للقطاعات غير النفطية، مثل الصناعات التحويلية والزراعية والخدمات في مجمل الناتج القومي.
2ـ عدم الارتكاز على الموارد النفطية كمصدر وحيد للايرادات العامة.
ولكي يتحقق الهدفان فلابد من الاستفادة من الايجابيات المستخلصة من ريع النفط في توسيع القاعدة الاقتصادية وزيادة كفاءتها...».
واخيراً يشير «المزيدي» الى الايجابيات التي تحققت للاقتصاد الكويتي على يد الشيخ جابر الاحمد فيقول: «... من اهم الايجابيات التي تحققت للاقتصاد الكويتي باعتماده على الموارد الريعية، وتوزيعها، مايلي:
1ـ رفع متوسط دخل الفرد الى مصاف مستويات الدخول في الدول الغنية، والاكثر تقدماً، وهذه كانت احدى طموحات الشيخ جابر الاحمد في خلق مجتمع الرفاه.
2ـ توفير رؤوس الاموال اللازمة لتنفيذ برامج الاستثمار الضخمة.
3ـ بناء استثمارات انتاجية متطورة في مجال استخراج النفط وصناعة مشتقاته البتروكيماويات....».

تأسيس القطاع المشترك (الشركات المساهمة)

لقد اجمع الرعيل الاول من الاقتصاديين الكويتيين، الذين عملوا مع الشيخ جابر الاحمد منذ توليه مسؤولية دائرة المالية في اواخر عقد الخمسينيات، واوائل الستينيات ، بأنه كان يسعى دوماً الى تشجيع ودعم قيام القطاع المشترك «الحكومي/الاهلي» وتيسر السبل والاجراءات الخاصة بتأسيس الشركات المساهمة الكفيلة بتفعيل دور هذا القطاع، ليأخذ دوره النشط في مسيرة الاقتصاد الكويتي منذ بدء مراحل بنائه الاولى.
ويعبر عن هذا الرأي احد هؤلاء الاقتصاديين، وهو عبد العزيز البحر، فيقول: «.... من اهم انجازات الشيخ جابر الاحمد المتميزة في المجال الاقتصادي هي فكرة انشاء القطاع المشترك، وكان هذا التوجه الاقتصادي هو الاول من نوعه في المنطقة العربية، حيث تقوم الحكومة بدراسة المشروعات الاقتصادية المقترحة، فإذا ثبتت جدواها الاقتصادية نفذتها على شكل شركات مساهمة تطرح جزءاً من رأس مالها للاكتتاب العام، وذلك لاتاحة الفرصة للمواطنين للمساهمة بمدخراتهم في مشروعات مضمونة ومربحة في مجالات مختلفة، سواء اكانت مصرفية ام استثمارية، ام شركات تأمين، ام صناعة. ومثالاً على ذلك: شركة الصناعات الوطنية، شركة البترول الوطنية الكويتية، الشركة الكويتية للتجارة والمقاولات والاستثمارات الخارجية، بنك الكويت والشرق الاوسط، بنك برقان، شركة الخليج للتأمين، وشركة وربة للتأمين. وقد باشرت الحكومة مؤخراً خصخصة الجزء العائد لها في هذه المؤسسات الناجحة..».
ويؤكد خالد ابو السعود هذا الاهتمام الفائق للشيخ جابر الاحمد بدعم القطاع المشترك، ووضعه للبنات الاساس للشركات المساهمة الكويتية، فيقول: «... وفي عام 1960م بدأ العمل بتنفيذ سياسة، وضعها سمو الشيخ جابر الاحمد بوصفه رئيساً للمالية، تقضي باستخدام جزء من الوفورات المستثمرة في لندن لدعم الاقتصاد الوطني، وتأسيس الشركات المساهمة الكويتية، وتشجيع القطاع الخاص بجميع فئاته للاكتتاب. بأسهمها، مما ادى الى ازدياد عددها، وتحقيق اغراض تجارية وصناعية ومالية وخدمات، وبالتالي ادى الى تطور اقتصاد الدولة وازدهارها..».
ويمضي ابو السعود، فيقول: «... عندما استلم سمو الشيخ جابر الاحمد دائرة المالية، كانت الشركات المساهمة لا تزيد على عدد محدود من الشركات، منها بنك الكويت الوطني، وشركة ناقلات النفط. حيث ان الجمهور لم يكن معتاداً على الاستثمار في مثل هذه الشركات. وهذا ما حدا بسموه للعمل على سرعة اصدار قانون تحت رقم 15 لسنة 1960م، ينظم تأسيس وادارة الشركات، اباح للدولة ان تؤسس منفردة اي شركة مساهمة، ثم تطرح اسهمها للاكتتاب العام..».
وفي هذا السياق، يقول ابو السعود: «.... وبتوجيه من سمو الشيخ جابر الاحمد بوصفه وزيراً للمالية، قامت الوزارة بتأسيس اكثر من 15 شركة مساهمة شاركت شخصيا باجراءات تأسيسها ووضع انظمتها الداخلية واغراضها بتوجيهات سموه، وتم طرحها للاكتتاب العام. وكان الاقبال على الاكتتاب ضعيفاً في البداية ثم زاد تدريجياً الى ان وصلت تغطية المطروح من اسهم احداها، «شركة صناعة الكيماويات»، الى 40 مرة وزاد عدد المساهمين على 100 الف مكتتب.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:55 AM

[frame="1 80"]واذكر ان اول شركة اسستها الدولة على هذا النحو، هي شركة البترول الوطنية، تبعتها شركة صناعة الكيماويات، فمطاحن الدقيق والمواصلات، والشركة الكويتية للاستثمار، والشركة الكويتية للتجارة والمقاولات والاستثمارات الخارجية. وقد شجع ذلك القطاع الخاص، فأسس عدداً من الشركات كبنك الخليج والبنك الاهلي، والشركة الدولية للاستثمار.. الخ.
وتلا عمليات التأسيس وتحقيق اغراض الشركات بدء عمليات التداول بأسهمها، بيعاً وشراء، على اسس استثمارية وتجارية، مما خلق سوقاً منتظمة تحكمها قواعد ونظم، تضعها، وتشرف عليها الدولة...».
وفيما يلي، بعض النماذج من هذه الشركات التي تكفل الشيخ جابر الاحمد برعايتها ووضعها على بداية الطريق، دعماً لمسيرة الاقتصاد الكويتي:

شركة النقل العام الكويتية:

يحدثنا عبد اللطيف البحر بأن فكرة انشاء شركة للنقل العام نبعت من فكر الشيخ جابر الاحمد، فيقول: «.... كان سموه ينظر الى قيام اي مشروع اقتصادي من منظوره الثلاثي الشهير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فجاءت شركة النقل العام الكويتية احدى الشركات التي تأسست وليدة فكره ابان توليه وزارة المالية، بهدف توفير الخدمات الاساسية بأيسر السبل واقل تكلفة للفئات غير القادرة من المواطنين والوافدين، ولضمان قيام الشركة بوظائفها المطلوبة لذوي الدخول المحدودة، وبالتالي فإنه، من الناحية المجتمعية لم يكن الهدف هو معيار الربح....».
وهنا تجدر الاشارة بأن شركة النقل العام الكويتية تأسست بموجب المرسوم الاميري رقم 60 لسنة 1962م، وكان اسمها في حينه «شركة المواصلات الكويتية» كما كانت اسهم الشركة موزعة بين الافراد والحكومة، وبنسبة 50% لكل منهما. وفي اغسطس عام 1985م تم تغيير الاسم لتصبح «شركة النقل العام الكويتية» وتشجيعاً للمواطنين للمساهمة في هذا المشروع، أمنت الدولة للمساهم في حينها حداً ادنى مضموناً بفائدة قدرها 5%.

شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية:

ولما كان اهتمام الشيخ جابر الاحمد عظيماً بكل الامور الخدماتية التي تهدف الى خدمة ورفاهية المواطن ورفع المعاناة عن كاهله وتلبية احتياجاته الضرورية، فقد بارك بحماس فكرة تأسيس شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية كاحدى المؤسسات الخدمية المباشرة لمختلف فئات الشعب، محققاً بذلك ضمان توافر الامن الغذائي للشعب بأسعار مدعومة من الحكومة.وفي هذا السياق يقول عبد اللطيف البحر: «... كان تأسيس شركة المطاحن الكويتية نظرة ذات ابعاد عميقة، اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً، وكانت هي الاخرى شركة خدماتية توفر احتياجات الناس. وقد ساهمت الحكومة فيها ايضاً بنسبة 50%، وضمنت ـ تشجيعاً للمساهمين ـ عائداً بحد ادنى قدره 10% كربح مضمون، وهي نسبة اعلى من الارباح البنكية، وفي الوقت نفسه فإن منتجاتها على اعلى درجة من الجودة وبسعر مناسب للمستهلك، وهي اعباء لا يمكن ان يتحملها القطاع الخاص وحده.
وقد قامت هذه الشركة نتيجة لدمج شركتين هما: شركة مطاحن الدقيق الكويتية التي تأسست عام 1961م وأدمجت في عام 1988م مع شركة المخابز ليصبح الاسم بعد الدمج «شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية»، حيث بدأ نشاط الشركة الصناعي بانتاج الدقيق عام 1965م. وانطلقت منه لتتخصص في قطاع الصناعات الغذائية التي لها صلة وثيقة مباشرة بكل مواطن، فانشأت في عام 1969م مصنع انتاج المعكرونة والشعيرية، وفي عام 1970م انشأت مصنع البسكويت لتنجز في عام 1976م مصنعها الرابع لانتاج الدهون والزيون النباتية.
وفي عام 1978م تبنت الشركة خطة طموحة لبناء وتشغيل تسعة مخابز آلية موزعة جغرافيا على مناطق الكويت لضمان انسياب واستمرار الانتاج للمستهلكين كافة، وسهولة التوزيع على مختلف المناطق.
دعم وتشجيع القطاع الخاص:

انطلاقا من جهود الشيخ جابر الاحمد في انشاء وارساء دعائم القطاع المشترك، فقد جاء اهتمامه برعاية وتشجيع القطاع الخاص عظيما كأحد ركائز الاقتصاد الكويتي الحر، وتميزه بين النظم الاقتصادية العالمية الرأسمالية منها، والموجهة.
وفي هذا المضمون يتحدث بدر النصرالله فيقول: «لقد اهتم سمو الشيخ جابر الاحمد بالقطاع الخاص ودفعه الى الامام، وكان يستشير في أمره الخبراء الاقتصاديين الكويتيين منذ توليه امور دائرة المالية، ومن أجل مساندة هذا القطاع وتقويته فقد اولى القطاع المشترك، الحكومي والاهلي كامل عنايته وتشجيعه مع السعي لحمايته وضمان استمراره».
وانسجاما مع هذا الاهتمام والرغبة الاكيدة في دفع عجلة الصناعة، قامت الحكومة بدعم وتشجيع الصناعيين على ارتياد المجالات الانتاجية الصناعية والزراعية وتنشيط التجارة الداخلية والخارجية من خلال:
1 ـ توفير القروض طويلة الاجل ذات الفائدة المخفضة من جانب البنك الصناعي والتي لا تتعدى 4% فقط.
2 ـ توفير القسائم الصناعية بايجار رمزي لا يتجاوز 50 فلسا للمتر المربع في السنة.
3 ـ المساهمة في رأس مال الشركات التي يؤسسها القطاع الخاص.
4 ـ دعم وتكويل القطاع الصناعي.
5 ـ توفير الخدمات المرافقية «المياه والكهرباء» اللازمة للانتاج والاستهلاك بأسعار مخفضة.
6 ـ فرض القيود والرسوم والضرائب على بعض السلع المستوردة بصفتها بدائل للانتاج المحلي.
7 ـ الاعفاء الكامل من ضرائب الدخل وضرائب التصدير.

دعم وتشجيع الاقتصاد التعاوني:

من الثوابت الراسخة في البناء الاقتصادي والسياسي لدولة الكويت، انها اتخذت الوسطية منهجا ونهجا في امورها الحياتية. وعلى الرغم من ارتباط الكويت بالنظام الرأسمالي واقتصاديات السوق الحر، الا انها لم ترفض يوما كل ما هو صالح ومفيد من النظام الاقتصادي الموجه. لهذا جاءت سياسة الكويت الاقتصادية مزيجا من النظامين الرأسمالي والاشتراكي، يمكن ملاحظة مظاهره في مجالات متعددة كمجانية التعليم والصحة، ودعم المواد الاساسية الاستهلاكية وقيام حركة تعاونية فاعلة في المجتمع، وضمان الوظيفة وتوفير السكن المناسب للمواطن.
لم يأت هذا التوجه عفويا او انتقائيا، بل كانت له جذور في عمق تاريخ الكويت.. هذا التاريخ الذي يحدثنا عن ماضي الكويت، بانه مجتمع تضامني تكافلي متراحم، قائم على التعاون بحكم طبيعة النظام الاقتصادي الذي ساد المجتمع الكويتي عبر عصور مختلفة، تمثلت في التجارة الخارجية مع دول اسيوية وافريقية فقد ركب الكويتيون الامواج العاتية بسفنهم الشراعية غير عابئين بمخاطر الطريق الذي كان يمتد بهم في رحلة طويلة بعيدا عن الاهل والوطن.. هذه الحياة الشاقة علمتهم ان التعاون والمشاركة الشعبية من اجل نمو وتطور الوطن امر اساسي ومهم. وكان الكويتيون يمارسون هذه المفاهيم عمليا دون ان يدركوا ماذا تعني الرأسمالية او الاشتراكية لكنهم كانوا يدركون تماما المعاني السامية للاية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
لا شك ان الشيخ جابر الاحمد قد اولى هذا النضال مع الحياة اهمية بالغة، ورأى فيه صفحات من تاريخ الكويت المشرّف، استقى منها اتجاهاته الفكرية والفلسفية في الحياة، وخاصة في جانبها الاقتصادي.. وفي هذا يقول: «لقد عاش شعبنا على هذه الارض الطيبة على مر السنين، تجمع بيننا اواصر القربى والتراحم، وتشدنا عرى التكاتف والتكافل وقد الف الله بين قلوبنا».
ويمضي مؤكدا: «ان من واجب الوفاء على هذا الجيل ان لا ينسى الرعيل الاول الذين قامت على سواعدهم كويتنا الحبيبة، والذين ضحوا بارواحهم واموالهم في سبيلها».
لقد كانت توجهات الشيخ جابر الاحمد الاقتصادية جزءا اساسيا من تلك الثوابت، فعلى الرغم من ميوله الكبيرة نحو اقتصاديات السوق، ودور القطاع الخاص كشريك فاعل في بناء المجتمع والدولة، الا ان الجوانب المشرفة، وخاصة الانسانية منها في النظام الاقتصادي الموجه، كان لها بريقها وكانت تجذبه دوما للاخذ بها.
من هنا جاء اهتمامه بالاقتصاد التعاوني، والحركة التعاونية ـ بصفة عامة ـ كقطاع اجتماعي اقتصادي مواز لاقتصاديات السوق، وعامل توازن في ضبط الاسعار والاحتكارات للمواد والسلع الاستهلاكية والخدمات.
وقد بدأت الحركة التعاونية في دولة الكويت بشكلها المنظم بصدور القانون رقم 20 لسنة 1962م، المعدل بالقانون رقم 24 لسنة 1979م... هذا القانون وتعديله قاما على اساس قاعدة مستمدة من حياة الكويتيين كمجتمع تعاوني، يجنح دوما نحو العمل الجماعي والمشاركة الشعبية في اثراء الحياة الكويتية.
وقد بلغ عدد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية حتى نهاية عام 2000م (46) جمعية غطت جميع مناطق الكويت، بالاضافة الى جمعيتين زراعيتين، وجمعيتين انتاجيتين، وجمعية توفير لموظفي ومستخدمي القطاع الحكومي، وجمعية مشتركة للانتاج والتسويق، وجمعية حرفية «جمعية السدو» واتحادين تعاونيين: احدهما استهلاكي، والاخر انتاجي زراعي.
وتضم الجمعيات التعاونية الاستهلاكية حسب حركة العضوية في عام 2000م، حوالي 246325 مساهما، بلغ اجمالي رأس المال المدفوع لها في العام نفسه 082،785،8 دينارا كويتيا، وبلغت جملة مبيعاتها خلال العام المذكور حوالي 337.766.320 دينارا كويتيا، وبلغ صافي ارباحها في العام نفسه حوالي 465،804،22 دينارا كويتيا، يقتطع منها 25% للخدمات الاجتماعية، يصرف منها 20% داخل منطقة عمل الجمعية، وترحل 5% الى اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية للصرف منها على المشروعات الكبيرة على مستوى الدولة، ويعتبر هذا الاجراء خطوة جماعية للتعبير عن مبادرة المساهمين التعاونيين في خدمة بلدهم ومجتمعهم المحلي.
لا شك في ان هذه القدرة المالية، التي ترعرعت ونمت في ظل توجيهات الشيخ جابر الاحمد ودعمه المباشر لها، قد مكنت الحركة التعاونية الكويتية من ان تلعب دورا رائدا في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، استطاعت معه ان تستحدث اقتصادا موازيا لاقتصاديات السوق، تمكنت من خلاله من المحافظة على اسعار السلع والخدمات عند حدودها المعقولة والمقبولة لدى المستهلك، وذلك بسبب سياسة البيع وتسعيرة المواد والسلع والخدمات المتبعة في الجمعيات التعاونية باعتماد هامش الربح اساسا لذلك.
اما في الجانب الاجتماعي، فان الخدمات الاجتماعية والثقافية والارشادية والترفيهية التي تقدمها الجمعيات التعاونية في مناطق عملها لها دور ايجابي كبير داخل المجتمع المحلي، وهي في مجملها جهود رائدة تتلاحم فيها ارادة الشعب والحكومة في تقديم صور انسانية رائعة للعمل الاجتماعي الشعبي التطوعي.
وهنا يجب الا ننسى دور الحكومة وجهودها في اقامة مراكز الضواحي في كل منطقة سكنية، وتقديمها للحركة التعاونية بأجور رمزية، بالاضافة الى تسهيلات وخدمات اخرى مكنت الحركة التعاونية الكويتية من ان تصبح احدى دعائم وركائز الاقتصاد الوطني في دولة الكويت في عهد الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:56 AM

[frame="1 80"]
الاتفاقيات التي تمت مع دول العالم لتسهيل الاستيراد والتصدير والتعاون آتت ثمارها على التطور التجاري الأمير حدد أوجه توزيع المال الاحتياطي للدولة لضمان تحقيق أكبر استفادة ممكنة للبلاد
أهم المنجزات الاقتصادية

بثاقب فكر الشيخ جابر الاحمد وبعد نظره المستقبلي حفلت مرحلة البناء بالعديد من الانجازات والقرارات الاقتصادية التي أرسى من خلالها دعائم الاقتصاد المؤسسي الوطني، التي كان لها اثرها في دعم كيان الدولة الاقتصادي محلياً واقليمياً ودولياً، والمتمثلة في القرارات الاقتصادية الوطنية، وانشاء المؤسسات والهيئات التي كان لها ابلغ الاثر في دعم كيان الدولة، ووقوف دول العالم مع حق الكويت وشرعيتها ابان محنة العدوان والاحتلال العراقي في 2 اغسطس عام 1990م.

تنمية التجارة الخارجية:

يرتبط الاقتصاد الكويتي ارتباطا وثيقا في مجال التجارة والمال بالسوق العالمية، ولذلك فلا غرو ان اولى الشيخ جابر الاحمد رعايته التامة للتجارة الخارجية، ومن هنا كان حرص الحكومة على تنسيق وتيسير التبادل التجاري مع دول العالم، والعمل على تنمية وتقوية الروابط الاقتصادية والفنية معها، وبخاصة الدول العربية، مستهدفة في ذلك ما يعود بالنفع المتبادل وزيادة حجم التبادل التجاري بما يحقق المصالح المشتركة.
وجرياً وراء كل سياسة تحقق الاهداف التجارية المرجوة، عقدت دولة الكويت اتفاقيات تجارية واقتصادية مع مختلف دول العالم تحقيقاً للاهداف الرامية الى تسهيل استيراد وتصدير المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية، وتشجيع اقامة تعاون اقتصادي وتجاري، وتشجيع المشروعات الاقتصادية المشتركة، وانشاء الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وضمان وتشجيع انتقال رؤوس الاموال واستثمارها، والسماح بتحويل العوائد والارباح الناتجة عن الاستثمار.
وقد حدث نتيجة لذلك تطور كبير في تجارة الكويت بشقيها الاستيرادي والتصديري، اذ توالى الارتفاع السنوي في قيمة تجارة الاستيراد ولا شك في ان مثل هذا التطور يبعث على تفاؤل كبير باعتباره مؤشراً دقيقاً من مؤشرات التطور الاجتماعي والنمو الاقتصادي، والتوسع الكبير والسريع في المشروعات العامة والخاصة، وفي المناهج الاجتماعية والصحية التي تنفذها الدولة، كما يشير الى ارتفاع مستوى المعيشة لعدد متزايد من افراد الشعب.

الاحتياطي العام خطوة على الطريق:

في اطار الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتنظيم الاوضاع المالية للدولة. صدر المرسوم بالقانون رقم 1 لسنة 1960 المتعلق باقرار طريقة اعداد الميزانية العامة واسلوب تنفيذها، وقد اعلن هذا القانون انشاء الاحتياطي العام، ووضع التشريع اللازم لتمويله من فائض الميزانية، واناط مسؤولية ادارته بوزارة المالية، وشمل الاحتياطي العام في ذلك الحين، جميع استثمارات الدولة التي تضمنت فيما بعد، المشاركة في العديد من المشروعات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، منها ـ على سبيل المثال ـ بنك التسليف والادخار والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وعشرات من المشروعات المحلية الاخرى، هذا بالاضافة الى الاستثمارات الخارجية كافة التي تملكها الدولة.
ويخصص قانون الميزانية كل عام مبلغاً معيناً لمواجهة المصروفات العادية والانشائية للدولة خلال السنة المالية، ومبالغ محددة للاحتياطي العام. وكان الاتفاق مع الحكومة البريطانية ان تتصرف الكويت بمبالغ الايرادات التي تتسلمها من شركات النفط بمقدار احتياجاتها، وتحتفظ بالفائض «بصفته احتياطياً» مع بنك انجلترا بالجنيه الاسترليني، ويتولى مجلس الاستثمار الكويتي في لندن استثماره لحساب الحكومة الكويتية في سوق الاوراق المالية البريطانية، وفي الاسواق النقدية البريطانية ايضاً.
ومنذ عام 1960م تولت دائرة المالية في الكويت الاشراف الكامل على تحصيل الايرادات من شركات النفط، وادراجها ضمن الايرادات العامة في ميزانية الدولة، وتقوم باستثمارها لحين الحاجة اليها، كما قامت باستثمار المال الاحتياطي مباشرة. او بواسطة مكاتبها ومؤسساتها.
ونظراً لان الدولة كانت تحصّل ايرادات النفط خلال الستينات والسبعينات في فترات متقاربة تسبق مواعيد الصرف، كانت دائرة المالية، ثم «ادارة الاستثمار في وزارة المالية»، تقوم باستثمار تلك الايرادات خلال الفترة من تاريخ استلامها الى حين الحاجة اليها لمواجهة مصاريف الدولة. وبعد ان كانت تستثمر في سوق الاسترليني فقط، اصبحت تستثمر في استثمارات قصيرة ومتوسطة الاجل، وبأنواع متعددة من الاستثمارات النقدية، كالودائع تحت الطلب وسندات الخزينة والمؤسسات العامة والخاصة، وبالعملات المختلفة، واهمها الدولار والاسترليني.
وفي عام 1964م تم التوصل الى اتفاق خاص مع شركتي النفط ¢Gulf&BP" على دفع قيمة النفط المصدر مقدماً. وكانت المبالغ المحصلة من مبيعات النفط تعتبر ايرادات تخص السنة التالية طبقاً لقانون خاص، وتودع في حساب مستقل يستثمر في استثمارات سائلة، بالاضافة الى استثمار جزء منه في اسهم وسندات من الدرجة الاولى. وتضاف حصيلة الاستثمار الى الاحتياطي العام. وقد خفض رصيد هذا الحساب المستقل خلال السنة المالية 74/75 نظراً لامتلاك الدولة 60% من شركة نفط الكويت، والغي كلياً عند امتلاك الدولة لكامل موجودات الشركة وحولت مبالغه الى الاحتياطي العام للدولة. واعتبرت ايرادات النفط المحصلة ايراداً للسنة التي يتم فيها التحصيل.

تطور الاحتياطي العام ونمو الاستثمار:

تُحوّل الى المال الاحتياطي كل عام نسبة من الايرادات العامة يحددها قانون الميزانية كما يحول له وفر الميزانية للعام السابق، فضلاً عن فوائد وارباح الاحتياطي للفترة السابقة.
ومنذ استلام الشيخ جابر الاحمد مهام وزارة المالية بدأت الادارات المختصة باستثمار المال الاحتياطي في عدة انواع من الاستثمارات، روعي في انتقائها تنفيذ سياسته الاقتصادية بشأن دعم الاقتصاد الوطني، «عن طريق تأسيس الشركات المساهمة الكويتية واقراضها، وانشاء دعم المؤسسات القائمة»، ومساعدة الاشقاء العرب، ودعم البنوك الوطنية عن طريق الودائع، واستثمار ارصدة المال الاحتياطي لتحقيق عائد جيد بأقل المخاطر. وعلى هذا الاساس ، ومنذ الستينات، وبتوجيه من الشيخ جابر الاحمد، توزعت ارصدة المال الاحتياطي على الشكل التالي:
1ـ المؤسسات الحكومية، ومنها: «صندوق التنمية، البنك المركزي، الخطوط الجوية الكويتية، بنك التسليف والادخار».
2ـ المؤسسات الدولية، ومنها: «صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير، وملحقاته».
3ـ الودائع والاستثمارات في البنوك المحلية وشركات الاستثمار.
4 ـ الشركات المساهمة الكويتية تأسيسا ومساهمة وقروضا».
5 ـ المؤسسات والشركات والمشاريع العربية.
6 ـ الاستثمار في العقارات داخليا وخارجيا.
7 ـ محافظ الاوراق المالية الاجنبية من اسهم وسندات في الاسواق الامريكية والبريطانية والاوروبية والاسيوية.
8 ـ الاستثمارات النقدية في العملات القوية المهتلفة.
وتشرف وزارة المالية على عدد من المؤسسات والشركات المتخصصة في الاستثمارات الموضحة اعلاه، والتي تساعد الوزارة على تحقيق السياسة الاستثمارية التي يرسمها الشيخ جابر الاحمد منذ عام 1960م والتي تقضي بان يكون لادارات الاستثمار الكويتية وجود فعلي في السوق المستثمرة فيه الاموال، وذلك اما عن طريق مكاتب متخصصة كمكتب الاستثمار الكويتي في لندن، او عن طريق اتفاقيات مع بنوك عالمية وفي الاسواق الامريكية والاوروبية والاسيوية، او عن طريق بعض مؤسساتها وشركاتها، كشركة الانابيب المعدنية والفنادق والصناعات الوطنية، وشركتي الاستثمار، والمجموعة العقارية، وبهذا اصبح لوزارة المالية وادارتها الاستثمارية قدرة استثمارية هائلة، واتصالات ضخمة مباشرة باكبر البيوتات المالية والمصرفية في العالم.
وبتوجيه من الشيخ جابر الاحمد، بوصفه وزيرا للمالية، استعانت الوزارة بلجان وهيئات استشارية دولية ومحلية في رسم وتنفيذ سياستها الاستثمارية، وتوزيع استثماراتها على الاسواق المختلفة، ومن هذه اللجان كانت اللجنة الدولية التي كان يرأسها الشيخ جابر الاحمد، وهي التي كان من بين اعضائها عدد من كبار الخبراء العالميين في عالم المال والاقتصاد والاستثمار ومنهم:
1 ـ صموئيل شفيليزر رئيس بنك الاتحاد السويسري
2 ـ ماركوس ولينبورنغ رئيس بنك «اسكتلندا»
3 ـ اللورد بيرسي من كبار اقتصاديي بريطانيا.
4 ـ هيرمان أبس رئيس بنك «دويتش» وكبريات المؤسسات الاقتصادية الالمانية
5 ـ يوجين بلاك رئيس البنك الدولي للانشاء والتعمير
وقد اضاف الشيخ جابر الاحمد الى عضوية هذه اللجنة بعض الاقتصاديين الكويتيين، منهم: خالد الخرافي، خليفة الغنيم، يعقوب الحمد، عبدالرحمن العتيقي، حيدر الشهابي.
كما حرص الشيخ جابر الاحمد ـ إبان توليه رئاسة الحكومة ـ على تشكيل لجان محلية للاستثمار منها: لجنة للاستثمار برئاسة وزير المالية عبدالرحمن العتيقي وعضوية وكيل وزارة المالية، ومدير الاستثمار، ومدير الصندوق الكويتي للتنمية، ومحافظ البنك المركزي، ورئيس مجلس ادارة البنك الصناعي، وغيرهم.
إن سياسة استثمار اموال الدولة «الاحتياطي» التي بدأ بتطبيقها الشيخ جابر الاحمد عندما اصبح رئيسا لدائرة المالية، ثم وزيرا للمالية، قد بنيت على اسس. اهمها:
1 ـ ضمان القيمة الاصلية لهذه الموجودات مع تحقيق اكبر عائد ممكن بأقل مخاطرة محتملة.
2 ـ المساهمة في دعم الاقتصاد الكويتي.
3 ـ المساهمة في دعم الاقتصاد العربي على اسس استثمارية تجارية بالقدر الممكن.
4 ـ التركيز على الاسواق الاستثمارية والمالية الجيدة، والبحث عن اسواق اخرى، والمشاركة في تطويرها واستيعابها.
5 ـ توزيع الارصدة بين استثمارات متنوعة مختلفة لتوفير الحماية اللازمة. ولضمان التوازن بين ارباح بعضها وخسائر الاخرى.
6 ـ المساهمة في الوصول الى نظام نقدي دولي سليم عن طريق المشاركة في المؤسسات الدولية، والاستثمار في ارصدتها من الاسهم والحصص في المشروعات.
يقول خالد ابو السعود: «وباستعراض استثمارات الدولة المرتكزة على الاسس اعلاه، يتضح ان نسبة الاستثمارات الملموسة من اسهم وعقارات، وغيرها، تزيد على نسبة الاستثمارات الاخرى، حيث انها تمثل موجودات حقيقية عملت وزارة المالية، بتوجيه من الشيخ جابر الاحمد، على زيادتها تدريجيا، مراعية سياسة التنويع في محافظها من الاسهم، حيث توزع الاسهم في كل محفظة الى عدة انواع من الاسهم لتحقيق التوازن وتلافي الخسارة والهزات. ونتيجة لهذه السياسة تشكلت للحساب الاحتياطي محافظ للاوراق المالية تدار من البنوك العالمية المؤهلة من الدرجة الاولى».
ويمضي ابو السعود قائلا: «وتم انتقاء هذه المؤسسات تدريجيا، وبتوجيه وموافقة سمو الشيخ جابر الاحمد، وقد حوت محافظ الاوراق المالية نسبا مهمة من اسهم الشركات العالمية قبل ان تحتويها المحافظ الاخرى لمستثمرين اخرين، وهذه المحافظ تحوي مجموعات.، اهمها:
1 ـ اسهم صناعية منها: الكهربائية، والميكانيكية، والاستهلاكية، والنسيج، والكيماوية.
2 ـ اسهم مالية، كشركات الاستثمار، والبنوك والتأمين، وصناديق الادخار.
3 ـ اسهم خدمات، كالمرافق العامة، والمخازن التجارية.
والنسبة الكبيرة من هذه الاسهم تمثل موجودات حقيقية تحتفظ الدولة بقيمتها، ولا تتأثر كثيراً بتقلبات العملات، وقد حققت الدولة ارباحاً حقيقة جيدة تفوق الارباح السائدة في السوق...».
لقد حرص الشيخ جابر الاحمد ـ ومنذ البداية ـ على استثمار جزء من المال الاحتياطي في الشركات المساهمة المحلية، وقدم لها من القروض، وهذا ما مكنها من الاستمرار والنمو. وقد حققت الدولة من ذلك هدفين: الاول، دعم الاقتصاد الوطني عن طريق انشاء الشركات الصناعية والمالية، والثاني، تحقيق ارباح مادية تتمثل فيما تعطيها هذه الشركات من فوائد.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:56 AM

[frame="1 80"]وبتوجيه من الشيخ جابر الاحمد استخدم جزء من المال الاحتياطي في المساهمة في تنمية وتطوير البلدان العربية على اسس استثمارية وانمائية، تعود بالنفع على الطرفين. وهذا يتطلب تعاون مؤسسات الدولة وشركاتها في دراسة الاسواق العربية للبحث عن انسب المشروعات والمؤسسات الاقتصادية: كصندوق التنمية الذي لديه الخبرة، والاتصالات الدولية المتخصصة، والشركة الكويتية للتجارة والمقاولات «الحكومية» التي قامت ـ نيابة عن الدولة ـ باستثمارها جزء من اموالها، واموال الدولة لدعم هذه الشركة وتزويدها بالكفاءات اللازمة. وقامت شركات الاستثمار الكويتية الاخرى في استثمارات متنوعة في الفنادق والعقارات والمشروعات الزراعية، واسهمت بانشاء شركة المجموعة العقارية الكويتية لتنفيذ مشروعات استثمارية في البلدان العربية من المحيط الى الخليج، وصل مجموعها الى اكثر من بليون دولار في نهاية 1975م.
وعلى اثر الهزات النقدية العالمية في بداية السبعينات، واتجاه الدولة لزيادة استثماراتها في الموجودات الملموسة، خصوصا العقارية نظرا لثبات قيمتها وتزايد اسعارها، عملت ادارة المال الاحتياطي، وبتشجيع من الشيخ جابر الاحمد، على زيادة الاستثمار العقاري ـ داخليا وخارجيا ـ سواء كان الاستثمار في العقارات ذات الدخل الثابت المستقر الاستثمار لغرض الارباح الرأسمالية، وعلى هذا الاساس تكونت محافظ عقارية جيدة تدار من قبل شركات عالمية متخصصة، وقد كوّن الشيخ جابر الاحمد عام 1965م مع «بنك تسيس مانهاتن» اول محفظة عقارية في امريكا ـ بصفته وزيرا للمالية ـ واعطت هذه المحفظة دخلا سنويا صافيا حوالي 8.5% مع تصاعد قيمتها الفعلية، كما انشئت محافظ اخرى مع مؤسسات شبيهة، ويمتلك المال الاحتياطي حاليا عقارات مميزة في اهم العواصم العالمية، مثل: باريس ولندن وهيوستن وشرقي اسيا، وذات مردود جيد وتوقعات رأسمالية مرضية جدا، كما يتملك عددا من مقرات السفارات الكويتية في العواصم العالمية، مثل: واشنطن ولندن وباريس وجنيف وموسكو وبكين ونيودلهي وغيرها من العواصم الكبرى عربية كانت ام اجنبية.
ومن الجهود الفاعلة للشيخ جابر الاحمد في ارساء دعائم اللبنات الاولى في صرح بناء الاقتصاد الكويتي الوطني، يحدثنا بدر النصر الله عن اولى الشركات المساهمة الوطنية التي تأسست برعايته وتشجيعه، فيقول: «... وفي هذه المرحلة، كان الشيخ جابر الاحمد وراء فكرة تأسيس الشركات المساهمة والبنوك التي اسرع في انشائها لاكتمال بناء الصرح الاقتصادي للدولة، ولم تكن مجرد فكرة بذرها، ولكنه اولاها رعايته وعنايته، عاكفا على دراسة مشاريعها ـ على الرغم من صعوبتها وتعقيداتها الفنية ـ بصبر واناة مع المؤسسين»...
وهنا يقدم لنا النصر الله نموذجين لهذه الشركات، فيقول: «... وفي ظل هذا التوجه تأسست الشركات المساهمة الاولى في الكويت، ومنها:
1 ـ شركة الكويت للتأمين، وهي من اوائل الشركات التي تأسست في بداية الستينات، وقد تقدم المؤسسون يوسف احمد الغانم، محمد صالح يوسف بهبهاني، حمد صالح الحميضي، خالد صالح الغنيم، عبد الله احمد البحر، محمد احمد الحمد، بدر الملا بطلبهم لتأسيس الشركة، فقام سموه بدراستها، ثم اجازها، فتوالت بعدها شركات التأمين الاخرى.
2 ـ كان سموه اول من فكر في تأسيس شركة الخطوط الجوية الكويتية وبدأ في دراسة الفكرة مع وجود صعوبات ـ آنذاك ـ لتواجد شركات اجنبية قوية تنافسها، ولكنه اصر على مواجهة التحديات، وتأسست الشركة عام 1961م لرفع اسم الكويت بين الدول، وقد عين المرحوم نصف اليوسف اول رئيس للشركة، والسيد عبد الرحمن المشري مديرا لها...
لا شك ان العديد من المشروعات والكثير من المؤسسات التي قامت في مطلع الستينات، وما قبلها بقليل، كانت بدعم ومساندة من الاميرين الراحلين الشيخ عبد الله السالم الصباح، ومن بعده الشيخ صباح السالم الصباح، لكنها نمت وازدهت بفكر ورعاية الشيخ جابر الاحمد، وخرجت الى حيز التنفيذ بمساعدة بعض المستشارين الاقتصاديين داخل الكويت وخارجها، حيث كان يتبادل معهم الرأي والمشورة حول كيفية تحقيق هذه المشروعات.

الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية

تعتبر عمليات التنمية والتطور الحضاري التي مرت بها الكويت من ابرز الملامح والمعطيات في فكر الشيخ جابر الاحمد، فقد جاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية واحدا من اكبر مشروعاته الحيوية التي شهد ولادتها فجر استقلال الكويت، وعلى وجه التحديد شهر ديسمبر من عام 1961م.
وكان وهو رئيس دائرة المالية آنذاك يعلم ان تأسيس هذا الصندوق في ذلك الوقت المبكر بمثابة اعلان عن ادراك حقيقة ازمة التنمية التي ستواجهها الدول العربية بصفة خاصة ودول العالم الثالث بصفة عامة، من هنا لم يقف الصندوق عند هذه الحدود الجغرافية للوطن العربي، بل امتد نشاطه ليشمل عددا من الدول في القارة الافريقية، وامريكا اللاتينية، والبحر الكاريبي، وكذلك دولا في وسط آسيا.
وقد جاءت فكرة انشاء الصندوق اثر البعثة التي اوفدها الشيخ جابر الاحمد الى الدول العربية عام 1961 برئاسة احمد السيد عمر وعضوية فهد السلطان، مرزوق الداود، وعبد الوهاب محمد، وذلك للوقوف على احتياجاتها التنموية وكيفية المساهمة فيها. وعاد الوفد بعد أسبوع ليوصي بتوفير 40 مليون دينار كويتي للمساهمة في تغطية هذه الاحتياجات. وقد ساهم في بلورة هذه الفكرة احمد السيد عمر، وفخري شهاب، وفيصل المزيدي.
وفي هذا الصدد يقول فيصل المزيدي: «... كنت جالسا بمكتب سمو الشيخ جابر الاحمد عندما اجتمع بالوفد، فسمعت بعض الاعضاء يؤيد منح هذه القروض، فرجوت سموه ان يمهلنا ساعة واحدة قبل ان يدلي بتصريح في هذا الشأن، حيث انه كان على اهبة الذهاب الى اجتماع مجلس امني بوزارة الدفاع، فطلب مني ان الحق به هناك، وبعد انتهاء الاجتماع قدمت لسموه ورقة من صفحة ونصف حول الصندوق المقترح ودوره في دعم المشروعات التنموية في الدول العربية كبديل عن القروض المقترحة، والتي قد تستغل في اغراض لا تخدم توجهات الكويت».

الأمير وحدوي الفكر عروبي الهوية.. والعملة الخليجية الموحدة أحد أبرز الأمثلة القصة الكاملة لانشاء الصندوق الكويتي بفكرة ودعم الشيخ جابر الأحمد
توقفنا في الحلقة الماضية عند بداية انشاء الصندوق الكويتي للتنمية ويقول: حمزة عباس: «... كان سمو الشيخ جابر الاحمد صاحب فكرة انشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وهو نموذج فريد للصناديق التي تأسست بعده في دول الخليج، وكانت النظرة الانسانية لسموه وراء انشائه، وهي: ان الخير يجب الا يقتصر على الكويتيين وحدهم.. وقد تأسس الصندوق على منوال البنك الدولي بهدف مساعدة الدول العربية، والدول المحتاجة لمشروعات التنمية في دول العالم الثالث...».
وفي هذا السياق يتحدث عبد اللطيف البحر حول فكرة الصندوق التي اختمرت في ذهن الشيخ جابر الاحمد، فيقول: «... لقد رعى سموه فكرة انشاء هذه المؤسسة واعطاها جل اهتمامه، معتبراً اياها ذات طابع تنموي على المستوى العربي، من اجل المساهمة في النهوض بالتنمية في الدول العربية الشقيقة. فتأسس الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بمقتضى القانون رقم 35 لسنة 1961م، ليكون اول مؤسسة انمائية في الشرق الاوسط من اجل تقديم المساعدات للدول العربية. وعين السيد عبد العزيز البحر اول مدير عام له، ثم السيد عبد اللطيف الحمد، فالسيد فيصل الخالد، واخيراً السيد بدر مشاري الحميضي...».
ويمضي البحر قائلاً: «... لقد كان مشروعاً اقتصادياً رائداً، ومن انجح المؤسسات الاقتصادية على المستوى الدولي، وهي مؤسسة متخصصة لها رأسمال مستقل، وتعمل على نهج البنك الدولي. ولمتانة موقفه، ولما يتمتع به من ثقة اقتصادية ومالية عالية، فقد كانت بعض البنوك والمؤسسات المالية العالمية تسارع بالدخول في اي مشروع يدخل فيه الصندوق الكويتي، كما ان الصندوق العربي التابع للجامعة العربية تأسس على نموذج الصندوق الكويتي، كمثال يحتذى به..».
ويضيف البحر مشيراً الى دور الصندوق في ذلك الوقت، فيقول: «وكان الصندوق يعد رافداً لوزارة الخارجية آنذاك، ودوره لا يقل حساسية عنها...».
ويؤكد هذا المضمون اول مدير عام للصندوق عبد العزيز البحر، فيقول: «... وتعود جذور فكرة انشاء الصندوق الى الشيخ جابر الاحمد عندما كان رئيساً لدائرة المالية. وتتلخص وجهة نظره ورؤيته لدور الصندوق في ان الكويت لديها شعور قومي تجاه شقيقاتها الدول العربية، يدفعها الى الاهتمام بتحسين اوضاعها الاقتصادية ذلك لان نجاح التنمية في اي قطر عربي هو مسؤولية عربية مشتركة...».

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:57 AM

[frame="1 80"]ويضيف البحر عن بداية العمل في الصندوق ومقره، فيقول: «.... لقد بدأ العمل به في مقر صغير مؤقت في منطقة الشويخ امام محطة تقطير المياه، وكانت البداية بأربعة موظفين فقط، وبمساعدة عدد من المستشارين العرب الذين كانوا يعملون في ذلك الحين في وزارة المالية، حيث تم وضع خطط البداية وهيكل الصندوق الاداري ولوائحه...».
ويتحدث البحر عن غرض اقامة الصندوق، فيقول: «... لقد وظفت الكويت الامكانات المختلفة على المستويين: العام والخاص، لتحقيق اهداف الدول العربية التنموية، واصبحت المساعدات والاستثمارات والقروض الناشئة عن التزام انساني ومالي وسياسي كبير، وسيلة فعالة للتأثير، وشقت المساعدات الكويتية الاقتصادية والانسانية التقليدية قنواتها من خلال الصندوق. وعلى الرغم من الدوافع التنموية الاساسية في نشأة الصندوق. فإن سلوكيات وتعهدات الصندوق عكست بعداً انسانياً، واعتبارات اقتصادية جعلت الكويت الدولة الاولى في تقديم المساعدات الخارجية في جميع اقطار العالم الثالث، واوضحت التقارير ان الصندوق اصبح بشكل متسارع قوة حيوية فعالة للتقدم في العالم الثالث...».
وحول موقف الدولة وسياستها بشأن ضمان حيادية الصندوق وبعده عن التوجيهات السياسية المتباينة للدول المستفيدة، يقول فيصل المزيدي: «.... لم يفرق الصندوق بين دولة عربية واخرى من منطلق تباين الانظمة السياسية بينها، بل كان تركيزه على برامجها الانمائية، دون اعتبارات اخرى. ومن ذلك تجلت حيادية الصندوق سياسياً عندما ارادت بعض الدول اخراج الصندوق عن اهدافه التنموية، فوقفت الكويت بقوة ضد تلك التوجهات. ومثال على ذلك، ان اليمن عندما كان يمنين، ولكل منهما توجهاته المختلفة، فإن دعم الصندوق للمشروعات فيهما كان للتنمية الاقتصادية البحتة بغض النظر عن ماهية النظام وتوجهاته، وكما حدث هنا، فقد حدث مع دول اخرى...».
اقتصرت عمليات الصندوق حتى يوليو عام 1974م، طبقاً لقانون انشائه، على الدول العربية فقط، ثم اتسعت بعد ذلك نشاطاته فشملت معظم الدول النامية في مختلف قارات العالم، وضوعف رأسماله حيث بلغ 2000 مليون دينار كويتي في مارس عام 1981م، وتوسعت الصلاحيات الممنوحة للصندوق بحيث اصبحت تشمل حق المساهمة في رأسمال هيئات التنمية، وفي مواردها وفي رأسمال بعض انواع المنشآت.
ويهدف الصندوق الى مساعدة الدول النامية فيما تبذله من جهود في مجال التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال الوظائف التالية:
1ـ تقديم القروض والكفالات والمنح.
2ـ توفير خدمات المعونة الفنية.
3ـ المساهمة في رأسمال المنشآت التنموية.
4ـ تمثيل دولة الكويت في منظمات وصناديق التنمية الاقليمية والدولية.
كما ان دور الصندوق يرتكز بصورة واضحة، على تمويل المشروعات الانتاجية ذات العائد المجدي السريع، وخاصة فيما يتعلق بمشروعات البنية الاساسية، والامن الغذائي، وزيادة القدرة الاستيعابية للدول المستفيدة، وتدريب الاطر الفنية، وكان لهذا الدور الاثر البالغ في المساهمة في تنمية اقتصاديات هذه الدول والحد من المشاكل التنموية والاجتماعية التي تواجهها.
وهنا يشير عبد العزيز البحر الى ردود الفعل تجاه الصندوق، فيقول: «... لقد كانت ردود الفعل في البداية تجاه الصندوق طيبة جداً، والحمد لله، فعلى المستوى الخارجي، كان لي شرف صحبة سمو الشيخ جابر الاحمد في وفد رسمي لتمثيل الكويت في اجتماعات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، بعد ان اصبحت الكويت عضواً في هاتين المؤسستين العالميتين. وكان سموه ـ وقتئذ ـ رئيس الوفد بصفته وزيراً للمالية والاقتصاد، واني لشاهد على هذا التاريخ عندما اقول: اننا لاقينا كل الترحيب والثناء على فكرة انشاء الصندوق من كل الدوائر الاقتصادية، ومن عدد كبير من خبراء الاقتصاد العالميين الذين يحضرون هذه الاجتماعات...».
ويضيف البحر، فيقول: «... اما على المستوى المحلي، فقد كان الامر اكثر وضوحاً بنا منذ اللحظة الاولى، فالمواطن العادي في ذلك الوقت كان لديه هذا الاحساس الكبير بالانتماء العربي، وكنا ـ نحن الكويتيين ـ اول من قرن باسم الدولة تأكيد هذا الانتماء بقولنا دائماً: «الكويت بلاد العرب». والنقطة الثانية هي، ان انشاء الصندوق منح المواطن الكويتي احساساً حقيقياً بذاته وقدرته
على العطاء، وان له دورا مهما في هذا العالم، فقد كان انشاء الصندوق بمثابة رسالة مضيئة تعلن بان هذا البلد الصغير المساحة قادر على القيام بدور مهم وفعال تجاه شقيقاته من الاقطار العربية الاخرى.
لا شك في ان اربعين عاما، هو عمر الصندوق الحافل بالتطور والتوسع واكتساب الخبرة، جعله احدى المؤسسات الاقتصادية الرائدة الموثوق بها في معالجة قضايا التنمية ومشاكلها بادراك ووعي، وتأمين ما تطلبه من جهد، ومتابعة ما تقتضيه من إجراءات وأساليب تتلاءم مع واقع الظروف والعوامل المحيطة بها.. انها الحقبة الزمنية التي بذل الصندوق خلالها قصارى جهده ليكون خير عون للعديد من الدول العربية، والدول النامية الاخرى في جهودها الانمائية، متوخيا من وراء ذلك توثيق عرى الصداقة، وتعزيز اواصر وروابط التعاون البناى معها.
والحقيقة ان هذه الجهود جاءت مجتمعة لتدعم توجهات الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح بضرورة ايجاد آلية اقتصادية وتنموية يمكن ان تساهم في تجسيد العمل العربي المشترك. وكان جابر الاحمد خير معين له في تحقيق ما كان يصبو اليه.
العملة الوطنية:

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:57 AM

[frame="1 80"]حرص الشيخ جابر الاحمد على تحصيل وتحقيق جميع رموز الاستقلال والسيادة للكويت، ومن بينها اصدار العملة الوطنية الكويتية، وكان هو المسؤول الاول عن اصدار العملة الوطنية «الدينار الكويتي» بوصفه ءئيسا لدائرة المالية.
فالكويت عرفت انواعا كثيرة من العملات منذ عهد صباح الاول، وظلت الربية الهندية عملة معتمدة للتداول الى أمد بعيد، حتى اعلنت الحكومة الهندية عن نيتها فصل الربية المتداولة في الهند عن الربية المتداولة في الكويت، مع طباعة نماذج جديدة من الاوراق النقدية تختلف في اللون والقيمة لاستخدامها، فقط في الكويت ودول الخليج العربي.
وفي هذا الشأن يحدثنا خالد ابو السعود عن تداول العملة الهندية، الربية في الكويت وعن جهود الشيخ جابر الاحمد في اصدار اول عملة كويتية وطنية، فيقول: «حتى عام 1960م كانت العملة المتداولة في الكويت هي الربية الهندية ـ ورقية ومعدنية ـ وقد خصصت حكومة الهند في السنوات الاخيرة اصدارات خاصة من الربيات ليتم التداول بها في امارات الخليج، واستمر العمل بها الى طرح الدينار الكويتي للتداول في الكويت. كان سعر صرف الربية 333،13 لكل جنيه استرليني. ويتم الحصول عليها بشرائها من بنك الاحتياط الهندي بواسطة البنك البريطاني للشرق الاوسط وبنك الكويت الوطني.
ونظرا لوقوع الهند ضمن المنطقة الاسترلينية فان القيود تسري على المتعاملين بالربية، ومن ضمنهم الكويت حيث كانت تخضع لاحكام الرقابة والقيود والانظمة البريطانية الخاصة بالنقد والتجارة.
وكان لهذا الاجراء المفاجىء اي اصدار الدينار الكويتي، صداه العكسي الكبير في الاوساط الحكومية والتجارية في الكويت لارتباطها بالربية الهندية المتداولة في الهند لقوتها ومتانتها وقيمتها الاقتصادية انذاك، ولان تداول العملة الجديدة المنفصلة عن الربية المتداولة في الهند سيكون له اثره السلبي على الاقتصاد الكويتي. علاوة على ان الكويت لم تكن مهيأة خلال هذه الاجراءات السريعة التي اتخذتها حكومة الهند، لان ترفض هذه العملة الجديدة او يقدم على اصدار عملة وطنية جديدة.
وعليه، قبلت الكويت ـ مضطرة ـ هذا الاجراء الذي اتخذته الحكومة الهندية. وبتوجيه من المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، تولت دائرة المالية، التي كان يترأسها الشيخ جابر الاحمد في ذلك الوقت، الاسراع في اجراء الدراسات بشكل عاجل وفوري لمواجهة الموقف، واتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجة هذه الامور، والاستعانة بخبراء عالميين من بنك انجلترا، وغيرها من المؤسسات المالية والبنكية في العالم لاصدار العملة الوطنية الكويتية.
وفي صدد الاجراءات والترتيبات التي اقرها الشيخ جابر الاحمد في شأن اصدار اول عملة وطنية كويتية، يذكر حمزة عباس اول محافظ للبنك المركزي الكويتي، فيقول: «كان لا بد ان تكون هناك جهة مسؤولة عن النقد واصدار العملة فصدر في الثامن والعشرين من ربيع الثاني عام 1380هـ الموافق التاسع عشر من اكتوبر عام 1960م المرسوم الاميري رقم 41 لسنة 1960م بقانون النقد الكويتي، بناء على عرض الشيخ جابر الاحمد رئيس دائرة المالية والاقتصاد، وبعد موافقة المجلس الاعلى على انشاء مؤسسة عامة مستقلة، تسمى: مجلس النقد الكويتي تكون له الشخصية الاعتبارية ـ دون غيره ـ باصدار أوراق النقد والمسكوكات في الكويت ابتداء من اليوم التالي الذي يحدد بمرسوم لاصدار العملة طبقا لاحكام هذا القانون، وتشكل اول مجلس للنقد «مجلس النقد الكويتي» برئاسة الشيخ جابر الاحمد وعضوية كل من:
1 ـ لوم Cluade Loome (مستشار محافظ بنك انجلترا).
2 ـ بوجر Jogo Bogar (نائب محافظ البنك المركزي السويدي).
3 ـ يعقوب الحمد.
4 ـ خليفة الغنيم.
5 ـ فخري شهاب.
6 ـ حيدر الشهابي.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:57 AM

[frame="1 80"]وتولى حمزة عباس سكرتارية مجلس الادارة بدلا من السكرتير الانجليزي (هنري ترنر Henry Turner).
وفي نفس السياق والمضمون يذكر خالد ابو السعود: لقد اقتضى قرار اصدار الدينار الكويتي وطرحه للتداول ارجاع العملة الهندية المتداولة في الكويت الى السلطات الهندية، مقابل استرداد قيمتها بالجنيه الاسترليني التي قدرت وقتها بمبلغ 25 مليون جنيه استرليني على ان يستخدم هذا المبلغ كغطاء للعملة الكويتية الجديدة باشراف مجلس النقد الكويتي الذي كان يرأسه سمو الشيخ جابر الاحمد. وقد شكل سموه وفدا للتفاوض، وكنت احد اعضائه، لاسترداد المبلغ، وتم الاتفاق مع السلطات الهندية على تسديده على عشرة اقساط سنوية متساوية، وفعلا تم التسديد بالتواريخ المتفق عليها».
هذا، وقد صدرت اول عملة كويتية وطنية في الاول من ابريل عام 1961م، بمقتضى المرسوم الاميري رقم 41 لسنة 1960م وكان اول اصدار للدينار الكويتي يحمل صورة حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح، بتوقيع الشيخ جابر الاحمد بصفته رئيسا لمجلس النقد الكويتي انذاك، وبعد ان اصبح رئيسا لمجلس الوزراء، وانشاء البنك المركزي، تم اصدار ثان للعملة الكويتية باسم البنك المركزي الكويتي وكانت عليها صورة الشيخ صباح السالم الصباح.
وهنا، يشير حمزة الى اصدار جديد للعملة الكويتية في عهد الشيخ جابر الاحمد، فيقول: «وبعد وفاة الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله، وتولى سمو الامير الشيخ جابر الاحمد مسيرة الحكم، فكر البنك المركزي في اصدار جديد للعملة، وطلبوا موافقته على وضع صورته على العملة الجديدة فرفض رفضا باتا، وامر ان يحتل مكانها شعار الدولة.

العملة التذكارية:

وفي صدد اول عملة تذكارية يصدرها البنك المركزي، يضيف محدثنا حمزة عباس: كان البنك المركزي يصدر ايضا عملات تذكارية في المناسبات المختلفة، ولكون سمو الشيخ جابر الاحمد ـ وكما هو معروف عنه ـ شخصية متجردة من المواقف، فقد رفض ايضا اقتراحا بوضع صورته على هذه العملة التذكارية.

العملة الخليجية الموحدة:

كان الشيخ جابر الاحمد وحدوي الفكر عروبي الهوية، يعززها ويساندها اينما كانت ولمصلحة الشعوب، وخاصة على الصعيد الخليجي، او على المستوى العربي.
وفي هذا السياق ايضا يتحدث حمزة عباس، فيقول: «لقد جاءت هذه الخطوة الوحدوية للنقد الخليجي من سموه عام 1964م، عندما فكر في ان يكون للخليج العربي عملته الموحدة، وهي فكرة لم تكن مطروحة في اي منطقة اخرى من العالم في ذلك الوقت، فكان لسموه السبق في هذا التوجه الاقتصادي العالمي ولم تكن لدول الخليج في ذلك الوقت عملة وطنية خاصة بها، بل كانوا يستعملون الربية الهندية، فارسل سموه رسائل الى قطر والامارات والبحرين يدعوهم الى ان يكون لهم. ومعهم الكويت ـ عملة خليجية موحدة، وطرح بديلين، اما الاتفاق على استعمال الدينار الكويتي، او استصدار عملة جديدة يتفق عليها فيما بينهم وظلت الفكرة مطروحة انتظارا للقرار السياسي المناسب.

المصارف والمال:

لقد شهد القطاع المصرفي والمالي في الكويت في عهد الشيخ جابر الاحمد تحولات توعية اساسية سواء من حيث اتساع القاعدة المؤسسية، ام من حيث تنويع الاختصاصات وتطوير العمليات، او من حيث تحسين الأداء وازدياد دوره في الاقتصاد الوطني ككل، فقد تأسس اول مصرف كويتي في 19 مايو عام 1952م، بمقتضى مرسوم من امير دولة الكويت المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح، وهو بنك الكويت الوطني، وذلك باعتبار المصرف شركة مساهمة كويتية اهلية للقيام بالاعمال المصرفية، وتم تسجيل الشركة وفقا لقانون الشركات التجارية رقم 15 لسنة 1960م.
وعندما باشر البنك نشاطاته، اقبل المواطنون والتجار الكويتيون بشكل كبير على فتح حسابات لهم، والتعامل معه باعتباره مصرفا وطنيا كويتيا. وقد بلغ رأس المال عند التأسيس 000،100،13 روبية بما يعادل 500،982 دينار كويتي ـ آنذاك ـ ووزع رأس المال على 13100 سهم قيمة كل سهم 1000 روبية، اي ما يعادل نحو 75 ديناراً كويتيا.
وقد علقت صحيفة «فايننشال تايمز» اللندنية الصادرة بتاريخ 29 يناير عام 1975م على هذا الحدث الاقتصادي تحت عنوان «بنك الكويت»، قالت فيه: «... قدّرت ارصدة بنك الكويت الوطني في نهاية ديسمبر عام 1956م بمبلغ 4،446 مليون روبية، منها قروض بمبلغ 9،111 مليون روبية، وتقدر الاموال النقدية بمبلغ 3،139 مليون روبية، وسندات الحكومة البريطانية بمبلغ 102 مليون روبية، وقدرت الاموال المودعة، ورصيد الاحتياطي العام بمبلغ خمسة ملايين روبية، وبلغت الارباح الصافية ـ بعد خصم المصروفات ـ مبلغ 756،880،2 روبية، اما ارباح الاسهم ونسبتها 10% فقد قدرت بمبلغ 000،310،1 روبية»...
ثم توالى تأسيس البنوك الوطنية الاخرى تباعا بعد الاستقلال، فكانت هناك اربعة بنوك تجارية وطنية، وفرع لبنك تجاري اجنبي، وبنك حكومي متخصص، وشركتان للاستثمار، اما الآن فقد ارتفع عدد البنوك الى سبعة بنوك تجارية وهي: بنك الكويت الوطني، البنك التجاري الكويتي، بنك الخليج، البنك الاهلي الكويتي، بنك الكويت والشرق الاوسط، بنك برقان، وفرع بنك البحرين والكويت الذي تمتلكه مناصفة مصالح كويتية وبحرينية، اضافة الى بيت التمويل الكويتي، وثلاثة بنوك متخصصة هي: بنك التسليف والادخار، البنك العقاري الكويتي، والبنك الصناعي الكويتي.
وقد امتد نشاط البنوك التجارية الى الاسواق المالية العالمية، حيث افتتح عدد من البنوك المحلية فروعا لها في لندن ونيويورك وسنغافورة وغيرها من المدن والعواصم المالية في العالم، وذلك لزيادة حضورها المباشر في تلك الاسواق.
وقد شهد نشاط البنوك المتخصصة العاملة في الكويت خلال الاعوام السابقة تطورات هامة، مواكبة في ذلك تطور الاقتصاد المحلي بشكل عام، والجهاز المصرفي بشكل خاص، حيث قامت هذه البنوك بتقديم خدمات مكملة لنشاط البنوك التجارية باعتبارها تقدم التمويل المتوسط والطويل الاجل لقطاعات الاسكان والصناعة والزراعة والعقار، كما تشارك هذه البنوك بدور رئيسي في تنمية وتطوير السوقين «المالية والنقدية» المحليتين، وخلق ادواتها من سندات وشهادات ايداع، وغير ذلك.
ومن ناحية اخرى، تأسست في الكويت حتى مطلع عام 1980م خمس شركات وطنية للتأمين، واعادة التأمين، بالاضافة الى 28 شركة استثمار، تقوم بدور مكمّل لاعمال البنوك التجارية والمتخصصة. وذلك بفتح آفاق جديدة للوفورات المالية الوطنية نحو الاستثمار الطويل الاجل في مجال ادارة المحافظ المالية وتقديم الاستشارات المالية، ودراسات الجدوى الاقتصادية، او ادارة المشروعات والمشاركة في رؤوس اموالها، هذا بالاضافة الى مساهمتها في تطوير السوق المالية عن طريق قيادة الاصدارات والمساهمات بالاكتتاب في شهادات الايداع المحلية، وتنمية وتطوير سوق سندات الدينار.
ومن التطورات المهمة في السوق النقدية الكويتية في تلك الفترة اصدار الحكومة لسندات دين لصالح صندوق ضمان حقوق الدائنين لمعاملات الاسهم التي تمت بالاجل، والتي تتراوح مدد استحقاقها ما بين ستة شهور وست سنوات، وبفئات تتراوح بين 25 الف دينار كويتي ونصف مليون دينار كويتي.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:58 AM

[frame="1 80"]انشاء البنك المركزي وتنظيم الحركة المصرفية

استكمالا لمسيرة الاقتصاد الكويتي رأي الشيخ جابر الاحمد انه لا بد من اداة مركزية تتولى الامور النقدية في البلاد، وتشرف عليها وتحميها من المخاطر، نتيجة لتعقد الظروف الدولية، وما يواجهه العالم من ازمات اقتصادية طاحنة.
وقد تمحورت افكاره في هذا المجال حول مؤسسة مالية جديدة يمكن ان تلعب هذا الدور، ونعني بذلك قيام البنك المركزي، فقد انشىء بنك الكويت المركزي بموجب القانون رقم 32 لسنة 1968م، وبمقتضى هذا القانون تمت تصفية مجلس النقد الكويتي في نهاية مارس عام 1969م، وآلت موجوداته الى بنك الكويت المركزي الذي باشر مهامه اعتبارا من اول ابريل عام 1969م، وقد انضوت تحت مظلته آنذاك ـ نحو 7 بنوك تجارية، يتبعها 153 فرعا و4 بنوك متخصصة في التسليف والادخار والصناعة والتمويل على الطريقة الاسلامية، ويتبعها نحو 15 فرعا، بجانب 22 شركة استثمار خاضعة لرقابة البنك المركزي و39 شركة صرافة، ومجموعة من شركات التأمين.
وقد تحدث الشيخ جابر الاحمد عن الاهمية المالية والرقابية للبنك المركزي، حين اشار في كلمة له:
«.... ان المرحلة الجديدة التي دخلها الاقتصاد الكويتي، والمتميز باتساع وتشعب نشاطه، وبروزه على المستوى العالمي في وقت تتعقد فيه الظروف الاقتصادية الدولية، ويواجه العالم كثيرا من الازمات الاقتصادية، هذه المرحلة تضع على كاهل الادارة الاقتصادية قدرا كبيرا من المسؤولية، تتطلب المزيد من الجهد للحفاظ على زخم الاقتصاد، وتجنيبه ـ قدر الامكان ـ اي تأثيرات سلبية ناتجة عما تشهده الساحة العالمية ـ حاليا ـ من اضطرابات اقتصادية»...
مؤكدا على دور البنك المركزي وعلاقته بالمؤسسات المالية الاخرى، حين يقول: «... وللبنك المركزي دوررئيسي في هذا المجال، وخاصة بعد زيادة الاعتماد الاقتصادي على الجهاز المصرفي، وازدياد دور السياسة النقدية في تحقيق الاهداف الاقتصادية للدولة، ومن الامور المهمة في هذا الشأن ان تقوم العلاقة بين البنك المركزي والبنوك التجارية الوطنية على التفاهم والتشاور والتعاون، واننا على ثقة من ان للبنوك التجارية الاهمية القصوى للتعاون مع البنك المركزي على اساس من الثقة المتبادلة، والتعاون الصادق وليس لصالح مؤسسة، او افراد، او مجموعات، وانما للمصلحة العامة التي هي فوق كل اعتبار»...

حكمة القيادة الكويتية تجلت خصوصاً في السبعينات حينما توسعت في تنظيم الأوضاع الاستثمارية بُعد نظر الأمير أنقذ الكويت وأهلها في الغزو والتحرير والإعمار بمشروع احتياطي الاجيال
الحلقة الخامسة عشرة

تحدثنا في الحلقة السابقة عن انشاء البنك المركزي الكويتي، الذي جاء انشاؤه استكمالا لمسيرة الاقتصاد الكويتي.
ويعتبر بنك الكويت المركزي مؤسسة وطنية عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة، والمركز الرئيسي له في مدينة الكويت. وقد حددت المادة 15 من قانون البنك اغراضه، فيما يلي:
1 ـ ممارسة امتياز إصدار العملة لحساب الدولة.
2 ـ العمل على تأمين ثبات النقد الكويتي، وعلى حرية تحويله الى العملات الاجنبية الاخرى.
3 ـ العمل على توجيه سياسة الائتمان، بما يساعد على التقدم الاقتصادي والاجتماعي وزيادة الدخل القومي.
4 ـ مراقبة الجهاز المصرفي في دولة الكويت.
5 ـ القيام بوظيفة بنك الحكومة.
6 ـ تقديم المشورة المالية للحكومة.
كما نصت المادة 14 من قانون البنك على ان تكون له ميزانية خاصة تعد على النمط التجاري. ويعتبر تاجرا في علاقاته مع الغير، وتجري عمليات وتنظيم حساباته وفقا للقواعد التجارية المصرفية.
لقد قام البنك المركزي بالتدخل المباشر في السوق مقرضا ومقترضا للدينار، وذلك لتحقيق عدة اهداف، منها: المحافظة على هيكل سعر الفائدة المحلية في مستويات مقبولة، سواء كانت على الودائع المتبادلة فيما بين البنوك او على الاقراض والودائع المصرفية، بالاضافة الى دعم البنوك المحلية بالدينار والعملات الاجنبية وايضا للمحافظة على استقرار سعر صرف الدينار والحد من المضاربة عليه مقابل الدولار.
وقد أبدى الشيخ جابر الاحمد اعجابه وسروره بما تحققه المؤسسات المالية الكويتية من نجاحات، لكنه في الجانب الاخر يقف ناصحا ومرشدا في كيفية التعامل مع معطيات المستقبل، حين يشير: «وانه لمن دواعي سروري ان نرى مؤسساتنا المالية قد بلغت هذه المكانة المتقدمة في العمل المالي والمصرفي، واصبحت مثلا يحتذى في منطقتنا للكفاءة وحسن الادارة. واذا كنا نشيد بما حققته مؤسساتنا. فاننا مع ذلك نتوقع المزيد من التطوير واستخدام التقنية المتقدمة، والاخذ بأساليب الادارة الحديثة والتدريب وتهيئة الشباب المؤهل للقيام بدور اكبر في هذا المجال الحيوي من العمل الاقتصادي».

تنظيم سوق الاوراق المالية:

في عام 1970م صدر القانون رقم 32 بشأن تداول الاوراق المالية الخاصة بالشركات المساهمة كأول خطوة متكاملة على طريق تنظيم سوق الاوراق المالية بالكويت. منهيا بذلك القانون رقم 27 لسنة 1962م الخاص بتنظيم الاوراق المالية المؤسسة في الخارج. كما خوّل هذا القانون وزير التجارة والصناعة حق اصدار القرارات اللازمة لتنظيم تداول الاوراق المالية الخاصة بالشركات الكويتية، وذلك استنادا الى رأي اللجنة الاستشارية التي تشكلت برئاسة وزير التجارة والصناعة، وعضوية كل من وزارة المالية والبنك المركزي، اضافة الى خمسة مواطنين من ذوي الخبرة والاختصاص في الشؤون المالية.
ولما كانت مسألة التضخم المالي والنقدي في العالم من الامور التي كانت تقلق بال ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الاحمد في ذلك الوقت، فقد بات متابعا جيدا لتلك الازمات الاقتصادية العالمية، في محاولة منه لتجنب تداعياتها السلبية على الاقتصاد الكويتي فقد اشار في احدى المناسبات بقوله: «في هذه الفترة الدقيقة التي يسودها اضطراب بالغ في مجال الاقتصاد العالمي، توجه الحكومة جل اهتمامها الى تجنب البلاد آثار التضخم النقدي وما يستتبعه من التقلبات والازمات. وتراقب عن كثب تطورات الاسواق المالية، وتتخذ ازاء الاحداث ما يناسبها من اجراءات تحقق استثمارات مأمونة ومجزية العائد، مع حماية اصول الاموال من مخاطر الاضطرابات الاقتصادية والهزات النقدية.
وعلى المستوى المحلي، تجنبا لهذه الهزات الاقتصادية حاول الشيخ جابر الاحمد طرح بعض الافكار والتدابير الناشطة والداعمة للاقتصاد الوطني، فيقول: «كما تتابع الحكومة مستوى النشاط في سوق الاوراق المالية المحلية وتطوراته، وتتابع الانشطة المصرفية من خلال البنك المركزي الذي يقوم بالتعاون مع المصارف المحلية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لترشيد المهنة المصرفية، ومساندة هذه المصارف في مواجهة الظروف النقدية والمالية الحالية، واتاحة السبل الممكنة لتحقيق اقصى ما يمكن تحقيقه لخدمة الاقتصاد القومي».
محددا دور الحكومة في كل ما يسهم في دعم ومساندة الاقتصاد الوطني، حين يشير: «وتهتم الحكومة بالتدابير اللازمة لتدعيم الشركات المساهمة، ومساندتها بما يكفل لاقتصادنا الوطني في كل قطاعاته وانشطته استمرار الحيوية وحسن التطوير. وستعمل الحكومة على ان تسهم الصناعات الوطنية في توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل القومي، وعلى اقامة صناعات وطنية جديدة، وبخاصة تلك التي تتعدى الوقوف عند حد احتياجات الاستهلاك المحلي. وتمنح التسهيلات التي تجعل المواطنين اكثر اقبالا على مشاريع جديدة تعود بالفائدة عليهم وعلى البلاد».
وبتوصية من الشيخ جابر الاحمد لتنظيم العمل بسوق الاوراق المالية الكويتية، صدر القرار الوزاري رقم 61 لسنة 1976م الخاص بتنظيم سوق الاوراق المالية الخاصة بالشركات المساهمة الكويتية، والذي يعتبر في الوقت ذاته اللائحة المنظمة للبورصة الكويتية التي تم افتتاحها في 2 ابريل عام 1977م.
واذا كان قيام بورصة الاوراق المالية الكويتية من أجل الاستفادة من الوظيفة التقليدية للبورصات، والمتمثلة في توفير الموارد التمويلية لمختلف المشروعات لدفع عجلة التنمية الاقتصادية باعتبارها القناة التي تمر من خلالها المدخرات القومية الى المشروعات الاقتصادية، فان هناك من الدوافع ما جعل قيام هذه البورصة امرا ملحا، وذلك لما ينطوي عليه انشاؤها من تصحيح لاوضاع السوق المالية الكويتية التي عانت من غياب الاجهزة التنظيمية.

احتياطي الاجيال القادمة:

منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية، وقضية لاجيال القادمة واحدة من الهواجس التي كانت تقلق باله، ويحاول جاهدا ان يجد لها مخرجا حكيما يضمن حياة سعيدة للاجيال القادمة من ابناء الكويت، حتى لا ينعم بثروات الكويت جيل من أجيالها، وتحرم اجيال قادمة من ذلك الخير الذي أنعم به الله عليها. ومن هنا اهتدى فكره الى ضرورة انشاء صندوق للاجيال القادمة يدخر فيه ما يمكن ادخاره من عائدات الدولة واستثماراتها. وبالفعل تحققت الرؤية وتحققت الفكرة التي سعى اليها بصدور مرسوم اميري في 28 نوفمبر 1976م بالقانون رقم 106 لسنة 1976م في شأن احتياط الاجيال القادمة.
وهنا يوضح خالد ابو السعود الفرق بين الاحتياطي العام، واحتياطي الاجيال القادمة، فيقول: «ان الاحتياطي العام هو الفائض من ايرادات الميزانية والمصروفات الفعلية. ولقد تعرض الاحتياطي الى الضعف امام ضغط المصروفات والسحب منه باستمرار بقانون وبغير قانون. وهذا ما دعا سمو الشيخ جابر الاحمد بثاقب فكره واستشرافه للمستقبل الى طرح فكرة انشاء احتياطي الاجيال القادمة ابان توليه رئاسة مجلس الوزراء، وعلى وجه التحديد عام 1974م، وذلك بتخصيص نسبة 10% من ايرادات النفط تغذي به الدولة احتياطي الاجيال، على ان لا يمس هذا الاحتياطي مهما كانت الاسباب، الا في امور اضطرارية قصوى وبقانون، وكان هذا عملا تنفيذيا بحتا لكيفية الحفاظ على احتياطي الاجيال، وعليه، فقد قسم الاحتياطي الى احتياطي عام واحتياطي الاجيال القادمة».
وقد نص قانون احتياطي الاجيال على فتح حساب خاص لانشاء احتياطي بديل للثروة النفطية مكون من 50% من رصيد الاحتياطي العام للدولة في سنة الاساس، ويموّل سنويا عن طريق استقطاع 10% من الايرادات العامة للدولة اعتبارا من السنة المالية 76 ـ 1977م على ان يعاد استثمار عوائد تلك الاموال في الحساب نفسه، وتقوم الهيئة العامة للاستثمار نيابة عن الدولة باستثماره في شتى المناشط الاقتصادية الداخلية والخارجية.
هذا. وقد نظمت عملية استثمار هذه الاموال في المحافظ الاستثمارية العالمية من الاسهم والسندات والودائع والمشروعات الاقتصادية المختلفة، باشراف الخبراء الاقتصاديين سواء أكان ذلك في داخل الدولة ام من خلال المؤسسات الاستثمارية العالمية التي عهد اليها باستثمار اصول احتياطي الاجيال القادمة، حتى بلغ ريع استثمارها مدخول النفط.
هذا الاحتياطي مكّن الحكومة الكويتية خلال فترة العدوان والاحتلال العراقي من تغطية احتياجات البلاد من الاموال في عملية اعادة البناء والتعمير، وبما يلزمها لممارسة نشاطها السياسي الوطني في الدفاع عن قضية الكويت في جميع المحافل العربية والاقليمية والدولية، كما قام بتمويل احتياجاتها في مجال حشد الطاقات العسكرية اللازمة لتحرير الوطن، بالاضافة الى توفير المصادر المالية اللازمة للصرف على اعاشة الكويتيين، سواء أكان ذلك في داخل الكويت المحتلة ام خارجها.
يحدثنا عبدالعزيز البحر عن استشراف الشيخ جابر الاحمد لمستقبل احتياطي الاجيال القادمة، ودوره الكبير في عودة الروح الى دولة الكويت بعد ان دمرها الغزو والاحتلال العراقي فيقول: «لقد كان من اهم الانجازات فكرة سموه في انشاء مشروع احتياطي الاجيال القادمة، وهو في نظري الجوهرة الناصعة في سجل انجازات واعمال صاحب السمو، عندما تبنى فكرة اقتطاع 10% من الدخل ووضعه في احتياطي لا يمس للأجيال القادمة، وكما نعرف ان هذا الاحتياطي انقذ الكويت عندما استخدم لتحريرها، وانقذ اهل الكويت عندما تم الصرف منه عليهم، وهم مشردون في الخارج، وافاد الكويت عند اعادة اعمارها، ولولاه ما تمكنا من اعادة اعمار الكويت، وكان ذلك كله نتيجة لبعد نظر سموه واستشرافه لمستقبل البلاد».
كما ساهمت اموال احتياطي الاجيال من العملات الاجنبية في دعم ومساندة وثبات عملة الكويت «الدينار الكويتي» الذي هو احد رموز استمرارية قيام الدولة في الحفاظ على قيمته وهيبته مقابل العملات الاجنبية. وبالاخص خلال الفترة التي اعقبت التحرير مباشرة، حيث ظل الدينار الكويتي بوصفه رمزاً للدولة محتفظاً بقوته وسلامته.
ولم يتوقف احتياطي الاجيال القادمة عند هذا الحد فقط، فبعد التحرير وبسبب احتراق آبار النفط وتوقف الانتاج النفطي وانقطاع الايرادات النفطية لعدة شهور، اعتمدت الدولة على هذا الاحتياطي في الصرف على الميزانية العامة للدولة، وتحمل الجزء الاكبر منها الى ان تمت اعادة الصناعة النفطية الكويتية الى مستوياتها التشغيلية المعتادة.
وحتى لحظة اعداد هذا الكتاب، وبعد عودة الحياة بشكلها الطبيعي في الكويت، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الى ما كانت عليه قبل الغزو والاحتلال، فإن الظروف المستجدة والاوضاع المتغيرة، وبالاخص على الساحة الاقتصادية، احدثت ظهور عجز في الميزانية العامة للدولة. وقد كان ـ ولا يزال ـ احيتاطي الاجيال القادمة المصدر الاساسي الذي تعتمد عليه الدولة في سد مثل هذه الثغرات، وتغطية اي عجز مؤقت لحين تصحيح الهيكل الاقتصادي للدولة.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:58 AM

[frame="1 80"]نحو كيان استثماري عالمي:

لقد كان اكتشاف النفط، وبدء تصديره وتدفق عوائده في مطلع الخمسينات نقطة تحول مهمة في تحديث وتبديل نمط الحياة الاقتصادية في الكويت، فقد بدأت الفوائض المالية بالتزايد مع تجاوز ايرادات النفط للانفاق العام، مما دعا رائد الاقتصاد الكويتي، الشيخ جابر الاحمد للتفكير في سبل الاستفادة القصوى من هذه الفوائض من خلال ايجاد قنوات اقتصادية لاستثمارها وتنميتها لصالح الكويت ومستقبل اجيالها القادمة. وقد اشرفت على تلك الجهود في ذلك الوقت، دائرة المالية التي يترأسها، ومن خلال مكتب الاستثمار الكويت في لندن.
وتنامت ثروة الدولة، وبدت الحاجة الى استمرار تنميتها بمختلف الوسائل، وهنا، يقول فيصل المزيدي: «... وبعد تنامي الثروة الحكومية والشعبية بدت الحاجة لمؤسسات وقنوات لاستثمار هذه الثروات، فأسس الشيخ جابر الاحمد الشركة الكويتية للاستثمار، وشركة الاستثمارات والمقاولات الخارجية بمساهمة حكومية واهلية بجانب اوائل كبرى الشركات، والمشروعات الضخمة، مثل: شركة البترول الوطنية، شركة البتروكيمياويات، شركة الصناعات الوطنية، هيئة الشعيبة، مجلس النقد، صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية، البنوك التجارية، مجلس التخطيط، وبنك الكويت المركزي...».
ويمضي المزيدي، فيشير الى اهتمام الشيخ جابر الاحمد بفتح ابواب جديدة امام استثمارات الكويت في الخارج حىت لا تصبح وقفاً على بلد واحد، فيقول: «... لقد اهتم سموه بفتح ابواب جديدة امام استثمارات الكويت في الخارج حتى لا تقتصر على دولة واحدة، حيث كانت الاستثمارات وقفاً على بريطانيا، ولقد تحفظ البريطانيون على هذا التوجه الجديد، مما اوجب التفاوض معهم. وفي الوقت ذاته كان اعضاء مجلس الاستثمار مرشحين من قبل الحكومة البريطانية برئاشة «كمب Herbert Kemp» ممثل الشيخ عبد الله السالم الصباح في لندن، وهو بدوره كان مرشحاً من قبل الحكومة البريطانية. وبفضل جهود الشيخ جابر الاحمد وعمله الدؤوب، تمكنت الكويت من توسعة منطقة استثمارات الكويت في الخارج لتشمل دولاً اخرى، لم نكن نستطيع الاستثمار فيها. ووفقاً لمعرفتي، لم تمارس الحكومة البريطانية يوماً اية ضغوط على الكويت في شأنها. وفي ذلك خير دليل على حزم الشيخ جابر الاحمد وقيادته الحكيمة، ولا غرو فهو شخص يحظى بالقبول والمحبة والاحترام من ملوك ورؤساء وزعماء العالم...».
لا شك في ان حكمة القيادة الكويتية تجلت في السبعينات، حين قامت بخطوة واسعة تمثلت بتنظيم الاوضاع الاستثمارية في اطار رؤية مستقبلية شاملة. وفي اطار الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتنظيم الاوضاع المالية للدولة. وصدور المرسوم بالقانون رقم 1 لسنة 1960م المتعلق باقرار طريقة اعداد الميزانية العامة، والذي اعلنت بمقتضاه انشاء الاحتياطي العام للدولة الذي شمل ـ في ذلك الحين ـ جميع استثمارات الدولة، التي تضمنت فيما بعد المشاركة في العديد من المشروعات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، منها على سبيل المثال: بنك التسليف والادخار، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بجانب عشرات المشروعات المحلية الاخرى، هذا، بالاضافة الى الاستثمارات الخارجية كافة التي تملكها الدولة.
وفي استعراضه لجانب من تقريره حول الاستثمارات الكويتية الخارجية عام 1993م يذكر خالد ابو السعود كيف بدأ العمل في استثمار اموال الاحتياطي منذ الخمسينات، وكيف تطور بمرور الزمن الى ان بلغ اكثر من 90 بليون دولار في الاول من اغسطس عام 1990م... هذه المبالغ التي تحققت خلال اربعة عقود، جاءت نتيجة نجاح سياسة استثمارية ومالية، رسمت ونفذت بدقة تحت اشراف وتوجيه وزير المالية ـ آنذاك ـ الشيخ جابر الاحمد، وكان من نتائجها بناء احتياطي قوي للاجيال القادمة، ساهم في دعم الاقتصاد الكويتي والعربي، وخلق وجوداً مالياً كويتياً في الاسواق العالمية.
لقد كان الشيخ جابر الاحمد يشرف اشرافاً كاملاً، ويسهم مساهمة فعلية في عملية الاستثمار، وحتى عندما اصبح رئيساً لمجلس الوزراء، ثم اميراً لدولة الكويت، استمر في اعطاء توجيهاته، وتزويد القائمين على هذه الاستثمارات بما يملكه من خبرة ودراية في هذا المجال، من هنا جاءت السياسات الاستثمارية او المالية بتوجيه منه مباشرة او بمشاركة فعليه معه.
وهكذا، تطورت ادارات المال الاحتياطي تدريجياً الى ان وصلت الى مستوى عال من الكفاءة والخبرة. ففي الخمسينات كان عمل الادارة المختصة محصوراً بتحويل بعض ايرادات النفط من حساب الدولة بالاسترليني في لندن الى حسابها بالروبيات في الكويت لمواجهة نفقات الدولة الجارية، وتحويل الوفورات الى حساب خاص للطوارىء، تستثمر موجوداته في الاسواق المالية والاستثمارات النقدية البريطانية باشراف مجلس للاستثمار، كان اعضاؤه بريطانيين، وقد شكل طبقاً لاتفاقية كانت سارية خلال تلك الفترة. وقد عمل الشيخ جابر الاحمد على تطوير الايرادات النفطية ومتطلبات النفقات العامة. وكانت اول انطلاقة جدية لهذا النشاط عندما استلم رئاسة دائرة المالية عام 1959م، واضاف اليها عدداً من النشاطات كالتجارة والصناعة والاقتصاد، ومن ضمنها انشاء ادارة هامة متخصصة لاستثمار المال الاحتياطي.
هذا، وعلى الرغم من صغر رصيد المال الاحتياطي في اوائل الستينات، حيث لم يزد على بضع مئات من الملايين «في حدود 200 الى 250 مليون د.ك» الا ان البدء التدريجي في توزيعه على اسواق استثمارية مختلفة كويتية وعربية واوروبية وامريكية، وبالاضافة الى حل مجلس الاستثمار في لندن وتحويله الى مكتب للاستثمار يتبع وزارة المالية مباشرة باعتباره جزءاً من ادارة الاستثمار فيها، ادى الى النتائج المرجوة التي عادت على استثمارات الكويت بالنفع الكبير.
لقد كانت ادارة الاستثمار التابعة لوزارة المالية لبنة من لبنات العمل في هذا المجال الاستثماري. وقد تم وضع تنظيم لادارة جديدة يرأسها كويتي، تطمع بكفاءات كويتية ـ تدريجيا ـ بطريقة تضمن تنفيذ السياسة الاستثمارية الجديدة التي رسمها الشيخ جابر الاحمد بوصفه وزيرا للمالية.
في عام 1967م كانت الازمة النقدية العالمية تتفاعل وتشتد، وبدأ الجنيه الاسترليني الذي كان بمثابة العملة الرئيسية لاستثمارات الكويت بالانخفاض. ومن اجل حماية الارصدة التي تمتلكها الكويت قام مكتب الاستثمار، بتوجيه من وزارة المالية، بتوزيع هذه الارصدة بين عدد من العملات القوية، غير مكتفية بالدولار والاسترليني، وذلك من اجل تحقيق التوازن المطلوب بين ارتفاع بعضها وانخفاض بعضها الاخر.
ونظراً للتقلبات الاقتصادية العنيفة في العالم وانهيار نظام النقد الدولي خلال السبعينات، وتعويم اسعار العملات، جاءت السياسة المالية التي اختطها الشيخ جابر الاحمد وزير المالية آنذاك بمساعدة المستشارين الدوليين والمحليين بشأن استثمار المال الاحتياطي، لتقوم على مبدأ استثمار غالبية المال الاحتياطي في اصول ملموسة تحتفظ بقيمتها الفعلية وتعود بعائد مجز، مع الاخذ بعين الاعتبار دعم الاقتصاد الكويتي والعربي على اسس استثمارية علمية بحتة.
وعلى اساس هذه القاعدة، وهذا المبدأ تم توزيع اموال الاحتياطي بين عدد من الموجودات، لكل منها اسس محددة وقواعد مدروسة. ومنذ ذلك الوقت تحددت اهم عناصر استثمارات اموال الاحتياطي على النحو التالي:
1ـ الاستثمارات النقدية والاستثمار طويل الاجل ling Terms.
2ـ محافظ الاسهم والسندات.
3ـ العقارات والمشروعات المباشرة والمعادن الثمينة.
وقد تم حصر هذه الاستثمارات في الاسواق الاستثمارية العالمية الجيدة والمتعددة وفقا للقواعد والمواصفات الموضوعة. وقد روعي خلال الاعوام اللاحقة ان تحدد استراتيجيات الاستثمار النسب بين هذه العناصر والاسواق المستثمرة فيها، وذلك على ضوء الاوضاع الاقتصادية العالمية السائدة والاحتياجات الطارئة للدولة من هذه الأموال.
لقد استمرت وزارة المالية ابان تولي الشيخ جابر الاحمد مهامها في استثمار فوائض اموال الدولة باعتبارها مالاً عاماً، واحتياطياً واحداً، حتى عام 1976م، حين صدر القانون رقم 106 بانشاء صندوق احتياطي للاجيال القادمة، الذي اوجب استقطاع 50% من الاحتياطي العام للمساهمة في رأسمال الصندوق و10% سنوياً من الايرادات العامة للدولة اعتباراً من عام 1976م.
وكانت سياسة الوزارة تقضي بأن يكون لها وجود في الاسواق المستثمرة فيها هذه الاموال، وذلك اما عن طريق مكاتب لها، كمكتب الاستثمار الكويتي في لندن، واما عن طريق اتفاقيات لادارة هذه الاموال عن طريق المؤسسات المالية والبنوك العالمية القوية في القارتين الاوروبية والامريكية، او عن طريق بعض مؤسساتها وشركاتها التي تمتلكها داخل وخارج الكويت. وكانت الوزارة تستعين بلجان وهيئات استثمارية دولية ومحلية في رسم وتنفيذ سياستها الاستثمارية.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:59 AM

[frame="1 80"]في عهد جابر الأحمد لم يحدث أن تأثرت أساسيات الحياة بأزمة طارئة أو عصفت الانتكاسات بالاقتصاد الوطني أسلـوب سمـو الأميـر فـي إدارة الأزمـات أذهـل العالـم
الحلقة السادسة عشرة

الهيئة العامة للاستثمار:

نظرا للتزايد المتنامي في حجم الاموال المخصصة للاستثمار والتوسع في دائرة توظيف الاموال، فقد استلزم الامر ان يترجم ذلك في خطوة نوعية تتناسب مع حجم وسرعة هذا التزايد، وقد تمثلت هذه الخطوة في انشاء الهيئة العامة للاستثمار لتحل محل وزارة المالية في ادارة وتنمية احتياطات الدولة المالية. فصدر القانون رقم 47 لسنة 1982م الذي نص على انشاء الهيئة العامة للاستثمار كمؤسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة تلحق بوزير المالية، وتتولى باسم حكومة الكويت، ولحسابها ادارة اموال الاحتياطي العام للدولة والاموال المخصصة لاحتياطي الاجيال القادمة، وغير ذلك من الاموال التي تعهدت بها وزارة المالية الى الهيئة لادارتها وتوظيفها.
ومن الجدير بالذكر ان الكويت قد كوّنت خبرات لا بأس بها في مجالات الاستثمار الدولي، الامر الذي يجعل منها مثالا للخبرات العربية الناجحة في هذا الاطار. وتمتلك الكويت ـ اليوم ـ مجموعة متنوعة من الاستثمارات تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية، بجانب الهيئة العامة للاستثمار في مناطق عديدة من العالم، اهمها: الولايات المتحدة، بريطانا، المانيا، اسبانيا، اليابان، سنغافوره، ماليزيا.
ان الاهداف الاساسية للهيئة العامة للاستثمار متنوعة بمقدار ما هي مهمة وحيوية، فهي تعمل من ناحية على ادارة وتنمية الاحتياطي العام، واحتياطي الاجيال القادمة بافضل السبل الممكنة. وبما يخدم سياسة الدولة المالية والاقتصادية واستراتيجيتها المستقبلية. كما تعمل من ناحية اخرى على ربط تلك الاستثمارات مع القاعدة الاقتصادية في الكويت لتحقيق التكامل بينهما، وتعزيز مصلحة الاقتصاد الوطني، وتدعيم سبل تنميته.
وحول البدائل الممكن توافرها لرفد الميزانية العامة للدولة، التي سجلت عجزا متتاليا خلال العامين 1982م و1983م، علق الشيخ جابر الاحمد على الحديث المتداول حول عائدات استثمارات النفط، الذي كان ينقصه الكثير من الدقة ـ آنذاك ـ أن: «من واقع المعرفة الدقيقة الكاملة بأنها لا تشكل أبدا البديل المالي للعائدات النفطية وانها مجرد رديف مساعد في تحسين مركز الكويت المالي».
ان تاريخ الامةوحدة متكاملة لا انفصام فيها، يرتبط ماضيها بحاضرها ومستقبلها. فقد كانت السياسة الاقتصادية الحكيمة للشيخ جابر الاحمد في المراحل الاولى لاستقلال الكويت، وما قبلها بقليل، ونظرته الثاقبة نحو استشراف المستقبل الذي هو حاضرنا اليوم، والذي عايشناه ابان عدوان النظام العراقي على الكويت.. هذا الصرح الاقتصادي الضخم، بكل ما يحمل من مقومات ومفاهيم اقتصادية علمية راسخة، كان هو سند الكويت وعونها في محنتها، وفي تحرير الكويت وإعادة اعمارها وبناء بنيتها الاساسية، والاسراع في إزاة آثار العدوان والاحتلال وتداعياته وكشف الغمة عن مصير الامة: وطنا وشعبا.
كثيرا ما تُجابه الدول بالازمات المحلية والخارجية الطارئة التي تؤثر على مسار الاقتصاد فيها. والكويت وهي جزء من العالم، ويرتبط اقتصادها بالاقتصاد العالمي، واجهت مثل هذه الازمات. ولكن الشيخ جابر الاحمد كان مثالا لرجل الدولة الذي يدير الازمات بحكمة وروية وحنكة سياسية واجتماعية، وحس اقتصادي فطري، يخرج باقتصاد الدولة سليما معافى الى بر الامان.
ونحن بصدد تناول ادارة الشيخ جابر الاحمد للازمات، وخاصة تلك التي جابهت مسيرة الاقتصاد الكويتي، والتي تخطاها بثاقب بصره وحسه الاقتصادي المعروف. فاستطاع بذلك ان يحفظ للاقتصاد الكويتي مكانته وقوته وصورته المشرقة بين اقتصاديات دول العالم الحر.
ان العمل او الاجراءات الهادفة الى احتواء الازمة ووقف تداعياتها، لا يتم إلا باتخاذ سلسلة من القرارات، تعرف في مجموعة باسم «قرارات الازمة» تشكل في مجموعها محاولة متطورة لتجاوز بطء وتعقيدات عملية صنع القرار العادي لمواجهة ظروف استثنائية او طارئة، تتطلب اتخاذ قرارات سريعة، وغير مرتجلة لمواجهتها.
ففي مجال معالجة الازمات الدولية يعرف الكاتب السياسي «ويليامز «B.Williams» إدارة الأزمات بانها: «سلسلة الاجراءات» القرارات الهادفة» الى السيطرة على الازمة، والحد من تفاقمها حتى لا ينفلت زمامها. وبذلك تكون الادارة الرشيدة للازمة هي التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وحمايتها.
اما الدكتور علي السالوسي الدبلوماسي والكاتب السياسي المصري المعروف. فانه يعرف القرار: «بانه نوع من عقد العزم من جانب السلطة على اختيار اسلوب معين من اساليب التخلص من حالات التوتر التي تفرضها الممارسة».
وهذه التعريفات مجتمعة تنطبق تماما على اسلوب الشيخ جابر الاحمد في معالجته للأزمات التي واجهت المسار الاقتصادي في الدولة. وفي اطار هذا المضمون يقول عبداللطيف البحر: «لقد جعل سمو الشيخ جابر الاحمد الكويت دولة مؤسسات بكل ما تعني هذه الكلمة من معان. فكان يدير الازمات بشكل مذهل، فلم يحدث ان تأثرت البنى التحتية او اساسيات الحياة في الكويت بأية ازمة طارئة، وبعكس ما حدث في دول اخرى من انتكاسات عصفت ببنية اقتصادها الوطني، وقوضت ركائزه الاجتماعية.
وفي هذا السياق أيضا يتحدث بدر النصرالله: «لا شك في ان سمو الشيخ جابر الاحمد، قد استطاع دائما بحكمته وقيادته الرشيدة، وبصفته رجل التوازن في الدولة، ان يقود السفينة بحنكته وعمق تفكيره ويصل بها الى بر الامان، فكان في عمله رمزا لوحدة الوطن وقوة المجتمع وترابطه. ولعلنا رأينا اثناء هزة الاحتلال الكبرى وقوف سموه بحزم في وجه العاصفة، وكيف استطاع ان يدير الازمة العاتية التي عصفت بكيان الامة برويته وحكمته واتخاذه للقرارات العقلانية والمتزنة، مما دفع ـ وبعون من الله القدير ـ الى تخطي هذه المعضلة واثارها المدمرة، وعودة الاقتصاد الكويتي الى قوته وعزته في زمن قياسي، حتى عاد للكويت دورها المشرق بين الامم».
ويتطرق فيصل المزيدي الى الموضوع نفسه، مؤكدا على ان معالجة الشيخ جابر الاحمد للأزمات لم تأت ابدا على حساب مقدرات المواطنين ووضعهم المعيشي، حين يقول: «لقد تعرضت الكويت مثلها مثل بقية الدول الى مشكلات سواء أكانت اقتصادية ام سياسية. وكما علمنا لم يلجأ سموه ابدا في ادارته للأزمات الى حل يضر الناس، كخفض الرواتب او العلاوات، او تخفيض قيمة العملة، بل كان يلجأ في معالجته للأزمات الى تقليص المشروعات في الباب الثالث من الميزانية على حساب الابواب الاخرى، حتى لا تتأثر معيشة الناس بالازمات والمشكلات المحلية والاقليمية والعالمية، وبخاصة انه هو من رفع شعار مجتمع الرفاه، وهو من عمل على اعادة توزيع الثروة من خلال التثمين ومن خلال فتح باب التوظيف في القطاع الحكومي».
ويضيف المزيدي، فيقول: «لقد قابل سمو الشيخ جابر الاحمد ثلاث مشكلات من اعتى المشكلات فادارها بحزم واقتدار، وهي:
1 ـ كانت اولى هذه المشاكل ـ حسب التسلسل التاريخي ـ مشكلة سوق المناخ عام 1983م وكان سموه في هذه الفترة امير الدولة، ومع ذلك لم يكن بمنأى عن المشكلة على الرغم من مسؤولية أجهزة الدولة عن معالجتها، فكان يستمع للآراء والاقتراحات، ويوجه ويرشد الاجهزة المسؤولة مشددا على عدم اللجوء الى الحلول التي تضر بمقدرات ومعيشة الشعب عامة.
2 ـ والحدث الثاني كان محاولة اغتيال سموه بيد آثمة لزعزعة الامن والترابط الكويتي، ورغم حزنه وأسفه على الشهداء المرافقين له، والذين راحوا ضحية غدر المؤامرة، فقد تمكن بحكمته وايمانه الشديد ان يتخطى، وشعبه هذه المحنة الرهيبة.
3 ـ والحادث الثالث المروع كان غزو الكويت واحتلالها، واضطراره للخروج ليدير ازمتها بعلاقاته المميزة مع مختلف دول العالم، ولقد كانت صدمته قوية من غدر الجار الذي كثيرا ما ضحى من اجل نصرته، وكذلك من مواقف واقوال بعض الصحف الخارجية المغرضة في بعض الدول العربية، وغيرها، وقد تغلب على هذه الصعاب بقيادته لسفينة اعادة البناء والاعمار حتى عادت الكويت عزيزة بين الامم».
اما حمزة عباس فإنه يحدثنا عن ازمتين اقتصاديتين مرت بهما الكويت، فيقول: «لقد مرت على البلاد ازمتان اقتصاديتان ذاتا آثار عالمية، اولاهما سموه الشيخ جابر الاحمد جل اهتمامه، وادارهما وعالج آثارهما بحكمة واقتدار، حتى تمكنت الدولة من تخطيها بسلام«.


«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 09:59 AM

[frame="1 80"]أزمة تخفيض العملة:

يذكر لنا حمزة عباس الازمة الاولى، فيقول: «عندما حدثت الازمة الاقتصادية العالمية في العقد السادس، قامت بريطانيا في عام 1967م بتخفيض الجنيه الاسترليني، وحيث انه كان لدولة الكويت استثمارات كبيرة في بريطانيا بالجنيه الاسترليني. ولارتباط الدينار الكويتي بالعملة البريطانية، فان هذا الاجراء الذي اقدمت عليه الحكومة البريطانية قد انعكس سلبا على اوضاع الكويت الاقتصادية. فبادر سمو الشيخ جابر الاحمد بالدراسة ووضع الحلول والاختيارات، فكان امامه أحد البديلين التاليين: اما تخفيض الدينار الكويتي بالتبعية، او عدم اللجوء للخفض. فجاء رأي مجموعة الاقتصاديين الوطنيين ـ بعد الدراسة ـ بعدم الخفض. وكان هذا الرأي من رأي سموه وذلك حتى لا تتأثر القوة الشرائية للدينار،ويتضرر بذلك الشعب الكويتي. وقد حدث الشيء نفسه بعد ارتباط العملة الكويتية بالدولار الامريكي. ولم يوافق سموه ابدا على تخفيض قيمة الدينار الكويتي بعد تخفيض الدولار مرتين متتاليتين عام 1973م وعام 1978م من منطلق منظوره السياسي والاجتماعي للخفض، حفاظا على دخول ومدخرات المواطنين، وبعد ذلك اصبح الدينار الكويتي مرتبطا بسلة العملات».

دعم دول الصمود والتصدي:

وحول هذه الازمة ايضا يحدثنا حمزة عباس فيقول: «لقد حدث بعد حرب يونيو عام 1967م ان طلب من الكويت ان تسهم في الدعم المادي لدول الصمود والتصدي، وهي دول المواجهة، وتشمل كلا من مصر وسوريا ولبنان والاردن بجانب المقاومة الفلسطينية، وكان نصيب الكويت 55 مليون جنيه استرليني سنويا، وكانت تساوي 55 مليون دينار كويتي في ذلك الوقت وكانت الميزانية الكويتية آنذاك متواضعة، وتزامنت هذه الازمة مع ازمة تخفيض الجنيه الاسترليني، السابق ذكرها، مما ترتب عليه انخفاض استثمارات الكويت في بريطانيا مقابل الدينار الكويتي بحوالي 14%..».
ويمضي حمزه عباس، فيضيف: «... كان الدعم يدفع سنوياً من ميزانية الدولة لانه لم يكن في مقدورها ان تدفع من استثماراتها الخارجية. ولم يكن امامها سوى ثلاثة خيارات، يمكن ان تتصرف بموجبها:
1ـ اما ان تصرف سنوياً 55 مليون جنيه استرليني من الاحتياطي العام، والمتمثل في الاستثمارات الخارجية «والذي لم يكن يتعدى في ذلك الحين 300 مليون جنيه استرليني»، فتتلاشى كلها خلال ثلاث او اربع سنوات.
2ـ واما ان يوضع المبلغ في الميزانية العامة للدولة فيصبح جزءاً من المصروفات، وتتبع في ذلك مبدأ التقشف وضغط المصروفات.
3ـ او ان تقترض الدولة من البنوك، او تسييل الاحتياطي كي تستطيع الدفع.
وبعد الدراسة اتخذ سمو الشيخ جابر الاحمد قراره السياسي بالاخذ بمبدأ وضع المبلغ في الميزانية العامة للدولة..».
ويختم حمزه عباس حديثه قائلاً: «... وقد وصف الاقتصاديون المحليون والعالميون في الستينات هذا الحل بالسياسة المالية الحكيمة التي حفظت مسار الاقتصاد الوطني من الهزات، وان ترتب عليها وقف الكثير من المشروعات غير الحيوية لمدة ثلاث سنوات، خاصة وان موجة من هجرة النازحين من الضفة الغربية قدمت الى دول الجوار العربية ودول الخليج، فزادت الاعباء على المؤسسات الحكومية، والمرافق التي كانت موجودة...».

أزمة السوق المالية الاولى:

واجهت الكويت عام 1976م ازمة طاحنة في سوق الاوراق المالية متأثرة بالاحوال الاقتصادية العالمية المتأزمة في ذلك الوقت، وانهيار اسواق الاسهم بسبب الانعكاسات الخارجية، ادى الى هبوط الاسعار بشكل غير معقول وحول ادارة الشيخ جابر الاحمد لهذه الازمة، واهتمامه بانهاء تداعيات سوق الاوراق المالية الكويتية، ووضع الحلول العاجلة للقضاء على مسبباتها، والرجوع بها الى سابق عهدها في دعم الاقتصادي الكويتي يقول عبد اللطيف البحر: «.. لقد عمل سمو الشيخ جابر الاحمد منذ تفاقم الازمة على دراسة الوضع، ووضع الحلول العاجلة لمعالجة الازمة وآثارها، فأمر سموه بتشكيل مجموعة محددة ومتخصصة لدراسة ومعالجة هذا الامر، ممثلة بوزير المالية، ووزير التجارة، ومحافظ البنك المركزي، وممثل عن غرفة تجارة وصناعة الكويت، اضافة الى بعض الشخصيات الاقتصادية، وهم: السادة عبد العزيز البحر، وخالد ابو السعود، وعبد اللطيف البحر، وكانت اجتماعاتها ـ بتوجيه من سموه ـ تتم في غاية السرية. لكنه صدر بيان صحفي لحظتها يعلن بأن الموضوع قيد البحث والدراسة، وتحت نظر سمو ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الاحمد...».
ويمضي البحر، فيشير الى الحلول التي ارتأتها المجموعة لعلاج الازمة، فيقول: «... وفي نطاق توجيهات سمو الشيخ جابر الاحمد حددت المجموعة الخطوط العريضة لتصورها عن علاج المشكلة، وشدد سموه على عدم تسريب اي من قراراتها او الدراسات المتعلقة به، حتى لا تكون هناك محاولة للالتفاف حولها والكسب من ورائها، وكانت هناك ـ وفي الوقت نفسه ـ مراقبة دقيقة لوضع السوق حتى لا يكون هناك ادنى تسريب...».
ويضيف البحر الى ما سبق ذكره، فيقول: «... لقد كان من ضمن توصيات المجموعة اقتراح بدعم السوق بحوالي 200 مليون دينار، فتحفظت وزارة المالية على ضخامة المبلغ المقترح، فتدخل سموه معلناً موافقته على الدعم المطلوب، منوهاً بأن هذا قرار سياسي اتخذه كرئيس للحكومة، ومفوض من سمو امير البلاد ـ آنذاك ـ الشيخ صباح السالم الصباح. ذلك لان الازمة تمس اقتصاد دولة، ومصائر مواطنين تضرروا بالازمة. وبعد التواصل لخطوات العلاج النهائية للازمة خصص سموه جلسة سرية برئاسته للنظر فيها، واقتصر الاجتماع على الوزراء الاعضاء في المجموعة لضمان عدم تسرب القرارات. وقبل الجلسة طلب سموه اغلاق البورصة، وصدر اعلان بأنه في الساعة الرابعة عصراً سيصدر بيان حكومي يشتمل على اجراءات معينة تخص سوق الكويت للاوراق المالية. عندها اوقف التعامل بالسوق حتى لا يكون هناك مجال يؤثر على مساره، وقامت الدولة «وزارة المالية»، ممثلة بشركتي الاستثمارات الكويتية والاستثمارات الخارجية، بشراء الاسهم من كل من يرغب بالبيع وفقاً لاخر سعر اقفال وصل اليه سعر السهم، ونتيجة لذلك استحوذت الدولة على حوالي (60%) من اسهم بنوك وشركات كبرى...».
ويسترسل البحر في حديثه قائلاً: «.... وفي الوقت نفسه بدأت البنوك المتضررة بالقيام باجراءات الحجز على مساكن المواطنين لعدم قدرتهم على دفع الفوائد المقدرة بـ 7% فأصر سمو الشيخ جابر الاحمد على الا يتم الحجز على سكن خاص لاي من المواطنين.
وتدخلت الدولة بأمر من سموه لحماية المواطن والتخفيف عنه، وحماية البنوك في الوقت ذاته بصفتها جزءاً مهما من البناء الاقتصادي، بأن تضع الدولة ودائع بالمؤسسات المالية بسعر 5،3% حتى لا يلزم المواطن بدفع اكثر من نسبة الـ 5،3% المتبقية..».
وهنا يؤكد البحر بأنه: «.... نتيجة لبعد نظر سموه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فقد ازدهر الوضع العام في الدولة وخاصة في الجانب الاقتصادي، وتم تعديل مسار السوق، وارتفعت اسهم الشركات، وحققت الارباح لمتانة موقفها الاقتصادي وعوضت الدولة ما قدمته من دعم لعلاج الازمة والمقدرة بحوالي 200 مليون دينار كويتي، حيث بلغت قيمة الاسهم التي اشترتها الحكومة حوالي 800 مليون دينار كويتي، محققة بذلك ارباحاً فاقت التوقع. وقد شهد لسموه رجالات الاقتصاد المحليون والعالميون على هذه القيادة الواعية في ادارة وعلاج هذه الازمة الاقتصادية..». وحول ادارة هذه الازمة ومعالجتها، يشير الاقتصادي عبد العزيز البحر، فيقول: «.... وعلى ما اذكر فقد مرت علينا ازمة عايشتها ابان عملي مع الشيخ جابر الاحمد، وهي ازمة شبيهة بأزمة سوق المناخ، معروفة بأزمة سوق الاوراق المالية عام 1976م، وكان سموه يعيش ويفكر في الازمة وحلها منذ بدايتها، فاستدعانا، ونحن مجموعة، اذكر منهم الاخ حمزه عباس محافظ البنك المركزي، ومعنا عضوان آخران، وكلفنا بدراسة الموضوع وبحثه، وطرح علينا توجيهاته وتصوره لحل الازمة ليكون محوراً لعملنا. وللحقيقة، فإن العلاج السريع الذي طرحه علينا سموه، واتخذته المجموعة مفتاحاً لعلاج الازمة، جعل الناس لا يشعرون بوطأة الازمة، او يتأثرون بها بشكل مباشر، ولم تترك تلك الازمة حتى تتفاقم، وتفت في عضد السوق الكويتية للاوراق المالية، والتي تعتبر احدى ركائز الاقتصاد الكويتي الحر..».
ويضيف البحر بعد ذلك، فيقول: «... ومرت الازمة بسلام مدعومة بقرار سموه السياسي، واستفاد من الحل كل من الدولة والمواطنين، والمؤسسات المالية التي تفادت الخسائر التي تترتب ـ عادة ـ على حدوث مثل هذه الازمات، حتى ان الدولة باعت بعد ذلك ما اشترته من المواطنين بأضعاف قيمته، وكانت النتائج تدل على حنكة وخبرة سموه وحسه الاقتصادي الفطري المعروف، وكان الحل محلياً معتمداً على المجموعة الكويتية التي ترأسها سموه، ولم تتم الاستعانة بأي مستشار، او خبير من الخارج...».
هكذا، وبفضل حكمة الشيخ جابر الاحمد، واستشرافه للمستقبل، ومعالجته للامور الاقتصادية، ومن خلال منظوره الثلاثي الذي يربط الاقتصاد بالتنمية والمجتمع، فقد اصبح للجهاز المالي الكويتي حضوره في السوق المالي العالمي من خلال المؤسسات المالية التي انشأها في هذه الاسواق «لندن، نيويورك، سنغافورة»، وغيرها من العواصم المالية العالمية، الامر الذي يعتبر ضرورياً للاسهام في عملية تحقيق التكامل بين الاقتصاد الخارجي والاقتصاد المحلي الذي يعززه، بالتالي وجود سوق رأس المال القوي، الذي يضم سوق الاسهم «الرسمية والموازية» وسوق السندات، والتي يتم تطويرها كي تتحقق لها المرونة اللازمة للتكيف مع الظروف الاقتصادية، والمحافظة على استقرار الاقتصاد الوطني، واستقرار معدلات التنمية في انشطته المختلفة، ومن خلال تنظيم قواعد الاصدار والاسعار والتداول، والحد من المضاربات، وحسن اختيار وسطاء الصفقات داخل هذه الاسواق.
بهذا، اصبحت للكويت خبرة محلية في كيفية مواجهة عوامل اختلال سوق الاوراق المالية، وخاصة بعد ازمة سوق المناخ عام 1982م، اذ استطاعت ان تبتكر الوسائل المواجهة آثار هذه الازمة، وغيرها من الازمات الاقتصادية، سواء أكان بالتشريعات ام بالاجراءات المالية والنقدية.
كما ان وجود هذا المستوى لسوق النقد وسوق رأس المال في الكويت، وتطويره برعاية الشيخ جابر الاحمد، مكّن من ابتكار ادوات السياسة النقدية والمالية، ليس فقط في تعبئة المدخرات الوطنية، بل ـ ايضاً ـ في تخصيص الاستثمارات بما يخدم توسيع القدرة الاستيعابية والبيئة الاقتصادية للكويت.

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 10:00 AM

[frame="1 80"]أزمة الغذاء والتضخم العالمي في الستينات كانت مدخلا لتقديم الغذاء المدعوم للمواطنين الأمير: كثيرون دخلوا سوق المال دون خبرة بهدف الربح السريع وخلقوا أزمة المناخ
الحلقة السابعة عشر

في الحلقة السابقة تطرقنا لحكمة سمو الأمير في التعامل مع الازمات مستشهدين بازمة سوق المناخ وازمة الغزو وغيرهما وفي هذه الحلقة نواصل القاء الضوء على بعض الازمات التي واجهها سموه بحنكته وسياسته الرشيدة.

أزمة المواد الغذائية والتضخم العالمي:

لقد عصفت بالعالم في حقبة الستينات ازمة اقتصادية عالمية عاتية تتمثل في التضخم المالي والنقدي. انهارت معه النظم المالية والاقتصادية لاغلب الدول التي تأثرت مباشرة بهذه الازمة وتداعياتها الكارثية.
ولما كانت هذه المشكلة العالمية. وما أفرزته من تفاقم حاد في معدل تضخم اسعار المواد الاولية والسلع الغذائية، فقد اولاها الشيخ جابر الاحمد جل عنايته واهتمامه لتفادي الكويت وشعبها افرازات هذه المشكلة وتداعياتها، وفي هذا السياق يقول سموه في احدى المناسبات «لقد شهد العام الماضي على المستوى العالمي تفاقما حادا في معدل تضخم اسعار المواد الاولية والسلع المصنفة، وكان لذلك انعكاسه على سوقنا المحلي الذي يتميز بارتباطه الوثيق وسرعة تأثره بالسوق العالمي، وقد واجهت الحكومة هذه الحالة بما يناسبها من إجراءات فعالة وستواصل اتخاذ ما يلزم من الوسائل والاجراءات والتدابير لحماية المستهلكين والعمل على توفير الاحتياجات من المواد الغذائية والضرورية.
وحول هذه الازمة وحماية المجتمع الكويتي من آثارها، يتحدث عبداللطيف البحر، فيقول: «اتذكر اثناء عملي في مكتب سمو الشيخ جابر الاحمد، وكان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء في ذلك الوقت، ان أزمة اقتصادية عصفت بالعالم في اوائل الستينيات، وارتفعت اسعار الحنطة والمواد الغذائية ارتفاعا كبيرا، وتأثرت الكويت بذلك مثلها مثل الدول الاخرى. فطلب سموه الاجتماع بالمسؤولين عن الجمعيات التعاونية لتدارس الموقف واتخاذ الاجراءات اللازمة الكفيلة بمعالجة هذه الازمة. كما امر ان تقوم شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية باستيراد المواد الغذائية بالسعر العالمي، وتوزيعها على الجمعيات التعاونية لتسويقها بسعر مدعوم عن طريق البطاقات التموينية.
وعلى ضوء ما تقدم، انشئت الشركة الكويتية للتموين في 4 اغسطس عام 1973م بناء على التجربة التي قامت بها شركة المطاحن، والتي كانت تقوم بالعمل نيابة عن مكتب سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، حيث كانت تعرض على المكتب المواد الغذائية لشراء المناسب منها، وتوزيعها على المستهلك من خلال الجمعيات التعاونية.
هذا وقد أخذت دول نفطية اخرى عن الكويت هذا النظام الحمائي لنجاحه وفاعليته، وبعد سنوات من تطبيقه برعاية الشيخ جابر الاحمد ومعالجته الواعية للازمات وخاصة تلك التي تمس القوت اليومي للشعب، او تهدد أمنه الغذائي.

أزمة سوق الاوراق المالية الثانية:

وتأتي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1409هـ الموافق 21 ابريل عام 1989م ليلقي الشيخ جابر الاحمد مزيدا من الضوء على الوضع الاقتصادي في الكويت بعد ازمة سوق الاوراق المالية الثانية، والمسمى بسوق المناخ قائلا: «لقد تعرض الاقتصاد الكويتي في الثمانينيات لمؤثرات عالمية باعتباره من اسواق الاقتصاد الحر، والمؤثرات داخلية اضعفت الدورة الاقتصادية واصابتها بالضمور.
وان الكويت التي تخطت المشكلات السياسية المعقدة والتي استهدفت كيانها، غير عاجزة ـ بعون من الله ـ وبتعاون ابنائها ـ عن تخطي مشكلاتها الاقتصادية».
وفي لقائه مع الصحفيين ورجال الاعلام الكويتي، القى مزيدا من الضوء على هذه الازمة، حين قال: «لقد دخل الى سوق الاوراق المالية شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي، وكان دخولها دون سابق معرفة او خبرة او تخطيط، وبدون ارادة واعية. وكان هدفها الوحيد هو الربح السريع والسهل، وقد رأت ان مثل هذا الامر لا يتوافر الا في سوق الاوراق المالية، حيث الحصول على المال اصبح سهلا وميسورا، ولا يتطلب اي جهد سوى القليل من راس المال حتى يتضاعف بصورة خيالية. وقد شجعهم على ذلك ما حصل عليه بعض المتعاملين من مكاسب سريعة وكبيرة اغرتهم بالتوجه الى السوق والمقامرة على حساب اعمالهم ووظائفهم.
مبرزا اثر الازمة على المجتمع الكويتي، فيقول: «عندما حدثت الازمة وتشابكت، حاولنا ايجاد الحلول الكفيلة، ليس من اجل صغار المتعاملين، او من اجل انقاذ سمعة الاقتصاد الكويتي فحسب، وانما كانت الجهود متجهة لانقاذ المجتمع من التفكك والارتباك، فصغار المتعاملين يشكلون الاغلبية الساحقة. وهم بالتالي مسؤولون عن اسر ليس لها ذنب سوى ان عائلها، او من يعيلها كان من ضمن المتعاملين ومن ضحايا ازمة السوق المالية الذين انجرفوا في هذا التيار، فكان الهدف من اصدار القانون 59 لعام 1982م حماية هذه الاسر من التفكك والضياع».
ويضيف في هذا السياق، قائلا: «إن ما دعانا الى اعداد المرسوم المعروض حاليا، هو الحاجة لتعديل بعض قوانين وزارة التجارة الخاصة باجراءات التفليسة، والتي نعتقد انها سوف تخفف عدد المتضررين، وقد طلبت الحكومة من مجلس الامة الاستعجال في البت بهذا المرسوم، لانه كلما طالت الفترة زاد الضرر. والحكومة تامل من المجلس ان يناقش هذا المرسوم في اقرب فرصة ممكنة، وتعديله او اقراره مع ما تتطلبه المصلحة العامة».
وفي حديث آخر لرجال الصحافة والاعلام الكويتي يعود بالازمة الى المشكلات الاقتصادية العالمية، فيقول: «يمكن ارجاع 80% من المشكلة الى المشكلة الاقتصادية العالمية، وهذا شيء اساسي، بينما ترجع 20% من الازمة الى العوامل المحلية، فقاعدة الاقتصاد كانت راسخة حتى عام 1976م، وظلت كذلك حتى نهاية السبعينات، وما حدث في اول الثمانينيات هو استثناء عارض لا يمثل الاقتصاد الكويتي، ونحن جميعا مسؤولون عن حدوثه لذلك يجب ان نبدأ من جديد في اعادة بناء اقتصادنا الوطني».
ويضيف قائلا: «هناك دول عديدة تعرضت لما هو اكثر من ذلك، وواجهت حروبا طاحنة خسرت معها اقتصادياتها، ولكنها تمكنت في سنوات قليلة من اعادة بناء نفسها واصبحت قوية اقتصاديا».
وفي هذا الحديث الصحفي يحاول الشيخ جابر الاحمد ان يتلمس بعض الحلول، فيقول: «هناك فكرة اولية تقدم بها بعض المواطنين ممن ليست لهم علاقة مباشرة بازمة سوق الاوراق المالية، وما نتج عنها. وتتلخص الفكرة في انشاء شركة للخدمات العامة والاستثمار برأسمال 100 مليون دينار كويتي، تطرح اسهمها لكل الكويتيين خاصة المتقاعدين، واصحاب المعاشات والايتام، وجمعيات النفع العام، والاتحادات الطلابية والرياضية، والنقابات العمالية، والمساهمين في الشركات المقفلة، بحيث لا يدخل ضمن هؤلاء من استفادوا من صندوق صغار المستثمرين».

«يتبع»
[/frame]

Nathyaa 15-01-2006 10:00 AM

[frame="1 80"]والواقع، ان الكويت، وان كانت تتميز بارتفاع مستوى المدخرات بالنسبة للفرد، الا انها كانت تفكر في كيفية تحويل هذه المدخرات المتراكمة الى استثمارات محلية منتجة، بدلا من التركيز على الانشطة التي تدر الارباح السريعة فقط، مثل: المشروعات العقارية والانشائية والاستثمارات المالية، او اللجوء الى المضاربات الحادة التي افرزت سوق المناخ كملتقى لرأس المال المتراكم، وظهرت معه طبقة من المستثمرين الباحثين عن العائد السريع من خلال الاستثمار في اوراق مالية لشركات معظمها وهمية. مما دعا الحكومة ـ وبتوجيهات من الشيخ جابر الاحمد ـ الى سرعة التدخل لتجميد السوق الموازية للاوراق المالية المعروفة بسوق المناخ، وذلك من خلال برامج محددة، والتركيز بصفة أساسية على السوق الرسمية، حيث يتم توجيه راس المال الى الوجهة المستهدفة والصحيحة، وضمان الاستقرار للاقتصاد الوطني، ووقف التأثير السلبي على المراكز المالية للبنوك وتدفق الائتمان، وتدهور اسعار الاصول، ومستوى النشاط الاقتصادي في مجموعه.
وكانت توجيهات الشيخ جابر الاحمد في شأن مواجهة هذه الازمة، تتمثل في الاسراع الى وضع الحلول الانية لعلاج الازمة، بجانب البحث في الوضع المستقبلي لسوق الاوراق المالية، مع الاستعانة ببيوت الخبرة في هذا المجال لوضع اللوائح والاجراءات التي تنظم التعامل في سوق المال، والتاكد من قدرة آليات السياسة الاقتصادية في الدولة، حتى لا تتكرر مثل هذه الازمات، وعليه فقد طرحت عدة اجراءات عاجلة لحل الازمة، كان اهمها:
1 ـ اغلاق سوق المناخ ولأجل غير مسمى.
2 ـ منع اي تداول في اسهم الشركات الخليجية، حتى لا يتم حدوث تعاملات مالية تحت ظروف غير طبيعية تزيد من تعقد المشكلة.
3 ـ ان تدعم الحكومة صغار المستثمرين وتعوضهم عن خسائرهم، كي تعيد لهم الثقة في الاستثمار في الكويت، بصدور القرار الوزاري عن وزارة التجارة المتعلق بانشاء صندوق خاص لصغار المستثمرين.
ولم يكن صدور هذا القرار الوزاري لمصلحة المستفيدين منه فقط، بل كان دعوة من الدولة للجميع للاسهام في فرص استثمارية منتجة، وقد استطاعت هذه الاجراءات ان تحقق عدة امور في طريق الاصلاح الاقتصادي، ويمكن ذكر بعضها:
1 ـ توجيه السيولة الى مجالات حقيقية، وغير تضخمية تلبي رغبات المستثمرين من خلال تعاملهم بالسندات والاسهم.
2 ـ حفظ حقوق صغار المستثمرين، واعادة الثقة بالاستثمار داخل الكويت،
3 ـ تشجيع البنوك المتخصصة والشركات الاستثمارية الى الاتجاه الى المشاركة في الاستثمار الداخلي.
هذه الاجراءات ساهمت بشكل فعال وقوي في انقاذ الاقتصاد الكويتي من انهيار وشيك، كان سيصاحبه ـ بلا شك ـ تداعيات اجتماعية خطيرة تنعكس اثارها السلبية على حياة الفرد والاسرة الكويتية لكن شفافية الرؤية واستشراف المستقبل بالحكمة ونفاذ البصيرة، جعل الشيخ جابر الاحمد في عداد اولئك الحكماء الذين عرفوا بحسن ادارتهم للازمات الاقتصادية والسياسية.

المساهمة
في إرساء قواعد الاقتصاد العالمي

لقد حظيت شخصية الشيخ جابر الاحمد بالاحترام والقبول في الاوساط الاقتصادية العالمية وبفضله انضمت الكويت عام 1962م الى كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكان ذلك عقب الاستقلال. وقبل ان تصبح الكويت عضوا في الامم المتحدة، واصبح، بصفته وزيرا للمالية، محافظ الكويت لدى صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وعين حمزة عباس نائبا له في صندوق النقد الدولي، وعبدالعزيز البحر نائبا له في البنك الدولي. وكان عدد الدول الاعضاء في صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي لا يتجاوز 65 دولة. وتعتبر الكويت من اوائل الدول المشاركة في هاتين المؤسستين الماليتين العالميتين. وقد حضر الشيخ جابر الاحمد اجتماعات الصندوق مرتين في عامي 1962م و1964م، وألقى فيهما كلمة باسم الكويت.
وفي هذا السياق يتحدث حمزة عباس عن ارتباطات الشيخ جابر الاحمد بالشخصيات الاقتصادية العالمية، فيقول: «وكان لسموه، بصفته وزيرا للمالية ورجل الاقتصاد في الكويت، ارتباطات ومعرفة بشخصيات اقتصادية عالمية في ذلك الوقت، مثل: روكفلر، يوجين بلاك، مكنمارا، الدكتور شيللر وغيرهم من الاقتصاديين العالميين. كما كان له هيئة استشارية من الشخصيات الاقتصادية العالمية والعربية والمحلية، والذين اسهموا في تقديم المشورة لسموه في القضايا الاستثمارية والمالية».
من جهة اخرى، فانه انطلاقا من مواقف الشيخ جابر الاحمد الانسانية السامية، وسياسته الخارجية المتوازنة والمعروفة على المستوى العالمي، تمكن من جعل دولة الكويت مثلا طيبا تحتذى به دول العالم في ظل النظام العالمي الجديد.
من هنا، لم تكن الكويت غائبة بحسها وضميرها عما تكابده شعوب الدول النامية، بل كانت، منذ سنوات طويلة مضت، تساند قضايا التنمية الدولية، ومد يد العون المادي والتقني الى تلك الشعوب التي تعاني مستويات معيشية قاسية، وتثقلها القروض والديون والفوائد المتراكمة.
ففي كلمة امام الدورة الثالثة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة في 27 سبتمبر عام 1988م دعا الشيخ جابر الاحمد الى ضرورة ايجاد حل اقتصادي وانساني يهدف الى تضييق الفجوة بين دول الشمال والجنوب، يقوم على مبدأ رئيسي هو بحث الغاء الفوائد على ديون الدول المدينة المعسرة، واسقاط جزء من اصول تلك الديون بالنسبة الى البلدان الاشد فقرا. وهنا اقترح مشروعا من ثلاثة بنود، جاءت على النحو التالي:
1 ـ دعوة الدو الدائنة الى عقد اجتماع فيما بينها لبحث الغاء الفوائد على ديونها المستحقة لدى الدول المدينة، مع اسقاط جزء من اصول الديون المستحقة لدى الدول الاشد فقرا، وان الكويت ـ كدولة دائنة ـ على استعداد لحضور هذا الاجتماع، والالتزام بما يصدر عنه من قرارات.
2 ـ على صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي اعادة النظر في الشروط القاسية التي يفرضها كل منهما على الدول المدينة، او التي تطلب المساعدة لتحسين اوضاعها.
3 ـ تنظيم وزيادة حجم العون العلمي والتقني الذي تقدمه دول الشمال الى دول الجنوب.
وفي هذا، يقول الشيخ جابر الاحمد: «وقد تابعنا باهتمام مناقشات الجمعية العامة التي ادرجت على جداول اعمالها بندا خاصا بمشكلة المديونية، والاراء التي طرحها عدد من رؤساء الدول والمسؤولين المتخصصين لمعالجة المشكلة نفسها.
وتعكس هذه المناقشات اعترافا دوليا بان المديونية مشكلة عامة تهدد مجمل العلاقات الاقتصادية الدولية والنظام النقدي الدولي، علاوة على تأثيرها السياسي والاجتماعي على كثير من دول العالم.
ان هذا الادراك لحجم المشكلة، وشمولها يشكل بداية صحيحة نحو التشخيص السليم، ونحو التواصل الى المعالجة الناجحة».
وقد خاطب ضمير الدول الدائنة بقوله: «مع الاخذ في الاعتبار والتقدير ما تقدمت به كل من الهند ومصر والسنغال وفنزويلا في يوليو عام 1989م، وما قامت به بعض الدول الدائنة من اسقاط اجزاء من الديون او من فوائدها، وحتى لا تكون العملية مقتصرة على مساندة دولة مدينة دون اخرى حسب ميول الدولة الدائنة، فاننا نقترح ما يلي:
1 ـ ان يدعو السكرتير العام للامم المتحدة الى عقد اجتماع تحضره مجموعة الدول العشر، وبعض الدول الدائنة الاخرى، وممثلو صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وذلك لتدارس الاسس والمعايير اللازمة لتنفيذه.
2 ـ نظرا لأهمية عامل الزمن في مواجهة هذه المشكلة، ولتجنب مضاعفاتها على الدول المدينة والاقتصاد العالمي، نقترح ان يتم هذا اللقاء في مدة اقصاها ستة شهور.
3 ـ ان يضع السكرتير العام برنامج اولويات بالنسبة للدول المدينة حسب ظروف كل منها.
4 ـ ان ينظر اللقاء في دفع جهود التنمية بمشروعات واساليب تشترك فيها الخبرات العلمية والتقنية من الدول المتقدمة، والامكانات والقوى البشرية المحلية المتوافرة في الدولة المدينة، وان يراعي فيها المحافظة على البيئة من التلوث، ورفع مستوى الكفاءات البشرية المحلية لتكون اكثر مساهمة في التنمية».
واحساسا بمعاناة الدول الاشد فقرا، يستحث الشيخ جابر الأحمد الضمير العالمي بكلمات معبرة عن قسوة اوضاع هذه الدول، قائلا: «ان مشكلة الديون قد زادت من قسوة الحياة في بعض الدول الفقيرة، فاشتد فها الجوع والعري والقحط، واصبح اطفالها كأنهم أشباح أو ظلال بشرية».

«يتبع»
[/frame]


الساعة الآن 12:39 PM

جميع الحقوق محفوظة لـ الشبكة الكويتية

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الشبكة الكويتية ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر