تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سيــرة سيـــدي الشيــخ جابــر الأحمـــد الصبـــاح أميـــر البـــلاد رحمه الله


Nathyaa
15-01-2006, 09:41 AM
أقدم لكم سيرة سيدنا الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه من كل مكروه والتي هي عباره عن كتاب كامل :

لمسة وفاء في حق صاحب الوفاء الحاكم «الوالد» الإنسان .. ومن منا لا يعرفه؟
الحاكم «الوالد» الانسان.. من منا لا يعرفه.. انه جابر الأحمد.. الذي مهما ملئت الصفحات حبراً لن توفيه حقه.. ومهما دارت المطابع لن تكفي لسرد تفاصيل انسانيته ومسيرة عمله في حب الكويت وأهلها والتفاني للصعود بالكويت إلى هامات العلا.
وبمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على تولي سموه مقاليد الحكم في البلاد، صدر مؤخراً كتاب (الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.. الحاكم «الوالد» الإنسان).
وقال الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح وزيرشؤون الديوان الأميري ان هذا الكتاب عبارة عن موسوعة شاملة عن حياة حضرة صاحب السمو الأمير، وسجل حافل بالانجازات الكبيرة لسموه والعطاء المتواصل من أجل الكويت.
ولقد تولى سمو أمير البلاد أمانة المسؤولية منذ العام 1949 عندما اختير رئيسا للأمن العام ونائباً للأمير في الأحمدي، فرئيسا لدائرة المالية ثم وزيرا للمالية والاقتصاد، ثم بويع سموه ولياً للعهد ورئيساً للوزراء، وبعد ذلك تولى حضرة صاحب السمو امارة البلاد في الحادي والثلاثين من ديسمبر .1977
أنها رحلة 55 عاماً من العطاء الرسمي المتواصل، وعمر مديد بإذن الله قضاه سموه في حب الكويت والعطاء المتفاني لها.
وشمل الكتاب في فصله الأول «الطريق إلى الحكم» تطرقاً إلى سنوات الاعداد والتأهيل والبدايات في العمل الحكومي ثم مرحلة ولاية العهد ورئاسة الوزراء.
وفي فصله الثاني، «الشيخ جابر الأحمد أميراً وحاكماً» تتطرق المباحث إلى المبايعة ركناً أساسياً في نظام الحكم ورسالة إلى الشعب والحكومة والمؤسسات والتقاء بالشعب وفعاليات المجتمع.
وفي فصله الثالث «الاتجاهات الفكرية للشيخ جابر الأحمد» تناولت المباحث الثلاثة الفكر المجتمعي والاقتصادي والسياسي والديموقراطي والمنهج المؤسسي والمنهج الاداري.
وأفرد الفصل الرابع لـ «الشيخ جابر في مواجهة العدوان والاحتلال العراقي»، وتناولت مباحث هذا الفصل دعم الجبهة الوطنية والجهود على الساحة العربية والاسلامية والتحركات الدولية.
وعرض الكتاب لشجرة الأسرة الحاكمة من الذكور والمراسيم الأميرية وكلمات وشهادات وقوانين ومراسيم وصور تمثل رحلة الحاكم الوالد الانسان.
وعود على بدء، فكما قلنا مهما بذلت الجهود لن توفي صاحب السمو حقه.. لكنها جهود يجب أن تبذل للتاريخ.. وللوفاء الذي هو سمة الكويت وأهلها حكاماً ومحكومين.
ويستحق الشكر والتقدير كل من بذل جهداً في هذا الكتاب الموسوعة بدءاً من معّده عبدالله غلوم الصالح وبهاء عبدالقادر الابراهيم وللمشرف ابراهيم محمد الشطي وعن مراجعي الكتاب بدر خالد البدر ود.يعقوب يوسف الغنيم وعبدالعزيز أحمد البحر وحمزة عباس حسين وفيصل منصور المزيدي وخالد أبو السعود.


سمو الأمير.. رفض وضع صورته على ورق النقد وعزف عن الالقاب

تواصل «الوطن» نشر الكتاب الموسوعي «الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.. الحاكم.. الوالد.. الإنسان» على حلقات حيث تضيء حلقة اليوم بداية تولي أسرة آل الصباح للحكم ثم تنتقل الى حياة سمو أمير البلاد فترصد نشأته منذ الصغر وحتى توليه الحكم، وذلك من خلال آراء مجايليه الذين كان لهم شرف مزاملة سموه في الدراسة وفي الوظائف التي شغلها بعد ذلك.
وتعكس تلك الآراء الملامح الشخصية لسمو الأمير كما تعكس الصفات التي نشأ عليها، وبوادر السمات القيادية التي طبعت شخصية سموه منذ الصغر وصولا الى توليه سدة القيادة ومباشرته النهوض بالكويت على كل الصعد لتصبح منارة يشار لها بالبنان.
وفيما يلي الحلقة الثانية من الكتاب:

الكويت دولة شابة فتية، يشكل عنصر الشباب بين سكانها حوالي 44%، نشأت عام 1613م، في الركن الشمالي الغربي للخليج العربي. وهي على هيئة مثلث، يتصل ضلعه الشمالي الغربي بالعراق، وضلعه الجنوبي بالمملكة العربية السعودية، وضلعه الشرقي متصل بشاطىء الخليج العربي، ومناخها بوجه عام صحراوي قاري، حار صيفا وبارد شتاء، وكان لهذا الموقع الاستراتيجي ـ بلا شك ـ دور أساسي في اتصال الكويتيين بالعالم الخارجي والاحتكاك بالحضارات الاخرى منذ القدم.
وقد تمكنت اسرة آل الصباح منذ ان تولت الحكم في هذا البلد ان تقيم نظاما سياسيا مستقرا، مكّن الكويتيين ان ينعموا في ظله بالامان وينطلقوا في نشاطاتهم الاقتصادية والتجارية البحرية منها والبرية عبر بلاد فارس، وبلاد ما بين النهرين، وشرقي الجزيرة العربية ووسطها، وبلاد الشام وأوروبا . وكذا الوصول الى الهند وشرقي افريقيا، وذلك على ظهر سفن شراعية صنعتها سواعد كويتية، او قوافل تجارية يقودها كويتيون عبر الصحراء.
لقد تعددت آراء المؤرخين حول بداية نزوح آل الصباح الى الكويت، لكن رسالة الشيخ مبارك الصباح الى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، حول مسألة الحدود الكويتية، كانت واضحة، حيث جاء فيها بين امور اخرى:
... الكويت ارض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022هـ، هذا التاريخ يؤكد ان استقرار آل الصباح في الكويت يعود الى عام 1613م، وان الجد الاكبر للاسرة ومن أتى بعده من ابنائه كان لهم دور في الشأن الكويتي بعد هذا التاريخ حتى عام 1170هـ الموافق 1756م، حين وقع اختيار اهل الكويت على الشيخ صباح بن جابر (صباح الاول) المتوفى في عام 1176هـ الموافق 1763م، ليدير شؤون البلاد لرجاحة عقله وفكره، وشجاعته في قول كلمة الحق، وتميزه بصفات حميدة، ونزاهة وعدل متناهيين.
ومنذ ذلك التاريخ البعيد والعلاقة بين الكويتيين وحكامهم تتسم دوما بالانفتاح والتشاور والتعاون وعلاقة الوجه للوجه. فالشيخ صباح بن جابر ومن أتى بعده من ابنائه واحفاده، كان حكمهم قائما على الشورى وتبادل الرأي في المهم والعاجل من امور الدولة والرعية. فلم يكن الشيخ عبدالله بن صباح (1177 هـ ـ 1228هـ) الموافق (1763م ـ 1813م) يبت في امر او يتخذ قرارا ما لم يقطع مرحلة من التشاور والحوار مع ابناء شعبه. وهذا ما سار عليه الشيخ جابر بن عبدالله (1228هـ ـ 1276هـ) الموافق (1813م ـ 1859م) والشيخ صباح بن جابر بن عبدالله (1276هـ ـ 1283هـ) الموافق (1859م ـ 1866م) والشيخ عبدالله بن صباح (1283هـ ـ 1311هـ) الموافق (1866م ـ 1893م) والشيخ محمد بن صباح (1311 هـ ـ 1314هـ) الموافق (1893م ـ 1896م).
وهنا يجب الا تصيبنا الدهشة حين نقف على ماكتبه بعض الرحالة، ومن مروا بالكويت، او قاموا بزيارتها حيث سجلوا انطباعاتهم عنها مستخدمين اسم جمهورية الكويت للدلالة على طبيعة النظام السياسي الذي كان سائدا في ذلك العهد.، والذي تأصل وتجذر من خلال احكام دستور الكويت لعام 1962م.
وتأكيدا لهذا فان ما دونه، وعبر عنه مدحت باشا والي بغداد الذي زار الكويت عام 1289هـ الموافق عام 1872م يؤكد هذه الحقيقة. فقد ذكر من بين امور عديدة، بان اهل الكويت تعودوا حياة الشورى وتبادل الرأي والمشاركة الشعبية للحاكم فيما يحقق مصلحتهم وهم بذلك شبه جمهورية.
اما المقيم البريطاني في الخليج لويس بللي ج. الذي زار الكويت عام 1282هـ الموافق عام 1865م، فقد وصف حاكمها الشيخ صباح بن جابر بن عبدالله بانه يدير امور البلاد بروح الاب تجاه ابنائه، فهو يتولى الحكم والسلطة التنفيذية والى جواره القاضي يباشر مهامه باستقلالية وكان لا يأنف من النزول على حكم القاضي اذا خالفه فيما ذهب اليه.
من جانب آخر، نجد هذه التسمية ايضا في الخريطة التي رسمها العالم الالماني كارل رايتر K.Writer للجزيرة العربية عام 1234 هـ الموافق عام 1818م، والخريطة التي رسمها العالم الانجليزي الكسندر جونستون E.Jonston في الاطلس الكبير الذي صدر في ادنبره عام 1291 هـ الموافق عام 1874م.
وكان لتولي الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير) الحكم (1314هـ ـ 1334 هـ) الموافق (1896 م ـ 1915م) نقطة تحول في تاريخ الكويت الحديث فقد استطاع بدرجة عالية من الذكاء ان يحمي الكويت من المطامع الاقليمية والدولية التي اشتدت في عهده، وان يحقق للكويت شخصية اقليمية ودولية مميزة ومتوازنة،.
ففي الوقت الذي تمكن فيه من التصدي للاطماع الاجنبية، ومقاومة الضغوط العثمانية، والحفاظ على الكيان السياسي والجغرافي في الكويت، وخاصة على حدودها الشمالية، كانت مواقفه الداعمة للحق العربي، ومساعدته للاشقاء امام اية محنة دليلا اكبر على ان الكويت في عهده استطاعت ان تلعب دورا ملحوظا في السياسة الاقليمية والدولية.
وقد يتساءل البعض: اذن، لماذا لجأ الشيخ مبارك الصباح الى ابرام معاهدة حماية مع الحكومة البريطانية في 23 يناير عام 1899م.
ويأتي الجواب سريعا وصريحا، بان الشيخ مبارك الصباح والكويتيين جميعا لم يكونوا مطمئنين لتحركات الدولة العثمانية على حدودهم الشمالية وبالتالي فان الاطماع العثمانية في ابتلاع بلدهم كانت واضحة للعيان.
هذه المخاوف اكدتها فيما بعد الممارسات العدائية للدولة العثمانية باثارة المشاكل والصراعات المسلحة المتكررة على الحدود الكويتية الشمالية والجنوبية حتى جاءت اتفاقية 1913م لتضع حدا لتلك الاطماع العثمانية الجامحة، هذه الاتفاقية كانت واحدة من الوثائق التي تم تداولها في مناقشات لجنة الامم المتحدة لترسيم الحدود الكويتية ـ العراقية، والتي شكلت مع غيرها من الاتفاقيات الحدودية التي أبرمت مع الحكومة العراقية قرار مجلس الامن الدولي رقم 687 الصادر في مطلع ابريل عام 1991م بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
ان اهتمام الشيخ مبارك الصباح لم ينصب على الشؤون الخارجية للدولة فحسب، بل ان الشؤون الداخلية كان لها الصدارة في اولوياته، وعلى رأسها شؤون الحكم، حيث حصر رئاسة الدولة في ذريته (المادة الرابعة من دستور الكويت) وذلك حرصا منه على ان يظل رئيس الدولة ابا لابناء هذا الوطن جميعا.
وعليه، فقد جاء من بعده الشيخ جابر المبارك الصباح (1334هـ ـ 1336 هـ) الموافق (1915م ـ 1917م)، فالشيخ سالم المبارك الصباح (1336هـ ـ 1340هـ) الموافق (1917م ـ 1921م)، ومن بعدهما الشيخ أحمد الجابر الصباح (1340هـ ـ 1370هـ) الموافق (1921م ـ 1950م) الذي كان له دور مميز في معالجة علاقات الجوار بحكمة متناهية من خلال مؤتمر «العقير» واهل البلاد للدخول في مرحلة دولة المؤسسات، ليأتي الشيخ عبدالله السالم الصباح (1370هـ ـ 1385 هـ) الموافق (1950 م ـ 1965م) فيقود المسيرة الديمقراطية باصدار دستور الكويت عام 1962م، وقيام حياة نيابية متمثلة في مجلس الامة الكويتي عام 1963م.
هذه هي المسيرة الخيرة التي قادها فيما بعد الشيخ صباح السالم الصباح (1385هـ ـ 1397هـ) الموافق (1965م ـ 1977م) ليسلمها امانة وطنية للشيخ جابر الاحمد في 21 ذو الحجة 1397 هـ الموافق 31 ديسمبر عام 1977م. حتى وقتنا الحاضر.
وهكذا تتواصل الجهود الطيبة التي قام بها حكام الكويت وشعب الكويت لتأصيل هذه التجربة الديمقراطية الشوروية. وما تلاحم الاسرة الكويتية الواحدة وتضامنها المنقطع النظير سوى شاهد على ذلك. فقد وقف الكويتيون جميعا ـ رجالا ونساء ـ وقفة رجل واحد ابان محنة الغزو والاحتلال العراقي للكويت.. رافضين الاحتلال.. معلنين المقاومة والعصيان المدني. واقفين خلف قيادتهم الشرعية وعلى رأسها الامير الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، يساعده ويؤازره في حمل الامانة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح. هذه الوقفة التي أذهلت العدو واثارت اعجاب الدنيا كلها.. وقفة كشفت عن اصالة معدن الشعب الكويتي وتلاحمه مع قيادته واصرارهما على تحرير الكويت مهما كان الثمن باهظا والطريق طويلا.. وكان لهما ما ارادا فحمدا لله على نعمة الحرية والتحرير، وشكرا لكل من آزر وساند الحق الكويتي ولو بكلمة طيبة.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:41 AM
الطريق الى الحكم

«ان الايدي خلقت لتعمل. فان لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية اعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل ان تشغلك بالمعصية». عمر بن الخطاب

مهما اختلفت مراحل الزمن وتباينت انظمة الحكم في المجتمعات البشرية، فان الطريق الى الحكم ـ في جميع الاحوال ـ ليس مفروشا بالزهور لكن بصورة عامة نستطيع القول بان القادة والزعماء يلعبون دورا اساسيا في حياة شعوبهم وتقدم مجتمعاتهم، فالذكاء الشديد، ونفاذ البصيرة وحسن الادراك يجعل من هو مهيأ للحكم قائدا وزعيما قبل ان يتولى زمام السلطة والحكم، وحين يدركها تكون نتائج ابداعاته في تقنين القوانين والانظمة الاجتماعية والاقتصادية قد أتت بثمارها. وما عليه الا ان يتابع تنميتها وتطويرها نحو الافضل والاحسن.
وفي هذا يقول بعض المفكرين المحدثين من علماء النفس والاجتماع امثال ماكدوجل Mac Dogal الانجليزي وتارد Tard الفرنسي ان سبب تطور المجتمعات يرجع الى اعمال القادة والزعماء في ابتداع نظام جديد، يهديهم اليها ذكاؤهم ونفاذ بصيرتهم، ومن ادراكه لما ينبغي ان تكون عليه مجتمعاتهم ويتفانون في العمل على نشر نظمهم فيحاكيهم جماعة من الشعب، ويحاكي هذه الجماعة جماعة اخرى هكذا دواليك حتى تصبح اراؤهم نظما مستقرة، وتختفي امامها النظم القديمة.
من جهة اخرى، فإن سمات القيادة الصانعة للتاريخ تتجلى في اولئك النفر من الرجال القادرين على تنشيط القوى المنتجة في المجتمع من اجل الاسراع في تغيير الانظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتواكب الحداثة وقوى الانتاج، وتزيل العقبات التي قد تحدث فيما بينها، او تحول دونها.
فالقائد الذكي النافذ البصيرة هو من يسعى دوماً الى وضع المصلحة العامة فوق المصالح الخاصة، فيتقمص روح الامة، ويعمل على تفجير الطاقات الكامنة في شعبه لغرض تحقيق درجة اسمى في التطور والرقي الحضاري.
وهنا يقول فيلسوف التاريخ هيجل: «.... ان التجربة التاريخية هي تجربة الافراد الذين يرتفعون فوق مستوى المصلحة الخاصة، ولا تعيد اعمالهم الانماط القديمة، ولكنها تخلق اشكالاً جديدة للحياة، وهم صناع التاريخ، انبثقت اعمالهم من مصالحهم الخاصة، ولكنها تطابقت مع المصلحة العامة، لان المصلحة العامة تسمو وتتفوق على المصلحة الخاصة، وهكذا سيطروا ووجهوا الخط العام لمسيرة التاريخ...».
ولم يكن الشيخ جابر الاحمد الا واحداً من اولئك الرجال الذين تميزوا بصفات انسانية جمة، وسمات وملامح قيادية مبكرة، وذكاء ونفاذ بصيرة وحسن دراية، وادراك لاستشراف المستقبل، ساهم ـ كما سنرى ـ في بناء الدولة والمجتمع الجديد في الكويت، وبالتالي هو واحد من رموز صناع تاريخ هذا الاقليم وهذه الامة، والذي استطاع بحركته الدؤوبة والمتواصلة تنشيط القوى المنتجة في المجتمع الكويتي، والدفع بالشباب الى الخارج للتزود بسلاح العلم والمعرفة، ليصبح هؤلاء جميعاً ـ وفي فترة زمنية قياسية ـ اداة تغيير اجتماعي واقتصادي وسياسي، نقلت المجتمع الكويتي من حالة البساطة الى الحداثة.
لم يكتف الرجل بهذا القدر من الحركة والنشاط في اتجاه الخط العام لمسيرة تاريخ الكويت الحديث، بل انطلق من مصالحه الخاصة، وسخرها ادوات تساند وتدعم المصلحة العامة التي جند كل طاقاتها وامكاناتها من اجل البناء وخدمة الدولة والمجتمع الجديد، وهذا ما جعل مسيرة عمله وانجازاته منذ عام 1949 ركناً اساسياً في سجل الكويت، شكلت في مجملها منعطفاً تاريخياً، ونقلة نوعية في حياة الكويتيين، كما كانت الحال بالنسبة لعهد والده المغفور له الامير الراحل الشيخ احمد الجابر الصباح.

المبحث الأول
سنوات الإعداد والتأهيل

«ان بناء كويت المستقبل هو التحدي الكبير الذي يجب على جيلنا ان ينهض لمواجهته وينذر نفسه لتحقيقه». جابر الأحمد

ان تسجيل السيرة الذاتية، او المسيرة التاريخية لحاكم خدم شعبه وامته باخلاص، وترك بصماته الانسانية تدوي في ارجاء الدنيا، ليست بالمهمة السهلة.. فهي دقيقة وشائكة تتطلب الامانة في سرد الاحداث، وصدق الكلمة والحياد في التحليل والتعليق، ذلك لأن السيرة الذاتية، والمسيرات التاريخية لمثل هذه الشخصيات التاريخية كنز دفين، وتراث لابد من نقله الى دائرة الضوء لتطلع عليها الاجيال المتعاقبة.. فهي ملك لهم وليس لصاحبها، ومن حقهم ان يستأنسوا بأفكاره الرائدة، ويهتدوا بنصائحه وارشاداته وتوجيهاته التي ساهمت في تغيير ملامح المجتمع نحو الافضل ويقتدوا بصفاته الحميدة وحنكته في ادارة شؤون الدولة، وعلاقاته بدول الجوار، وبالاسرة الاقليمية والدولية.
ونحن، اذ نرصد اليوم للشيخ جابر الاحمد مسيرته التاريخية، نكون وجهاً لوجه امام هذه الحقائق التي يجب علينا ان نتعامل معها بصدق وامانة وحياد. وهي بلا شك مهمة صعبة للغاية، لكون الرجل لا يزال على قيد الحياة ـ اطال الله في عمره المديد ـ ونحن قد تعودنا ـ وفي هذا اغلب الاحوال ـ قراءة كتب السيرة الذاتية واصحاب المسيرات التاريخية، بعد ان ينتقل صاحب الشأن الى جوار ربه، فتتوه الحقيقة ضمن منابع الاشاعات والخيال، لتنسج حول عقول وافكار المطلعين عليها والمهتمين بها خيوط عنكبوت تصبح بمرور الزمن مرتعاً خصباً لترويج الفتن والافكار المشوهة والمشوشة، وبث روح الانهزامية بين الناس. وهي جميعاً حالة من الغدر والاجحاف الصريح بحق الرجل وحق التاريخ... انها بحق مسؤولية تاريخية، وامانة علمية تدعونا للحرص على انتقاء كل كلمة وعبارة، وسرد المعلومات عن اي حدث، ونقل اية معلومة مهما كان حجمها ومساحة انتشارها.
من هذه المقدمة والديباجة الصغيرة ندخل الى صلب الموضوع وعنوانه «سنوات الاعداد والتأهيل»، فنقول: ان الشيخ جابر الاحمد هو النجل الثالث للمغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح حاكم دولة الكويت الاسبق، والامير الثالث عشر في عائلة آل الصباح، وثالث امير لدولة الكويت منذ استقلالها.
فقد ولد الشيخ جابر الاحمد في مدينة الكويت العاصمة في 29 يونيو عام 1926، وتلقى تعليمه في المدرسة الاحمدية والمباركية والشرقية، وكان مثالاً للطالب المجد الحريص في تصرفاته، الهادىء بطباعه، الخلوق مع زملائه من الطلبة، متواضعاً في علاقاته مع اقرانه من التلاميذ، لم يتعال بتصرفاته عليهم، تربطه علاقة احترام وود بأساتذته، وقد ذكر هذه الصفات وغيرها عدد من زملاء الدراسة، من بينهم خالد الخزام الذي عاصره في المدرسة المباركية في اوائل الثلاثينيات، واصفاً تلك العلاقة بقوله: «... اني لم اشعر يوماً بأن الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح ابن حاكم الكويت بسبب تواضعه وقرب تفكيره وتعامله مع الاخرين، وكأنه واحد من ابناء عامة الشعب، مما جعله صديقاً للجميع في المدرسة تربطه بهم علاقات ود حميمة..».
ويمضي زميل الدراسة في وصفه، فيقول: «... ان ذلك السلوك المتسم بالأدب والتواضع ظل ملازماً لسموه اثناء فترة عمله رئيساً لدائرة الامن في مناطق النفط في الاحمدي، حيث ظل سموه محتفظاً بذلك الود الكبير الذي يكنه لكل كويتي، واستطيع ان اقول بأن اكبر امنية كانت تداعب افكاره ان يجد شركات النفط العاملة في الكويت جميعها بيد كويتية وطنية...».
ويضيف زميل الدراسة: «... لم يكن سموه من تلك الفئة من العاملين الذين يلزمون مكاتبهم طوال يوم عملهم، بل كان سموه يتنقل من مكان لآخر، يتفقد سير العمل في شركات النفط، ويحث الكويتيين على ان يعملوا بجد واخلاص لكي يتسلموا مقادير بلدهم ليديروها بأنفسهم...».
وهنا تتطابق اقوال خالد الخزام مع ما ذهب اليه بدر يوسف النصر الله، عندما يقول: «.... لقد كنت زميل دراسة لسموه في المدرسة الشرقية، واذكر انه كان معنا من الزملاء الشيخ صباح الاحمد، وكان يأخذ معه بعد انتهاء الدوام الدراسي في السيارة المخصصة له مجموعة من الزملاء القاطنين في منطقة سكنه لتوصيلهم الى منازلهم. ولم يشعرنا قط بتميزه كابن لحاكم الكويت، فكان ولا يزال مثالاً للتواضع منذ صغره..».
ويمضي النصر الله، فيقول: «... وكان سموه يحمل صفات النجابة منذ صغره، وبدت عليه في شبابه، وعند توليه المسؤولية المبكرة سمات رجال الدولة ومتخذي القرار..».
ويؤكد محدثنا، ومن خلال معايشته له بضع سنوات، فيقول: «... انه رجل متواضع كريم الخلق والاخلاق، ومتدين مستنير سمح، لا يحب السهر، يستيقظ يومياً في الصباح الباكر ليبدأ يوم عمله بقراءة القرآن الكريم..» ويضيف قائلاً :« ...منذ ان عرفت سموه، وانا اجد فيه رجلاً عفيف اللسان، ودوداً وعطوفاً، يمتص انفعال الاخرين في تودد، ويعالج الامور بالهدوء والروية، كما انه صبور جلد على تحمل الصعاب وتبعات العمل، وكان دائماً شعلة من النشاط والحيوية، عجزنا نحن الذين نعمل معه عن مجاراته..».
وفي هذا السياق ايضاً، يشير النصر الله: «... انه شخصية جذابة متميزة ومحبوبة، وله قبول وحضور لدى ملوك ورؤساء وزعماء دول العالم، يحظى باحترامهم، ويحرص على اقامة العلاقات الطيبة معهم، وان الكثير من افعاله ومواقفه تعبر عن انسانيته الفياضة، سواء أكان ذلك على الصعيد المحلي ام العربي او الدولي..».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:42 AM
وحول هواياته الخاصة، يذكر لنا النصر الله انه مولع برياضة المشي، وقيادة السيارات، والصيد والقنص، وله ولع بالزراعة، وخاصة زراعة النخيل وتربية النحل.
اما عبد العزيز سليمان الدوسري، فيحدثنا عن الشيخ جابر الاحمد قائلاً: «... لقد بدأت علاقتي ومعرفتي بسمو الشيخ جابر الاحمد اثناء زمالتنا في الدراسة بالمدرسة الاحمدية عام 1943م، وكنت اسبقه بسنة دراسية، وكان يرافق سموه في الدراسة اخوه الشيخ صباح الاحمد...».
ويمضي الدوسري لينقل لنا شيئا من انطباعاته عن الشيخ جابر الاحمد كطالب وزميل دراسة فيقول: «... كان سموه في مرحلة التلمذة انيقاً في هيئته، مهذبا ومتواضعا، لا تشعر بفرق بينه وبين اي من زملائه، مرحا محبا للعب في ساحة المدرسة مع اصدقائه الحميمين، اذكر منهم: ثنيان العلي، وعبد اللطيف امان، وخالد الخزام الذي زامله فيما بعد في المدرسة المباركية»...
وحول صفاته وخصائصه الحميدة، يقول الدوسري: «... انه شخص متدين، خلوق وودود، حليم ومخلص، ومحب للكويت والكويتيين، وانه سخي من غير صخب، فكثيرا ما يوفد المبعوثين على حسابه الخاص، ويساعد المرضى غير القادرين حتى لو اقتضى علاجهم في الخارج، كما يساعد الاسر المتعففة بهدوء وبما يحفظ كرامتهم»...
وهنا، يروي لنا الدوسري واقعة انسانية اقدم عليها الشيخ جابر الاحمد، ولا يزال متأثرا بأحداثها، فيقول: «... يحضرني بهذه المناسبة انه كلفني ذات مرة بشراء بيت خاص، قمت باختياره وشرائه، وعندما اخبرته بذلك كتب لي شيكا بقيمته، وشيكا آخر للدلال، وشيكا ثالثا بمصاريف السجل العقاري، وبعد ان انهيت اجراءات البيع والشراء طلب مني تسجيل البيت باسم احد اصدقاء طفولته، وكان متوفيا وله ابناء ايتام»...
وقد أكد الدوسري ما ذهب اليه النصر الله فيما يتعلق بهوايات الشيخ جابر الاحمد، حين اشار: «... ما اعرفه عن هوايات سموه انه يحب البحر والسباحة، ويحب الفروسية والصيد، والزراعة، وهو من اكبر المشجعين على زراعة النخيل، وهو صاحب مشروع المليون نخلة، وتخضير الكويت الذي نرى آثاره واضحة اليوم على الطرق وفي الساحات».
ويضيف عبد اللطيف عبد الرحمن البحر على ما سبق بقوله: «.. كان سموه رجلا تتسم طباعه بالتواضع الجم، كما انه رجل دولة، ذو انسانية فياضة وسماحة، لا يحب المظاهر، وكانت الحماية تفرض عليه قسرا في تنقلاته، يتفقد الاسواق ليتعرف على الأسعار، كما يتفقد المشروعات ويتابع انجازاتها، وعندما يلاحظ اي خلل في اي موقع يعطي توجيهاته للمسؤولين والمعنيين بالامر على الهاتف مباشرة لاصلاح الوضع، وتقويم الأخطاء مهما كبرت أم صغرت...».
ويمضي البحر، فيشير: «... لقد عُرف عن الشيخ جابر الاحمد نزاهته المطلقة، وترفعه عن الصغائر، يعود المريض، ويشارك المواطنين في افراحهم واحزانهم، ولا يغفل واجبه تجاه شعبه...».
وهنا كان للبحر وقفة، قال فيها: «... كان اجتماعيا يصل الرحم، ومن عادته اليومية بعد صلاة الفجر التوجه لزيارة والدته وشقيقته، بعدها يتوجه الى مكتبه الخاص في قصر دسمان ليبدأ يوم عمل جديدا...».
وحول هواياته الخاصة، يؤكد لنا البحر ما سبق ان اشار اليه الآخرون، ويضيف: «... ومن هواياته ايضا مشاهدة الافلام الاجتماعية والسياسية، يحب الشعر الشعبي وله محاولات في هذا المجال، يحب القراءة والاطلاع، وهو صاحب فكرة ديوانية شعراء النبط...».
وفي هذا السياق يقول حمزة عباس حسين: «... ما اعرفه عن سموه انه رجل متدين عاف، يبدأ يومه مبكرا بقراءة القرآن الكريم، ومن هواياته الخاصة رياضة المشي وقيادة السيارات، والاهتمام بالزراعة وممارستها باليد، وكذا مشاهدة الافلام الهادفة، وخاصة الاجتماعية، وهو ليس أكولاً بطبعه، وأكلاته خفيفة جدا حتى في المناسبات الرسمية، حيث يجالس من يدعوهم ويجاملهم بتناول اشياء خفيفة، وهو بذلك حريص جدا على نظامه الغذائي والصحي....».
ويمضي حمزة عباس، فيقول: «... كان سموه يحب مساعدة الناس في سرّية تامة، يحفظ لهم كرامتهم، وأذكر، انه في احدى زيارات سموه الى مصر في الستينيات، انني وجدت بعض المصريين من البسطاء وعامة الشعب يأتون الى جناح سموه في الفندق للسلام عليه وألسنتهم تلهج له بالدعاء، وكان ذلك مدعاة لدهشتي وإثارة لفضولي، فاستفسرت من احد المرافقين عن هوية هؤلاء الاشخاص، فأفاد بان اولادهم يدرسون على حساب سموه الخاص، والبعض الآخر يتلقون مساعدات جارية من سموه... لقد كان سموه عطوفا محسنا، احسانه في السر يسبق احسانه في العلن....».
اما فيصل المزيدي فيرى في الشيخ جابر الأحمد: «... انه انسان متواضع غير محب للظهور، ولم يستخدم قط وسائل الاعلام للاعلان عن نفسه وآرائه ومنجزاته، وهذا ما يجعله من المميزين بين حكام دول العالم الثالث. وهو شخص بطبيعته يتميز بالهدوء الشديد، ومستمع جيد يصغي الى محدثه بتركيز واهتمام، وهو لبق جدا وفي غاية الادب مع من يخاطبه، لكنه في الجانب الآخر قوي في الحق ومناصرة الضعفاء، ولعلنا نرى ذلك جليا في رسائله الى الامين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، ومحاربة التمييز والتفرقة والعنصرية....».
ويضيف المزيدي في هذا السياق، حين يشير: «... إنه من عظيم خلقه انه غير انفعالي ولا سريع الغضب، وليست لديه روح الانتقام حتى مع المسيئين. فالعفو من شيم العظام، عادل في حكمه، لا يأخذ احدا بجريرة غيره، مقدرا الصداقة الخالصة، وخاصة مع الرعيل الاول من الذين عملوا معه منذ توليه حاكميه مدينة الأحمدي ومناطق النفط ورئاسة دائرة المالية...».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:42 AM
وقد جاء في وثيقة بريطانية عند اختيار الشيخ جابر الاحمد ولياً للعهد تعليق على سيرته الذاتية: «... ان الشيخ جابر الاحمد رجل طموح قادر، ومسلم تقي، وان له صيتاً بحسن الادارة واتخاذ القرار...».
واذا ما تجاوزنا هذه الوقائع والشواهد التي لامست عن قرب جانبا من الصفات والسمات الشخصية للشيخ جابر الاحمد، لنقف عند المراحل الدراسية التي قطعها، فإننا نجد انه في ذلك التاريخ البعيد نسبيا، لم تكن مراحل التعليم المتقدمة مكتملة في الكويت كمعظم الدول العربية الاخرى، الامر الذي جعل والده رحمه الله وطيب ثراه، يتيح له الفرصة لأن يتلقى تعليماً خاصا على أيدي عدد من الاساتذة المتخصصين في مجالات علوم الدين واللغة العربية واللغة الانجليزية.
ومما زاده إلماماً ومعرفة بما يدور في هذا العالم اتاحة والده له ثانية الفرصة لزيارة العديد من بلدان العالم من اجل الاحتكاك بثقافتها وحضاراتها، وخاصة تلك الدول التي بدأت تخطو خطوات واسعة وسريعة في مضمار التقدم والنهضة، حيث رأى عن كثب أحوال تلك المجتمعات وحياة شعوبها الحضارية وما بلغته من تقدم في شتى ميادين الحياة، والأخذ بأسباب التقنية الجديدة التي بدأت تشارك الانسان حياته، وهذا نلمسه اليوم في كل لحظة من لحظات تعاملنا مع أوجه هذه الحياة. وقد كانت هذه الرحلات ـ كما قال احد ساسة الكويت المخضرمين ـ بمثابة «المدرسة الجامعة التي اسهمت في تكوين الشخصية الطموحة للشيخ جابر الاحمد».
خلاصة القول، ان الشيخ جابر الاحمد قبل ان يصبح أميرا وحاكماً هو انسان كويتي، يجسد تراث الاجداد في تواضعه، ويحمل في توادّه وتراحمه مع الناس أصالتهم.
كان والده المغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح يتفرّس فيه منذ طفولته ملامح خاصة من النباهة والجدّية وسرعة الخاطر، فعوّده على الانضباط السلوكي، سواء أكان ذلك في البيت ام في مجالس الاسرة، ام في المدرسة، ام في المجتمع، وكان لاصطحابه له في رحلاته الخاصة وسفراته الرسمية الى الخارج وهو صغير دور كبير في اكتسابه المزيد من الخبرة في الحياة ومعرفة الناس، والاطلاع على اساليب الحكّام. وكان يردد على مسامعه دائما: «عليك يا بني بالحلم فهو أساس الحكم، وإياك ان تفقده فتفقد كل شيء».
وعندما نتحدث عن الطبيعة الشخصية لسمو الشيخ جابر الاحمد، فاننا نتحدث عن تواضع حقيقي لا متخيّل، فزهد هذا الرجل في المظاهر والمبالغات يعرفه من عرفوا انجازاته. فهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد هذه الحقيقة، نستقي منها الواقعتين الآتيتين: اولاهما: إنه رفض بعد توليه حكم الامارة ان توضع صورته على ورق النقد المتداول بعدما كادت تصبح قاعدة عامة، اما الثانية: فقد تمثّلت في عزوفه عن لقب «المعظم» واصراره العفوي على عدم تمجيد شخصه.
لقد تجمّعت فيه صفات عقلانية وخلقية عدة، تجسّدت في سلوك مثالي، وقدرة على الحوار والاستعدادلتقبل الرأي الآخر اذا اقتنع بالجدل الموضوعي.
ومن المعروف عن الشيخ جابر الاحمد انه متواضع دون تصنع، بسيط السلوك، ودبلوماسي لبق، واداري حازم يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، صادق في تعامله، يقول كلمة الحق على الدوام، يجيد فن الاستماع والاصغاء، فيستمع الى اكثر التفاصيل دقة. واذا ما جاء الحديث في موضوع له اهمية خاصة امسك قلمه ودوّن ملاحظاته، واذا تحدث فانه لا يتحدث الا بقدر، لكنه عندما يتحدث تجده بصيب لب الموضوع.
ان صفة التواضع الجم فكرة أساسية في سلوك الشيخ جابر الاحمد منذ ان كان حاكما امنياً لمدينة الاحمدي ومناطق النفط... وهنا ايضا واقعتان تؤكدان هذه الحقيقة: الواقعة الاولى تتمحور حول لقائه بطلبة الكويت أثناء زيارته للولايات المتحدة الامريكية، فقد وقف الطلاب لحظتها هاتفين بالهتاف التقليدي المعروف بالروح بالدم نفديك يا جابر... فقاطعهم وهو قليل التدخل في مثل هذه الاحوال، وطلب منهم ألا يهتفوا بهذا النوع من الهتافات.
اما الواقعة الأخرى، فقد تمثلت في الفكرة التي طرحها بعض المثقفين الكويتيين حول انشاء جائزة كبرى باسم جائزة جابر الاحمد تمنح للمتميزين والمبدعين من المثقفين الذين ساهموا بفكرهم وعطائهم، وكانت لهم مواقف جيدة ومتميزة من العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت. وقد قبل الفكرة ورحب بها بشرط عدم ذكر اسمه فيها، وبادر بتسميتها باسم «جائزة الكويت».
ان الشيخ جابر الاحمد ليس رجل دولة فحسب، انما هو رجل أمة، يضرب به المثل والقدوة في التفاني والعمل والعطاء دون حدود، لذلك تجده يضيف دوماً الى الموقع الذي يتولى ادارته كل ما هو جديد في عالم الرقي والتقدم. كما يحرص أشد الحرص على تدعيم وتقوية صلاته مع افراد شعبه داخل وخارج نطاق العمل، فهو يتسم بوداعة قلبه الكبير الذي يتسع لحمل هموم ومشاكل وآمال وطموحات وتطلعات وطنه وشعبه.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:43 AM
شهادات بعض من عملوا مع سمو الأمير في بداياته الأولى بالدوائر الحكومية مثال للأخلاق ومريح في التعامل ويحب الاطلاع على تفاصيل العمل ولا يأخذ إجازات خاصة
الحلقة الثالثة

البدايات الاولى للعمل في الادارة الحكومية: في يناير عام 1949م بدأ الشيخ جابر الاحمد حياته العملية واتصاله المباشر بامور الحكم والامارة السياسية بتعيينه رئيسا للامن العام، ونائبا للامير في مدينة الاحمدي ومناطق النفط... هذه المدينة التي جسدت وشهدت انتقال المجتمع الكويتي من مرحلة قاسية، عانى فيها الشعب الكويتي قساوة الحياة، وشظف العيش، وركوب المخاطر من اجل استمرار الحياة، الى مرحلة اتسمت بالرفاه الاجتماعي والتعامل مع مقتنيات واسباب الحضارة الحديثة، هذه المرحلة زوّدت الشيخ جابر الاحمد بخبرة ادارية واسعة وعريضة، ودراية بامور فنية تتعلق بشؤون النفط واقتصادياته وآثاره وانعكاساته على المجتمع، مما جعل ذلك دوما في دائرة اهتمامه، لكونه كان على ثقة بأن هذه المادة الاستراتيجية هي حياة الكويت وشريان مستقبلها. فاجتاز هذه المسؤولية الكبيرة بنجاح باهر، وكان ذلك تأهيلا علميا واداريا وفنيا له ليتولى شؤون النفط والمال في مرحلة لاحقة، ويحقق فيها نجاحا عظيما.
فقد تناولت جريدة «الشرق» اللبنانية شخصية الشيخ جابر الاحمد في مقال، جاء فيه: «... ان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح الذي اشتهر عنه انه قليل الكلام، كثير الاعمال والافعال، يدرس ويفكر قبل القدوم على اية خطوة تنفيذية، وهو اختصاصي بشؤون النفط، وله شأن كبير بالنسبة لشركات النفط العاملة في الكويت، وان لكل كلمة يقولها وزنها الكبير وابعادها المستقبلية التي لا يمكن اغفالها او اهمالها»...
وفي فبراير عام 1959م حين تولى الشيخ جابر الاحمد منصب رئيس دائرة المالية واملاك الحكومة، وتمثيل امير البلاد لدى شركات النفط العاملة في الكويت لم يكن الا وظيفة جاءت منسجمة مع تفكيره والتجارب والخبرات التي اكتسبها حين تولى حاكميه مدينة الاحمدي مدينة الاحمدي ومناطق النفط.
وبتشكيل اول وزارة عقب الاستقلال في يناير عام 1962م، بموجب المرسوم الاميري رقم 3 لسنة 1962م، تم تغيير اسماء مؤسسات الدولة من كيانات ادارية صغيرة «دوائر» الى وزارات كان من بينها وزارة للمالية والاقتصاد تولى الشيخ جابر الاحمد مهامها بصفته اول وزير لها ليستمر على رأس هذا الجهاز ما بين عام 1959 ـ 1965م، وقد تغيرت خلالها تسمية الوزارة الى وزارة المالية والصناعة في يناير عام 1963م، ليصبح بعدها وزيرا لوزارتي المالية والصناعة، ووزارة التجارة في يناير عام 1965م.
وقد جاءت هذه المهمة ايضا امتدادا لاهتماماته المبكرة في الامور والمسائل الاقتصادية للدولة، وتميزه بعقلية اقتصادية متفتحة قادرة على تحمل اعباء هذه الوزارة، وهنا تجدر الاشارة الى انه بالاضافة الى عمله وزيرا للمالية والصناعة تولى ايضا في مناسبات معينة مهام نائب رئيس مجلس الوزراء وكذا كان نائبا للامير في مناسبات اخرى.
وقد تمكن الشيخ جابر الاحمد خلال الفترة المشار اليها، اي ما بين، عامي 1959 ـ 1965م ومن انجاز جملة من المشروعات الحيوية والمهمة بينها:
1 ـ انشاء بنك الائتمان لتيسير الائتمان العقاري والصناعي والزراعي، لزيادة دخل المواطنين والدولة من حصيلة قيام الافراد بانشاء صناعات ومشروعات زراعية.
2 ـ اصدار النقد الكويتي لاستخدامه في التداول بدلا من النقد الهندي بغية عدم الارتباط بعملة دولة اخرى، مما قد يؤثر على كيان الدولة.
3 ـ انشاء مؤسسة عامة، هي مجلس النقد الكويتي بغية الاشراف على اصدار اوراق النقد والمسكوكات في الكويت.
4 ـ اعداد مشروع النظام الخاص بالصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، ليكون دعامة من دعائم التنمية الاقتصادية في البلاد العربية.
وحول هذه المرحلة يحدثنا حمزة عباس الذي عمل بدائرة المالية في نهاية عام 1958م، اي قبل ان يتولى الشيخ جابر الاحمد مهام رئاسة الدائرة بشهور قليلة، فيقول: «... كان الشيخ جابر الاحمد مريحا في تعامله مع الآخرين بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان سامية. وكان مثالا للتواضع، قليل الكلام كثير الافعال، محبا للعمل، يعمل صباحا ومساء ولا يكتفي بالعمل المرتبط بالدوام الرسمي. وكانت ابوابه مفتوحة لنا جميعا في اي وقت نشاء، حتى في بيته في قصر دسمان. كان دائم الاتصال بنا لمتابعة ورعاية المشروعات، ولم يكن الامر مقصورا علينا، بل كانت ابوابه مفتوحة ايضا للخبراء والمستشارين الذين يعرفهم مثل روكفلر وغيره، ويقابلهم في اي وقت لمناقشة الامور الاقتصادية معهم، مما يحرص دوما على توفير الجو العائلي الحميم لهم، والخالي من التكلف والتقيد بالرسميات، مما جعلهم يؤدون عملهم باخلاص وتفان»...
ويمضي حمزة عباس الذي عمل مع الشيخ جابر الاحمد منذ اليوم الاول لتوليه مهام رئاسة دائرة المالية في حديثه، فيؤكد: «... ان الشيخ جابر الاحمد كان رجل دولة من الطراز الاول، ينظر الى مشروع يعرض عليه من جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واضعا نصب عينيه مصلحة الكويت والكويتيين، ويدير الازمات الاقتصادية بروية واداراك وخبرة عالية، ولديه طاقة كبيرة لتحمّل مواصلة العمل، ولم يكن يحب الرسميات، وتتسم طباعه بالبساطة مع الجدية في العمل والصراحة في الحق، وكانت علاقته مع موظفيه سهلة ومبسطة، ويشجعهم دوما على طرح افكارهم بحرية، لقد كان ديمقراطي التوجه والقرار، وكانت قراراته تأتي بعد الدراسة والمشورة حاسمة قاطعة، وكانت باكورة المشروعات الوطنية الضخمة من نتاج فكره. وقد دلّ نجاحها على صدق استشرافه للمستقبل»...
وفي هذا السياق يضيف محدثنا حمزة عباس، فيقول: «... تدل افعال الشيخ جابر الاحمد وقراراته كلها على مدى اهتمامه بمصالح الشعب، فكان ينظر للامور ـ كما قلت ـ من زوايا عدة: اقتصادية وسياسية واجتماعية، فعندما يتخذ اي قرار او يعالج ازمة كان يحرص دائما على ان لا تمس النتائج مقدرات الشعب، وان لا يتأثر دخلهم او يتضرروا بالوضع...
اما عبد العزيز البحر الذي عمل مع الشيخ جابر الاحمد عام 1959م مديرا عاما لادارة الاسكان، فانه يحدثنا عن تلك الفترة من الزمن، فيقول:«... عاشرناه بشخصه سواء بالعمل او في اسفاره وتنقلاته، فكان مثالا للاخلاق الحميدة والتواضع الجم، ولمسنا فيه حسن معاملته وسماحته لمرؤوسيه، ينأى في تعامله معهم عن الرسميات ويشعرهم بصداقته، مما كان يدفعنا جميعا للتفاني والاخلاص في العمل»....
ويضيف محدثنا البحر، مؤكدا: «... لقد كان الشيخ جابر الاحمد من اولئك القادة الذين لا ينفردون بالقرار، وكثيرا ما كان يستشير، كما كان مستمعا جيدا ومترويا قبل ان يصدر قراراته المدروسة، وكثيرا ما كان يطرح الموضوع ويطلب منا دراسته، ونرجع الى سموه بوجهة نظرنا، وقد تكون مخالفة احيانا في الرأي، فكان يتقبل طرحنا بكل رحابة صدر، ولم نجد منه اصرارا على وجهة نظره، وعند التنفيذ كنا نجد وجهة نظره قد اخذت في الاعتبار»....
وحول اسلوبه في العمل، يقول فيصل المزيدي: «... كان له اسلوبه الخاص في الادارة، فهو محب للاطلاع على أدق التفصيلات، ولو اقتضى الامر الاستماع الى موظف يثق به، حتى لو لزم الامر تخطي رئيسه. فغايته دائما الوصول الى الحقيقة وبكل الوسائل المتاحة...».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:43 AM
ويشارك محدثنا من سبقه الحديث في الرأي، حين يقول: «... لقد كان محبا للعمل، وساعات العمل لديه ليس لها حدود، فكانت له قوة تحمّل على العمل يصعب مجاراتها، فعندما كان وزيرا للمالية كان يعمل زهاء ثماني عشرة ساعة في اليوم بالوزارة، وكان يواصل عمله ومقابلاته في كثير من الاحيان في منزله بقصر دسمان، ولم أتذكر انه اخذ اجازة خاصة، فقد كانت متعته في عمله»...
وفيما يتعلق باهتمامه بالشباب الكويتي، يضيف محدثنا قائلا: «... وبالنسبة لاهتمامه وتشجيعه للكويتيين، فقد كانت لديه ثقة كبيرة في الشباب وخاصة الخريجين منهم. وكان يفعل كل ما بوسعه لتحقيق طموحاتهم وآمالهم، واكبر دليل على ذلك انه احتضننا ونحن خريجون جدد، وأولانا ارفع المناصب، فلم يأت بنا كخبراء وانما جعل منا خبراء بوضعنا في هذه المراكز، وافادتنا من الخبراء الذين كانوا متواجدين في ذلك الزمن، واحتكاكنا بالامور المحلية والدولية، واذكر من هؤلاء الشباب حمزة عباس، عبداللطيف البحر، عبدالعزيز البحر، فيصل الفليج، جاسم خالد المرزوق، حمد يوسف العيسى، وفجحان هلال المطيري وغيرهم.
أما زميل الدراسة في المدرسة الشرقية بدر النصر الله، فانه ينقل لنا شيئا من انطباعاته عن الشيخ جابر الاحمد الذي بدأ العمل معه عام 1960م سكرتيرا لمكتبه، حين يشير.. ان انطباعي عن سموه اثناء عملي معه انه كان شعلة من النشاط سريع البديهة، ذا خبرة عالية في مجالات المناصب التي تقلدها عن وعي وبصيرة وكان كثيرا ما يحرر لنفسه البرقيات والمذكرات دون الاعتماد على الغير. لقد تعلمنا من توجيهاته الشيء الكثير. وكان رحب الصدر، يحترم رأي الاخرين ويتقبل اي فكرة تأتيه من اهل ورجالات الكويت، ويعكف على دراستها.
ويمضي محدثنا النصرالله.. كان يتمنى منذ الستينات ان يمتد العمران في الكويت الى اقصاه، وكان من امنياته ان يرى الكويتيين وقد امتد بهم الرحيل الى الجنوب لاعماره، وكثيرا ما كان يذهب الى منطقة الخيران الخالية في ذلك الوقت وهذا ـ بلا شك ـ مثال على استشرافه لمستقبل الكويت واعمارها وكان يعمل بنفسه على تحقيق هذا التطلع فترجمه من الامنية الى الواقع.
لم يقف محدثنا النصرالله عند هذه الكلمات والعبارات من ذكرياته بل اضاف قائلا: كما فتح الشيخ جابر الاحمد باب التعيينات ـ وهو وزيرا للمالية ـ امام الشباب الكويتي القادم من جامعات العالم ليسهم في بناء دولة المؤسسات على اساس من العلم. كما اغدق على بناء المدارس ودور العلم والتوسع في التعليم العام والجامعي. كما اعطى اولوية في اهتماماته لمحو الامية ادراكا منه لاهمية ذلك في وعي الشعوب وتقدم الامم.
ويمضي محدثنا مؤكدا على جانب مهم في حياة الشيخ جابر الاحمد العملية حين يقول: كان يأتي الى عمله مبكرا وبالتزام شديد بوقت الدوام الرسمي. وكان حازما شديد الملاحظة، سريع البديهة وله حضور، وان من طبعه العفو، وكان عميق التفكير والتدبير في كل رأي او فكرة تطرح عليه يدرسها من جميع الجوانب ثم يعطي توجيهاته وقراراته بسرعة التنفيذ ودون تباطؤ.
وفي هذا السياق يمضي النصر الله في تأكيده. ليقول: «عندما كان رئيسا للمالية، وفي نفس الوقت مسؤولا عن شؤون النفط في الدولة كان اسلوبه التنظيمي في العمل هو تخصيص يوم في الاسبوع يوم الاثنين للتفرغ لشؤون النفط وكنا نذهب من الكويت الى مدينة الاحمدي حيث كان له مكتب خاص هناك لمتابعة شؤون النفط، وفي بقية الايام كان يستقبل المسؤولين عن شركات النفط في مكتبه بمدينة الكويت العاصمة ويخصص لهم وقتا كافيا لمناقشة الامور النفطية معهم واتخاذ القرارات في شأنها.
وها هو عبداللطيف البحر الذي عمل مع الشيخ جابر الاحمد منذ شهر ديسمبر عام 1966م يسرد لنا ذكرياته عن هذه الفترة فيقول «انه رجل دولة بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى معروف عنه دقته في العمل والتزامه الشديد وعدم التسرع في الامور، وكل ما يعرض عليه من افكار ومشاريع يخضعها للدراسة والتقييم والاستشارة الفنية كما انه لماح سريع البديهة ولديه قوة استيعاب فائقة وله حدس وشفافية وله قدرة عجيبة على تلخيص الموضوعات وعرضها امام المختصين، وله ايضا حس اقتصادي فطري وخبرة اقتصادية هائلة. وكان جلده وصبره وقدرته على استمرارية العمل بشكل مذهل يضعه دوما امام شعار: لا تؤجل عمل اليوم الى الغد».
ويمضي البحر فيشير الى جانب آخر من ممارساته في العمل فيقول: «كثيرا ما يكتب بنفسه الخطابات ويدفع بها الى المستشارين ثم يراجعها بنفسه وكثيرا ما يدخل عليها بعض التصويبات في صيغتها النهائية، وكان ينظر دائما الى المشروعات المقدمة له من ثلاثة ابعاد: البعد الاقتصادي والبعد التنموي والبعد الاجتماعي.
لهذه الاسباب مجتمعة وغيرها، جاءت الفترة الواقعة بين عام 1949م وعام 1978 م فترة مزدحمة وثرية بالانجازات تمكن خلالها الشيخ جابر الاحمد من ان يضع عصارة فكره في اقامة البنية الاساسية للدولة وهياكلها التنظيمية بمساعدة عدد من شباب الكويت ومجموعة من الخبراء العالميين وبخاصة في المجال الاقتصادي والعمراني. وان ينتقل بسرعة كبيرة من مجال التخطيط والبرمجة الى مجال التطبيق والتنفيذ رغم العوائق والتحديات التي كان يواجهها.
وكانت مؤازرة المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح امير دولة الكويت الاسبق والمغفور له الشيخ صباح السالم الصباح امير دولة الكويت السابق، ودعمهما ومساندتهما المطلقة لمشروعاته وتطلعاته المستقبلية قد جعلته في وضع مكنه من الانتقال بالكويت من امارة بسيطة تحكمها العادات والتقاليد والاعراف الى مجتمع حضاري ودولة عصرية، يحكمها دستور وقوانين منظمة لجميع جوانب شؤون الحياة ومسيرة المجتمع يتراجع من امامها نفوذ مواقع القوة، والرموز المؤثرة في تسيير المجتمع، لتحل مكانها تلك التشريعات والمؤسسات القائمة على تنفيذها.
فالشيخ جابر الاحمد لم يكن مهندس الاقتصاد الكويتي فحسب بل كان واضع الاسس الاولى للحركة العمرانية، ورافع شعار مجتمع الرفاه الذي يعيشه اليوم كل كويتي بدءا بثمرة النهج الاقتصادي الذي رسمه، والذي جاء مزيجا ووسطا بين الانظمة الاقتصادية العالمية المتباينة والذي تشهد له المؤسسات المالية الدولية «البنك الدولي ـ صندوق النقد الدولي» بالكفاءة وحسن المواجهة، والاداء الجيد امام الازمات الاقتصادية التي تواجهها الكويت بين حين وآخر بسبب اوضاع اقتصادية داخلية، او مؤثرات اقتصادية وسياسية خارجية. وانتهاء بما ترتب على ثمرة هذا النهج الاقتصادي من حركة عمرانية شاملة، تضمنها المخطط الهيكلي للدولة الذي اشرف شخصيا على جميع مراحل اعداده منذ ان كان رئيسا لمجلس التخطيط عام 1966م ومتابعته له حتى يومنا هذا.
هذا الى جانب صياغة حياة مرفهة للمواطنين وضمان حياة كريمة للأسرة الكويتية المحدودة الدخل وذوي الاحتياجات الخاصة هذه النظرة التخطيطية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لم تقف عند حاضر الكويت بل تخطتها الى المستقبل البعيد، حيث سعى بكل جهده وفكره الى ضمان حياة كريمة للاجيال القادمة والمحافظة على ثروات الكويت وايجاد موضع قدم لاقتصاد الكويت ومركزها المالي في الاسواق العالمية.

سموه ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء

في 30 نوفمبر عام 1965م، كان الشيخ جابر الاحمد لا يزال وزيراً لوزارة المالية والصناعة، ووزارة التجارة، حين صدر امر اميري بتعيينه رئيساً لمجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة.
وبعد اربعة ايام من صدور الامر الاميري ، رفع خطاباً الى امير البلاد متضمناً اسماء الحكومة في اول تشكيل وزاري يترأسه بعد تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء، وبعد اداء اليمين الدستوري امام الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، ومن ثم امام مجلس الامة الكويتي، قام رئيس مجلس الوزراء في 8 ديسمبر 1965م بعرض البرنامج الحكومي امام المجلس، وقد تضمن تطلعات الحكومة المستقبلية، ومشروعاتها الصناعية والانمائية خلال عام 1966م.
وفي 31 مايو 1966م، صدر امر اميري بتعيين الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح ولي عهد لدولة الكويت وقد بعثت ملكة بريطانيا «اليزابيث الثانية» برقية لأمير دولة الكويت الشيخ صباح السالم الصباح، تتضمن تحياتها وتهنئتها الحارة بتعيين الشيخ جابر الاحمد ولياً للعهد.
كما بعث عدد من رؤساء الدول والحكومات في الدول الشقيقة والصديقة بمثل هذه التهنئة والمباركة على حسن الاختيار.
وعلى اثر هذه المبايعة الاجتماعية لهذا الاختيار من قبل مجلس الامة الكويتي، ومن ثم الشعب الكويتي بأسره بتاريخ 2 يونيو عام 1966م، قام الشيخ جابر الاحمد بالقاء بيان امام مجلس الامة الكويتي، تضمن تشخيصاً دقيقاً لواقع المشكلات المجتمعية القائمة في المجتمع الكويتي، مع التركيز على التداعيات السلبية الحادة على وجد الخصوص، وذلك بهدف السعي من قبل السلطتين... التنفيذية والتشريعية لايجاد الحلول المناسبة الناجعة لها، والتوجه للمستقبل برؤية جديدة. وقد جاء هذا البيان بمثابة استراتيجية عمل للحكومة في عهد جديد لمواجهة اوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية وتنظيمية، وتوصيف العلاقة المتبادلة بين السلطتين، وما ينبغي ان تكون عليه هذه العلاقة من تضامن وتعاون من اجل الصالح العام، وفي مقدمتها مصالح الدولة العليا.
وفي صدر هذا البيان استعرض ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الاحمد ما حققته الكويت من تقدم وتطور حضاري، ورأى ان من الواجب اخضاعه للتقييم والمراجعة المتأنية ضماناً لسلامة الوطن ومسيرته، وحماية للمجتمع من كل شائبة يمكن ان تقفز على التراث الوطني، وتمس الامن القومي، والثوابت الاجتماعية والسياسية التي تمسك بها الآباء والاجداد وساروا على هداها.
وهنا، كان للشيخ جابر الاحمد وقفة، قال فيها: «... لقد خطت البلاد في سنوات قليلة خطوات واسعة في شتى الميادين، وتوالت عليها من الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما كان له ابلغ الاثر في تطوير حياتنا العامة وتغيير في ملامح المجتمع الذي الفناه. فمن تعديل شامل في تشريعات البلاد ونظامها القضائي، الى استكمال لاستقلالها وسيادتها في الداخل والخارج، الى دستور يساير نهضتها، ويصون الحريات، ويكفل الاستقرار، وهكذا دخلنا معترك الحياة الديمقراطية والنيابية من اوسع باب...».
ويمضي قائلاً: «.... وكان طبيعياً ان نستعين في هذا التطور السريع الذي يكاد يشبه الطفرة بعدد من اخواننا من الدول العربية الشقيقة. ورغم ما بذلوه من جهد مشكور فإن الوقت لم يتسع امامهم لتشرب عاداتنا وتقاليدنا المحلية، فجاءت بعض التشريعات والنظم المستحدثة غير مجارية لواقعنا. ولكن ما دام زمامها الان بأيدينا فما علينا الا ان نعدل او نلغي ما يتطلب التعديل او الالغاء منها في ضوء التجربة العملية المكتسبة، بدلاً من التشكيك بالجملة في كل ما هو مستحدث...».
مؤكداً في بيانه: «.... ان النقد البناء وحده هو الكفيل بارشادنا الى ما يجب ان نفعله، والى الحلول المثمرة المرتجاة، اما النقد الهدام، فلن يعود على هذا البلد الا بأشد الاضرار...».
وحول السياسة الخارجية اشار: «.... لقد قلنا في اكثر من مناسبة، اننا نؤمن بأن سياسة الحياد الايجابي، وعدم الانحياز لاي من المعسكرين الكبيرين المتنافسين، هي الخطة السليمة المحققة لمصالحنا، وصالح الاسرة الدولية عامة. واود ان اقول بصراحة ووضوح، اننا اصدقاء لجميع الدول التي نتعامل معها، اياً كان المعسكر الذي تنتمي اليه، علاقتنا بها جميعاً تقوم على الاحترام المتبادل والمساواة في المعاملة، مع عدم السماح لاي منها بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وان اي تدخل من اي منها في هذه الشؤون، ومهما كانت الروابط التي تربطنا بها، سوف ينبني عليه حتماً اعادة النظر في علاقتنا معها. فنحن لا نقبل بحال من الاحوال ان تساس امورنا من الخارج...».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:44 AM
ويضيف من منطلق هذا المنظور السياسي، فيقول: «.... كما اننا نؤمن بأن الكويت لن يعيش منعزلاً عن شقيقاته الدول العربية، وبأن مجد الامة العربية وازدياد نفوذها وتأثيرها الفعال في المجالات الدولية، وقدرتها على استرداد ما اغتصب ظلماً وعدواناً من ارض العروبة، كل ذلك رهين بتماسك بنيان هذه الامة، واتحاد كلمة حكوماتها وشعوبها، فيد الله مع الجماعة. ومن اجل ذلك بذلنا ونبذل قصارى جهدنا لاحلال الصفاء والوئام بين الشقيقات العربيات جميعاً بازالة اسباب الخلاف والقطيعة اينما وجدت. ايماناً منا بقوميتنا العربية، وبديننا الاسلامي الحنيف الذي يحض على التعاون، وتقديراً منا لمصالح شقيقاتنا، وواقعنا، وما يلقيه علينا من واجبات اخوية نحوها جميعاً...».

في أول وأهم وأخطر بيانات سموه التي ألقاها بعد تعيينه ولياً للعهد ورئيساً للوزراء جابر الأحمد: الكويت الدولة الوحيدة التي تساعد صحافتها كي تنقدها


وما زلنا مع البيان الذي ألقاه سمو الامير الشيخ جابر الاحمد بعد مبايعته وليا للعهد والذي تطرق فيه سموه الى محددات السياسية الخارجية... كما تحدث ايضا عن التركيبة السكانية، والعمالة الوافدة الخ.
وحول التركيبة السكانية، وما يكتنفها من خلل وعدم توازن، كان للشيخ جابر الاحمد ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء رؤية بعيدة المدى في هذا الشأن، حيث لا يزال المجتمع الكويتي يعاني من تداعيات هذا الخلل التي خلقتها التدفقات الكبيرة للعمالة الوافدة على الكويت، والتي بلغت نسبتها قبل الغزو والعدوان والاحتلال العراقي حوالي 73% في التعداد العام لسكان الكويت عام 1985م، لتنخفض هذه النسبة الى حدود 63% في التعداد العام للسكان عام 1995م، وذلك بسبب هروب هذه العمالة من بطش قوات الاحتلال العراقي، وعودتها التدريجية بعد تحرر الكويت من براثن هذا العدوان والاحتلال.
ان هذا الكم من العمالة الوافدة ـ سواء أكان ذلك قبل الغزو ام بعده كان له بلا شك انعكاسات امنية واجتماعية لخصها الشيخ جابر الاحمد في بيانه، حين قال: «... ان بلدنا قد فتح ذراعيه مرحبا بأبناء الدول العربية جميعا، فحلوا بين ظهرانينا يسهمون مع ابناء هذا البلد المضياف في بناء نهضته، تلك النهضة المباركة التي مهدت لهؤلاء واولئك سبل الرزق الحلال، حتى جاوز عدد الوافدين عدد المواطنين، وهذا الامر في حد ذاته يلقي على عاتق المسؤولين عن مصير هذا البلد، وعلى الشعب الكويتي بأسره مسؤولية جسيمة، قد لا يوجد لها نظير في اي بلد من بلاد العالم»...
ويضيف قائلا: «... ان تجمع هذا العدد الكبير من الوافدين في بلد محدود المساحة نسبيا كبلدنا، يكون مشكلة كبرى فيما يتعلق بسلامة الدولة والامن العام، وبالاتجاهات الفكرية المؤثرة في مصيرنا، فليس كل الوافدين على البلاد من نفس الطراز او من نفس البيئة، وليس كلهم ممن يحترمون مقدسات هذا البلد، ويقدرون له حسن ضيافته، بل ان منهم من لا يراعي لتقاليدنا وقوانيننا حرمة، او يعمل لحساب مصالح اجنبية ولخدمة مبادىء غريبة عنا، محاولا استقطاب بعض المواطنين وجذبهم الى مبادئه وتسخيرهم لخدمة نشاطه الضار، وهكذا ظهر في بلادنا نشاط يهدف الى تفتيت عرى وحدتنا الوطنية بغرس بذور الحقد والحسد والكراهية بين الاخ واخيه والابن وأبيه، وبعض الاسر وبعضها الآخر، والى اشاعة روح الاستهتار واللامبالاة بالقيم التي نقدسها وتقاليدنا التي نشأنا عليها، والتشكيك في نظمنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يقوم عليها كياننا الاجتماعي...».
وحول حرية الصحافة، وحرية التعبير عن الرأي وحدودهما التي يجب الا تطول حرية الآخرين افرادا او جماعات او مؤسسات، كان للشيخ جابر الاحمد رأي محدد في ذلك التاريخ، حين اشار: «... وقد اثبت فريق من غير الكويتيين الذين يعملون في صحافتنا انهم يقدرون مصالح هذا الوطن، ويشاركونه افراحه واتراحه، وينظرون بالاحترام الواجب الى امنه ومقدساته، لكن فريقا آخر سلم نفسه الى الشيطان، وساهم في جعل بعض الصحف والمجلات ادوات طيعة في ايدي كل نشاط ضار بوطننا ومصالحنا القومية»...
ويمضي، فيقول: «... نحن لا نطلب من الصحافة او من غيرها ان تمدحنا، بل لعلنا الدولة الوحيدة التي تساعد صحافتها كي تنقدها، ولكن من حقنا وواجبنا ان نعمل على ان يكون هذا النقد بناء خالصا لوجه الله والوطن ومصلحة ابنائه جميعا، لا نقدا هداما مسخرا لخدمة جهات معينة، للتمهيد لمبادىء دخيلة يراد فرضها على مجتمعنا...».
ويؤكد: «... اننا نؤمن بالصحافة الحرة النزيهة ونقدر رسالتها، الصحافة التي تبني ولا تدمر، التي تحض على المحبة والوئام لا على الحقد والكراهية، التي تجمع الشمل لا تشتته او تفرقه، التي تخدم مصلحة الوطن لا المآرب الذاتية والمصالح الاجنبية...»
وحول الاوضاع الاجتماعية، والمشكلات المجتمعية التي صاحبت الطفرة الاقتصادية والتغيير الحضاري، كان له الوقفة التالية في بيانه: «... ان الرواج الاقتصادي وما صاحبه من تطور اجتماعي نتيجة للموارد النفطية خلال السنوات الاخيرة، لم تنعكس آثاره بعد على جميع ابناء البلاد... فهناك من المواطنين من يسمع عن المبالغ الكبيرة التي تقرضها الدولة للغير، وهو لا يزال يعيش بيننا عيش الكفاف، معتمدا على راتبه او نصيبه من المساعدات العامة، ومنهم من يشاهد البيوت تقام في كل مكان، وهو ما زال يسكن العشيش التي لا تقيه برد الشتاء ولا حرارة الصيف، وهناك مشكلة بيوت ذوي الدخل المحدود وتوزيعها على المستحقين، والشكوى المزمنة من التأخير في هذا التوزيع، هناك التنظيم ومشاكله، فبعض المواطنين قد ثمنت بيوت سكنهم ولم يتمكنوا من انشاء بيوت بديلة لها، لعدم كفاية مبلغ التثمين، او لعدم وجود قسائم لهم، او للتأخير في منحهم هذه القسائم حتى ذاب مبلغ التثمين بأيديهم دون ان يعود عليهم او على اسرهم بنفع حقيقي، ومن المواطنين من حرم عليهم التصرف في بيوتهم وعقاراتهم سنين طويلة ترقبا لاستملاكها، ثم صرف النظر في ذلك دون تعويض او ترضيه من اي نوع كان عن هذا الحرمان»...
وبنظرة الحاكم العادل العارف بمعاناة شعبه وابناء وطنه يمضي مسلطا الضوء على شكوى المواطنين، فيقول: «... وهناك من يشكون من بقاء قضاياهم معلقة امام المحاكم مددا طويلة، ومن يشكون من تعطيل مصالحهم لدى الوزارات والادارات الحكومية المختلفة، او من عدم تفرغ الموظفين كبارهم وصغارهم لاعمالهم الرسمية، او من عدم صلاحية بعض الموظفين للاعمال التي خصصوا لها.
وهناك شكوى بعض المواطنين من اهمال احيائهم ومناطق سكنهم، وشكوى سكان القرى والجزر من ان الحكومة لا تولي شؤونهم المحلية الاهتمام الكافي اسوة باخوانهم في المدينة»....
وفي معرض حديثه حول معاناة المواطنين مع الادارة الحكومية وقضاياهم ومشكلاتهم اليومية التي تتطلب حلولا حاسمة وسريعة لمجابهة مرحلة التحول الحضاري ومعطياته العصرية، لا ينسى الشيخ جابر الاحمد ان يتناول السلطة التنفيذية ـ جهازا ونظاما وافرادا ـ بالنقد الذاتي والتحليل الموضوعي اللذين قلما نجد قياديا يقوم بمثلهما. ذلك لان ارادة الاصلاح كانت دوما ماثلة امامه، وان عمليات الاصلاح وتعديل المسارات غير المتوازنة لا يمكن ان تتم او تلقى النجاح ما لم يتوافر لها جو صحي قوامه المصارحة والنقد البناء. وهذا ما هدف اليه حين قال: يؤسفني ان اسجل فقدان الانسجام والثقة بين الادارة المركزية ممثلة في الحكومة وبين بعض الهيئات والمؤسسات العامة المتمتعة بشخصية معنوية مستقلة.
ويمضي في هذا الاتجاه فيقول ان البلاد لا تتحمل تطاحنا بين الاجهزة المختلفة التي يجب ان يكون رائدها في العمل التعاون الوثيق المثمر، والتحرر من التقيد، وتعويق الاعمال، والغيرة على مصالح المجموع لا الغيرة على اختصاصات كل منها وصلاحياته او رغبته في الاستئثار بالسلطة.
كما ان التداخل في الاختصاصات بين جهاز البلدية وبين عدد من وزارات الدولة واضح لكل انسان، ويحتاج الى مزيد من التنسيق ولا شك ان ادارة جميع الشؤون المحلية المتطورة للقرى والمدن المختلفة من مركز واحد، وبواسطة جهاز واحد هو امر يستحق التأمل والنظر فيه. فاهل مكة ادرى بشعابها كما يقولون.
وعلى مستوى العاملين في الاجهزة الحكومية ومؤسساتها كان له وقفة طويلة ومريرة، عندما قال «واذا نحن انتقلنا من اجهزة السلطة التنفيذية الى العاملين فيها، طالعتنا ظاهرة خطيرة اخذت تتسرب الى ادارتنا الحكومية ومؤسساتنا وهيئاتنا العامة، واقصد بها انعدام الولاء لدى بعض الموظفين وهنا لا اقصد الولاء لشخص الوزير او الوزراء الذين هم في كراسي الحكم، فاشخاصهم زائلة ومتغيرة بطبيعة الحال، ولكن اقصد الولاء للدولة ككل، وللسلطة التنفيذية التي تمثل الدولة في قيامها بوظيفتها الحكومية والادارية.. هذا الولاء الذي يتطلب من الموظف الامانة التامة في أداء الوظيفة والقيام بكامل اعبائها واحترام الرؤساء وتنفيذ تعليماتهم بالدقة اللازمة في حدود القوانين واللوائح».
ويستمر في حديثه حول هذه الظاهرة مؤكدا: «ان انحراف بعض الموظفين عن هذه المبادىء الاولية لمعنى الامانة في اداء الوظيفة العامة، ينعكس اثره السيىء على سير العمل في المرافق العامة، فتتحول المصالح والادارات الحكومية الى تكتلات متباينة متنافرة، تذوب خلالها المسؤولية وتصاب مصالح الشعب بالاذى والتعطيل. فتعم الشكوى وينتشر السخط بين الجمهور من سوء الادارة الحكومية.
وينتهي من حديثه حول هذه المظاهر محذرا: «واذا كانت الحكومة قد التزمت سياسة اللين والتسامح مع هؤلاء حتى اتهمت بالضعف وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية فانها لن تتوانى من الان فصاعدا عن اداء واجبها في تنحية كل معطل لمصالح الشعب من اولئك الموظفين الذين لا يفهمون معنى الامانة في اداء اعمالهم».
وحول العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهي علاقة حذرة في الانظمة الديمقراطية كافة، تتسم بالمد والجزر، لكنهما في نهاية الامر تسعيان سويا للصالح العام وخدمة الاهداف العليا للدولة. ومن هذا المنظور القريب البعيد كان للشيخ جابر الاحمد وقفة امام هذه العلاقة حين قال: «ان نظام الحكم عندنا يقوم على اساس فصل السلطات، مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور. واذا كان الدستور قد قرر مسؤولية كل وزير سياسيا عن اعمال وزارته امام الامير وامام مجلس الامة، فانه قد قرر في الوقت ذاته ان مجلس الوزراء هو المهيمن على مصالح الدولة وهو الذي يرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الادارات الحكومية.
وعلى اساس من هذه النصوص الدستورية الصريحة، والاعراف البرلمانية فالاصل ان تطلق يد الحكومة في تصريف الشؤون العامة وفقا لما تراه محققا للصالح العام، في حدود الدستور والقوانين النافذة وان يمهد امامها الطريق لتعديل هذه القوانين متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، لا ان يضيق عليها الخناق لدرجة تفقدها القدرة على العمل، او تعوق نشاطها الحكومي والاداري».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:44 AM
ويمضي في هذا الاتجاه موجها حديثه لأعضاء المجلس، فيقول: «إن مجلسكم الموقر لا يألو جهدا في نقد اعمال الحكومة جملة، واعمال كل وزارة على حدة نقدا صريحا لا موارية فيه ولا مجاملة، وهذا حقكم بل واجبكم الذي ترحب به الحكومة كل الترحيب. ولكن هل من الصالح العام في شيء ان يضيع وقت السلطتين التشريعية والتنفيذية في موضوعات مكررة، او في اسئلة يشغل اعداد الاجوبة عليها اجهزة الحكومة ولا يفيد منها المجتمع شيئا؟ لانها لا تتناول في اغلبها الا مسائل شخصية، او لا يقصد بها إلا إحراج شخص وزير بالذات، او اثارة مناقشات جدلية لا طائل من ورائها، أليس من الافضل ان نركز على الموضوعات والاسئلة التي تعود على الشعب بالنفع العام، وان نرتفع بمناقشاتنا الى مستوى المسؤولية التي عهد بها الدستور ـ ايما عهد ـ الى الحكومة ومجلس الامة متعاونين فيما بينهما...؟».
وبكل معاني السمو والصدق والايمان بحق الوطن في البقاء والازدهار، وبحق المواطنين في حياة افضل، كانت دعوة الشيخ جابر الاحمد لمواجهة مواضع الخلل والتحديات بروح تضامنية شجاعة وعزيمة تعاونية لا يرقى اليها الملل او يصيبها السأم.. لقد جاءت دعوته، ليقول لابناء وطنه وشعبه: «علينا ان نضاعف جهودنا ونزيل كل عقبة في طريقنا، لرفع المستوى المادي والاجتماعي لمواطنينا الذين ما زال مستواهم دون ما نرجو لهم، ولتأمينهم وذويهم على حاضرهم ومستقبلهم.
علينا ان نوفر لجميع المواطنين بأقصر وقت ممكن، ومهما كلفنا ذلك، السكن الصالح فنزيد من بناء بيوت ذوي الدخل المحدود لتوزع على مستحقيها.
علينا ان نعيد النظر في اجراءات الاستملاك والتثمين ومشاكل التنظيم وتوزيع القسائم، كي يجد من ثمنت بيوتهم بديلا عنها بالسرعة اللازمة، وحتى لا تظل ممتلكات المواطنين معطلة بين ايديهم، فلا هم يستفيدون منها ولا هم يحصلون على تعويض عادل عن تعطيلها.
علينا تعجيل معاملات المواطنين وقضاياهم امام القضاء ودوائر الحكومة بقوانين تتفق وبيئتنا.
علينا ان نحقق لاحيائنا السكنية وقرانا وجزرنا مزيدا من العناية، مع التعجيل بتزويدها بالمرافق الحيوية الضرورية.
علينا ان نعيد النظر ـ منذ الآن ـ في أجهزتنا الادارية المختلفة على مستوى الادارة المركزية والادارة المحلية لإصلاح ما يحتاج منها الى اصلاح، وللتمهيد للتوسع ـ في الوقت المناسب ـ في نظام الحكم المحلي الذي يعتبر بحق اللبنة الاولى في صرح الحكم الديمقراطي في ظل توجيه الدولة ورقابتها طبقا لأحكام الدستور في هذا الشأن.
علينا ان نحمل العاملين في اجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات العامة على ادراك ان الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، هدفها مصلحة الجمهور والشعب عامة لا الأهواء الشخصية والمصالح الخاصة.
علينا ان ننسق سويا علاقات السلطتين التنفيذية والتشريعية لكي تعود للحكومة قدرتها على العمل المثمر لخير الجميع.
علينا ان نحمل الشركات العاملة في بلادنا، لاسيما القائمة على ثرواتنا الطبيعية، على تفهّم ان ما لها من حقوق يتطلب بالدرجة الاولى مراعاتها بالدقة اللازمة لكافة التزاماتها نحو الحكومة ونحو العاملين في هذه الشركات من المواطنين مع تحسين حالة هؤلاء بما يتمشى مع ما تحققه من منافع»..
هذا البيان التاريخي الذي أدلى به الشيخ جابر الاحمد امام مجلس الامة في بداية توليه ولاية العهد ورئاسته لمجلس الوزراء جاء معبرا عن حديث المجتمع الكويتي، وأماني وتطلعات شعب الكويت وهو يدخل عهداً جديداً، تقود رئاسة السلطة التنفيذية فيه شخصية اقتصادية متميزة عرفت بحنكتها وسعة افقها، وخبرتها ودرايتها بما يدور حولنا في عالم الاقتصاد والمال من تطورات ايجابية يعرف كيف يستفيد منها، واخرى سلبية يدرك ابعادها وكيفية تجاوزها والابتعاد عنها.
هذا البيان الذي هو بمثابة استراتيجية عمل لرئيس الحكومة، تناولته الصحافة المحلية بالتحليل والتعليق لمدة طويلة، تفاعل الكتاب والمحللون الاقتصاديون والاجتماعيون والسياسيون مع مضامينها الآنية وتوجهاتها المستقبلية.
هذه الحالة من الاستجابة والتفاعل التلقائي بين المواطنين ومضامين البيان لم تقف عند شرائح المثقفين والمفكرين من ابناء الكويت، بل ان صدى ذلك البيان الذي بدأ به الشيخ جابر الاحمد المرحلة الثانية من حياته السياسية والعملية بعد توليه ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، قد هز ارجاء دواوين الكويت وملتقيات اهلها ومنتدياتهم ليصبح حديث الناس والمجتمع كله.
وهذه الحالة من الامتزاج الفكري والوجداني بين المواطنين وبين الشيخ جابر الاحمد، فيما استعرضه من مشكلات مجتمعية، وما طرحه من حلول وافكار مستقبلية، لم تقف عند حدود الكويت، بل تجاوزتها الى وسائل الاعلام الخارجية التي اشادت بدورها بالبيان وبالكلمة وبالتحليل الموضوعي.
هنا، يشير عبد اللطيف البحر الى حوار جرى بين الشيخ جابر الاحمد وبين مجموعة من العاملين في الحركة العمرانية والمخطط الهيكلي للدولة والقائمين على الاسكان الحكومي ، فيقول: «.... واذكر في هذه المناسبة، عندما صارت ازمة السكن في الستينات، وكان قد تم توزيع القسائم السكنية الخاصة، وكان يجري بيعها، ثم فجأة اوقفوا البيع، وبدت بوادر الازمة السكنية، وكانت المشروعات والقسائم الحكومية ـ آنذاك ـ تقع داخل الدائري الرابع الذي انشىء عام 64/1965م، وليس خارجه..».
ويمضي البحر، فيضيف: «.... ومنذ حدوث هذه الازمة كان سموه يعطي كل اهتمامه لدراستها وحلها. فلما استحكمت حلقاتها طلب سموه ان نستدعي رئيس واعضاء مجلس البلدية لمقابلته، وطرح عليه فكرة الامتداد بالمشاريع الاسكانية الى ما بعد الدائري الرابع، حيث لم يعد هناك بديل آخر، وان الشباب مقبلون على الحياة ولهم احتياجاتهم، ولم يعد هناك قسائم تكفي. فقيل لسموه بأن هذه الاراضي تدخل ضمن املاك الدولة، وخارج تنظيم المدينة، فرد سموه بأن املاك الدولة هي للكويتيين ويجب توظيفها واستغلالها لخدمة احتياجاتهم الاجتماعية، وان الامتداد والنماء من سنة الحياة..».
ولو تتبعنا تحركات الشيخ جابر الاحمد البناءة، وانجازاته الوطنية خلال الفترة من 31 مايو عام 1966 حتى 31 ديسمبر عام 1977، وهي الفترة التي تولى فيها ولاية العهد ومقاليد رئاسة الحكومة.
لوجدنا انفسنا امام زخم من الافكار التي تسعى لمعالجة القضايا القائمة وطرح البدائل المناسبة برؤية مستقبلية تضع شأن الاجيال القادمة في اولويات حساباتها وبرامجها.. هذه الافكار والطروحات، وغيرها، جاءت ضمن بيانات ادلى بها امام مجلس الامة الكويتي في اكثر من خمس عشرة مناسبة.. متناولاً فيها الشأن المحلي بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، او مدافعاً عن قضية العرب الاولى ـ القضية الفلسطينية ـ بروح وطنية وقومية نالت الشكر والتقدير من الدوائر العربية كافة والمتعاطفين مع حركات التحرر الوطني في العالم. او داعياً للمشاركة في دعم عمليات التنمية في الدول العربية الاكثر احتياجاً، وفي الدول النامية الاشد فقرا، او مندداً بالممارسات العنصرية اينما كانت، وخاصة قضية الفصل العنصري في الجنوب الافريقي.
لقد اختار الشيخ جابر الاحمد دوماً منبر مجلس الامة للادلاء ببياناته الاصلاحية التزاماً بالواجب الدستوري، وايماناً بأن هذا المجلس هو بيت الكويتيين جميعاً، ومن خلاله تحدد المسؤوليات والواجبات والحقوق الوطنية، لتقوم كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية كل منهما في مجالها بتنفيذ ما يوكل اليها، وذلك تأكيداً لنص المادة الرابعة من دستور الكويت الذي حدد نظام الحكم في الكويت بأنه: وراثي محصور في ذرية المغفور له مبارك الصباح، وانه ديمقراطي، وان السيادة فيه للامة مصدر السلطات جميعاً. (المادة السادسة من الدستور).

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:45 AM
الشيخ جابر الأحمد
أميراً وحاكماً لدولة الكويت

في 20 ذو الحجة عام 1397 هـ الموافق 30 ديسمبر عام 1977م، انتقل الشيخ صباح السالم الصباح امير دولة الكويت الى جوار ربه، بعد ان ترك خلفه مسافة زمنية في الحكم امتدت زهاء اثني عشر عاماً حافلة بالعمل والمنجزات.
وكان الشيخ جابر الاحمد رفيق دربه ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، يمده دوماً بما يحمله في فكره من مشروعات انمائية، وتطلعات مستقبلية واعدة لخير الكويت وشعبها، ولأنه كان موضع ثقة كبيرة لدى الامير الراحل، فقد تمكن الاثنان من السير بالدولة والمجتمع خطوات الى الامام، ترك معها الامير الراحل بصمات على سجل الكويت، لا يزال الجميع يتذكرها لكونها باتت جزءاً من تاريخ الكويت الحديث.
لقد عاشت الكويت منذ القدم في احضان الشورى اسرة واحدة متضامنة متكافلة متراحمة، وكان نظام الحكم واختيار الحاكم جزءاً من هذا النظام منذ عام 1170 هـ الموافق 1758م، عندما اختار الكويتيون الشيخ صباح بن جابر (صباح الاول) حاكماً لامارة الكويت، من خلال بيعة شارك فيها الجميع.. تجاراً وبسطاء حرفيين ومهنيين، حضراً وبادية.
هذا النظام الشوروي ظل ثابتاً ومستقراً في النظام السياسي لدولة الكويت. لا يقبل التأويل او التفسير، خاصة بعد ان التحمت من جديد ارادة الامة ممثلة بالسلطة والشعب في المادة الرابعة من دستور الكويت لعام 1962م، والتي تنص على الآتي: «الكويت امارة وراثية في ذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح، ويعين ولي العهد خلال سنة على الاكثر من تولية الامير. ويكون تعيينه بأمر اميري بناء على تزكية الامير ومبايعة من مجلس الامة، تتم في جلسة خاصة بموافقة اغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
وفي حال عدم التعيين على النحو السابق، يزكي الامير لولاية العهد ثلاثة على الاقل من ذرية آل الصباح فيبايع المجلس احدهم ولياً للعهد. ويشترط في ولي العهد ان يكون رشيداً عاقلاً، وابناً شرعياً لابوين مسلمين.
وينظم سائر الاحكام الخاصة بتوارث الامارة قانون خاص يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بهذا الدستور وتكون له صفة دستورية، فلا يجوز تعديله الا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور».
وقد حرص الدستور الكويتي ان يظل رئيس الدولة اباً لابناء الوطن جميعاً، وذلك حين نأى بالامير عن اي مساءلة سياسية وجعل ذاته مصونة لا تمس (مادة 54)، كما ابعد عنه مسببات التبعة وذلك بالنص على ان رئيس الدولة يتولى سلطاته الدستورية من خلال وزرائه (مادة 55)، وهم المسؤولون عن الحكم امامه (مادة 58) وامام مجلس الامة (المادتان 101 و 102).
وعليه، فإنه من خلال هذه النصوص الدستورية، والقانون رقم (4) لسنة 1964م في شأن توارث الامارة، ونظام الشورى الذي عرفه الكويتيون، ولا يزالون متمسكين به، جاء اختيار الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح اميراً لدولة الكويت.
المبايعة ركن أساسي في نظام الحكم

في 21 ذو الحجة عام 1397هـ الموافق 31 ديسمبر عام 1977م بويع الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح اميرا لدولة الكويت اثر وفاة المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح، ليصبح الامير الثالث عشر في أسرة آل الصباح، وثالث امير لدولة الكويت منذ استقلالها.
وكان الشيخ جابر الاحمد، كما عرف عنه في الدوائر السياسية، وما كتب عنه في الصحافة العربية والعالمية، قد اعد اعدادا جيدا لتولي مهام عمله اميرا للبلاد. فقد كان مسؤولاً عن الامور المالية ومهتما بأمور التخطيط وشؤونهما منذ اواخر الخمسينيات، وولي عهد ورئيس وزراء نشط في العطاء والابداع، كان قريبا من قضايا الدولة والاحداث الجارية في المنطقة وفي العالم، وكان مشهودا له بحب العمل والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، والدقة في تناول القضايا.
وكان لهذه الصفات والمميزات وغيرها دور رائد في حركة الاصلاح والبناء التي شارك فيها بفاعلية منذ مطلع الاستقلال، فقد أرسى واقعا، وقواعد جديدة للدولة والمجتمع العصري، قائما على القانون والنظام والعمل ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا ما سهّل لدولة الكويت الدخول الى المجتمع الدولي وهي تملك رصيدا كبيرا من مقومات المجتمع الحضاري:
وفي ذلك التاريخ، اي في 31 ديسمبر عام 1977م، ادلى رئيس مجلس الوزراء بالنيابة وزير الاعلام الشيخ جابر العلي السالم الصباح ببيان اعلن فيه»... باسم اخواني وابنائي واولادي من اسرة الصباح وايمانا بما يتمتع به حضرة صاحب السمو اميرنا ووالدنا المفدى الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح من حنكة ودراية ورؤية مستقبلية ثاقبة، ولما يكنه سموه لخير هذا البلد، ولما يشعر به من العاطفة الابوية التي يشمل بها كل ابنائه الكويتيين، ولتمسكه بكتاب الله وسنة رسوله، وتمثله بتراث الآباء والاجداد الذين ساروا عليه عبر ثلاثمائة سنة، في هذا البلد... بلد ذي ثلاثة اسوار، فاننا نعاهده بان نكون ابناء وجندا له مطيعين، عنه مفتدين... عاشت الكويت وعاش جابر»...
وعلى اثر هذا البيان قام ابناء الشعب الكويتي بمبايعة الشيخ جابر الاحمد اميرا للبلاد، وهو نهج وسيرة تعارف عليها ابناء الشعب الكويتي حكاما وشعبا، وهي سيرة عطرة وسنة حميدة حرص عليها الجميع، كواحدة من مبادىء نظام الشورى في الحكم، فالحاكم لا بد ان يحظى بقبول واختيار الجميع، سواء كان ذلك على مستوى الاسرة الحاكمة او على مستوى الشعب عامة، وان تاريخ الكويت يشهد منذ ان اختير صباح الاول حاكما للكويت بان نهج الشورى كان اساسا في اختياره، وظل هذا النهج وبقيت تلك المبادىء قائمة الى يومنا هذا، فالجميع ارتضاه منهجا ومبدأ وطنيا، وعمل بموجبه ولم يشذ عنه، وجاء دستور الكويت لعام 1962م. ليؤكد بوضوح في مادته الرابعة هذه المبادىء والاعراف التي جبل عليها اهل الكويت، وساروا على هداها.
وامام هذه الرغبة الشعبية الاجماعية، وكاجراء دستوري قام الشيخ جابر الاحمد بأداء اليمين الدستوري في اليوم التالي، وذلك في اجتماع عقده مجلس الوزراء في قصر المسيلة برئاسة رئيس مجلس الوزراء بالنيابة ووزير الاعلام الشيخ جابر العلي السالم الصباح، جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

«اقسم بالله العظيم ان احمي الدستور وقوانين الدولة، واذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، واصون استقلال الوطن وسلامة اراضيه».
ثم قدم رئيس الوزراء بالنيابة وزير الاعلام الشيخ جابر العلي اكبر الاعضاء سنا من الوزراء حمود يوسف النصف، وهو وزير الاشغال العامة آنذاك، ليلقي كلمة في هذه المناسبة، جاء فيها:
«... يا صاحب السمو لقد فقدنا اليوم ببالغ الحزن والاسى اميرنا ووالدنا وقائدنا صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح، تغمّده الله برحمته ورضوانه، وألهمنا الصبر والعزاء، لقد اراد خيرا للوطن فألهمه الله ان يختاركم وليا لعهده، وتكون محله عند القضاء المحتوم لتكملوا مسيرة كويتنا العزيزة نحو تقدم ورفعة البلاد، ونحن واثقون انكم تحملون الامانة بكفاءة ومقدرة، لتواصلوا العهد من اجل الكويت، داعين لكم بالتوفيق والنجاح»...
وفي الثاني من يناير عام 1978م وجه الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت كلمة الى الشعب الكويتي أبّن فيها المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح طيّب الله ثراه... ذاكرا صفاته الحميدة وحبه لأهل الكويت ومكانته في قلب كل مواطن... مشيرا الى الدور الرائد الذي بذله في بناء الكويت الحديثة... آخذا على نفسه الوعد بان يسير على خطاه في عملية البناء والتحديث.

وفيما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

اخواني وابناء وطني،،،،
بقلوب مليئة بالحزن والأسى شيعنا والدنا البار، وقائدنا الحكيم، ورائد نهضتنا، فقيدنا العظيم المغفور له صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح الى مثواه الاخير.
لقد كان اميرنا الراحل والدا للجميع، احب الكويت واهلها حبا خالصا، وبادلته الحب والاخلاص، وكان وفيا لأمانيها وتطلعات شعبها، فبادلته الوفاء والولاء.
لقد كرّس كل حياته منذ صغره لخدمة هذا الوطن، وبقي يتحمل الاعباء والمسؤوليات على حساب راحته وصحته، وأدى واجبه كاملا حتى آخر لحظات حياته.
لقد كان لفقيدنا الكبير ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ مكانة رفيعة ومقاما ساميا في قلب كل مواطن من ابناء هذا البلد الامين، ولدى كل من عرفه من ابناء العروبة والاسلام، ولا استطيع ان اعبر عن مشاعري بصورة اعمق مما عبر عنها شعبنا العزيز في وداعه لقائده واميره، فقد عبّرت الكويت بأسرها عما تكنه من مشاعر اصيلة لفقيدها العزيز ومقدرة في الوقت ذاته لاشقائها في العروبة والاسلام مشاركتهم لها في مصابها الجلل.

اخواني،،،
لقد بذل الامير الراحل كل جهده من اجل تقدم وازدهار ورفعة وطننا الحبيب، حتى وصلت الكويت في عهده الميمون الى ما وصلت اليه، من مكانة محمودة لدى الدول الشقيقة والصديقة كافة، واحتلت مكانها اللائق في المجال الدولي، وسوف نكمل المسيرة الخيرة التي اختطها فقيدنا الكبير، ونسير على خطاها لنحقق لوطننا مزيداً من الانجازات في مختلف المجالات. وسنبذل كل ما في وسعنا من جهد ووقت لتحقيق ما يصبو اليه شعبنا من امن وأمان.
وفي الختام، اتوجه بالشكر والتقدير الى ابناء شعبنا الكريم كافة، والى المقيمين في رحاب هذا الوطن العزيز كافة والى كل من شارك في مواساتنا بمصابنا الاليم من الدول الشقيقة والصديقة.

وفقنا الله جميعاً
وسدد على دروب الخير خطانا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:45 AM
لقد اعتاد الشيخ جابر الاحمد منذ توليه رئاسة الحكومة ان يطرح على الشعب الكويتي، ومؤسسات المجتمع المدني في الكويت وعلى رأسها مجلس الامة الكويتي، برنامج عمله المستقبلي. شارحاً امانيه وطموحاته وتطلعاته لجعل الكويت بلداً ومجتمعاً حضارياً، وواحة امن وأمان للجميع، ينعمون بخيراتها ويتفيأون ظلالها، ويشاركون في بنائها وطناً عزيزاً للجميع، تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
نقول، لقد اعتاد الشيخ جابر الاحمد ان تكون له مثل هذه الوقفة، فهي فرصة يتاح من خلالها للشعب الكويتي ان يراجع معه ما تم انجازه تمهيداً للانطلاق معه الى المستقبل. وكان عند عادته، فحين وجه خطاباً سياسياً الى الشعب الكويتي يوم 14 فبراير عام 1978م، بعد انتهاء فترة الحداد الرسمي لوفاة الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، اعلن فيه عن رؤيته المستقبلية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والادارية، والعسكرية. مؤكداً ان الديمقراطية ليست مجرد الاطار الشكلي البرلماني، بل هي مفهوم حقيقي وممارسة شعبية فعلية نابعة من تراثنا وتقاليدنا، وفي هذا الصدد يقول: «..... لقد عاش شعبنا على هذه الارض الطيبة على مر السنين، تجمع بيننا اواصر القربى والتراحم، وتشدنا عرى التكاتف والتكافل، وقد الف الله سبحانه بين قلوبنا، وكان امرنا دائماً شورى، حتى غدت الشورى صفة اساسية للحكم، حرصت اجيالنا المتعاقبة على التمسك بها. فالديقمراطية متأصلة في نفوسنا جميعاً ككويتيين منذ القدم، الديمقراطية الصحيحة لا تعني مجرد الاطار الشكلي البرلماني، ولكنها تعني المفهوم الحقيقي والممارسة الفعلية للديمقراطية. وسنظل حريصين على ترسيخ ديمقراطيتنا الاصيلة بالمشاركة الشعبية النابعة من تراثنا وتقاليدنا، والتي سنعمل على تطويرها وانضاج ممارستها تلبية لمتطلبات مجتمعنا الجديد في اطار قيمنا واخلاقنا ومبادىء ديننا الحنيف...».
ويمضي مستقياً العبر من انجازات الماضي، فيقول: «.... اننا اذ نذكر بالتقدير ما قام به الآباء والاجداد من اعمال وتضحيات، وما خلفوه لنا من منجزات، يجب علينا ان نواصل مسيرتهم ساعين لتحقيق الافضل والمزيد من التقدم والرقي لوطننا ومجتمعنا. وان ما نطمح اليه اليوم ونسعى لتحقيقه في المرحلة الجديدة من نهضتنا، هو بناء كويت المستقبل والمجتمع الافضل الذي تتعزز فيه منجزاتنا القائمة على الحق والعدل والاخاء والمساواة والعيش الكريم للجميع، والذي نعمل فيه جميعاً اسرة متحابة من ا جل خير الوطن ورفعته....».
لقد تحدث الشيخ جابر الاحمد في هذا الخطاب الجامع عن جملة من التحديات العصرية الكبيرة التي تواجه مسيرة الدولة والمجتمع. مشيراً الى ان الاوضاع الادارية في المؤسسات العامة للدولة تحتاج الى تحديث وتطوير على جميع المستويات... تنظيماً واسلوباً وافراداً، كي تستطيع ان تواكب متطلبات المرحلة، ومعطيات علم الادارة الحديثة وتقنيتها. وهنا يشير الى الاوضاع القائمة بالنقد الموضوعي، والتوجيه البناء، فيقول: «.... ان بناء كويت المستقبل هو التحدي الكبير الذي يجب على جيلنا ان ينهض لمواجهته، وينذر نفسه لتحقيقه، وعلينا من اجل ذلك ان نشرع في بناء الدولة الحديثة التي تأخذ بأسباب التقنية المتقدمة، والاسباب العصرية في مختلف مجالات الحياة. ولعل اول ما ينبغي البدء به تحديث الادارة العامة والجهاز الوظيفي للدولة، وتطبيق المقهوم الحقيقي للوظيفة العامة باعتبارها خدمة عامة، وان الموظف العام من رئيس الدولة الى اصغر موظف في اجهزتها انما هو خادم لهذا الشعب الذي اعطاه ثقته، فيجب ان يصون هذه الثقة بالنزاهة والجدية ورعاية مصالح المواطنين دون اي تقصير او محاباة، وفي الوقت ذاته ينبغي النظر بعين الاعتبار لتحسين اوضاع العاملين في مختلف اجهزة الدولة من مدنيين وعسكريين، كما ينبغي تطوير وتحسين المرافق والخدمات العامة في القطاعات كافة، وتعديل القوانين والانظمة بما يكفل حل مشاكل المواطنين في تعاملهم مع وزارات الدولة وادارتها...».
وعلى مستوى البناء الاقتصادي، والمشاركة الشعبية في بناء المجتمع، يدعو الشيخ جابر الاحمد باستمرار الى ضرورة الاخذ بسياسة الاعتدال في استغلال موارد الدولة، وحسن استثمار عائداتها، وحفظ حق الاجيال القادمة فيه، منوهاً بنشاط القطاع الخاص ودوره المشهود في تاريخ الكويت، متطلعاً الى دور اكبر لجامعة الكويت والمعاهد والمراكز العلمية ومؤسسات المجتمع المدني في بناء كويت المستقبل، الا ان وقفته امام بناء الانسان الكويتي كانت وقفة طويلة، حين يقول: «... ينبغي ان لا نغفل حقيقة اساسية، وهي ان افضل واحدث المعدات والاساليب التقنية لا يمكن ان تؤتي الثمرة المرجوة منها ان لم يقم عليها الانسان الكفء الجاد المخلص. لذلك فإن عملية بناء الدولة الحديثة يجب ان تواكبها عملية بناء الانسان الكويتي، واعداده لمواجهة تحديات العصر. وسوف يكون للشباب النصيب الاكبر من عنايتنا واهتمامنا فكويت الغد هي كويت الشباب رجالاً ونساء تنبض عروقها الفتية بدم الاشباب، وتنطلق الى المستقبل الزاهر بعزيمة الشباب وخطاه...».
ويمضي ناصحاً الشباب نصيحة الوالد الموجه، فيقول: «.... اننا نريد شبابنا ان ينشأوا على الكفاح والجد والخشونة، والبعد عن الترف وحب المظاهر، مقتدين بآبائهم في الطموح وشدة المراس، وعدم الاسترخاء او التواكل....».
ومن الشباب الى المواطنين عامة رسالة مماثلة حملها اليهم، يقول فيها: «نريد للمواطنين عامة ان يقدسوا العمل الشريف أيا كان نوعه، وان يقدروا قيمة الوقت ويكرسوه من أجل خدمة مجتمعنا.. نريد للمواطنين ان يحرصوا على المرافق والاموال والخدمات العامة، فلا يسرفوا في استهلاكها،. وان يتحلوا بروح الايجابية والتعاون مع جهود الدولة للصالح العام، وان يدركوا ان المعيار الحقيقي للمواطنة هو بمقدار الاسهام في خدمة الون، وتحقيق التوازن العادل بين الحقوق والواجبات وبين الاخذ والعطاء.».
ويعود من جديد ناصحا ابناء وطنه، شارحا لهم ما يجيش في فكره وتطلعاته المستقبلية، فيقول: «ان وطننا يتطلع اليوم الى جيل مؤمن بربه ووطنه، يعكف على التزود بالعلوم والمعرفة والتقنية، ويجمع بين الاخذ بأساليب العصر الحديثة والتمسك بديننا وقيمنا ومثلنا واخلاقنا ويسعى الى اثراء حضارتنا العربية والاسلامية العريقة بانتقاء الارفع والانفع من ثمار الحضارات الاخرى بغير خضوع او انقياد لها..».
وعلى المستوى السياسي جاء صوت الشيخ جابر الاحمد معبرا بصدق وقوة عن مواقف الكويت الداعمة لقضايا الامة وحقوقها، المتمسكة بعروبتها الملتزمة بمواصلةسياستها الخارجية، القائمة على ثوابت قوامها الحياد والوسطية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول اخرى، ومما يشير اليه في هذا الصدد أن: «الكويت المؤمنة بدينها وعروبتها، ستظل وفية وصادقة مع نفسها واشقائها، وستظل تكافح من أجل تعزيز التفاهم والتقارب ووحدة الكلمة، منتهجة سياستها المعروفة نفسها تحاه شقيقاتها الدول العربية، محترمة التزاماتها وتعهداتها، ساعية نحو علاقات الأخوة والثقة المتبادلة، متمسكة بقرارات القمة العربية، ومخلصة لشعب فلسطين ونضاله الوطني».
ويمضي مؤكدا: «وستواصل الكويت انتهاج سياستها الخارجية الثابتة ، وستظل تبنى علاقاتها مع سائر الدول على اساس التقدير والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، دون تمييز بين شرق وغرب، وبما يخدم مصالحنا الوطنية وقضايانا القومية».
وفي نهاي هذا الخطاب السياسي، توجه الشيخ جابر الاحمد الى ابناء شعبه حاملا اليهم ما يختلج في نفسه وفكره من نوازع الخير لوطنه.. طارحا امامهم تصوراته المستقبلية لكويت الغد.. داعيا الجميع للعمل يدا واحدة. بقوله: «لا يظن اي فرد منكم انه غير مسؤول، او ان المسؤولية يتحملها غيره، فكلنا اخوة متساوون، لا فرق بين كبير وصغير، غني وفقير الا بالحق وخدمة المواطن. وكلنا اخوة متحابون وابناء بلد واحد، ولا مكان للحسد او الحقد في نفوسنا، والكويت لنا جميعا، وعلينا جميعا مسؤولية بنائها، والذود عنها، ودفع عجلة التقدم والرقي فيها. ولكل واحد منا دوره وواجبه ومسؤوليته. وعلى جيلنا الحاضر مسؤولية جماعية خاصة، تفرضها تحديات عصرنا وطموحنا لان نجعل من الكويت مجتمعا حضاريا رائدا».
ويضيف مشجعا الارادة والهمم، فيقول: «هذا هو قدر جيلنا، وعلينا ان نرتفع الى مستواه.. نحمل عن طيب خاطر عبء المسؤولية التي سبقنا الى حملها الآباء والاجداد وننذر انفسنا للقيام بها خير قيام، ثم نسلمها حين يشاء الله لمن بعدنا. وحسبنا ان يقال عنا ـ حينئذ ـ أننا أدينا الامانة، وحافظنا على كويتنا الحبيبة، واضفنا لبنة الى صرحها العتيد..!».
وكان في قمة الصدق والايمان بارادة شعبه، حين وقف مناشدا: «انني ايها الاخوة اذ اتحدث اليكم هذا الحديث ادعوكم جميعا ان تعينوني بسواعدكم.. تعينوني بمشورتكم. تعينوني باقتراحاتكم. فنحن اقوياء بتكاتفنا.. اقوياء بتعاضدنا.. اقوياء برباط المحبة والتعاطف بيننا».
لقد أراد الشيخ جابر الاحمد من خلال هذا البيان التاريخي ان يقف على نبض الشارع الكويتي حول مجمل المشكلات المجتمعية، وبخاصة الاجتماعية منها والاقتصادية والاستئناس برأي قطاعات الشعب المختلفة ومؤسسات المجتمع حول خطط الدولة المقبلة، والتعرف على مرئياتهم بشأن التداعيات الحضارية التي صاحبت انتقال المجتمع من حالته البسيطة وعلاقاته الاولية الى دولة عصرية يسودها النظام والقانون.. انها صورة من صور الديمقراطية والمشاركة في تحمل مسؤولية بناء الوطن والمواطن.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:46 AM
سموه يدشن فترة حكمه باللقاءات مع الشعب وفعاليات المجتمع الأمير يعتمد الاتصال المباشر بالمواطنين أساساً لتلمس معاناتهم ومشكلاتهم
اللقاء بالشعب وفعاليات المجتمع

لقد وجد الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت ان الخطوة التالية لتحركاته لا بد ان تكون من خلال الاتصال المباشر بالمواطنين، سواء أكان على المستوى الرسمي ام الشعبي، ذلك لان معاناة الناس ومشاكلهم لا يمكن تلمسها والاحساس بها الا عن قرب، ومن خلال المعايشة الشخصية لها، وان الافكار والمبادىء والبرنامج المستقبلي الذي طرحه في كلمته السياسية، ووجهه للشعب الكويتي بمناسبة انتهاء فترة الحداد الرسمي على الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، لا بد ان تصل الى كل مواطن والى جميع شرائح المجتمع، وذلك في محاولة للوقوف على ردود الفعل لتلك الكلمة التي حاولت ان تحدد معالم المسيرة الكويتية المستقبلية.
نقول، من هذا المنطلق كان للشيخ جابر الاحمد زيارات ولقاءات مع المواطنين في مناطق سكنهم، اتيحت الفرصة فيها لكل مواطن ان يعبر عما يختلج في صدره، وان يسأل ما يريد في جو اسري، وعلاقات تسودها الديموقراطية والكلمة الصادقة، وكانت اجاباته وردوده على تلك التساؤلات بمثابة اشارة للمراقبين عما كان يريد ان يقوله لابنائه وشعبه، وماهي الرسالة التي كان يحملها لتصل اليهم نقية صافية في لقاء الوجه للوجه.
ففي 24 ابريل عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع الرعيل الاول، رجال البحر، جمعهم في مأدبة عشاء اقامها لهم في منزله بقصر دسمان، وكان له كلمة في هذا اللقاء، نذكر منها: «... يسعدني جدا ان اجتمع بالرعيل الاول، وفي الواقع انهم يمثلون آباء لي، وفيهم من يمثل اخوانا لي، واني اؤكد بأنني دائما لهم، ولا احب ان اسمع بان هناك مظلوما او محتاجا او عنده مشكلة، فبابي مفتوح لكم جميعا فاعتبروني ابنا لكم، وهذا في الواقع لا ينطبق فقط عليكم انتم بالذات، بل على كل كويتي، ارجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ ان يوفقنا لما فيه خير هذا البلد وعزته»....
وبتاريخ 26 ابريل عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع الضباط في سلاح الطيران والدفاع الجوي الكويتي، حيث تفقد قاعدة احمد الجابر الجوية مستمعا الى شرح مفصل من كبار ضباط سلاح الطيران عن طبيعة وسير العمل. وقد القى في هذه الزيارة كلمة، جاء فيها: «... لقد أثلج صدري ما رأيته اليوم في سلاح الطيران والدفاع الجوي، حيث انه احد المرافق الاساسية لحماية بلادنا وامتنا العربية، وان ما رأيته اليوم ليدل على ايمان وتصميم شبابنا ورجالنا على الذود عن بلادهم وامتهم العربية»...
ويمضي مؤكدا: «... انني أحرص دائما على الاتصال بفئات الشعب كافة حتى نكون اقرب الى بعضنا، ونوثق روح الاسرة الواحدة التي بيننا، وانني على ثقة من ان شبابنا قادر على تحمّل مسؤولية الدفاع عن الوطن والامة، ولن تكون زيارتي هذه لكم الاخيرة، بل سأزوركم مرات عديدة، وأتمنى للجميع في القوات المسلحة كل توفيق في كل خطواتهم الهادفة الى حماية هذا الوطن، وهذا الشعب، وهذه الامة»...
وبتاريخ 2 مايو عام 1978م التقى الشيخ جابر الاحمد مع رئيس واعضاء مجلس الادارة الجديد لجمعية الصحفيين الكويتية، فتحدث اليهم بانفتاح وصراحة كاملة، قائلا: «... اننا نريد من الصحافة الكويتية ان تكون عامل بناء دائما، وهذا لا يعني اننا نصادر حق النقد، بل اننا نرى ضرورة قيام الصحافة بالنقد البناء»...
ويضيف قائلا: «... انني اتابع ما تكتبه الصحف الكويتية، وأبحث عن النقد، لانني كمسؤول لا يمكن ان ألم بكل شيء، ولهذا فانني اعتمد على ما تكتبه الصحف من نقد، ومن هنا، فانني ارجو ان تكون صحافتنا على مستوى المسؤولية، وان تناقش مشاكل الكويت بكل موضوعية، وتوجه المسؤولين الى ما فيه مصلحة الكويت، وهذا يستدعي ان تكون هناك علاقة بين الصحافة والمسؤولين»...
ويستطرد في الحديث فيقول: «... انني من جانبي على استعداد، وفي اي وقت، لاستقبالكم وسماع مشاكلكم، كما ارجو ان تكون لكم لقاءات مع المسؤولين، وتأكدوا انهم يرحبون بذلك، سواء سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء او الوزراء او اي مسؤول في الدولة، لان الصحافة لها دور كبير في رصد اتجاهات الرأي العام، وهذا يهمنا...».
وبتاريخ 8 يونيو عام 1978م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة محافظة الفروانية، حيث التقى هناك بابنائه ورجالات المنطقة، وذلك للوقوف والاطلاع عن كثب على اوضاع المنطقة ومشاكلها الحياتية، ففي حديثه مع المواطنين هناك، اشار: «... ان زيارتي لبعض المناطق التي تنقصها أمور كثيرة من الخدمات هي لتأكيد رعايتنا لهذه المناطق حتى تصل للمستوى المطلوب، كما هي الحال في المدينة....».
ويمضي قائلا: «... انه امر طبيعي في كل بلدان العالم ان تنمو العواصم قبل غيرها من المناطق الاخرى، لكن الواجب يحتم ان تنمو كل المناطق، وتنهض معا»...
ويحاول ان يلامس الواقع، فيقول: «... انني لم احضر هنا لألقي كلمات او خطب، بل جئت اليكم وانا مؤمن بالعمل الجاد والمثمر، ولا تفرقة عندي بين المدينة والقرية لان الجميع سواسية، وجميعكم اخوة اعزاء عندي...».
ويختتم حديثه بالقول: «... من الطبيعي ان ينظر الانسان للمفاهيم نظرة الحريص على تحقيقها، وهدفنا هو الصالح العام، وانني ادعوكم الآن لترك الرسميات واطلب منكم حوارا مفتوحا، فدعونا نتحدث في محبة وسعادة من اجل رفع مستوى الوطن والمواطن»...
وبتاريخ 10 يونيو عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع مواطني محافظة الاحمدي، حيث تحدث اليهم قائلا: «... الحقيقة انني سعيد بالاجتماع مع اخوة لي اليوم، كما استمعت لاخوة لهم في الاسبوع الماضي. وفي الواقع ـ كما ذكرت في لقائي السابق ـ انني لا اريد القاء الكلمات او الخطب، وانما نحن في ديوانية كبيرة نستمع ونبحث عن الحقيقة. فهناك امور عديدة يجب ان تتوفر لكم في المنطقة.. أمور تهم الجميع وللصالح العام. اما الامور الخاصة او التي تهم فرداً معيناً، فلا مجال هنا لطرحها . ان ما يجب الاستماع اليه هو امور المنطقة التي تهمنا بشكل عام... هذه الامور هي التي اريد بحثها هنا مع اخواني ابناء المنطقة...».
وحول ذكرياته في هذه المحافظة قال: «.... ان محافظة الاحمدي لها وقع عزيز على نفسي، لانها كانت اول عمل رسمي لي، حينما كانت مدينة الاحمدي مجرد بيوت متناثرة من الخيام والبيوت الخشبية. وان عملنا بهذه المدينة ـ آنذاك ـ لم يدفعنا للتأفف والاحتجاج، بل ان خدمة الوطن دفعتنا للعمل في اي مكان وفي اي موقع..».
وبتاريخ 18 يونيو عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع مواطني محافظة الجهراء اكد فيه على اهمية روح التعاون والاخوة المستمرة بين ابناء الشعب الكويتي. وقال في معرض حديثه لاهالي المنطقة«... الحقيقة كما سعدت بلقاء اخوان لكم في المناطق التي زرتها، يسعدني ان ازور اخواني في هذه المنطقة.
ان مثل هذه الزيارات في الواقع يجب ان تستمر لمعرفة ما يجري، ومعرفة المتطلبات التي تهم المناطق، والتي يجب علينا كمسؤولين ان نلبيها لهم، انطلاقاً من الثقة التي اولاني اياها الشعب الكويتي لاحتل هذا المركز، من ثم فإن الواجب يحتم عليّ ان اتفقد احوال هذا الشعب لاكون عند ثقته...».
ويمضي في حديثه ، فيقول: «... اليوم أزور هذه المنطقة، والجهراء بالذات ستكون آخر زيارة لي من هذه الزيارات في الوقت الحاضر، وآمل ان أتمكن من زيارة مناطق اخرى كلما دعت الحاجة الى ذلك. ان الجهراء لها شرف احتواء القصر الاحمر الذي يمثل ويرمز الى الشجاعة والى التضحية ويرمز الى التعاون الذي صمد امام من حاولوا المساس بتراب الكويت، والذي كان نقطة تغيير في تاريخ الكويت.
ولو حصل ـ لا سمح الله ـ أي تخاذل، او حصل اي تسليم من قبل من كان يحمي هذا القصر، لكان قد حدث مالا تحمد عقباه. ولكن بالصبر والشجاعة والتضحية والمساندة، عندما استنجدوا باخوانهم في الكويت، هبت الكويت عن بكرة ابيها لمساندتهم في الدفاع عن ارضهم. ان هذا المنطق يؤكد حقيقة واحدة، وهي انه بالتعاون المستمر بين ابناء الشعب الكويتي في سبيل وطنهم وفي سبيل ارضهم، نجح ابناء الكويت في صد الكثير ممن حاولوا ان يمسوا تراب هذا الوطن، او كانت لهم اطماع في هذا البلد...و.
وينتهي من حديثه مؤكداً لمحدثيه انه «... بالتعاون المستمر، وبالتآخي وبانكار الذات، سنصل دائماً الى هدفنا المنشود في الحفاظ على استقلال بلدنا، وارض بلدنا...».
وبتاريخ 28 يونيو عام 1978 كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع ضباط ومسؤولي القطاعات التابعة لوزارة الداخلية، بعد ان تفقد اهم ما حققته الوزارة من اعمال وانجازات. وكان له في هذا اللقاء كلمة، جاء فيها: «... قبل فترة زرت اخواناً لنا في الجيش وفي سلاح الطيران والحرس الوطني، واليوم ازور اخواناً لي في وزارة الداخلية. وقد استمعت الى شرح من مختلف الادارات التابعة للوزارة، ويمكن ان يكون هناك ملاحظات لا مجال هنا لشرحها، لكنني اقول ـ بشكل عام ـ اننا كمسؤولين، من اكبر واحد في هذه البلد الى اصغر واحد، علينا ان نجد، وعلينا ان نجتهد وان نخلص..».
مشدداً هنا على كلمة: (النزاهة... النزاهة.. ثم النزاهة في عملنا).
موجهاً حديثه لجميع العاملين بالاجهزة الرسمية في الدولة دون استثناء، حين قال: «... يجب الا تغرينا المسائل المادية، وان لا تؤثر على الوظيفة التي كلفنا بها، ونحن هنا كمسؤولين جئنا لخدمة شعبنا، ويجب ان نكون عند ثقة هذا الشعب فينا...».
ويمضي مؤكداً: «... وفي الواقع انا احب ان اوجه هذا الكلام بصفة عامة، وليس فقط للمسؤولين في الداخلية او في الادارات الاخرى، انما كمسؤولين.. مني شخصياً الى اصغر واحد فينا...»
وهنا استدرك ملاحظة على قدر من الاهمية، حين اشار: «... لكن هنا احب ان ابرز نقطة واحدة خاصة برجال الشرطة والامن، وهي ان المواطن ينظر الى الشرطي وكأنه عدو له، ومن المؤسف ان هذه النظرة ليست في الكويت وحدها وانما في مختلف البلدان. وهنا، يجب ـ كرجال شرطة ـ ان نشعر هذا المواطن بأن وجودنا هو لحماية حياته، ولحماية ارضه، ولحماية ماله ـ وعلينا بالصبر ازاء بعض التصرفات التي يقوم بها المواطن، فمن واجبنا ان نكون لطيفين معه. ومن واجبنا ايضاً ان نهديه الى الطريق القويم. لكن هذا لا يعني انه ليس هناك بعض المستهترين الذين يتحدون القوانين، او يتحدون كرامة رجل الشرطة، مثل هؤلاء يجب ان نقف منهم موقفاً صارماً، ولا نسمح لهم بذلك، لان رجل الشرطة او رجل الامن له كرامته مثل اي شخص آخر...».
ويضيف في هذا الاتجاه قائلاً: «..... في الواقع هناك اشياء وملاحظات كثيرة يمكن بحثها مع الوزير لامكانية تلافيها في المستقبل، ولا مجال الان لذكرها. وما احب ان اقوله لكم الان هو ان نعمل بجد واخلاص، مترفعين عن كل شيء يؤثر على عملنا ووظيفتنا، اذا اردنا ان نرضي الله ـ سبحانه وتعالى ـ اولاً، وان نرضي ضمائرنا ثانيا. لان العمل الذي نقوم به عمل جاد وهادف...».
وبتاريخ 10 يوليو عام 1978م اقام الشيخ جابر الاحمد في منزله بقصر دسمان مأدبة عشاء تكريما لرجال الدين، القى خلالها كلمة ترحيبية بالحضور، جاء فيها: «.... ان مهمتكم كبيرة ازاء مواطنيكم، وازاء المسلمين عامة، انكم تعملون ما في وسعكم لتنبيه المسلمين الى ما امر الله ـ سبحانه وتعالى ـ به وما نهى عنه، متبعين في ذلك سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم...».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:46 AM
ويستطرد قائلاً: «... اننا نجتمع الليلة لنتدارس ولنتباحث في الامور التي تهم ديننا وعقيدتنا السمحة، وما تفرضه هذه العقيدة من واجبات علينا. وقد كلفت الاخ وزير الاوقاف بأن يشكل لجنة من اخوانه رجال الدين،لتكون على اتصال معي في الامور التي تهم ديننا وعقيدتنا. هدانا الله ووفقنا لما فيه خير هذه الامة...».
وبتاريخ 2 اغسطس عام 1978م تفقد الشيخ جابر الاحمد اللواءين الخامس عشر والسادس للجيش الكويتي، بادئاً زيارته للواء الخامس عشر، وبعد ان استمع الى شرح حول الواجبات المناطة باللواء وحدود مسؤولياته، توجه فألقى كلمة بضباط اللواء، جاء فيها: «.... ان زيارتي لكم هي لاستمرارية الاتصال بكم، وليكون المسؤول الاول مع ضباطه دائماً، يتحسس الامور التي تعود بالمصلحة العامة على هذا البلد وشعبه الوفي...».
وكان اللقاء الثاني مع اللواء السادس الذي وجه له كلمة، جاء فيها: «.... ان هذه الزيارة ستتبعها زيارات اخرى لجميع مؤسساتنا العسكرية التي هي اهم جزء في مجتمعنا الكويتي...».
ويمضي ليضيف: «... لاشك، ان المهمة كبيرة، والمسؤولية شاقة، فعلينا ان نتحمل جميعاً الدفاع والذود عن هذا البلد كل من موقعه، اننا بالاخلاص والوفاء سنصل للهدف المنشود لنا. ثقتي بكم كبيرة لرفع مستوى هذا الجيش الى المكان اللائق به لخدمة وطننا وشعبنا الوفي وأمتنا العربية...».
وبتاريخ 15 اغسطس عام 1978م كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع رواد الرعيل الاول من ابناء الكويت، وكانت لفته كريمة منه حين قام بزيارة المقهى الشعبي الكائن في منطقة السالمية، وذلك في اطار الزيارات التي حرص على القيام بها بعد توليه مقاليد الحكم، حيث تبادل الاحاديث الاسرية مع الرواد الاوائل والبحارة القدامى. ومما جاء في حديثه في هذا التجمع الشعبي: «... انتم الذين قامت الكويت على سواعدكم وعلى اكتافكم... انتم ابناء اولئك الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الكويت. ولا انسى ايضاً كثيراً من التجار الذين دفعوا اموالهم عندما احتاجت الكويت لهذه الاموال في سبيل الدفاع عنها...».
ويمضي في هذا الحديث قائلاً: «... نحن كلنا نعيش في حلقة واحدة لا نسمح لأي واحد ان يدخل فيما بيننا.. اننا اخوان، واننا اهل ديرة واحدة، ولا يوجد بيننا حجاب ولا بيننا مانع، وان شاء الله تدوم هذه المحبة لما فيه مصلحة بلدنا وعزة بلدنا. واننا ما دمنا متكاتفين متضامنين متحابين فلن يقدر احد على ان يدخل او يتدخل بيننا..».
وبتاريخ 18 اكتوبر عام 1978م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة جمعية المكفوفين الكويتية متفقدا فيها المطبعة، وقسم الكهرباء. والمكتبة الصوتية والبصرية، مطلعا على احوال المكفوفين متلمسا احتياجاتهم وما يواجهونه من مشكلات حياتية.
وقد ألقى كلمة امام اعضاء الجمعية، جاء فيها: «جئتكم اليوم لأشعركم بانكم فئة من هذا المجتمع يجب علينا ان نقدم لها كل ما نستطيع من أجل اسعادها. لقد لاحظت في زيارتي هذه النشاطات التي تقوم بها الجمعية، وهي ان كانت محددة، فان سبب ذلك يرجع الى عدم استطاعة الجمعية في مقرها الحالي ان تتوسع في نشاطاتها. ونحن الان بصدد مساعدة جميع جمعيات النفع العام والاسهام في منشآتها..».
وأضاف قائلا: «ومن الطبيعي ان جمعيات المعاقين سواء المكفوفون، ام الصم والبكم، وغيرها من جمعيات النفع العام، لها الحق في ان نوفر لها كل ما نستطيع حتى لا يشعر اعضاؤها باي نقص، ولكي يشعروا بان هذا الوطن مثل ما يسعد الفئات الاخرى في المجتمع، فانه يجب عليه ان يسعدهم اولا وان يضعهم بعين الاعتبار. واذا كنا قد تأخرنا في السنوات الماضية، ارجو من الاخوان ان يعذرونا، فقد انشغلنا باشياء كثيرة، وارجو ان نتمكن من انجاز المشاريع الخاصة بالمعاقين، وبالذات انديتهم الجديدة، وان نتمكن من تحقيق رغباتكم قريبا».
ان الخطاب السياسي الذي افتتح به الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت عهده الجديد لم يكن خطابا تقليديا، او ردة فعل لأوضاع محلية معينة او مؤثرات خارجية، بل كان بيانا الى الامة والشعب الكويتي، يدعوهم ويحفزهم لاستقبال مرحلة نهضوية من مسيرة المجتمع، يتوسم فيها الخير كله، اذا تضافرت الجهود وحسنت النوايا من أجل تحقيق نقلة نوعية في جميع نواحي الحياة، ومختلف مجالات العمل والانتاج التي يمكن أن تساهم في دفع عجلة التقدم والارتقاء نحو الأفضل.
فاذا كان الشيخ جابر الاحمد قد بدأ مرحلة ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء ببيان شمولي، وانجازات سريعة واكبت ما ورد في البيان من افكار وطروحات، فان بداية عهده بالحكم قد بدأها ايضا بخطاب سياسي واكبه تحرك شخصي على المستوى الشعبي، سواء بزيارته لمؤسسات المجتمع المدني ام زيارة المواطنين في اماكن تجمعهم.
لقد كان الخطاب واضحا، ومحددا للاهداف والغايات، وشاملا لجملة من القضايا المجتمعية التي تبحث عن حلول سريعة، او استكمالا لخطوات تنموية بدأها سلفه الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح.. بعبارة ثانية، جاء الخطاب بمثابة برنامج عمل يقوم به خلال مرحلة انتقالية اراد بها تحقيق شيء من النقلة النوعية التي اشار اليها، وسبق ان كررها في خطاباته وبرامج حكومته امام مجلس الامة الكويتي خلال الفترة التي ترأس فيها الحكومة، او في مناسبات معينة، او من خلال تصريحات صحفية.
إن الشيخ جابر الاحمد في زياراته لمؤسسات المجتمع المدني والتجمعات الشعبية التي لا يزال ملتزما بزيارتها في المناسبات، وخاصة خلال شهر رمضان الفضيل. انما يمثل متابعة حية لشؤون الوطن، ومسحا ميدانيا عمليا لقضايا المواطنين وتطلعاتهم إلى المستقبل» هذه الزيارات بلا شك تمنحه رؤية حقيقية لمتطلبات الناس، وتجعل اتجاهاته الفكرية في مختلف المجالات، سواء اكان على مستوى التخطيط ام التنفيذ، تحاكي تلك التطلعات المستقبلية.. وهذا ما سنقف عليه في الفصل القادم من الكتاب.
ولكننا قبل ذلك نستمع الى عبداللطيف البحر في تعليق له على مجمل هذه الامور حين يقول: «كان لدى سموه حس خاص باهمية روح الاسرة الواحدة والمحافظة عليها، وحثه الدائم على التعاون والتكاتف بين ابناء الكويت، وما خلا خطاب وجهه لشعبه الا ضمنه النصح والارشاد».
ويمضي «البحر» في هذا السياق. فيقول: «وسموه دائم التواصل مع حميع فئات شعبه، يستمع الى آرائهم وطروحاتهم وقضاياهم ومشاركتهم في افراحهم واتراحهم. وكذلك حضوره للديوانيات لإثراء النقاش العفوي حول القضايا المحلية وغيرها. وكذا زيارة المواطنين في اماكن تجمعاتهم في المناسبات كشهر رمضان والاعياد. وان معظم قراراته نابعة من واقع هذا التواصل واحساسه بشعبه واحتياجاتهم وسبر غور مشاعرهم».
وفي هذا السياق والاتجاه يحدثنا بدر النصرالله، فيقول: «كان سموه قريبا من حميع فئات الشعب، حريصا على زيارتهم في مناسباتهم المختلفة.. محبوبا وله حضور وقبول لدى جميع فئات الشعب. وكان في حياته مثالا للتواضع في سكنه ومعيشته، فأحس كل فرد في المجتمع الكويتي بانه منهم. ولدي مثال على ذلك، اذ ان ما يسمى بصالة الجوهرة في قصر دسمان. ما هو في الواقع الا مبنى متواضع. كان يتخذه سموه مكتبا ثانيا له، يجتمع فيه بعامة الناس والمسؤولين عند الساعة الرابعة بعد العصر لمناقشة مختلف الموضوعات والمشاريع. وكان هذا المبنى يعتبر مطبخا لافكار الشيخ جابر الاحمد..».
هكذا، يتضح لنا من هذه الحوارات واللقاءات مدى التصاق الشيخ جابر الاحمد بشعبه وابناء وطنه التصاقا وعلاقة ألغت جميع مظاهر الرسميات التي تحاط عادة برئيس الدولة. فعلاوة على اتباعه لسياسة الباب المفتوح في عمله. ولقائه المباشر بالمواطنين في ديوانية يوم السبت من كل اسبوع فان انتقاله الى اماكن تجمعات المواطنين وزيارتهم في مناطق اقامتهم، وتفقد جمعياتهم ومؤسساتهم التطوعية بين حين وآخر، لدليل قاطع على قوة ومتانة العلاقة الابوية والاخوية التي تربط شعب الكويت بالشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح رئيس الدولة.

الكويت كانت تشغل تفكيره ومعاناة شعبها شظف العيش ـ قبل النفط ـ كانت هاجساً يقلقه الأمير: أنا تقدمي في حدود وأمقت التمدن الزائد الذي يعبق جوه بالرذيلة والشر
الاتجاهات الفكرية للشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح

كانت اهتمامات الشيخ جابر الأحمد متعددة منذ ان دخل معترك العمل السياسي وهو في الحادية والعشرين من العمر، فالكويت كانت دوما تشغل حيزا واسعا في تفكيره. وشعب الكويت، وما كان يعانيه من شظف العيش وقساوة الحياة قبل تدفق عوائد النفط، كان هو الآخر هاجسا كبيرا يقلق تفكيره ويشده دوما للمشاركة في تخفيف تلك المعاناة، وللسعي الدؤوب لايجاد الحلول التي تتناسب وامكانات الكويت في ذلك التاريخ البعيد....
هذه الرؤية المبكرة ـ وهو لا يزال في خطواته الاولى في حياته العلمية ـ دفعته لان يلتصق بالناس ويتنقل بينهم ويستمع اليهم، وقد كان اتباعه لسياسة الباب المفتوح في الادارة، منذ ذلك العهد الذي كانت الكويت فيه لا تعرف الادارة بمفهومها الحالي، من الروافد الاساسية لتعرف معاناة اهل الكويت والوقوف عليها، ومحاولة ايجاد الحلول المناسبة لها.
هنا، نقف قليلا مع بعض رفاق العمل في نهاية عقد الخمسينات ومطلع الستينات، حيث يحدثنا فيصل المزيدي، فيقول: «... لقد تعرضت الكويت مثلها مثل بقية دول العالم لمشاكل سواء أكانت اقتصادية ام سياسية، وحسب علمي فإن الشيخ جابر الأحمد لم يلجأ قط الى حل يضر الناس كخفض الرواتب او العلاوات او تخفيض قيمة العملة، بل كان يلجأ في معالجاته للازمات الى تقليص المشروعات في الباب الثالث من الميزانية العامة للدولة على حساب الابواب الاخرى، وذلك حتى لا تتأثر معيشة الناس بالأزمات والمشاكل المحلية والاقليمية والعالمية، خاصة انه هو من رفع شعار مجتمع الرفاه، وهو من عمل على اعادة توزيع الثروة من خلال تثمين البيوت القديمة، ومن خلال توفير فرص العمل وفتح باب التوظيف في القطاع الحكومي....».
اما عبد اللطيف البحر فانه يحدثنا عن جانب اخر من هذا الفكر، حين يقول: «... وعلى الصعيد المحلي كان اهتمام سموه ببناء الانسان الكويتي من اولويات مشروعاته، فكانت النهضة التعليمية التي عمت البلاد، والتي تشهد بكفاءة التخطيط، علما وفكرا واسلوبا يتلاءم وروح العصر في شتى المجالات، فكان التوسع في التعليم العالي، وايفاد البعثات الى الخارج على نفقة الحكومة، بجانب البعثات على نفقته الخاصة»...
من جهة اخرى، يحدثنا حمزة عباس فيقول: «... ان فكر سمو الشيخ جابر الاحمد كان وراء كل نجاح اقتصادي في الدولة، وكان هو المؤسس لكثير من المشروعات الاقتصادية والشركات المساهمة، وهو رائد حركة التصنيع بدءا بالصناعات البتروكيماوية، كما انه كان قائد ومنظر الاستثمارات الخارجية بجانب قيادته لبداية تنظيم الاقتصاد الوطني الحديث منذ رئاسته لدائرة المالية عام 1959م»...
ويضيف بدر النصرالله في هذا السياق، حين يقول: «... لقد لمست طوال عملي معه ان لديه فكرا واضحا واهتماما فطريا بالمسائل الاقتصادية، فهو باني أسس مسار الاقتصاد الكويتي، بجانب قيادته وتوليه لأمور النفط وشركاته وعوائده، ووضعه لسياسة الاستثمار، وتنظيم العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول، وتوزيع مداخيل النفط وعوائده على الشعب، بجانب مساهمته في نهضة الكويت وتقدمها وتطوير الخدمات بها....».
وعليه، وبعد تقديم بعض من الشواهد والوقائع الدالة على فكر الشيخ جابر الاحمد، ومن خلال اشخاص عايشوه وعملوا معه منذ البدايات الاولى لعمله الرسمي، دعونا نبحر في رحلة علمية وعملية مع فكر الشيخ جابر الاحمد عبر مسيرة طويلة، وقنوات متعددة، فهي خير معين لنا للوقوف على شخصية هذا الزعيم العربي، والتعرف على اسلوب تفكيره ونهجه في تشخيص واقع الحال في وطنه وامته، وما يدور في العالم من تطورات وصراعات، وكذا استشراف تطلعاته المستقبلية لخير هذا الوطن وأمته العربية، وسعيه الدؤوب لضم صوته الى تلك الاصوات النزيهة والشريفة الداعية لخير البشرية اينما كانت، والدعوة الى اقامة عالم نظيف يسوده سلام عالمي بعيداً عن الحروب والنزاعات، ومجتمع انساني يتحقق فيه شيء من العدالة والكفاية الاجتماعية وضمان حقوق الانسان.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:46 AM
الفكر المجتمعي

كان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح حاكم دولة الكويت، متابعا جيدا للتداعيات والافرازات الاجتماعية التي صاحبت رياح التغيير التي هبت على الكويت بعد تدفق عوائد النفط عليها، وانفتاح المجتمع لاستقبال افواج العمالة العربية والاجنبية الوافدة للمساهمة في بناء كويت المستقبل، وكذلك خروج افواج من الكويتيين لزيارة دول حضارية متقدمة، وخاصة في اوروبا الغربية والولايات المتحدة الامريكية، وبعض الدول العربية، وكذا افواج من الطلبة الكويتيين الذين خرجوا من خلف اسوار الكويت لأول مرة من اجل التحصيل العلمي في دول عربية واخرى اجنبية.
لا شك ان هذا الانفتاح عرض المجتمع لهزة كبيرة اثرت في انماط الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها الكويتيون، فالأسرة الكبيرة بدأت تتقلص لتأخذ شكلا جديدا هي الاسرة الصغيرة «الاسرة النواة»، والاعراف والتقاليد التي كانت تحكم احوال المجتمع تراجعت هي الاخرى لتحل محلها التشريعات القانونية، والفتاة الكويتية خرجت من اسوار البيت لتلقي العلم ليس فقط في مدارس الكويت، بل وفي الخارج ايضا، وان التعاون بين الاسر وابناء الحي في مواجهة اي معضلة او متطلبات حياتية قد انتهت لتحل مكانها مؤسسات رسمية جاءت للاشراف على تنفيذ القوانين وخدمة المواطنين.
هذه التحولات، وغيرها كثيرة جداً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الكويتي، نقلته من الحالة الاولية حيث علاقة الوجه للوجه، والاسرة محورها ووحدتها الانتاجية والاستهلاكية الى وضع جديد في مجتمع مدني تحكمه القوانين، وتنظم حياته نظم واجراءات تشرف على تنفيذها مؤسسات الدولة. ان وضعاً كهذا كان لابد ان يفرز تداعيات اجتماعية يتعرض لها المجتمع، وتصيب شرائح عديدة فيه.
في ذلك التاريخ لم تكن الكويت قد اقدمت على تنظيم الهيئات الاهلية التطوعية، وان كان المجتمع الكويتي كما عرف عنه منذ نشأته مجتمعاً تكافلياً تضامنياً، الا ان مثل تلك التداعيات الاجتماعية الخطيرة كان لابد من التصدي لها من مركز القيادة، وان الاستجابة الشعبية بالتالي لملاحقتها تكون امراً تلقائياً.
وهكذا، كان الشيخ جابر الاحمد واحداً من اولئك القادة الذين اعطوا اهتماماً بالغاً لهذه التداعيات والافرازات الاجتماعية، وان مسيرته الطويلة مليئة بمواقف وصور يمكن لنا ان نستخلص منها الشيء الكثير في كيفية تصديه ومواجهته للقضايا الاجتماعية والمجتمعية، وفيما يلي نماذج من العمل الاجتماعي الرائد:
¼ في ديسمبر عام 1961م، التقت مجلة الهدف الكويتية بالشيخ جابر الاحمد حينما كان رئيسا لدائرة المالية، لتعرض عليه جملة من القضايا المجتمعية، وكانت اجاباته تتم عن فهم وبعد نظر.
ففي ذلك التاريخ، كان هناك مجلس اطلق عليه «المجلس المشترك»... هذا المجلس اقدم على قرار بحصر عمل الفتاة الكويتية في ثلاث دوائر حكومية فقط. وعندما سئل عن رأيه في ذلك لكونه اول من امر بتوظيف فتاة كويتية في احدى شركات النفط، كان جوابه انه ضد هذا القرار، وانه اتخذ في غيابه. وعندما عرض القرار مرة ثانية على المجلس لاعتماده كان الشيخ جابر الاحمد اول المعارضين له معلقاً على هذه الخطوة قائلاً:«.... انا لا اتكلم هكذا كي ابين انني تقدمي امام الفتاة الكويتية، ولكن هذا هو الواقع... اتكلم بما يمليه علي ضميري. فأنا افتخر بأنني تقدمي في حدود، ولكني امقت التمدن الزائد الذي يعبق جوه بالرذيلة والشر.. فأنا أؤمن بحق العمل للفتاة، ولو اننا علمنا الفتاة حتى انتهاء الدراسة الثانوية فقط، لهان الامر، ولكننا بعثنا بها الى الجامعات لتعيش في وسط غريب لسنوات عديدة، حتى اذا ما عادت الى وطنها خدمته ووضعت علومها في سبيل انتعاشه وازدهاره. وانا اعتقد ان الفتاة التي تحافظ على شرفها في تلك الاماكن البعيدة في الغربة. ستحافظ على هذا الشرف ـ حتماً ـ حينما تعمل بين اشخاص من اهلها، يعتبرون شرفها شرفهم..».
¼ منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية وقضية الاجيال القادمة واحدة من الهواجس التي كانت تقلق باله، وحاول جاهداً ان يجد مخرجاً حكيماً يضمن حياة سعيدة لابناء الكويت على مر الدهر، حتى لا ينعم بثروات الكويت جيل من اجيالها، وتحرم اجيال قادمة من ذلك الخير والنعيم، من هنا، اهتدى فكرة الى ضرورة انشاء صندوق للاجيال القادمة يدخر فيها ما يمكن ادخاره من عائدات الدولة واستثماراتها. وبالفعل، وضحت الرؤية وتحققت الفكرة التي سعى اليها بصدور مرسوم اميري في 28 نوفمبر عام 1986م بالقانون رقم 106 لسنة 1986م في شأن احتياط الاجيال القادمة (لمزيد من التفصيل انظر الفكر الاقتصادي).
ويشاء العلي القدير ان يكون هذا التفكير السابق لزمانه، والمعبر عن روح التضحية في سبيل كفالة استمرار عملية التنمية، وتحقيق الرفاه للابناء من الاجيال القادمة، خير معين في مواجهة ما نجم عن عدوان النظام العراقي، واحتلاله لدولة الكويت في الثاني من اغسطس عام 1990م من آثار بالغة الخطورة والضرر، مكنت الشرعية الكويتية من ان تكفل للمواطنين الكويتيين خارج الكويت، بل وداخلها دخلاً مناسباً يكفي لحياة كريمة لائقة.
وهنا، يؤكد الشيخ جابر الاحمد، قائلاً: «... كنت اريد الا افرط في هذه الاموال، والاحتفاظ بها لمثل هذه الازمات، وللاجيال القادمة...».
حقاً لقد كان تفكيراً صائباً ورؤية ملؤها الشفافية في استقراء المستقبل، جعلت الكويتيين في الداخل وفي الشتات يحتفظون بعزتهم وشموخهم.
¼ لم ينصرف فكر الشيخ جابر الاحمد مند ان دخل معترك العمل السياسي عن الجوانب الاجتماعية في الحياة الكويتية، وما يصاحبها من مظاهر وظواهر طارئة على المجتمع، لها تأثيراتها وتداعياتها السلبية في كثير من الاحوال، بل على العكس من ذلك، فقد وجه جل اهتمامه لهذه القضايا الاجتماعية في محاولة منه لايجاد السبل الكفيلة للحد منها، وسعياً منه لضمان تعديل مسار المجتمع نحو الطريق الصحيح.
فقد سادت في المجتمع الكويتي في حقبة الستينيات ظاهرة اجتماعية، هي انصراف الشباب الكويتي عن الزواج داخل المجتمع، وذلك بسبب المتطلبات الكبيرة التي لم يعتد عليها الكويتيون من قبل، الامر الذي دفع الشباب الكويتي الى الزواج من الخارج تفادياً لهذه المتطلببات الجديدة الباذخة التي بدأت تصاحب حالات الزواج. وكان الشيخ جابر الاحمد وقتها ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، وكان له موقف ونظرة اصلاحية حيال هذه الظاهرة الاجتماعية. ففي احدى مقابلاته الصحفية مع الصحافة الكويتية انتقد بألم ومرارة هذه الظاهرة، حين علق قائلاً: «... منذ متى عرفت افراحنا تلك النزعة الخرافية في الاسراف وتقديم طعام يكفي عشرات الالوف لعدة مناسبات، وتلك المبالغات في فساتين الزفاف ومجوهرات الخطوبة.. انني ارى المسألة تتصاعد يوماً بعد يوم، وكل فرح يأتي يصر اصحابه على ان يكون اكثر بذخاً واسرافاً، وانني ارى العكس، فالمهم ليس شكل الفرح ومظاهره، ولكن المهم هو الحياة بين الزوجين بعد ذلك، وكيف تكون..».
ويذهب الى ابعد من ذلك، حين يقول: «... ان الناس ـ وانا متأكد مما اقول ـ تفعل هذا وهي غير مؤمنة به، انهم يجارون هذه البدع الجديدة التي جرّونا اليها، وانا اعلم ان الكثيرين الان اصبحوا يخافون الاقدام على الزواج اشفاقاً على تلك الحفلات الباذخة التي لا يمكن ايجاد تفسير لها، وهو امر لم يعد مقصوراً على فئة معينة بل اصبح وباء منتشراً...».
ثم يدلل على صور تلك العيوب الاجتماعية بواقعة عملية، حين يشير: «... اتذكر انني في احدى جولاتي الليلية في البادية مررت بعرسين في نفس الليلة، فوجدت في العرس الاول عشرين رأساً من الغنم مذبوحة للضيوف، وفي العرس الثاني عددت ثلاثين رأساً، فصممت ان امر في اليوم التالي لارى ماذا سيتم لخمسين ذبيحة في ليلة واحدة، وفعلاً عدت في الصباح فوجدتها ملقاة في الفضاء، حتى الكلاب عافتها بعد ان اتخمت.. فهل هذا يعقل في عصر تعمل فيه الامم حساباً لكل مواردها ونفقاتها ان يحدث فيها شيء من هذا القبيل..».
ويمضي مخاطباً الذات كحالة يراد منها التوجيه والنصح، فيقول: «...انا لا اسمح لاحد من اخوتي ان يقيم عرساً بشكل من هذه الاشكال، كل ما هناك تذكرتان بالطائرة، ونفقات معقولة لرحلة شهر العسل..».
هذا الوضع الاجتماعي، الذي برز على سطح الاحداث الاجتماعية في المجتمع الكويتي في تلك الحقبة، دفع الشيخ جابر الاحمد للتفكير في ايجاد اداة عملية لمواجهة هذه الظاهرة خوفاً من انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمع الكويتي، وبالتالي الاخلال بالتركيب النوعي للسكان الكويتيين، فكان القرار رقم 2 لسنة 1959م بشأن لائحة القروض الاجتماعية والمعدل بالقرار رقم 1 لسنة 1962م، بتحديد اعانة زواج للكويتي الراغب بالزواج من كويتية بمبلغ وقدره الفا دينار كويتي، الف دينار منها هبة، والالف الآخر قرض يدفعه المواطن على اقساط مريحة جداً.
وان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بهذه الظاهرة ومتابعتها جعله يبارك بحماس شديد رفع قيمة هذه الاعانة لتصل الى اربعة آلاف دينار كويتي، الفين منها هبة من الدولة، والالفان الاخران يدفعهما المواطن على اقساط مريحة.
كان تواصل الشيخ جابر الاحمد مع ابناء شعبه والمواطنين كافة احد الاهتمامات الرئيسية لنشاطاته، فقد كانت جولاته وزياراته لاماكن تجمع المواطنين في المناطق المختلفة مصدرا من مصادر الوقوف على مشكلات المجتمع وما يعانيه المواطنون. كما كانت هذه الجولات والزيارات فرصة طيبة لدعوة المواطنين للعمل من اجل بناء الوطن، والمساهمة بكل جهد ممكن في تحمل هذه المسؤولية التاريخية.
ففي لقاء مع رجالات الكويت الاوائل دعا الى الحفاظ على روح المحبة والالفة بين المواطنين، مشددا على ان الكويت التي بنيناها متكاتفين ستستمر وستزذهر بتكاتف وتضامن ومحبة ابناء الوطن، واصفا المجتمع الكويتي بانه حلقة واحدة يجب الا نسمح لأحد ان يخترقها ليفرق بيننا.
وفي إشارة اخرى له في هذا الاتجاه، بانه لولا هذه المحبة بين ابناء الشعب لما استطاعت الكويت ان تصمد امام التيارات المختلفة والمتناحرة من حولها، لكن ترابط الشعب ووحدته جعلاه صفا قويا منيعا في وجه هذه التيارات.
كان الشيخ جابر الاحمد يسعى دائما في سياسته الاجتماعية للقضاء على الامية في هذا البلد بأي ثمن. ذلك لايمانه المطلق بان تفشي الامية في المجتمع عائق امام الوصول الى الاهداف المرجوة، فالامية اكبر عدو لتقدم الشعوب ورقيها نحو الافضل. من هنا فان بناء الاوطان والانسان يتطلب القضاء في المرتبة الاولى على الامية واقتلاع جذورها.
كان هذا هو نهجه وتطلعاته نحو حياة افضل للوطن والمواطنين، وان هذا الفكر الرائد يتجلى لنا في الكلمة التي وجهها لابناء الشعب الكويتي عند بدء حملة للقضاء على الامية في الكويت، وبمناسبة صدور مرسوم بقانون رقم 4 في 23 اغسطس عام 1981م في شأن الالتزام بمحو الامية.. هذه الكلمة التي جاء فيها: «وبما اننا نعيش عصر التفجر العلمي الهائل، فنرى ونسمع ونتمتع بالكثير الكثير من منجزات الانسان العلمية في العالم، نتساءل كيف يتمكن الامي في هذا العصر من ادراك ما يدور حوله، ومن استيعاب دوره في الاستفادة من هذه المنجزات، والحفاظ عليها وحسن استخدامها، بل كيف يمكن له ان ينمي نفسه ويرعى اسرته، وان يسهم في نهضة بلده دون حصوله على قدر مناسب من العلم الذي يفتح له نوافذ المعرفة».


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:47 AM
ويمضي في هذا الاتجاه مؤكدا: «ان القانون وحده لا يحقق الامال التي نتوخاها، ما لم يشعر كل فرد منا، وكل مؤسسة، بواجبه في احترام القانون وتنفيذه بحماس واخلاص وذاتية وادراك بان القانون يستهدف مصلحة المواطنين ومصلحة البلاد، واننا نتطلع ان يأتي قريبا اليوم الذي تحتفل الكويت فيه ـ باذن الله ـ بيوم القضاء على الامية، ضاربة المثل كالمعتاد في تضافر جهودها وتعاونها الذي يذلل كل الصعاب».
وحول مجمل هذه القضايا يحدثنا عبداللطيف البحر. مستوحيا من ذكرياته مواقف تتسم بالايثار والتضحية من أجل الصالح العام، فيقول: «ومن واقع المسؤولية الوطنية كثيرا ما كان سموه يضرب الامثال في التضحية بدءا بنفسه. ويرفض دائما اي تصرف يخرج عن العمل المألوف، حتى ولو كان يمسه او يمس احدا من افراد الاسرة الحاكمة، فقد كان سموه عنوانا للايثار يقدم مصلحة الامة على اية مصالح اخرى شخصية».
ويورد لنا البحر اكثر من مثال على هذا السلوك النابع من عقلية قيادية تريد كل الخير للكويت وشعب الكويت، فيقول: «عندما شرعت الدولة في تنفيذ مشروع شارع الخليج كان لسموه استراحة خاصة على شاطىء الخليج، حيث كان قصر دسمان متصلا بالبحر، وعندما وجد ان هذه الاستراحة تعيق سير المشروع تنازل عنها، وتم هدم سور دسمان. وعندها تبعه غيره من المواطنين ممن لهم استراحات على شاطىء الخليج دون ابطاء فاكتلمت اقامة المشروع.
اما المثال الاخر، فقد كان لسموه ارض في منطقة السرة تسمى السريرات فأرادت الدولة تثمينها وكان اجمالي ميزانية التثمين التي اقرت في ذلك الوقت تقدر ـ على ما اذكر ـ بحوالي عشرة ملايين دينار كويتي. بينما قدرت قيمة تثمين «السريرات» وحدها بثمانية ملايين دينار كويتي. وعندما عرض الامر على سموه، وكان وليا للعهد، رفض رفضا باتا وقال: الاولى بها حاجة الكويت والكويتيين. وآثر التنازل عنها وتوزيعها على المواطنين الذين هم في اعتقاده احق بها.
أما المثال الثالث، فانه يتمحور حول أبراج الكويت، عندما وجد المنفذون ان انسب الاماكن لاقامتها هو نفس موقع الاستراحة التي سبقت الاشارة اليها. وهو موقع يطل مباشرة على قصر دسمان، ورغم ذلك اصر سموه على اقامتها في نفس المكان الذي تم اختياره. وكان سموه يشرف بنفسه على التصميم ويعطي توجيهاته كي يخرج نابعا من البيئة الكويتية، ويحمل معنى الاصالة والحضارتين الاسلامية والحديثة، وهذا ما نلمسه اليوم، حيث تأخذ الابراج شكل المأذنة والصاروخ. وحتى اختيار نسب الارتفاع لتمكن الدولة من الاستفادة العملية منه في تخزين المياه، واعداده مرفقا ترفيهيا وسياحيا بما يحويه من مطاعم وصالات هذه الامور الهندسية جاءت من بنات افكاره، لتصبح ابراج الكويت اليوم ـ بفكر سموه ـ معلما حضاريا متكاملا في الدولة».
هذه المرئيات المبكرة للشيخ جابر الاحمد في قيادة الدولة والمجتمع كانت تدعو للاخذ بما هو صالح من ثمار الحضارة والتقدم. وان ما هو مناسب لمجتمع متقدم لا يعني انه ملائم لمجتمع لا يزال في طور النمو.. هذه المرئيات الخالصة لوجه الوطن، كانت دعوة صريحة ضد المحاكاة والنقل العشوائي لحضارة الاخرين، مثلما كانت دعوة واضحة لتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وتسخير ما يمكن الاستعانة به من اجل نماء الدولة ورفع شأن المجتمع بين الشعوب والامم. كما كانت دعوة لنبذ الانانية البغيضة والمصلحة الفردية الضيقة، وترجيح نداء العقل والحكمة عند الشروع في اتخاذ اي قرار يمس امن الوطن والمواطن في حاضره او من اجل مستقبله.
سموه أولى اهتماما لكافة الشرائح الاجتماعية ولم ينس الفئات الخاصة والرعيل الأول الأمير أرسى تقاليد الدولة العصرية وحقق نموذج دولة الرفاه
المعنى الشمولي
لمفهوم دولة الرفاه الاجتماعي:

مع استقلال الكويت بدأت الدولة بالتأكيد في كل مناسبة على مفهوم دولة الرفاه الاجتماعي. وكان لهذا المفهوم في فكر الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح ابعاد اجتماعية عميقة تشمل كل الوحدات الصغيرة في محيط الاسرة، وما يحيط بها من قضايا ومشكلات اجتماعية سواء اكان ذلك على مستوى الفرد ام كان على مستوى المجتمع. فالتعليم كان فكرة مستقبل الكويت، وكان يعني مواكبة الحضارة الحديثة بكل معطياتها، وكان يعني في فكره مستقبل الكويت، وكان يعني الاعتماد على النفس، وكان يعني ادارة المجتمع والدولة من قبل ابناء الكويت وحدهم، وكان يعني الرأسمال الثابت والمستمر الذي لا ينضب ابدا، وهو وحده الذي يحقق رقي المجتمع وتقدمه.
فالحياة التعليمية والبحث العلمي وتنمية الموارد البشرية لا يمكن لها ان تقف عند حدود معينة بل عليها الاستمرار في نشد المزيد، منه والوقوف على ما يستجد في عالمنا المعاصر في معرفة وتطور وخاصة فيما يتعلق بتعليم المرأة لكونها تحدد بشكل واضح الوجه الحضاري للدولة وتقدمها.
هكذا كان فكر الشيخ جابر الاحمد وتطلعاته المستقبلية في كل مناسبة من المناسبات العلمية، التي يلتقي بها مع ابنائه وبناته في محاريب العلم ومؤسساته.
وتأكيدا لذلك، فانه اثناء استقبال الوفود التي شاركت في المؤتمر التربوي العربي السابع عشر، الذي عقد في الكويت في مطلع ابريل عام 1987م اثار الشيخ جابر الاحمد قضايا تربوية محلية وعربية من شأنها ـ لو طبقت ـ ان تدفع العملية التربوية في طريقها السليم، وطالب بالبحث عن حلول لهذه القضايا بشكل يخدم الطالب في التحصيل، والمعلم في ايصال المعلومات الى الطالب. مؤكدا على اهمية الاستفادة من الحاسوب والتقنيات الحديثة في العملية التربوية والتعليمية مشيرا الى اهمية استخدام هذه الوسائل التربوية الحديثة لما فيه مصلحة الجيل الصاعد، بحصوله على معلومات تهيئه للمستقبل. مستعرضا قضية على درجة كبيرة من الاهمية. ما زالت موجودة الى يومنا هذا، الا وهي ظاهرة عدم احترام الطالب للمعلم او الاعتداء علىه. وقد دعا في ذلك الوقت البعيد الى دراسة هذه الظاهرة وايجاد الحلول المناسبة لها لخير الطالب والمعلم.
وانطلاقا من هذه المعاني والمفاهيم كلها، كان له بصمات واضحة على مسيرة الخير.. مسيرة المجتمع الكويتي، نذكر منها، على سبيل المثال الآتي:
في 14 سبتمبر عام 1987م استقبل الشيخ جابر الاحمد رئيس واعضاء المجلس الاعلى للتعليم، حيث بحث معهم برامج التربية بمستوياتها كافة، داعيا الى ان تتمشى هذه البرامج مع التطورات العلمية الحديثة ومتطلبات الحياة العصرية، اخذين بعين الاعتبار التقاليد والخلق التي امر باتباعها ديننا الحنيف، مؤكدا على انه من الضروري ان يكون المدرس قويما في عمله وخلقه، ويضرب المثل الرائع للابناء في شخصيته وسلوكه، كما اكد لهم ايضا على ضرورة غرس روح المواطنة عند الطالب في ولائه لارضه ووطنه وامته.
كانت الدعوة لتوفير فرص العمل للمواطنين هي الاخرى واحدة من معطيات فكر الشيخ جابر الاحمد. وجاء دستور الكويت ليؤكد في مادتيه (41، 42) على هذا الحق. وكانت امنياته دائما ان يرى مخرجات التعليم وهي تحتل مواقع مرموقة في العمل، وألا يحدث هناك تسرب في المراحل الدراسية خوفا من زيادة العمالة الهامشية بين ابناء البلد.
كان الشيخ جابر الاحمد يفكر دوما في الوسائل التي تجعل ابناء الكويت وبناتها افرادا منتجين مفكرين مبدعين حتى في العمل المهني والحر في ذلك لان رسالة التقدم العلمي قد ازالت من قاموس العمل العمالة الهامشية الا بالقدر الضئيل، فالمستخدمون في المكاتب لم يعد لهم معنى، وسعاة البريد. وناقلو المراسلات لم يعد لهم ايضا مكان الا بشكل هامشي، وان هذه الفئات مجتمعة لا يمكن لها ان ترتقي بالدولة وتنهض بها. من هنا كان تشديده واصراره المستمر على العلم والعمل المنتج في اقصى درجاته، وهذا ما نلاحظه اليوم في بعض المجتمعات المتقدمة هذه المجتمعات كقوة عظمى في المجتمع العالمي.
هذا المعنى الشمولي لمفهوم دولة الرفاه الاجتماعي في فكر الشيخ جابر الاحمد امتد ليشمل العمل التطوعي، من هنا كان تشجيعه ودعوته لاقامة وتأسيس جمعيات وتنظيمات اهلية، وفق احتياجات المجتمع، من اجل تحقيق اهداف اجتماعية وثقافية تقوم على اساس المشاركة الشعبية، واسهام المواطنين في خدمة مجتمعهم.
وتأسيساً على هذا التوجه، فقد توالى اشهار الجمعيات والهيئات الاهلية لتخدم اغراضاً متعددة ومختلفة، وان تلاقت جميعها عند خدمة المجتمع وشرائحه المختلفة، مع قدر من التباين والاختلاف في اسلوب ومنهج تقديم هذه الخدمات. وقد استأثرت المرأة الكويتية بقدر لا يستهان به من هذا العمل التطوعي.
ويمثل اليوم هذا النشاط التلقائي الشعبي، وغير المحكوم بقيم الربح والمنفعة، مدى ما يتمتع به المجتمع الكويتي من حرية في التعبير، وممارسة لحقوقه التي نص عليها الدستور والتشريعات المختلفة.
كما يعبر هذا النشاط عن دوافع اكيدة لدى المواطنين، ورغبات ذاتية تلقائية نابعة عن طواعية واختيار للاسهام في مساندة جهود الدولة، والتعاون معها في كل ما من شأنه ان يؤدي الى تحقيق عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يحفزهم الى ذلك مجرد شرف الخدمة في ذاتها اعتزازاً بالوطن ومحبة له، وهو ما يكشف في الوقت نفسه عن مستوى عالي من الوعي والنضج لدى المواطنين.
لقد كان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بشرائح اخرى من المجتمع، كالامومة والطفولة والشباب، والشيخوخة، والفئات ذات الاحتياجات الخاصة، اهتماماً منقطع النظير، وتواصلت متابعته شخصياً لهموم وقضايا هؤلاء جميعاً، على ان هذا الاهتمام انما يمثل جانباً من اهتماماته بسائر مراحل حياة المواطن الكويتي على مدى سنوات عمره، من الطفولة الى الشباب فالشيخوخة. كما يجسد هذا الاهتمام ما يعبر عنه فكر الشيخ جابر الاحمد في اكثر من مناسبة، وعلى المستويات كافة المحلية والاقليمية... ومما يشير اليه في هذا الصدد: «... ان قضية العناية بالطفل تعني في حقيقة الامر عناية بالاسرة والمجتمع، فالطفل هو ثروة المجتمع الحقيقية، وهو مستقبله وان كنا نريد عالماً اكثر رحابة وتسامحاً ونمواً، فعلينا ان نؤكد على اهمية الطفل وحقوقه التي هي جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان..».


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:47 AM
وان الشباب في نظر الشيخ جابر الاحمد وفكره طاقات مبدعة خلاقة منتجة تتفجر حيوية ونشاطاً، يمثلون مرحلة نضج وانطلاق امكانات بشرية هائلة، تدعمها قدرات وخبرات من العلم والمعرفة، ومن ثم، فإن على الدولة ان تحرص على انماء هذه الثروة، والاهتمام بها ورعايتها والحفاظ عليها. وهنا يحدد قيمة الشباب ومدى اهميتهم لنمو واستمرارية المجتمع وتطوره، حين يقول: «... الشباب هم التيار المتجدد في نهر الحياة للكويت، ولابد دائماً من دعم روافد هذا النهر، حتى لا ينقطع نبع القوة ومدد التجديد لجوانب الحياة في انحاء وطننا...».
لم تكن الطفولة والشباب وحدهما في دائرة اهتمام الشيخ جابر الاحمد، بل ان للرعيل الاول الذين قامت الكويت على سواعدهم مكانة عظيمة في نفسه. من هنا فإن التواصل واللقاءات بينه وبينهم لم تنقطع، سواء قام بزيارتهم في اماكن تجمعاتهم ام حضروا للقائه في مناسبة ما. ويتجسد هذا الاهتمام عنده في العبارات التالية: «.... ان من واجب الوفاء على هذا الجيل ان لا ينسى الرعيل الاول الذين قامت على سواعدهم كويتنا الحبيبة، والذين ضحوا بأرواحهم واموالهم في سبيلها، ومنهم من يعيشون بيننا الان. فيجب ان نعمل ما في وسعنا لاسعادهم، وان نكون لهم ابناء بررة واوفياء راعين حقهم في التقدير والاجلال لما قاموا به وما قدموه من تضحيات...».
اذا كانت الرعاية التعليمية والرعاية الاجتماعية في صلب اهتمامات الشيخ جابر الاحمد، فإن الرعاية الصحية كانت تسير معهما في خط متواز، باعتبار ان المواطن السليم بدنيا هو القادر على بذل الجهد في تلقي العلم، ثم في التخصص المهني، فالانتاج والخلق والابداع والاسهام في تنمية الوطن.
واذا كان هناك دليل على تقدم الرعاية الصحية التي اولاها الشيخ جابر الاحمد عناية خاصة، فإنه يتجلى في ثلاثة مؤشرات هي:
1ـ العمر الافتراضي للانسان الكويتي الذي ارتفع معدله حسب بيانات منظمة الصحة العالمية من 63 سنة عام 1970 الى 74 سنة عام 1992م بالنسبة للذكور، في حين بلغ 77 سنة بالنسبة للاناث، وهي واحدة من اعلى المعدلات في العالم المتقدم، ويمكن تفسير ذلك بارتفاع المستوى المعيشي والوعي الصحي، والمستوى الثقافي للمواطن الكويتي.
2ـ اما المؤشر الآخر، فهو معدلات وفيات الاطفال التي نلاحظ فيها انخفاضاً هائلاً، وخاصة بين الاطفال الرضع، حيث انخفض حسب بيانات وزارة الصحة الكويتية من 3،41 الى 7:10 لكل الف طفل على مدى حقبتين من الزمن منذ السبعينيات وحتى التسعينيات.
3ـ اما المؤشر الثالث ، فإنه يتضح فيما تبذله الدولة في مجال الرعاية الصحية، والتي تتمثل في معدلات الانفاق على الخدمات الصحية سنوياً.
ففي الاحتفال الذي شمله الشيخ جابر الاحمد برعايته بمناسبة افتتاح المؤتمر الطبي الثامن، اليوبيل الفضي للجمعية الطبية الكويتية في نوفمبر عام 1989م، كان له وقفة امام هذه الخدمات الانسانية، حين يشير في كلمته الافتتاحية لاعمال المؤتمر: «.... ان الطب علم وتجربة، وممارسة واخلاق، وان الناس يرون في الطبيب يد الرحمة الالهية والتقدم العلمي، والذي يجمع بين التطلع الدائم الى المزيد من المعرفة، والتواضع امام قدرة الله تعالى الذي احاط بكل شيء علماً....».
ويستطرد قائلاً: «.... ان الطب من ابرز محاولات الانسانية لانتصار الحياة، وزيادة قدرتها على تخطي عقبات الضعف والمرض. وهو كما يجمع بين الجانبين الوقائي والعلاجي، يجمع ايضاً بين الجوانب الجسمية والنفسية والعقلية، وينظر الى الانسان في شموله مستهدفاً ان يحيا حياة سوية صاعدة الى مستويات افضل..».
ويؤكد:«.... ان هذه النظرة الشاملة التي انتهى اليها الطب الحديث، هي ذات النظرة التي انطلق منها الاسلام، والتي رسم بها الاطار العام لانماط الحياة التي ارتضاها رب الناس للناس...».
ويمضي في هذا الاتجاه الفكري، فيقول: «... ان الصحة منحة، وان المرض محنة، واننا نود ان يخفف الطب من محن الانسان، لتعود الى النفوس والاجسام الصحة والطمأنينة، وليكون الفرد والمجتمع اكثر قدرة على السير في طريق التقدم.. واننا نؤمن بقضاء الله وقدره، ونؤمن بأن الطب ذاته من قدرة الله، وان لكل انسان قدره المحتوم. وان في العلاج لقاء بين العلم والدين...».
ويأتي تأكيده على دعم حقوق الانسان، فيشير: «... ان العناية بالانسان تكريم لمن يقوم بها، كما هي حق للمحتاج اليها، والتقدم في الطب، في اي فرع وفي اي مكان، انما هو تقدم انساني شامل...».
وفي نصحه للاطباء والباحثين في مجال الطب، دعاهم الى ان يكون العمل الدائب والتعاون طريقهم، والرحمة والسعي لشفاء الانسان هدفهم. وهنا يشير بين امور اخرى: «... لقد حفظ لنا تاريخنا، كما يحفظ لنا حاضرنا، نماذج كريمة ونبيلة لاعلام الطب الذين اناروا طريق العلم والاخلاق، وكانت يد الله فوق ايديهم رحمة وبرا وشفاء...».
ان الفكر الاجتماعي لدى الشيخ جابر الاحمد جاء في اطاره الشمولي، فالعلم والمعرفة والصحة الجيدة لا بد ان تواكبها رعاية سكنية لائقة، من هنا كان السكن احد القضايا الاجتماعية والانسانية التي استحوذت على اهتماماته بنفس القدر من الرعاية والمتابعة اللتين بذلهما للجوانب الاخرى في حياة الانسان الكويتي، معتبرا ان السكن هو الركيزة الاساسية لحياة الفرد، حيث يمكن من خلاله ان يمارس حياته الطبيعية، ويباشر فيه وظائفه الاسرية.
ويمكن لنا أن نعتبر توقيت انطلاقة الكويت الحقيقية في مجال الرعاية السكنية هو عام 1975م، عندما انشئت الهيئة العامة للاسكان، وان كانت الرعاية السكنية بدأت خطواتها الاولى منذ سنوات بعيدة، وعلى وجه التحديد عام 1951م.
وكان اضخم مشروع اسكاني هو ما قام الشيخ جابر الاحمد بتسميته «مشروع القرين الاسكاني»، نسبة الى الاسم التاريخي الذي عرفت به الكويت في القرن السابع عشر، والذي شمله برعايته، حيث وضع حجر الاساس له، وازاح الستار عن اللوحة التذكارية لنصب المشروع، وغرس نخلة تخليدا للمناسبة، وذلك في ابريل عام 1986م، هذا المشروع الذي يضم 13 الف وحدة سكنية، يمكن لها ان تستوعب حوالي 000،100 نسمة، وبتكلفة قدرها 750 مليون دينار كويتي.
وان للسكن حرمة خاصة لدى الشيخ جابر الاحمد، مما جعله يصدر امرا لوزير المالية لابلاغ البنوك المحلية كافة بعدم المساس بالسكن الخاص للمواطنين، فيما يتعلق بمعاملات الحجز وغيرها، مهما كانت المبررات.
وتطبيقا لهذه الرغبة السامية، صدر المرسوم الاميري بالقانون رقم، 121 لسنة 1986م، باضافة بند جديد الى المادة 216 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالمرسوم بالقانون رقم 38 لسنة 1980م، لتحقيق هذا الغرض.
وهنا يقدم لنا عبداللطيف البحر مثالا حيا من ذكرياته حول ما سبق، فيقول: «... ويحضرني قول اتفق عليه زعيمان اشتراكيان: احدهما عربي، هو كمال جنبلاط،، والآخر هو مستشار النمسا برنوكرايسكي حول الكويت بعد التعرف على نهضتها في ظل قيادة سمو الشيخ جابر الاحمد، حين قال الزعيمان: لقد اخذت الكويت احسن ما في النظام الاشتراكي: العدالة الاجتماعية، والضمانات الاجتماعية، وتوفير العلم، والخدمات الطبية والعلاجية، كما اخذت احلى ما في النظام الرأسمالي: الديموقراطية، والحريات العامة، والاقتصاد الحر، وحرية انتقال رؤوس الاموال، وهذا ما لم يتوفر في اي مكان آخر»...
تأسيسا على ما سبق، نستطيع القول بان سعادة الشعب وتقدمه ونماءه كان هدفا اساسيا في فكر الشيخ جابر الاحمد، سعى الى تحقيقه على مدار سنوات عمله منذ ان كان حاكما امنيا لمدينة الاحمدي ومناطق النفط، مرورا بدائرة المالية ووزارة المالية والصناعة، ثم ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، فحاكما لدولة الكويت.
نقول، خلال هذه المواقع، وبالمسافة الزمنية التي قطعها في خدمة الدولة والمجتمع، كان هذا الهدف ـ دائما وابدا ـ محور تفكيره... يسير امام كل مشروع انمائي، يبارك دراسته والتخطيط له، او الشروع في تنفيذه، وما دعوته ومساندته لتحقيق مجتمع الرفاه الا جزء من ذلك الحلم الذي كان يسعى اليه، فاصبح حقيقة واقعة.
كم هو سعيد اليوم لاختفاء ظاهرة الامية بين الكويتيين، وتبوئهم للمناصب القيادية والادارية كافة على جميع مستوياتها في الدولة... وكم هو سعيد ايضا عندما يلاحظ الحالة الصحية في الكويت تحتل موقعا متميزا ومرموقا في تقارير منظمة الصحة العالمية... وكم هو سعيد الآن لان سياسة اعادة توزيع الثروة التي اتبعها قد حققت هدفها، واصبحت الكويت اليوم ـ بحق ـ نموذجا لدولة الرفاه بين دول العالم الثالث في ظل نظام ديموقراطي، واقتصاد حر، وحياة متوازنة قوامها العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الانسان، وكفالة الحريات العامة.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:48 AM
أكد أنه لا ينظر إلى الدول بمقياس كبر حجمها أو عدد نفوسها وإنما بترابطها الأمير: الكويت عميقة الجذور ثابتة الفرع طيبة الثمر واطيب ثمارها حب أبنائها
الكويت في مواجهة الارهاب

ان الأمن دائما هاجس ملح بالنسبة للشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، ودعوته المتكررة للوحدة الوطنية والتأكيد عليها في اكثر من مناسبة، دليل على ان هذه الدعوة هي صمام الامان، وهي القوة التي ستواجه اي عمل تخريبي، او اطماع يراد بها النيل من هذا المجتمع. وان بيانه الى الشعب الكويتي يوم 22 يناير عام 1984م. بمناسبة احدى حوادث التفجير، يبين مدى قلقه على مستقبل الكويت.. هذا البلد الآمن الذي لم يعتد شعبه على مثل هذه الحوادث المؤلمة.
لقد جاء ذلك البيان ليحذر المواطنين من ظاهرة عانت منها الشعوب الاخرى، فجاءت لتطل برأسها المليء بالشر على المجتمع الكويتي. وليبين ان التصدي لها لا يتم الا بتعاون الجميع وتكاتفهم. وهذا ما يشير اليه حين يقول: ان الكويت وطننا جميعا وكلنا يعمل من أجلها ليست الكويت فردا ولا تحيا بفرد، ان الفرد حياة محدودة، والامة حياة ممدودة، ليست الكويت انا وانت.. انها نحن، وآباؤنا من قبلنا.. وابناؤنا من بعدنا. ان الكويت امة عميقة الجذور ثابتة الفرع، طيبة الثمر، وان اطيب ثمارها هذا الحب الذي يجمع بين قلوبنا،. والتماسك الذي نعتز به في مسيرتنا، واللواء الذي نرفعه. وقد كتبنا عليه عهد الوفاء، كلنا للكويت والكويت لنا...».
ولم يمض عام 1984م، حتى كانت الكويت قد تعرضت لمحنة ارهابية اخرى، كانت محنة الطائرة كاظمة التي اختطفت من قبل شرذمة من الارهابيين العرب، وكانت القيادة الكويتية، ومن خلفها شعب الكويت يتابعون تلك المأساة الاليمة، لا يملكون من وسائل الدفاع عن ابنائهم المحتجزين في تلك الطائرة سوى الدعوات والتضرع الى الله ـ سبحانه وتعالى ـ ان يخلصهم من هذه الايدي المجرمة، وان يعيدهم سالمين. وكان للكويت ما ارادت فخرجت لاستقبالهم يوم 12 ديسمبر عام 1984م. وكان في مقدمة المستقبلين الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح.
ومما قاله الشيخ جابر الاحمد في تلك اللحظات المؤثرة: «ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ حمى الكويت بترابط اهلها وتضامنهم وتكاتفهم وان الدول لا تنظر اليها بمقياس كبر حجمها او عدد نفوسها انما بترابطها».
ويمضي في كلمته المرتجلة، فيقول: «ان الكويت كلها كانت تتابع باهتمام مصير ابنائها الذين كانوا مختطفين على متن الطائرة وان هذا الاهتمام لم يقتصر على رابطة الاسرة او العائلة او القرابة فالكويتيون كلهم عائلة واحدة.
كما اكد لوفد من المواطنين الذين زاروه شاكرين على موقف القيادة الكويتية من المحنة التي مروا بها: «ان الكويت عاشت على ان تقدم الخير لغيرها.. وانها لم تقدم الشر للاخرين في يوم من الايام لكنها لا تريد الشر لنفسها».
من هنا، فان ارتباط الشيخ جابر الاحمد بابناء بلده وشعبه تتجلى في كل مناسبة سواء أكان ذلك في افراحهم في عزائهم هذا الترابط العفوي الذي تمليه الاعراف والتقاليد السائدة في المجتمع الكويتي والذي لازم الكويتيين كأسرة واحدة منذ فجر تاريخها، وقد ظل الترابط باقيا الى اليوم رغم بعض المظاهر التطورية التي صاحبت هذه العلاقة الاجتماعية. وكان ـ ولا يزال ـ يحاول بشكل او بآخر ان يعود بها الى حالتها الطبيعية العفوية.
وللتدليل على ذلك، فقد لاحظ ان بعض المواطنين يقومون بنشر اعلانات تشكره على مثل هذه المبادرات الانسانية، وهي حالة لم يجد لها داعيا. اضافة الى التكلفة المالية التي يتحملها المواطن، الامر الذي دفعه الى ان يطلب من المواطنين عدم تكليف انفسهم هذه النفقات. معلنا ان ما يقوم به هو مجرد مشاركة وواجب كرب للأسرة الكبيرة وهذه ـ بلا شك ـ لفتة اراد بها ان تعود العلاقة بين الحاكم وابناء شعبه الى حالها الطبيعية النقية.
إن علاقة الشيخ جابر الاحمد بشعبه علاقة ابوية حميمة تحكمها تلك العلاقات الاسرية التي تربط رب الاسرة بابنائه واقربائه كما ان الشعب الكويتي يكن له كل تقدير ومودة وقد تجلت العلاقة الحميمة في صور مختلفة ومناسبات متعددة سواء أكانت تلك المناسبات سارة ام مؤلمة. فانه كان بين ابنائه، كما كان هؤلاء الابناء يلتفون دائما حوله. وقد تجلت صورة هذه المحبة المتبادلة في الاعتداء الاثم الذي تعرض له موكبه، وهو في طريقه الى مكتبه صباح يوم 25 مايو عام 1985م.
كان لهذا الحادث الاثم ردود فعل شعبية عارمة، ظهرت من خلال الهيئات الحكومية والتنظيمات الاهلية، جمعيات نفع عام ـ اتحادات اصحاب اعمال ـ نقابات عمالية ـ اندية واتحادات رياضية جمعيات تعاونية، وغيرها من الفعاليات الاهلية، التي أجمعت على شجبها واستنكارها لهذا الاعتداء، وتأكيدها على الوحدة الوطنية والوقوف الى جانب اميرها وقيادته الحكيمة.
وفي مساء اليوم التالي لذلك الاعتداء الآثم اقيم مهرجان شعبي خطابي بنادي القادسية الرياضي، شاركت فيه جموع الشعب الكويتي وعلى رأسها الهيئات والمؤسسات الاهلية السالفة الذكر. ومما قيل في هذا المهرجان الشعبي: ان الخدوش التي اصابت وجه اميرنا يوم امس، ما هي في حقيقة الامر الا جروح عميقة في ضميرنا جميعا، وسنقطع تلك الاصابع التي خدشت وجه الكويت. سنقطعها بوحدتنا وتكاتفنا وديمقراطيتنا. وسيجدون في شعب الكويت العربي حكاما ومحكومين، شيبا وشبابا رجالا ونساء، الجدار الصلب الذي تتحطم عليه مؤامراتهم، ولن نسمح لهم بهدم ما بنيناه ولن نرضخ لغدرهم وضلالهم وسنكمل ما بدأه الاباء والاجداد من بناء لكويتنا الحر العربي.
وتمضي هذه الجموع البشرية، ومؤسساتها المدنية، معبرة عن مشاعرها واحاسيسها حيال قائد مسيرتها الشيخ جابر الاحمد بكلمات وعبارات يسجلها التاريخ، وهي تعلن على الملأ: «... ان من العواطف والاحاسيس ما يملأ الصدر، ويفيض فيضا، عجز المرء ان يترجمها، فضاقت الكلمة واستعصت وامتد اشراقها اشعاعا وايحاء، فلن تسمو الى تعبير عما شهدته الكويت من مشاعر عربية فياضة، واحاسيس انسانية نبيلة صادقة، استنكارا وتنديدا وشجبا لهذه الجريمة البشعة التي استهدفت رمز كويتنا جابرنا وجابر افراحنا، واستهدفت حياتنا الديموقراطية بكل مؤسساتها الدستورية...».
وتتجلى هذه المشاعر الوطنية حين تلتحم بالاحاسيس الروحية والوجدانية لابناء الكويت حيال اميرهم ووالدهم... وهي مشاعر واحاسيس ترجمتها كلمات وعبارات، تقول: «... ان فعل الخير والايمان بالعمل لن يضيع عند صاحب الخير، وهذا ما لاقيته يا جابر، ان عناية الله لن تنسى المحسنين الصادقين، اما جزاء الغادرين الاشرار فانهم محاسبون في الدنيا، من جنود الله الذين لن ينسوا هذه الفعلة القذرة، وسينالهم القصاص ـ لا محالة ـ من الله في الآخرة يوم الحساب، اما انت يا جابر فسر على بركة الله.
لا تثنيك عن قصدك هذه الشرذمة من الحاقدين المرتزقة، رسل الشياطين، والكويت كلها معك تحميك وتفديك، وستبقى رمزا للحرية والدفاع عن الحق، الله معك يرعاك ويحميك بعنايته»...
لقد كان لردود الفعل الشعبية المحلية معنى كبير ضد تلك الفئة الضالة التي ارادت السوء بشعب الكويت والنيل منه في شخص قائده، واستمرت ردود الفعل هذه كبيرة وغاضبة، ولأيام متوالية تتصدر الصفحات الاولى للصحافة المحلية، لتتناقلها وكالات الانباء والصحف العربية والعالمية بصفتها نموذجا ومثالا لمدى حب الشعب لقائده والتفافه حوله.
لقد جاء الاعتداء ليبرهن للعالم ان شعب الكويت اسرة واحدة، متمسكة بقيادتها ولا ترضى لها بديلا، وهذا ما اكده فيما بعد المؤتمر الشعبي الذي عقد في جدة بالمملكة العربية السعودية ابان فترة الاحتلال والعدوان العراقي على دولة الكويت.
لم تكن ردود الفعل هذه محصورة في المستوى المحلي، بل تجاوزت ذلك الى المستوى العربي والدولي الرسمي منه والشعبي، حيث توالت البرقيات والمكالمات الهاتفية على الشيخ جابر الاحمد مستنكرة الحادث بكل ابعاده واهدافه.
هذه المواقف والصور التي جاءت مليئة بحب الشعب لقائده، تؤكد بكل قوة ان شعب الكويت لن يتخلى عن النظام السياسي الذي ارتآه وان الاسرة الكريمة... اسرة آل الصباح التي اولاها هذا الشعب كل ثقته منذ نشأة الكويت، ستظل باقية وماضية في طريقها اجيالا تلو اجيال، وهذا ما أكدته المادة الرابعة من دستور الكويت.
لقد كان الشيخ جابر الاحمد فوق مستوى الحدث الذي تعرض له شخصيا، والذي كاد ان يدفع فيه حياته ثمنا لمواقف الكويت والمبادىء التي ظلت متمسكة بها، وعملت ـ ولا تزال ـ تعمل بموجبها على جميع المستويات، فها هو في لقاء مع رؤساء تحريرالصحف المحلية في الاول من يونيو عام 1985م، يبلغ زواره ان هاجسه الاول والاخير ان تبقى الكويت ـ كما كانت دائما ـ اسرة واحدة متماسكة، خيرها التعاون والتآلف، ومنطلقها الالتزام الثابت لخير وصالح المواطنين والمقيمين، مع تكريس لا يحيد عن قضايا الامة العربية والاسلامية.
وفي هذا السياق، وبتاريخ الاول من يونيو عام 1985م وجه الشيخ جابر الاحد كلمة الى الشعب الكويتي بمناسبة استئنافه لنشاطه الرسمي بعد الاعتداء الآثم على موكبه... كلمة شدد فيها على حماية المنجزات التي حققتها الكويت، وبذلت في سبيلها الكثير، مؤكدا على رفض المساومات والمجاملات على حساب الوطن... كلمة صدق حملت في طياتها رد الوفاء حين اشار موجها حديثه الى شعبه الوفي: «... ان مشاعر الايمان والمحبة التي فاضت بها نفوسكم على سجيتها، ونحن نجتاز المحنة التي كانت تفيض بها نفسي، فكنا جميعا نعبر في موقف واحد ولحظة واحدة عن الرباط القوي الذي يجمعنا، وكان الايمان بالله ومحبتكم دوائي وشفائي هكذا كنا، وهكذا تكون دائما»....
ويمضي ناصحا ومرشدا، فيقول: «... اننا بذلنا الكثير لتصبح الكويت دار امان واستقرار، ومنبرا للحرية والديموقراطية، ونبعا للخير وعلينا ان نبذل الكثير لحماية هذه المنجزات واستمرار اشعاعها، ولا حماية دون نظام، دون التزام دقيق بالتنفيذ، ولا نجاح للالتزام الا بجعله فوق المساومة والمجاملة على حساب الكويت»...
ويتوالى مسلسل الارهاب على الكويت وشعبه باختطاف الطائرة الكويتية «الجابرية» في 23 ابريل عام 1988م، وقد وجه الشيخ جابر الاحمد كلمة الى شعبه اثر انتهاء هذه المحنة، اكد فيها: «... ان الكويت ليست سلعة في سوق السياسة، وان مبادىء الكويت ليست أوراقا على موائد المفاوضات، وان شمس كرامة الشعب الكويتي لا تغيب، ولن تغيب، بإذن الله تعالى»...
واوضح: «... ان الطائرة المختطفة عاشت ستة عشر يوما، كانت فيها ارض صراع بين الذين لا يملكون ما يدفعون به عن انفسهم، وبين اشباح ابت ان تظهر في النور، فمن الظلام جاءت والى الظلام عادت...».
ويمضي امام هذه المحنة مؤكدا صلابة الجبهة الداخلية في مواجهة اية محاولة لاختراق الوحدة الوطنية، فيشير: «... لقد حاول البعض اختراق الوحدة الوطنية، وما زالوا يحاولون، ولكن بعون الله تعالى، وبتماسك ووعي من ابناء الكويت، خرجت وحدتنا الوطنية من كل هذه المحاولات، وهي اصلب عودا، واعمق بصيرة، واعلن ابناء الكويت: ان الكويت هي الام والاب والارض والعرض... انها الماضي والحاضر والمستقبل... ارض عاشت على الايمان بالله تعالى، والتماسك بين ابنائها في السراء والضراء، وهذا هو ميثاقهم الذي عاهدوا الله عليه»...
لقد كان الشيخ جابر الاحمد ـ ولا يزال ـ شديد الحساسية تجاه امن الكويت، وامان شعبها، رغم سياسة الكويت الداخلية التي تؤكد عمليا حسن معاملة الغرباء على ارضها، وضمان حقوقهم، ومحاربة اشكال التمييز كافة والتفرقة في المعاملة ضدهم، ورغم سياستها الخارجية الملتزمة بالسلام والحياد، ونبذ العنف والصراعات في معالجة القضايا الدولية والاقليمية، وخصوصا القضايا التي تمس علاقات الجوار.
نقول رغم هذا كله، فقد صدق حس الشيخ جابر الاحمد فيما كان يذهب اليه حين نفذ على ارض الكويت مسلسل ارهابي مبرمج، خططت له بعض الدوائر العربية التي احتضنت قوى الارهاب العربي والعالمي، وراحت ضحيته ارواح بريئة من شعب الكويت والمقيمين على ارضها... هذا المسلسل الآثم الذي لم يقف عن مواصلة جرائمه بحق الكويت وشعبها،

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:48 AM
الكلمات الرمضانية ظاهرة
اجتماعية تعنى بالبيت الكويتي

شهر رمضان في الكويت من الشهور التي تتجدد فيها عادات اهل الكويت، وتتجسد فيها روح الاسرة الواحد من خلال الزيارات المتبادلة على المستويات كافة طوال هذا الشهر الفضيل. فإذا كان ابناء الشعب الكويتي يبادرون في الثلاثة ايام الاولى بزيارة الاسرة الحاكمة، فإن هؤلاء وفي مقدمتهم امير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، يقومون بدورهم برد هذه الزيارات لابناء الشعب في اماكن اقامتهم طوال شهر رمضان المبارك.
لقد اعتاد الشعب الكويتي في العشر الاواخر من هذا الشهر الفضيل الاستماع الى قائد المسيرة الشيخ جابر الاحمد في كلمة يتناول فيها عادة ـ بين امور اخرى ـ الشأن الكويتي. هي سمة حميدة كرسها منذ عام 1981م، وباتت احدى سمات وملامح هذا الشهر الكريم في الكويت... هذه الكلمات التي تجيء في معظم الاحوال لتعبر عن الفكر الاجتماعي والمجتمعي للشيخ جابر الاحمد. وفي الصفحات التالية سوف نحاول ان نلقي شيئاً من الضوء على محتوى تلك الكلمات، ونتعرف على فحوى ذلك الفكر، وما يهدف اليه.
ففي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1401هـ الموافق 23 يوليو عام 1981 كان للشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت اول وقفة رمضانية وجه فيها كلمة الى مواطنيه وابناء شعبه.
مشيراً الى ما انعم الله على الكويت وشعبها من نعمة الايمان والوطن الطيب، والعيش من قديم الزمان على المودة والمحبة وعرفان الجميل للوطن والدفاع عنه بالارواح والغالي والنفيس.
كما طالب في هذه الكلمة بضرورة التمسك بالوحدة الوطنية، وزيادة قوتها، وزيادة المحبة في القلوب، ونبذ من يريد شراً بهذا البلد الآمن، لتظل الكويت ـ كما كانت دائماً ـ دار امن وامان ومودة تجمع ابناءها والمقيمين على ارضها، ومن اجل ذلك كله كان يتوجب على كل فرد او مؤسسة ان يتحمل المسؤولية المناطة به.
وتأتي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1402 هـ الموافق 23 يوليو عام 1982 ليكون للشيخ جابر الاحمد لقاؤه الثاني مع الاسرة الكويتية. تحدث اليهم بمرارة كبيرة عن الصراعات القائمة على ارض العروبة والاسلام، حيث شهدت هذه الارض اكثر من حرب بين ابناء الوطن الواحد، وبين الاشقاء والجيران ممن تجمعهم العقيدة واللسان احدهما او كلاهما، داعياً الى ضرورة عبور ارض الخلاف الى ارض التعاون. منوهاً بأن غياب الفكر والتخطيط العربي الموحد سيبقي الصراع الاسرائيلي حركة في اتجاه واحد. وان الكويت التي كان لها شرف انبثاق الثورة الفلسطينية فوق ارضها، لن تتأخر عن بذل كل ما تستطيع لدعم هذه الثورة وحمايتها، حتى يعود الشعب المناضل الى ارضه التي طالت غربته عنها.
وكرر الشيخ جابر الاحمد دعوة ابنائه وشعبه الى المحافظة على ارض الوطن التي يحيا الجميع عليها، وعلى تاريخ الكويت الذي صنعه الاباء والاجداد، وان يكون ذلك كله أمانة في الاعناق، تسلم من جيل الى جيل لتكتمل المسيرة، وتسير الكويت بأمان وبروح من المشاركة والتعاون، وعلى اسس من الايمان العميق بالله تعالى، وبالتخطيط العلمي والعمل الدائب.
وفي العشر الاواخر من رمضان عام 1403هـ الموافق 6 يوليو عام 1983م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الثالث مع ابنائه وشعبه، دعا فيه الى صون الوحدة الوطنية، والتراحم بين ابناء هذا الوطن العزيز واكرام من فيه، والدفاع الباسل عنه، وهو هدف يتصدر اولويات المسؤوليات على مستوى القيادة والشعب.
مشيراً الى ان قوة الوطن تقاس بقدرة افراده على العمل، وان الكسب اذا ما ارتبط بالجهد وسلامة الهدف والوسيلة كان سعادة تدركها النفوس، وتبدو آثارها الطيبة في الحياة العامة، اما اذا ارتبط هذا الكسب بالاستغلال، وجذبه بريق المطامع العاجلة، كان مفسدة للاقتصاد والنفوس جميعاً. وكان بهذه العبارات يشير الى الازمة الحادة التي حصلت في سوق الاوراق المالية. وهذا ما اكده للاسرة الكويتية الكبيرة. حين اشار الى ان هناك فارقاً وخطأ واضحاً بين حرية الكسب، وبين الجور على سلامة وتقاليد الاقتصاد الوطني الذي قام على شرف الكلمة وحسن التعامل.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1404هـ الموافق 25 يونيو عام 1984م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الرابع مع ابنائه وشعبه، دعا فيه الى ان حب الكويت يسبق حب النفس والمال والولد في قلب كل كويتي نبتت بذرته وامتدت جذوره وفروعه في ارضها الطيبة.
داعياً الى ان الوحدة الوطنية، والتعاون الخليجي، والانتماء العربي، وهدي الاسلام، والسلام العالمي، دعائم خمس تقوم عليها حياة الكويت الداعية الى الخير والدامغة للشر والعدوان.
مؤكداً ان دور الابوين والاسرة اساسي في غرس القيم، ورعايتها بالقدوة الحسنة والتربية المستمرة، فالنساء شقائق الرجال في الحق والواجب والعطاء الذي يعود خيره على الاسرة والمجتمع، وان ابناء اليوم وبناته هم آباء الغد وامهاته فضعوا في ايديهم وسائل الحياة.. ايماناً وعلماً وقوة. فأقلامهم اسلحة العلم. واسلحتهم اقلام النصر.
ناصحاً كل فرد في المجتمع، حين يقول: «.... ان نعم الله وعطاءه اختبار للانسان، ايشكر ام يكفر؟ وحياة كثير منكم بين اقامة وسفر وانتم في سفركم تحملون الكويت في قلوبكم حباً وعلى لسانكم ذكراً، فاختاروا لانفسكم واهليكم مواقع الخير، واجتنبوا مواقع الذين ظلموا انفسهم، واجعلوا اقوالكم وافعالكم صورة كريمة لوطن كريم...».


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:49 AM
كلمات سموه الى الشعب في العشر الاواخر أوضحت مشاعره تجاههم واصبحت تقليدا ثابتا الامير: استقرار الكويت في تماسك ابنائها والعواصف كانت جزءا من حياة الاجداد
الحلقة التاسعة

ما زلنا مع .. في كلمات سمو الامير في العشر الاواخر من رمضان ودلالاتها ومعانيها .. ففي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1405 هـ الموافق الاول من يونيو عام 1985 كان اللقاء الخامس بين الشيخ جابر الاحمد والشعب الكويتي لكنه في هذه المرة كان لقاء مختلفا عن سابقيه لكونه أتى في ظروف مؤلمة، ومحنة قاسية مرت على الكويت وشعبه، تلك المحنة التي تمثلت في الاعتداء الآثم على موكبه، فتزامنت الفترة المعتادة لالقاء الكلمة مع استئنافه لنشاطه الرسمي بقصر السيف، حيث شدد في هذه الكلمة على حماية المنجزات التي حققتها الكويت وبذلت في سبيلها الكثير، مؤكدا على رفض المساومة والمجاملة على حساب الكويت.
ولم يفت الشيخ جابر الاحمد امام هذه الملحمة الشعبية ان يتقدم بالشكر للمواطنين والمقيمين على ارض الكويت لوقفتهم الرائعة، وادانتهم للجريمة منوها بالقول «لقد وقفتم معي في هذه المحنة بجميع فئاتكم، رجالا ونساء واطفالا، وكنتم كالعهد بكم اهل الفضائل والوفاء فشكرا لكم وشكرا للمقيمين فقد عاشوا معنا بمشاعرهم وتعاونهم، بارك الله في هذا الشعب الطيب وابعد عنه كل مكروه يراد به وايدنا جميعا بنصر من عنده، انه سميع مجيب..».
وفي العشر الاواخر من رمضان عام 1406هـ الموافق 4 يونيو عام 1986 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء السادس مع ابنائه وشعبه اكد فيه ان استقرار الكويت هو تماسك ابنائها وقدرتهم على العطاء، مشيرا الى ان العواصف كانت جزءا من حياة البحر التي عاشها الآباء، ولكل عصر عواصفه ومشكلاته وان ثقته كبيرة في قدرات الشعب الكويتي على التغلب على هذه الازمات.
محددا ان اكبر آماله تنحصر في اعداد الجيل الكويتي الجديد لحياة جديدة وان اول عناصر ذلك توسيع افاق العمل امام الشباب، وثانيها هو الارتفاع بمستوى الاداء وثالثهما تحويل طاقاتهم الى التحدي الحضاري ليكونوا شركاء في صناعة الحياة.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1407هـ الموافق 23 مايو عام 1987 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء السابع من اللقاءات الرمضانية مع ابنائه وشعبه، منوها بان شهر رمضان المبارك شهر نلتقي فيه جميعا على الخير ونسعد بالرعيل الاول الذي شيد اساس حياتنا، ونحفظ له الجميل، ونسعد بالابناء، وهم زينة الحاضر وامل المستقبل ونسعد بالود والتزاور وصفاء القلوب، وعلينا ان نتمسك بها فهي لنا نور على طريق الحياة وزاد في مسيرة الكويت نحو تحقيق المزيد من الانجازات.
ويمضي شارحا الوضع الاقتصادي للبلاد والاخطار التي احاقت به فيقول: «نحمد الله تعالى انه اعاننا على تحقيق خطوات نحو الاستقرار الاقتصادي الداخلي وتجاوز جانب من السلبيات التي افرزتها المضاربات المرتجلة للكسب السريع دون اي جهد انتاجي، وما جاء بعد هذا من تدني اسعار النفط فالتقى العاملان الداخلي والخارجي ووصل الاقتصاد الكويتي الى وضع خطير ولولا عناية الله والعمل الجاد الذي اعاد الثقة به وذلك بتعاون وثيق بين القطاعات الحكومية والاهلية.
والآن علينا ان نتابع التعاون في ترشيد الانفاق والترشيد منهج شعبي وحكومي معا يبدأ من مستوى الدولة في امانة وسلوك القائمين على اجهزتها للمحافظة على الاموال العامة ثم يأتي دور رب الاسرة ليكمل بما بدأت به الدولة..!
وفي اليوم السابق من شهر رمضان عام 1408هـ الموافق 23 ابريل عام 1988 م وبخلاف ما جرت عليه العادة ان تأتي مثل هذه المناسبة في العشر الاواخر من الشهر الفضيل بسبب المحنة التي تعرضت لها الكويت باختطاف الطائرة «الجابرية» الامر الذي دعا الشيخ جابر الاحمد ان يستعجل في القاء الكلمة في وقت مبكر من الشهر الفضيل.
فقد اظار فيما اشار اليه «ان منهجنا امام الارهاب ان ندينه وندين كل عدوان وان ندافع عن ارضنا وابنائنا ما استطعنا اليه من قوة، وان نقيم ميزان العدل في وطننا ذلك لان العدل هو محراب القضاء ونحن لا نملك تغيير المحراب».
ويضيف في هذه الكلمة المحزنة: «ان أكثر من تجربة مرت بها الكويت، واستهدفت ابتزازها وتهديدها، واغتيال ابنائها فوق ارضها وفي خارجها وحاولت تفجير منشآتها في تآمر مدبر بليل، او عدوان سافر بالنهار وكان منا الثبات على ما نؤمن انه الحق والعدل..».
ثم يرتفع على هذه الجراح شامخا، ومعلنا: «لقد رأيت توحد الكويت في هذه المحنة مرتين الاولى، وهي تشييع الشهيدين الى مثواهما بالحزن النبيل والثانية وهي تستقبل العائدين بالفرح العزيز..».
ويمضي والنفس مشحونة بالحزن: «ورأيت في عين الكويت اللقاء بين دمعة الحزن ودمعة الفرح، ورأيتكم يا ابناء الديرة من بادية وحاضرة كبارا في حزنكم كبارا في فرحتكم كبارا في تماسككم كبارا في ثقتكم بانفسكم واعتزازكم بكرامتكم..»
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1409 هـ الموافق 3 مايو عام 1989م كانت للشيخ جابر الاحمد الوقفة التاسعة مع اهله وابنائه وشعبه، اكد فيها على ان التنمية الحق تتخذ من الانسان الكويتي محورا، ومن الانتماء للكويت اساسا، وان الخبرات الكويتية هي اساس التنمية، وهي الاقدر على تحديد المشكلات وحلها، وان السنوات المقبلة تحتاج الى عمل دؤوب ونكران ذات وتحديث وتجديد، وان الواجب يدعونا الى ان نعطي انفسنا فرصة لمراجعة الذات فاما الاستمرار وتحمل المسؤولية او افساح المجال للاخرين، منوها بان مرحلة التسعينيات تحتاج الى جهد اكبر من سابقاتها وان اتفقت معها في الجذور الاصيلة التي نستمد منها القدرة على حمل المسؤولية وهذه طبيعة الحياة في سيرها، وجمعها بين الاستمرار والتغيّر.
وهنا دعا الى ضرورة التجديد والتحديث ومواكبة تطورات العصر.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1410هـ الموافق 21 ابريل عام1990م كان اللقاء العاشر الذي جمع بين الشيخ جابر الاحمد وابنائه وشعبه مذكرا اياهم بحديثه في مطلع التسعينيات حول النقلة النوعية التي طالب بها جموع الكويتيين في حياتهم وعلى جميع المستويات حيث تم فتح حوار حول مجمل القضايا الكويتية لمدة ثلاثة شهور ذلك الحوار الذي اكد فيه مرات عديدة علي قاعدة الشورى وتوسيع الحياة النيابية والمشاركة في المسؤولية باعتبارها جميعا من مقومات الحياة الكويتية.
داعيا من خلاله للمحافظة على الوحدة الوطنية وسد الطريق امام اي بادرة لشق الصف الكويتي.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1411هـ الموافق 7 ابريل عام 1991م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الحادي عشر مع ابنائه وشعبه، استعرض في كلمته مأساة الغزو ومحنة الاحتلال العراقي لتراب الوطن الغالي معبرا عن فخره واعتزازه بابنائه، ابناء الكويت جميعا، رجالا ونساء .. كبارا وصغارا، داعيا للرجوع الى الله بقلوب نقية سليمة بعد ان امتحن - سبحانه وتعالى - هذا الشعب بهذه المحنة على ايدي طغاة لا يعرفون الله.
ويمضي في هذا الاتجاه ناصحا ابناءه وشعبه قائلا: «لقد قدر الله - سبحانه وتعالى - جلت قدرته، نحن لحكمته - تعالى - من الصابرين ان جرى احتلال بلادنا والاضرار بشعبنا وبجميع مؤسساته ولسنا اول بلد محتل، غير ان الاحتلال الذي حل ببلادنا لم يكن لهمجيته ووحشيته مثيل في تاريخ البشرية الطويل، وقد كانت بشاعته وانعدام انسانيته وتجرده من الاخلاق والمثل مصدر اشمئزاز وانزعاج لدى شعوب العالم كافة، ومع ذلك لم تفتت هذه الوحشية المنقطعة النظير عضد الكويتيين الذين اثبتوا وجودهم في الحاضر كما اثبتوه في الماضي ولم تضعف قلوبهم او تضمحل ارادتهم في الدفاع عن ارضهم ووطنهم ومواجهة العدو الغاشم بل قويت عزيتهم وزاد تصميمهم على التمسك بهذه الارض الطيبة مما جعلهم مضرب الامثال.
ويضيف قائلا «لم يكن ذلك مقصورا على الرجال فقد اثبتت النساء الكويتيات خلال فترة الاحتلال جدارتهن وثباتهن وتحملهن المتاعب والشدائد كافة.
وفي هذه الكلمة توجه الشيخ جابر الاحمد بالشكر والثناء للمملكة العربية السعودية التي وضعت اراضيها ومواطنيها هدفا للعدوان من اجل تحرير الكويت كما توجه بالتحية والشكر الى دولة البحرين ودولة الامارات العربية المتحدة ودولة قطر وسلطنة عمان وجمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية والمملكة المغربية الذين اثبتوا ان الاخوة والاخاء ليس كاملا اجوفا يردده اللسان بل ايمانا راسخا في القلوب يظهر بجلاء عند الشدائد والمحن
كما اشاد بالدور الذي قامت به الدول الاسلامية الصديقة في تحرير الكويت وكذلك الاصدقاء الاوفياء الاعضاء في قوة التحالف الدولية الذين وضعوا كل امكاناتهم من اجل الدفاع عن الحق والقانون والمثل السامية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وجمهورية فرنسا وبقية دول التحالف واولئك الذين ساندوا الكويت ادبيا في مواقفهم المعلنة الصريحة في رفض العدوان وشجبه، الى هؤلاء جميعا توجه بعظيم الشكر والتقدير والعرفان.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:49 AM
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1412هـ الموافق 28 مارس عام 1992م كان اللقاء الثاني عشر بين الشيخ جابر الاحمد وابنائه وشعبه، تحدث اليه عن تطلعاته المستقبلية لكويت الغد، بلد أمن وأمان وشعب محب للخير والسلام، بلد بات في مواجهة ظروف ومعطيات جديدة تدور حولها عشرات القضايا التي تعني حاضره ومستقبله، هذه التطلعات والامال باعثها - كما قال الشيخ جابر الاحمد - هو شعب الكويت وان الطريق لبلوغها هو شعب الكويت بعملهم الدؤوب المتواصل وعطائهم المخلص وارادتهم الصلبة هذا الشعب الذي قبل التحدي وواجه الصعاب واقتحم العقبات ليعيد الى وطنه الكويت مقومات واساسيات حياته.
وفي معترك هذا الطرح المتفائل بالامال والتطلعات ركز الشيخ جابر الاحمد على عدد من القضايا ذات الاولوية القصوى في الشأن الكويتي جاءت مسألة التركيبة السكانية والمسيرة الاقتصادية في مقدمتها.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1413هـ الموافق 17 مارس عام 1993م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الثالث عشر مع مواطنيه وابناء شعبه استعرض فيه اربع حقائق مهمة استقرأها من تاريخ الكويت ومسيرته ونضال شعبه.
كانت اولى هذه الحقائق: ان الثروة البترولية ليست وحدها الدافع المحرك للمطامع في الكويت، وثانيها: ان شعب الكويت لم تنحن هامته قط بسبب قلة عدده او قلة موارده، وربما كانت هذه الحالة سر قدرته على التحدي والابداع وثالثها: ان الكويت خاضت من قبل معارك متعددة ذاقت فيها النصر ولم تبطر، وعرفت الهزيمة فلم تنكسر، اما الحقيقة الرابعة فهي ان الكويت لم تبدأ احدا بالعدوان قط، قريبا كان ام بعيدا، وهذا ما جعل اجناسا من البشر يفدون اليها ليعيشوا على ارضها الطيبة متمتعين بالحرية والامان.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1414هـ الموافق 5 مارس عام 1994 م تجدد اللقاء الرابع عشر بين الشيخ جابر الاحمد ومواطنيه وابناء شعبه، لقاء شرح فيه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وان الواجب يدعو الجميع الى التضحية من اجل حماية مستقبل الابناء والاجيال القادمة.
مشيرا الى ما اصاب النفوس من تغيير كبير جراء الغزو والعدوان ومحنة الاحتلال لكنه لم ير في ذلك التغيير والتحول الشر كله، ذلك لان الشر الحقيقي - كما اشار اليه - هو الاسترسال مع سالف العادات واستحلال شواذ السلوك كأنه لم يحدث شيء وكأن اصحاب المطامع سكتت مطامعهم.
امام هذه الظاهرة السلبية التي استشرت في النفوس وغيرت من عوائد وطبائع اهل الكويت كان للشيخ جابر الاحمد وقفة طويلة ننقل جانبا منها حين يقول «ان الاستمرار في نمط الترف والبذخ ليس اعباء مالية فقط، وانما هو في المقام الاول هدم للشخصية السوية المتزنة وغرس لامراض الغرور والترهل وما هكذا يكون كويتي مابعد التحرير..».
ويمضى محذرا «ان تعدي حدود القوانين والاداب والتقاليد ليس مجرد مخالفات او جرائم تنتهي بعقوبة مرتكبيها بل هي خطة سوء تهدم استقرارنا من داخله، ما هذا بمراد كويتي مابعد التحرير».
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1415هـ الموافق 20فبراير عام 1995م كان اللقاء الخامس عشر بين الشيخ جابر الاحمد ومواطنيه وابناء شعبه ناقلا اليهم خواطره وما يجيش في نفسه وفكره من تطلعاته وآمال لمستقبل الكويت وشعب الكويت.
مشيرا الى ان المحبة لا توجد بقرار، وان سماحة النفوس لاتزرع بامر وان التعاون والايثار وكل مفردات الاخلاق لا تصدر بها مراسيم، انها صورة النفوس التي تتكون من خلال القيم التي تربى عليها الفرد ونشأ، بحيث يشعر ان الخروج عليها نوع من سوء الخلق بل والعار.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1416هـ الموافق 12 فبراير عام 1996 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء السادس عشر من مواطنيه وابناء شعبه وكعادته في مثل هذه المناسبات لم يغب عن باله ا لتوجه بالحديث الى شباب الكويت - ذكورا واناثا - لانه يرى في وجوههم دوما المد الدائم المستمر لموج الحياة المتدفق.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1417هـ الموافق اول فبراير عام 1997م تجدد اللقاء، فكان اللقاء السابع عشر من اللقاءات الرمضانية بين الشيخ جابر الاحمد ومواطنيه وابناء شعبه، حدثهم عن بناء الذات واعتبرها المسؤولية الاولى التي يواجهها كل راشد وكل عاق، وكرامة الانسان ترفض ان يحتقر نفسه او يحتقر الاخرون، كما تأبى ان يذل نفسه بالمطامع والشهوات وان يكون عالة على الاخرين.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1418هـ الموافق 21 يناير عام 1998 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء الثامن عشر مع مواطنيه وابناء شعبه حيث توجه اليهم بكلمة اشار فيها الى ان الامم الواعية، ذات الموروث الحضاري هي التي تعرف كيف يكون هذا الموروث قوة في بناء شخصية الفرد والجماعة تتحقق عن طريقها ثلاثة من اهم المقومات لوجود الامم ونجاحها:.
اولها: التميز الذي يحفظها من الذوبان في الغير ويضمن لها البروز والذكر الحسن.
وثانيها: قوة الصمود امام الزعازع مهما بلغ اضطرابها وطغيانها.
وثالثها: قوة الاندفاع نحو العمل والانجاز التي يحقق لها الرضا الذاتي واحترام الاخرين.
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1419هـ الموافق 11 يناير عام 1999 م كان للشيخ جابر الاحمد اللقاء التاسع عشر مع مواطنيه وابناء شعبه حدثهم حول المشكلات والتحديات التي تواجهها الكويت بقوله «ان المشكلات التي تواجهها الكويت كثيرة ومتنوعة وان التحديات التي تقف امام تقدمها متجددة، وان المطلوب هو علاج عاجل مهما كانت مرارة الدواء»..
وفي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1421هـ الموافق 20 ديسمبر عام 2000 كان لامير الكويت الشيخ جابر الاحمد اللقاء الحادي والعشرون مع مواطنيه وابناء شعبه، كان لقاء مصارحة عبر ما يختلج في صدره وضميره من هموم الوطن وما يحمل في فكره ووجدانه من هواجس حين اشار: «ونحن نواصل طريق الخير، يجب الا نغفل ابدا عن الطامعين فينا والمتربصين بنا فانهم لا يسلطون عليها جيوشهم البشرية وحدها بل يسعون لاضعاف تماسكنا وضرب وحدتنا، واغراقنا في الامراض الاجتماعية التي تروج لها شياطينهم عن طريق المخدرات والآثام.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:50 AM
إذا كان الأمير الراحل عبدالله السالم هو رائد ديموقراطيتنا فالشيخ جابر رائد نهضتنا الاقتصادية والاجتماعية الأمير ملتزم بقضية الإنسان الكويتي وبحل مشكلاته والتخفيف من معاناته
الفكر الاقتصادي لسمو الأمير

العرض السريع لجهود الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت الذي استخلصناه واستنبطناه من ثنايا خلاصة فكره الاجتماعي والمجتمعي، وفي جانب منه، وليس كله.. هذا الفكر المبادر الذي يحمله الشيخ جابر الاحمد الى مواطنيه في كل مناسبة واخرى، ويدعوهم للمشاركة في تحمل جزء من مسؤولياته.. هذا الفكر الملتزم بقضية الانسان الكويتي ومشكلاته يحاول الشيخ جابر الاحمد ـ باصرار ـ السعي الى تطبيقه منذ صدور بيانه التاريخي الذي ألقاه امام مجلس الامة الكويتي في يونيو عام 1970م ذلك البيان الذي هدف الى تقييم مسيرة البناء، وتحديد معالم المستقبل بالتخطيط لمقومات الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
ان الالتزام بالكلمة موقف شجاع وقضية حق مقدسة. وهي واحدة من المزايا الخُلقية والادارية الفذة التي جعلت من الشيخ جابر الاحمد رجل دولة واسع الافق بعيد النظر شديد الحرص على النهوض بالمجتمع الكويتي الى ارقى مراتب التقدم الحضاري، مع الحرص الشديد على الالتزام والتقيد بانجازات الماضي وحسناته، لكونها تمثل صور البطولات ونضال الشعب الكويتي على جميع المستويات.
هذا الالتزام والحرص على الوفاء للكلمة جعله قريبا من الحس والنفس الشعبي والوطني.. يتحسس من خلالهما مشاكل المواطنين الحياتية، ويتلمس من خلالهما ايضا معاناتهم الناجمة عن التداعيات السلبية المصاحبة لعملية التطور والرقي الحضاري.
هذا الادراك الحي الفطري لقضايا المجتمع، وبخاصة في جانبها الاجتماعي والمجتمعي، لم يأت من فراغ او نتيجة لردود فعل آنية، او ممارسة مهنية، بل كان نابعا من حالة المعايشة الشعبية التي كان يصر دوما على ان يكون في أتونها يفرح لنجاحاتها التي تسير في الطريق القويم ويحزن لاخفاقاتها التي تسير في طريق المحاكاة والتقليد.
من هنا، كان يطلب بالحاح شديد من الاجهزة الرسمية والاهلية العامة في الميدان الاجتماعي السعي لايجاد الحلول المناسبة والسريعة للمشكلات الاجتماعية التي تطل برأسها على المجتمع بين حين وآخر، حتى لا تتفاقم هذه المشكلات وتتدحرج ككرة الثلج، فتلد كل واحدة منها مجموعة من المشكلات الجانبية، تكبر بمرور الزمن، فتصبح قضية تشكل سياجا خطرا حول بنية المجتمع تقلق بال كل مواطن، وتأخذ من جهد المؤسسات العاملة في هذا الميدان اضعاف ما كان مطلوبا منها لو تمت مواجهتها منذ البداية. ذلك لان المواجهة المتأخرة رغم الجهود المضاعفة تحمل لنا حلولا ومعالجات تأتي في معظم الاحوال مشوهة ومكلفة.
من هذا المنظور القريب البعيد كان يرى الشيخ جابر الاحمد ان مواجهة المشكلات والقضايا الاجتماعية والمجتمعية لا يمكن ان تعالج باسلوب فردي احادي. فالجميع ـ مواطنون وهيئات رسمية واهلية ـ مطالبون ومدعوون للتعاون في عملية المواجهة متى ارادوا ان تكون الحلول ناجعة ومفيدة. ذلك لان اي طرف من هذه الاطراف لا يستطيع وحده ان يفكر ويعمل وينجح في مسعاه ما لم يشدّ الآخرون من أزره، ويتعاونوا معه في كل خطوة يقدم عليها. فالمجتمعات المتقدمة لم تحقق هذه الطفرة الهائلة في الحضارة الانسانية من فراغ بل من خلال التعامل والتكامل بين مؤسسات الدولة سواء أكانت حكومية ام اهلية.. انها حالة من التكامل والتمازج العضوي في كينونة الدولة، وسمفونية شذية متناغمة يعزفها المواطنون وتستمع اليها قياداتهم السياسية في حفل انتصارهم الحضاري.
فاين نحن من هذا كله؟ ومتى نستطيع ان نقطع المسافة التي تفصل بيننا وبين العالم المتقدم؟ انها مجرد امان ننشدها، وقد يراها البعض ضربا من الاحلام. لكن أليس من حق هذا الشعب، وهذا الوطن ان يحلما بمستقبل افضل كما تطمح اليه قيادته السياسية وعلى رأسها الشيخ جابر الاحمد؟
بداية نود ان نشير الى حقيقة ساطعة، وهي إن كان المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، امير دولة الكويت الاسبق، رائد الديمقراطية الكويتية، فان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، امير دولة الكويت اليوم هو رائد النهضة الاقتصادية والصناعية التي عمت البلاد منذ ان تعهد، بصفته رئيسا لدائرة المالية ثم وزيرا للمالية والاقتصاد، باقامة وتأسيس الشركات والمؤسسات الاقتصادية والصناعية والخدمية.
وكانت قدرته الفائقة على التحليل، بجانب ثقته بنفسه، وثقة كل من الشيخ عبدالله السالم الصباح، والشيخ صباح السالم الصباح، الكبيرة به ومحبتهما له، هي التي يسرت له العمل في هذا المجال بقوة مما جعل الامور الاقتصادية وغيرها ـ جميعا ـ بيده في ذلك العهد.
ان ابناء الجيل المعاصر للشيخ جابر الاحمد وعلى وجه الخصوص ابان توليه منصب وزير المالية والاقتصاد والتجارة. شهود على انجازاته التي شكلت ـ ولا تزال ـ دعائم الاقتصاد والمال والصناعة والخدمات الوطنية العظيمة.
وفي هذا الصدد يحدثنا خالد ابو السعود، فيقول: «لقد اجمعت الاراء على ان سمو الشيخ جابر الاحمد هو رجل اقتصاد من الطراز الاول وهو من كان ـ دائما ـ وراء المشروعات العظيمة التي كانت من دعائم بناء وتنمية الاقتصاد الوطني وراعي تأسيس الشركات المساهمة وتفعيل دورها، وواضع اسس السياسة الاستثمارية لاموال الاحتياطي العام. ولقد كان هو صاحب فكرة انشاء احتياطي الاجيال القادمة، وراعي خطة استثماره. كما عمل على دخول الكويت كعضو عامل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وغيرهما من المنظمات الاقتصادية العالمية والاقليمية».
وقد آثرنا التركيز على تغطية جوانب الفكر الاقتصادي للشيخ جابر الاحمد، واهم انجازاته الاقتصادية ونتائجها المستقبلية خلال الفترة التي تولى فيها حاكمية مدينة الاحمدي ومناطق النفط عام 1949 ثم رئيسا لدائرة المالية عام 1959م فوزيرا لاول وزارة للمالية فوليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء.
يعتبر الاقتصاد الكويتي وعناصره التي يقوم عليها، والتي أرسى قواعدها الشيخ جابر الاحمد، ركنا مكينا في البناء الكويتي، وهو اساس رئيسي في انطلاقة وازدهار الدولة ووسيلة الانسان الكويتي لصنع التنمية على ارضه وامتداد الخير لمن حوله.
ويقوم الاقتصاد الكويتي على اساس الحرية المنظمة فحرية العمل مكفولة امام رأس المال الخاص، بالاضافة الى قيام الدولة بالعديد من المشروعات الضرورية الحكومية والمشتركة.
ولقد اجمع خبراء الاقتصاد العرب والعالميون على ان الشيخ جابر الاحمد هو مهندس الاقتصاد الكويتي، منذ ان تولى زمام الامور في مدينة الاحمدي ومناطق النفط عام 1949م، تاركا بصماته وافكاره وتطلعاته المستقبلية على كل ما تقوم به الدولة، وتنفذه في مجال التنمية الاقتصادية على المستويين المحلي والعالمي.
فعلى المستوى المحلي، كانت فكرة توزيع الثروة على ابناء الشعب بطرق مختلفة، وتعدد مصادر الدخل دون الاعتماد على سلعة واحدة «النفط»، من بنات افكاره التي طرحها بالحاح شديد.
اما على المستوى العالمي، فقد اقترح امام قمة عدم الانحياز في بلغراد في سبتمبر عام 1989م اربعة مقترحات عملية لحل مشكلة الديون وفوائدها التي تعاني منها الدول الفقيرة، كما كرر في الخطاب الذي ألقاه في الامم المتحدة، اثناء انعقاد دورتها الـ 43، دعوته في ايجاد نظام اقتصادي انساني عالمي وعادل، مؤكدا على ان الفوائد المتزايدة لديون دول الشمال على دول الجنوب ذات تأثير سلبي على التنمية في دول الجنوب، مما يعرقل بناءها وتطورها، وقد ادخلت هذه الدعوة وهذا المقترح كوثيقة رسمية من وثائق الامم المتحدة، لتصبح فيما بعد جزءا من اعلان «كراكاس».
لقد كان لدعوة الشيخ جابر الاحمد، وفكره الاقتصادي الذي حمله معه ونقله الى المجتمع الدولي، صدى دوليا واسعا، فقد لقيت مقترحاته ترحيبا كبيرا من عدد كبير من رؤساء دول العالم، والامم المتحدة، والمنظمات الدولية المتخصصة وخاصة تلك المنظمات والهيئات العاملة في المجالات التنموية.
وفي هذا السياق يتحدث عبد اللطيف البحر، فيقول: «... كان سموه ـ حفظه الله ـ مثالا لرجل الدولة الذي يدير الازمات بحكمة وروية وحنكة سياسية واجتماعية، وكان لديه حس اقتصادي فطري لازمه طوال ادارته لمسار الاقتصاد الكويتي، وكان لدى سموه قاعدة تكاد تكون ثابتة في فكره الاقتصادي، اذ كان ينظر الى اي مشروع اقتصادي من منظور ثلاثي: اقتصادي وسياسي واجتماعي، وكان يشدد دائما في كل دراسة على الجدوى الاقتصادية لما يعرض عليه، والتأكد من ان هذه العناصر متوفرة فيه سعيا لضمان تحقيق الهدف من اقامة المشروع»....

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:51 AM
ويؤكد هذا القول سكرتير مكتب الشيخ جابر الاحمد الاسبق بدر النصر الله، فيقول: «... لقد لمست طوال عملي مع سموه، ان لديه فكرا واهتماما فطريا بالجانب الاقتصادي، فهو من اقام قواعد بناء الاقتصاد الكويتي وتطوير مساره، بجانب قيادته وتوليه لامور النفط وشركاته وعوائده، ووضعه لسياسة الاستثمار وتنظيم العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول، وتوزيع مداخيل النفط وعوائده على الشعب من خلال «التثمين»، بجانب رعايته لنهضة الكويت وتقدمها وتطوير الخدمات بها»...
وعن نهج الشيخ جابر الاحمد يقول خالد ابو السعود: «... ومن المعروف عن الشيخ جابر الاحمد انه متدين، فهو في جميع اموره الشخصية وتوجهاته يسير على النهج الاسلامي، فيتحاشى مثلا التعامل بالفوائد او الاستثمار في اسهم الشركات ذات الاغراض المحرمة شرعا كشركات الكحول او ألعاب الميسر او مأكولات الخنزير، وكنا نعرف عنه هذا النهج، وكانت استراتيجية الاستثمار التي نسير عليها تراعي هذه الامور، وعلى الرغم من ان اموال الحسابات الاحتياطية تستثمر في جميع اوجه الاستثمار من اسهم وسندات وعقار وودائع... الخ، الا ان نسبة الاسهم والاستثمار الجيد المباشر كانت تدر ارباحا تزيد باضعاف على فوائد السندات او الودائع، ويركز سموه على الاستثمار الملموس الطويل الاجل والبعيد عن المضاربة او المتاجرة مع مراعاة تقوية وتطوير السوق المالي الكويتي باشكاله المختلفة، وقد ادت سياسة سموه هذه الى امتلاك الدولة لاجود المحافظ الاستثمارية الدولية، والى حيازتها لنسب عالية في اسهم اكبر الشركات العالمية»...

مسيرة الاقتصاد الوطني
بين التطور والازدهار

قبل اكتشاف النفط بزمن طويل عرفت الكويت، بصفتها مركزا تجاريا مهما في الخليج، التجارة وتبادل السلع، وقد وصل تجار الكويت بسفنهم الى جنوب شرقي آسيا وشرقي افريقيا، وكانت السفن الكويتية تمخر عباب المحيط الهندي على شكل سلسلة من الرحلات البحرية المنتظمة، زودت الرعيل الاول بحنكة تجارية وخبرة في التعامل مع الآخرين على اختلاف اجناسهم وطبائعهم وعاداتهم.
وكان اكتشاف النفط وبدء تصديره في نهاية الاربعينيات نقطة تحول مهمة في تحديث وتبديل نمط الحياة الاقتصادية في الكويت، فقد بدأت الفوائض المالية بالتزايد مع تجاوز ايرادات النفط للانفاق العام، مما دعا الى ضرورة ايجاد السبل لاستثمار تلك الفوائض، وتنميتها للصالح العام، واشرفت على تلك الجهود ـ آنذاك ـ دائرة المالية التي كان يرأسها الشيخ جابر الاحمد من خلال مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، وادارات متخصصة في دائرة المالية في الكويت.
ولقد لعبت الدولة، منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية، ثم وزارة المالية في المراحل الاولى من تطور الاقتصاد الوطني، دورا حيويا لتراكم رأس المال التجاري، واقامة صرح المشروعات الصناعية المختلفة، ولقد برز دور الدولة في تحقيق التحول الصناعي عن طريق اقامة الشركات الصناعية والتجارية وحماية المشروعات الداخلية، وبعد ان تخطى الاقتصاد الكويتي هذه المرحلة، برز دور الدولة بصفتها حارسة يقوم الافراد في ظلها بممارسة نشاطهم الاقتصادي والتجاري بحرية تكاد تكون كاملة.
لقد اعتمدت الدولة، منذ الخطوات الاولى في مسار الاقتصاد الكويتي، على الايرادات النفطية بصفتها مصدرا احاديا ومهما واساسيا لايرادات ميزانية الوزارات والادارات الحكومية بشكل مباشر، ومحركا لنشاطات سائر القطاعات الاقتصادية الاخرى بشكل غير مباشر، وسوف يستمر هذا الوضع حتى يتغير الهيكل الاقتصادي والمالي، بحيث يقل الاعتماد على مصدر واحد للايرادات.
اذ لا تشارك الايرادات الاخرى، وهي ايرادات رسوم، واثمان خدمات، وايرادات استثمار المالي الاحتياطي، الا بما يقارب 30% من المصروفات الجارية، وعموما فانه مع ازدياد الايرادات تزداد النفقات العامة التي تقدمها الدولة من اجل اشباع الحاجات العامة.
ولم يغب عن فكر الشيخ جابر الاحمد حاجة الاقتصاد الوطني الى المراجعة والتأمل بين وقت وآخر لضمان حسن ادائه، وعلاج مشكلاته، وترشيد مساره من خلال تبني مجموعة متكاملة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية، تهدف الى تقليل الاختلالات الهيكلية، وزيادة معدلات نمو القطاعات الاقتصادية، وذلك بعد اجراء الدراسات المكثفة والمتعمقة التي يمكن تطبيقها بصفتها مجموعة موحدة ومتناسقة.
وقد اضحت عملية التخطيط الشامل اكثر من ضرورية لمتابعة وقياس اداء الاقتصاد الكويتي بشكل مستمر، وتحقيق التوازن بين قوى العرض والطلب بالسوق المحلية، واعطاء دفعات قوية لقطاعات الانتاج غير النفطية لتقليل الاعتماد على مصدر ناضب كمورد رئيسي للثروة والدخل، وتنمية الموارد البشرية، وفي مقدمتها العنصر البشري الكويتي للارتقاء بمساهمة في قوة العمل الاجمالية بشكل مستمر، وترشيد استخدام الموارد المالية، وتوجيه الانفاق الخاص بما يعود بالنفع على المجتمع، ويضمن توظيف رأس المال الخاص، ومدخرات الافراد في مشروعات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لقد كانت الاعوام 1976/1977م مشحونة بالانجازات الرائدة، شعر بها الجميع، سواء على المستوى الشعبي داخليا ام لاحظه المراقبون في الخارج، عن وجود تحولات تنموية، وتوجهات سياسية تحدث في الكويت لصالح بناء المجتمع المدني، ودعم مسيرة النظام الديموقراطي الذي اتخذته الكويت طريقا ومنهجا لها في الحياة وفي النظام السياسي.
ففي الداخل، كانت اهتمامات الشيخ جابر الاحمد منصبة بشكل كبير على تنفيذ مشروعات المخطط الهيكلي للدولة، وقد عهد بهذه المهمة ـ حينذاك ـ الى عدد كبير من كبار المستشارين المعماريين في العالم لوضع تصوراتهم للتوسع المعماري، والتخطيط الحضاري والمدني في الكويت.
فالكويت تنمو، والسكان يتضاعفون، والحياة تتبدل من حال الى حال ولا بد من مواجهتها بحس وفكر حضاري... هذا المشروع الضخم، الذي نلمس اليوم نتائجه على ارض الواقع، كان ثمرة من ثمار جهد وفكر الشيخ جابر الاحمد ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك، والذي كان حريصا كل الحرص على ان يترأس اجتماعات خبراء المخطط الهيكلي بنفسه، ليزودهم بتوجيهاته وارشاداته وتطلعاته المستقبلية.
فاذا كان المخطط الهيكلي للدولة أحد المشاريع الكبرى التي شغلت بال الشيخ جابر الاحمد، فان خطة تطوير الجهاز الوظيفي، ورفع كفاءته لكي يكون له مردود طيب في مجال العطاء الوظيفي، كانت هي الاخرى احدى المشروعات الكبيرة التي نلمس نتائجها اليوم، والتي جعلت للكويت مكانا بين صفوف الدول المتقدمة في علم الادارة والتنظيم الاداري.
وما أن انتهى هذا المشروع حتى تقدم بمشروع اخر، وبرغبة ضرورية في انجازه، ألا وهو مشروع القسائم السكنية للمواطنين. وراح يرعاه بنفسه، ويطلب بالحاح شديد ان تنتهي بلدية الكويت من اعداد هذه القسائم، ليتم توزيعها على المواطنين قبل نهاية عام 1977م، ليتحقق الامل للمواطن في امتلاك بيت مناسب يأويه وافراد اسرته.
وخلال هذه المرحلة ايضا، وبجهود الشيخ جابر الاحمد، بادرت الكويت باتخاذ خطوة نفطية ذات تأثير هائل في هذه المنطقة. لقد قررت الكويت ان تستعيد ثروتها الطبيعية النفطية، وان يكون لها كامل السيطرة عليها، وبالاضافة الى انه اولى خلال هذه المرحلة، امور الصناعة والتصنيع في البلاد اهمية بالغة، وسوف نتناول هذه الانجازات باسهاب اكثر في موضعها من فصول الكتاب التالية فيما بعد.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:51 AM
النظام المالي للدولة

ان النظام المالي للدولة، هو مجموعة المؤسسات والعلاقات التي تمارس الدولة من خلالها نشاطها المالي، وترتيباً على ذلك فإن النظام المالي في فكر الشيخ جابر الاحمد، هو جزء من النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدولة، الذي يتمثل هدفه بالامور التالية:
1ـ المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، خاصة وان طبيعة هذا النظام معرضة لبعض الازمات الطارئة.
2ـ عدالة توزيع الدخل القومي بهدف تقليل الضغوط التي يتعرض لها النظام الرأسمالي عادة بسبب التناقضات والتفاوت الحاد في نمط توزيع الدخل.
3ـ التخصيص الكفء للموارد لتقليل تبديد الموارد الاقتصادية.
4ـ دعم النمو الذاتي لهذا النظام لتأمينه وحمايته.
وتهدف هذه الاغراض جميعها الى تحقيق ما يعرف بالرفاهية الاجتماعية، وهذا هو وجه التكامل بينها. من هنا كانت فلسفة دولة الرفاه في مقدمة الاهداف في فكر الشيخ جابر الاحمد، والذي سعى الى تحقيقها منذ توليه الشؤون المالية في الامارة، ومن ثم في الدولة.
يقول خالد ابو السعود في هذا الصدد: «... لقد كان للخبراء الاجانب قبل الاستقلال ـ وبخاصة الانجليز منهم ـ دور عملي كبير في دائرة المالية وما يتبعها من ادارات اخرى في ذلك الوقت، واذكر منهم «ماكريجرMcgrager» وكان مسؤولاً عن ملف النفط، و«ستورفر Strover» وكان مسؤول حسابات الاستثمار الذي يشمل اموال الاحتياطي، ويقوم «دوف Doff» بادارة العمليات المصرفية، بينما كان «اودونيل Odunell» مسؤولاً عن الشؤون الادارية وهكذا..».
ويمضي ابو السعود مؤكداً: «.... وكانت هذه الدائرة من اهم الدوائر التي توليها الدولة رعايتها، لانها كانت تتولى حركة البناء والتشييد، حيث كانت الدولة في ذلك الوقت في حركة بناء ونمو مستمر، وكانت على ارتباط ببقية الدوائر الاخرى في الدولة من خلال ما تقوم به من تغذية مالية...».
وفي هذا السياق يمضي ابو السعود، فيقول: «..... عند تولي الشيخ جابر الاحمد رئاسة المالية في عام 1959م، تغير مسمى الدائرة ليصبح دائرة المالية والنفط كما تغير بعد ذلك مسماها عدة مرات. وكانت هذه التغيرات في المسمى تحدث وفقاً للتطور والاغراض والنشاطات التي كانت تضاف اليها، او ترفع عنها.
وكانت هذه الدوائر تقوم في الوقت نفسه ببعض اعمال الادارات الاخرى التي لم تكن لها دائرة قائمة بذاتها، مثل البريد والبرق التي كانت تقوم بنشاطاتها شركة انجليزية، حيث الغيت هذه الشركة بعد سيطرة الحكومة على شؤونها كلياً، واصبحت تحت ادارة ومراقبة دائرة المالية...».
ويسترسل ابو السعود في سرد ذكرياته عن تلك المرحلة، فيقوب: «.... لم يكن آنذاك جهاز للخارجية فكانت دائرة المالية تقوم عملياً بكثير من الاعمال التي من المفترض ان يقوم بها جهاز الخارجية، مثل الاتصالات والعلاقات الدولية، وابرام معاهدات معينة، واتفاقيات نفطية معينة، واجتماعات المنظمات الدولية والاقليمية وغيرها..».
ويعود ابو السعود ثانية، ليؤكد: «....ان دائرة المالية، في عهد الشيخ جابر الاحمد، كانت ـ عملياً ـ هي مركز نشاطات الدولة، وخصوصاً الدوائر التي لم تكن قد تأسست آنذاك، والتي انبثقت فيما بعد من رحم دائرة المالية.. بعبارة ثانية كان التنظيم الاداري واحداً من الامور التي شغلت فكر الشيخ جابر الاحمد، في تلك الفترة في خطوة منه لجعل الكويت دولة مؤسسات. وكانت انجازاته في هذا الاتجاه كبيرة، وكان اول انجاز رئيسي قام به هو تنظيم ميزانية الدولة...».

إدارة وتنظيم
الميزانية العامة للدولة

لقد كان للشيخ جابر الاحمد افكاره العصرية في تنظيم الهياكل الاساسية لكيانات مؤسسات الدولة، فقد اهتم بإرساء التنظيمات اللازمة لميزانية الدولة الحديثة، فمنذ ان تسلم دائرة المالية في عام 1959، بدأ التخطيط لتوضع ميزانية دقيقة ومرتبة للدولة. هذه الجهود والرغبة في التحديث واجهت صعوبات كثيرة، تمكن من التغلب عليها بمساندة ودعم المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، وكان من نتيجتها ان اصبح للدولة ميزانية حسب المعايير والاصول المتعارف عليها، يتم الصرف منها بموجب البنود الواضحة، وفي حدود اللوائح والنظم المالية.
وفي هذا المضمون يقول فيصل المزيدي، وهو واحد من رجالات الرعيل الاول الذين عملوا معه: «.. كان سمو الشيخ جابر الاحمد يعتبر الميزانية العامة للدولة دعامة اساسية من دعائم النظام السياسي والمالي في البلاد، والمنهاج السياسي والادارة الفعالة للخطة العامة الادارية والاقتصادية والاجتماعية للحكومة..».
ويضيف المزيدي، فيقول «.. قبل ذلك الوقت، اذا احتاج رؤساء الدوائر اموالا كانوا يرسلون طلبهم الى احمد عبداللطيف «مدير دائرة المالية»، فيتم الصرف بهذا المقتضى، ولم يكن سموه يحبذ هذه الطريقة غير المنظمة في الصرف، فأمر بتشكيل لجنة اقتصادية وصناعية، كنت ارأسها، وكانت مهمتها النظر في الامور الاقتصادية وطلبات الصرف المالية..».
ويمضي المزيدي في هذه الاضافة، فيقول: .. وفيما يتعلق باللجنة الاقتصادية والصناعية، فقد دعمها بالخبرات العربية كأعضاء فيها. ومن هؤلاء الاستاذ الياس سابا، الدكتور بشير الداعوق والدكتور صائب الجارودي، والدكتور عصام عاشور. وجميع هؤلاء ـ بالاضافة الى الاخرين ـ درسوا في الجامعة الامريكية في بيروت. وكانت للجنة محاضرها التي تصدر فيها قراراتها وتوصياتها، وكانت في منتهى الشفافية وتصدر في جريدة «الكويت اليوم» الرسمية.
ولذلك كان سموه كثيرا ما يتبنى ـ دون تحفظ ـ ما كان يقترح عليه من قبل هذه اللجنة ومستشاريه الاخرين لتحقيق اهدافه. وكان تنظيم ميزانية الدولة واحدا من اولويات هذه الاهداف..».
ويختم المزيدي هذه المداخلة حول ذكرياته في هذا الجانب، فيقول: «.. ومن اهم ما قامت به اللجنة ـ بتوجيهات سموه ودعمه ـ فكرة انشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وفكرة إنشاء هيئة الشعيبة الصناعية، وهما فكرتان رائدتان. اسهمت الاولى في المساعدة على تطوير اقتصاديات الدول العربية، ومن بعدها دول كثيرة في العالم الثالث. اما الثانية فقد اثرت الكويت وجعلت منطقة الشعيبة منطقة صناعية حديثة، تزخر بالصناعات الوطنية المختلفة التي استفادت من استثمارات الحكومة في انشاء البنية التحتية كشق الطرق، وبناء شبكة انابيب لتوصيل ما تحتاج من كهرباء وماء وغاز. كما انشىء في المنطقة ميناء حديث لصادرات المنطقة، وامور اخرى تتعلق بخلق بيئة صناعية متكاملة..».
منهيا تلك الافكار الخاتمة بنتيجة خلاصتها: «... ولقد امكن عن طريق الميزانية العامة للدولة منح المواطنين الكويتيين قوة شرائية هائلة، تطورت ونمت بصورة متناسقة ومنسجمة عبر السنين مع تطور ونمو الايرادات والعائدات النفطية»..
وفي هذا السياق يقول خالد ابو السعود: «.. لقد كان النظام المحاسبي المتبع في دائرة المالية انذاك، نظام يستند على تعبير محاسبي اصطلح على تسميته بالسلفة المستديمة، وكان المتبع في ذلك الوقت ان يعهد الى كل رئيس دائرة من دوائر الدولة بمبلغ معين ليقوم بالصرف منه على شؤون واحتياجات دائرته، ثم يقدم كشوفا بالمصروفات في اخر كل شهر الى دائرة المالية حتى تعوضه عما تم صرفه، ليعود رصيد المبلغ كما كان اول الشهر، فكان النظام المالي مبنيا على هذا الاساس، ولم تكن هناك قيود على الصرف، ما عدا ما تعارف عليه في ذلك الوقت بأن يكون الصرف في حدود اختصاصات والتزامات الدائرة المختصة..».
من جهة اخرى، فإن النفقات العامة في الكويت تنساب من الخزانة العامة الى الاوعية الاقتصادية وفقا لحاجة المجتمع، ووفقا لطبيعة الاثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المترتبة عليها.
وعليه يمكن اعتبار مجموع الرواتب والاجور والمخصصات المدفوعة «الباب الاول» ابرز فقرة رئيسية في الميزانية ، نظرا للاهمية الفائقة التي اعطتها دائرة المالية لسياسة الاجور في الجهاز الحكومي، وذلك باعتمادها للاجر بصفته وسيلة فعالة من وسائل السياسة الرامية الى اعادة توزيع الثروة، ورفع المستوى المعيشي للمواطنين، مما رتب على ذلك اثارا اقتصادية واجتماعية وسياسية مهمة دافعة للنمو الاقتصادي، ومثبتة لدعائم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الدولة.
ويعود تاريخ اول تعميم صدر عن دائرة المالية في شأن الميزانية الى مطلع عام 1965، الذي حددت بموجبه القواعد الواجب اتباعها في اعداد الميزانية، فقام على اثرها الشيخ عبدالله السالم الصباح بتاريخ 11 يوليو عام 1956 بإصدار امر الى رئيس دائرة المالية بالالتزام بالقواعد الواردة في التعميم المشار اليه.
وفي عام 1957 صدر المرسوم الاميري رقم 1 بشأن ميزانية الامارة ومسؤولية الدوائر عن محاسبتها، وكان هذا المرسوم اول اداة تشريعية في هذا الشأن، نصت في مادتها الاولى على انه يجب ان تكون لكل دائرة، بدون استثناء، موازنة عامة، وضعت بدقة، وعلى اصح التقديرات، واقربها الى الصواب على قدر الامكان.
وفي 9 فبراير عام 1960 صدر المرسوم الاميري رقم 1 لسنة 1960 موضحا بصورة كاملة المبادىء الاساسية في كيفية اعداد الميزانية والجهات المسؤولة عنها في كل مرحلة من مراحلها. وقد تناول المرسوم العديد من القواعد التي استخلص اكثرها من التجارب التي مرت بها دائرة المالية، وثبتت صلاحيتها، ودلت الحاجة على وجوب تقنينها لتكون قواعد مستقرة وملزمة وثابتة، وهذا امر من الامور الكبيرة الاهمية في السياسة المالية للدولة، كما جاء في المذكرة التفسيرية لهذا القانون. وكان من ضمن هذه المؤشرات التنظيمية انشاء الاحتياطي العام الذي يتم تمويله من فائض الميزانية، الذي اشتمل حينها على جميع استثمارات الدولة، سواء اكان داخل الكويت ام خارجها.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:52 AM
ويشير خالد ابو السعود الى ان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بتنظيم الميزانية العامة للدولة يرجع الى ما قبل صدور قانون الميزانية عام 1960، اذ يقول: «.. كان هناك العديد من الاجراءات التنظيمية والتعليمات اللازمة لاعداد ميزانية كل دائرة من دوائر الحكومة، فبدأنا نطالب الدوائر الأخرى بالتقيد بمصاريف وأدوار معينة لضبط واحكام عملية الصرف ومراقبة الايرادات، وان تتقدم بكشوف دقيقة بالمصروفات والايرادات، ولقد واجهنا في أول خطواتنا التنظيمية، هذه، بعض الصعوبات، ولكن مع ذلك اصبح الأمر سهلا بصدور احكام قانون الميزانية والحساب الختامي، التي تتقيد بها جميع دوائر الدولة، فكانت هذه الخطوة، وبرعاية سموه، هي اللبنة الأولى واحدى الدعائم الاساسية لبناء الاقتصاد الوطني لدولة الكويت منذ ذلك التاريخ..
ويمضي أبو السعود مؤكدا.. ولقد اشرف الشيخ جابر الاحمد منذ بداية التطوير على وضع الميزانية بوصفه رئيسا للمالية، وكما ذكرت، فقبل اصدار القانون كانت هناك قواعد ولوائح تصدر للادارات المعنية للتقيد بها، خصوصا ما يتعلق بالمخازن وعليه، فقد كان أول عمل تنظيمي هام قام به رئيس المالية في ذلك الوقت هو اعداد الميزانية العامة للدولة.
وتم وضع مشروع الميزانية بمساعدة الجهاز المالي والخبراء الموجودين آنذاك، ولقد تأثر مشروع الميزانية كثيرا بالتشريعات المصرية، ويمكنني القول بان المشروع وضع مطابقا لقانون الميزانية المصري، وبمساعدة عدد من الخبراء المصريين.
وفي عام 1962م صدر القرار الوزاري رقم 16 لسنة 1962م في شأن تنظيم وظائف ادارات الشؤون المالية في الوزارات، وقد اختصت المادة الاولى بتقسيم الاداراة الى اربع مراقبات رئيسية عامة هي:
1 ـ مراقبة الميزانية «ميزانيات الوزارات».
2 ـ مراقبة المحاسبة العامة.
3 ـ مراقبة البنوك.
4 ـ مراقبة الايرادات الاحتياطية.
وفي يوليو عام 1978م صدر القانون رقم 13 لسنة 1978م في شأن قواعد اعداد الميزانيات العامة، والرقابة على تنفيذها، والحساب الختامي، وقد اكدت المادة الاولى منه على ضرورة ان تشمل كل ميزانية عامة جميع الايرادات المقدر تحصيلها، وجميع المصروفات المقدر انفاقها في السنة المالية.
وأكدت المادة الرابعة عشرة على ان يعرض وزير المالية مشروع الميزانية مصحوبا ببيان على مجلس الوزراء لاقرارهما، والذي يجب ان يتم في وقت يسمح بتقديم المشروع الى السلطة التشريعية قبل انتهاء السنة المالية الجارية بشهرين على الأقل، ويبلغ وزير المالية قانون الميزانية بعد صدوره الى الجهات المعنية للعمل به. وأكدت المادة السادسة عشرة على أنه اذا لم يصدر قانون الميزانية قبل بدء السنة المالية يعمل بالميزانية السابقة لحين صدوره، ويصدر بذلك تعميم من وزير المالية. واذا كانت بعض أبواب الميزانية الجديدة قد أقرت من قبل السلطة التشريعية، يعمل بمقتضى تلك الأبواب.
وتشكل الايرادات النفطية، التي تتكون من مبيعات النفط الخام والغاز، وضريبة الدخل من شركات النفط، ورسوم الامتياز من شركات النفط ـ منذ بداية الانتاج ـ جميع ميزانيات الدولة تقريبا.
ففي السنة المالية 53/1954م بلغت نسبة مساهمة الايرادات النفطية حوالي 97% من جملة ايرادات الدولة، ولكن في السنة المالية 57/1958م انخفضت نسبة هذه المساهمة الى 87% الا انها عادت للارتفاع في الستينيات لتصل في السنة المالية 85/1986م الى ما نسبته 89.9% من جملة الايرادات. وكانت ايرادات الدولة دائما تفوق مصروفاتها، ففي السنة المالية 62/1963م بلغت الايرادات 189.8 مليون دينار كويتي، في حين كانت المصروفات 166.52 مليون دينار كويتي، وفي السنة المالية 69/1970م بلغت الايرادات 306.5 ملايين دينار كويتي، في حين وصلت المصروفات 285.5 مليون دينار كويتي، من هنا نجد ان الدولة كانت تحقق فائضا ماليا استخدم في تكوين احتياطات اخذت في التزايد حتى اصبحت موجوداتها المستثمرة تدر عائدا ملحوظا، لا سيما مع تراجع عائدات النفط.
ويحدثنا خالد أبو السعود عن اهم عنصر من عناصر المصروفات في الميزانية في ذلك الوقت، فيقول: .. لقد كان أهم عنصر من عناصر المصروفات في الميزانية هو عنصر الاستملاك «التثمين» قبل عام 1959م وبعده. وكان الاستملاك يمثل البند الأساسي في عملية الصرف، حيث كانت الدولة في نهضة ونمو وتطور وفي حاجة لاستملاك الاراضي للبناء والتعمير والسكن، وتشييد المدارس والمستشفيات والطرق والمرافق والمباني العامة وغيرها. وقد استملكت الدولة معظم الأراضي داخل السور.
وكان الاستملاك يستهلك مبالغ ضخمة من الميزانية لا تقل نسبتها عن 60% من مصروفات الدولة في السنوات من 1955م الى 1959م، وكانت أهداف سمو الشيخ جابر الأحمد تتبلور في ان الاستملاك في الواقع تنشيط للدورة الاقتصادية، كما كان للتثمين ـ عن طريق اعادة توزيع الثروة على المواطنين ـ دوره في تفعيل وتنشيط السوق والحركة التجارية، وحركة البناء والاعمار والتشييد في الدولة، ولقد كانت الكويت في هذه الفترة التنموية بمثابة ورشة عمل، وكان الاستملاك فيها هو العنصر الاساسي لتوزيع ايرادات الدولة على الشعب عمليا..».
ويضيف ابو السعود مؤرخا لفترة الاستملاك، فيقول: .. هذا، وكان المد الكبير في حركة الاستملاك فيما بين الاعوام 1954م الى 1959م، واستمر حتى عام 65/1966م، ولكن بشكل أقل بكثير من فترة الخمسينيات، حتى استكملت عملية شراء الاراضي والعقارات اللازمة لبناء وتطوير الدولة باشراف وتوجيهات سمو الشيخ جابر الاحمد، وقد استخدمت أموال الميزانية للصرف، وتحقيق أغراض رئيسية للشعب من تعليم واسكان وبناء مرافق واستملاك.. الخ، واصبح التنسيق كاملا بين وزارة المالية والوزارات الأخرى، تحكمه قوانين ولوائح الميزانية، والحساب الختامي..».
ومع تطور دولة الكويت ـ بصفتها دولة مؤسسات ـ في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ترتب على ذلك تقسيم الوزارات الى ادارات وهيئات وفروع وأقسام، الأمر الذي تعين معه انشاء جهاز للمحاسبة الحكومية، يمكن معه مراقبة مختلف نشاطات الادارات الحكومية.
وضمن هذه المؤشرات التنظيمية تم في عام 1960م اتخاذ عدة خطوات لتنظيم مالية الدولة، كان من بينها انشاء الاحتياطي العام الذي يتم تمويله من فائض الميزانية، وقد اشتمل الاحتياطي العام حينها على استثمارات الدولة، سواء أكان ذلك في الداخل أم في الخارج.
ولا شك في ان حكمة القيادة الاقتصادية الكويتية الواعية تجلت في السبعينيات حين قامت بخطوات واسعة تمثلت الأوضاع الاستثمارية في اطار رؤية مستقبلية شاملة، وذلك باصدار القانون رقم 106 لسنة 1976م الذي ينص على استقطاع 10% سنويا من الإيرادات العامة للدولة، ترصد في حساب خاص يسمى احتياطي الأجيال القادمة، واضافة العوائد الناتجة عن استثماراتها الى هذا الحساب، كما تضم نسبة قدرها 50% من المال الاحتياطي العام للدولة الموجود عند العمل بهذا القانون الى هذا الحساب، بحيث يكون الاحتياطي مصدر إيراد للأجيال القادمة إذا ما نضب النفط، أو تعرضت اسواقه للكساد.
واليوم تعد الاستثمارات الكويتية في الخارج واحدة من أهم مصادر الدخل القومي للبلاد بعد الصناعة النفطية، مؤكدة بذلك حجم الأنشطة المالية والتوظيف الاستثماري للاحتياطي العام للدولة واحتياطي الأجيال القادمة، وأضحت هذه الاستثمارات خير برهان على نفاذ بصيرة القيادة الكويتية التي وضعت الكويت بين الدول الرائدة في مجال الاستثمار المالي، وقد شملت الاستثمارات العقارية والنفطية وأسهم الشركات والخدمات العامة، وغيرها من المجالات الاستثمارية، وذلك على الرغم من المصاعب المالية التي تعرضت لها الكويت في الاونة الاخيرة.
وفي هذا النطاق قد تم شراء اسهم وسندات عديدة من شركات النفط الأوروبية، بجانب شراء محطات تزويد الوقود في أوروبا بهدف توسيع مجالات الاستثمارات النفطية، وتخفيف الاعتماد على النفط الخام كمورد وحيد للدخل القومي، ومد عمر احتياطي النفط في الكويت لتصبح موارد الاستثمار موازية لعائدات النفط، ان لم تفقها في المستقبل.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:52 AM
استعادة الثروات النفطية

«إن الثروة النفطية ليست وحدها الدافع المحرك للمطامع في الكويت في هذه الحقبة من تاريخنا، فقد كانت الكويت موضعا لمطامع كثيرة على امتداد تاريخها».
جابر الأحمد

لقد بادرت الكويت خلال مرحلة التنظيم والبناء بجهود الشيخ جابر الأحمد باتخاذ خطوة نفطية جريئة ذات تأثير هائل في المنطقة. عندما قررت ان تستعيد ثروتها النفطية واحكام السيطرة عليها بالكامل، وذلك عن طريق الغاء الامتياز النفطي الذي اعطي للشركات الأجنبية، والذي وقع عام 1936م، حيث كان مقدرا ان يبقى هذا الامتياز حتى عام 2025م.
وهكذا تحقق للكويت ما أرادته، وما سعت اليه، بصدور المراسيم الأميرية التي حققت ذلك الانجاز الوطني العظيم. وهذه كانت واحدة من أهداف الشيخ جابر الأحمد الاقتصادية. حين استثمرت الحكومة برئاسته كل فرصة تسمح بها التطورات العالمية لتحقيق هذا الهدف، وكان منها اتفاقية المشاركة الموقعة بتاريخ 29 يناير عام 1974م التي صدقت عليها الكويت بالقانون رقم 9 لسنة 1974م، وحصلت على 60% من حقوق الامتياز والعمليات والمرافق النفطية التي كانت لشركة BP الكويت المحدودة، وشركة غلف الكويت.
ولم تكتف الكويت بهذا القدر من المشاركة فسرعان ما طرحت الحكومة الكويتية على الشركتين ضرورة مراجعة هذه العلاقة، تنفيذا لنص المادة السابعة من الاتفاقية التي تعطي الحكومة حق المطالبة بمراجعة بنودها قبل عام 1979م، وبهذا تحقق اتمام سيطرة الدولة سيطرة كاملة على ثروتها النفطية، عندما استجابت الشركتان لما اعلنته الحكومة، وانتهت المفاوضات بين الطرفين الى اتفاقية تنهي هذه المشاركة، حيث قرر رئيس مجلس الوزراء تفويض وزير النفط بتوقيعها نيابة عن الحكومة في الأول من ديسمبر عام 1975م ومن ثم احالتها الى مجلس الأمة اعمالا بنص المادة 152 من الدستور.
وقد نصت المادة الأولى من الاتفاقية على انه: اعتبارا من تاريخ 5 مارس 1975م قد آلت الى الحكومة جميع المصالح النفطية المتبقية للشركتين من الحقوق، بما في ذلك: حقوق الامتياز والعمليات والمرافق في الكويت، شاملة مرافق التكرير وتسييل الغاز وموجودات النفط في ذلك التاريخ.
وبهذا النص تحققت الأمنية الوطنية للكويت وابنائها بالغاء الامتياز الذي منح للشركتين المعنيتين، وكل ما ترتب عليه منذ 23 ديسمبر عام 1936م، والغاء ما لحقه من اتفاقيات اخرى، وعلى وجه الخصوص اتفاقية المشاركة الموقعة بتاريخ 29 يناير عام 1974م.

سموه أدرك أن القطاع العام له دور رئيسي في دعم التنمية الصناعية الأمير سعى لتحقيق طفرة في القطاع النفطي لتنمية المجتمع وتحديث الاقتصاد وتحقيق الرفاهية
توقفنا في الحلقة السابقة عند الغاء الامتياز الذي منح للشركات الاهلية في مجال النفط وايلولة جميع ما تبقى للشركتين من مصالح نفطية في الكويت الى الحكومة، تصفية مساهمة الشركتين في شركة نفط الكويت التي انشئت في اطار اتفاقية المشاركة لمباشرة عمليات الانتاج النفطي بذاتها، فنصت المادة الثالثة من الاتفاقية على التزام الشركتين بتحويل كامل ملكيتهما من الاسهم الى الشركة المذكورة لقاء حصولهما على القيمة الاسمية لهذه الاسهم. كما تم انهاء تمثيل الشركتين في مجلس ادارة شركة نفط الكويت، ليصبح تشكيل هذا المجلس من صلاحيات الحكومة المطلقة، وكذا انهاء تمثيلهما في اللجنة الادارية المشتركة التي كانت تباشر ـ في اطار اتفاقية المشاركة ـ سلطة اتخاذ القرارات الاساسية للادارة العليا.
وقد قررت الاتفاقية ايضاً في مادتها الرابعة دخول الحكومة والشركتين في ترتيبات بشأن تزويد الشركتين ـ وعلى اسس تجارية ـ بالنفط، وما يتعلق بذلك من مسائل كتأجير الناقلات الكويتية، وتزويد السفن التي تحمل النفط الكويتي بالوقود.
وقد كفل هذا النص تأمين صادرات النفط الكويتي واستمرار تدفقه الى اسواقه العالمية، كما اكد النص على الترتيبات التعاقدية المشار اليها، وهي ترتيبات تبنى على الاسس التجارية المعتادة من عقود بيع النفط، وتتم بموافقة الحكومة عليها في حينه، وتراعى فيها اوضاع صناعة وتجارة النفط العالمية وتطوراتها.
كما نصت المادة الخامسة من الاتفاقية على اعتبار ما تم الاتفاق عليه تسوية تامة ونهائية للمطالب المعلقة لكلا الطرفين حتى 4 مارس عام 1975م، وهو تاريخ اليوم السابق مباشرة لموعد ايلولة حقوق الشركتين ومصالحهما الى الدولة، على ان يستثنى من هذه التسوية ما هو مترتب على الشركتين من التزامات خاصة بضريبة الدخل، وهي التزامات تسوى نهائيا وفقاً لاحكام مرسوم ضريبة الدخل الكويتية.
واخيراً نصت المادة السادسة على ان تصبح الاتفاقية نافذة المفعول عند التصديق عليها وفقاً لاحكام دستور الكويت. ومتى تم ذلك التصديق سرت احكامها وترتبت آثارها اعتباراً من 5 مارس عام 1975م.
وفي 16 مارس عام 1976م صدر القانون رقم 10 لسنة 1976م القاضي بالموافقة على الاتفاقية المذكورة، لتصبح الدولة المالك الوحيد لكامل قطاع النفط والمسيطر على السياسة الانتاجية والتسعيرية والتشغيلية لاستخراج النفط والعمليات اللاحقة له. وكانت هذه الخطوات ضرورية لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن تحديد معدلات انتاج النفط الخام، ومعدلات النمو للقطاع النفطي، واشكال هذا النمو، بما يخدم السياسات الانمائية والمصالح الرئيسية للكويت، ويؤمن الاستغلال الامثل لثروتها النفطية.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:53 AM
دور عائدات النفط
في انماء الصناعات النفطية

لقد ادرك الشيخ جابر الاحمد منذ بداية النهضة ان مساهمة القطاع العام في عمليات التنمية الصناعية امر ضروري، لكون الدولة هي المسيطر الوحيد على قطاع النفط، بالتالي يقع عليها عبء تنمية المجتمع، وتحديث اقتصاده وتحقيق الرفاه لافراده، واختصار الطريق الى بناء المجتمع المدني العصري المتقدم. من هنا سعى، ومنذ توليه مسؤوليه تنظيم واستثمار العائدات النفطية، الى زيادة معدلات تصنيع النفط بدلاً من تصديره خاماً الى الاسواق العالمية. فقامت الدولة بتوسعة وتحديث المصافي المحلية في منتصف الثمانينات لانتاج منتجات بترولية بمواصفات عالمية ووقود نظيف، الامر الذي اصبحت معه المصافي الكويتية تضاهي المصافي العالمية في مواصفاتها.
وكان من اوائل المشروعات التي اولاها الشيخ جابر الاحمد جل اهتمامه تأسيس شركة صناعة البتروكيماويات عام 1963م لتحقيق اهداف تنويع مصادر الدخل القومي، والاستفادة من موارد الدولة الطبيعية لاقامة صناعة بترو كيماويات متنوعة، واستغلال الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط، وكانت اولى هذه الخطوات هي: استثمار هذا الغاز في صناعة الاسمدة النتروجينية المخصبة للتربة.
وقد شهدت صناعة البتروكيمياويات عدة توسعات على مدار السنوات الماضية، وتعددت المصانع المتنوعة التي تمتلكها الشركة، وكان في مقدمة انجازاتها الضخمة «مشروع مجمع البتروكيماويات»: وهو مشروع مشترك تساهم فيه كل من شركة صناعة الكيماويات البترولية بنسبة 45% والشريك الاجنبي «يونيون كاربيد» بنسبة 45% وللقطاع الخاص «شركة بوبيان للبتروكيماويات» بنسبة 10% وكذلك «مشروع البولي بتروبيلين». وتخطط الشركة لانشاء مجمع العطريات، والذي من اهم منتجاته مادة البرازلين التي تدخل في العديد من الصناعات النسيجية وصناعة مواد الجراحة.
وقد شكلت قيمة الانتاج المتولدة من الصناعة النفطية حسب البيانات والاحصائيات المتوفرة عام 1998م حوالي 67% من جملة قيمة الصناعات التحويلية في الدولة، وتدل هذه النسبة على مدى ارتفاع مساهمة صناعة النفط في جملة الصناعات التحويلية في دولة الكويت.
وفي عام 1980م انشئت مؤسسة البترول الكويتية بموجب مرسوم القانون رقم 6 لسنة 1980م، والذي صدر بتاريخ 21 يناير 1980م بوصفها مؤسسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة يشرف عليها وزير النفط، ويكون مقرها القانوني الكويت، ولها حق انشاء الفروع والمكاتب والتوكيلات في الداخل والخارج.
وقد حدد مرسوم قانون الانشاء اغراض المؤسسة بالقيام بالاعمال المتعلقة بصناعة النفط كافة، والمواد الهيدروكربونية بصفة عامة، او بالصناعات المتفرعة او المرتبطة بها.
ونص القانون ـ ايضاً ـ ان تؤول للمؤسسة اسهم الدولة جميعاً في شركات: نفط الكويت، والبترول الوطنية الكويتية، وصناعة الكيماويات البترولية، وناقلات النفط الكويتية، وكذلك حصة الدولة في رأسمال شركة الزيت العربية المحدودة ـ الكويتية اليابانية ـ 60%، وكذا امتياز انتاج النفط والغاز في المنطقة المحايدة المغمورة، ومشروع الاستغلال الشامل للغاز الطبيعي، وملكية ناقلات الغاز المسال، وعقود ناقلات الغاز المسال، وقد حدد القانون رأسمال المؤسسة بألف مليون دينار كويتي في عام 1982م.
كما ساهمت المؤسسة، في يونيو عام 1980م، بالمشاركة مع ثلاث شركات ـ امريكية وكندية وسويدية ـ في تأسيس «الشركة الدولية لتنمية الطاقة «لتباشر نشاطاتها في مجال الاستكشافات والتنقيب عن النفط الخام والغاز، وبخاصة في دول العالم الثالث.
وفي ديسمبر عام 1981 تملكت المؤسسة «شركة سانتافي الامريكية» التي يرجع تاريخ تأسيسها الى عام 1948م، والتي تعمل في الصناعة النفطية من خلال اربع شركات كبرى.
وفي الاول من فبراير عام 1983م وقعت المؤسسة في لندن، اتفاقية تملكت بموجبها المرافق المتممة للانتاج والتابعة «لشركة غلف اويل» في «هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ» وشملت هذه الصفقة مصفاة بطاقة تبلغ 75 الف برميل يومياً، واخرى لزيوت التزييت في روتردام بهولندا، بالاضافة الى شبكتها الخاصة بالتسويق والتوزيع التي تتضمن 705 محطات بنزين في بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وتسعة مستودعات للمنتجات التي تحمل جميعها دلالة الكويت Q.8 وبهذه الخطة دخلت الكويت ممثلة بالمؤسسة مجال التسويق المباشر للمستهلكين في خارج حدودها.
في الرابع من شهر مارس عام 1983م وقعت المؤسسة اتفاقية تم بموجبها امتلاك مرافق اخرى لشركة «غلف اويل»، منها: مصفاة طاقتها 85 الف برميل في اليوم في الدنمارك، ومرفقات لمزج زيوت التزييت، اضافة الى 825 محطة بنزين في الدنمارك والسويد.
وفي شهر اغسطس من عام 1983م اقامت المؤسسة شركة اخرى هي الشركة الدولية الكويتية للبترول التي تتخذ من لنذن مقراً لها. وتتولى هذه الشركة عدة مهام من بينها: التنسيق بين العمليات المتممة للانتاج.
وفي اغسطس عام 1984م قامت المؤسسة بتوقيع اتفاقية تعاون مشترك مع شركة «فولفو» السويدية للسيارات. تم بمقتضاها بيع الغازولين الكويتي لاصحاب الشركة بأسعار مخفضة، وتغطي الاتفاقية عمليات تنمية تجارية وفنية مشتركة.
وفي ديسمبر عام 1984م اصبحت المؤسسة اول شركة نفط عالمية توفر بنزيناً خالياً من الرصاص للسائقين في خمس دول اوروبية هي: «الدنمارك والسويد وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ»، كما قامت المؤسسة بكثير من المشروعات النفطية المشتركة على المستوى الخليجي والعربي والدولي.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:53 AM
الشيخ جابر الأحمد ودعمه
للصناعة والتصنيع

تعد النهضة الصناعية في اي بلد من بلدان العالم عنواناً لتقدم وتطور مجتمعها المنتج، وتفاعله مع مقدرات اقتصاده الوطني، وتنمية ركائزه على اسس الانتاج.
ويتطلع الاقتصاديون ورجال الاعمال الى القطاع الصناعي بنظرة مميزة بصفته قطاعاً حيوياً ذا اهمية بين القطاعات الاخرى، نظراً لطبيعة المنتجات السلعية لهذا القطاع والتي تتعدد استخداماتها في حياة الانسان المعاصر الى حد بعيد.
ومع ان الكويت تسعى بجدية ملحوظة لتطوير مرافقها الاقتصادية بالشكل الذي يجعلها تنأى عن الاعتماد على اقتصاد احادي الجانب، فإن معوقات البيئة والطبيعة تجابه الطموح المحلي لجعل القطاع الصناعي قطاعاً مهماً في الحياة الاقتصادية، وعلى الرغم من ذلك فإن الانتاج الصناعي الكويتي اخذ في التزايد في السنوات الاخيرة في ضوء الامكانات المتاحة، والتي يسعى الاقتصاد الكويتي بطموح بارز الى تطويرها.
لقد اولى الشيخ جابر الاحمد خلال هذه المرحلة، «مرحلة توليه لمهام دائرة المالية وحتى توليه ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزارة»، اهمية خاصة لهذا الجانب في الاقتصاد الكويتي، والذي يبرز جلياً في كلمته بمناسبة افتتاح بنك الكويت الصناعي ما يؤكد هذا التوجه، حين يقول:«... حظيت الصناعة بنصيب وافر من اهتمام الدولة منذ مطلع نهضتها الاقتصادية، مما كفل لها اسباب النجاح والنمو المضطرد، وقد تولت الحكومة بنفسها اقامة المشاريع الصناعية، واشركت معها مؤسسات القطاع الخاص في عدد من هذه المشاريع، وامدتهاجميعاً بالخبرة والمشورة الفنية. ووفرت لها الحوافز والتسهيلات كافة...».
مبرزاً دور الحكومة ودعمها المتنامي لعملية التصنيع في البلاد، حين يشير: «... والحكومة في دعمها لقطاع الصناعة، تهدف الى اقامة اقتصاد وطني على اسس راسخة، وبتنويع مصادر الدخل، وباقامة صناعات توفر المزيد من الفرص لطاقة العمل الكويتية المتنامية، وايجاد فرص استثمار بديلة للفوائض العامة والمدخرات الخاصة....».
وتعتبر اهداف هذا القطاع بالاساس جزءاً من الاهداف العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة لدولة الكويت، حيث يتركز هدفه الاساسي على تدعيم بنية الانتاج الحالية في الاقتصاد الكويتي، وتنمية مصادر انتاج سلعي جديدة تسهم في تنويع القاعدة الاقتصادية، مع احداث التغييرات الاجتماعية المطلوبة لايجاد هذا التنويع.
هكذا، بدأ الاهتمام بالصناعة في دولة الكويت بعد اكتشاف وتصدير النفط، حيث نشأت صناعة نفطية استخراجية متقدمة من الناحية التكنولوجية والتنظيمية والادارية تؤول ملكيتها للشركات الاجنبية الكبرى، وليس لها ارتباط مباشر مع هيكل الاقتصاد الوطني. ويعتبر بدء مرحلة الاهتمام الفعلي بالقطاع الصناعي الوطني مع تولي الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح مهام دائرة المالية ثم وزارة المالية من بعدها. حيث اخذ على عاتقه بناء نهضة الاقتصاد الكويتي الوطني المستقل بكل جوانبه وقطاعاته المختلفة.

المرحلة الاولى (1961م ـ 1968م):

وتبدأ هذه المرحلة بعد حصول الكويت على استقلالها مباشرة، سواء من جانب الحكومة او من جانب القطاع الخاص الذي قام بدور الريادة، بينما اكتفت الحكومة بتسهيل سبل انشائها وتحفيزها، او المساهمة في الصناعات الكبرى المرتبطة بالنفط، والقيام بتوفير الهياكل الاساسية اللازمة لتطوير ونمو هذا القطاع المتمثل في انشاء الطرق ومحطات الطاقة والمناطق الصناعية، وغيرها من الخدمات التي يتطلبها القطاع الصناعي.
ولعل اهم حدث في هذه الفترة هو انشاء منطقة الشعيبة الصناعية عام 1964م، والتي تعتبر مركزاً للتوطّن الصناعي في دولة الكويت، حيث عملت هذه المنطقة على جذب صناعات متعددة ترتبط فيما بينها بروابط خلفية او امامية كبيرة.
وتضم منطقة الشعيبة الصناعية الموسعة، التي تبلغ مساحتها 24 مليون متر مربع، كلاً من المنطقة الشرقية «منطقة الشعيبة الصناعية حوالي 11 مليون متر مربع» والمنطقة الغربية «منطقة غربي ميناء عبد الله الصناعية حوالي 13 مليون متر مربع».
وقد جاء قانون التنمية الصناعية عام 1965م ليدفع الحكومة الى تقديم المزيد من الدعم والعون لهذا القطاع، ومنها المساهمة بدعم نسبي «مباشر وغير مباشر»، وكذا تأجير الاراضي للاغراض الصناعية بأجور رمزية، بالاضافة الى فرض حماية على المنتجات المحلية.

المرحلة الثانية(1968م ـ 1974م):

وفي هذه المرحلة حاولت الدولة ان تنظم عملية التصنيع، وتغير الخطة من نمو صناعي عفوي الى تنمية صناعية مخططة ومبرمجة، وذلك باعداد مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخمسية الاولى 67/1968م ـ 71/1972م، واعداد العديد من المسودات والمقترحات المطلوبة لاستراتيجية التنمية الصناعية.

المرحلة الثالثة (1974م ـ 1980م):

اتسمت هذه المرحلة بسيادة الانتعاش والرواج الاقتصادي، اذ تصاعدت معدلات نمو الطلب المحلي بكل مكوناته، وتسارعت، وتأثر الانفاق الحكومي والفردي بمعدلات غير مسبوقة، مما ترتب عليه دفع الموارد نحو الاستثمار في القطاع الصناعي لسد احتياجات هذا الطلب المتزايد. وهكذا حقق الناتج الصناعي المحلي الحقيقي خلال هذه الفترة معدلاً للنمو بنسبة 8.7% ولعل هذا الانتعاش كان نتيجة حركة تصحيح اسعار النفط وارتفاع ايرادات الدولة، وما صاحب ذلك من توسع في القاعدة الانتاجية، حيث شهد قطاع الصناعات التحويلية نمواً كبيراً بلغ في المتوسط 45%.
واذا ما استبعدنا المنتجات البترولية من قطاع الصناعة التحويلية، فإننا نرى الاستثمار الصناعي في هذا القطاع قد ارتفع من 4،6 ملايين دينار كويتي عام 1974م الى 4،20 مليون دينار كويتي عام 1977م، ثم الى 3،40 مليون دينار كويتي عام .1980
وهكذا فيما بين عامي 1974م و1980م زاد الاستثمار في قطاع الصناعة التحويلية بمعدل زيادة سنوية قدرها 9،35%.

المرحلة الرابعة (1980م ـ 1988م):

وفي هذه المرحلة تعرّض الاقتصاد الكويتي الى ثلاث صدمات حادة، هي الحرب العراقية الايرانية واثارها، وتراجع سوق النفط العالمي الذي ادى الى تدني اسعار النفط الخام بشكل كبير، وانعكس ذلك على تراجع مساهمة القطاع النفطي في الناتج الاجتماعي بالاضافة الى ازمة سوق الاوراق المالية سوق المناخ.
وقد تفاعلت هذه المتغيرات مع بعضها وأدت الى تراجع نصيب قطاع الصناعات التحويلية ـ باستبعاد صناعة التكرير ـ الى 3،7% عام 1984م. لكن الاستثمار الصناعي ظل عام 1981م عند نفس مستوى عام 1980م ثم زاد خلال الفترة من عام 1982م وحتى 1984م، بمعدلات متباطئة بلغت 11% سنويا، ثم بدأ حجم الاستثمار الصناعي في الانخفاض بشكل مطلق، وتراجع بمعدلات سريعة حتى بلغ حجم الاستثمار الصناعي عام 1989م حوالي 50% عن مستواه عام 1980م و1981م.
وفي هذه الفترة انضمت دولة الكويت الى المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين وعلى وجه التحديد عام 1983م كما انضمت الى منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية وتحقيق هدف التكامل الصناعي العربي والعالمي، ودعم المشروعات على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي:

المرحلة الخامسة 1989م ـ 1998م):

وتعتبر هذه المرحلة مرحلة استثنائية بسبب العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت في الثاني من اغسطس عام 1990م وما تركه من آثار تخريبية وتدميرية رهيبة. وبناء عليه انخفض الانتاج الصناعي عام 1990م بنسبة 45% مقارنة بمستوى عام 1989م. حيث يعتبر هذا العام نقطة انتقال بين مرحلتين، هما: المرحلة السابقة، والمرحلة اللاحقة للعدوان والاحتلال. وتعتبر الفترة من عام 1990م ـ 1993م فترة قائمة بذاتها لها ظروفها وتطوراتها المتغيرة المؤثرة فيها بمفردها، وبالتالي فهي ليست امتدادا للفترة الزمنية السابقة. وكما اشرنا انه في عام 1990م انخفض الانتاج الصناعي بنسبة 45% مقارنة بالاسعار الثابتة لعام 1989م. اما في عام 1991م ونتيجة لعدم عودة النشاط الصناعي بعد التحرير «في نهاية فبراير 1991م» الى المستويات الطبيعية مباشرة نظرا للتخريب والتدمير الذي تعرضت له الاصول المستخدمة في قطاع الصناعة التحويلية «بالاسعار الثابتة لعام 1989م». فقد انخفض الانتاج الصناعي بنسبة 63% عن مستوى انتاج عام 1990م.
ونتيجة للجهود التي بذلت لاعادة بناء ما دمره العدوان والاحتلال العراقي، والمحاولات المتواصلة لعودة النشاط الصناعي الى مستوياته الطبيعية قبل العدوان والاحتلال، حققت الطاقة الانتاجية الصناعية باسعار عام 1989م زيادة نسبتها 45% مقارنة بمستوى عام 1990م في حين بلغت الزيادة نسبة 129% مقارنة بمستوى عام 1991م كما بلغت الطاقة الانتاجية الصناعية في عام 1992م حوالي 88% من الطاقة الانتاجية الساندة عام 1989م وهو العام السابق على سنة العدوان والاحتلال.
أما في عام 1993م فقد تابع قطاع الصناعات التحويلية نموه حيث بلغت قيمة مساهمته نحو 586 مليون دينار كويتي الا ان مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي انخفضت الى 7،8% وذلك نتيجة ازدياد قيمة مساهمة القطاعات الاخرى، وفي مقدمتها قطاع النفط. ثم اخذ هذا القطاع يسترد عافيته، وبدأت تظهر صناعات تصديرية غير نفطية، وازداد الوعي الصناعي بين المستثمرين في هذا القطاع.
وفي عام 1996م صدر قانون الصناعة رقم 56 لسنة 1996م بانشاء الهيئة العامة للصناعة، والتي تهدف الى تنمية النشاط الصناعي والنهوض به عن طريق تشجيع الصناعا المحلية، وتنمية وتشجيع الحرف الصناعية وتهيئة المناخ الملائم لجذب المزيد من الاستثمارات وتعميق الوعي الصناعي لدى المواطنين وتوثيق التعاون الصناعي مع مختلف الدول والمنظمات الدولية.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:54 AM
العوامل المحفّزة لنمو القطاع الصناعي

بتوجيهات من الشيخ جابر الاحمد وزير المالية صدر قانون الصناعة رقم 6 لسنة 1965م المتضمن مجموعة الحوافز التي توفرها الدولة للمستثمر الصناعي لتشجيعه وضمان بقاء واستمرارية المشروعات الصناعية. وتشمل هذه الحوافز دعما عينيا مباشرا ودعما اداريا خلال الاحكام الواردة في هذا القانون، ومن اهم الحوافز والتشجيعات التي كفلها القانون وتعمل الدولة بموجبها ما يلي:

حوافز الحماية وتشجيع التصنيع:

وتشمل الحوافز المقدمة قبل مرحلة الاستثمار وبعده، نظاما مؤسسيا يسعى لتشجيع المستثمر في المضي قدما في نشاطه. ففي المرحلة الاولى تقوم الدولة بتقديم كل ما يحتاجه المستثمر من بيانات ومعلومات واستشارات دون مقابل، بالاضافة الى شمول منتجه الصناعي بنظام حماية من المنافسة الاجنبية.
وقد تضمن نظام الحماية شروطا الزامية تهدف الى المنشآت الصناعية على تطوير مواصفات منتجاتها باستخدام علامة الجودة الكويتية والالتزام بالمواصفات والمقاييس الكويتية، او الخليجية، او العالمية، بالاضافة الى السعي للحصول على شهادة المواصفات العالمية «الايزو».
كما تضمن هذا النظام الحماية الجمركية كمعايير تشجيعية استهدفت تشجيع المنشآت الصناعية التي ترغب في حماية منتجاتها، وزيادة حجم صادراتها وقدراتها على تكثيف راس المال العامل في المنشأة، وتكثيف استخدام العمالة الوطنية، وزيادة مساهمتها في تغطية متطلبات السوق المحلي.

إنشاء المناطق الصناعية:

تقوم الحكومة بتخصيص قسائم صناعية للمستثمر الصناعي في المناطق الصناعية المختلفة التي هيأتها مسبقا لهذا الغرض، ويتم تأجيرها باسعار رمزية، كما يتم تزويد المصانع بالمياه للتبريد ومياه الشرب والطاقة الكهربائية باسعار رمزية وتجدر الاشارة الى ان عدد المناطق الصناعية في دولة الكويت تصل الى اكثر من اثنتي عشرة منطقة، حيث بلغت مساحتها الاجمالية نحو 35.1 مليون متر، وان اغلب هذه المناطق تم تجهيزها بالكامل. وفي احصائية لوزارة التجارة والصناعة عام 1998م تشير الى ان حوالي (35%) من المنشآت الصناعية، المسجلة في السجل الصناعي، تتركز في منطقة الشويخ الصناعية، بينما (62%) من تلك المنشآت تتركز بالمناطق الصناعية الاخرى بنسب تتراوح ما بين (06،1%) الى (08،9%).

إنشاء البنك الكويتي الصناعي:

يعود تاريخ تأسيس البنك الصناعي الى اواخر عام 1973م برأسمال قدره عشرة ملايين دينار كويتي عند التأسيس وارتفع ليصل الى 20 مليون دينار كويتي. وقد دعمت الحكومة البنك من خلال تقديم قرضين قيمتهما 200 مليون دينار كويتي، بفائدة منخفضة تراوحت بين 5،2و3% لدعم نشاطه.
وقد اوضح الشيخ جابر الاحمد دور البنك الصناعي وواجباته في مواجهة هذه النقلة النوعية في تاريخ الكويت الحديث، عندما علق قائلا: «إن البنك الصناعي يختلف في أهدافه ومجال نشاطه عن البنوك التجارية الاخرى، وليس ثمة شك في ان الاهداف التي تسعى البنوك المتخصصة لتحقيقها، والسبل التي تسلكها اصعب من اهداف وسبل البنوك التجارية، ولذا فان من الضروري ان تكرس البنوك المتخصصة اعمالها في المجالات المخصصة لنشاطها وان لا تخرج عن نطاق تخصصها».
ويمضي في هذا السياق، فيقول: «والبنك الصناعي حيث يركز نشاطه على خدمة الصناعة في البلاد لا يخدم قطاع الاقتصاد فحسب، بل يؤدي واجبا وطنيا اوسع باسهامه في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى الدولة الى استكمالها، ومن هنا، كان لزاما على البنك ان يضع لنفسه مقاييس خاصة في تقييم المشاريع المعروضة عليه، وان يراعي في ذلك التوازن المعقول بين متطلبات التنمية العامة واعتبارات الربح التجاري».
ويضيف مؤكدا، حين يقول: «وان على البنك الصناعي قبل ان ينظر في المشاريع الجديدة ان يهتم بدعم الصناعات القائمة حاليا، وخاصة تلك التي قامت بجهود فردية، واستطاعت ان تسهم في خدمة الاقتصاد الوطني، وان تسد بعض احتياجات البلاد، والتي تحمّل اصحابها المصاريف الباهظة والفوائد المصرفية المرتفعة من اجل اقامة هذه المشاريع الصناعية التي تفخر الكويت بالكثير منها. واود ان اؤكد ان الحكومة من جانبها لن تألو جهدا في تدعيم بنك الكويت الصناعي لتحقيق الاهداف التي انشىء من أجلها».
ويعمل البنك على اتخاذ الاجراءات الخاصة بتشجيع التنمية الصناعية، وتأسيس المشروعات الصناعية، والمشاركة في ملكية مشروعات جديدة، بالاضافة الى منح القروض لآجال متوسطة وطويلة بفائدة لا تتجاوز5% سنويا، وكذلك اقراض مشروعات توسعة وتحديث الصناعات القائمة بفائدة 6% سنويا.

التمويل الصناعي:

استكمالا لجهود الدولة في تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في الصناعة جاء انشاء بنك الكويت الصناعي اواخر عام 1973م بتشجيع ورغبة من الشيخ جابر الاحمد، فتبنته الحكومة في مبادرة لتوفير وسائل الدعم والحماية والتمويل الصناعي للمستثمرين في هذا القطاع، وقد عمد البنك منذ ذلك التاريخ الى تمويل المشروعات الصناعية عن طريق تقديم قروض ميسرة متوسطة وطويلة الاجل، او المساهمة في راس مال المشروعات الصناعية.
وقد ساهمت الحكومة بشكل مباشر في تمويل العديد من المشروعات الصناعية، وخاصة في قطاع البترول والبتروكيماويات كما ان هناك مؤسسات تمويلية اخرى كالبنوك التجارية ومؤسسات الاستثمار التي ساهمت في تمويل عدد من المشروعات الصناعية، بجانب العديد من المشروعات الصناعية التي طرحت للاكتتاب العام، واسهم في تأسيسها وملكيتها افراد ومؤسسات ذات طابع غير مالي.

تدريب القوى العاملة الوطنية:

اهتمت الدولة اهتماما كبيرا بتدريب وتأهيل القوى العاملة للعمل في القطاع الصناعي فمنذ الخمسينيات انشأت مراكز للتدريب المهني، بالاضافة الى الادارة المركزية للتدريب والاشراف على المعاهد، وفي نهاية عام 1982م قامت الدولة بانشاء الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب التي أخذت على عاتقها تدريب الكوادر الوطنية، وذلك ما تقدمه من برامج لأنشطتها المختلفة.

الاعفاءات الجمركية:

نصت المادة (14) من قانون الصناعة رقم 6 لعام 1996م ، بانه يجوز لوزير التجارة والصناعة بناء على توصية لجنة تنمية الصناعة، وبعد موافقة مجلس الوزراء، اعفاء المنشآت الصناعية المسجلة او المرخصة من دفع الرسوم الجمركية على الواردات من الآلات والمعدات وقطع الغيار والمواد الاولية، والبضائع نصف المصنعة التي تحتاجها المنشأة لاغراضها الانشائية، بالاضافة الى رفع التعرفة الجمركية على البضائع المستوردة المشابهة للمنتج المحلي ولمدة اقصاها عشر سنوات، واعفاء صادرات منتجات الصناعة المحلية من رسوم وضرائب التصدير كافة، وبذلك اعتبرت هذه الاعفاءات من اهم وسائل تشجيع الدولة لصناعتها المحلية.

تأهيل المنشآت الصناعية لانتاج السلع ذات المنشأ الوطني:

في اطار الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون، وطبقا لنص الفقرة (أ) من المادة الثالثة من هذه الاتفاقية التي اشترطت لاكتساب صفة المنشأ الوطني ان يتم انتاجه في احدى دول مجلس التعاون وان يحقق قيمة مضافة لا تقل عن 40%.
بناء على ذلك ونظرا لاهمية تأهيل المنشآت الصناعية في تنشيط صادرات الكويت لدول مجلس التعاون، فقد سعت دولة الكويت الى تاهيل العديد من المنشآت الصناعية والحرفية التي بلغ عددها عام 1996م (39) منشأة، ارتفعت عام 1997م الى (116) منشأة. علما بان تأهيل المنشآت لاكتساب صفة المنشأ الوطني، يمنحها الحق في تصدير منتجاتها الى الاسواق الخليجية معفاة من الرسوم الجمركية.
وهكذا يتضح لنا ان سياسة تحفيز الصناعة والتصنيع في دولة الكويت التي اسسها الشيخ جابر الاحمد وسعى الى الارتقاء بها، قد ساعدت في المساهمة الفعالة في نمو الصناعة وتطورها، مما ادى الى تقدمها وبلوغها الحجم الذي وصلت اليه اليوم، حيث زادت مساهمة القطاع الصناعي في الدخل القومي، وذلك بتوجيه منه، وبتشجيع من الحكومة للصناعة باعتبارها احد اهم الخيارات المتاحة لتنويع مصادر الدخل القومي، وتوسيه القاعدة الاقتصادية، ولذلك جاءت هذه الاهداف ضمن الاولويات التي حددتها خطط التنمية الاقتصادية وخطط تنمية القطاع الصناعي بثورة خاصة.

مجموعة الصناعات الوطنية:

تأسست شركة الصناعات الوطنية في عام 1960م وفي عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، تحقيقا لرغبة ملحة في اقامة شركة مشتركة بين القطاعين. العام والخاص تشجيعا للاستثمار الاهلي، ومحاولة لتوجيهه نحو تنمية وتنويع مصادر الدخل القومي، وتفعيل دور القطاع الخاص في المساهمة في خلق فرص صناعية واستثمارية. تسهم في نهوض وتطوير دولة الكويت الناشئة. وكان للشيخ جابر الاحمد دور كبير ومميز في تأسيس شركة الصناعات الوطنية لكونها ثمرة طالما دعا اليها وعمل من اجلها.
ففي بيان للشركة تحت عنوان «دعامة متينة للاقتصاد الوطني» بمناسبة زيارة الشيخ جابر الاحمد التي قام بها للشركة في 14 ابريل عام 1963م عندما كان وزيرا للمالية والصناعة، ما يوضح اهتمامه البالغ بالنهضة الصناعية في الدولة ورعايته المستمرة لها منذ اوائل الستينات. ففي هذه الزيارة كتب في سجل الشركة ما يلي:
«لقد كان بودي ان املأ صفحات عديدة من هذا الكتاب، لأسجل بكل فخر واعتزاز ما قام به المسؤولون عن هذه الشركة من تعب وجهد في سبيل تحقيق دعامة الاقتصاد الوطني الذي سيأتي بالثمرة المرجوة منه قريبا جدا، وسيتضح للشعب الكويتي ما لهذا المجهود من نتائج ستعرفها الاجيال القادمة. كما قلت، فانني مهما كتبت فلن اوفي الجهد الذي بذل في سبيل تحقيق هذه الدعامة. والله اسأل ان يوفق القائمين عليها من مجلس ادارة وموظفين وعمال الى ما يصبون اليه من نجاح، وستكون الحكومة ـ وعلى الاخص ـ وزارة المالية والصناعة سندا دائما والله الموفق».
ولقد كان من اغراض شركة الصناعات الوطنية، عند تأسيسها برأسمال قدره عشرون مليون روبية، اي ما يعادل مليونا ونصف مليون دينار كويتي في ذلك التاريخ، تملّك واستغلال مصنع الطابوق الرملي الجيري ومصنع منتجات الاسمنت اللذين تم تأسيسهما من قبل حكومة الكويت في 1955م.
من جهة اخرى، اسهمت شركة الصناعات الوطنية في تأسيس شركة الكيماويات البترولية، وشركة صناعات الاسبست الكويتية بنسبة 75% وبدأت بانتاج انابيب وملحقات الاسبست لشبكات المياه والصرف الصحي في عام 1962م كما تبنت الشركة خلال عقد الستينات العديد من دراسات الجدوى الاقتصادية لمجموعة متنوعة من المشروعات والفرص الاستثمارية الصناعية، بغية خلق قاعدة صناعية مع تنميتها لتساند القطاع النفطي وتنوع من موارد الدخل القومي. وكذلك المساهمة في الحد من الاستيراد واستغلال المواد الاولية المتوافرة في الدولة، وخلق فرص استثمارية وصناعية جديدة لاستثمار اموال ومدخرات المواطنين وتوفير مجالات العمل لهم.
كما اهتمت الشركة خلال عقدها الاول بالاستثمار والتأسيس في صناعات جديدة، وشركات زميلة تحتل اليوم موقعا رياديا وبارزا في الكويت. منها على سبيل المثال الشركة الكويتية للمباني والتعمير والشركة الكويتية لصناعة الانابيب المعدنية، وشركة الخدمات البترولية، وشركة اسمنت الكويت وغيرها من الشركات الصناعية الرائدة.
وجاء الغزو والاحتلال العراقي في 2 اغسطس عام 1990م وجلب معه الدمار لمختلف اوجه الحياة في الكويت. ولم تسلم شركة الصناعات الوطنية من التخريب، وتعرضت مصانعها للتدمير والسرقة المنظمة والمدبرة واتلفت معدات التحكم الالكترونية واجهزة الكمبيوتر، وتعطلت مراكز البنى التحتية وتكبدت الشركة خسائر باهظة جراء هذا العدوان والاحتلال.
وبتأييد وعون المولى القدير، وتوجيهات ودعم الشيخ جابر الاحمد تحدت شركة الصناعات الوطنية هذه الظروف البالغة الصعوبة، وبادرت فور التحرير الى اعادة تجهيز مصانعها وتشغيلها لتتمكن من اداء دورها، والمساهمة في خطة اعادة الاعمار التي تبنتها الدولة.
وفي 11 مايو عام 1997م وافقت الجمعية العمومية على تحويل شركة الصناعات الوطنية الى شركة قابضة باسم مجموعة الصناعات الوطنية ¢Ni Grop"، تهتم بانشاء شركات جديدة وطرحها للمساهمين، مع المحافظة على نسبة تملك معينة حتى تحصل هذه الشركات على الدعم اللازم.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:55 AM
لقد واجهت شركة الصناعات الوطنية، وهي اقدم واكبر شركة صناعية في الكويت خارج القطاع النفطي، منذ انشائها العديد من الصعوبات، ولم يكن لديها من خيار سوى ان يكون لها استراتيجية مستقبلية ثاقبة، فعملت ـ وما زالت تعمل ـ بدعم وتشجيع من الشيخ جابر الاحمد راعي قيام هذا الصرح الاقتصادي والصناعي العملاق، حيث تبنت سياسة مالية متطورة وواعية، استغلت من خلالها مواردها المالية افضل استغلال من اجل توفير متطلبات النمو والتوسع.

دعم وتشجيع القطاع الزراعي:

انطلاقا من توجهات الشيخ جابر الاحمد في تنويع مصادر الدخل، وتوسيع القاعدة الاقتصادية في الدولة، فقد أولى الكثير من اهتمامه للقطاع الزراعي وتشجيعه، ودعمه لمشروعاته اسوة بالقطاع الصناعي.
ففي عام 1969م انشئت اول وحدة من نوعها في الشرق الاوسط لزراعة الخضراوات بدون تربة، وذلك بالتعاون مع خبراء من منظمة الاغذية والزراعة الدولية، حيث امكن الحصول على معلومات قيمة عن هذا النظام الزراعي الذي ثبتت صلاحيته من الناحية الفنية.
وفي عام 1972م اقيم مركز لانتاج الخضراوات المحمية بالتعاون مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة ¢UNDP"، ومنظمة الاغذية والزراعة الدولية ¢FAO"، وقد حقق هذا المركز تقدما كبيرا في مجال ابحاثه، حيث نجح في ادخال نظم حديثة باستعمال المياه المحلاة بطرق اقتصادية.
وفي عام 1983م تم انشاء الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية التي انيط بها الاشراف على قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية في الدولة، بعد ان كان هذا القطاع تابعا لادارة الزراعة التي تأسست بوزارة الاشغال العامة عام 1968م.
وعلى الرغم من الظروف الطبيعية التي تقف في مواجهة اتساع القطاع الزراعي، والتطورات الايجابية التي شهدها هذا القطاع منذ مطلع الخمسينيات، وبالتحديد عام 1953م، عندما اسست محطة التجارب الزراعية، وزوّدت بالخبرات الفنية الكافية لاجراء التجارب الزراعية، واستخلاص النتائج الملائمة في القطاعين: النباتي، والحيواني، ونشرها بين المواطنين المهتمين في القطاع الخاص.
نقول، منذ ذلك التاريخ، كان الاعتقاد السائد بين المختصين يؤكد على انه لا تزال هناك طاقات كامنة لم تستغل بالطريقة المثلى بعد. وان الانتفاع بدرجة استغلال الامكانات المتاحة الى حدودها القصوى من شأنه تحقيق نهضة زراعية تساعد بنصيب اكبر في الدخل القومي.

الانماء الاقتصادي والمسألة السكانية:

وفي معترك الطموح المتفائل للآمال نحو ازدهار وتقدم الازدهار الكويتي الوطني ركز الشيخ جابر الاحمد، على عدد من القضايا ذات الاولوية القصوى في الشأن الكويتي، وان مسألة التركيبة السكانية والمسيرة الاقتصادية المتعلقة بطبيعة المجتمع وشخصيته، وبمستقبل الكويت والتخطيط لصيانة امنها ورفاهية شعبها، كانت في مقدمة هذه الآمال والطموحات.
لقد ابرزت الدراسات والخطط الانمائية مدى اختلال توزيع قوة العمل في القطاعات الاقتصادية وفي الانشطة الانتاجية داخل كل قطاع، باستثناء القطاع الحكومي، من هنا كانت توجيهات الشيخ جابر الاحمد بضرورة ربط الجهد الانمائي المتعلق بالتركيبة السكانية بتعديل هذه التركيبة، لتصبح في صالح السكان الكويتيين ضمن اجمالي التعداد العام للسكان وقوة العمل، وهذا يعني السعي لتقليل حجم مجتمع السكان الوافدين بما يتوافق مع المعطيات الاقتصادية والاجتماعية في الكويت.
وفي ظل هذه التوجيهات عمدت الحكومة الكويتية الى تحقيق المعادلة الاقتصادية التي تربط مستوى المعيشة بحجم الانتاج وعدد السكان، على ان يكون انخفاض عدد السكان لصالح نمو السكان الكويتيين، ووقفا لخطة مدروسة، وبغض النظر عن الجدل الفكري المتعلق بربط الحجم الامثل للسكان وعلاقته بمستوى المعيشة الامثل، نجد ان الاقتصاد الكويتي ـ وبتوجيهات الشيخ جابر الاحمد ـ قد حقق دخلا متوسطا للفرد، يماثل ما تحقق في الدول الصناعية المتقدمة، اضافة الى ان الكويت قد حققت مواقع ايجابية متقدمة في نوعية الحياة كافة، كمؤشرات التحضر، نصيب الفرد من الاستهلاك الغذائي، مستوى الخدمات الصحية، ودرجة انتشار التعليم والوعي الثقافي، وهي كلها مؤشرات تعكس قفزة في تطور نمط ونوعية الحياة للسكان، وليس من المبالغة القول ان توجه الدولة نحو استخدام التقنيات الحديثة في تصنيع الموارد المتاحة ممثلة في النفط ومشتقاته، والتوسع في بعض القطاعات الحديثة كالقطاع المالي والتجاري، يمكن ان يعمل على توسيع النشاط الاقتصادي في الدولة.
وخلاصة القول، ان القابلية للتوسع الاقتصادي التي يتمتع بها الاقتصاد الكويتي، لا يمكن ان تكون وحدها سندا لتوجيه معدل التركيبة، السكانية في الكويت. لذلك ارتأت الدولة ـ وبتوجيهات من الشيخ جابر الاحمد ـ ان يكون هذا التوجه قائما على دوافع اخرى مساندة مثل:
1 ـ تشجيع وحفز الاستثمار
2 ـ ربط زيادة المقدرة الانتاجية بمستوى قوة العمل وهيكلها.
3 ـ حرية اختيار نمط واسلوب الانتاج.
وهكذا يتبين لنا ان تعديل التركيبة السكانية الذي يمثل اهم التوجيهات التخطيطية في الكويت، لا يستند الى دوافع اقتصادية بالدرجة الاولى، بل ايضا الى دوافع اجتماعية وثقافية، ومن هنا، يتوجب استعراض المصاحبات الاخرى المتصلة بالاعتماد على العمالة الوافدة، والتي تحرص الحكومة على معالجتها بما يتمشى والمصلحة الوطنية للدولة.

سموه اهتم بدعم القطاعات الثلاثة: المشترك والخاص والاقتصاد التعاوني الأمير استلهم النظام الاقتصادي الرأسمالي ــــ الاشتراكي من كفاح الشعب الكويتي
التنمية وتنويع القاعدة الاقتصادية

ينصرف مفهوم القاعدة الاقتصادية «الانتاجية» لدى الشيخ جابر الاحمد، منذ توليه رئاسة دائرة المالية، الى بناء الاقتصاد الوطني بين انشطة انتاجية سلعية ذات وجه اقتصادي خالص، وانشطة انتاجية خدمية ذات ابعاد اجتماعية.
ويقصد بعملية التنويع هذه خلق التوازن بين المساهمات النسبية لهذه الانشطة ـ مجتمعة ـ في تكوينها للدخل المحلي، ومدى استيعابها لقوة العمل والاستثمار. وينصرف مفهوم المقدرة الاستيعابية الى مجموع الفرص الاستثمارية التي يمكن انجازها في الاقتصاد الوطني بأقصى عائد اجتماعي ممكن خلال فترة محددة. ونلاحظ من سياق مفهوم تنويع القاعدة الاقتصادية، ومفهوم المقدرة الاستيعابية، ان هناك ارتباطاً وثيقاً بين كلا المفهومين، وبين الجهد التخطيطي والانمائي على المستوى الوطني. واستمرار نمو المجتمع ومسيرته الانمائية على النحو الذي يحقق اقصى كفاءة ممكنة في تعبئة الموارد واستخدامها وتنميتها، سواء أكان للجيل الحاضر ام للاجيال المقبلة.
وفي هذا السياق يقول فيصل المزيدي: «... وادراكاً من سموه لحقيقة هذه العلاقة، منذ ان بدأ العمل بهذا التصور وحتى تاريخه، فقد احتل مبدأ تنويع القاعدة الاقتصادية مكاناً بارزاً بين اهداف برامج التنمية، سواء أكان في مشروعات الخطط الانمائية الخمسية السابقة التي بدأت عام 1967م، ام ما جاء ضمن اهداف الخطة الخمسية للفترة (85/1986م ـ 89/1990م) بجانب التصورات المتوقعة لمسيرة التنمية المستقبلية الصادرة عن وزارة التخطيط، وكذلك تصورات المجلس الاعلى للتخطيط حول الاستراتيجية الانمائية بعيدة المدى الصادرة في نهاية عام 1989م...».
ويمضي المزيدي موضحاً اهداف القاعدة الاقتصادية، فيقول: «.... كما ان من اهداف تنويع القاعدة الاقتصادية التي تتمحور حول هدفين متكاملين في التخطيط الوطني، مايلي:
1ـ زيادة المساهمة النسبية للقطاعات غير النفطية، مثل الصناعات التحويلية والزراعية والخدمات في مجمل الناتج القومي.
2ـ عدم الارتكاز على الموارد النفطية كمصدر وحيد للايرادات العامة.
ولكي يتحقق الهدفان فلابد من الاستفادة من الايجابيات المستخلصة من ريع النفط في توسيع القاعدة الاقتصادية وزيادة كفاءتها...».
واخيراً يشير «المزيدي» الى الايجابيات التي تحققت للاقتصاد الكويتي على يد الشيخ جابر الاحمد فيقول: «... من اهم الايجابيات التي تحققت للاقتصاد الكويتي باعتماده على الموارد الريعية، وتوزيعها، مايلي:
1ـ رفع متوسط دخل الفرد الى مصاف مستويات الدخول في الدول الغنية، والاكثر تقدماً، وهذه كانت احدى طموحات الشيخ جابر الاحمد في خلق مجتمع الرفاه.
2ـ توفير رؤوس الاموال اللازمة لتنفيذ برامج الاستثمار الضخمة.
3ـ بناء استثمارات انتاجية متطورة في مجال استخراج النفط وصناعة مشتقاته البتروكيماويات....».

تأسيس القطاع المشترك (الشركات المساهمة)

لقد اجمع الرعيل الاول من الاقتصاديين الكويتيين، الذين عملوا مع الشيخ جابر الاحمد منذ توليه مسؤولية دائرة المالية في اواخر عقد الخمسينيات، واوائل الستينيات ، بأنه كان يسعى دوماً الى تشجيع ودعم قيام القطاع المشترك «الحكومي/الاهلي» وتيسر السبل والاجراءات الخاصة بتأسيس الشركات المساهمة الكفيلة بتفعيل دور هذا القطاع، ليأخذ دوره النشط في مسيرة الاقتصاد الكويتي منذ بدء مراحل بنائه الاولى.
ويعبر عن هذا الرأي احد هؤلاء الاقتصاديين، وهو عبد العزيز البحر، فيقول: «.... من اهم انجازات الشيخ جابر الاحمد المتميزة في المجال الاقتصادي هي فكرة انشاء القطاع المشترك، وكان هذا التوجه الاقتصادي هو الاول من نوعه في المنطقة العربية، حيث تقوم الحكومة بدراسة المشروعات الاقتصادية المقترحة، فإذا ثبتت جدواها الاقتصادية نفذتها على شكل شركات مساهمة تطرح جزءاً من رأس مالها للاكتتاب العام، وذلك لاتاحة الفرصة للمواطنين للمساهمة بمدخراتهم في مشروعات مضمونة ومربحة في مجالات مختلفة، سواء اكانت مصرفية ام استثمارية، ام شركات تأمين، ام صناعة. ومثالاً على ذلك: شركة الصناعات الوطنية، شركة البترول الوطنية الكويتية، الشركة الكويتية للتجارة والمقاولات والاستثمارات الخارجية، بنك الكويت والشرق الاوسط، بنك برقان، شركة الخليج للتأمين، وشركة وربة للتأمين. وقد باشرت الحكومة مؤخراً خصخصة الجزء العائد لها في هذه المؤسسات الناجحة..».
ويؤكد خالد ابو السعود هذا الاهتمام الفائق للشيخ جابر الاحمد بدعم القطاع المشترك، ووضعه للبنات الاساس للشركات المساهمة الكويتية، فيقول: «... وفي عام 1960م بدأ العمل بتنفيذ سياسة، وضعها سمو الشيخ جابر الاحمد بوصفه رئيساً للمالية، تقضي باستخدام جزء من الوفورات المستثمرة في لندن لدعم الاقتصاد الوطني، وتأسيس الشركات المساهمة الكويتية، وتشجيع القطاع الخاص بجميع فئاته للاكتتاب. بأسهمها، مما ادى الى ازدياد عددها، وتحقيق اغراض تجارية وصناعية ومالية وخدمات، وبالتالي ادى الى تطور اقتصاد الدولة وازدهارها..».
ويمضي ابو السعود، فيقول: «... عندما استلم سمو الشيخ جابر الاحمد دائرة المالية، كانت الشركات المساهمة لا تزيد على عدد محدود من الشركات، منها بنك الكويت الوطني، وشركة ناقلات النفط. حيث ان الجمهور لم يكن معتاداً على الاستثمار في مثل هذه الشركات. وهذا ما حدا بسموه للعمل على سرعة اصدار قانون تحت رقم 15 لسنة 1960م، ينظم تأسيس وادارة الشركات، اباح للدولة ان تؤسس منفردة اي شركة مساهمة، ثم تطرح اسهمها للاكتتاب العام..».
وفي هذا السياق، يقول ابو السعود: «.... وبتوجيه من سمو الشيخ جابر الاحمد بوصفه وزيراً للمالية، قامت الوزارة بتأسيس اكثر من 15 شركة مساهمة شاركت شخصيا باجراءات تأسيسها ووضع انظمتها الداخلية واغراضها بتوجيهات سموه، وتم طرحها للاكتتاب العام. وكان الاقبال على الاكتتاب ضعيفاً في البداية ثم زاد تدريجياً الى ان وصلت تغطية المطروح من اسهم احداها، «شركة صناعة الكيماويات»، الى 40 مرة وزاد عدد المساهمين على 100 الف مكتتب.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:55 AM
واذكر ان اول شركة اسستها الدولة على هذا النحو، هي شركة البترول الوطنية، تبعتها شركة صناعة الكيماويات، فمطاحن الدقيق والمواصلات، والشركة الكويتية للاستثمار، والشركة الكويتية للتجارة والمقاولات والاستثمارات الخارجية. وقد شجع ذلك القطاع الخاص، فأسس عدداً من الشركات كبنك الخليج والبنك الاهلي، والشركة الدولية للاستثمار.. الخ.
وتلا عمليات التأسيس وتحقيق اغراض الشركات بدء عمليات التداول بأسهمها، بيعاً وشراء، على اسس استثمارية وتجارية، مما خلق سوقاً منتظمة تحكمها قواعد ونظم، تضعها، وتشرف عليها الدولة...».
وفيما يلي، بعض النماذج من هذه الشركات التي تكفل الشيخ جابر الاحمد برعايتها ووضعها على بداية الطريق، دعماً لمسيرة الاقتصاد الكويتي:

شركة النقل العام الكويتية:

يحدثنا عبد اللطيف البحر بأن فكرة انشاء شركة للنقل العام نبعت من فكر الشيخ جابر الاحمد، فيقول: «.... كان سموه ينظر الى قيام اي مشروع اقتصادي من منظوره الثلاثي الشهير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فجاءت شركة النقل العام الكويتية احدى الشركات التي تأسست وليدة فكره ابان توليه وزارة المالية، بهدف توفير الخدمات الاساسية بأيسر السبل واقل تكلفة للفئات غير القادرة من المواطنين والوافدين، ولضمان قيام الشركة بوظائفها المطلوبة لذوي الدخول المحدودة، وبالتالي فإنه، من الناحية المجتمعية لم يكن الهدف هو معيار الربح....».
وهنا تجدر الاشارة بأن شركة النقل العام الكويتية تأسست بموجب المرسوم الاميري رقم 60 لسنة 1962م، وكان اسمها في حينه «شركة المواصلات الكويتية» كما كانت اسهم الشركة موزعة بين الافراد والحكومة، وبنسبة 50% لكل منهما. وفي اغسطس عام 1985م تم تغيير الاسم لتصبح «شركة النقل العام الكويتية» وتشجيعاً للمواطنين للمساهمة في هذا المشروع، أمنت الدولة للمساهم في حينها حداً ادنى مضموناً بفائدة قدرها 5%.

شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية:

ولما كان اهتمام الشيخ جابر الاحمد عظيماً بكل الامور الخدماتية التي تهدف الى خدمة ورفاهية المواطن ورفع المعاناة عن كاهله وتلبية احتياجاته الضرورية، فقد بارك بحماس فكرة تأسيس شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية كاحدى المؤسسات الخدمية المباشرة لمختلف فئات الشعب، محققاً بذلك ضمان توافر الامن الغذائي للشعب بأسعار مدعومة من الحكومة.وفي هذا السياق يقول عبد اللطيف البحر: «... كان تأسيس شركة المطاحن الكويتية نظرة ذات ابعاد عميقة، اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً، وكانت هي الاخرى شركة خدماتية توفر احتياجات الناس. وقد ساهمت الحكومة فيها ايضاً بنسبة 50%، وضمنت ـ تشجيعاً للمساهمين ـ عائداً بحد ادنى قدره 10% كربح مضمون، وهي نسبة اعلى من الارباح البنكية، وفي الوقت نفسه فإن منتجاتها على اعلى درجة من الجودة وبسعر مناسب للمستهلك، وهي اعباء لا يمكن ان يتحملها القطاع الخاص وحده.
وقد قامت هذه الشركة نتيجة لدمج شركتين هما: شركة مطاحن الدقيق الكويتية التي تأسست عام 1961م وأدمجت في عام 1988م مع شركة المخابز ليصبح الاسم بعد الدمج «شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية»، حيث بدأ نشاط الشركة الصناعي بانتاج الدقيق عام 1965م. وانطلقت منه لتتخصص في قطاع الصناعات الغذائية التي لها صلة وثيقة مباشرة بكل مواطن، فانشأت في عام 1969م مصنع انتاج المعكرونة والشعيرية، وفي عام 1970م انشأت مصنع البسكويت لتنجز في عام 1976م مصنعها الرابع لانتاج الدهون والزيون النباتية.
وفي عام 1978م تبنت الشركة خطة طموحة لبناء وتشغيل تسعة مخابز آلية موزعة جغرافيا على مناطق الكويت لضمان انسياب واستمرار الانتاج للمستهلكين كافة، وسهولة التوزيع على مختلف المناطق.
دعم وتشجيع القطاع الخاص:

انطلاقا من جهود الشيخ جابر الاحمد في انشاء وارساء دعائم القطاع المشترك، فقد جاء اهتمامه برعاية وتشجيع القطاع الخاص عظيما كأحد ركائز الاقتصاد الكويتي الحر، وتميزه بين النظم الاقتصادية العالمية الرأسمالية منها، والموجهة.
وفي هذا المضمون يتحدث بدر النصرالله فيقول: «لقد اهتم سمو الشيخ جابر الاحمد بالقطاع الخاص ودفعه الى الامام، وكان يستشير في أمره الخبراء الاقتصاديين الكويتيين منذ توليه امور دائرة المالية، ومن أجل مساندة هذا القطاع وتقويته فقد اولى القطاع المشترك، الحكومي والاهلي كامل عنايته وتشجيعه مع السعي لحمايته وضمان استمراره».
وانسجاما مع هذا الاهتمام والرغبة الاكيدة في دفع عجلة الصناعة، قامت الحكومة بدعم وتشجيع الصناعيين على ارتياد المجالات الانتاجية الصناعية والزراعية وتنشيط التجارة الداخلية والخارجية من خلال:
1 ـ توفير القروض طويلة الاجل ذات الفائدة المخفضة من جانب البنك الصناعي والتي لا تتعدى 4% فقط.
2 ـ توفير القسائم الصناعية بايجار رمزي لا يتجاوز 50 فلسا للمتر المربع في السنة.
3 ـ المساهمة في رأس مال الشركات التي يؤسسها القطاع الخاص.
4 ـ دعم وتكويل القطاع الصناعي.
5 ـ توفير الخدمات المرافقية «المياه والكهرباء» اللازمة للانتاج والاستهلاك بأسعار مخفضة.
6 ـ فرض القيود والرسوم والضرائب على بعض السلع المستوردة بصفتها بدائل للانتاج المحلي.
7 ـ الاعفاء الكامل من ضرائب الدخل وضرائب التصدير.

دعم وتشجيع الاقتصاد التعاوني:

من الثوابت الراسخة في البناء الاقتصادي والسياسي لدولة الكويت، انها اتخذت الوسطية منهجا ونهجا في امورها الحياتية. وعلى الرغم من ارتباط الكويت بالنظام الرأسمالي واقتصاديات السوق الحر، الا انها لم ترفض يوما كل ما هو صالح ومفيد من النظام الاقتصادي الموجه. لهذا جاءت سياسة الكويت الاقتصادية مزيجا من النظامين الرأسمالي والاشتراكي، يمكن ملاحظة مظاهره في مجالات متعددة كمجانية التعليم والصحة، ودعم المواد الاساسية الاستهلاكية وقيام حركة تعاونية فاعلة في المجتمع، وضمان الوظيفة وتوفير السكن المناسب للمواطن.
لم يأت هذا التوجه عفويا او انتقائيا، بل كانت له جذور في عمق تاريخ الكويت.. هذا التاريخ الذي يحدثنا عن ماضي الكويت، بانه مجتمع تضامني تكافلي متراحم، قائم على التعاون بحكم طبيعة النظام الاقتصادي الذي ساد المجتمع الكويتي عبر عصور مختلفة، تمثلت في التجارة الخارجية مع دول اسيوية وافريقية فقد ركب الكويتيون الامواج العاتية بسفنهم الشراعية غير عابئين بمخاطر الطريق الذي كان يمتد بهم في رحلة طويلة بعيدا عن الاهل والوطن.. هذه الحياة الشاقة علمتهم ان التعاون والمشاركة الشعبية من اجل نمو وتطور الوطن امر اساسي ومهم. وكان الكويتيون يمارسون هذه المفاهيم عمليا دون ان يدركوا ماذا تعني الرأسمالية او الاشتراكية لكنهم كانوا يدركون تماما المعاني السامية للاية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
لا شك ان الشيخ جابر الاحمد قد اولى هذا النضال مع الحياة اهمية بالغة، ورأى فيه صفحات من تاريخ الكويت المشرّف، استقى منها اتجاهاته الفكرية والفلسفية في الحياة، وخاصة في جانبها الاقتصادي.. وفي هذا يقول: «لقد عاش شعبنا على هذه الارض الطيبة على مر السنين، تجمع بيننا اواصر القربى والتراحم، وتشدنا عرى التكاتف والتكافل وقد الف الله بين قلوبنا».
ويمضي مؤكدا: «ان من واجب الوفاء على هذا الجيل ان لا ينسى الرعيل الاول الذين قامت على سواعدهم كويتنا الحبيبة، والذين ضحوا بارواحهم واموالهم في سبيلها».
لقد كانت توجهات الشيخ جابر الاحمد الاقتصادية جزءا اساسيا من تلك الثوابت، فعلى الرغم من ميوله الكبيرة نحو اقتصاديات السوق، ودور القطاع الخاص كشريك فاعل في بناء المجتمع والدولة، الا ان الجوانب المشرفة، وخاصة الانسانية منها في النظام الاقتصادي الموجه، كان لها بريقها وكانت تجذبه دوما للاخذ بها.
من هنا جاء اهتمامه بالاقتصاد التعاوني، والحركة التعاونية ـ بصفة عامة ـ كقطاع اجتماعي اقتصادي مواز لاقتصاديات السوق، وعامل توازن في ضبط الاسعار والاحتكارات للمواد والسلع الاستهلاكية والخدمات.
وقد بدأت الحركة التعاونية في دولة الكويت بشكلها المنظم بصدور القانون رقم 20 لسنة 1962م، المعدل بالقانون رقم 24 لسنة 1979م... هذا القانون وتعديله قاما على اساس قاعدة مستمدة من حياة الكويتيين كمجتمع تعاوني، يجنح دوما نحو العمل الجماعي والمشاركة الشعبية في اثراء الحياة الكويتية.
وقد بلغ عدد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية حتى نهاية عام 2000م (46) جمعية غطت جميع مناطق الكويت، بالاضافة الى جمعيتين زراعيتين، وجمعيتين انتاجيتين، وجمعية توفير لموظفي ومستخدمي القطاع الحكومي، وجمعية مشتركة للانتاج والتسويق، وجمعية حرفية «جمعية السدو» واتحادين تعاونيين: احدهما استهلاكي، والاخر انتاجي زراعي.
وتضم الجمعيات التعاونية الاستهلاكية حسب حركة العضوية في عام 2000م، حوالي 246325 مساهما، بلغ اجمالي رأس المال المدفوع لها في العام نفسه 082،785،8 دينارا كويتيا، وبلغت جملة مبيعاتها خلال العام المذكور حوالي 337.766.320 دينارا كويتيا، وبلغ صافي ارباحها في العام نفسه حوالي 465،804،22 دينارا كويتيا، يقتطع منها 25% للخدمات الاجتماعية، يصرف منها 20% داخل منطقة عمل الجمعية، وترحل 5% الى اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية للصرف منها على المشروعات الكبيرة على مستوى الدولة، ويعتبر هذا الاجراء خطوة جماعية للتعبير عن مبادرة المساهمين التعاونيين في خدمة بلدهم ومجتمعهم المحلي.
لا شك في ان هذه القدرة المالية، التي ترعرعت ونمت في ظل توجيهات الشيخ جابر الاحمد ودعمه المباشر لها، قد مكنت الحركة التعاونية الكويتية من ان تلعب دورا رائدا في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، استطاعت معه ان تستحدث اقتصادا موازيا لاقتصاديات السوق، تمكنت من خلاله من المحافظة على اسعار السلع والخدمات عند حدودها المعقولة والمقبولة لدى المستهلك، وذلك بسبب سياسة البيع وتسعيرة المواد والسلع والخدمات المتبعة في الجمعيات التعاونية باعتماد هامش الربح اساسا لذلك.
اما في الجانب الاجتماعي، فان الخدمات الاجتماعية والثقافية والارشادية والترفيهية التي تقدمها الجمعيات التعاونية في مناطق عملها لها دور ايجابي كبير داخل المجتمع المحلي، وهي في مجملها جهود رائدة تتلاحم فيها ارادة الشعب والحكومة في تقديم صور انسانية رائعة للعمل الاجتماعي الشعبي التطوعي.
وهنا يجب الا ننسى دور الحكومة وجهودها في اقامة مراكز الضواحي في كل منطقة سكنية، وتقديمها للحركة التعاونية بأجور رمزية، بالاضافة الى تسهيلات وخدمات اخرى مكنت الحركة التعاونية الكويتية من ان تصبح احدى دعائم وركائز الاقتصاد الوطني في دولة الكويت في عهد الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:56 AM
الاتفاقيات التي تمت مع دول العالم لتسهيل الاستيراد والتصدير والتعاون آتت ثمارها على التطور التجاري الأمير حدد أوجه توزيع المال الاحتياطي للدولة لضمان تحقيق أكبر استفادة ممكنة للبلاد
أهم المنجزات الاقتصادية

بثاقب فكر الشيخ جابر الاحمد وبعد نظره المستقبلي حفلت مرحلة البناء بالعديد من الانجازات والقرارات الاقتصادية التي أرسى من خلالها دعائم الاقتصاد المؤسسي الوطني، التي كان لها اثرها في دعم كيان الدولة الاقتصادي محلياً واقليمياً ودولياً، والمتمثلة في القرارات الاقتصادية الوطنية، وانشاء المؤسسات والهيئات التي كان لها ابلغ الاثر في دعم كيان الدولة، ووقوف دول العالم مع حق الكويت وشرعيتها ابان محنة العدوان والاحتلال العراقي في 2 اغسطس عام 1990م.

تنمية التجارة الخارجية:

يرتبط الاقتصاد الكويتي ارتباطا وثيقا في مجال التجارة والمال بالسوق العالمية، ولذلك فلا غرو ان اولى الشيخ جابر الاحمد رعايته التامة للتجارة الخارجية، ومن هنا كان حرص الحكومة على تنسيق وتيسير التبادل التجاري مع دول العالم، والعمل على تنمية وتقوية الروابط الاقتصادية والفنية معها، وبخاصة الدول العربية، مستهدفة في ذلك ما يعود بالنفع المتبادل وزيادة حجم التبادل التجاري بما يحقق المصالح المشتركة.
وجرياً وراء كل سياسة تحقق الاهداف التجارية المرجوة، عقدت دولة الكويت اتفاقيات تجارية واقتصادية مع مختلف دول العالم تحقيقاً للاهداف الرامية الى تسهيل استيراد وتصدير المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية، وتشجيع اقامة تعاون اقتصادي وتجاري، وتشجيع المشروعات الاقتصادية المشتركة، وانشاء الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وضمان وتشجيع انتقال رؤوس الاموال واستثمارها، والسماح بتحويل العوائد والارباح الناتجة عن الاستثمار.
وقد حدث نتيجة لذلك تطور كبير في تجارة الكويت بشقيها الاستيرادي والتصديري، اذ توالى الارتفاع السنوي في قيمة تجارة الاستيراد ولا شك في ان مثل هذا التطور يبعث على تفاؤل كبير باعتباره مؤشراً دقيقاً من مؤشرات التطور الاجتماعي والنمو الاقتصادي، والتوسع الكبير والسريع في المشروعات العامة والخاصة، وفي المناهج الاجتماعية والصحية التي تنفذها الدولة، كما يشير الى ارتفاع مستوى المعيشة لعدد متزايد من افراد الشعب.

الاحتياطي العام خطوة على الطريق:

في اطار الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتنظيم الاوضاع المالية للدولة. صدر المرسوم بالقانون رقم 1 لسنة 1960 المتعلق باقرار طريقة اعداد الميزانية العامة واسلوب تنفيذها، وقد اعلن هذا القانون انشاء الاحتياطي العام، ووضع التشريع اللازم لتمويله من فائض الميزانية، واناط مسؤولية ادارته بوزارة المالية، وشمل الاحتياطي العام في ذلك الحين، جميع استثمارات الدولة التي تضمنت فيما بعد، المشاركة في العديد من المشروعات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، منها ـ على سبيل المثال ـ بنك التسليف والادخار والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وعشرات من المشروعات المحلية الاخرى، هذا بالاضافة الى الاستثمارات الخارجية كافة التي تملكها الدولة.
ويخصص قانون الميزانية كل عام مبلغاً معيناً لمواجهة المصروفات العادية والانشائية للدولة خلال السنة المالية، ومبالغ محددة للاحتياطي العام. وكان الاتفاق مع الحكومة البريطانية ان تتصرف الكويت بمبالغ الايرادات التي تتسلمها من شركات النفط بمقدار احتياجاتها، وتحتفظ بالفائض «بصفته احتياطياً» مع بنك انجلترا بالجنيه الاسترليني، ويتولى مجلس الاستثمار الكويتي في لندن استثماره لحساب الحكومة الكويتية في سوق الاوراق المالية البريطانية، وفي الاسواق النقدية البريطانية ايضاً.
ومنذ عام 1960م تولت دائرة المالية في الكويت الاشراف الكامل على تحصيل الايرادات من شركات النفط، وادراجها ضمن الايرادات العامة في ميزانية الدولة، وتقوم باستثمارها لحين الحاجة اليها، كما قامت باستثمار المال الاحتياطي مباشرة. او بواسطة مكاتبها ومؤسساتها.
ونظراً لان الدولة كانت تحصّل ايرادات النفط خلال الستينات والسبعينات في فترات متقاربة تسبق مواعيد الصرف، كانت دائرة المالية، ثم «ادارة الاستثمار في وزارة المالية»، تقوم باستثمار تلك الايرادات خلال الفترة من تاريخ استلامها الى حين الحاجة اليها لمواجهة مصاريف الدولة. وبعد ان كانت تستثمر في سوق الاسترليني فقط، اصبحت تستثمر في استثمارات قصيرة ومتوسطة الاجل، وبأنواع متعددة من الاستثمارات النقدية، كالودائع تحت الطلب وسندات الخزينة والمؤسسات العامة والخاصة، وبالعملات المختلفة، واهمها الدولار والاسترليني.
وفي عام 1964م تم التوصل الى اتفاق خاص مع شركتي النفط ¢Gulf&BP" على دفع قيمة النفط المصدر مقدماً. وكانت المبالغ المحصلة من مبيعات النفط تعتبر ايرادات تخص السنة التالية طبقاً لقانون خاص، وتودع في حساب مستقل يستثمر في استثمارات سائلة، بالاضافة الى استثمار جزء منه في اسهم وسندات من الدرجة الاولى. وتضاف حصيلة الاستثمار الى الاحتياطي العام. وقد خفض رصيد هذا الحساب المستقل خلال السنة المالية 74/75 نظراً لامتلاك الدولة 60% من شركة نفط الكويت، والغي كلياً عند امتلاك الدولة لكامل موجودات الشركة وحولت مبالغه الى الاحتياطي العام للدولة. واعتبرت ايرادات النفط المحصلة ايراداً للسنة التي يتم فيها التحصيل.

تطور الاحتياطي العام ونمو الاستثمار:

تُحوّل الى المال الاحتياطي كل عام نسبة من الايرادات العامة يحددها قانون الميزانية كما يحول له وفر الميزانية للعام السابق، فضلاً عن فوائد وارباح الاحتياطي للفترة السابقة.
ومنذ استلام الشيخ جابر الاحمد مهام وزارة المالية بدأت الادارات المختصة باستثمار المال الاحتياطي في عدة انواع من الاستثمارات، روعي في انتقائها تنفيذ سياسته الاقتصادية بشأن دعم الاقتصاد الوطني، «عن طريق تأسيس الشركات المساهمة الكويتية واقراضها، وانشاء دعم المؤسسات القائمة»، ومساعدة الاشقاء العرب، ودعم البنوك الوطنية عن طريق الودائع، واستثمار ارصدة المال الاحتياطي لتحقيق عائد جيد بأقل المخاطر. وعلى هذا الاساس ، ومنذ الستينات، وبتوجيه من الشيخ جابر الاحمد، توزعت ارصدة المال الاحتياطي على الشكل التالي:
1ـ المؤسسات الحكومية، ومنها: «صندوق التنمية، البنك المركزي، الخطوط الجوية الكويتية، بنك التسليف والادخار».
2ـ المؤسسات الدولية، ومنها: «صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير، وملحقاته».
3ـ الودائع والاستثمارات في البنوك المحلية وشركات الاستثمار.
4 ـ الشركات المساهمة الكويتية تأسيسا ومساهمة وقروضا».
5 ـ المؤسسات والشركات والمشاريع العربية.
6 ـ الاستثمار في العقارات داخليا وخارجيا.
7 ـ محافظ الاوراق المالية الاجنبية من اسهم وسندات في الاسواق الامريكية والبريطانية والاوروبية والاسيوية.
8 ـ الاستثمارات النقدية في العملات القوية المهتلفة.
وتشرف وزارة المالية على عدد من المؤسسات والشركات المتخصصة في الاستثمارات الموضحة اعلاه، والتي تساعد الوزارة على تحقيق السياسة الاستثمارية التي يرسمها الشيخ جابر الاحمد منذ عام 1960م والتي تقضي بان يكون لادارات الاستثمار الكويتية وجود فعلي في السوق المستثمرة فيه الاموال، وذلك اما عن طريق مكاتب متخصصة كمكتب الاستثمار الكويتي في لندن، او عن طريق اتفاقيات مع بنوك عالمية وفي الاسواق الامريكية والاوروبية والاسيوية، او عن طريق بعض مؤسساتها وشركاتها، كشركة الانابيب المعدنية والفنادق والصناعات الوطنية، وشركتي الاستثمار، والمجموعة العقارية، وبهذا اصبح لوزارة المالية وادارتها الاستثمارية قدرة استثمارية هائلة، واتصالات ضخمة مباشرة باكبر البيوتات المالية والمصرفية في العالم.
وبتوجيه من الشيخ جابر الاحمد، بوصفه وزيرا للمالية، استعانت الوزارة بلجان وهيئات استشارية دولية ومحلية في رسم وتنفيذ سياستها الاستثمارية، وتوزيع استثماراتها على الاسواق المختلفة، ومن هذه اللجان كانت اللجنة الدولية التي كان يرأسها الشيخ جابر الاحمد، وهي التي كان من بين اعضائها عدد من كبار الخبراء العالميين في عالم المال والاقتصاد والاستثمار ومنهم:
1 ـ صموئيل شفيليزر رئيس بنك الاتحاد السويسري
2 ـ ماركوس ولينبورنغ رئيس بنك «اسكتلندا»
3 ـ اللورد بيرسي من كبار اقتصاديي بريطانيا.
4 ـ هيرمان أبس رئيس بنك «دويتش» وكبريات المؤسسات الاقتصادية الالمانية
5 ـ يوجين بلاك رئيس البنك الدولي للانشاء والتعمير
وقد اضاف الشيخ جابر الاحمد الى عضوية هذه اللجنة بعض الاقتصاديين الكويتيين، منهم: خالد الخرافي، خليفة الغنيم، يعقوب الحمد، عبدالرحمن العتيقي، حيدر الشهابي.
كما حرص الشيخ جابر الاحمد ـ إبان توليه رئاسة الحكومة ـ على تشكيل لجان محلية للاستثمار منها: لجنة للاستثمار برئاسة وزير المالية عبدالرحمن العتيقي وعضوية وكيل وزارة المالية، ومدير الاستثمار، ومدير الصندوق الكويتي للتنمية، ومحافظ البنك المركزي، ورئيس مجلس ادارة البنك الصناعي، وغيرهم.
إن سياسة استثمار اموال الدولة «الاحتياطي» التي بدأ بتطبيقها الشيخ جابر الاحمد عندما اصبح رئيسا لدائرة المالية، ثم وزيرا للمالية، قد بنيت على اسس. اهمها:
1 ـ ضمان القيمة الاصلية لهذه الموجودات مع تحقيق اكبر عائد ممكن بأقل مخاطرة محتملة.
2 ـ المساهمة في دعم الاقتصاد الكويتي.
3 ـ المساهمة في دعم الاقتصاد العربي على اسس استثمارية تجارية بالقدر الممكن.
4 ـ التركيز على الاسواق الاستثمارية والمالية الجيدة، والبحث عن اسواق اخرى، والمشاركة في تطويرها واستيعابها.
5 ـ توزيع الارصدة بين استثمارات متنوعة مختلفة لتوفير الحماية اللازمة. ولضمان التوازن بين ارباح بعضها وخسائر الاخرى.
6 ـ المساهمة في الوصول الى نظام نقدي دولي سليم عن طريق المشاركة في المؤسسات الدولية، والاستثمار في ارصدتها من الاسهم والحصص في المشروعات.
يقول خالد ابو السعود: «وباستعراض استثمارات الدولة المرتكزة على الاسس اعلاه، يتضح ان نسبة الاستثمارات الملموسة من اسهم وعقارات، وغيرها، تزيد على نسبة الاستثمارات الاخرى، حيث انها تمثل موجودات حقيقية عملت وزارة المالية، بتوجيه من الشيخ جابر الاحمد، على زيادتها تدريجيا، مراعية سياسة التنويع في محافظها من الاسهم، حيث توزع الاسهم في كل محفظة الى عدة انواع من الاسهم لتحقيق التوازن وتلافي الخسارة والهزات. ونتيجة لهذه السياسة تشكلت للحساب الاحتياطي محافظ للاوراق المالية تدار من البنوك العالمية المؤهلة من الدرجة الاولى».
ويمضي ابو السعود قائلا: «وتم انتقاء هذه المؤسسات تدريجيا، وبتوجيه وموافقة سمو الشيخ جابر الاحمد، وقد حوت محافظ الاوراق المالية نسبا مهمة من اسهم الشركات العالمية قبل ان تحتويها المحافظ الاخرى لمستثمرين اخرين، وهذه المحافظ تحوي مجموعات.، اهمها:
1 ـ اسهم صناعية منها: الكهربائية، والميكانيكية، والاستهلاكية، والنسيج، والكيماوية.
2 ـ اسهم مالية، كشركات الاستثمار، والبنوك والتأمين، وصناديق الادخار.
3 ـ اسهم خدمات، كالمرافق العامة، والمخازن التجارية.
والنسبة الكبيرة من هذه الاسهم تمثل موجودات حقيقية تحتفظ الدولة بقيمتها، ولا تتأثر كثيراً بتقلبات العملات، وقد حققت الدولة ارباحاً حقيقة جيدة تفوق الارباح السائدة في السوق...».
لقد حرص الشيخ جابر الاحمد ـ ومنذ البداية ـ على استثمار جزء من المال الاحتياطي في الشركات المساهمة المحلية، وقدم لها من القروض، وهذا ما مكنها من الاستمرار والنمو. وقد حققت الدولة من ذلك هدفين: الاول، دعم الاقتصاد الوطني عن طريق انشاء الشركات الصناعية والمالية، والثاني، تحقيق ارباح مادية تتمثل فيما تعطيها هذه الشركات من فوائد.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:56 AM
وبتوجيه من الشيخ جابر الاحمد استخدم جزء من المال الاحتياطي في المساهمة في تنمية وتطوير البلدان العربية على اسس استثمارية وانمائية، تعود بالنفع على الطرفين. وهذا يتطلب تعاون مؤسسات الدولة وشركاتها في دراسة الاسواق العربية للبحث عن انسب المشروعات والمؤسسات الاقتصادية: كصندوق التنمية الذي لديه الخبرة، والاتصالات الدولية المتخصصة، والشركة الكويتية للتجارة والمقاولات «الحكومية» التي قامت ـ نيابة عن الدولة ـ باستثمارها جزء من اموالها، واموال الدولة لدعم هذه الشركة وتزويدها بالكفاءات اللازمة. وقامت شركات الاستثمار الكويتية الاخرى في استثمارات متنوعة في الفنادق والعقارات والمشروعات الزراعية، واسهمت بانشاء شركة المجموعة العقارية الكويتية لتنفيذ مشروعات استثمارية في البلدان العربية من المحيط الى الخليج، وصل مجموعها الى اكثر من بليون دولار في نهاية 1975م.
وعلى اثر الهزات النقدية العالمية في بداية السبعينات، واتجاه الدولة لزيادة استثماراتها في الموجودات الملموسة، خصوصا العقارية نظرا لثبات قيمتها وتزايد اسعارها، عملت ادارة المال الاحتياطي، وبتشجيع من الشيخ جابر الاحمد، على زيادة الاستثمار العقاري ـ داخليا وخارجيا ـ سواء كان الاستثمار في العقارات ذات الدخل الثابت المستقر الاستثمار لغرض الارباح الرأسمالية، وعلى هذا الاساس تكونت محافظ عقارية جيدة تدار من قبل شركات عالمية متخصصة، وقد كوّن الشيخ جابر الاحمد عام 1965م مع «بنك تسيس مانهاتن» اول محفظة عقارية في امريكا ـ بصفته وزيرا للمالية ـ واعطت هذه المحفظة دخلا سنويا صافيا حوالي 8.5% مع تصاعد قيمتها الفعلية، كما انشئت محافظ اخرى مع مؤسسات شبيهة، ويمتلك المال الاحتياطي حاليا عقارات مميزة في اهم العواصم العالمية، مثل: باريس ولندن وهيوستن وشرقي اسيا، وذات مردود جيد وتوقعات رأسمالية مرضية جدا، كما يتملك عددا من مقرات السفارات الكويتية في العواصم العالمية، مثل: واشنطن ولندن وباريس وجنيف وموسكو وبكين ونيودلهي وغيرها من العواصم الكبرى عربية كانت ام اجنبية.
ومن الجهود الفاعلة للشيخ جابر الاحمد في ارساء دعائم اللبنات الاولى في صرح بناء الاقتصاد الكويتي الوطني، يحدثنا بدر النصر الله عن اولى الشركات المساهمة الوطنية التي تأسست برعايته وتشجيعه، فيقول: «... وفي هذه المرحلة، كان الشيخ جابر الاحمد وراء فكرة تأسيس الشركات المساهمة والبنوك التي اسرع في انشائها لاكتمال بناء الصرح الاقتصادي للدولة، ولم تكن مجرد فكرة بذرها، ولكنه اولاها رعايته وعنايته، عاكفا على دراسة مشاريعها ـ على الرغم من صعوبتها وتعقيداتها الفنية ـ بصبر واناة مع المؤسسين»...
وهنا يقدم لنا النصر الله نموذجين لهذه الشركات، فيقول: «... وفي ظل هذا التوجه تأسست الشركات المساهمة الاولى في الكويت، ومنها:
1 ـ شركة الكويت للتأمين، وهي من اوائل الشركات التي تأسست في بداية الستينات، وقد تقدم المؤسسون يوسف احمد الغانم، محمد صالح يوسف بهبهاني، حمد صالح الحميضي، خالد صالح الغنيم، عبد الله احمد البحر، محمد احمد الحمد، بدر الملا بطلبهم لتأسيس الشركة، فقام سموه بدراستها، ثم اجازها، فتوالت بعدها شركات التأمين الاخرى.
2 ـ كان سموه اول من فكر في تأسيس شركة الخطوط الجوية الكويتية وبدأ في دراسة الفكرة مع وجود صعوبات ـ آنذاك ـ لتواجد شركات اجنبية قوية تنافسها، ولكنه اصر على مواجهة التحديات، وتأسست الشركة عام 1961م لرفع اسم الكويت بين الدول، وقد عين المرحوم نصف اليوسف اول رئيس للشركة، والسيد عبد الرحمن المشري مديرا لها...
لا شك ان العديد من المشروعات والكثير من المؤسسات التي قامت في مطلع الستينات، وما قبلها بقليل، كانت بدعم ومساندة من الاميرين الراحلين الشيخ عبد الله السالم الصباح، ومن بعده الشيخ صباح السالم الصباح، لكنها نمت وازدهت بفكر ورعاية الشيخ جابر الاحمد، وخرجت الى حيز التنفيذ بمساعدة بعض المستشارين الاقتصاديين داخل الكويت وخارجها، حيث كان يتبادل معهم الرأي والمشورة حول كيفية تحقيق هذه المشروعات.

الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية

تعتبر عمليات التنمية والتطور الحضاري التي مرت بها الكويت من ابرز الملامح والمعطيات في فكر الشيخ جابر الاحمد، فقد جاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية واحدا من اكبر مشروعاته الحيوية التي شهد ولادتها فجر استقلال الكويت، وعلى وجه التحديد شهر ديسمبر من عام 1961م.
وكان وهو رئيس دائرة المالية آنذاك يعلم ان تأسيس هذا الصندوق في ذلك الوقت المبكر بمثابة اعلان عن ادراك حقيقة ازمة التنمية التي ستواجهها الدول العربية بصفة خاصة ودول العالم الثالث بصفة عامة، من هنا لم يقف الصندوق عند هذه الحدود الجغرافية للوطن العربي، بل امتد نشاطه ليشمل عددا من الدول في القارة الافريقية، وامريكا اللاتينية، والبحر الكاريبي، وكذلك دولا في وسط آسيا.
وقد جاءت فكرة انشاء الصندوق اثر البعثة التي اوفدها الشيخ جابر الاحمد الى الدول العربية عام 1961 برئاسة احمد السيد عمر وعضوية فهد السلطان، مرزوق الداود، وعبد الوهاب محمد، وذلك للوقوف على احتياجاتها التنموية وكيفية المساهمة فيها. وعاد الوفد بعد أسبوع ليوصي بتوفير 40 مليون دينار كويتي للمساهمة في تغطية هذه الاحتياجات. وقد ساهم في بلورة هذه الفكرة احمد السيد عمر، وفخري شهاب، وفيصل المزيدي.
وفي هذا الصدد يقول فيصل المزيدي: «... كنت جالسا بمكتب سمو الشيخ جابر الاحمد عندما اجتمع بالوفد، فسمعت بعض الاعضاء يؤيد منح هذه القروض، فرجوت سموه ان يمهلنا ساعة واحدة قبل ان يدلي بتصريح في هذا الشأن، حيث انه كان على اهبة الذهاب الى اجتماع مجلس امني بوزارة الدفاع، فطلب مني ان الحق به هناك، وبعد انتهاء الاجتماع قدمت لسموه ورقة من صفحة ونصف حول الصندوق المقترح ودوره في دعم المشروعات التنموية في الدول العربية كبديل عن القروض المقترحة، والتي قد تستغل في اغراض لا تخدم توجهات الكويت».

الأمير وحدوي الفكر عروبي الهوية.. والعملة الخليجية الموحدة أحد أبرز الأمثلة القصة الكاملة لانشاء الصندوق الكويتي بفكرة ودعم الشيخ جابر الأحمد
توقفنا في الحلقة الماضية عند بداية انشاء الصندوق الكويتي للتنمية ويقول: حمزة عباس: «... كان سمو الشيخ جابر الاحمد صاحب فكرة انشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وهو نموذج فريد للصناديق التي تأسست بعده في دول الخليج، وكانت النظرة الانسانية لسموه وراء انشائه، وهي: ان الخير يجب الا يقتصر على الكويتيين وحدهم.. وقد تأسس الصندوق على منوال البنك الدولي بهدف مساعدة الدول العربية، والدول المحتاجة لمشروعات التنمية في دول العالم الثالث...».
وفي هذا السياق يتحدث عبد اللطيف البحر حول فكرة الصندوق التي اختمرت في ذهن الشيخ جابر الاحمد، فيقول: «... لقد رعى سموه فكرة انشاء هذه المؤسسة واعطاها جل اهتمامه، معتبراً اياها ذات طابع تنموي على المستوى العربي، من اجل المساهمة في النهوض بالتنمية في الدول العربية الشقيقة. فتأسس الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بمقتضى القانون رقم 35 لسنة 1961م، ليكون اول مؤسسة انمائية في الشرق الاوسط من اجل تقديم المساعدات للدول العربية. وعين السيد عبد العزيز البحر اول مدير عام له، ثم السيد عبد اللطيف الحمد، فالسيد فيصل الخالد، واخيراً السيد بدر مشاري الحميضي...».
ويمضي البحر قائلاً: «... لقد كان مشروعاً اقتصادياً رائداً، ومن انجح المؤسسات الاقتصادية على المستوى الدولي، وهي مؤسسة متخصصة لها رأسمال مستقل، وتعمل على نهج البنك الدولي. ولمتانة موقفه، ولما يتمتع به من ثقة اقتصادية ومالية عالية، فقد كانت بعض البنوك والمؤسسات المالية العالمية تسارع بالدخول في اي مشروع يدخل فيه الصندوق الكويتي، كما ان الصندوق العربي التابع للجامعة العربية تأسس على نموذج الصندوق الكويتي، كمثال يحتذى به..».
ويضيف البحر مشيراً الى دور الصندوق في ذلك الوقت، فيقول: «وكان الصندوق يعد رافداً لوزارة الخارجية آنذاك، ودوره لا يقل حساسية عنها...».
ويؤكد هذا المضمون اول مدير عام للصندوق عبد العزيز البحر، فيقول: «... وتعود جذور فكرة انشاء الصندوق الى الشيخ جابر الاحمد عندما كان رئيساً لدائرة المالية. وتتلخص وجهة نظره ورؤيته لدور الصندوق في ان الكويت لديها شعور قومي تجاه شقيقاتها الدول العربية، يدفعها الى الاهتمام بتحسين اوضاعها الاقتصادية ذلك لان نجاح التنمية في اي قطر عربي هو مسؤولية عربية مشتركة...».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:57 AM
ويضيف البحر عن بداية العمل في الصندوق ومقره، فيقول: «.... لقد بدأ العمل به في مقر صغير مؤقت في منطقة الشويخ امام محطة تقطير المياه، وكانت البداية بأربعة موظفين فقط، وبمساعدة عدد من المستشارين العرب الذين كانوا يعملون في ذلك الحين في وزارة المالية، حيث تم وضع خطط البداية وهيكل الصندوق الاداري ولوائحه...».
ويتحدث البحر عن غرض اقامة الصندوق، فيقول: «... لقد وظفت الكويت الامكانات المختلفة على المستويين: العام والخاص، لتحقيق اهداف الدول العربية التنموية، واصبحت المساعدات والاستثمارات والقروض الناشئة عن التزام انساني ومالي وسياسي كبير، وسيلة فعالة للتأثير، وشقت المساعدات الكويتية الاقتصادية والانسانية التقليدية قنواتها من خلال الصندوق. وعلى الرغم من الدوافع التنموية الاساسية في نشأة الصندوق. فإن سلوكيات وتعهدات الصندوق عكست بعداً انسانياً، واعتبارات اقتصادية جعلت الكويت الدولة الاولى في تقديم المساعدات الخارجية في جميع اقطار العالم الثالث، واوضحت التقارير ان الصندوق اصبح بشكل متسارع قوة حيوية فعالة للتقدم في العالم الثالث...».
وحول موقف الدولة وسياستها بشأن ضمان حيادية الصندوق وبعده عن التوجيهات السياسية المتباينة للدول المستفيدة، يقول فيصل المزيدي: «.... لم يفرق الصندوق بين دولة عربية واخرى من منطلق تباين الانظمة السياسية بينها، بل كان تركيزه على برامجها الانمائية، دون اعتبارات اخرى. ومن ذلك تجلت حيادية الصندوق سياسياً عندما ارادت بعض الدول اخراج الصندوق عن اهدافه التنموية، فوقفت الكويت بقوة ضد تلك التوجهات. ومثال على ذلك، ان اليمن عندما كان يمنين، ولكل منهما توجهاته المختلفة، فإن دعم الصندوق للمشروعات فيهما كان للتنمية الاقتصادية البحتة بغض النظر عن ماهية النظام وتوجهاته، وكما حدث هنا، فقد حدث مع دول اخرى...».
اقتصرت عمليات الصندوق حتى يوليو عام 1974م، طبقاً لقانون انشائه، على الدول العربية فقط، ثم اتسعت بعد ذلك نشاطاته فشملت معظم الدول النامية في مختلف قارات العالم، وضوعف رأسماله حيث بلغ 2000 مليون دينار كويتي في مارس عام 1981م، وتوسعت الصلاحيات الممنوحة للصندوق بحيث اصبحت تشمل حق المساهمة في رأسمال هيئات التنمية، وفي مواردها وفي رأسمال بعض انواع المنشآت.
ويهدف الصندوق الى مساعدة الدول النامية فيما تبذله من جهود في مجال التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال الوظائف التالية:
1ـ تقديم القروض والكفالات والمنح.
2ـ توفير خدمات المعونة الفنية.
3ـ المساهمة في رأسمال المنشآت التنموية.
4ـ تمثيل دولة الكويت في منظمات وصناديق التنمية الاقليمية والدولية.
كما ان دور الصندوق يرتكز بصورة واضحة، على تمويل المشروعات الانتاجية ذات العائد المجدي السريع، وخاصة فيما يتعلق بمشروعات البنية الاساسية، والامن الغذائي، وزيادة القدرة الاستيعابية للدول المستفيدة، وتدريب الاطر الفنية، وكان لهذا الدور الاثر البالغ في المساهمة في تنمية اقتصاديات هذه الدول والحد من المشاكل التنموية والاجتماعية التي تواجهها.
وهنا يشير عبد العزيز البحر الى ردود الفعل تجاه الصندوق، فيقول: «... لقد كانت ردود الفعل في البداية تجاه الصندوق طيبة جداً، والحمد لله، فعلى المستوى الخارجي، كان لي شرف صحبة سمو الشيخ جابر الاحمد في وفد رسمي لتمثيل الكويت في اجتماعات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، بعد ان اصبحت الكويت عضواً في هاتين المؤسستين العالميتين. وكان سموه ـ وقتئذ ـ رئيس الوفد بصفته وزيراً للمالية والاقتصاد، واني لشاهد على هذا التاريخ عندما اقول: اننا لاقينا كل الترحيب والثناء على فكرة انشاء الصندوق من كل الدوائر الاقتصادية، ومن عدد كبير من خبراء الاقتصاد العالميين الذين يحضرون هذه الاجتماعات...».
ويضيف البحر، فيقول: «... اما على المستوى المحلي، فقد كان الامر اكثر وضوحاً بنا منذ اللحظة الاولى، فالمواطن العادي في ذلك الوقت كان لديه هذا الاحساس الكبير بالانتماء العربي، وكنا ـ نحن الكويتيين ـ اول من قرن باسم الدولة تأكيد هذا الانتماء بقولنا دائماً: «الكويت بلاد العرب». والنقطة الثانية هي، ان انشاء الصندوق منح المواطن الكويتي احساساً حقيقياً بذاته وقدرته
على العطاء، وان له دورا مهما في هذا العالم، فقد كان انشاء الصندوق بمثابة رسالة مضيئة تعلن بان هذا البلد الصغير المساحة قادر على القيام بدور مهم وفعال تجاه شقيقاته من الاقطار العربية الاخرى.
لا شك في ان اربعين عاما، هو عمر الصندوق الحافل بالتطور والتوسع واكتساب الخبرة، جعله احدى المؤسسات الاقتصادية الرائدة الموثوق بها في معالجة قضايا التنمية ومشاكلها بادراك ووعي، وتأمين ما تطلبه من جهد، ومتابعة ما تقتضيه من إجراءات وأساليب تتلاءم مع واقع الظروف والعوامل المحيطة بها.. انها الحقبة الزمنية التي بذل الصندوق خلالها قصارى جهده ليكون خير عون للعديد من الدول العربية، والدول النامية الاخرى في جهودها الانمائية، متوخيا من وراء ذلك توثيق عرى الصداقة، وتعزيز اواصر وروابط التعاون البناى معها.
والحقيقة ان هذه الجهود جاءت مجتمعة لتدعم توجهات الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح بضرورة ايجاد آلية اقتصادية وتنموية يمكن ان تساهم في تجسيد العمل العربي المشترك. وكان جابر الاحمد خير معين له في تحقيق ما كان يصبو اليه.
العملة الوطنية:

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:57 AM
حرص الشيخ جابر الاحمد على تحصيل وتحقيق جميع رموز الاستقلال والسيادة للكويت، ومن بينها اصدار العملة الوطنية الكويتية، وكان هو المسؤول الاول عن اصدار العملة الوطنية «الدينار الكويتي» بوصفه ءئيسا لدائرة المالية.
فالكويت عرفت انواعا كثيرة من العملات منذ عهد صباح الاول، وظلت الربية الهندية عملة معتمدة للتداول الى أمد بعيد، حتى اعلنت الحكومة الهندية عن نيتها فصل الربية المتداولة في الهند عن الربية المتداولة في الكويت، مع طباعة نماذج جديدة من الاوراق النقدية تختلف في اللون والقيمة لاستخدامها، فقط في الكويت ودول الخليج العربي.
وفي هذا الشأن يحدثنا خالد ابو السعود عن تداول العملة الهندية، الربية في الكويت وعن جهود الشيخ جابر الاحمد في اصدار اول عملة كويتية وطنية، فيقول: «حتى عام 1960م كانت العملة المتداولة في الكويت هي الربية الهندية ـ ورقية ومعدنية ـ وقد خصصت حكومة الهند في السنوات الاخيرة اصدارات خاصة من الربيات ليتم التداول بها في امارات الخليج، واستمر العمل بها الى طرح الدينار الكويتي للتداول في الكويت. كان سعر صرف الربية 333،13 لكل جنيه استرليني. ويتم الحصول عليها بشرائها من بنك الاحتياط الهندي بواسطة البنك البريطاني للشرق الاوسط وبنك الكويت الوطني.
ونظرا لوقوع الهند ضمن المنطقة الاسترلينية فان القيود تسري على المتعاملين بالربية، ومن ضمنهم الكويت حيث كانت تخضع لاحكام الرقابة والقيود والانظمة البريطانية الخاصة بالنقد والتجارة.
وكان لهذا الاجراء المفاجىء اي اصدار الدينار الكويتي، صداه العكسي الكبير في الاوساط الحكومية والتجارية في الكويت لارتباطها بالربية الهندية المتداولة في الهند لقوتها ومتانتها وقيمتها الاقتصادية انذاك، ولان تداول العملة الجديدة المنفصلة عن الربية المتداولة في الهند سيكون له اثره السلبي على الاقتصاد الكويتي. علاوة على ان الكويت لم تكن مهيأة خلال هذه الاجراءات السريعة التي اتخذتها حكومة الهند، لان ترفض هذه العملة الجديدة او يقدم على اصدار عملة وطنية جديدة.
وعليه، قبلت الكويت ـ مضطرة ـ هذا الاجراء الذي اتخذته الحكومة الهندية. وبتوجيه من المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، تولت دائرة المالية، التي كان يترأسها الشيخ جابر الاحمد في ذلك الوقت، الاسراع في اجراء الدراسات بشكل عاجل وفوري لمواجهة الموقف، واتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجة هذه الامور، والاستعانة بخبراء عالميين من بنك انجلترا، وغيرها من المؤسسات المالية والبنكية في العالم لاصدار العملة الوطنية الكويتية.
وفي صدد الاجراءات والترتيبات التي اقرها الشيخ جابر الاحمد في شأن اصدار اول عملة وطنية كويتية، يذكر حمزة عباس اول محافظ للبنك المركزي الكويتي، فيقول: «كان لا بد ان تكون هناك جهة مسؤولة عن النقد واصدار العملة فصدر في الثامن والعشرين من ربيع الثاني عام 1380هـ الموافق التاسع عشر من اكتوبر عام 1960م المرسوم الاميري رقم 41 لسنة 1960م بقانون النقد الكويتي، بناء على عرض الشيخ جابر الاحمد رئيس دائرة المالية والاقتصاد، وبعد موافقة المجلس الاعلى على انشاء مؤسسة عامة مستقلة، تسمى: مجلس النقد الكويتي تكون له الشخصية الاعتبارية ـ دون غيره ـ باصدار أوراق النقد والمسكوكات في الكويت ابتداء من اليوم التالي الذي يحدد بمرسوم لاصدار العملة طبقا لاحكام هذا القانون، وتشكل اول مجلس للنقد «مجلس النقد الكويتي» برئاسة الشيخ جابر الاحمد وعضوية كل من:
1 ـ لوم Cluade Loome (مستشار محافظ بنك انجلترا).
2 ـ بوجر Jogo Bogar (نائب محافظ البنك المركزي السويدي).
3 ـ يعقوب الحمد.
4 ـ خليفة الغنيم.
5 ـ فخري شهاب.
6 ـ حيدر الشهابي.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:57 AM
وتولى حمزة عباس سكرتارية مجلس الادارة بدلا من السكرتير الانجليزي (هنري ترنر Henry Turner).
وفي نفس السياق والمضمون يذكر خالد ابو السعود: لقد اقتضى قرار اصدار الدينار الكويتي وطرحه للتداول ارجاع العملة الهندية المتداولة في الكويت الى السلطات الهندية، مقابل استرداد قيمتها بالجنيه الاسترليني التي قدرت وقتها بمبلغ 25 مليون جنيه استرليني على ان يستخدم هذا المبلغ كغطاء للعملة الكويتية الجديدة باشراف مجلس النقد الكويتي الذي كان يرأسه سمو الشيخ جابر الاحمد. وقد شكل سموه وفدا للتفاوض، وكنت احد اعضائه، لاسترداد المبلغ، وتم الاتفاق مع السلطات الهندية على تسديده على عشرة اقساط سنوية متساوية، وفعلا تم التسديد بالتواريخ المتفق عليها».
هذا، وقد صدرت اول عملة كويتية وطنية في الاول من ابريل عام 1961م، بمقتضى المرسوم الاميري رقم 41 لسنة 1960م وكان اول اصدار للدينار الكويتي يحمل صورة حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح، بتوقيع الشيخ جابر الاحمد بصفته رئيسا لمجلس النقد الكويتي انذاك، وبعد ان اصبح رئيسا لمجلس الوزراء، وانشاء البنك المركزي، تم اصدار ثان للعملة الكويتية باسم البنك المركزي الكويتي وكانت عليها صورة الشيخ صباح السالم الصباح.
وهنا، يشير حمزة الى اصدار جديد للعملة الكويتية في عهد الشيخ جابر الاحمد، فيقول: «وبعد وفاة الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله، وتولى سمو الامير الشيخ جابر الاحمد مسيرة الحكم، فكر البنك المركزي في اصدار جديد للعملة، وطلبوا موافقته على وضع صورته على العملة الجديدة فرفض رفضا باتا، وامر ان يحتل مكانها شعار الدولة.

العملة التذكارية:

وفي صدد اول عملة تذكارية يصدرها البنك المركزي، يضيف محدثنا حمزة عباس: كان البنك المركزي يصدر ايضا عملات تذكارية في المناسبات المختلفة، ولكون سمو الشيخ جابر الاحمد ـ وكما هو معروف عنه ـ شخصية متجردة من المواقف، فقد رفض ايضا اقتراحا بوضع صورته على هذه العملة التذكارية.

العملة الخليجية الموحدة:

كان الشيخ جابر الاحمد وحدوي الفكر عروبي الهوية، يعززها ويساندها اينما كانت ولمصلحة الشعوب، وخاصة على الصعيد الخليجي، او على المستوى العربي.
وفي هذا السياق ايضا يتحدث حمزة عباس، فيقول: «لقد جاءت هذه الخطوة الوحدوية للنقد الخليجي من سموه عام 1964م، عندما فكر في ان يكون للخليج العربي عملته الموحدة، وهي فكرة لم تكن مطروحة في اي منطقة اخرى من العالم في ذلك الوقت، فكان لسموه السبق في هذا التوجه الاقتصادي العالمي ولم تكن لدول الخليج في ذلك الوقت عملة وطنية خاصة بها، بل كانوا يستعملون الربية الهندية، فارسل سموه رسائل الى قطر والامارات والبحرين يدعوهم الى ان يكون لهم. ومعهم الكويت ـ عملة خليجية موحدة، وطرح بديلين، اما الاتفاق على استعمال الدينار الكويتي، او استصدار عملة جديدة يتفق عليها فيما بينهم وظلت الفكرة مطروحة انتظارا للقرار السياسي المناسب.

المصارف والمال:

لقد شهد القطاع المصرفي والمالي في الكويت في عهد الشيخ جابر الاحمد تحولات توعية اساسية سواء من حيث اتساع القاعدة المؤسسية، ام من حيث تنويع الاختصاصات وتطوير العمليات، او من حيث تحسين الأداء وازدياد دوره في الاقتصاد الوطني ككل، فقد تأسس اول مصرف كويتي في 19 مايو عام 1952م، بمقتضى مرسوم من امير دولة الكويت المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح، وهو بنك الكويت الوطني، وذلك باعتبار المصرف شركة مساهمة كويتية اهلية للقيام بالاعمال المصرفية، وتم تسجيل الشركة وفقا لقانون الشركات التجارية رقم 15 لسنة 1960م.
وعندما باشر البنك نشاطاته، اقبل المواطنون والتجار الكويتيون بشكل كبير على فتح حسابات لهم، والتعامل معه باعتباره مصرفا وطنيا كويتيا. وقد بلغ رأس المال عند التأسيس 000،100،13 روبية بما يعادل 500،982 دينار كويتي ـ آنذاك ـ ووزع رأس المال على 13100 سهم قيمة كل سهم 1000 روبية، اي ما يعادل نحو 75 ديناراً كويتيا.
وقد علقت صحيفة «فايننشال تايمز» اللندنية الصادرة بتاريخ 29 يناير عام 1975م على هذا الحدث الاقتصادي تحت عنوان «بنك الكويت»، قالت فيه: «... قدّرت ارصدة بنك الكويت الوطني في نهاية ديسمبر عام 1956م بمبلغ 4،446 مليون روبية، منها قروض بمبلغ 9،111 مليون روبية، وتقدر الاموال النقدية بمبلغ 3،139 مليون روبية، وسندات الحكومة البريطانية بمبلغ 102 مليون روبية، وقدرت الاموال المودعة، ورصيد الاحتياطي العام بمبلغ خمسة ملايين روبية، وبلغت الارباح الصافية ـ بعد خصم المصروفات ـ مبلغ 756،880،2 روبية، اما ارباح الاسهم ونسبتها 10% فقد قدرت بمبلغ 000،310،1 روبية»...
ثم توالى تأسيس البنوك الوطنية الاخرى تباعا بعد الاستقلال، فكانت هناك اربعة بنوك تجارية وطنية، وفرع لبنك تجاري اجنبي، وبنك حكومي متخصص، وشركتان للاستثمار، اما الآن فقد ارتفع عدد البنوك الى سبعة بنوك تجارية وهي: بنك الكويت الوطني، البنك التجاري الكويتي، بنك الخليج، البنك الاهلي الكويتي، بنك الكويت والشرق الاوسط، بنك برقان، وفرع بنك البحرين والكويت الذي تمتلكه مناصفة مصالح كويتية وبحرينية، اضافة الى بيت التمويل الكويتي، وثلاثة بنوك متخصصة هي: بنك التسليف والادخار، البنك العقاري الكويتي، والبنك الصناعي الكويتي.
وقد امتد نشاط البنوك التجارية الى الاسواق المالية العالمية، حيث افتتح عدد من البنوك المحلية فروعا لها في لندن ونيويورك وسنغافورة وغيرها من المدن والعواصم المالية في العالم، وذلك لزيادة حضورها المباشر في تلك الاسواق.
وقد شهد نشاط البنوك المتخصصة العاملة في الكويت خلال الاعوام السابقة تطورات هامة، مواكبة في ذلك تطور الاقتصاد المحلي بشكل عام، والجهاز المصرفي بشكل خاص، حيث قامت هذه البنوك بتقديم خدمات مكملة لنشاط البنوك التجارية باعتبارها تقدم التمويل المتوسط والطويل الاجل لقطاعات الاسكان والصناعة والزراعة والعقار، كما تشارك هذه البنوك بدور رئيسي في تنمية وتطوير السوقين «المالية والنقدية» المحليتين، وخلق ادواتها من سندات وشهادات ايداع، وغير ذلك.
ومن ناحية اخرى، تأسست في الكويت حتى مطلع عام 1980م خمس شركات وطنية للتأمين، واعادة التأمين، بالاضافة الى 28 شركة استثمار، تقوم بدور مكمّل لاعمال البنوك التجارية والمتخصصة. وذلك بفتح آفاق جديدة للوفورات المالية الوطنية نحو الاستثمار الطويل الاجل في مجال ادارة المحافظ المالية وتقديم الاستشارات المالية، ودراسات الجدوى الاقتصادية، او ادارة المشروعات والمشاركة في رؤوس اموالها، هذا بالاضافة الى مساهمتها في تطوير السوق المالية عن طريق قيادة الاصدارات والمساهمات بالاكتتاب في شهادات الايداع المحلية، وتنمية وتطوير سوق سندات الدينار.
ومن التطورات المهمة في السوق النقدية الكويتية في تلك الفترة اصدار الحكومة لسندات دين لصالح صندوق ضمان حقوق الدائنين لمعاملات الاسهم التي تمت بالاجل، والتي تتراوح مدد استحقاقها ما بين ستة شهور وست سنوات، وبفئات تتراوح بين 25 الف دينار كويتي ونصف مليون دينار كويتي.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:58 AM
انشاء البنك المركزي وتنظيم الحركة المصرفية

استكمالا لمسيرة الاقتصاد الكويتي رأي الشيخ جابر الاحمد انه لا بد من اداة مركزية تتولى الامور النقدية في البلاد، وتشرف عليها وتحميها من المخاطر، نتيجة لتعقد الظروف الدولية، وما يواجهه العالم من ازمات اقتصادية طاحنة.
وقد تمحورت افكاره في هذا المجال حول مؤسسة مالية جديدة يمكن ان تلعب هذا الدور، ونعني بذلك قيام البنك المركزي، فقد انشىء بنك الكويت المركزي بموجب القانون رقم 32 لسنة 1968م، وبمقتضى هذا القانون تمت تصفية مجلس النقد الكويتي في نهاية مارس عام 1969م، وآلت موجوداته الى بنك الكويت المركزي الذي باشر مهامه اعتبارا من اول ابريل عام 1969م، وقد انضوت تحت مظلته آنذاك ـ نحو 7 بنوك تجارية، يتبعها 153 فرعا و4 بنوك متخصصة في التسليف والادخار والصناعة والتمويل على الطريقة الاسلامية، ويتبعها نحو 15 فرعا، بجانب 22 شركة استثمار خاضعة لرقابة البنك المركزي و39 شركة صرافة، ومجموعة من شركات التأمين.
وقد تحدث الشيخ جابر الاحمد عن الاهمية المالية والرقابية للبنك المركزي، حين اشار في كلمة له:
«.... ان المرحلة الجديدة التي دخلها الاقتصاد الكويتي، والمتميز باتساع وتشعب نشاطه، وبروزه على المستوى العالمي في وقت تتعقد فيه الظروف الاقتصادية الدولية، ويواجه العالم كثيرا من الازمات الاقتصادية، هذه المرحلة تضع على كاهل الادارة الاقتصادية قدرا كبيرا من المسؤولية، تتطلب المزيد من الجهد للحفاظ على زخم الاقتصاد، وتجنيبه ـ قدر الامكان ـ اي تأثيرات سلبية ناتجة عما تشهده الساحة العالمية ـ حاليا ـ من اضطرابات اقتصادية»...
مؤكدا على دور البنك المركزي وعلاقته بالمؤسسات المالية الاخرى، حين يقول: «... وللبنك المركزي دوررئيسي في هذا المجال، وخاصة بعد زيادة الاعتماد الاقتصادي على الجهاز المصرفي، وازدياد دور السياسة النقدية في تحقيق الاهداف الاقتصادية للدولة، ومن الامور المهمة في هذا الشأن ان تقوم العلاقة بين البنك المركزي والبنوك التجارية الوطنية على التفاهم والتشاور والتعاون، واننا على ثقة من ان للبنوك التجارية الاهمية القصوى للتعاون مع البنك المركزي على اساس من الثقة المتبادلة، والتعاون الصادق وليس لصالح مؤسسة، او افراد، او مجموعات، وانما للمصلحة العامة التي هي فوق كل اعتبار»...

حكمة القيادة الكويتية تجلت خصوصاً في السبعينات حينما توسعت في تنظيم الأوضاع الاستثمارية بُعد نظر الأمير أنقذ الكويت وأهلها في الغزو والتحرير والإعمار بمشروع احتياطي الاجيال
الحلقة الخامسة عشرة

تحدثنا في الحلقة السابقة عن انشاء البنك المركزي الكويتي، الذي جاء انشاؤه استكمالا لمسيرة الاقتصاد الكويتي.
ويعتبر بنك الكويت المركزي مؤسسة وطنية عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة، والمركز الرئيسي له في مدينة الكويت. وقد حددت المادة 15 من قانون البنك اغراضه، فيما يلي:
1 ـ ممارسة امتياز إصدار العملة لحساب الدولة.
2 ـ العمل على تأمين ثبات النقد الكويتي، وعلى حرية تحويله الى العملات الاجنبية الاخرى.
3 ـ العمل على توجيه سياسة الائتمان، بما يساعد على التقدم الاقتصادي والاجتماعي وزيادة الدخل القومي.
4 ـ مراقبة الجهاز المصرفي في دولة الكويت.
5 ـ القيام بوظيفة بنك الحكومة.
6 ـ تقديم المشورة المالية للحكومة.
كما نصت المادة 14 من قانون البنك على ان تكون له ميزانية خاصة تعد على النمط التجاري. ويعتبر تاجرا في علاقاته مع الغير، وتجري عمليات وتنظيم حساباته وفقا للقواعد التجارية المصرفية.
لقد قام البنك المركزي بالتدخل المباشر في السوق مقرضا ومقترضا للدينار، وذلك لتحقيق عدة اهداف، منها: المحافظة على هيكل سعر الفائدة المحلية في مستويات مقبولة، سواء كانت على الودائع المتبادلة فيما بين البنوك او على الاقراض والودائع المصرفية، بالاضافة الى دعم البنوك المحلية بالدينار والعملات الاجنبية وايضا للمحافظة على استقرار سعر صرف الدينار والحد من المضاربة عليه مقابل الدولار.
وقد أبدى الشيخ جابر الاحمد اعجابه وسروره بما تحققه المؤسسات المالية الكويتية من نجاحات، لكنه في الجانب الاخر يقف ناصحا ومرشدا في كيفية التعامل مع معطيات المستقبل، حين يشير: «وانه لمن دواعي سروري ان نرى مؤسساتنا المالية قد بلغت هذه المكانة المتقدمة في العمل المالي والمصرفي، واصبحت مثلا يحتذى في منطقتنا للكفاءة وحسن الادارة. واذا كنا نشيد بما حققته مؤسساتنا. فاننا مع ذلك نتوقع المزيد من التطوير واستخدام التقنية المتقدمة، والاخذ بأساليب الادارة الحديثة والتدريب وتهيئة الشباب المؤهل للقيام بدور اكبر في هذا المجال الحيوي من العمل الاقتصادي».

تنظيم سوق الاوراق المالية:

في عام 1970م صدر القانون رقم 32 بشأن تداول الاوراق المالية الخاصة بالشركات المساهمة كأول خطوة متكاملة على طريق تنظيم سوق الاوراق المالية بالكويت. منهيا بذلك القانون رقم 27 لسنة 1962م الخاص بتنظيم الاوراق المالية المؤسسة في الخارج. كما خوّل هذا القانون وزير التجارة والصناعة حق اصدار القرارات اللازمة لتنظيم تداول الاوراق المالية الخاصة بالشركات الكويتية، وذلك استنادا الى رأي اللجنة الاستشارية التي تشكلت برئاسة وزير التجارة والصناعة، وعضوية كل من وزارة المالية والبنك المركزي، اضافة الى خمسة مواطنين من ذوي الخبرة والاختصاص في الشؤون المالية.
ولما كانت مسألة التضخم المالي والنقدي في العالم من الامور التي كانت تقلق بال ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الاحمد في ذلك الوقت، فقد بات متابعا جيدا لتلك الازمات الاقتصادية العالمية، في محاولة منه لتجنب تداعياتها السلبية على الاقتصاد الكويتي فقد اشار في احدى المناسبات بقوله: «في هذه الفترة الدقيقة التي يسودها اضطراب بالغ في مجال الاقتصاد العالمي، توجه الحكومة جل اهتمامها الى تجنب البلاد آثار التضخم النقدي وما يستتبعه من التقلبات والازمات. وتراقب عن كثب تطورات الاسواق المالية، وتتخذ ازاء الاحداث ما يناسبها من اجراءات تحقق استثمارات مأمونة ومجزية العائد، مع حماية اصول الاموال من مخاطر الاضطرابات الاقتصادية والهزات النقدية.
وعلى المستوى المحلي، تجنبا لهذه الهزات الاقتصادية حاول الشيخ جابر الاحمد طرح بعض الافكار والتدابير الناشطة والداعمة للاقتصاد الوطني، فيقول: «كما تتابع الحكومة مستوى النشاط في سوق الاوراق المالية المحلية وتطوراته، وتتابع الانشطة المصرفية من خلال البنك المركزي الذي يقوم بالتعاون مع المصارف المحلية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لترشيد المهنة المصرفية، ومساندة هذه المصارف في مواجهة الظروف النقدية والمالية الحالية، واتاحة السبل الممكنة لتحقيق اقصى ما يمكن تحقيقه لخدمة الاقتصاد القومي».
محددا دور الحكومة في كل ما يسهم في دعم ومساندة الاقتصاد الوطني، حين يشير: «وتهتم الحكومة بالتدابير اللازمة لتدعيم الشركات المساهمة، ومساندتها بما يكفل لاقتصادنا الوطني في كل قطاعاته وانشطته استمرار الحيوية وحسن التطوير. وستعمل الحكومة على ان تسهم الصناعات الوطنية في توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل القومي، وعلى اقامة صناعات وطنية جديدة، وبخاصة تلك التي تتعدى الوقوف عند حد احتياجات الاستهلاك المحلي. وتمنح التسهيلات التي تجعل المواطنين اكثر اقبالا على مشاريع جديدة تعود بالفائدة عليهم وعلى البلاد».
وبتوصية من الشيخ جابر الاحمد لتنظيم العمل بسوق الاوراق المالية الكويتية، صدر القرار الوزاري رقم 61 لسنة 1976م الخاص بتنظيم سوق الاوراق المالية الخاصة بالشركات المساهمة الكويتية، والذي يعتبر في الوقت ذاته اللائحة المنظمة للبورصة الكويتية التي تم افتتاحها في 2 ابريل عام 1977م.
واذا كان قيام بورصة الاوراق المالية الكويتية من أجل الاستفادة من الوظيفة التقليدية للبورصات، والمتمثلة في توفير الموارد التمويلية لمختلف المشروعات لدفع عجلة التنمية الاقتصادية باعتبارها القناة التي تمر من خلالها المدخرات القومية الى المشروعات الاقتصادية، فان هناك من الدوافع ما جعل قيام هذه البورصة امرا ملحا، وذلك لما ينطوي عليه انشاؤها من تصحيح لاوضاع السوق المالية الكويتية التي عانت من غياب الاجهزة التنظيمية.

احتياطي الاجيال القادمة:

منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية، وقضية لاجيال القادمة واحدة من الهواجس التي كانت تقلق باله، ويحاول جاهدا ان يجد لها مخرجا حكيما يضمن حياة سعيدة للاجيال القادمة من ابناء الكويت، حتى لا ينعم بثروات الكويت جيل من أجيالها، وتحرم اجيال قادمة من ذلك الخير الذي أنعم به الله عليها. ومن هنا اهتدى فكره الى ضرورة انشاء صندوق للاجيال القادمة يدخر فيه ما يمكن ادخاره من عائدات الدولة واستثماراتها. وبالفعل تحققت الرؤية وتحققت الفكرة التي سعى اليها بصدور مرسوم اميري في 28 نوفمبر 1976م بالقانون رقم 106 لسنة 1976م في شأن احتياط الاجيال القادمة.
وهنا يوضح خالد ابو السعود الفرق بين الاحتياطي العام، واحتياطي الاجيال القادمة، فيقول: «ان الاحتياطي العام هو الفائض من ايرادات الميزانية والمصروفات الفعلية. ولقد تعرض الاحتياطي الى الضعف امام ضغط المصروفات والسحب منه باستمرار بقانون وبغير قانون. وهذا ما دعا سمو الشيخ جابر الاحمد بثاقب فكره واستشرافه للمستقبل الى طرح فكرة انشاء احتياطي الاجيال القادمة ابان توليه رئاسة مجلس الوزراء، وعلى وجه التحديد عام 1974م، وذلك بتخصيص نسبة 10% من ايرادات النفط تغذي به الدولة احتياطي الاجيال، على ان لا يمس هذا الاحتياطي مهما كانت الاسباب، الا في امور اضطرارية قصوى وبقانون، وكان هذا عملا تنفيذيا بحتا لكيفية الحفاظ على احتياطي الاجيال، وعليه، فقد قسم الاحتياطي الى احتياطي عام واحتياطي الاجيال القادمة».
وقد نص قانون احتياطي الاجيال على فتح حساب خاص لانشاء احتياطي بديل للثروة النفطية مكون من 50% من رصيد الاحتياطي العام للدولة في سنة الاساس، ويموّل سنويا عن طريق استقطاع 10% من الايرادات العامة للدولة اعتبارا من السنة المالية 76 ـ 1977م على ان يعاد استثمار عوائد تلك الاموال في الحساب نفسه، وتقوم الهيئة العامة للاستثمار نيابة عن الدولة باستثماره في شتى المناشط الاقتصادية الداخلية والخارجية.
هذا. وقد نظمت عملية استثمار هذه الاموال في المحافظ الاستثمارية العالمية من الاسهم والسندات والودائع والمشروعات الاقتصادية المختلفة، باشراف الخبراء الاقتصاديين سواء أكان ذلك في داخل الدولة ام من خلال المؤسسات الاستثمارية العالمية التي عهد اليها باستثمار اصول احتياطي الاجيال القادمة، حتى بلغ ريع استثمارها مدخول النفط.
هذا الاحتياطي مكّن الحكومة الكويتية خلال فترة العدوان والاحتلال العراقي من تغطية احتياجات البلاد من الاموال في عملية اعادة البناء والتعمير، وبما يلزمها لممارسة نشاطها السياسي الوطني في الدفاع عن قضية الكويت في جميع المحافل العربية والاقليمية والدولية، كما قام بتمويل احتياجاتها في مجال حشد الطاقات العسكرية اللازمة لتحرير الوطن، بالاضافة الى توفير المصادر المالية اللازمة للصرف على اعاشة الكويتيين، سواء أكان ذلك في داخل الكويت المحتلة ام خارجها.
يحدثنا عبدالعزيز البحر عن استشراف الشيخ جابر الاحمد لمستقبل احتياطي الاجيال القادمة، ودوره الكبير في عودة الروح الى دولة الكويت بعد ان دمرها الغزو والاحتلال العراقي فيقول: «لقد كان من اهم الانجازات فكرة سموه في انشاء مشروع احتياطي الاجيال القادمة، وهو في نظري الجوهرة الناصعة في سجل انجازات واعمال صاحب السمو، عندما تبنى فكرة اقتطاع 10% من الدخل ووضعه في احتياطي لا يمس للأجيال القادمة، وكما نعرف ان هذا الاحتياطي انقذ الكويت عندما استخدم لتحريرها، وانقذ اهل الكويت عندما تم الصرف منه عليهم، وهم مشردون في الخارج، وافاد الكويت عند اعادة اعمارها، ولولاه ما تمكنا من اعادة اعمار الكويت، وكان ذلك كله نتيجة لبعد نظر سموه واستشرافه لمستقبل البلاد».
كما ساهمت اموال احتياطي الاجيال من العملات الاجنبية في دعم ومساندة وثبات عملة الكويت «الدينار الكويتي» الذي هو احد رموز استمرارية قيام الدولة في الحفاظ على قيمته وهيبته مقابل العملات الاجنبية. وبالاخص خلال الفترة التي اعقبت التحرير مباشرة، حيث ظل الدينار الكويتي بوصفه رمزاً للدولة محتفظاً بقوته وسلامته.
ولم يتوقف احتياطي الاجيال القادمة عند هذا الحد فقط، فبعد التحرير وبسبب احتراق آبار النفط وتوقف الانتاج النفطي وانقطاع الايرادات النفطية لعدة شهور، اعتمدت الدولة على هذا الاحتياطي في الصرف على الميزانية العامة للدولة، وتحمل الجزء الاكبر منها الى ان تمت اعادة الصناعة النفطية الكويتية الى مستوياتها التشغيلية المعتادة.
وحتى لحظة اعداد هذا الكتاب، وبعد عودة الحياة بشكلها الطبيعي في الكويت، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الى ما كانت عليه قبل الغزو والاحتلال، فإن الظروف المستجدة والاوضاع المتغيرة، وبالاخص على الساحة الاقتصادية، احدثت ظهور عجز في الميزانية العامة للدولة. وقد كان ـ ولا يزال ـ احيتاطي الاجيال القادمة المصدر الاساسي الذي تعتمد عليه الدولة في سد مثل هذه الثغرات، وتغطية اي عجز مؤقت لحين تصحيح الهيكل الاقتصادي للدولة.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:58 AM
نحو كيان استثماري عالمي:

لقد كان اكتشاف النفط، وبدء تصديره وتدفق عوائده في مطلع الخمسينات نقطة تحول مهمة في تحديث وتبديل نمط الحياة الاقتصادية في الكويت، فقد بدأت الفوائض المالية بالتزايد مع تجاوز ايرادات النفط للانفاق العام، مما دعا رائد الاقتصاد الكويتي، الشيخ جابر الاحمد للتفكير في سبل الاستفادة القصوى من هذه الفوائض من خلال ايجاد قنوات اقتصادية لاستثمارها وتنميتها لصالح الكويت ومستقبل اجيالها القادمة. وقد اشرفت على تلك الجهود في ذلك الوقت، دائرة المالية التي يترأسها، ومن خلال مكتب الاستثمار الكويت في لندن.
وتنامت ثروة الدولة، وبدت الحاجة الى استمرار تنميتها بمختلف الوسائل، وهنا، يقول فيصل المزيدي: «... وبعد تنامي الثروة الحكومية والشعبية بدت الحاجة لمؤسسات وقنوات لاستثمار هذه الثروات، فأسس الشيخ جابر الاحمد الشركة الكويتية للاستثمار، وشركة الاستثمارات والمقاولات الخارجية بمساهمة حكومية واهلية بجانب اوائل كبرى الشركات، والمشروعات الضخمة، مثل: شركة البترول الوطنية، شركة البتروكيمياويات، شركة الصناعات الوطنية، هيئة الشعيبة، مجلس النقد، صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية، البنوك التجارية، مجلس التخطيط، وبنك الكويت المركزي...».
ويمضي المزيدي، فيشير الى اهتمام الشيخ جابر الاحمد بفتح ابواب جديدة امام استثمارات الكويت في الخارج حىت لا تصبح وقفاً على بلد واحد، فيقول: «... لقد اهتم سموه بفتح ابواب جديدة امام استثمارات الكويت في الخارج حتى لا تقتصر على دولة واحدة، حيث كانت الاستثمارات وقفاً على بريطانيا، ولقد تحفظ البريطانيون على هذا التوجه الجديد، مما اوجب التفاوض معهم. وفي الوقت ذاته كان اعضاء مجلس الاستثمار مرشحين من قبل الحكومة البريطانية برئاشة «كمب Herbert Kemp» ممثل الشيخ عبد الله السالم الصباح في لندن، وهو بدوره كان مرشحاً من قبل الحكومة البريطانية. وبفضل جهود الشيخ جابر الاحمد وعمله الدؤوب، تمكنت الكويت من توسعة منطقة استثمارات الكويت في الخارج لتشمل دولاً اخرى، لم نكن نستطيع الاستثمار فيها. ووفقاً لمعرفتي، لم تمارس الحكومة البريطانية يوماً اية ضغوط على الكويت في شأنها. وفي ذلك خير دليل على حزم الشيخ جابر الاحمد وقيادته الحكيمة، ولا غرو فهو شخص يحظى بالقبول والمحبة والاحترام من ملوك ورؤساء وزعماء العالم...».
لا شك في ان حكمة القيادة الكويتية تجلت في السبعينات، حين قامت بخطوة واسعة تمثلت بتنظيم الاوضاع الاستثمارية في اطار رؤية مستقبلية شاملة. وفي اطار الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتنظيم الاوضاع المالية للدولة. وصدور المرسوم بالقانون رقم 1 لسنة 1960م المتعلق باقرار طريقة اعداد الميزانية العامة، والذي اعلنت بمقتضاه انشاء الاحتياطي العام للدولة الذي شمل ـ في ذلك الحين ـ جميع استثمارات الدولة، التي تضمنت فيما بعد المشاركة في العديد من المشروعات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، منها على سبيل المثال: بنك التسليف والادخار، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بجانب عشرات المشروعات المحلية الاخرى، هذا، بالاضافة الى الاستثمارات الخارجية كافة التي تملكها الدولة.
وفي استعراضه لجانب من تقريره حول الاستثمارات الكويتية الخارجية عام 1993م يذكر خالد ابو السعود كيف بدأ العمل في استثمار اموال الاحتياطي منذ الخمسينات، وكيف تطور بمرور الزمن الى ان بلغ اكثر من 90 بليون دولار في الاول من اغسطس عام 1990م... هذه المبالغ التي تحققت خلال اربعة عقود، جاءت نتيجة نجاح سياسة استثمارية ومالية، رسمت ونفذت بدقة تحت اشراف وتوجيه وزير المالية ـ آنذاك ـ الشيخ جابر الاحمد، وكان من نتائجها بناء احتياطي قوي للاجيال القادمة، ساهم في دعم الاقتصاد الكويتي والعربي، وخلق وجوداً مالياً كويتياً في الاسواق العالمية.
لقد كان الشيخ جابر الاحمد يشرف اشرافاً كاملاً، ويسهم مساهمة فعلية في عملية الاستثمار، وحتى عندما اصبح رئيساً لمجلس الوزراء، ثم اميراً لدولة الكويت، استمر في اعطاء توجيهاته، وتزويد القائمين على هذه الاستثمارات بما يملكه من خبرة ودراية في هذا المجال، من هنا جاءت السياسات الاستثمارية او المالية بتوجيه منه مباشرة او بمشاركة فعليه معه.
وهكذا، تطورت ادارات المال الاحتياطي تدريجياً الى ان وصلت الى مستوى عال من الكفاءة والخبرة. ففي الخمسينات كان عمل الادارة المختصة محصوراً بتحويل بعض ايرادات النفط من حساب الدولة بالاسترليني في لندن الى حسابها بالروبيات في الكويت لمواجهة نفقات الدولة الجارية، وتحويل الوفورات الى حساب خاص للطوارىء، تستثمر موجوداته في الاسواق المالية والاستثمارات النقدية البريطانية باشراف مجلس للاستثمار، كان اعضاؤه بريطانيين، وقد شكل طبقاً لاتفاقية كانت سارية خلال تلك الفترة. وقد عمل الشيخ جابر الاحمد على تطوير الايرادات النفطية ومتطلبات النفقات العامة. وكانت اول انطلاقة جدية لهذا النشاط عندما استلم رئاسة دائرة المالية عام 1959م، واضاف اليها عدداً من النشاطات كالتجارة والصناعة والاقتصاد، ومن ضمنها انشاء ادارة هامة متخصصة لاستثمار المال الاحتياطي.
هذا، وعلى الرغم من صغر رصيد المال الاحتياطي في اوائل الستينات، حيث لم يزد على بضع مئات من الملايين «في حدود 200 الى 250 مليون د.ك» الا ان البدء التدريجي في توزيعه على اسواق استثمارية مختلفة كويتية وعربية واوروبية وامريكية، وبالاضافة الى حل مجلس الاستثمار في لندن وتحويله الى مكتب للاستثمار يتبع وزارة المالية مباشرة باعتباره جزءاً من ادارة الاستثمار فيها، ادى الى النتائج المرجوة التي عادت على استثمارات الكويت بالنفع الكبير.
لقد كانت ادارة الاستثمار التابعة لوزارة المالية لبنة من لبنات العمل في هذا المجال الاستثماري. وقد تم وضع تنظيم لادارة جديدة يرأسها كويتي، تطمع بكفاءات كويتية ـ تدريجيا ـ بطريقة تضمن تنفيذ السياسة الاستثمارية الجديدة التي رسمها الشيخ جابر الاحمد بوصفه وزيرا للمالية.
في عام 1967م كانت الازمة النقدية العالمية تتفاعل وتشتد، وبدأ الجنيه الاسترليني الذي كان بمثابة العملة الرئيسية لاستثمارات الكويت بالانخفاض. ومن اجل حماية الارصدة التي تمتلكها الكويت قام مكتب الاستثمار، بتوجيه من وزارة المالية، بتوزيع هذه الارصدة بين عدد من العملات القوية، غير مكتفية بالدولار والاسترليني، وذلك من اجل تحقيق التوازن المطلوب بين ارتفاع بعضها وانخفاض بعضها الاخر.
ونظراً للتقلبات الاقتصادية العنيفة في العالم وانهيار نظام النقد الدولي خلال السبعينات، وتعويم اسعار العملات، جاءت السياسة المالية التي اختطها الشيخ جابر الاحمد وزير المالية آنذاك بمساعدة المستشارين الدوليين والمحليين بشأن استثمار المال الاحتياطي، لتقوم على مبدأ استثمار غالبية المال الاحتياطي في اصول ملموسة تحتفظ بقيمتها الفعلية وتعود بعائد مجز، مع الاخذ بعين الاعتبار دعم الاقتصاد الكويتي والعربي على اسس استثمارية علمية بحتة.
وعلى اساس هذه القاعدة، وهذا المبدأ تم توزيع اموال الاحتياطي بين عدد من الموجودات، لكل منها اسس محددة وقواعد مدروسة. ومنذ ذلك الوقت تحددت اهم عناصر استثمارات اموال الاحتياطي على النحو التالي:
1ـ الاستثمارات النقدية والاستثمار طويل الاجل ling Terms.
2ـ محافظ الاسهم والسندات.
3ـ العقارات والمشروعات المباشرة والمعادن الثمينة.
وقد تم حصر هذه الاستثمارات في الاسواق الاستثمارية العالمية الجيدة والمتعددة وفقا للقواعد والمواصفات الموضوعة. وقد روعي خلال الاعوام اللاحقة ان تحدد استراتيجيات الاستثمار النسب بين هذه العناصر والاسواق المستثمرة فيها، وذلك على ضوء الاوضاع الاقتصادية العالمية السائدة والاحتياجات الطارئة للدولة من هذه الأموال.
لقد استمرت وزارة المالية ابان تولي الشيخ جابر الاحمد مهامها في استثمار فوائض اموال الدولة باعتبارها مالاً عاماً، واحتياطياً واحداً، حتى عام 1976م، حين صدر القانون رقم 106 بانشاء صندوق احتياطي للاجيال القادمة، الذي اوجب استقطاع 50% من الاحتياطي العام للمساهمة في رأسمال الصندوق و10% سنوياً من الايرادات العامة للدولة اعتباراً من عام 1976م.
وكانت سياسة الوزارة تقضي بأن يكون لها وجود في الاسواق المستثمرة فيها هذه الاموال، وذلك اما عن طريق مكاتب لها، كمكتب الاستثمار الكويتي في لندن، واما عن طريق اتفاقيات لادارة هذه الاموال عن طريق المؤسسات المالية والبنوك العالمية القوية في القارتين الاوروبية والامريكية، او عن طريق بعض مؤسساتها وشركاتها التي تمتلكها داخل وخارج الكويت. وكانت الوزارة تستعين بلجان وهيئات استثمارية دولية ومحلية في رسم وتنفيذ سياستها الاستثمارية.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:59 AM
في عهد جابر الأحمد لم يحدث أن تأثرت أساسيات الحياة بأزمة طارئة أو عصفت الانتكاسات بالاقتصاد الوطني أسلـوب سمـو الأميـر فـي إدارة الأزمـات أذهـل العالـم
الحلقة السادسة عشرة

الهيئة العامة للاستثمار:

نظرا للتزايد المتنامي في حجم الاموال المخصصة للاستثمار والتوسع في دائرة توظيف الاموال، فقد استلزم الامر ان يترجم ذلك في خطوة نوعية تتناسب مع حجم وسرعة هذا التزايد، وقد تمثلت هذه الخطوة في انشاء الهيئة العامة للاستثمار لتحل محل وزارة المالية في ادارة وتنمية احتياطات الدولة المالية. فصدر القانون رقم 47 لسنة 1982م الذي نص على انشاء الهيئة العامة للاستثمار كمؤسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة تلحق بوزير المالية، وتتولى باسم حكومة الكويت، ولحسابها ادارة اموال الاحتياطي العام للدولة والاموال المخصصة لاحتياطي الاجيال القادمة، وغير ذلك من الاموال التي تعهدت بها وزارة المالية الى الهيئة لادارتها وتوظيفها.
ومن الجدير بالذكر ان الكويت قد كوّنت خبرات لا بأس بها في مجالات الاستثمار الدولي، الامر الذي يجعل منها مثالا للخبرات العربية الناجحة في هذا الاطار. وتمتلك الكويت ـ اليوم ـ مجموعة متنوعة من الاستثمارات تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية، بجانب الهيئة العامة للاستثمار في مناطق عديدة من العالم، اهمها: الولايات المتحدة، بريطانا، المانيا، اسبانيا، اليابان، سنغافوره، ماليزيا.
ان الاهداف الاساسية للهيئة العامة للاستثمار متنوعة بمقدار ما هي مهمة وحيوية، فهي تعمل من ناحية على ادارة وتنمية الاحتياطي العام، واحتياطي الاجيال القادمة بافضل السبل الممكنة. وبما يخدم سياسة الدولة المالية والاقتصادية واستراتيجيتها المستقبلية. كما تعمل من ناحية اخرى على ربط تلك الاستثمارات مع القاعدة الاقتصادية في الكويت لتحقيق التكامل بينهما، وتعزيز مصلحة الاقتصاد الوطني، وتدعيم سبل تنميته.
وحول البدائل الممكن توافرها لرفد الميزانية العامة للدولة، التي سجلت عجزا متتاليا خلال العامين 1982م و1983م، علق الشيخ جابر الاحمد على الحديث المتداول حول عائدات استثمارات النفط، الذي كان ينقصه الكثير من الدقة ـ آنذاك ـ أن: «من واقع المعرفة الدقيقة الكاملة بأنها لا تشكل أبدا البديل المالي للعائدات النفطية وانها مجرد رديف مساعد في تحسين مركز الكويت المالي».
ان تاريخ الامةوحدة متكاملة لا انفصام فيها، يرتبط ماضيها بحاضرها ومستقبلها. فقد كانت السياسة الاقتصادية الحكيمة للشيخ جابر الاحمد في المراحل الاولى لاستقلال الكويت، وما قبلها بقليل، ونظرته الثاقبة نحو استشراف المستقبل الذي هو حاضرنا اليوم، والذي عايشناه ابان عدوان النظام العراقي على الكويت.. هذا الصرح الاقتصادي الضخم، بكل ما يحمل من مقومات ومفاهيم اقتصادية علمية راسخة، كان هو سند الكويت وعونها في محنتها، وفي تحرير الكويت وإعادة اعمارها وبناء بنيتها الاساسية، والاسراع في إزاة آثار العدوان والاحتلال وتداعياته وكشف الغمة عن مصير الامة: وطنا وشعبا.
كثيرا ما تُجابه الدول بالازمات المحلية والخارجية الطارئة التي تؤثر على مسار الاقتصاد فيها. والكويت وهي جزء من العالم، ويرتبط اقتصادها بالاقتصاد العالمي، واجهت مثل هذه الازمات. ولكن الشيخ جابر الاحمد كان مثالا لرجل الدولة الذي يدير الازمات بحكمة وروية وحنكة سياسية واجتماعية، وحس اقتصادي فطري، يخرج باقتصاد الدولة سليما معافى الى بر الامان.
ونحن بصدد تناول ادارة الشيخ جابر الاحمد للازمات، وخاصة تلك التي جابهت مسيرة الاقتصاد الكويتي، والتي تخطاها بثاقب بصره وحسه الاقتصادي المعروف. فاستطاع بذلك ان يحفظ للاقتصاد الكويتي مكانته وقوته وصورته المشرقة بين اقتصاديات دول العالم الحر.
ان العمل او الاجراءات الهادفة الى احتواء الازمة ووقف تداعياتها، لا يتم إلا باتخاذ سلسلة من القرارات، تعرف في مجموعة باسم «قرارات الازمة» تشكل في مجموعها محاولة متطورة لتجاوز بطء وتعقيدات عملية صنع القرار العادي لمواجهة ظروف استثنائية او طارئة، تتطلب اتخاذ قرارات سريعة، وغير مرتجلة لمواجهتها.
ففي مجال معالجة الازمات الدولية يعرف الكاتب السياسي «ويليامز «B.Williams» إدارة الأزمات بانها: «سلسلة الاجراءات» القرارات الهادفة» الى السيطرة على الازمة، والحد من تفاقمها حتى لا ينفلت زمامها. وبذلك تكون الادارة الرشيدة للازمة هي التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وحمايتها.
اما الدكتور علي السالوسي الدبلوماسي والكاتب السياسي المصري المعروف. فانه يعرف القرار: «بانه نوع من عقد العزم من جانب السلطة على اختيار اسلوب معين من اساليب التخلص من حالات التوتر التي تفرضها الممارسة».
وهذه التعريفات مجتمعة تنطبق تماما على اسلوب الشيخ جابر الاحمد في معالجته للأزمات التي واجهت المسار الاقتصادي في الدولة. وفي اطار هذا المضمون يقول عبداللطيف البحر: «لقد جعل سمو الشيخ جابر الاحمد الكويت دولة مؤسسات بكل ما تعني هذه الكلمة من معان. فكان يدير الازمات بشكل مذهل، فلم يحدث ان تأثرت البنى التحتية او اساسيات الحياة في الكويت بأية ازمة طارئة، وبعكس ما حدث في دول اخرى من انتكاسات عصفت ببنية اقتصادها الوطني، وقوضت ركائزه الاجتماعية.
وفي هذا السياق أيضا يتحدث بدر النصرالله: «لا شك في ان سمو الشيخ جابر الاحمد، قد استطاع دائما بحكمته وقيادته الرشيدة، وبصفته رجل التوازن في الدولة، ان يقود السفينة بحنكته وعمق تفكيره ويصل بها الى بر الامان، فكان في عمله رمزا لوحدة الوطن وقوة المجتمع وترابطه. ولعلنا رأينا اثناء هزة الاحتلال الكبرى وقوف سموه بحزم في وجه العاصفة، وكيف استطاع ان يدير الازمة العاتية التي عصفت بكيان الامة برويته وحكمته واتخاذه للقرارات العقلانية والمتزنة، مما دفع ـ وبعون من الله القدير ـ الى تخطي هذه المعضلة واثارها المدمرة، وعودة الاقتصاد الكويتي الى قوته وعزته في زمن قياسي، حتى عاد للكويت دورها المشرق بين الامم».
ويتطرق فيصل المزيدي الى الموضوع نفسه، مؤكدا على ان معالجة الشيخ جابر الاحمد للأزمات لم تأت ابدا على حساب مقدرات المواطنين ووضعهم المعيشي، حين يقول: «لقد تعرضت الكويت مثلها مثل بقية الدول الى مشكلات سواء أكانت اقتصادية ام سياسية. وكما علمنا لم يلجأ سموه ابدا في ادارته للأزمات الى حل يضر الناس، كخفض الرواتب او العلاوات، او تخفيض قيمة العملة، بل كان يلجأ في معالجته للأزمات الى تقليص المشروعات في الباب الثالث من الميزانية على حساب الابواب الاخرى، حتى لا تتأثر معيشة الناس بالازمات والمشكلات المحلية والاقليمية والعالمية، وبخاصة انه هو من رفع شعار مجتمع الرفاه، وهو من عمل على اعادة توزيع الثروة من خلال التثمين ومن خلال فتح باب التوظيف في القطاع الحكومي».
ويضيف المزيدي، فيقول: «لقد قابل سمو الشيخ جابر الاحمد ثلاث مشكلات من اعتى المشكلات فادارها بحزم واقتدار، وهي:
1 ـ كانت اولى هذه المشاكل ـ حسب التسلسل التاريخي ـ مشكلة سوق المناخ عام 1983م وكان سموه في هذه الفترة امير الدولة، ومع ذلك لم يكن بمنأى عن المشكلة على الرغم من مسؤولية أجهزة الدولة عن معالجتها، فكان يستمع للآراء والاقتراحات، ويوجه ويرشد الاجهزة المسؤولة مشددا على عدم اللجوء الى الحلول التي تضر بمقدرات ومعيشة الشعب عامة.
2 ـ والحدث الثاني كان محاولة اغتيال سموه بيد آثمة لزعزعة الامن والترابط الكويتي، ورغم حزنه وأسفه على الشهداء المرافقين له، والذين راحوا ضحية غدر المؤامرة، فقد تمكن بحكمته وايمانه الشديد ان يتخطى، وشعبه هذه المحنة الرهيبة.
3 ـ والحادث الثالث المروع كان غزو الكويت واحتلالها، واضطراره للخروج ليدير ازمتها بعلاقاته المميزة مع مختلف دول العالم، ولقد كانت صدمته قوية من غدر الجار الذي كثيرا ما ضحى من اجل نصرته، وكذلك من مواقف واقوال بعض الصحف الخارجية المغرضة في بعض الدول العربية، وغيرها، وقد تغلب على هذه الصعاب بقيادته لسفينة اعادة البناء والاعمار حتى عادت الكويت عزيزة بين الامم».
اما حمزة عباس فإنه يحدثنا عن ازمتين اقتصاديتين مرت بهما الكويت، فيقول: «لقد مرت على البلاد ازمتان اقتصاديتان ذاتا آثار عالمية، اولاهما سموه الشيخ جابر الاحمد جل اهتمامه، وادارهما وعالج آثارهما بحكمة واقتدار، حتى تمكنت الدولة من تخطيها بسلام«.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 09:59 AM
أزمة تخفيض العملة:

يذكر لنا حمزة عباس الازمة الاولى، فيقول: «عندما حدثت الازمة الاقتصادية العالمية في العقد السادس، قامت بريطانيا في عام 1967م بتخفيض الجنيه الاسترليني، وحيث انه كان لدولة الكويت استثمارات كبيرة في بريطانيا بالجنيه الاسترليني. ولارتباط الدينار الكويتي بالعملة البريطانية، فان هذا الاجراء الذي اقدمت عليه الحكومة البريطانية قد انعكس سلبا على اوضاع الكويت الاقتصادية. فبادر سمو الشيخ جابر الاحمد بالدراسة ووضع الحلول والاختيارات، فكان امامه أحد البديلين التاليين: اما تخفيض الدينار الكويتي بالتبعية، او عدم اللجوء للخفض. فجاء رأي مجموعة الاقتصاديين الوطنيين ـ بعد الدراسة ـ بعدم الخفض. وكان هذا الرأي من رأي سموه وذلك حتى لا تتأثر القوة الشرائية للدينار،ويتضرر بذلك الشعب الكويتي. وقد حدث الشيء نفسه بعد ارتباط العملة الكويتية بالدولار الامريكي. ولم يوافق سموه ابدا على تخفيض قيمة الدينار الكويتي بعد تخفيض الدولار مرتين متتاليتين عام 1973م وعام 1978م من منطلق منظوره السياسي والاجتماعي للخفض، حفاظا على دخول ومدخرات المواطنين، وبعد ذلك اصبح الدينار الكويتي مرتبطا بسلة العملات».

دعم دول الصمود والتصدي:

وحول هذه الازمة ايضا يحدثنا حمزة عباس فيقول: «لقد حدث بعد حرب يونيو عام 1967م ان طلب من الكويت ان تسهم في الدعم المادي لدول الصمود والتصدي، وهي دول المواجهة، وتشمل كلا من مصر وسوريا ولبنان والاردن بجانب المقاومة الفلسطينية، وكان نصيب الكويت 55 مليون جنيه استرليني سنويا، وكانت تساوي 55 مليون دينار كويتي في ذلك الوقت وكانت الميزانية الكويتية آنذاك متواضعة، وتزامنت هذه الازمة مع ازمة تخفيض الجنيه الاسترليني، السابق ذكرها، مما ترتب عليه انخفاض استثمارات الكويت في بريطانيا مقابل الدينار الكويتي بحوالي 14%..».
ويمضي حمزه عباس، فيضيف: «... كان الدعم يدفع سنوياً من ميزانية الدولة لانه لم يكن في مقدورها ان تدفع من استثماراتها الخارجية. ولم يكن امامها سوى ثلاثة خيارات، يمكن ان تتصرف بموجبها:
1ـ اما ان تصرف سنوياً 55 مليون جنيه استرليني من الاحتياطي العام، والمتمثل في الاستثمارات الخارجية «والذي لم يكن يتعدى في ذلك الحين 300 مليون جنيه استرليني»، فتتلاشى كلها خلال ثلاث او اربع سنوات.
2ـ واما ان يوضع المبلغ في الميزانية العامة للدولة فيصبح جزءاً من المصروفات، وتتبع في ذلك مبدأ التقشف وضغط المصروفات.
3ـ او ان تقترض الدولة من البنوك، او تسييل الاحتياطي كي تستطيع الدفع.
وبعد الدراسة اتخذ سمو الشيخ جابر الاحمد قراره السياسي بالاخذ بمبدأ وضع المبلغ في الميزانية العامة للدولة..».
ويختم حمزه عباس حديثه قائلاً: «... وقد وصف الاقتصاديون المحليون والعالميون في الستينات هذا الحل بالسياسة المالية الحكيمة التي حفظت مسار الاقتصاد الوطني من الهزات، وان ترتب عليها وقف الكثير من المشروعات غير الحيوية لمدة ثلاث سنوات، خاصة وان موجة من هجرة النازحين من الضفة الغربية قدمت الى دول الجوار العربية ودول الخليج، فزادت الاعباء على المؤسسات الحكومية، والمرافق التي كانت موجودة...».

أزمة السوق المالية الاولى:

واجهت الكويت عام 1976م ازمة طاحنة في سوق الاوراق المالية متأثرة بالاحوال الاقتصادية العالمية المتأزمة في ذلك الوقت، وانهيار اسواق الاسهم بسبب الانعكاسات الخارجية، ادى الى هبوط الاسعار بشكل غير معقول وحول ادارة الشيخ جابر الاحمد لهذه الازمة، واهتمامه بانهاء تداعيات سوق الاوراق المالية الكويتية، ووضع الحلول العاجلة للقضاء على مسبباتها، والرجوع بها الى سابق عهدها في دعم الاقتصادي الكويتي يقول عبد اللطيف البحر: «.. لقد عمل سمو الشيخ جابر الاحمد منذ تفاقم الازمة على دراسة الوضع، ووضع الحلول العاجلة لمعالجة الازمة وآثارها، فأمر سموه بتشكيل مجموعة محددة ومتخصصة لدراسة ومعالجة هذا الامر، ممثلة بوزير المالية، ووزير التجارة، ومحافظ البنك المركزي، وممثل عن غرفة تجارة وصناعة الكويت، اضافة الى بعض الشخصيات الاقتصادية، وهم: السادة عبد العزيز البحر، وخالد ابو السعود، وعبد اللطيف البحر، وكانت اجتماعاتها ـ بتوجيه من سموه ـ تتم في غاية السرية. لكنه صدر بيان صحفي لحظتها يعلن بأن الموضوع قيد البحث والدراسة، وتحت نظر سمو ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الاحمد...».
ويمضي البحر، فيشير الى الحلول التي ارتأتها المجموعة لعلاج الازمة، فيقول: «... وفي نطاق توجيهات سمو الشيخ جابر الاحمد حددت المجموعة الخطوط العريضة لتصورها عن علاج المشكلة، وشدد سموه على عدم تسريب اي من قراراتها او الدراسات المتعلقة به، حتى لا تكون هناك محاولة للالتفاف حولها والكسب من ورائها، وكانت هناك ـ وفي الوقت نفسه ـ مراقبة دقيقة لوضع السوق حتى لا يكون هناك ادنى تسريب...».
ويضيف البحر الى ما سبق ذكره، فيقول: «... لقد كان من ضمن توصيات المجموعة اقتراح بدعم السوق بحوالي 200 مليون دينار، فتحفظت وزارة المالية على ضخامة المبلغ المقترح، فتدخل سموه معلناً موافقته على الدعم المطلوب، منوهاً بأن هذا قرار سياسي اتخذه كرئيس للحكومة، ومفوض من سمو امير البلاد ـ آنذاك ـ الشيخ صباح السالم الصباح. ذلك لان الازمة تمس اقتصاد دولة، ومصائر مواطنين تضرروا بالازمة. وبعد التواصل لخطوات العلاج النهائية للازمة خصص سموه جلسة سرية برئاسته للنظر فيها، واقتصر الاجتماع على الوزراء الاعضاء في المجموعة لضمان عدم تسرب القرارات. وقبل الجلسة طلب سموه اغلاق البورصة، وصدر اعلان بأنه في الساعة الرابعة عصراً سيصدر بيان حكومي يشتمل على اجراءات معينة تخص سوق الكويت للاوراق المالية. عندها اوقف التعامل بالسوق حتى لا يكون هناك مجال يؤثر على مساره، وقامت الدولة «وزارة المالية»، ممثلة بشركتي الاستثمارات الكويتية والاستثمارات الخارجية، بشراء الاسهم من كل من يرغب بالبيع وفقاً لاخر سعر اقفال وصل اليه سعر السهم، ونتيجة لذلك استحوذت الدولة على حوالي (60%) من اسهم بنوك وشركات كبرى...».
ويسترسل البحر في حديثه قائلاً: «.... وفي الوقت نفسه بدأت البنوك المتضررة بالقيام باجراءات الحجز على مساكن المواطنين لعدم قدرتهم على دفع الفوائد المقدرة بـ 7% فأصر سمو الشيخ جابر الاحمد على الا يتم الحجز على سكن خاص لاي من المواطنين.
وتدخلت الدولة بأمر من سموه لحماية المواطن والتخفيف عنه، وحماية البنوك في الوقت ذاته بصفتها جزءاً مهما من البناء الاقتصادي، بأن تضع الدولة ودائع بالمؤسسات المالية بسعر 5،3% حتى لا يلزم المواطن بدفع اكثر من نسبة الـ 5،3% المتبقية..».
وهنا يؤكد البحر بأنه: «.... نتيجة لبعد نظر سموه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فقد ازدهر الوضع العام في الدولة وخاصة في الجانب الاقتصادي، وتم تعديل مسار السوق، وارتفعت اسهم الشركات، وحققت الارباح لمتانة موقفها الاقتصادي وعوضت الدولة ما قدمته من دعم لعلاج الازمة والمقدرة بحوالي 200 مليون دينار كويتي، حيث بلغت قيمة الاسهم التي اشترتها الحكومة حوالي 800 مليون دينار كويتي، محققة بذلك ارباحاً فاقت التوقع. وقد شهد لسموه رجالات الاقتصاد المحليون والعالميون على هذه القيادة الواعية في ادارة وعلاج هذه الازمة الاقتصادية..». وحول ادارة هذه الازمة ومعالجتها، يشير الاقتصادي عبد العزيز البحر، فيقول: «.... وعلى ما اذكر فقد مرت علينا ازمة عايشتها ابان عملي مع الشيخ جابر الاحمد، وهي ازمة شبيهة بأزمة سوق المناخ، معروفة بأزمة سوق الاوراق المالية عام 1976م، وكان سموه يعيش ويفكر في الازمة وحلها منذ بدايتها، فاستدعانا، ونحن مجموعة، اذكر منهم الاخ حمزه عباس محافظ البنك المركزي، ومعنا عضوان آخران، وكلفنا بدراسة الموضوع وبحثه، وطرح علينا توجيهاته وتصوره لحل الازمة ليكون محوراً لعملنا. وللحقيقة، فإن العلاج السريع الذي طرحه علينا سموه، واتخذته المجموعة مفتاحاً لعلاج الازمة، جعل الناس لا يشعرون بوطأة الازمة، او يتأثرون بها بشكل مباشر، ولم تترك تلك الازمة حتى تتفاقم، وتفت في عضد السوق الكويتية للاوراق المالية، والتي تعتبر احدى ركائز الاقتصاد الكويتي الحر..».
ويضيف البحر بعد ذلك، فيقول: «... ومرت الازمة بسلام مدعومة بقرار سموه السياسي، واستفاد من الحل كل من الدولة والمواطنين، والمؤسسات المالية التي تفادت الخسائر التي تترتب ـ عادة ـ على حدوث مثل هذه الازمات، حتى ان الدولة باعت بعد ذلك ما اشترته من المواطنين بأضعاف قيمته، وكانت النتائج تدل على حنكة وخبرة سموه وحسه الاقتصادي الفطري المعروف، وكان الحل محلياً معتمداً على المجموعة الكويتية التي ترأسها سموه، ولم تتم الاستعانة بأي مستشار، او خبير من الخارج...».
هكذا، وبفضل حكمة الشيخ جابر الاحمد، واستشرافه للمستقبل، ومعالجته للامور الاقتصادية، ومن خلال منظوره الثلاثي الذي يربط الاقتصاد بالتنمية والمجتمع، فقد اصبح للجهاز المالي الكويتي حضوره في السوق المالي العالمي من خلال المؤسسات المالية التي انشأها في هذه الاسواق «لندن، نيويورك، سنغافورة»، وغيرها من العواصم المالية العالمية، الامر الذي يعتبر ضرورياً للاسهام في عملية تحقيق التكامل بين الاقتصاد الخارجي والاقتصاد المحلي الذي يعززه، بالتالي وجود سوق رأس المال القوي، الذي يضم سوق الاسهم «الرسمية والموازية» وسوق السندات، والتي يتم تطويرها كي تتحقق لها المرونة اللازمة للتكيف مع الظروف الاقتصادية، والمحافظة على استقرار الاقتصاد الوطني، واستقرار معدلات التنمية في انشطته المختلفة، ومن خلال تنظيم قواعد الاصدار والاسعار والتداول، والحد من المضاربات، وحسن اختيار وسطاء الصفقات داخل هذه الاسواق.
بهذا، اصبحت للكويت خبرة محلية في كيفية مواجهة عوامل اختلال سوق الاوراق المالية، وخاصة بعد ازمة سوق المناخ عام 1982م، اذ استطاعت ان تبتكر الوسائل المواجهة آثار هذه الازمة، وغيرها من الازمات الاقتصادية، سواء أكان بالتشريعات ام بالاجراءات المالية والنقدية.
كما ان وجود هذا المستوى لسوق النقد وسوق رأس المال في الكويت، وتطويره برعاية الشيخ جابر الاحمد، مكّن من ابتكار ادوات السياسة النقدية والمالية، ليس فقط في تعبئة المدخرات الوطنية، بل ـ ايضاً ـ في تخصيص الاستثمارات بما يخدم توسيع القدرة الاستيعابية والبيئة الاقتصادية للكويت.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:00 AM
أزمة الغذاء والتضخم العالمي في الستينات كانت مدخلا لتقديم الغذاء المدعوم للمواطنين الأمير: كثيرون دخلوا سوق المال دون خبرة بهدف الربح السريع وخلقوا أزمة المناخ
الحلقة السابعة عشر

في الحلقة السابقة تطرقنا لحكمة سمو الأمير في التعامل مع الازمات مستشهدين بازمة سوق المناخ وازمة الغزو وغيرهما وفي هذه الحلقة نواصل القاء الضوء على بعض الازمات التي واجهها سموه بحنكته وسياسته الرشيدة.

أزمة المواد الغذائية والتضخم العالمي:

لقد عصفت بالعالم في حقبة الستينات ازمة اقتصادية عالمية عاتية تتمثل في التضخم المالي والنقدي. انهارت معه النظم المالية والاقتصادية لاغلب الدول التي تأثرت مباشرة بهذه الازمة وتداعياتها الكارثية.
ولما كانت هذه المشكلة العالمية. وما أفرزته من تفاقم حاد في معدل تضخم اسعار المواد الاولية والسلع الغذائية، فقد اولاها الشيخ جابر الاحمد جل عنايته واهتمامه لتفادي الكويت وشعبها افرازات هذه المشكلة وتداعياتها، وفي هذا السياق يقول سموه في احدى المناسبات «لقد شهد العام الماضي على المستوى العالمي تفاقما حادا في معدل تضخم اسعار المواد الاولية والسلع المصنفة، وكان لذلك انعكاسه على سوقنا المحلي الذي يتميز بارتباطه الوثيق وسرعة تأثره بالسوق العالمي، وقد واجهت الحكومة هذه الحالة بما يناسبها من إجراءات فعالة وستواصل اتخاذ ما يلزم من الوسائل والاجراءات والتدابير لحماية المستهلكين والعمل على توفير الاحتياجات من المواد الغذائية والضرورية.
وحول هذه الازمة وحماية المجتمع الكويتي من آثارها، يتحدث عبداللطيف البحر، فيقول: «اتذكر اثناء عملي في مكتب سمو الشيخ جابر الاحمد، وكان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء في ذلك الوقت، ان أزمة اقتصادية عصفت بالعالم في اوائل الستينيات، وارتفعت اسعار الحنطة والمواد الغذائية ارتفاعا كبيرا، وتأثرت الكويت بذلك مثلها مثل الدول الاخرى. فطلب سموه الاجتماع بالمسؤولين عن الجمعيات التعاونية لتدارس الموقف واتخاذ الاجراءات اللازمة الكفيلة بمعالجة هذه الازمة. كما امر ان تقوم شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية باستيراد المواد الغذائية بالسعر العالمي، وتوزيعها على الجمعيات التعاونية لتسويقها بسعر مدعوم عن طريق البطاقات التموينية.
وعلى ضوء ما تقدم، انشئت الشركة الكويتية للتموين في 4 اغسطس عام 1973م بناء على التجربة التي قامت بها شركة المطاحن، والتي كانت تقوم بالعمل نيابة عن مكتب سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، حيث كانت تعرض على المكتب المواد الغذائية لشراء المناسب منها، وتوزيعها على المستهلك من خلال الجمعيات التعاونية.
هذا وقد أخذت دول نفطية اخرى عن الكويت هذا النظام الحمائي لنجاحه وفاعليته، وبعد سنوات من تطبيقه برعاية الشيخ جابر الاحمد ومعالجته الواعية للازمات وخاصة تلك التي تمس القوت اليومي للشعب، او تهدد أمنه الغذائي.

أزمة سوق الاوراق المالية الثانية:

وتأتي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1409هـ الموافق 21 ابريل عام 1989م ليلقي الشيخ جابر الاحمد مزيدا من الضوء على الوضع الاقتصادي في الكويت بعد ازمة سوق الاوراق المالية الثانية، والمسمى بسوق المناخ قائلا: «لقد تعرض الاقتصاد الكويتي في الثمانينيات لمؤثرات عالمية باعتباره من اسواق الاقتصاد الحر، والمؤثرات داخلية اضعفت الدورة الاقتصادية واصابتها بالضمور.
وان الكويت التي تخطت المشكلات السياسية المعقدة والتي استهدفت كيانها، غير عاجزة ـ بعون من الله ـ وبتعاون ابنائها ـ عن تخطي مشكلاتها الاقتصادية».
وفي لقائه مع الصحفيين ورجال الاعلام الكويتي، القى مزيدا من الضوء على هذه الازمة، حين قال: «لقد دخل الى سوق الاوراق المالية شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي، وكان دخولها دون سابق معرفة او خبرة او تخطيط، وبدون ارادة واعية. وكان هدفها الوحيد هو الربح السريع والسهل، وقد رأت ان مثل هذا الامر لا يتوافر الا في سوق الاوراق المالية، حيث الحصول على المال اصبح سهلا وميسورا، ولا يتطلب اي جهد سوى القليل من راس المال حتى يتضاعف بصورة خيالية. وقد شجعهم على ذلك ما حصل عليه بعض المتعاملين من مكاسب سريعة وكبيرة اغرتهم بالتوجه الى السوق والمقامرة على حساب اعمالهم ووظائفهم.
مبرزا اثر الازمة على المجتمع الكويتي، فيقول: «عندما حدثت الازمة وتشابكت، حاولنا ايجاد الحلول الكفيلة، ليس من اجل صغار المتعاملين، او من اجل انقاذ سمعة الاقتصاد الكويتي فحسب، وانما كانت الجهود متجهة لانقاذ المجتمع من التفكك والارتباك، فصغار المتعاملين يشكلون الاغلبية الساحقة. وهم بالتالي مسؤولون عن اسر ليس لها ذنب سوى ان عائلها، او من يعيلها كان من ضمن المتعاملين ومن ضحايا ازمة السوق المالية الذين انجرفوا في هذا التيار، فكان الهدف من اصدار القانون 59 لعام 1982م حماية هذه الاسر من التفكك والضياع».
ويضيف في هذا السياق، قائلا: «إن ما دعانا الى اعداد المرسوم المعروض حاليا، هو الحاجة لتعديل بعض قوانين وزارة التجارة الخاصة باجراءات التفليسة، والتي نعتقد انها سوف تخفف عدد المتضررين، وقد طلبت الحكومة من مجلس الامة الاستعجال في البت بهذا المرسوم، لانه كلما طالت الفترة زاد الضرر. والحكومة تامل من المجلس ان يناقش هذا المرسوم في اقرب فرصة ممكنة، وتعديله او اقراره مع ما تتطلبه المصلحة العامة».
وفي حديث آخر لرجال الصحافة والاعلام الكويتي يعود بالازمة الى المشكلات الاقتصادية العالمية، فيقول: «يمكن ارجاع 80% من المشكلة الى المشكلة الاقتصادية العالمية، وهذا شيء اساسي، بينما ترجع 20% من الازمة الى العوامل المحلية، فقاعدة الاقتصاد كانت راسخة حتى عام 1976م، وظلت كذلك حتى نهاية السبعينات، وما حدث في اول الثمانينيات هو استثناء عارض لا يمثل الاقتصاد الكويتي، ونحن جميعا مسؤولون عن حدوثه لذلك يجب ان نبدأ من جديد في اعادة بناء اقتصادنا الوطني».
ويضيف قائلا: «هناك دول عديدة تعرضت لما هو اكثر من ذلك، وواجهت حروبا طاحنة خسرت معها اقتصادياتها، ولكنها تمكنت في سنوات قليلة من اعادة بناء نفسها واصبحت قوية اقتصاديا».
وفي هذا الحديث الصحفي يحاول الشيخ جابر الاحمد ان يتلمس بعض الحلول، فيقول: «هناك فكرة اولية تقدم بها بعض المواطنين ممن ليست لهم علاقة مباشرة بازمة سوق الاوراق المالية، وما نتج عنها. وتتلخص الفكرة في انشاء شركة للخدمات العامة والاستثمار برأسمال 100 مليون دينار كويتي، تطرح اسهمها لكل الكويتيين خاصة المتقاعدين، واصحاب المعاشات والايتام، وجمعيات النفع العام، والاتحادات الطلابية والرياضية، والنقابات العمالية، والمساهمين في الشركات المقفلة، بحيث لا يدخل ضمن هؤلاء من استفادوا من صندوق صغار المستثمرين».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:00 AM
والواقع، ان الكويت، وان كانت تتميز بارتفاع مستوى المدخرات بالنسبة للفرد، الا انها كانت تفكر في كيفية تحويل هذه المدخرات المتراكمة الى استثمارات محلية منتجة، بدلا من التركيز على الانشطة التي تدر الارباح السريعة فقط، مثل: المشروعات العقارية والانشائية والاستثمارات المالية، او اللجوء الى المضاربات الحادة التي افرزت سوق المناخ كملتقى لرأس المال المتراكم، وظهرت معه طبقة من المستثمرين الباحثين عن العائد السريع من خلال الاستثمار في اوراق مالية لشركات معظمها وهمية. مما دعا الحكومة ـ وبتوجيهات من الشيخ جابر الاحمد ـ الى سرعة التدخل لتجميد السوق الموازية للاوراق المالية المعروفة بسوق المناخ، وذلك من خلال برامج محددة، والتركيز بصفة أساسية على السوق الرسمية، حيث يتم توجيه راس المال الى الوجهة المستهدفة والصحيحة، وضمان الاستقرار للاقتصاد الوطني، ووقف التأثير السلبي على المراكز المالية للبنوك وتدفق الائتمان، وتدهور اسعار الاصول، ومستوى النشاط الاقتصادي في مجموعه.
وكانت توجيهات الشيخ جابر الاحمد في شأن مواجهة هذه الازمة، تتمثل في الاسراع الى وضع الحلول الانية لعلاج الازمة، بجانب البحث في الوضع المستقبلي لسوق الاوراق المالية، مع الاستعانة ببيوت الخبرة في هذا المجال لوضع اللوائح والاجراءات التي تنظم التعامل في سوق المال، والتاكد من قدرة آليات السياسة الاقتصادية في الدولة، حتى لا تتكرر مثل هذه الازمات، وعليه فقد طرحت عدة اجراءات عاجلة لحل الازمة، كان اهمها:
1 ـ اغلاق سوق المناخ ولأجل غير مسمى.
2 ـ منع اي تداول في اسهم الشركات الخليجية، حتى لا يتم حدوث تعاملات مالية تحت ظروف غير طبيعية تزيد من تعقد المشكلة.
3 ـ ان تدعم الحكومة صغار المستثمرين وتعوضهم عن خسائرهم، كي تعيد لهم الثقة في الاستثمار في الكويت، بصدور القرار الوزاري عن وزارة التجارة المتعلق بانشاء صندوق خاص لصغار المستثمرين.
ولم يكن صدور هذا القرار الوزاري لمصلحة المستفيدين منه فقط، بل كان دعوة من الدولة للجميع للاسهام في فرص استثمارية منتجة، وقد استطاعت هذه الاجراءات ان تحقق عدة امور في طريق الاصلاح الاقتصادي، ويمكن ذكر بعضها:
1 ـ توجيه السيولة الى مجالات حقيقية، وغير تضخمية تلبي رغبات المستثمرين من خلال تعاملهم بالسندات والاسهم.
2 ـ حفظ حقوق صغار المستثمرين، واعادة الثقة بالاستثمار داخل الكويت،
3 ـ تشجيع البنوك المتخصصة والشركات الاستثمارية الى الاتجاه الى المشاركة في الاستثمار الداخلي.
هذه الاجراءات ساهمت بشكل فعال وقوي في انقاذ الاقتصاد الكويتي من انهيار وشيك، كان سيصاحبه ـ بلا شك ـ تداعيات اجتماعية خطيرة تنعكس اثارها السلبية على حياة الفرد والاسرة الكويتية لكن شفافية الرؤية واستشراف المستقبل بالحكمة ونفاذ البصيرة، جعل الشيخ جابر الاحمد في عداد اولئك الحكماء الذين عرفوا بحسن ادارتهم للازمات الاقتصادية والسياسية.

المساهمة
في إرساء قواعد الاقتصاد العالمي

لقد حظيت شخصية الشيخ جابر الاحمد بالاحترام والقبول في الاوساط الاقتصادية العالمية وبفضله انضمت الكويت عام 1962م الى كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكان ذلك عقب الاستقلال. وقبل ان تصبح الكويت عضوا في الامم المتحدة، واصبح، بصفته وزيرا للمالية، محافظ الكويت لدى صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وعين حمزة عباس نائبا له في صندوق النقد الدولي، وعبدالعزيز البحر نائبا له في البنك الدولي. وكان عدد الدول الاعضاء في صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي لا يتجاوز 65 دولة. وتعتبر الكويت من اوائل الدول المشاركة في هاتين المؤسستين الماليتين العالميتين. وقد حضر الشيخ جابر الاحمد اجتماعات الصندوق مرتين في عامي 1962م و1964م، وألقى فيهما كلمة باسم الكويت.
وفي هذا السياق يتحدث حمزة عباس عن ارتباطات الشيخ جابر الاحمد بالشخصيات الاقتصادية العالمية، فيقول: «وكان لسموه، بصفته وزيرا للمالية ورجل الاقتصاد في الكويت، ارتباطات ومعرفة بشخصيات اقتصادية عالمية في ذلك الوقت، مثل: روكفلر، يوجين بلاك، مكنمارا، الدكتور شيللر وغيرهم من الاقتصاديين العالميين. كما كان له هيئة استشارية من الشخصيات الاقتصادية العالمية والعربية والمحلية، والذين اسهموا في تقديم المشورة لسموه في القضايا الاستثمارية والمالية».
من جهة اخرى، فانه انطلاقا من مواقف الشيخ جابر الاحمد الانسانية السامية، وسياسته الخارجية المتوازنة والمعروفة على المستوى العالمي، تمكن من جعل دولة الكويت مثلا طيبا تحتذى به دول العالم في ظل النظام العالمي الجديد.
من هنا، لم تكن الكويت غائبة بحسها وضميرها عما تكابده شعوب الدول النامية، بل كانت، منذ سنوات طويلة مضت، تساند قضايا التنمية الدولية، ومد يد العون المادي والتقني الى تلك الشعوب التي تعاني مستويات معيشية قاسية، وتثقلها القروض والديون والفوائد المتراكمة.
ففي كلمة امام الدورة الثالثة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة في 27 سبتمبر عام 1988م دعا الشيخ جابر الاحمد الى ضرورة ايجاد حل اقتصادي وانساني يهدف الى تضييق الفجوة بين دول الشمال والجنوب، يقوم على مبدأ رئيسي هو بحث الغاء الفوائد على ديون الدول المدينة المعسرة، واسقاط جزء من اصول تلك الديون بالنسبة الى البلدان الاشد فقرا. وهنا اقترح مشروعا من ثلاثة بنود، جاءت على النحو التالي:
1 ـ دعوة الدو الدائنة الى عقد اجتماع فيما بينها لبحث الغاء الفوائد على ديونها المستحقة لدى الدول المدينة، مع اسقاط جزء من اصول الديون المستحقة لدى الدول الاشد فقرا، وان الكويت ـ كدولة دائنة ـ على استعداد لحضور هذا الاجتماع، والالتزام بما يصدر عنه من قرارات.
2 ـ على صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي اعادة النظر في الشروط القاسية التي يفرضها كل منهما على الدول المدينة، او التي تطلب المساعدة لتحسين اوضاعها.
3 ـ تنظيم وزيادة حجم العون العلمي والتقني الذي تقدمه دول الشمال الى دول الجنوب.
وفي هذا، يقول الشيخ جابر الاحمد: «وقد تابعنا باهتمام مناقشات الجمعية العامة التي ادرجت على جداول اعمالها بندا خاصا بمشكلة المديونية، والاراء التي طرحها عدد من رؤساء الدول والمسؤولين المتخصصين لمعالجة المشكلة نفسها.
وتعكس هذه المناقشات اعترافا دوليا بان المديونية مشكلة عامة تهدد مجمل العلاقات الاقتصادية الدولية والنظام النقدي الدولي، علاوة على تأثيرها السياسي والاجتماعي على كثير من دول العالم.
ان هذا الادراك لحجم المشكلة، وشمولها يشكل بداية صحيحة نحو التشخيص السليم، ونحو التواصل الى المعالجة الناجحة».
وقد خاطب ضمير الدول الدائنة بقوله: «مع الاخذ في الاعتبار والتقدير ما تقدمت به كل من الهند ومصر والسنغال وفنزويلا في يوليو عام 1989م، وما قامت به بعض الدول الدائنة من اسقاط اجزاء من الديون او من فوائدها، وحتى لا تكون العملية مقتصرة على مساندة دولة مدينة دون اخرى حسب ميول الدولة الدائنة، فاننا نقترح ما يلي:
1 ـ ان يدعو السكرتير العام للامم المتحدة الى عقد اجتماع تحضره مجموعة الدول العشر، وبعض الدول الدائنة الاخرى، وممثلو صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وذلك لتدارس الاسس والمعايير اللازمة لتنفيذه.
2 ـ نظرا لأهمية عامل الزمن في مواجهة هذه المشكلة، ولتجنب مضاعفاتها على الدول المدينة والاقتصاد العالمي، نقترح ان يتم هذا اللقاء في مدة اقصاها ستة شهور.
3 ـ ان يضع السكرتير العام برنامج اولويات بالنسبة للدول المدينة حسب ظروف كل منها.
4 ـ ان ينظر اللقاء في دفع جهود التنمية بمشروعات واساليب تشترك فيها الخبرات العلمية والتقنية من الدول المتقدمة، والامكانات والقوى البشرية المحلية المتوافرة في الدولة المدينة، وان يراعي فيها المحافظة على البيئة من التلوث، ورفع مستوى الكفاءات البشرية المحلية لتكون اكثر مساهمة في التنمية».
واحساسا بمعاناة الدول الاشد فقرا، يستحث الشيخ جابر الأحمد الضمير العالمي بكلمات معبرة عن قسوة اوضاع هذه الدول، قائلا: «ان مشكلة الديون قد زادت من قسوة الحياة في بعض الدول الفقيرة، فاشتد فها الجوع والعري والقحط، واصبح اطفالها كأنهم أشباح أو ظلال بشرية».

«يتبع»

الذهبي
15-01-2006, 10:00 AM
سيرة مخطوطه بالخير

سيرة : أخرجت وأفلحت وساعدت وقدمت يدى العون للمحتاجين

( مصاب جلل )

رحمك الله يا جابر العثرات
رحمك الله يا جابر الخير
رحمك الله يا أب الأيتام والأرامل

على مثل الشيخ جابر فلتبكي البواكي وتحزن القلوب وتنزف العيون

انتقل إلى رحمة الله والكل راض عنه
انتقل إلى رحمة الله والكل يدعو له
انتقل إلى رحمة الله والكل يبكي عليه

ما أرى امامي إلى عيون باكيه ووجوه حزينه


اللهم ارحمه واغفر له واسكنه فسيح جناتك

كل الشكر لكِ نثيه

وعظم الله أجرج

إنا لله وإنا إليه راجعون

Nathyaa
15-01-2006, 10:01 AM
وانسجاما مع هذه الدعوة كانت كلمته امام مؤتمر القمة التاسع لحركة عدم الانحياز المنعقد في «بلغراد» في 5 سبتمبر عام 1989م دعا الشيخ جابر الاحمد الى اعادة النظر في الشروط القاسية التي يفرضها كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي على البلدان النامية، وطرح مقترحات عملية سريعة لحل مشكلة الديون، وعلى وجه السرعة الممكنة، حتى لا تتفاقم محنة الدولة المدينة، وتأخذ المديونيات شكلا من اشكال الاستعمار الجديد.
وقد أظهرت السنوات الاخيرة عمق وتعقيد مشكلة المديونية الخارجية، وتأثيراتها المدمرة على الاقتصاد والتقدم الاجتماعي في الدول النامية بشكل خاص، مما جعل الوضع يتطلب حلا جذريا يتخطى الاساليب التقليدية المعروفة.
وبكل ما تحمل رسالته الانسانية من مصداقية وحب للخير، فقد ترجم الاقوال الى افعال عندما اعلن في كلمته امام الدورة الخامسة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 27 سبتمبر عام 1990م، في وقت كانت فيه الكويت تعاني وتقاسي مرارة الغزو والاحتلال: «ان الكويت من جانبها، وانسجاما مع اقتراحنا السابق، قررت الغاء الفوائد كافة على قروضها، كما ستبحث اصول القروض مع الدول الاشد فقرا، وذلك من اجل تخفيف عبء الديون التي تقع على كاهل تلك الدول».
لقد كانت دعوة الشيخ جابر الاحمد الانسانية، وجهوده الحثيثة لرفع الغمة عن الدول المعسرة، دعوة حث وبشير خير، فتحت طاقة نور وامل امام هذه الدول لرفع قساوة الحياة عن كاهل شعوبها التي تعيش وسط هذا العالم الجديد، والذي تحكمه حضارة القوة بقسوتها وجبروتها، لا قوة الحضارة بنبلها وتراحمها بين شعوب الارض.
وقد لقيت هذه الدعوة صدى كبيرا لدى الدول الدائنةوالدول المدينة على حد سواء، وان اتت بدرجات متفاوتة. وسوف نتناول ردود الفعل هذه في المبحث الثالث من هذا الفصل الفكر السياسي/ الاسرة الاسلامية»، حيث جاء مقترح الشيخ جابر الاحمد امام الدورة المشار اليها للجمعية العامة للامم المتحدة باسم الكويت ومنظمة المؤتمر الاسلامي بصفته رئيسا لها.
لقد اولى الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح جل اهتمامه لاصلاح مسيرة الاقتصاد الكويتي الذي وضع اسمه، نما وتطور بثاقب فكره وحسه الاقتصادي المشهود.
فقد جاء في كلمة وجهها الى شعبه بمناسبة العشرة الاواخر من شهر رمضان عام 1409هـ الموافق 3 مايو 1989م عندما قال: «اتحدث اليكم في هذا الشهر الفضيل ونحن على ابواب التسعينيات من هذا القرن، وتذكرون ايها الاخوة ان الكويت مرت في الثمانينيات باختبارات عسيرة اقتصادية وسياسية وامنية، يسر الله ـ سبحانه ـ اجتيازها بتوفيق وعون منه وبتعاون ابناء وطننا، وبارادة موحدة واجهت بها الكويت اكثر من محنة، وخرجت منها وقد ازدادت ارادتها قوة وهذا هو المنتظر من ابناء وطني، وقد عرفتهم الشدائد رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وان هذه التجارب التي خضناها معا، ووفقنا الله ـ تعالى ـ فيها معاً، ونحن على كلمة سواء، زادني ثقة في المستقبل، وايماناً بقدرة ابناء الكويت على حمل الجديد من المسؤوليات في عالم سريع التقدم والتغير، يفرض على من يود الحياة فيه ان يدفع ضريبة المشاركة جهداً وعزماً وعطاء..».
ثم يتحدث عن النقلة النوعية التي دعا اليها، واهدافها، فيقول: «.... عندما قلت للاخوة المسؤولين، في حديث سابق معهم، اننا نعمل على نقلة نوعية خلال التسعينيات، كان هدفي هو النظرة الجديدة للسنوات المقبلة، وما تطلبه من عمل دؤوب ونكران ذات، وتحديث وتجديد في مختلف امورنا.
ان سنوات التسعينيات تحتاج الى جهد اكبر من سابقاتها، وان اتفقت معها فى الجذور الاصلية التي نستمد منها القدرة على حمل المسؤولية، وهذه طبيعة الحياة في سيرها وجمعها بين الاستمرار والتغير.
ان الله سبحانه وتعالى يقول: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، وعلينا ان نعطي انفسنا فرصة لمراجعة الذات، فإما الاستمرار وتحمل المسؤولية في المرحلة المقبلة، واما الرغبة في الراحة وافساح المجال لآخرين، ولكل من هؤلاء وهؤلاء التقدير لما بذلوه، ولما يعزمون على بذله، ونسأل الله لنا جميعاً العون والاصلاح والتوفيق..».
ثم يتطرق الى حركة التجديد المنشود لنهضة الكويت فيذكر: «... ان ما نتطلع اليه يستهدف امرين: صالح الوطن، وصالح المواطن. وان التجديد في شموله وفاعليته هو المجال الرحب للتعبير عن حب الكويت وحقها في التحرك الواعي من حاضرها الى مستقبلها، ولكل من الحاضر والمستقبل حق واجب الاداء.
والتجديد واجب، لا ينأى عنه الا من يرضى بالتخلف في عالمنا المعاصر، ونحن نقبل عليه بنفوس مطمئنة دون توتر يؤدي الى اهدار حقوق من قدموا للوطن خيراً، ودون تسرع يدفع الى الصدارة قراراً غير ناضج، او الى صفوف التوجيه من يحتاجون الى المزيد من النضج والتمرس...».
وفي دائرة اهتمامه بالدور الوطني للانسان الكويتي في تنمية وتطوير الاقتصاد الوطني وتصحيح مساره، يقول الشيخ جابر الاحمد: «.... ان التنمية الحقة تتخذ من الانسان الكويتي محوراً، ومن الانتماء الى الكويت اساساً. ولهذا الانتماء ركائز تغرسها القدوة والاسرة منذ الصغر، وفي مقدمتها الايمان بالله تعالى، والتعود على تنفيذ اوامره، وممارسة مكارم الاخلاق من الصدق والتعاون، وحب العمل يدوياً وفكرياً حتى تصبح المبادرة الى بذل العون عادة وسعادة...».
وفي نطاق تطلعاته الى قيام الخبرات الكويتية بدورها الفاعل في التنمية الاقتصادية، يضيف قائلاً: «... هذا، وان كنا نتعاون مع الكفاءات العربية، وغير العربية التي تحتاج اليها التنمية، ومع تقديرنا لما بذلت وما تبذل من جهد مشكور، فاننا نريد ان تكون الخبرات الكويتية هي الاساس الذي تقوم عليه التنمية، ذلك لانها بحكم نشأتها وعمق احساسها الطبيعي بالانتماء، وسهولة اتصالها بكل مرافق الحياة الكويتية، هي الاقدر على تحديد المشكلات واقتراح الحلول والقيام بالتنفيذ، وهذا يلقي عليها مسؤولية وطنية وحتمية...».
ويتحدث بعد ذلك عن الامل في اصلاح مسار الاقتصاد الكويتي ومتانته، فيقول: «.... وان الكويت التي تخطت المشكلات السياسية المعقدة، والتي استهدفت كيانها، غير عاجزة، بعون من الله، وبتعاون ابنائها، عن تخطي مشكلاتها الاقتصادية..».
تأسيساً على هذه المسيرة الطويلة من البناء والانجاز، تتجه السياسة الاقتصادية الكويتية اليوم نحو توسيع المناطق الاقتصادية الحرة بوصفها آلية رئيسية ومكملة لسياسات تحرير الاقتصاد المحلي، والتوسع في ابرام الاتفاقيات الخارجية العديدة الثنائية او المتعددة الاطراف بمستوياتها المختلفة، بما في ذلك اتفاقيات التعاون الاقتصادي الخليجي والعربي والارووبي.
ولقد تم بالفعل اصدار قانون المناطق الحرة الجديد، والذي سمح بانشاء منطقة التجارة الحرة في ميناء الشويخ، وينتظر ان يلي ذلك انشاء مناطق حرة جديدة تتسع رقعتها تدريجياً لتعم الجانب الاعظم من الاقتصاد، وتلتئم مع الابعاد الاخرى للتحرير الاقتصادي، خاصة في مجالات الاستثمار والتجارة الخارجية.
وبذلك يمكن القول، ان استراتيجية التنمية الاقتصادية المتوسطة والطويلة المدى، تعتمد على تنفيذ برنامج شامل ومتعدد الابعاد للاصلاح الاقتصادي، يهدف الى اعادة هيكلة الاقتصاد لخلق آليات ومصادر جديدة للنمو المتوازن والمستمر، حيث انه لم يعد من الممكن الاعتماد على النمو المتباطىء وغير المستقر للدخل والايرادات النفطية. كما انه لم يعد من المتاح ايضاً قيام الانفاق العام بدور المحرك البديل للاقتصاد، مع تراجع دور قطاع النفط، مثلما حدث في حقبة الثمانينيات.
وكان هذا الانخفاض الكبير في حجم الناتج المحلي النفطي على امتداد عقد الثمانينات، قد اعطى اشارة اولية الى عدم امكان الاعتماد على النفط كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي، بل من الضروري العمل على تنويع القاعدة الاقتصادية الانتاجية ومصادر الدخل، وقد بدىء بالفعل اعادة توجيه العمل الاقتصادي، والسياسات الاقتصادية الكلية نحو الوصول الى هذا الهدف.
الا انه نتيجة للعدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت في 2 اغسطس عام 1990م، وما ادى اليه من توقف لمصدر الدخل الرئيسي للاقتصاد، وهو النفط فضلاً عما نجم عنه من تدمير للبنية الاقتصادية والطاقات الانتاجية المحلية، وتعطيل مسيرة الاصلاح الاقتصادي. فقد كان لزاماً علينا ان نعطي الجهود الاقتصادية المحلية ـ العامة والخاصة ـ الاولوية لاعادة بناء وتأهيل المرافق والقواعد الاقتصادية المحلية التي تم تدميرها، بالاضافة الى تركيز السياسات الاقتصادية الكلية في هذه المرحلة على اعادة التوازن الكلي للاقتصاد الكويتي، الذي اختل بدرجة كبيرة بسبب الكلفة المرتفعة المباشرة، وغير المباشرة للغزو والاحتلال، وما تلاهما من اعادة بناء.
ومن اجل هذا، فقد بدأت السياسة المالية بقيادة الشيخ جابر الاحمد في تغيير اتجاهاتها في الادارة الاقتصادية للميزانية، متبعة في ذلك نهجاً محافظاً، وذلك على عكس ما كان عليه الامر في الماضي. وقد تضمن هذا النهج الجديد مجموعة من السياسات تقوم على ترشيد الدعم السعري المباشر والضمني، وغير ذلك من المصروفات التحويلية الاخرى غير الالزامية. وبعبارة ثانية، العمل على ضغط الزيادة في المصروفات بقدر ما تسمح به الظروف، وخاصة المصروفات الالزامية، مع عدم الاخلال بأوجه الانفاق ذات الطبيعة التنموية الشديدة الصلة بالنمو الاقتصادي، كالانفاق الاستثماري الثابت والبشري.
وقد نجم عن هذا التوجه المتعلق بضغط المصروفات، اضافة الى زيادة اسعار النفط اكثر مما كان محدداً له في الميزانية، تحقيق بعض التقدم، حيث امكن تحديد مستوى اجمالي المصروفات بالاسعار الثابتة على مدى الثلاث سنوات الماضية 1994م ـ 1997م، مما ساعد في القضاء على عجز الموازنة في الفترة السابقة للانخفاض الاخير في اسعار النفط، بالاضافة الى زيادة نصيب المصروفات التنموية والاستثمارية في اجمالي المصروفات، وهذا يمثل ـ بلا شك ـ تكيفاً ضرورياً في هيكل المصروفات.
وعلى الكويت، وقد حباها الله بقيادة اقتصادية خيرة، وتملك من الموارد الاقتصادية ما يتيح لها التقدم على درب الاصلاح الاقتصادي بأسلوب هادىء مع السعي لتلافي اي معاناة اجتماعية، ان تعمل وفق سياسات الاصلاح على توزيع اية اعباء اقتصادية توزيعاً عادلاً في اطار التكامل والترابط الاجتماعي الذي عرفت به الكويت في ظل قيادة الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:01 AM
لقد عرف عن الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح منذ بدايات حياته العملية انه قليل الكلام كثير الاعمال، يدرس ويفكر ثم ينفذ، بجانب شغفه بالامور المالية والاقتصادية والصناعية والتجارية التي سبق الاشارة اليها، فقد عرف عنه بين اوساط شركات النفط وخبرائها بأنه اختصاصي من الطراز الاول بشؤون النفط، وله شأن كبير بالنسبة لشركات النفط العاملة في الكويت، ومنظمة الدول المصدرة للنفط ¢OPEC". هذه الصفات التي تميز بها انعكست على فكره السياسي.. ذلك الفكر الذي اتسم دوماً بالهدوء والاتزان في تناول المشكلات الاقليمية والدولية.
لم تكن القضية الفلسطينية تحتل مركز الصدارة في الفكر السياسي لدى الشيخ جابر الاحمد فحسب، بل هي قضية الكويت الاولى، فحين تعرض موكبه للاعتداء الآثم في مايو 1985م، لم ينس آلام وآمال الشعب الفلسطيني، فقد اعرب في تلك اللحظات الحرجة عن استنكاره الشديد لما يجري في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، عندما قال: «... ان ما يؤلمني ويحز في نفسي ما يجري من تقتيل للاطفال والنساء والابرياء.. ان قلبي يتمزق على اخواننا الفلسطينيين، وما يجري ضدهم من مذابح في المخيمات.. ان قيادات العالم العربي كلها على مدى ثلاثين عاماً لا حديث لها في كل لقاءاتها الا القضية الفلسطينية وايجاد حل عادل لها، ثم بعد ذلك تجد ـ الان ـ نساء واطفالاً وشيوخاً من الفلسطينيين يقتلون وبأيادً عربية، ونتساءل لمصلحة من كل ذلك..».
هذا هو الموقف القومي والروح العربية العالية والكلمة الصادقة، ويشاء القدر ان تقف القيادة الفلسطينية في الجانب المؤيد والمتحمس للعدوان العراقي واحتلاله لدولة الكويت. وعلى الرغم من ذلك فقد ظل متماسكاً بصدق وامانة في الدفاع عن الحق الفلسطيني في الحياة، واقامة دولته المستقلة.
من جانب آخر، نلاحظ ان الشيخ جابر الأحمد بقدر حرصه على القضية الفلسطينية، فإن حرصه على قضايا الامة العربية لم يكن يقل اهمية وشأناً. ففي نكسة يونيو عام 1967م، كانت له مواقف معلنة وصريحة امام تلك المحنة التي اصابت الامة العربية، وكان يرى ان الحرب مستمرة، وأن لهذه الامة طاقات تستطيع ان تساند حرباً طويلة الامد، تحفظ لها شرفها ومقدساتها، وتسترد بها حقوقها السلبية.
وهنا يؤكد انه: «.... اذا كانت بعض هذه الطاقات قد ظهرت فيما استعملته الكويت وشقيقاتها في بعض اسلحتها الاقتصادية، فلتعلم اية دولة ان لدى الامة العربية مزيداً من الاسلحة الاقتصادية والنفسية، تستطيع ان تلقي بها في المعركة حتى يكتب لها النصر...».
وفي تأكيد آخر لواجب المواطن الكويتي امام هذه المحنة القومية، يشير الى: «... ان الشعب الكويتي جزء من الامة العربية، وقد شاء الله ان يمتحن هذه الامة في الظروف العصيبة التي تمر بها، فأصبح فرضاً على كل واحد منا ان يستشعر المعركة، ويعيش فيها، ويشارك في حمل أعبائها، وعلى كل واحد منا ـ ايضاً ـ ان يطور حياته ليصبح مرابطاً في سبيل الله، ينحي عنه الترف، ويسعى الى التقشف، ويصهر روحه في معاني التضحية والمشاركة، ويتقبل التكاليف والاعباء، ويبذل مزيداً من الجهد والعمل المتواصلين ليحفظ لبلاده مستوى اقتصادياً جيداً، وليسند هو والدولة اقتصاديات الدول الشقيقة، وبهذه الروح من الفرد الكويتي، وبمثلها من المواطنين المقيمين، يشارك كل فرد في هذه الامة باخلاص وايمان مشاركة حقيقية في المعركة القائمة.
وليعلم العالم ان هذه الامة قد آلت على نفسها وعاهدت الله على ان تبذل كل شيء لتحفظ كرامتها وعزتها وحقوقها....
ثم يمضي في هذا الاتجاه معتمداً الصراحة والامانة في فكره السياسي حين يجيب عن جملة من الاسئلة للتلفزيون الفرنسي في 15 يوليو عام 1967م.. تلك الردود الصريحة والواضحة لم تكن سوى سياسة الكويت ونهجها في تلك الفترة المصيرية الدقيقة للأمة العربية. فقد لخص دور الكويت في المعركة التي تعيشها الامة العربية، قائلاً: «... لقد سخرت الكويت من اجل المعركة جميع الطاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وهذا ما عملته الكويت وما تحرص عليه. فالكلمة يجب ان تكون مختصرة مفيدة بالقدر الذي يتطلبه الموقف لمعرفة الحقيقة، وحتى تكون الامة العربية على ثقة واطمئنان، فإن على الدول العربية ان تضع كل امكاناتها في ميدان المعركة لتحقق النصر الحتمي على كل اعدائها...».
مؤكداً دور الكويت في هذا المضمار، فيقول: «... لقد حرصت الكويت دائماً على العمل العربي المشترك، والسعي نحو توحيد الشمل العربي، واليوم فإن الامة العربية كلها موحدة الكلمة في موقفها لرده العدوان الصهيوني الغادر، واما المبادرة التي اتخذتها الكويت بالدعوة لعقد مؤتمر لوزارة الخارجية، فقد كانت تستهدف وضع الخطط لعقد مؤتمر قمة عربي، وتنسيق الجهود التي تبذل على المستوى الدولي...».
ومؤكداً ـ ايضاً ـ حقيقة يؤمن بها كل الايمان، وفي كل مكان وزمان، الا وهي: «... ان الدفاع عن الكرامة والشرف، والسعي لاسترداد الحقوق المشروعة، واجب مقدس تتضاءل إزاءه اي اعتبارات مهما كانت خطيرة..». وهذا ما كان عليه موقف القيادة الكويتية ولغتها امام العدوان والاحتلال العراقي.. وهو ما جعل الشعب الكويتي اليوم اكثر صلابة وايماناً وتمسكاً بتراب وطنه المقدس، وما التضحيات والبطولات والبسالة والفداء التي قدمها ابناء الكويت، رجالاً ونساءً، وشيباً وشباباً، من اجل تخليص تراب وطنهم وارضهم من يد طغاة النظام العراقي، الا ترجمة حية لتلك اللغة والمواقف.
واذا ما عدنا الى الوراء، وعلى وجه التحديد عند دخول الكويت جامعة الدول العربية وهيئة الامم المتحدة، نجد ان القيادة السياسية قد خططت للدولة سياسة خارجية واضحة المعالم، تتحرك في اطارها على المستويين: الاقليمي والدولي معتمدة «الوسطية» نهجاً ومنهجاً لسياستها الخارجية.. هذه السياسة التي كفل لها ضمان علاقات جيدة مع دول العالم، انعكست بشكل مباشر على موقف الاسرة الدولية المؤيد للحق الكويتي ابان العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت.. هذا النهج والمنهج جعلا الكويت في الصفوف الاولى بين مجموعة دول عدم الانحياز، وجعل لها مكانة، وكلمة مسموعة في الوساطات والمبادرات التي تتقدم بها في معترك الصراعات الدولية.
هذه السياسة التي أكدها الشيخ جابر الأحمد في نوفمبر عام 1967م حين قال: «... ان سياسة دولة الكويت الخارجية تقوم على مصادقة الدول كافة التي تمد لنا يد الصداقة وتؤيد قضايانا في المحافل الدولية، اياً كانت الكتلة التي تنتمي اليها تلك الدول، او المذاهب الاجتماعية او السياسية التي تنتهجها، ولا يعني ذلك ان علينا ان نعادي ـ لزاماً ـ غيرها من الدول لمجرد انها لا تجارينا، فالسياسة الدولية انما تقوم اصلاً على الروابط المشتركة والمصالح المتبادلة، وليس على النظريات والعواطف...».
وهذا ما اكده ايضاً لمجلة «الافكار» اللبنانية الاسبوعية في فبراير عام 1983م، حين اشار الى: «... ان سياسة الكويت الواضحة والمعلنة، التي تبنتها بوحي من المصلحة القومية، هي سياسة التوازن بين المعسكرين الدوليين، والحياد في صراع الجبارين، والاستقلال التام في الوطن، والحرية المطلقة في اتخاذ القرار دون انحياز الى شرق او غرب...».
لقد كانت ثقة الشيخ جابر الأحمد بالامم المتحدة كبيرة وعظمية في حل المشكلات الدولية، وان إعطاءها الدعم المادي والمعنوي كافة واجب على الدول الاعضاء لتحقيق الاهداف التي قامت من اجلها المنظومة الدولية. فقد كانت الكلمة التي وجهها في اكتوبر عام 1987م، بمناسبة يوم الامم المتحدة، تؤكد مدى ايمانه بالمنظمة الدولية في حل المعضلات والمشكلات التي تجتاح دول العالم بين حين وآخر.
فقد صدق حدسه ورؤيته العميقة لمستقبل العمل السياسي للمنظمة الدولية حين وقفت بجانب الحق الكويتي، وتمكنت من اعادة الحقوق السلبية الى اصحابها الشرعيين من يد النظام العراقي، قراصنة القرن العشرين. وهذا ما اشار اليه في احدى كلماته، حين قال: «... ان عالمنا اليوم لفي حاجة ماسة الى مثل هذه المنظمة التي ينبغي ان تعبر عن الارادة الحرة للمجتمع الدولي دون اي تدخل، وان تسمو في قراراتها الحاسمة على المصالح والاهواء، وبذلك تحتفظ بهيبتها ومصداقيتها، وتتمكن من معالجة القضايا الملحة التي تصرخ منذ سنين متطلعة اليها، منذرة بتهديدها للسلام العالمي..».
لقد اراد الشيخ جابر الأحمد، وهو يطلق هذه الدعوة، ان يرسخ مبدأ في العلاقات الدولية آمنت به الكويت، وطبقته طوال مسيرتها السياسية في الشؤون الخارجية، وذلك حين نادى بأن الدول ذات الانظمة السياسية والاجتماعية المتباينة تستطيع ان تقيم فيما بينها علاقات صداقة حقيقية.. هذه الدعوة التي جعلت بلداً صغيراً في حجم الكويت تحتل مكانة كبيرة في عالم العلاقات الدولية المتشابكة، وتحظى بهذا القدر الكبير من الاحترام والتقدير.
هذا الموقع المميز للسياسة الكويتية الخارجية التي قاد بداياتها الشيخ جابر الاحمد، ولا تزال لمساته واضحة في خطواتها، وهذه السياسة التي سخرها من اجل بلده وشعبه، ومن اجل قضايا العرب القومية وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني جعلته يحتل مكانة مرموقة في السياسة العربية والدولية.
من هنا، استحق الشيخ جابر الاحمد وسام الرأي العام العربي من الطبقة الاولى، حيث جرت بمبنى سفارة دولة الكويت في القاهرة في مطلع يونيو عام 1990م، مراسم تسليم الوسام لسفير دولة الكويت في القاهرة بعد استفتاء عالمي لعشرة زعماء من دول العالم أدوا أدواراً متميزة على المستوى العالمي والاسلامي والعربي، كان من بينهم الشيخ جابر الاحمد.
فقد جاء اختياره، في الاستفتاء الذي اجراه المركز العربي للاعلام، وبحوث الرأي العام في جمهورية مصر العربية، وشارك فيه اكثر من 100 الف مواطن عربي من الدول العربية، ومن المهاجرين في الولايات المتحدة واوروبا واستراليا واليابان. تقديراً لدوره في رأب الصدع العربي، والمحاولات الموفقة التي قام بها مباشرة، او من خلال الدبلوماسية الكويتية بين مختلف الاقطار العربية دعماً للوفاق العربي، حيث استطاعت الكويت بفضل هذه السياسات الحكيمة الحفاظ على الموقف العربي الموحد في اطار سياساتها الداعية الى رؤية عربية واحدة.
ويشاء القدر بعد شهرين فقط، ان تكون الكويت ضحية وثمناً غالياً لتلك السياسة التي كانت تحاول ـ جاهدة ـ فيها لم شمل العرب وتوحيد صفوفهم في مواجهة الاخطار والاطماع الاجنبية، وعلى رأسها اطماع الصهيونية، ولكنها، على الرغم مما حدث، فإن ايمانها بتلك السياسة ظل راسخاً وقوياً وعميق الجذور في تربة الكويت، وهذا ما جعلها محط انظار دول العالم والدول العربية على وجه الخصوص.
وفي متابعة حثيثة للفكر السياسي للشيخ جابر الاحمد نجد انه قد تجاوز التصريحات الصحفية، وما كتب عنه في اصدارات عديدة، كما ان ذلك الفكر تجاوز العلاقات الثنائية بين دولة الكويت والدول الاخرى على المستويات كافة، لكونه بات منتشراً على مساحة كبيرة من المعمورة، وذلك من خلال اللقاءات والمؤتمرات الخليجية والعربية والاقليمية والدولية، وخاصة مؤتمرات القمم التي شارك فيها، وكانت له مواقف وطروحات ـ حيال مجمل القضايا التي كانت موضع المداولات ـ جديرة بالاحترام والتقدير.
فمقترحاته وآراؤه التي صاحبت فكره السياسي، كانت دوماً مجردة، دون غايات، او اهداف ذاتية لدولة الكويت، وكانت هذه الافكار تحاكي الواقع الدولي بمشكلاته ومعضلاته القائمة، سعياً وراء ايجاد حل يسعد البشرية في بقاع مختلفة من العالم، وخاصة في هذا الجزء الجنوبي من الكرة الارضية، اذ ان هذا التجرد، وهذه الواقعية في طرح الآراء والمقترحات هي التي جعلت افكاره موضع تقدير لدى المجتمع الدولي، وفي كثير من الاحوال كانت كلماته تعتمد بصفتها واحدة من الوثائق الرسمية للقاء. وفي السطور القادمة سوف نحاول إلقاء شيء من الضوء على تحركات الشيخ جابر الأحمد السياسية والانسانية على المستويين: الاقليمي، والدولي

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:02 AM
ايمان الكويت بوحدة دول الخليج العربية وتشابك مصالحها وانصهارها كان كبيراً الأمير: اتفاقية الدفاع المشترك الخليجية إنجاز تاريخي أكد التلاحم في مواجهة التهديدات
الحلقة الثامنة عشر

كان ايمان الكويت كبيراً بوحدة دول الخليج العربية، وبأن تشابك مصالحها يدعوها لان تلتف حول بعضها، وان العادات والتقاليد والثقافة والمصير المشترك تحتم عليها ان تنصهر في بوتقة واحدة. وان الازمات التي مرت بها دول المنطقة سواء أكانت سياسية ام اقتصادية أم اجتماعية كانت جميعها تدعو الى ضرورة تكاتف دول الخليج العربية.
من هنا، كانت الكويت ومنذ مطلع الخمسينيات تسعى ـ خلال لجنة مساعدات الخليج ـ بكل جهدها وامكاناتها الى ان تبلور ما تؤمن به من افكار وحدوية لدول المنطقة، فكانت فكرة التعاون وشد أزر الاخوة في دول الخليج ـ من خلال المساعدات الفنية ـ اولى الخطوات في هذا الاتجاه الصحيح.
ففي عام 1953م قامت اول لجنة كويتية لمتابعة هذا الامر، اطلق عليها في ذلك الحين «لجنة مساعدات الخليج». كان لها دور رائد في تقديم المساعدات العمرانية والتعليمية والثقافية والصحية لدول المنطقة «البحرين ـ الامارات العربية المتصالحة» قبيل قيام اتحاد الامارات العربية« قطر ـ سلطنة عمان» لتصبح فيما بعد «هيئة الخليج والجنوب العربي».
وفي مطلع السبعينيات انشأت وزارة الخارجية الكويتية قسماً تابعاً للادارة الاقتصادية يختص بالتعاون الخليجي، وكان من مهام هذا القسم شؤون الاتصال والاشراف على المراسلات، وما يتعلق بها من مهام مع دول الخليج العربية. وكان هذا مؤشراً يدل على دور الكويت القادم في تنشيط وتفعيل التعاون الخليجي.
وفي نوفمبر عام 1976 صدر قرار وزارة الخارجية الكويتية بتشكيل لجنة مهمتها البحث في شؤون التعاون الخليجي، اطلق عليها «لجنة التعاون مع دول الخليج»، حيث اعطيت هذه اللجنة صلاحيات كبيرة بجانب تخصيص جهاز اداري ووظيفي لها. وقد انيطت رئاستها بوكيل الوزارة آنذاك راشد عبد العزيز الراشد، وضمت في عضويتها عناصر من وزارة الخارجية «مديري الاقتصادية ـ الصحافة ـ الثقافة ـ القانونية ـ السياسية»، كما شارك في عضوية اللجنة افراد من خارج الوزارة «امين عام مجلس الوزراء ـ وزارة التجارة ـ وزارة التربية ـ وزارة المالية»، هذا، اضافة الى مشاركة القطاع الخاص في عضوية اللجنة، ممثلة بغرفة تجارة وصناعة الكويت، حيث تمكنت اللجنة فيها نهاية السبعينيات من ان تنجز اعمالها بتقديم جملة من التصورات، تضمنت مقترحات عديدة في مجال الاعمال والنشاطات المشتركة.

انبثاق مجلس التعاون لدول الخليج العربية:

لاشك في ان الكويت كانت صاحبة المبادرة الاولى في بلورة فكرة انشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتوصل الى استراتيجية خليحية مشتركة لمواجهة الظروف والمعطيات الحرجة التي تحيط بمنطقة الخليج، وخاصة تلك المشروعات التي كانت تتحدث عن فراغ مزعوم في المنطقة.. هذه الفكرة اختمرت في عقل وضمير الشيخ جابر الاحمد منذ ان كان وزيراً للمالية.
وحول هذه المرحلة من تاريخ المنطقة يمضي بنا عبد اللطيف البحر في ذكرياته، فيقول: «.. كانت للشيخ جابر الاحمد جهود كبيرة في دعم فكرة الانظمة الموحدة، وخاصة وحدة بلدان الخليج العربية. ولقد نبعت فكرة قيام مجلس التعاون من احساسه بضرورة تقريب الروابط بين الامارات الخليجية كمظومة خليجية متناغمة، في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث، فالحرب الباردة قائمة بين العراق وجارتها ايران، والحالة تستدعي خلق التوازن في المنطقة حتى لا تكون دول الخليج مبعثرة، ومستهدفة في هذا المعترك..».
وفي ظل هذه المعطيات يضيف البحر، قائلاً: «... ففي مايو عام 1976 م دعا سموه الى انشاء وحدة خليجية بهدف تحقيق التعاون، وايجاد نوع من الوحدة القائمة على اسس سليمة ومتينة لمصلحة شعوب المنطقة واستقرارها..».
وتحقيقاً لهذه الدعوة قام الشيخ جابر الاحمد في مايو عام 1976م بجولة خليجية زار خلالها دول الخليج الخمس، حاملاً اليها فكرة ايجاد صيغة تجمع دول الخليج العربية في تنظيم اقليمي ينسق شؤونها وتتعاون فيما بينها لمواجهة اية اخطار قد تحدق بها. وهنا اقترح تسمية هذا التجمع بمجلس التعاون تفادياً لأي اختلاف في الرأي، كحد ادنى لانطلاقة التجمع في مسيرته.
وتتكثف جهود الشيخ جابر الاحمد خلال مؤتمر القمة العربي الحادي عشر الذي عقد في عمان بالمملكة الاردنية الهاشمية في نوفمبر عام 1980م، حين تمكن ـ على هامش القمة ـ من عقد عدد من الاجتماعات مع زعماء دول الخليج ليطلعهم على التصور الكويتي لاستراتيجية مشتركة للتعاون في جميع المجالات.
وبتكليف وتوجيه من الشيخ جابر الاحمد، قام الشيخ صباح الاحمد وزير الخارجية في ديسمبر عام 1980م بزيارة الاشقاء في دول الخليج العربية، وذلك لعرض التصور الكويتي للمجالات السياسية، والاقتصادية، والنفطية، والثقافية، والعسكرية، التي جاءت في اطار استراتيجية مشتركة وشاملة، وجدت تجاوباً من دول الخليج العربية الخمس كافة.
وفي يناير عام 1981م اعد مشروع كويتي حول التعاون الخليجي في ضوء التصورات الكويتية السابقة، ثم ارسل الى الدول المعنية تمهيداً لدراسته وابداء ما يرونه من ملاحظات ومقترحات جديدة حوله.
وعلى هاشم مؤتمر القمة الاسلامي الثالث الذي عقد في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية في يناير عام 1981م، كان للشيخ جابر الاحمد اتصالات ومشاورات مع زعماء دول الخليج حول المشروع الكويتي، توصل الجميع خلالها الى ضرورة ابعاد منطقة الخليج عن الصراعات الدولية، واتفقوا على مؤتمر لوزراء خارجية الدول الست في العاصمة الرياض في فبراير عام 1981م لمناقشة المشروع الكويتي.
وقد لقيت الاتصالات المتكررة حول الموضوع تجاوباً طيباً من الاشقاء في دول الخليج العربية، اذ ان الرغبة في التعاون كانت تراود الجميع، ولذا فقد انتهى لقاء الرياض بالاتفاق على انشاء مجلس تعاون بين دول الخليج العربية الست، كما اعتبر هذا اللقاء نقطة تحول اساسية في سلسلة الاجتماعات والمؤتمرات الخليجية، اذ انه حدد صيغة التعاون والتنسيق، واسلوب العمل بين الدول الاعضاء.
وفي مارس عام 1981م، عقد وزراء الخارجية جولة جديدة من المحادثات في مسقط سبقتها اجتماعات تحضيرية للجنة الخبراء الخاصة بمجلس التعاون، تم فيها وضع ورقة عمل موحدة بعد اجراء التمازج بين ورقة العمل الكويتية والعمانية، واقتراحات الدول الاخرى، كما تم الاتفاق على الهيكل التنظيمي للمجلس، ووضع مشروع النظام الاساسي.
وتأتي قمة ابو ظبي لزعماء دول الخليج العربية في مايو عام 1981م، ليوقع قادة الخليج بشكل نهائي على النظام الاساسي للمجلس، ويصبح نافذاً من تاريخ توقيعه، وتعيين عبد الله يعقوب بشارة، من الكويت اميناً عاماً، وتحديد مدينة الرياض مقراً للمجلس، واعتبار قمة ابو ظبي مؤتمراً تأسيسياً والتأكيد على يوم 25 مايو عام 1981م، وهو يوم ميلاد المجلس، يوماً رسمياً، وتحولاً تاريخياً في حياة مواطني دول المجلس، لتتوالى بعدها اللقاءات الخليجية في رحاب دولة عضو، وبدعوة منها، للتداول في الشأن الخليجي، وما يطرأ على الساحة الخليجية من مستجدات.. وفيما يلي اشارة موجزة وسريعة للقاءات مجلس التعاون.. بيت كل مواطن خليجي من الدول الاعضاء.

جهود رائدة في مسيرة عشرين عاماً

في الفترة من 25 ـ 26 مايو عام 1981م شهدت مدينة ابو ظبي عاصمة دولة الامارات العربية المتحدة مولد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما اشرنا قبل قليل، ليغدو المجلس تجسيداً عملياً للاماني الوحدوية لاجيال متعاقبة من اهل الخليج تحلم به وترجوه وتتمناه.
وفي هذه الدورة «التمهيدية» التي اعتبرت الدورة الاولى للمجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقع قادة دول الخليج العربية على النظام الاساسي للمجلس الذي يتضمن موافقة الدول الست على انشائه. كما تمت الموافقة في اجتماع مغلق على النظام الداخلي للمجلس الاعلى، وهو السلطة العليا لمجلس التعاون، وأحد الاجهزة الرئيسية الثلاثة المكونة له الى جانب المجلس الوزاري، وقد حددت المادة الرابعة من النظام الاساسي اهداف المجلس بالآتي:
1ـ تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولاً الى وحدتها.
2ـ تعميق وتوثيق الروابط والصلات واوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
3ـ وضع انظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك، الشؤون الاقتصادية، المالية والتجارية، والجمارك، المواصلات، التعليمية والثقافية، الاجتماعية والصحية، الاعلامية والسياحية، والتشريعية والادارية.
4ـ دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين، الزراعة والثروات المائية والحيوانية، وانشاء مراكز بحوث علمية، واقامة مشروعات مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوب دول المجلس.
وقد وصف الشيخ جابر الاحمد انشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية بأنه نقطة تحول كبرى في حاضر هذه المنطقة. وان المجلس ليس تكتلاً او تحالفاً ضد احد، وانه ليس منحازاً لمعسكر من المعسكرات العالمية. مؤكداً ان أمن الخليج هو مسؤولية اهله، وان مجلس التعاون يضع قوة الدول الاعضاء سياسياً واقتصادياً على مسار العمل الجدي لتوطيد الاستقرار في المنطقة، وابعادها عن اخطار التدخل الخارجي.
وفيما يلي، نص المقابلة التي اجرتها وكالة الانباء الكويتية «كونا» مع الشيخ جابر الاحمد على هامش قمة ابو ظبي:
س: هل تتفضلون سموكم بتوضيح اهداف مجلس التعاون الخليجي، والآمال المعقودة عليه؟
ج: انني اعتبر انشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست نقطة تحول كبرى في حاضر هذه المنطقة تحو الافضل، ويرجع ذلك الى وعي وادراك ابناء الخليج والمسؤولين فيه بضرورة العمل المشترك نحو تحقيق آمالهم وتطلعاتهم، وان الغرض من اقامة هذا المجلس هو وضع تنظيم عملي شامل لتطوير وتنسيق التعاون القائم بين الدول الخليجية التي تربط بعضها ببعض علاقات خاصة نابعة من عقيدتها الاسلامية السمحاء، وتشابه انظمتها، ووحدة تراثها، وتماثل تكوينها السياسي والاجتماعي والسكاني، وللوصول الى افضل صيغة تخدم مصالح دول الخليج، والامة العربية جمعاء.
س: وصفت بعض المصادر واجهزة الاعلام الخارجية قيام مجلس التعاون الخليجي بأنه تكتل او تحالف اقليمي قد يؤثر في روابط التضامن العربي، فما رأي سموكم في ذلك؟
ج: ان مجلس التعاون الخليجي ليس تكتلاً او تحالفاً ضد احد، بل هو صيغة اقدمت عليها الدول الخليجية لتحقيق تضامن اوثق ضمن اطار ميثاق الجامعة العربية، والذي ينص على تشجيع التعاون الاقليمي بين الدول العربية، وهذه الصيغة التي ارتضتها دول الخليج العربية واضحة الهدف سليمة الاتجاه، وهي ـ باذن الله ـ خطوة نرجو ان تكون عوناً على اقامة صرح الوحدة العربية الشاملة المأمولة. وسيكون هذا المجلس ـ بتوفيق من الله ـ مصدر خير وتعاون مع دول العالم كافة.
س: اثار اعلان انشاء مجلس التعاون الخليجي اصداء عالمية متباينة، فما هو رأي سموكم بالنسبة لموقف مجلس التعاون من الصراعات الدولية؟
ج: ان الاهتمام العالمي بمجلس التعاون الخليجي يرتب على اعضائه مسؤولية ايضاح اهدافه والدفاع عنها، فهو ليس منحازاً لمعسكر من المعسكرات العالمية. ولقد سبق ان عبرت الدول الاعضاء عن مواقفها الواضحة في المجال الدولي من خلال عضويتها في جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وحركة دول عدم الانحياز، وهيئة الامم المتحدة ومنظماتها المتخصصة.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:02 AM
س: ما رأي سموكم فيما يتردد بين حين وآخر من الادعاء بوجود فراغ امني في الخليج العربي، ومحاولة تدخل الدول الكبرى في شؤونه؟
ج: انني أؤكد ان أمن الخليج هو مسؤولية اهله، ونحن نعتقد ان قيام مجلس التعاون الخليجي كفيل بأن يضع قوة الدول الاعضاء سياسياً واقتصادياً على مسار العمل الجدي لتوطيد الاستقرار في المنطقة، وابعاد اخطار التدخل الخارجي عنها، وتكريس هذه القوة لخدمة قضايانا القومية. واذا كنا حريصين على ان نؤدي دورنا الانساني في توفير الرخاء لشعوب العالم، فإننا حريصون ايضاً على ان تقابلنا دول العالم بالمثل.. وباختصار فإن هدفنا هو ابعاد الخليج عن الصراعات والتدخلات الخارجية، فالخليج لابنائه حقاً وأمناً ومسؤولية.
س: هل هناك علاقة بين مجلس التعاون الخليجي والسياسات الداخلية للدول الاعضاء؟
ج: هناك اوجه شبه وتعاون كثيرة بين الدول الاعضاء، وذلك في الانشطة الاقتصادية، والاجتماعية، والتربوية، والثقافية، ومجالات التنمية بصفة عامة. وهناك ـ في الوقت نفسه ـ تجارب خاصة لكل منها في سياساتها الداخلية وتطورها التشريعي ومؤسساتها. ولكل دولة من الاعضاء لها ان تختار لنفسها ما ترتضيه من نظم داخلية. فالتعاون لا يقتضي التماثل في كل شيء.وان الفروق الداخلية لا تحول دون التعاون. وهناك نماذج في اجزاء كثيرة من العالم في مجال التعاون الاقليمي مع وجود تباين في النظم الداخلية.
وهكذا تتواصل المسيرة، وقادة دول الخليج العربية يؤكدون، في كل دورة من الدورات السنوية للمجلس، عزمهم على مواصلة التنسيق، والتعاون فيما بينهم في المجالات: الاقتصادية والسياسية والامنية لمواجهة الاخطار المحيطة بالمنطقة وزيادة الاتصالات بينهم لدرء هذه الاخطار.
ففي الدورة الرابعة للمجلس، التي عقدت بمدينة الدوحة في الفترة من 7 ـ 9 نوفمبر 1983م، كان للشيخ جابر الاحمد وقفة امام بعض هذه المفاهيم التي جاءت ضمن الكلمة التي القاها في الجلسة الختامية للدورة باسم قادة دول المجلس، حين قال: «.... ان لقاءات واجتماعات المجلس الاعلى لمجلس التعاون بدأت تتخذ طابعاً مميزاً في منطقتنا هذه. فقد اصبح رمزاً للترابط والتماسك والمصير الواحد. وتولد شعور لدى المواطن في بلدان مجلس التعاون بأنه جزء لا يتجزأ من مجموعة متناسقة، وانه على المستوى الفردي مستعد ان يشارك في اي جهد لتعضيد هذا الشعور وترسيخه فكراً وعملاً...».
وعند عودته الى ارض الوطن ادلى بتصريح صحفي اكد فيه هذه المفاهيم، حين اشار الى: «... ان جميع الخطوات التي تمت وجميع القرارات التي اتخذت ستعود بالخير والنفع على البلدان الاعضاء، وستفتح آفاقاً واسعة للتعاون البناء، وستجعل شعوبنا اكثر تقارباً وتعاوناً لمصلحتها المشتركة. ولابد من ان نواصل هذه المسيرة لانها الطريق السليم الذي من شأنه ان يجعلنا نشعر بأننا مجتمع واحد. وان على الفرد ـ مثله مثل اي مسؤول ـ واجب المساهمة في دعم ومساندة مسيرة التعاون...».
وتأتي الدورة الخامسة للمجلس الاعلى لمجلس التعاون التي عقدت بدولة الكويت خلال الفترة من 27 ـ 29 نوفمبر عام 1984م، والتي تدارس المجلس فيها الاوضاع العربية الراهنة وتأثير الخلافات العربية على القضايا العربية المصيرية. كما ناقش المجلس ايضاً الدور الذي تقوم به الدول الاعضاء على الصعيد الدولي.
وكان للشيخ جابر الاحمد الذي ترأس دورة المجلس كلمة في الجلسة الافتتاحية، قال فيها: «... ان التعاون الخليجي بناء صنعته ارادة شعوب الخليج. وهو استجابة صادقة لحقائق الحياة في هذا الجزء من العالم، وصياغة معاصرة لما كنا نمارسه بالود والتقاليد الموروثة عن آباء كرام، عاشوا على التعاون والتشاور والتكافل..».
ويمضي في هذا السياق فيقول: «... وكان الانجاز مشكوراً، وكانت الآمال اكبر، وستظل المسؤولية الرئيسية التي يحملها مجلس التعاون في يومه وغده هي بذل المزيد من الجهد، ليقطع المسافة بين ما يحققه من انجازات وما تتطلع اليه شعوبنا من آمال، فكل امل يدعونا الى انجاز جديد، وكل انجاز يزيدنا ثقة في تحقيق امل منشود. ومن الله نستمد العون على المسير..».
ويضيف مؤكداً: «... ان هذا المجتمع الخليجي الجديد الذي نبنيه ونحميه هو جزء من الامة العربية استوى على سوقه واتخذ الى النمو طريقاً. ونأمل ان يلقى هذا الطريق قبولاً من امتنا العربية ليشمل اقطارها بمشيئة الله.. هذا المجتمع الخليجي الجديد هو هديتنا الى ابنائنا والى ابناء العروبة، ووصية يحملها جيل الى جيل على طريق مدروس ومخطط لحالات اوسع في التعاون الاسلامي والعالمي..».
وفي الجلسة الختامية لاعمال المجلس القى الشيخ جابر الاحمد رئيس الدورة كلمة اخرى، جاء فيها: «... لقد جاءت ثمرات هذا اللقاء برهاناً جديداً يؤكد قدرة المجلس على حمل الامانة والعطاء.. ان قراراتنا ومسؤولياتنا وخطوات مستقبلنا وصورة آمالنا وامتحان ارادتنا عهد بيننا وبين شعوبنا.
واذا كان طريق العمل طويلا، فإن الخطوات الواثقة والمنتظمة، والقدرة على مراجعة الذات وتصحيح المسار، والحوار الاخوي، كل ذلك، قادر ـ بتوفيق الله ـ على تحقيق الكثير..».
وفي الدورة السادسة للمجلس التي عقدت في مسقط العاصمة في الفترة 27 ـ 29 نوفمبر عام 1985م، توصل قادة دول الخليج العربية الى تصور استراتيجية للدفاع بين دول المجلس، ووضع برنامج زمني لتنفيذ مختلف مجالات وانشطة التعاون الاقتصادي، وكذلك وضع استراتيجية موحدة للتنمية الصناعية.
واثر عودة الشيخ جابر الاحمد الى ارض الوطن كان له تصريح صحفي حول ما دار في اجتماعات المجلس من حوارات، وما اتخذ من قرارات، مشيراً الى ان: «... لقاء الاخوة في مسقط له اهميته البالغة، اذ انه يتزامن مع ظروف صعبة، تمر بها منطقة الخليج، تتطلب التباحث والتنسيق، واتخاذ مواقف موحدة تجاه القضايا كافة والتحديات الطارئة التي تواجهها المنطقة. فالوضع في منطقة الخليج اصبح اكثر تعقيداً بسبب استمرار الحرب العراقية الايرانية التي مضت عليها ست سنوات، ونتج عنها الكثير من الدمار، مما يستدعي تكثيف الجهود والمساعي لوضع حد لهذه المأساة..».
واضاف قائلاً: «... واتفق الاخوة الرؤساء على ان تظل منطقة الخليج بعيدة عن التدخلات كافة التي تؤثر على استقرارها، وامنها، كما تم الاتفاق على السير قدماً في مجالات التعاون المختلفة الاخرى، وتذليل كافة الصعاب التي تعترض طريق التماسك والتلاحم بين بلدان المنطقة وشعوبها..».
مؤكداً على :«... ان ترابط بلدان مجلس التعاون الوثيق، اخذت اهميته تبرز وتزداد باستمرار، نظراً لشعور هذه المنطقة بالمصير الواحد.. هذا الشعور الذي اصبح حقيقة واقعة على المستوى الرسمي والشعبي، بحيث اخذ المواطن الخليجي يشعر بأهمية المواقف الموحدة وبضرورة التعاون المشترك، واخذ يدرك ان استقرار هذه المنطقة وازدهارها يأتي اولاً، وقبل كل شيء مع شعوره ووعيه بأهمية التعاون الوثيق بينه وبين اشقائه في بلدان الخليج العربي الاخرى..و.
وفي الدورة الحادية عشرة للمجلس، التي عقدت في الدوحة العاصمة في الفترة من 22 ـ 25 ديسمبر عام 1990م، والتي تزامنت مع العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت الذي كان خطوة اولى للزحف على منابع النفط بدول المجلس واحتلالها.
في هذه الدورة تدارس المجلس الوضع الخطير في المنطقة، الناجم عن تهديد النظام العراقي لامن وسلامة الدول الاعضاء، وما شهدته الساحة الكويتية في ظل ذلك الاحتلال الآثم من سفك لدماء الابرياء من شعب الكويت، والمقيمين فيها، وتشريدهم، وسلب ممتلكاتهم، وانتهاك حرماتهم في محاولة جائرة لطمس الهوية الكويتية، والغاء كيانها. كما تدارس المجلس افرازات هذا العدوان والاحتلال، وتداعياته، ونتائجه الخطيرة على امن واستقرار منطقة الخليج العربي، والامن والسلم الدوليين.
وقد اكد المجلس وقوف الدول الاعضاء، حكومات وشعوباً بكل قوة واصرار مع دولة الكويت في محنتها، ومساندتها المطلقة، وتضامنها التام مع شعبها وحكومتها في جهادهما حتى التحرير الكامل.
وقد اشاد المجلس بشعب الكويت الصامد الرافض للاحتلال والمتمسك بقيادته وحكومته الشرعية... ذلك الموقف الوطني الرائع الذي نال اعجاب الاسرة الدولية.
وقد اعتبر المجلس ان اي اعتداء على اي دولة عضو هو اعتداء على جميع الدول الاعضاء، وان امن دول المجلس كل لا يتجزأ، وان عدوان النظام العراقي على دولة الكويت هو عدوان على دول المجلس كافة.
ومن هذا المنطلق الوحدوي والتضامني، دعا المجلس النظام العراقي الى المبادرة فوراً بسحب قواته من جميع الاراضي الكويتية، دون قيد او شرط، لتعود اليها السلطة الشرعية، وكذلك الذين شردوا من شعب الكويت. هنا، حمل المجلس النظام العراقي مسؤولية التعويض عن جميع الخسائر والاضرار الناجمة عن عدوانه.
من جانب آخر، اقر المجلس في دورته المذكورة تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية للدول الاعضاء. كما قرر في الوقت ذاته انشاء برنامج لدعم جهود التنمية في الدول العربية، والاسلامية بهدف تشجيع الانفتاح الاقتصادي، والتوجه نحو اقتصاديات السوق، وتحسين الاداء الاقتصادي العربي، وحشد الدعم الدولي لعملية التنمية العربية من خلال مؤسسات التمويل الدولية، ووكالات المساعدات الانمائية الوطنية لصالح برامج التنمية للدول العربية.
وفي ختام الدورة صدر عن المجلس اعلان اطلق عليه «اعلان الدوحة»، متضمناً القرارات الصادرة عن المجلس، والتي تؤكد في مجملها للعالم وللاسرة الدولية الرفض الجماعي لذلك الاسلوب البربري الذي سلكه النظام العراقي تجاه دولة كاملة السيادة، وعضو في الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وعضو في جامعة الدول العربية ومؤسساتها، وعضو في مجلس التعاون الخليجي، ومنظمة المؤتمر الاسلامي . مطالبة اياه بالانسحاب الفوري من كل شبر على ارض الكويت، وتحمله المسؤولية الكاملة تجاه الاضرار التي لحقت بالكويت وشعبها، والمقيمين الذين كانوا يعيشون على ارضها.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:03 AM
وتتحرر الكويت من يد الظلم والطغيان العراقي، لتعقد الدورة الثانية عشرة للمجلس الاعلى لمجلس التعاون في رحاب ارضها المحررة خلال الفترة من 23 ـ 25 ديسمبر عام 1991م، حيث تدارس المجلس التطورات الاقليمية في منطقة الخليج على ضوء تحرير دولة الكويت واستعادتها لحريتها واستقلالها وسيادتها.
وقد عبر المجلس عن اعتزازه بروح التضامن الاخوي والتآزر المبدئي فيما بين دوله، وسجل باكبار وقوف مواطني دول المجلس وقفة تؤكد عمق الانتماء والترابط، ووحدة المصير بين افراد الاسرة الخليجية. كما اشاد المجلس بمساندة الدول الشقيقة والصديقة التي وقفت الى جانب الحق والعدل، ومبادىء القانون الدولي، مؤكداً على ضرورة تنفيذ العراق لكافة بنود القرار 687 وشروط وقف اطلاق النار.
هذا، وقد صدر عن المجلس في ختام اعماله اعلان سمي «باعلان الكويت»، متضمناً القرارات التي تم التوصل اليها خلال مداولاته ومناقشاته.
وكان للشيخ جابر الاحمد كلمة في افتتاح اعمال دورة المجلس، جاء فيها: «... الكويت تستقبل اليوم قادة مجلس التعاون الخليجي في ظلال ممدودة لروابط قديمة وحديثة. وعلائق اصيلة ومتجددة، ضرب الماضي بأصولها في الاعماق، ومد الحاضر فروعها في الآفاق، وينتظر المستقبل المزيد من اثمارها، والكويت المحررة تضم اليوم بين ثناياها اخوة بررة، تجرعوا معها مرارة المحنة، وتحملوا من أجلها الكثير حتى انزاح البلاء وتحقق النصر».
ثم يمضي مؤكدا: «سوف يسجل التاريخ لشعوب مجلس التعاون ان شعاراتها كانت مبادىء، وان مقولاتها تحولت الى وقائع، ولئن ارتابت أجيال أمتنا المعاصرة بكثير من الشعارات المطروحة، والمقولات المعلنة بسبب مواقف البعض المتباينة، وممارساتهم المناقضة، فقد اعادت المواقف الخليجية اثناء المحنة الكويتية كثيرا من الثقة الى نفوس اجيالنا، بان الاخاء بين شعوبنا حقيقة شعورية، لها براهينها الموضوعية.
ويضيف، فيقول: «ان انعقاد هذه القمة على ارض الكويت ـ وفي هذه الآونة بعد التحرير ـ يفصح عن مضامين عديدة، منها: الوحدة بين بلادنا وشعوبنا، والروابط الثابتة بينها وبين اصولها العربية وانتمائها الاسلامي، والعلاقات المتجددة بالدول الصديقة في العالم كله. فان التغييرات المتسارعة، والعلاقات المتشابكة في العالم من حولنا، تفرض علينا مواجهتها واتخاذ الخطوات المناسبة للتعامل معها، واضعين نصب اعيننا ان تتفق جميع خطواتنا مع مبادئنا الثابتة التي يفرضها علينا ديننا الحنيف وتاريخنا العربي».
لا شك في ان للشعوب قيمة عظيمة في المنظومة الفكرية للشيخ جابر الاحمد، لان الشعب هو عماد المجتمع وصانع تاريخه، من هنا، وامام قادة دول مجلس التعاون، كان له الوقفة التالية: «ان اللقاء بيننا، هو تعبير عن إرادة شعوبنا، وصياغة عملية للروابط الثابتة بينها. ومن ثم فان موضوعات هذا اللقاء ونتائجه، مبعثها وغايتها هي هذه الشعوب.. هي هذه الامال التي تطمح اليها قلوبهم، والتطلعات التي تستشرفها نفوسهم والحاجات التي تمتلىءء بها صدورهم والتي تتلخص في مزيد من روابط اوثق. ووشائج اصفى واعمق، وحياة كريمة حرة، تقوم على العدالة، وتهدف الى الرخاء، وتسودها الثقة في مستقبل آمن، لاجيال لا يتهددها الخوف، ولا يعصف بها الفزع، ولا تزيغ بخطواتها الريب».
وفي الجلسة الختامية كان للشيخ جابر الاحمد رئيس الدورة كلمة اخرى، عبر فيها باسم شعب الكويت وقيادته عن شكره وتقديره لقادة دول مجلس التعاون، متمنيا لهم ولشعوبهم كل الخير والرفعة والازدهار، منوها بالنوايا الخيرة، والآراء النيرة والعمل الدؤوب الذي واكب اعمال الدورة، مؤكدا ومعلقا على طبيعة اللقاء بانه: «كان لقاء نبيل المقاصد، كريم الغايات، لم يشغله علاج الحاضر بمطالبه الملحة ومشكلاته القائمة عن النظرة للمستقبل، والتخطيط لمواجهة احتمالاته، ليتحقق لنا مكان فيه يليق بنا وبطموحات شعوبنا. كما انه لم تنسه همومه حق امته العربية والاسلامية عليه في الاهتمام بقضاياها المركزية، بل وحق البشرية عليه في الاسهام المادي والحضاري لخدمة الانسان وتخفيف معاناته».
وفي البيان الختامي لاعمال الدورة الرابعة عشرة للمجلس، التي عقدت في الرياض في الفترة من 20 ـ 22 ديسمبر عام 1993م، ادان قادة دول المجلس النظام العراقي بشدة لممارسته سياسة انتقائية في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وأكدوا على اهمية التزام العراق بالقرارات الدولية ذات الصلة في عدوانه على دولة الكويت، ومن بينها ضرورة اعترافه بالترسيم الحدودي بين البلدين، واطلاق سراح الاسرى والمرتهنين، والكف عن تهديداته وادعاءاته بالكويت.
وجدد البيان دعوة مجلس الامن لمواصلة جهوده لالزام النظام العراقي بتنفيذ قرارات مجلس الامن ذات الصلة بعدوانه على دولة الكويت، والكف عن ممارسته التي تمس سيادتها واستقلالها.
وكان الشيخ جابر الاحمد قد ادلى بتصريح صحفي لدى وصوله الى الرياض، اشار فيه الى: «ان اّمال شعوبنا، وهي كثيرة ومنوعة، تتركز في ضمان حياة آمنة، يمكن من خلالها العمل بطمأنينة وثقة بعيدة عن التوترات والمخاوف لبناء مستقبل زاهر لدولنا، يصاحب ذلك طموحات شعوبنا في مزيد من التلاحم بينها من خلال تعاون وثيق وتلاحم اكثر، اضافة الى اتخاذ ما يناسب المواقف المبدئية المنوطة بنا جميعا تجاه امتنا العربية والاسلامية. ولدي امل كبير في تحقيق خطوات ايجابية ناجحة تتمشى وطموحات شعوبنا».
وفي حديث امام مجلس الوزراء الكويتي بتاريخ 25 ديسمبر عام 1993م نوّه بالكلمة الشاملة التي القاها خادم الحرمين الشريفين في افتتاح اعمال المجلس، قائلا: «انها ترجمت اهتمامات ابناء دول مجلس التعاون واولوياتهم، وعبرت بصدق عن مشاعر الكويتيين، وجاءت استمرارا للوقفة التاريخية الشجاعة للمملكة الشقيقة في نصرة الحق الكويتي».
مشيدا بالدعم المطلق الذي اعطته القمة لدولة الكويت في مواجهة محاولة الالتفاف العراقي على الشرعية الدولية.
وفي الدورة الخامسة عشرة التي عقدت في المنامة في الفترة من 19 ـ 20 ديسمبر عام 1994م، تدارس المجلس خلالها التطورات الاقليمية ومسار تنفيذ العراق لقرارات مجلس الامن ذات الصلة بعدوانه على دولة الكويت. وفي هذا السياق ـ ايضا ـ تابع المجلس قرار العراق الاعتراف بسيادة دولة الكويت، وسلامتها الاقليمية، وحدوده الدولية معها وفقا لمتطلبات القرارين 687 و833، وقد اعتبر المجلس هذا القرار خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو تنفيذ العراق لقرارات مجلس الامن ذات الصلة كافة.
وفي رسالة مسهبة للشيخ جابر الاحمد في ديسمبر عام 1994م الى اخوانه قادة دول مجلس التعاون اشار فيها الى ان قيام مجلس التعاون عام 1981م كان حالة من الاحساس بالاخطار قبل وقوعها، وادراكا لفاعلية التقارب والتعاون. وان انشاء المجلس جاء بارقة امل احيت اماني وطموحات شعوب المنطقة، منوها بان اطرافا معينة ما فتئت تكيد لمجلس التعاون الخليجي منذ قيامه، وذلك من أجل عرقلته واضعافه تمهيدا لتصفيته.
مشيرا الى رياح التغير التي تجتاح دول العالم، وعلى وجه الخصوص دول العالم الثالث ومن بينها منطقتنا. وانه لا بد لنا ان نكون على درجة من الوعي والادراك تؤهلنا للتكيف مع المرحلة التي نعيشها.
مؤكدا في هذه الرسالة على ان: «وحدة الاعراف، والعقيدة، واللغة والتاريخ، واتحاد الاقليم، وحرمة الجوار، والقيم العربية، وتشابه الملامح النفسية والاجتماعية والاقتصادية لشعوبنا، فضلا عن الروابط الشخصية بيننا جميعا، كلها، بحمد الله، وشائج تقرب، تدني ولا تقصي، تجمع ولا تفرق، من اجل ذلك، فان اي فكرة تسنح لأحدمنا وتحقق صالح دولته وشعبه هي في الوقت نفسه فكرة لصالح جميع دولنا في مجلس التعاون الخليجي، وما من فكرة تخطر لي الا وانا موقن ان مثلها ـ بل وخيرا منها ـ موجود لديكم ولدي بقية اخوتنا الاعزاء قادة دول مجلس التعاون، وعلى ذلك فقد آثرت ان اعرض ما يجول في خاطر من افكار يطول تردادها في ضميري لثقتي التامة بان هذه الافكار سوف تجد من بصيرتكم وخبرتكم مدى اوسع، وغورا اعمق، وتفهما لمستقبلنا ومستقبل اجيالنا».
ويمضي في رسالته، فيقول: «وقد شاءت إرادة الله ـ جلت حكمته ـ ان نعيش في بقعة مهمة حساسة من بقاع الارض، ضم باطنها موردا حيويا تقوم عليه صناعات العالم الرئيسية في البلدان والدول التي تتصدر قيادة العالم، بل تعتمد عليه حياة شعوبها ورقيها وازدهارها، مما يفرض علينا وضعية بالغة الخصوصية، ولكن الخطر الاكبر ان لدينا على مد اليد اخطارا متربصة، يجب ان نعمل لها الف حساب، سواء أكان ذلك في وقتنا الراهن أم المستقبل فالتهديدات تتكرر بين حين وآخر، ولا تخفي هذه التهديدات الطمع في الاستيلاء على الارض وثرواتها، او تدمير كل ما تم تحقيقه من الانجازات لابناء أجيالنا الحاضرة والمستقبلية».
ويضيف قائلا: «انني انظر الى عالمنا اليوم فاذا معظم الدول فيه قد شعرت بان الانفرادية والانعزالية لا تتلاءم والظروف العالمية المتغيرة، فاخذت دول عديدة في مناطق مختلفة من العالم تنشىء فيما بينها الاتحادات والمجموعات بشكل او بآخر، ضمانا لحاضرها ومستقبلها، وتطلعا الى تحقيق المزيد من الرخاء والازدهار لشعوبها، ان كثيرا من هذه الدول قد انتظم في اشكال من التنظيمات السياسية او التجارية او الاقتصادية، بل وخططت بعض هذه المجموعات لالغاء الكثير من الشكليات والحواجز التي تعوق تلاحمها، او تعرقل التقارب بينها لتجعل مجتمعاتها اكثر اندماجا، وايسر حركة، واقوى فاعلية».
وتأتي دعوته واضحة من اجل ايجاد شكل من اشكال الوحدة الخليجية، فيقول: «واذا كان النظر، بناء على تجارب جرت في امريكا اللاتينية والقارة الافريقية، يجعل تأييد جميع القوى الاجتماعية، في كل دولة من الدول التي تقيم بينها اتحادات او منظمات اقليمية، شرطا لنجاح هذه الاتحادات وتلك المنظمات، فان لدينا في دول مجلسنا مسألتين: اولاهما ايجابية وهي وحدة السمات الاجتماعية، وتقارب الظروف الموضوعية الاخرى لشعوب مجلسنا الخليجي، وهي ظروف مواتية تسهل لنا بدرجة كبيرة التفاهم والتطابق في تحقيق هذه الطموحات والامال. التي ستعزز الثقة والطمأنينة في قلوب ابناء الخليج. واخراهما بحاجة الى توجيه وتربية وتأصيل، وهي الايمان بجدوى الوحدة الجزئية من خلال اتحادات ومنظمات محددة المجال، مع السعي في الوقت نفسه الى اشعاء جميع الفئات الاجتماعية في بلداننا بجدوى ملموسة لصالحهم، تعينهم على قبول بعض التضحيات، او تحمل مرارة الحق، كما قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:04 AM
لم تكن الدورة السابعة عشرة لاجتماعات المجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي عقدت في مدينة الدوحة خلال الفترة من 7 ـ9 ديسمبر عام 1996م، اقل حماسا عن غيرها من دورات المجلس في الدفاع عن الحق الكويتي، فقد اعرب البيان الختامي الذي صدر عن اجتماعات المجلس عن الاسف البالغ لاستمرار حكومة العراق في سياسة المماطلة حيال تنفيذ جوانب أساسية في التزاماتها الدولية، وفي مقدمتها استكمال ازالة اسلحة الدمار الشامل، والافراج عن الاسرى والمرتهنين من مواطني دولة الكويت والدول الاخرى، والالتزام بآلية التعويضات، واعادة جميع الممتلكات الكويتية، والامتناع عن القيام باي عمل عدواني او استفزازي للدول المجاورة، امتثالا لقرار مجلس الامن رقم .949
كما اعرب البيان عن قلقه الشديد ازاء استمرار الحكومة العراقية في اخفاء اسلحة خطرة وفتاكة، واعاقة اعمال مهمة للجنة الخاصة التابعة للامم المتحدة المكلفة بازالة اسلحة الدمار الشامل العراقية، مؤكدا دعمه المستمر لجهود اللجنة الدولية.
لقد قدرت الكويت هذا الموقف الاخوي الملتزم، وبدا ذلك واضحا في كلمة الشيخ جابر الاحمد التي القاها في الجلسة الختامية لاعمال الدورة نيابة عن اخوانه قادة دول الخليج، جاء فيها بين امور اخرى: «لقد منّ الله ـ تعالى ـ على دولنا بكثير من الخير، واعلى ذلك واكثره بركة نعمة الاخاء بين شعوبنا، التي قربت بينها الحياة الاجتماعية الواحدة لقرون متتابعة، فضلا على روابط الاعراق والاوطان واللغة والدين، ثم كان من صنع الله لنا ما اتسمت به قياداتنا من الحكمة والرفق وايثار الصالح العام، مما جعل ما بيننا من روابط تمتد وتترسخ، فتزداد المحبة والاخاء، وتنمو المودة والصفاء واصبحت منظومة مجلس التعاون مضربا للمثل في التعاون بين الدول الهادفة الى خير الشعوب وصالحها المشتركة».
كما بدا ذلك واضحا في تصريحه الصحفي، اثر عودته الى أرض الوطن، من اشادة بالحوار البناء، وبروح الاخوة والتفاهم اللذين سادا اعمال الدورة، معبرا عن تقديره واعتزازه لما انتهت اليه الاجتماعات من قرارات مهمة، وبما اكده قادة دول المجلس من قلق ازاء استمرار النظام العراقي في مماطلته في تنفيذ قرارات مجلس الامن كافة. بدءا من اطلاق سراح الاسرى والمرتهنين، ومرورا بالتعاون مع اللجنة الخاصة المكلفة بازالة اسلحة الدمار الشامل، والالتزام بآلية التعويضات واعادة الممتلكات الكويتية، الى جانب الامتناع عن ممارسة اي تهديد او عمل عدواني او استفزازي لجيرانه، وكذا ما اكده البيان الختامي من مسؤولية النظام العراقي وحده تجاه المعاناة التي يعيشها سعب العراق.
وفي لقاء جديد على ارض الكويت عقدت الدورة الثامنة عشرة خلال الفترة من 20 ـ 22 ديسمبر عام 1997م، وكان للشيخ جابر الاحمد ـ رئيس الدورة ـ كلمة في الجلسة الافتتاحية، قال فيها:
«وبالامس القريب، الذي ما زالت اثاره قائمة، تصدى هذا المجلس لأعتى ضربة مخربة، ونجح في صدها، وما زال يعالج جراحها. والامر الثاني: ان اعباء العمل الجماعي من خلال مجلس التعاون الخليجي، ظلت منذ البداية والى الان، معصوبة في معظمها برؤوس القادة، معتمدة على حكمتهم، تتقدم رويدا رويدا، تضبط الاناة خطواتها، وتكف من غلوائها حتى تتبع الخطوة سابقتها، مؤمنين ان الحركة الوئيدة الى الامام، انجح الف مرة من هرولة تضطرنا الى الارتداد او التوقف. وكان دور الشعوب في تلك الفترة، مفعما بالحماسة مليئا بالطموحات والاحلام، تغلب عليه «الفزعة» العربية المعروفة، دون فلسفة متبلورة للعمل الجماعي، حتى تتحقق ثمراته للمجموع. وعلى المدى المستمر».
ويمضي قائلا: «ان حروب المصالح اليوم اعتى عتوا وأشد ضغطا وأشرس فعلا من حروب الجيوش. فحرب المصالح تعني الاستئثار بالمنافع الى اقصر درجة ممكنة. وجنود حرب المصالح واسلحتها تسعى الى الاستيلاء على العقول والنفوس قبل الاستيلاء على المواد والمنافع، فهناك الاعلام الذي غدا يندس الى اعمق اعماق القلوب، وهناك التكنولوجيا التي يعني تطورها اليومي تكثيفا لقوى قاهرة وقدرات مهيمنة، وهناك الارهاب، الذي يبدو انه صناعة محكمة، لا يدري احد من مفردات سفرتها الا القليل، وهناك التناقضات التي لا يخلو منها مجتمع، والتي غدت كقنابل موقوتة، يلعب بها القادرون على ملئها، وعلى دقة توقيتها».
ويستطرد مؤكدا: «ان مفهوم الامن لدى شعوبنا ودولنا، ومهما تختلف الاجتهادات في توصيفه، يرتكز على حماية دولنا، وصيانة مجتمعاتنا، والمحافظة على ثرواتنا. وليس خافيا ان مكامن الخطر ومصادر التهديد لا يمكن تجاهلها ولا اغفال مصادرها فهي موجودة مهما بعدت. ومن ثم فانه لا بد لنا من التاكيد على تحقيق مبدأ الدفاع الجماعي والبناء العسكري الشامل لقدراتنا، لنتمكن من التصدي للاخطار».
ويتجدد لقاء المجلس في دورته التاسعة عشرة في رحاب دولة الامارات العربية المتحدة في الفترة من 7ـ9 ديسمبر عام 1998م، لدراسة جملةمن الامور اتفقت عليها جميع الاطراف في مقدمتها تطور الاوضاع السياسية والامنية في المنطقة. شارك الشيخ جابر الاحمد في اعمال الدورة بفاعلية ومسؤولية كعادته في الدورات السابقة. وما تصريحه الصحفي الذي ادلى به لدى وصوله الى ابو ظبي الا انعكاس مسبق للاهمية البالغة التي اولاها للقاء.. ذلك التصريح الذي جاء فيه: «ان منطقتنا التي تمثل بموقعها محطة جذب عالمي بحاجة دائمة الى التعامل الديناميكي والمتجدد وفق تغيرات الروابط الدولية، فضلا عن خصوصية العلائق داخل الاقليم، وضمن المنظومة العربية والاسلامية، والمنظمات العالمية».
ويمضي في تصريحه الصحفي: «ومن ثم فان لقاءنا، في هذه القمة التاسعة عشرة، هو احد السبل التي تعبر عن موقف موحد يضمن لنا ما تصبو اليه كل الشعوب من الاستقرار والرخاء، كما ان الحوار بين الاخوة القادة، وتبادل المشورة، ومناقشة وجهات النطر نهج لنا دائم ومستمر».
وفي مثل هذه اللحظة لم ينس ان يشير الى آماله وتطلعاته المستقبلية لمسيرة المجلس، حين يقول: «وفي هذه القمة يحدوني الامل في ان تسهم القرارات التي نتوصل اليها في تلبية بعض طموحات شعوبنا، مع ثقتي بان الرئاسة الحكيمة للقمة التي يتولاها اخي الشيخ زايد بن سلطان، سيكون لها اثر واضح في مسيرة الحوارات وعلاج المسائل المطروحة باذن الله».
ولدى وصوله الى ارض الوطن عائدا من رحلة الخير والعمل، ادلى بتصريح صحفي جسد فيه روح التعاون والتضامن الذي ساد اعمال دورة المجلس، وما دار فيها من مناقشات وحوارات ايجابية، حين قال: «كان لقاؤنا الخليجي ـ كما هو معهود ـ لقاء مفيدا للغاية تبادل فيه الاخوة قادة دول الخليج العربية الآراء والافكار حول الاوضاع والشؤون المحلية المشتركة بصراحة ووضوح، وبروح اخوية مخلصة، عكست عمق الترابط وقوة التلاحم، والرغبة الاكيدة في تعزيز وتقوية اواصر الاخاء والتعاون».
وفي هذا السياق أكد الشيخ جابر الاحمد على اهمية الدور الذي يلعبه مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مسيرة السلام والتعاون الدولي، حين يشير: «ولقد أظهرت القمة لاالخليجية التاسعة عشرة ما يحتله مجلس التعاون الخليجي من مكانة مهمة في المجال الدولي، وذلك لما يحضره من ضيوف، وما توجه اليه من رسائل من الدول الكبرى، ولا شك في ان هذا يمثل تقديرا للدور البناء الذي يضطلع به على الساحة الدولية، وما يتبناه من اهداف خيرة تعمل على اشاعة السلام والتفاهم والتعاون لخير الجميع».
وكعادته في مثل هذه المناسبات المهمة، ترأس الشيخ جابر الاحمد اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء بتاريخ 12 ديسمبر 1998م حضره رئيس مجلس الامة الكويتي ووزير شؤون الديوان الاميري الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح حيث قام بتقديم عرض وشرح للقضايا والموضوعات التي تم بحثها في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي تمت في مناخ مفعم بروح الاخوة الصادقة، وروح المسؤولية والتفاهم التي ترجمت الوعي المشترك بحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها دول المجلس في ظل التطورات والمتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وما تستلزمه من خطوات جادة تعكس عمق الروابط، وقوة التلاحم بين دول المجلس وتجسد وحدة الهدف والمصير المشترك لابنائه كافة.
وفي البحرين وخلال يومي 30 ك 31 ديسمبر عام 2000م صدر عن الدورة الحادية والعشرين للمجلس الاعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اعلان «اعلان المنامة» تضمن تسعة بنود، اعتبرها المراقبون مؤشرات مستقبلية جادة نحو الوحدة الخليجية المرتقبة، وهي:
اولا: تعزيز وتقوية مسيرة مجلس التعاون بمزيد من التنسيق والتعاون والترابط والتكامل، وذلك بتبني استراتيجية موحدة، في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية والاجتماعية والاعلامية والثقافية والعلمية، قوامها وحدة الهدف والمصير المشترك.
ثانيا: ترسيخ مبدأ الامن المشترك لدول المجلس بتعزيز التعاون والتنسيق في القضايا الامنية والدفاعية حماية لامنها القومي والاقليمي، وحفاظا على استقلال دولها وسيادتها ووحدة اراضيها في اطار مبادىء اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس والالتزام بها.
ثالثا: حث الخطى لاقامة الاقتصاد الخليجي الموحد، الذي لا يمكن ان يظل بعيدا عن تأثيرات الاقتصاد العالمي لتمكينه من التعامل مع الكيانات الاقتصادية الكبرى، وذلك من خلال اعادة النظر في الانظمة والقوانين الاسترشادية لتحويلها ـ بعد تقييمها ـ الى انظمة وتشريعات جماعية، وفق قاعدة عامة. وفي اطار زمني محدد.
رابعا: اعطاء الاولوية في المرحلة المقبلة من مسيرة التعاون للقطاعات الاقتصادية، تمشيا مع ما يسمى بالاقتصاد الجديد القائم على المعرفة والتقنية، وخصوصا قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الالكترونية، حيث يتوقع ان تشكل هذه القطاعات في المستقبل مصدرا مهما من المصادر الرئيسية للنمو الاقتصادي، الامر الذي يحتم سياسات واجراءات من شأنها اعطاء دول مجلس التعاون السبق والميزة النسبية في استقطاب وتوطين هذه الانشطة الاقتصادية والتجارية.
خامسا: تعزيز استقرار اسعار صرف عملات دول مجلس التعاون، وذلك من خلال الاتفاق على مثبت مشترك لعملات دول المجلس، وتنسيق السياسات المالية والاقتصادية والنقدية تمهيدا للوصول الى العملة الموحدة لدول المجلس، وقيام الاتحاد النقدي فيما بينها.
سادسا: النظر في تسريع برنامج قيام الاتحاد الجمركي، وتوحيد التعرفة الجمركية بين دول مجلس التعاون التي تم الاتفاق عليها في القمة العشرين بالرياض، والتعجيل كذلك بقيام السوق الخليجية المشتركة.
سابعا: التنسيق فيما بين دول المجلس لدراسة الالتزامات والتعهدات التي تقدمت بها دول المجلس الى منظمة التجارة العالمية، ضمن الاتفاقات التي تضمنها المنظمة ووضع آلية مناسبة، وجدول زمني مناسب للبدء في تطبيق تلك الالتزامات فيما بين دول المجلس.
ثامنا: دراسة امكانية استحداث آليات فعالة، يناط بها تسوية المنازعات التي تحيلها اليها الدول الاعضاء المعنية فيما يتعلق بتطبيق الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول المجلس، والقرارات الصادرة عن المجلس الاعلى في الشؤون الاقتصادية واعطاء دور اكبر لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون.
تاسعا: اعادة النظر في اعتماد اسلوب الاجماع بشان اتخاذ القرارات الاقتصادية، وذلك بعد ان قطعت دول المجلس شوطا كبيرا في مسيرة التعاون المشترك.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:04 AM
وفي تصريح صحفي للشيخ جابر الأحمد أمير دولة الكويت، لدى وصوله الى منفذ النويصيب الحدودي بين الكويت والمملكة العربية السعودية، وصف فيه اتفاقية الدفاع المشترك، التي وقعها قادة دول مجلس التعاون الخليجي في ختام قمة المنامة، بانها انجاز تاريخي، وخطوة عملية رائدة في تكاتف وتلاحم بلدان المجلس وشعوبها ضد كل المخاطر والتهديدات التي قد يتعرض لها امنها واستقلالها وسيادتها.
وفي هذا السياق اضاف قائلا: «لقد اثبتت الاحداث، ان التعاون والتماسك بين دولنا وشعوبنا الشقيقة، هما ضمان قوي لامننا واستقرارنا وخاصة في عالم نرى فيه ان لا خيار لنا الا تعزيز التعاون وتقوية روابط الاخاء فيما بيننا والاحداث المتسارعة تفرض علينا ضرورة التباحث والتشاور المستمر لاختيار الاسلوب السليم،والمنهج الصحيح إزاء كل ما يستجد على الساحة الخليجية». كما تعرض امير دولة الكويت في تصريحه الصحفي الى الامور الاقتصادية والاوضاع النفطية في العالم، مؤكدا على ضرورة التنسيق الدائم بين دول المجلس في هذا الشأن، وتبني سياسة موحدة لمواجهة ما يطرأ في السوق العالمية من اتجاهات وتطورات.
سموه كان أكثر قادة الدول العربية حزناً وألماً على المحن التي كانت تصيب الشعب الفلسطيني الأمير أولى القضايا العربية أولوية قصوى بطريقة ليست مرضية لأوروبا وأمريكا
الحلقة التاسعة عشر

لقد كان الشيخ جابر الاحمد ـ دائماً وابداً ـ ذا توجه ديمقراطي في تعامله مع القضايا والاحداث، سواء أكانت داخلية ام خارجية، كما انه شديد النزوع نحو الاخذ بالممارسات الشعبية، وتأكيد دورها في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهو ايضاً من المؤمنين اشد الايمان بأن النشاط الحكومي يظل ناقصاً اذا لم يسانده ويؤازره دعم ومشاركة اهلية. وهذا ما جعله ـ باستمرار ـ يدفع مؤسسات المجتمع المدني قدماً الى الامام لكي تساهم كشريك فاعل في بناء كويت المستقبل.
يقول في كلمة له في العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1411 هـ الموافق 7 ابريل عام 1991م :«... ان الشورى والمشاركة الشعبية في أمور البلاد كانت من طبيعة الحياة في بلدنا...».
كما يشير فى كلمة اخرى له في افتتاح دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي السابع لمجلس الامة الكويتي في 29 اكتوبر عام 1994م الى انه: «.... من خلال تجربتنا الديمقراطية، اشعر، وتشعرون ان تلاحم الطاقات والدراسة الموضوعية للمسائل المطروحة، والحوارات الجادة البعيدة عن المصالح الذاتية والمنافع الشخصية، ووضع مصلحة الكويت فوق اي اعتبار، هو السبيل الاقوم، والمنهج الاسلم، لخدمة الوطن والمواطنين...».
هذه الرؤية الديمقراطية للمشاركة الشعبية، ودورها في بناء الوطن، وضمان سلامة المجتمع لم تقف عند حدود الكويت، بل حملها الشيخ جابر الاحمد في فكره ليطرحها نقية صافية صادقة امام اخوانه قادة دول مجلس التعاون في لقاءاتهم الدورية، خاصة ما جاء في الرسالة التي وجهها اليهم في ديسمبر عام 1994م، والتي اكد فيها ـ بين امور اخرى ـ على ضرورة العمل كي تتلاحم الارادة الشعبية بالجهود الرسمية لدفع مسيرة العمل الخليجي المشترك قدماً الى الامام، وتحقيق المزيد من المكاسب الوطنية.
مشيراً الى تجارب وحدوية جرت في مناطق اخرى من العالم رغم اختلاف العادات وتباين اللغات. وان تطابق السمات الاجتماعية بين شعوب مجلس التعاون يسهل بدرجة كبيرة تحقيق مثل هذه الطموحات، والامال التي ستعزز الثقة في قلوب ابناء الخليج، وتجعل الايمان بجدوى الوحدة الجزئية من خلال اتحادات ومنظمات محدودة المجال حقيقة واقعة.
وفي الدورة السابعة عشرة للمجلس الاعلى التي عقدت في الدوحة في ديسمبر عام 1996م، كان الشيخ جابر الاحمد في تلك اللحظات يسعى بفكره لان يكمل مجلس التعاون مقوماته بصفته مؤسسة دستورية جماعية، وكان لابد له من ان يتقدم بخطوة عملية في هذا الاتجاه، حين تقدم باقتراح لانشاء مجلس استشاري شعبي يكون رديفاً للمجلس، وهو ـ بلا شك ـ اقتراح حضاري يقوم على دعم الدور الشعبي والمبادرة الشعبية من اجل دفع مسيرة مجلس التعاون خطوات الى الامام، وخلق حالة من التفاعل الرسمي والشعبي لصالح دول المجلس.
ان هذا المقترح الذي تقدم به الشيخ جابر الاحمد يدل على قناعته الراسخة بأهمية الدور الشعبي وضرورة افساح المجال له لكي يعمل. كما ان موافقة قادة دول المجلس على هذا الاقتراح الحضاري لمناقشته في دورة قادمة، انما يدل كذلك على اقتناعهم بالدور الذي تلعبه الشعوب من خلال ممثليها، وهذا في حد ذاته يمثل نظرة اهتمام وتقدير حيال شعوبهم.
وجاء البيان الختامي للدورة الثامنة عشرة، التي عقدت في الكويت خلال الفترة من 20 ـ 22 ديسمبر 1997م، معلناً حرص المجلس على تعزيز دور المواطن في تفعيل مسيرته، متخذاً اول خطوة عملية في هذا الاتجاه، حين قرر انشاء هيئة استشارية من مواطني دول المجلس ذوي الخبرة والكفاءة، تتولى ابداء الرأي والمشورة فيما يحيله المجلس الاعلى اليها من امور.
وهكذا، وجد المقترح الذي تقدم به الشيخ جابر الاحمد طريقه الى التنفيذ بصدور النظام الخاص بالهيئة وفقا لاحكامه، عدد الأعضاء بثلاثين عضواً يختارون من مواطني دول المجلس على اساس الخبرة والكفاءة، وبواقع خمسة أعضاء من كل دولة. وان للهيئة ان تختار لها رئيسا لمدة عام من بين ممثلي الدولة التي تتولى رئاسة دورة المجلس، ونائباً للرئيس من بين ممثلي الدولة التي ستتولى رئاسة الدورة التالية للمجلس الاعلى.
وقد تم تشكيل الهيئة في السنة ذاتها التي تولت الكويت فيها رئاسة المجلس، وعقدت اول اجتماع لها برئاسة عبد الله يعقوب بشارة الذي تم اختياره بصفته احد ممثلي الكويت المرشحين لهذه المهمة.
لقد اولى الشيخ جابر الاحمد قضايا الامة العربية اولوية قصوى في فكره السياسي، تشهد لها الساحة العربية، ولقاءات القمم التي عقدت تحت مظلة جامعة الدول العربية. ويتجسد ذلك الفكر بوضوح عند الازمات السياسية التي تعرضت لها الامة العربية، والمحن الكبرى التي مرت بها هذه الامة، كالاعتداء الثلاثي الذي تعرضت له مصر من قبل انجلترا وفرنسا واسرائيل عام 1956م، ونكسة الامة العربية في حربها مع اسرائيل عام 1967م، وحرب تحرير جزء من الارض العربية في اكتوبر عام 1973م.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:05 AM
وكانت مواقفه على الدوام واضحة، سواء أكان من خلال طرحه السياسي اثناء المداولات في لقاءات القمة ام من خلال مقترحاته لكيفية التصدي للعدوان اينما كان مصدره، حتى باتت سياسة الكويت يوماً، في نظر بعض الدول الاوروبية والولايات المتحدة الامريكية، سياسة غير مرضية، ولم يسلم هو نفسه من هذه النظرة، والتحليل والتفسير السياسي، حين اتهم بأنه ينحى منحى يسارياً في سياسته الدولية، وكان رده حينها، بقوله: «... اهلاً بذلك اذا كان فيه سعادة لشعبي، وسعادة للامة العربية...».
وكان للقضية الفلسطينية حضور مستمر في فكر الشيخ جابر الاحمد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وكان يرفض دوماً المساومة على قضية الشعب الفلسطيني، وكانت افكاره في هذا الصدد تسبق عباراته وكلماته، وكان اعتزازه بحركة التحرير الفلسطينية اعتزازاً كبيراً، ليس لكونها نبتت على أرض الكويت وفي ظل رعايته فحسب، بل لكونها واحدة من حركات التحرر العالمي الذي كان مولعاً بالدفاع عنها، ايماناً منه بحق الانسان في الحياة وحقه الكامل في استعادة ما سلب منه.
لم يترك الشيخ جابر الاحمد فرصة او مناسبة تمس القضية الفلسطينية الا كان في صدارة قادة الدول العربية في الدفاع عن الحق الفلسطيني، بل نستطيع ان نقول: انه اكثر قادة الدول العربية حزناً والماً على المحن التي كانت تصيب الشعب الفسلطيني في الشتات. لقد كان حزنه بالغاً في ايلول الاسود، وما اصاب الشعب الفسلطيني في مخيمات اللاجئين في صبرا وشاتيلا.
وكان دوماً متضامناً مع الشعب الفلسطيني في يوم التضامن، حتى باتت مشاركته في هذا اليوم من القضايا السياسية المحورية في فكره الانساني والسياسي. وفيما يلي شيء من تلك المواقف المشرفة مع الشأن الفلسطيني على جميع المستويات، وذلك على سبيل المثال لا الحصر:
في نوفمبر عام 1979م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للأمم المتحدة بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. جاء فيها: «... لقد صمد الشعب الفلسطيني طوال ثلاثين السنة الماضية امام انواع الظلم والجحود كافة في المجتمع الانساني، وظل وحيداً يكافح ويناضل من اجل حقوقه واسترجاع وطنه. فإذا لم ينصف العالم هذا الشعب المظلوم، ويقف بجانبه حتى ينال حقوقه المشروعة، فإن مأساة الشعب الفلسطيني ستظل تعكر اجواء السلام والتفاهم بين الدول، وبخاصة في منطقة حساسة من العالم كالشرق الاوسط...».
وفي نوفمبر عام 1980م، وبمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للامم المتحدة، دعا فيها: «... الى كل محب للسلام، ونصير للحق والعدالة والحرية، وكل ذي ضمير حي نبيل الاحساس من المؤمنين بالقيم والمبادىء الاخلاقية العليا، لان يبذلوا جهوداً جادة في سبيل مساندة قضية هذا الشعب المظلوم، والعمل من اجل التوصل الى حل عادل لقضيته التي ـ وبالتأكيد ـ يشكل عدم حلها خطراً على السلام العالمي...».
وفي نوفمبر عام 1982م اكد الشيخ جابر الاحمد على ان المأساة التي عاشها الشعب الفلسطيني، اكثر من اربعة عقود مضت، تعد بحق صورة مؤلمة لتنكر المجتمع الانساني للقيم الاساسية التي يجب ان تعم هذا الكون، وتسود العلاقات بين اممه المختلفة.
وقال في الرسالة التي وجهها الى السكرتير العام للامم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: «... ان قضية هذا الشعب واجهت من الظلم والتعسف والتشويه مالم تواجهه اي قضية اخرى..».
وناشد في رسالته الشعوب المحبة للسلام والعدل كافة، وكل نصير للحق والعدالة والحرية للعمل على تضافر الجهود المخلصة لمساعدة الشعب الفلسطيني من اجل نيل حقوقه الانسانية المشروعة، حتى لا تكون مأساته عنواناً لتجاهل المجتمع الدولي والانساني لابسط الحقوق الانسانية.
وفي نوفمبر من عام 1983م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى المجتمع الدولي، من خلال السكرتير العام للامم المتحدة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، اكد فيها مجدداً تضامن الكويت الكلي مع الشعب الفلسطيني، حين قال: «... ان مأساة هذا الشعب لم يشهد عصرنا الحاضر لها نظيرا، وان الكلمات تعجز عن وصف ابعادها.. هي قضية شعب انتهكت فيها حقوق الانسان والاعراف والقوانين المرعية كافة..».
ويمضي في رسالته قائلاً: «... ان ستة وثلاثين عاماً مرت على القضية الفلسطينية، وهي تستصرخ العدالة، وما من مجيب، ولا يزال العدو جاثماً على صدور الشعب الفلسطيني يلاحقه، ويضع العراقيل تلو الاخرى للحيلولة دون حل القضية، وابقائها معلقة بين السماء والارض...».
ويدعو الامم المتحدة، والمجتمع الدولي للعمل على رفع لواء الحق والعدل والانصاف في ربوع العالم دون تمييز، بدلاً من الاخذ بيد الظالم ومؤازرته على ظلمه، وبذل كل جهد ممكن لاتاحة الفرصة للشعب الفلسطيني لتحقيق امانيه المشروعة، والعيش بسلام على ارض آبائه واجداده.
ويشدد على مبدأ العدالة، فيقول: «... ويكفي القاء نظرة واحدة على خريطة فلسطين، عند التقسيم، وعلى خطً تعيين الحدود ـ آنذاك ـ لفضح محاولات المعتدي التوسعية، فيظهر للعيان الى اي مدى تمادى في غيه دون ان يردع، عندها يتساءل كل ذي ضمير ماذا اقول لاصحاب البلاد الشرعيين؟.. اين العدالة يا ترى؟...».
وفي نوفمبر عام 1984م، وبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني اعلن الشيخ جابر الاحمد ان استمرار المشكلة الفلسطينية دون حل يشكل تحدياً للقوى الكبرى وللشرعية الدولية.
وطالب في رسالة وجهها الى السكرتير العام للامم المتحدة، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، بالعمل من اجل تحقيق حل سريع وعادل لهذه القضية.
واعرب عن امله في ان تتوج بالنجاح الجهود المبذولة لتحقيق آمال وأماني الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والكرامة الانسانية.
وبمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للامم المتحدة في نوفمبر عام 1985م، دعا فيها المجتمع الدولي والدول الكبرى الى مساعدة هذا الشعب من اجل استرداد حقوقه المشروعه على تراب وطنه، مشيراً الى الممارسات غير الانسانية لقوات الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في الاراضي المحتلة التي تتم تحت سمع وبصر الامم المتحدة والمجتمع الدولي.
ويضيف مستعرضاً مأساة الشعب الفلسطيني، فيقول: «... لقد مر نحو اربعين عاماً على النكبة التي حلت به والتي لم يشهد التاريخ المعاصر نظيراً لها، ولا يسع المرء الا ان يتساءل حائراً، لماذا تعثرت قضيته، وبقيت تسير في متاهات، وفي حلقة مفرغة طوال هذه المدة؟.. كيف عجزت الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها؟.. «والى متى يظل المعتدون ماضين في سياستهم التعسفية القمعية القائمة على الامر الواقع؟».
ويمضي في تساؤلاته قائلا: «واين هي حقوق الانسان؟.. هل حقوق الانسان هي فقط في هجرة اليهود من شتى بقاع العالم الى فلسطين؟.. أما اصحاب البلاد الشرعيون.. اولئك الذين اغتصبت ارضهم، وطردوا، وشردوا، وفقدوا حريتهم، وهدرت كرامتهم، فليسوا على البال مطلقا. وفي غضون ذلك يحظى المعتدون ـ على الدوام ـ بالتأييد التام من القوى العظمى، مما يشجعهم على التمادي في غيهم، ويزيد المسألة تعقيدا، بل يقف حجر عثرة في وجه تنفيذ القرارات».
وفي هذه الرسالة يقدم الشيخ جابر الاحمد للاسرة الدولية حلا عمليا لقضية انسانية مزمنة، مر عليها اكثر من اربعة عقود من الزمان، فيقول: «وفي رأينا، ان خير وسيلة للتوصل الى نتائج ملموسة في هذا السبيل. هي عقد مؤتمر دولي تحت رعاية دولية، تشترك فيه جميع الاطراف المعنية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني».
وفي ديسمبر عام 1986م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للأمم المتحدة، اكد فيها ان الوقت قد حان لاتخاذ خطوات عملية وفعالة لحل القضية الفلسطينية. وان تجاهلها يمثل ـ بدون شك ـ عائقا كبيرا لعملية التطور والتنمية في الدول العربية، والمنطقة باسرها.
داعيا في الوقت نفسه الدول الكبرى والتكتلات الدولية بان تقوم بدور اساسي في حل المشكلة، احقاقا للعدل، واحلالا للسلام والامن العالميين. وقد توجه في دعوته هذه الى دول السوق الاوروبية المشتركة على وجه الخصوص، حين قال: «ان باستطاعة السوق الاوروبية المشتركة ان تساهم ايجابيا في حل المشكلة الفلسطينية، حتى يتسنى لهذا الجزء المتفجر من العالم ان يعيش حقبة جديدة في الرفاه والاستقرار، وفي جو تعمه المحبة والرخاء».
ويضيف مستنكرا: «اننا ندين كل سياسة تقف حائلا امام المساعي الهادفة الى حل القضية الفلسطينية، ونجدد تأكيدنا لمناصرة الشعب الفلسطيني في كفاحه لاستعادة حقوقه المشروعة.
ثم يتساءل، الى متى ستبقى القضية الفلسطينية تدور في حلقة مفرغة؟ ألم يحن الوقت لحلها بطريقة عملية وبخطوات فعالة؟

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:05 AM
وفي نوفمبر عام 1987م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للأمم المتحدة، بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، اكد فيها على اهمية عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط لتحقيق الاماني الوطنية للشعب الفلسطيني، ونصرة قضيته العادلة في مواجهة التحديات والممارسات التعسفية التي تهدف الى تصفية القصية، والتي تشكل انتهاكا صارخا لميثاق الامم المتحدة،. والاعلان العالمي لحقوق الانسان.
وفي ديسمبر عام 1987م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى قادة ورؤساء الدول الاسلامية، من خلال منظمة المؤتمر الاسلامي، يناشدهم فيها استخدام الوسائل المتاحة كافة للوقوف الى جانب انتفاضة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحداث التعسفية الاسرائيلية في الاراضي المحتلة.
لقد أراد من خلال هذه الرسالة ان يضع العالم الاسلامي امام مسؤولياته التاريخية، حين قال: «وفي تقديرنا، ان العالم اذ يتناول الآن، وفي اعلى مستوياته، وعبر منظماته، قضية حقوق الانسان، فان ما تشهده الآن الاراضي الفلسطينية المحتلة من التعسف الصهيوني ضد هذه الحقوق، ليمثل حالة صارخة من حالات الانتهاك الخطيرة لحقوق الانسان، وان ما يقوم به الاشقاء الفلسطينيون في الاراضي المحتلة ـ هو في الواقع ـ مدعاة لاعتزازنا جميعا، حيث انهم يؤكدون مجددا للعدو الصهيوني، بل وللعالم اجمع، استمرار ثباتهم على موقفهم الرافض للاحتلال، والذي لا يقبل بأقل من الاستعادة الكاملة لجميع الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. اننا نرى ان ما يقوم به الاخوة الفلسطينيون يستوجب الدعم والاشادة من قبلنا بحقوقه مهما ضاقت به الحيل، او قلت امامه السبل في وجه الظلم، ومهما امتلك من وسائل البطش والعدوان، وبالتالي، فان الوقوف الى جانب الفلسطينيين في انتفاضتهم الحالية هو دعم لجميع الحقوق المسلوبة للانسان اينما كان».
وبتاريخ 9 يناير عام 1988م اكد الشيخ جابر الاحمد ان يأس اخواننا الفلسطينيين في الاراضي المحتلة من امتهم العربية وزعاماتها، ومعاناتهم من القهر والاذلال على يد السلطات الاسرائيلية.، هما المحرك الاساسي والدافع وراء انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وقطاع غزة المحتلين.
جاء ذلك في رده على سؤال لرئيس مجلس الادارة المدير العام لوكالة الانباء الكويتية، حين أجاب قائلا: «إن اقل ما يمكن عمله الآن، هو ان يقف العرب وقفة جادة موحدة لمساندة هذه الانتفاضة العارمة، فهي فرصة مواتية لكي يثبت العرب للعالم صدق وعودهم باسترجاع حقوقهم السليبة، ويثبتوا لاخوانهم في الاراضي المحتلة، الذين يقدمون التضحيات كل يوم، ويضربون امثلة رائعة من الجهاد والفداء، انهم معهم ـ هذه المرة ـ قلبا وقالبا بالعمل الجاد، لا بالاقوال والتصريحات».
ويمضي مؤكدا: «ان مساندة إخواننا الفلسطينيين في الاراضي المحتلة مسؤولية تاريخية يتحملها كل عربي مهما كان موقفه ومركزه. وان الشعب الكويتي في طليعة المتجاوبين مع اخوانهم الفلسطينيين، وقد بذل الكويتيون، وما زالوا يبذلون، عن قناعة ورغبة واستعداد متواصل، كل ما يستطيعون لمساندة ابناء فلسطين، ولجعلهم يشعرون انهم معهم فيما يواجهون من تعسف وظلم».
ويضيف قائلا: «كما ان الكويت، التي ساهمت ـ ولا تزال تساهم ـ في دعم القضية الفلسطينية، ومساندة اخواننا «الشعب الفلسطيني» في الاراضي المحتلة بوسائلها الخاصة، تعمل كل ذلك منطلقة من ايمانها الراسخ بان الشباب هم امل المستقبل، وهم الذين سينتزعون حقهم وحريتهم بقوة الايمان والتضحية من المغتصب مهما كان لديه من قوة وجبروت».
وفي كلمة وجهها الشيخ جابر الاحمد للاسرة الدولية، ومن خلال السكرتير العام للامم المتحدة في نوفمبر عام 1988م بمناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني اشار فيها، بين امور اخرى، انه: «منذ اربعين سنة ونحن نتكلم ونخطب ونتوعد، ونفرح شعوبنا باننا سنعيد هذه الارض عربية مرة اخرى، وانا باعتقادي. ان لم نبالغ، انه لا يقل عن تسعين بالمائة من مأساة فلسطين هو كثرة الكلام الذي نطلق ـ نحن ـ كمسؤولين في هذه الامة، لو كنا عملنا بجد وثابرنا وصدقنا في وعودنا لتحررت فلسطين منذ زمن».
ويحدثنا بدر النصرالله ضمن ذكرياته حول هذه العلاقة، فيقول: لا ينكر احد موقف الشيخ جابر الاحمد القوي، وتعاطفه واحتضانه للقضية الفلسطينية، فكثيرا ما كان يستضيف القيادات الفلسطينية ويتحاور معهم في الشأن الفلسطيني، كانوا يحبونه ويستمعون اليه، لانه لم يكن يتردد لحظة واحدة في تلبية طلباتهم واحتياجاتهم، حتى بعد العدوان والاحتلال العراقي للكويت ظل موقفه ثابتا في دعم القضية الفلسطينية».
مما سبق من فقرات حول القضية يتضح لنا كم كان الشيخ جابر الاحمد مناصرا لقضية الشعب الفلسطيني، وكم كانت هذه القضية تحظى بالاولوية القصوى في فكره السياسي. لم يكن يترك فرصة او مناسبة قومية ام دولية إلا يستغلها في الدعوة لمناصرة الشعب الفلسطيني، وبخاصة في السنوات التي ترأس فيها منظمة المؤتمر الاسلامي، حيث مكّنه ذلك الموقع من مخاطبة دول العالم، رئاسة وشعوبا، باسم ملايين المسلمين في ارجاء الدنيا للوقوف الى جانب الحق الفلسطيني، وايجاد حل عادل ومشرف لقضيتهم، بحيث تتاح لهم العودة الى وطنهم وديارهم وممتلكاتهم.
هذا الفكر السياسي للشيخ جابر الاحمد لا يزال هو نهج الكويت وسياستها في التعامل مع القضية الفلسطينية، رغم تواطؤ القيادة الفلسطينية ومؤازرتها ومساندتها للنظام العراقي في عدوانه واحتلاله لدولة الكويت.. لقد ظل ذلك الفكر ـ على الرغم من كل ما حدث ـ نقيا صافيا، وظلت تلك السياسة محتفظة بمصداقيتها، وستظل كذلك الى ان يقيم الشعب الفلسطيني دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:06 AM
أضواء على دور الكويت وجهود سموه في تحقيق العمل العربي المشترك الأمير كان ولا يزال حريصاً على وحدة الكلمة العربية والتضامن العربي
كان الشيخ جابر الاحمد ـ ولا يزال ـ حريصاً كل الحرص على وحدة كلمة العرب، وتضامن شعوبها، وعلى العمل العربي المشترك، ففي عام 1979م، جاءت مبادرته من اجل التوفيق بين شطري اليمن في سبيل اعادة وحدة البلد. فقد اختتم بقصر السلام في الكويت في 30 مارس من ذلك العام لقاء الرئيسين اليمنيين بحضوره. وصدر بيان مشترك تضمن خمس نقاط يحدد خطوات تحقيق الوحدة بين شطري اليمن، وبرنامجاً تنفيذياً زمنياً لترجمة ذلك البيان. ومما قاله في تلك الجلسات التوفيقية: «... نحمد الله ـ سبحانه وتعالى ـ على توفيقه وهدايته. لقد هيأ لقاؤكم الاخوي في الكويت الفرصة لتبادل الرأي، والتباحث بصراحة وامانة ومسؤولية تامة. وانني لنقدر تمام التقدير هذه الروح الاخوية التي ابداها كل من سيادة الاخ المقدم علي عبد الله صالح، وسيادة الاخ عبد الفتاح اسماعيل، والاخوة اعضاء الوفدين..».
ثم يستطرد معبراً عما يدور في فكره، فيقول: «... ومنذ اللحظة الاولى شعرت بأن كل جانب يضع حقاً مصلحة اليمن والشعب اليمني في شطري البلاد فوق كل اعتبارات، وانهما اتيا الى بلدهما الكويت بدافع من الرغبة الاكيدة في التوصل الى التفاهم والتعاون، وتحقيق آمال وتطلعات اليمن الشقيق...».
ويمضي قائلاً: «... ان الاختلاف في وجهات النظر بين الاشقاء امر طبيعي لكن هذا الاختلاف لم يكن بهدف الاختلاف ذاته، وانما من اجل البحث عن انسب وافضل السبل للتوصل الى الهدف المنشود، والغاية الكبرى، وهي ان تصبح الوحدة بين الشطرين حقيقة واقعة..».
ويضيف مؤكداً: «.... ان اتفاقكم ـ هنا ـ على العمل معاً من اجل هذا الهدف المرجو، وتنقية الاجواء والعودة الى اسلوب الحوار المنطقي السليم، سيكون له الاثر البالغ على جميع اخوتكم العرب في كل مكان. فلقد ظلوا ينتظرون منكم مثل هذا القرار، وها أنتم تحققون توقعاتهم، وتضربون مثلاً رائعاً في تغليب المصلحة الوطنية التي كنتم دائماً تعملون من اجلها..».
كما كان الشيخ جابر الاحمد حريصاً كل الحرص على حضور اجتماعات القمم العربية. وكان له دور فاعل ومؤثر في ايجاد الحلول المناسبة للقضايا العربية المثارة على جدول اعمال هذه القمم. وان دوره في تصفية وتنقية الاجواء العربية ـ وخاصة بين دولة واخرى ـ كان موضع اعتزاز الدوائر العربية الراصدة للقاء الرؤساء في مؤتمراتهم. ولم يكن الشيخ جابر الاحمد يتردد او يتوانى في تقديم كامل الدعم المادي والمعنوي من اجل مصالحة عربية اينما كانت.. وفيما يلي شيء من مواقفه حيال القضايا العربية والعمل العربي المشترك:
¼ في مؤتمر القمة العربي الحادي عشر، والذي عقد في المملكة الاردنية الهاشمية في نوفمبر عام 1980م، كان للشيخ جابر الاحمد كلمة في الجلسة الختامية نيابة عن الملوك والرؤساء، اكد فيها على ضرورة تخطي المصاعب التي تواجه الامة العربية، والحرص على تحقيق آمال وتطلعات الشعب العربي نحو المستقبل.
ومما قاله في هذه الكلمة: «.... ان الانجاز الكبير لهذا المؤتمر له دلائله العظمى لدى شعبنا العربي في كل ركن من اركان وطننا الكبير. انه انجاز عملي وتاريخي، رغم الصعوبات والمشكلات التي تمر بها امتنا في ميدان العمل العربي المشترك، ومن خلال التيارات الاقليمية والدولية المتضاربة المتشابكة.
انه تأكيد على تصميم الامة، الذي لا يتزعزع، على تخطي المصاعب، وحرص على تحقيق آمالنا وتطلعاتنا الى مستقبل اكثر اشراقاً، واعلى مكانة، واوفر عزة..».
¼ وفي سبتمبر عام 1982م، وعند عودته من مؤتمر القمة العربي الثاني عشر الذي عقد في فاس بالمملكة المغربية، ادلى الشيخ جابر الاحمد بتصريح صحفي اشار فيه الى العديد من الامور ذات الاهمية القصوى لقضايا الامة العربية المصيرية، منوهاً بأن المناقشات التي دارت خلال الجلسات العامة، والمداولات الجانبية، واللقاءات الثنائية التي اتسمت بالصراحة، ساعدت على الوصول الى القرارات المناسبة، مؤكداً بأن المؤتمر الذي ينعقد على هذا المستوى الرفيع، ويجد هذه الاستجابة الواسعة، ستكون اعماله منطلقاً الى لقاءات اخرى تعمل بنفس الروح والشعور بالمسؤولية التي سادت اعمال هذا اللقاء.
وفي كلمة امام المؤتمر السادس عشر لاتحاد المحامين العرب، المنعقد في الكويت في ابريل عام 1987م، اكد الشيخ جابر الاحمد: «... انني اؤمن ان المحامين العرب يحملون نصيباً كبيراً في بناء الفكر العربي، وتأييده في استقامته، وتصحيح مساره اذا انحرف، وتوضيحه اذا اختلطت مسالكه، والدفاع عن قضايا العروبة العادلة، وسلاحكم، في هذا، الكلمة الشريفة والمساهمة الايجابية.
ان الحروب والخلافات التي التهب بها عالمنا العربي والاسلامي، كانت افكاراً في الاذهان قبل ان تترجمها السياسات والاندفاعات الى حروب في ميادين القتال...».
ويضيف قائلاً: «... انه ليسعدني ان ارى بينكم اليوم ممثلين لكثير من المنظمات التي تمثل الرأي العام العالمي، والمعنيين فيه بحقوق الانسان وكرامته، وقد ارتفعوا فوق فروق الجنس واللغة والموطن الى الافق الذي يرون فيه الانسان انساناً، فلهم جميعاً ولمنظاماتهم التحية..».
ويمضي مخاطباً هؤلاء المعنيين بالشأن الانساني، فيقول: «... كما اوجه اليهم القول بأن قضايا العروبة تلقى اكثر من حروب في اكثر من جبهة عالمية. وان حقوق العرب تلقى الكثير من الاهدار، وان صورتهم تتعرض لكثير من التشويه المتعمد. ومن ابرز مظاهره ذلك الالحاح الاعلامي والسياسي المخطط في بعض الدوائر على الربط بين العروبة والارهاب، دون اي تفرقة بين الحق المشروع في الدفاع عن النفس والوطن ـ وهو ما تؤيده القوانين الدولية ـ والعدوان على البريء، وهو ما ندينه، وتستنكره الشرائع والقوانين العادلة..».
ويستطرد متطلعاً نحو المستقبل، فيقول: «... وانني اتطلع الى مزيد من توثيق الصلات بين منظمة المؤتمر الاسلامي واتحاد المحامين العرب، وسائر المنظمات والهيئات التي تعمل من اجل حقوق الانسان وتقدمه، وتعتني به في مراحل السنين المتتابعة، طفولة وشباباً وشيخوخة، وترعى رجاله ونساءه، فهي جميعاً روافد تمد الحق والعدل بفيض متجدد من القوة التي تعين على تحقيق السلام...».
وينتهي من حديثه ناصحاً وموجهاً، فيقول: «.. ان اولى الناس بالحق من عاشوا للحق وقضوا به، فلنتعاون جميعاً على كفالة استقلال القضاء والمحاماة. فهما جناحا الحق يلحقان به في افق العدل، ويؤويانه الى صرحه الآمن. وليكن عليهم من انفسهم من ينبغي عن هذا الصرح من لا يرقى الى هذا المقام الكريم..».
¼ وعلى اثر عودة الشيخ جابر الاحمد من مؤتمر القمة العربي الطارىء، الذي عقد في المملكة الاردنية الهاشمية في نوفمبر عام 1987م، ادلى بتصريح صحفي اكد فيه: «... ان الظروف التي تجتاح امتنا العربية، حيث تتعرض لمختلف التهديدات التي تمس كيانها كأمة ذات رسالة انسانية خيرة، وكوجود عربي وحضارة عربية.. في ظروف كهذه جاءت القمة العربية غير العادية في عمان لتترجم احساس الفرد العربي بأن امته التي تواجه التحديات، منذ سنين، آن لها الاوان ان تقف موحدة في الرأي والهدف والعمل، وانها بدون هذا الموقف الجوهري ستفقد قدرتها على المخاطر المحدقة بها..».
مستشرفاً المستقبل حين يمضي في تأكيده، فيقول: «... ان العرب اليوم يواجهون مسؤولياتهم تجاه اجيال الحاضر والمستقبل، ولابد من ان يكونوا على هذا المستوى الرفيع من المسؤولية، والامة العربية بكل تأكيد تستطيع ان تثبت للعالم اجمع انها قادرة على مواجهة مختلف العواصف بعزم وقوة وايمان...».
¼ وفي كلمة له امام الدورة السادسة لمجلس وزراء العدل العرب، الذي عقد في الكويت خلال شهر ابريل عام 1988م، تناول فيها قضايا عربية واسلامية ساخنة، وقد تصدرتها القضية الفلسطينية والحرب العراقية الايرانية والحرب الدائرة في افغانستان، وهي جميعاً احداث جسام، ونزيف مستمر للارواح والاموال، كان الاولى بها ان تكون مدداً للعمران، واسترداد الارض المسلوبة.
وقد اكد الشيخ جابر الاحمد في هذه الكلمة: «... انه اذا ما قرأنا التاريخ والواقع العربي والاسلامي، وجدنا ان الحروب بين ابنائه لم تستطع ان تحل اي مشكلة فيه حلاً جذرياً، ولا تعدو هذه الحروب، وقد فرضها بعضنا على بعض، ان تكون صداماً استنزافياً بين اخوة تجمعهم اصول العقيدة، وتفرقهم تصوراتها..».
ويمضي في هذا الاتجاه، فيقول: «.. وليس امامنا الا ان نجعل الاخاء لنا شعاراً ونوراً، وان نتعامل في مسيرة التقدم، وان يعيش كل قطر في اطار وحدته الوطنية، يمارس استقلاله وحرية ارادته في اختيار نظام حياته دون عدوان منه، او عدوان عليه..».
موجهاً حديثه للمجتمعين قائلاً: «... اما عما نذرتم انفسكم له في امر القضاء، فإني احيي ما تبذلونه من جهود في تأكيد وحدة القضاء العربي، واتصوره صرحاً كبيراً له سماته العامة، ولكل جناح فيه خصائصه الاقليمية النابعة من تراثه، دون ان تذهب هذه الخصائص بوحدة الصرح وسماته، وانتم عليه حفظة والى بنائه تضيفون..».
يتضح من هذه المواقف القومية كم كان الشيخ جابر الاحمد حريصاً وغيوراً على قضايا امته العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فلم تطأ قدمه يوماً سوق المزايدات العربية، او المتاجرة بالشعارات او السعي من اجل كسب سياسي، او تحقيق مصلحة خاصة، فقد كانت خطواته واضحة لا لبس فيها، ومشاعره نقية صافية، وافكاره وطروحاته تصب جميعها في قنوات الاهداف العربية العليا، ومبادىء التعاون والعمل العربي المشترك، الامر الذي اكسبه احتراماً وتقديراً خاصاً بين اقرانه ملوك ورؤساء الدول العربية، مثلما حظي بنظرة اعجاب وثناء بين الاوساط الشعبية العربية، ومؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي. وما سعيه الى انشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عام 1961م. الا دليل قاطع على حرصه على المشاركة والمساهمة الفاعلة في عمليات التنمية الاقتصادية في العالم العربي.
هذه الجهود والمساعي القومية، والمواقف العربية الناصعة الصادقة، كانت دوماً موضع التقدير والثناء الشعبي والرسمي في العالم العربي توجت باختيار الشيخ جابر الاحمد شخصية عربية متميزة، وذلك في الاستفتاء الذي اجراه المركز العربي للاعلام وبحوث الرأي العام في ديسمبر عام 1989م، بمشاركة عشرات آلاف مواطن عربي من الدول العربية والمهاجرين العرب في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا واستراليا واليابان. كما نال في يونيو عام 1990م وسام الرأي العام العربي اثر استفتاء عالمي شمل عشر زعامات عالمية ادت ادواراً متميزة على المستوى العالمي والاسلامي والعربي.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:06 AM
الأسرة الاسلامية

ان فكرة عقد لقاءات اسلامية على اعلى المستويات لم تكن فكرة جديدة، وانما طرحت على ساحة العمل العربي والاسلامي مند امد بعيد، ولان الظروف لم تسمح في الماضي باخراجها الى حيز الوجود، فقد بادرت المنظمات الاسلامية والشخصيات المعنية بالعمل العربي والاسلامي. ورجال الفكر من قادة الاسلام الى الدعوة لعقد مؤتمرات، وانشاء تنظيمات اسلامية اقليمية دولية تمارس فعالياتها على صعيد التحرك لاقامة تعاون بين الشعوب والاقطار الاسلامية، خدمة ودفاعاً عن المصالح المشتركة التي تربط بين هذه الشعوب والاقطار في ظل الاسلام الذي يدعو المؤمنين الى الاعتصام بحبل الله جميعاً، واجتناب التفرقة والتباعد.
ولا شك في ان التلاحم بين المسلمين شعوباً ودولاً، انما يكون مردوده خيراً يعم ديار الاسلام، ويخدم التقدم الانساني، ويحقق رسالة الدين الحنيف في هداية البشرية وصلاحها، وكان الشيخ جابر الاحمد من بين اهم الشخصيات التي نادت ودعت الى تنظيم مؤتمرات قمة اسلامية تبحث حال المسلمين في كل مكان.
وهكذا، تبلور الوجود الاسلامي على الساحة الدولية بصفته تنظيماً اقليمياً يتمتع بالشخصية القانونية الدولية، ويضم 55 دولة مسلمة عدد سكانها من المسلمين اكثر من مليار ومائتي مليون نسمة، لتبدأ اولى خطوات مسيرة منظمة المؤتمر الاسلامي الذي كان الشيخ جابر الاحمد احد النشطاء والفاعلين في اخراجها الى حيز التطبيق عام 1969م.
وفي هذا الصدد يقول عبد اللطيف البحر: «... منذ البداية، ومنذ نشأة فكرة انشاء منظمة المؤتمر الاسلامي بصفتها رد فعل على حريق المسجد الاقصى في اغسطس عام 1969م، وسمو الشيخ جابر الاحمد يؤمن وبوعي وادراك بالدور البناء لمنظمة المؤتمر الاسلامي في خلق تصور مشترك تجاه القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العالم الاسلامي، ويسعى الى مواجهة تلك القضايا من خلال المبادىء السامية التي تعمل المنظمة بهديها، والمستمدة في جوهرها من عقيدتنا الاسلامية السمحاء..».
لم تكن مشاركة الشيخ جابر الاحمد لاولئك الزعماء في العالم الاسلامي في الرأي بضرورة ايجاد تنظيم دولي يجمع الدول الاسلامية وشعوبها من اجل التنمية والتقدم وخدمة قضايا الامة الاسلامية هو الدافع الوحيد لتلك المشاركة والدعوة الى قيام هذا التنظيم الدولي، وانما ادراكه المبكر ـ بحسه السياسي ـ ان العالم مقبل على تحولات كبيرة لا يستطيع المرء ان يتكهن مداها ومخاطرها. وان الدول الصغيرة والكيانات الضعيفة في دول العالم الثالث لن تستطيع بمفردها ان تواجه صدمات وتداعيات تلك التحولات الرهيبة.
وإن الواقع يلح عليها، وخاصة الدول التي يجمعها مصير مشترك ان تلتحم في كيانات اوسع واشمل تستطيع ان تمثل حالة من القوة تمكنها من العيش بسلام ضمن تلك التحولات المرتقبة، وما سيصاحبها من معطيات جيوسياسية واستقطابات دولية واقليمية.
من هنا كان قيام منظمة المؤتمر الاسلامي ضرورة ملحة في المنظومة الفكرية للشيخ جابر الاحمد الذي سخر لقيامها واستمرارية وجودها كل جهوده وامكانيات بلده كتنظيم دولي فعال ضمن التكتلات والتنظيمات الدولية المعترف بها من قبل الامم المتحدة والاسرة الدولية.

محكمة العدل الإسلامية

في خطاب ألقاه الشيخ جابر الاحمد بتاريخ 8 نوفمبر عام 1980م بمناسبة بداية القرن الخامس عشر الهجري، اشار فيه الى ضرورة ايجاد محكمة عدل اسلامية تكون حكما وقاضيا ومصلحا، لعلها تساهم في وقف الصراعات الدائرة بين الدول الاسلامية.
وفي القمة الثالثة لمنظمة المؤتمر الاسلامي، التي عقدت في مكة المكرمة ومدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 25 ـ 28 يناير عام 1981م تقدم الشيخ جابر الاحمد بمقترح يدعو الى انشاء محكمة عدل اسلامية ونظرا لاهمية المقترح وحيويته بالنسبة للعالم الاسلامي، فقد استقطع جزءا كبيرا من مناقشات ومداولات القمة.
وفي نهاية اعمال القمة صدر بيان عرف باسم بيان مكة تناول جملة من القرارات، من بينها: قرار بتبني المشروع الكويتي بانشاء محكمة عدل اسلامية لفض المنازعات بين الدول الاسلامية وايجاد الحلول المناسبة في حال نشوبها.
وها هو عبداللطيف البحر يعود بالذاكرة الى الوراء ليحدثنا حول هذا الموضوع، قائلا: «يذكر لسموه انه صاحب فكرة مشروع اقامة محكمة العدل الاسلامية الدولية. وقد تقدم باقتراحه الى مؤتمر القمة الاسلامي الثالث في مكة والطائف، بعد ان اعلن في خطابه، الذي وجهه الى المسلمين كافة بمناسبة حلول القرن الخامس عشر الهجري، عن امنية بأن يرى في القرن الجديد محكمة عدل اسلامية نرتضيها بيننا حكما ومصلحا وهي اول تجربة في التاريخ الاسلامي، كما انها ستكون اول محكمة عقائدية، تقوم على تطبيق الشريعة الاسلامية.
وعند عودة الشيخ جابر الاحمد من القمة الاسلامية في 2 فبراير عام 1981م ادلى بحديث صحفي الى وكالة الانباء الكويتية، اشار فيه الى: «أن مؤتمر القمة الاسلامي الثالث يعتبر منعطفا تاريخيا مهما بالنسبة للشعوب الاسلامية جمعاء، وذلك لانعقاده في مطلع القرن الخامس عشر الهجري، الذي يتطلع اليه المسلمون قاطبة بقلوب ملؤها الامل والرجاء ان يكون عهدا مليئا بالخير والعمل الجاد، والتعاون والترابط بين المسلمين في بقاع الارض المختلفة، حيث تحدوهم الرغبة الاكيدة في ان يحققوا للاسلام امجادا، كما حققها المسلمون الاوائل الذين ضحوا بانفسهم واموالهم وارواحهم من أجل دين الله ورسالة التوحيد، وان تكون الامة الاسلامية قوية مهيبة الجانب».
وفي ردود فعل اسلامية حيال مشروع الكويت، اجمع سفراء سبع دول اسلامية في الكويت على تأييدهم الكامل لدعوة الشيخ جابر الاحمد بانشاء محكمة عدل اسلامية، تقوم بحل النزاعات والخلافات بين دول العالم الاسلامي فقد اكد سفير الاردن في الكويت «صالح الشرع» ان الفكرة ممتازة للغاية، ويجب ان تتبناها جميع الدول الاسلامية، وتقوم بدراستها دراسة شاملة لتكون ملزمة للجميع، وهذا هو اهم شيء لانجاح هذه الفكرة.
وأضاف قائلا: اننا كدول عربية علينا البدء بتبني هذا الاقتراح، وبحثه في مؤتمر القمة العربي المقبل، بحيث يطبق بين الدول العربية، ثم يعمم على الدول الاسلامية.
سفير لبنان «فيصل سلطان» فقد قال: انها فكرة جيدة ومفيدة وجاءت في الوقت المناسب، واضاف ان اهم ما يضمن نجاح محكمة العدل الاسلامية في مهمتها هو ان يلتزم بها الجميع دون استثناء، وتكون لها خصائص السلطة القضائية نفسها واضاف سفير السودان «علي احمد سحلول» : ان محكمة العدل الاسلامية حلم يراودنا ونأمل ان يتحقق لكن تجربتنا مع مثل هذا النوع من المحاكم يجعلنا نرى ضرورة توفير كل مقومات النجاح له قبل الشروع في تنفيذه. فاذا كانت قرارات المحكمة ملزمة لكل الدول الاسلامية، فان نجاحها في مهمتها سيكون له مردود كبير في حل جميع الاشكالات والازمات والنزاعات الاسلامية. ونحن نامل ان يتم ذلك، وان ترى محكمة العدل الاسلامية النور قريبا. وهذا ما ذهب اليه سفير موريتانيا «الرابط ولد اسلم»، حين قال: انها دعوة جيدة للغاية، ونحن نؤيدها لانها عنصر جوهري لتصفية جميع المشاكل الاسلامية، وان هناك كثيرا من القضايا المعلقة بين العديد من دول العالم الاسلامي يقتضي ايجاد حل عادل وسريع لها حتى لا تتفاقم.
اما سفراء باكستان «مهدي سعود»، وبنغلادش «محمد عبدالبارك» واندونيسيا «رودان سايوغو» فقد اجمعوا: على ان اقتراح انشاء محكمة عدل اسلامية فكرة جيدة للغاية، ونحن نباركها باعتبارها اسلوبا عمليا لايجاد حل للعديد من مشكلات العالم الاسلامي. واضافوا: ان هذه الدعوة ستلقى كل تأييد وترحيب من الدول الاسلامية المختلفة وان الفكرة ممتازة لتحقيق السلام، وحل الاشكالات بين دول العالم الاسلامي ويمكن بحث هذا الموضوع في مؤتمر القمة الاسلامي المقبل.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:07 AM
قاموس القرآن وأطلس الخدمات وتعاون الشباب ومشروع الطب هدية الكويت للأمة خلال ترؤس سموه للقمة الاسلامية الأمير: التاريخ والتجارب علمتنا أن الشعوب الاسلامية لا تتقدم بمعزل عن أشقائها وعالمها
الحلقة الواحد والعشرون

عقدت الدورة الخامسة لمؤتمر القمة لمنظمة المؤتمر الاسلامي في الكويت خلال الفترة من 22 ـ 29 يناير عام 1987م، لتناقش مجمل القضايا السياسية والاقتصادية والتنظيمية والثقافية والاجتماعية والامنية التي تهم دول العالم الاسلامي، وفي جلسة مغلقة ناقشت القمة البرقيات والرسائل التي وجهت اليها من حكومات الاتحاد السوفييتي والصين والمانيا وامريكا، وقد عبر رئيس القمة الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت عن تقديره وشكره لحكومات تلك الدول.
وكانت موسكو قد ابلغت القمة الاسلامية انها لا تنوي ابقاء قواتها في افغانستان مدة طويلة، في الوقت الذي اعرب فيه رئيس الوزراء الصيني في برقيته عن امله في ان تبذل مساع جديدة لتعزيز وحدة الدول والشعوب المسلمة من اجل الوصول الى تسوية عادلة، ومنطقية لمشكلات الشرق الاوسط، ونهاية مبكرة للحرب بين العراق وايران.
واكد الشيخ جابر الاحمد رئيس الدورة بعد اعلان البيان الختامي للمؤتمر عن مدى ما اتسمت به المداولات من شمولية، وما تميزت به من جدية واخلاص في تناول الموضوعات كافة، بدءا من القضية الفلسطينية ومرورا بالوضع الاقتصادي في افريقيا، والارهاب الدولي، ومشكلة اللاجئين في جميع انحاء العالم، واوضاع المسلمين في البلدان غير الاسلامية، ومشكلة القرن الافريقي، والخلاف الليبي التشادي.
وكان الشيخ جابر الاحمد رئيس القمة قد ألقى خطابا في الجلسة الافتتاحية شاكرا فيه قادة العالم الاسلامي على قرارهم الجماعي بانتخابه رئيسا للدورة، منوها بجهود اخوانه الذين حملوا مسؤولية رئاسة الدورات السابقة في سنوات ازدحمت بالاحداث، ومرحبا بعودة جمهورية مصر العربية لاحتلال مقعدها في المنظمة من جديد.
واشار في خطابه: «.... بان التاريخ والتجارب اثبتا ان اي شعب من الشعوب الاسلامية لا يستطيع ان يتقدم بكل قدراته في معزل عن اشقائه، وعن مسار التقدم العالمي، وان تقدم المسلمين مرتبط بتعاونهم وتعايشهم في ظل السماحة والاخاء»...
ثم يمضي مؤكدا: «... ان تمهيد الطريق امام التعاون الاسلامي يقتضي التغلب على العقبات التي تعوق مسيرته، وابرزها الحروب بين الدول المتجاورة والصراعات الداخلية في الدولة الواحدة، وتأتي الحرب العراقية الايرانية في مقدمة هذه العقبات، فأطراف النزاع اخوة ابوهم واحد هو الاسلام، والقتلى والشهداء كلهم ابناؤه، والانفاق من خزائنه، والتخريب فوق ارضه، فربنا الرحمن ينادينا (انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)...»..
ويختتم كلمته بالدعوة: «... من اجل عقيدة سمحاء هي من الله نور وهدى، ومن اجل تراث عزيز تركه لنا الآباء، وعلينا ان نحفظه، ونرعاه، ونضيف اليه، ومن اجل حاضر علينا ان نحسن الافادة من امكاناته، ومن اجل اجيال جديدة لها علينا الحقوق، ونود ان نورثها الاخاء والتماسك ليشهد بعضها بعضا، ومن اجل كرامة الانسان ولكل انسان كرامته وامله في عالم افضل، من اجل هذا كله، علينا ان نسعى الى السلام، ونتعاون على بناء غد مشرق للعالم الاسلامي»....
كما وجه كلمة الى الشعب الكويتي، بمناسبة انتهاء القمة الاسلامية الخامسة التي استضافتها الكويت، دعا فيها الى الحرص على الوحدة الوطنية، ونبه الى ان المجتمع الراشد هو الذي يقيم ميزان العقل في الغضب والرضا، والا يترك مجرما دون عقاب، ولا يأخذ بريئا بذنب غيره.
مؤكدا بان نجاح المؤتمر هو نجاح للشعب الكويتي، شاكرا للجميع، ومعلنا: كم كان بوده ان يصافح ابناء شعبه فردا فردا، وان يشد على ايديهم التي رفعت اسم الكويت عاليا.
ويمضي في هذا الاتجاه فيعلن للشعب الكويتي، بان منظمة المؤتمر الاسلامي ضمير العالم الاسلامي، وانتم مسؤولون عن هذا الضمير، وناطقون باسمه في السنوات الثلاث المقبلة، فالطريق امامنا طويل والعقبات كثيرة، والمشكلات كبيرة، وليس لها حلول عند اطراف الاصابع.
مؤكدا ان المؤتمر كان صورة كريمة للنمو الرأسي الذي ارتفعت به قامة الشعب الكويتي والدول لا تقاس فقط بعدد سكانها ومساحة ارضها، ولكن بقدرة شعوبها على الانجاز، وان علينا ان نصون قدرتنا على الانجاز بمزيد من العلم والتماسك ولين الجانب.
وهنا يأتي تعليق عبد اللطيف البحر على قرار المؤتمر حول اعتماد فكرة محكمة العدل الاسلامية، فيقول: «... وباتت الحاجة ملحة لتبني القمة الاسلامية دعوة الشيخ جابر الاحمد، الى اقامة محكمة العدل الاسلامية، ولقد تمت الموافقة في مؤتمر القمة الاسلامي الخامسة في دولة الكويت على مشروع النظام الاساسي لمحكمة العدل الاسلامية الدولية، التي ستعمل على حل المنازعات بين الدول الاسلامية التي تلجأ اليها طوعا، كما قررت القمة نفسها تعديل المادة الثالثة من ميثاق منظمة المؤتمر الاسلامي، لتضاف المحكمة الى الاجهزة الرئيسية الثلاثة في المنظمة، فتصبح الجهاز الرابع الرئيسي، ويكون مقرها دولة الكويت»...

التداعيات الايجابية
لنجاح قمة الكويت الاسلامية

اشاد قادة الدول الاسلامية بنجاح قمة الكويت، واكدوا ان نجاح القمة الاسلامية الخامسة يعتبر نجاحا لدولة الكويت التي استضافت القمة، ونجحت في تنظيمها، والتي حضرها اكبر تجمع من قادة الدول الاسلامية لاول مرة.
من جانب آخر، أيد الاتحاد السوفييتي النتائج التي انتهت اليها القمة الاسلامية، واصفا قراراتها بانها تمثل اسهاما كبيرا في قضية توطيد السلام والامن في العالم، والتسوية السياسية العادلة لاوضاع النزاعات الاقليمية.
وقالت وكالة «تاس» الرسمية في تعليق لها بتاريخ 30 يناير عام 1987م حول نتائج القمة: ان موقف بلدان منظمة المؤتمر الاسلامي والاتحاد السوفييتي من مسألة ضرورة ايقاف الحرب العراقية ـ الايرانية، وتسوية النزاع بالطرق السياسية، جاءت متطابقة.
مشيدة بقرار القمة فيما يخص القضية الفلسطينية، وعقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الاوسط بمشاركة جميع الاطراف المعنية، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، كما قدرت نداءات مؤتمر القمة الاسلامي الداعية الى تحريم السلاح النووي، وايقاف التجارب النووية، وتحريم عسكرة الفضاء.
وفي باريس اشادت اربع صحف فرنسية بجهود الشيخ جابر الاحمد التي كان لها الاثر الفعال في انجاح القمة الاسلامية الخامسة، وقالت صحيفة «ليزكو» الاقتصادية: ان الدبلوماسية الكويتية التي يرسمها سمو امير دولة الكويت حققت نجاحات باهرة، تمثلت في عقد القمة الاسلامية بحضور غالبية الدول الاسلامية، واضافت: ان الكويت نجحت تماما في الاعداد الجيد لهذه القمة الاسلامية التي شاركت فيها 44 دولة من اصل 46 دولة.
كما اشارت صحيفة «ليبراسيون» الى عقد القمة على الارض الكويتية، وما حققه من انجازات، هو نجاح للحكومة الكويتية وشعبها، واضافت: «... ان من الانجازات التي حققتها الكويت في هذا المؤتمر مواجهة المشكلة التشادية التي تهم العالم الاسلامي، حيث تضمن البيان الختامي للقمة بندا من شأنه ان يضع الخطوط العريضة لحل هذه المشكلة.
وقالت صحيفة «لوماتان» الاشتراكية: ان سمو امير دولة الكويت والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد لعبا دورا مهما في تقريب وجهات النظر بين الدول العربية، وانهما نجحا في تحقيق ذلك، واضافت: ان من الانجازات التي حققتها القمة الاسلامية تقريب مصر الى الدول العربية.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:07 AM
اما صحيفة «لوكوتيد ان دي باري». فقد اشارت الى ان الحكومة الكويتية نجحت في عقد القمة بالرغم من الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة، كما انها وفرت الاجواء اللازمة لانجاحها، واضافت: ان الكويت والدول العربية الخليجية حققت انجازات مهمة في هذا المؤتمر الذي ناقش المشكلات التي تهم العالم الاسلامي، وخرجت بقرارات تساعد على وحدة وتضامن العالم الاسلامي.
ومن ناحيته، اشار شريف الدين بيرزاده الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، قبيل مغادرته مطارالكويت الدولي متوجها الى جدة، الى ان النجاح الكبير الذي حققته القمة الاسلامية يعود للجهود المخلصة التي بذلها سمو امير دولة الكويت، والترتيبات المهمة، والتنسيق الجيد الذي قامت به حكومة الكويت لانجاح هذا المؤتمر.
وقال: «ان مشاركة زعماء الدولة الاعضاء في القمة الاسلامية الخامسة كانت عالية جداً، وان الانجازات والنجاحات التي حققها المؤتمر كانت في مستوى الطموحات، حيث جرت مناقشة جميع القضايا في جو ودي واخوي، وتم اتخاذ قرارات بناءة، معرباً عن الامل في ان يتم تنفيذ جميع القرارات والتوصيات التي اتخذها المؤتمر، واصفاً دولة الكويت بأنها دولة مثالية، وعلى الدول الاخرى ان تتخذ من الكويت مثلاً يحتذى به».

جهود الشيخ جابر الأحمد خلال ترأسه لمنظمة المؤتمر الاسلامي

لقد كانت جهود الشيخ جابر الاحمد، خلال ترأسه لمنظمة المؤتمر الاسلامي في دورته الخامسة التي عقدت في الكويت عام 1987م، عديدة ومتشعبة على المستوى الاقليمي والدولي، ارسى خلالها علاقات عمل جيدة لخلق مزيد من التفاعل بين اجهزة المنظمة. كما وسع دائرة الاتصال بالمنظمات الدولية والاقليمية وكانت القضية الفلسطينية تتصدر دوماً تحركاته ونشاطاته اينما اتجه بفكره وعمله.. وفيما يلي شيء من تلك الجهود:
’ بمناسبة اسبوع التضامن مع شعب ناميبيا، وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للامم المتحدة، بصفته رئيساً للدورة الخامسة لمنظمة المؤتمر الاسلامي، اكد فيها بقوة التضامن الثابت للعالم الاسلامي، ودولة الكويت مع شعب ناميبيا، وحركة تحريره الشرعية «سوابو» في نضالها البطولي من اجل ممارسة الحقوق الثابتة، وغير القابلة للتصرف، بما في ذلك تقرير المصير، ونيل الاستقلال.
’حث الشيخ جابر الاحمد مجلس الامن الدولي على القيام بدور رئيسي بالنسبة للتصعيد في حرب المدن بين العراق وايران فقد بعث في الاول من مارس عام 1988م برسائل الى قادة الدول الخمسة عشر الاعضاء في مجلس الامن الدولي. ابلغهم فيها بالتطور المأساوي الجديد في الحرب العراقية الايرانية، واهاب باسم العالم الاسلامي وباسم ما يدعو اليه الاسلام من حب للسلام والاخاء بين ابناء البشرية جمعاء... وهو ايضاً ما دعا اليه جميع الانبياء. وباسم منظمة المؤتمر الاسلامي التي يحمل مسؤولية دورتها الحالية، وبخاصة الاعضاء الدائمون فيها، ان يتذكروا ان كل يوم يتأخرون فيه عن التدخل الفعال لايقاف هذه الحرب يحمل معه المزيد من الضحايا الابرياء من الطرفين المتحاربين.
هذا، وقد اعرب عن امله في ان تمثل رسائله هذه الى قادة الدول الاعضاء في مجلس الامن حافزاً اضافياً لهم للتحرك السريع في هذا المجال، وبما يحقق تطلع شعوب العالم اجمع الى السلام في هذه المنطقة التي طالت تطلعاتها الى السلام.
’ بتاريخ 10 ابريل عام 1988 كان للشيخ جابر الاحمد، بوصفه رئيساً للقمة الخامسة لمنظمة المؤتمر الاسلامي، لقاء مع هيئة رئاسة المكتب، ورؤساء اللجان الدائمة بالمنظمة، عقد في قصر المؤتمرات في الكويت. وذلك في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ المنظمة، حيث طرح خلاله جملة من الافكار تستهدف توثيق الروابط وتكثيف التشاور في القضايا الاسلامية بشكل شمولي، وتنشيط وتنسيق اعمال اللجان والاجهزة المتخصصة التابعة للمنظمة، وعلى وجه الخصوص في متابعتها لتنفيذ القرارات التي اتخذها مؤتمر القمة الاسلامي الخامس.
وقد اكد في هذا اللقاء على القضية الفلسطينية بأنها مسؤولية متجددة، وهي كالكائن الحي يعيش برئتين، هما: المقاومة الداخلية والتأييد الخارجي. وكان الشيخ جابر الاحمد بهذا يشير الى ثورة الحجارة في فلسطين، التي وصفها بصوت الحق الذي شق جدار الصمت الذي يحاول الكيان الاسرائيلي فرضه على القضية الفلسطينية.
كما اشار في هذا اللقاء الى الحرب الدائرة بين العراق وايران، آملاً ان تتحرر الاذهان من مناهج العدوان الفكري والسياسي والعسكري لتلتقي على التعاون وحسن الجوار، ومرحباً بما اعلنه الاتحاد السوفيتي عن رغبته في الانسحاب من افغانستان، ورأى في ذلك خير عون على قيام نظام حكم في هذا البلد المسلم نابع من ارادته الشعبية، ومسؤول عن تحمل اعباء التعمير والبناء.
ويمضي الشيخ جابر الاحمد شارحاً وحاملاً هموم المسلمين بوصفه رئيسا لاكبر تنظيم اقليمي دولي يجمع الدول الاسلامية، ويشد انظار المسلمين اينما كانوا في العالم، حين يقول: «... اتحدث اليكم وعيوننا على اقليم الساحل في غرب افريقيا.. ذلك الاقليم الذي اشتدت فيه المجاعة منذ سنوات، وزحفت عليه الصحراء، ومات فيه ملايين الضحايا..».
وفي موضع آخر، يقول: «... وهناك ايضاً في جنوب افريقيا وناميبيا مجاعة من نوع آخر، انها مجاعة الفقر والاستعباد الذي تمارسه السياسة العنصرية ضد الاخوة الافريقيين اصحاب الحق الاول في ارضهم التي تعتبر من اغنى الاقطار في ثرواتها، والتي لا تزال حكومة بريتوريا تفرض طغيانها عليهم فيها، وتصم آذانها عن الاستماع الى صوت الحق والعدل. وهي في هذا لا تختلف عن السياسة الاسرائيلية الباطشة ضد اخواننا المجاهدين في فلسطين..».
’ في النصف الثاني من مايو عام 1988م بعث الشيخ جابر الاحمد برسالة مماثلة موجهة الى كل من الرئيس رونالد ريغان رئيس الولايات المتحدة الامريكية، والى ميخائيل غورباتشيف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي، بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الثنائي بينهما في موسكو، اشار فيها الى تطلع شعوب العالم ومن بينهم شعوب العالم الاسلامي للقائهما. وآمال هذه الشعوب في ان يسود هذا الكوكب السلام والامن والوئام والتعاون لما فيه خير البشرية.
ويستطرد مؤكداً على القضية الفلسطينية: «... واننا لنعلم ان لقاءكم يشمل حقوق الانسان والمشكلات الاقليمية، وفي هذا تأكيد لكرامة الانسان والسلام، فالكرامة تاج الانسانية، والسلام غايتها، ومن هذين البابين باب الحق وباب السلام، تدخل الانتفاضة الفلسطينية الى لقائكم..و.
ورغم اهتمام الشيخ جابر الاحمد البالغ بالقضية الفلسطينية، فإن اهتمامه بالحرب الدائرة بين ايران والعراق لم تقل اهمية وخطورة اقليمية ودولية، حين يشير في رسالته موضحاً: «... وان الحرب العراقية الايرانية ما زالت مستمرة بكل ما تحمله ايامها واعوامها من ضحايا في الانفس والاموال والعمران، وقد امتدت اخطارها براً وبحراً وجواً رغم صدور قرار مجلس الامن رقم 589 ولا يمكن ان يقوم اي قرار وحده، مهما تكن قيمته، دون ان تتولى اداة تنفيذه، او تفتح الطريق لهذا التنفيذ، وهذا امل آخر نعلقه على لقائكم..».
ويمضي في رسالته ليؤكد الدور الفاعل للدولتين في معالجة البؤر المشتعلة التي تسحق البشرية في مناطق عديدة من العالم، وبخاصة في منطقة الشرق الاوسط، فيقول: «ان الدولتين العظيمتين بتكوينهما البشري من اكبر النماذج المتقدمة في عالمنا المعاصر على قبول التنوع في اطار الوحدة، ولهما من تجاربهما ما يعين لبنان، بل اقطار الشرق الاوسط كله على قناعة الوصول الى صيغ من التعايش السلمي بين المذاهب والاديان في اطار الوحدة الوطنية، والاحترام المتبادل، وحسن الجوار، لينطلق منها ازدهار جديد، بعد ان ارهقتها الحروب والعصبيات الضيقة»..
بتاريخ 30 اغسطس عام 1988 م، وجّه الشيخ جابر الاحمد، باسم منظمة المؤتمر الاسلامي، الشكر والتحية الى السكرتير العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويار لجهوده المكثّفة في تسوية عدد من النزاعات الاقليمية الخطيرة وخاصة في العالم الاسلامي.
بتاريخ 22 سبتمبر عام 1988م قام الشيخ جابر الاحمد برحلة سلام باسم اكثر من ألف مليون مسلم في انحاء المعمورة، بادئا زيارته لفرنسا، حيث عقد عددا من الاجتماعات والمباحثات مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، كما واصل مباحثات مكثفة مع المسؤولين الفرنسيين شملت القضايا الاسلامية كافة، لينتقل بعدها الى نيويورك، ويلتقي بتاريخ 26 سبتمبر عام 1988م الرئيس الامريكي رونالد ريغان في مقر اقامته بنيويورك بناء على دعوة منه، حيث تناولت المباحثات بين الزعيمين الامور التي تهم البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك. وكان الوضع في الخليج العربي والمفاوضات العراقية الايرانية في صلب محادثاته مع الرئيس الامريكي، اضافة الى القضية الفلسطينية، وقضايا المنطقة الساخنة.


وقد توّج الشيخ جابر الاحمد دور الكويت الاسلامي اثناء هذه الزيارة حين وضع حجر الاساس لمئذنة المركز الثقافي الاسلامي في نيويورك، كما تفضل بغرس اول شجرة في فناء المركز، وذلك في احتفال حضره رئيس مجلس الامناء في المركز الاسلامي والامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي.
ولتأكيد القول بالعمل، تعهد بان تدفع الكويت الى المركز 000،700 دولار امريكي هي باقي نفقات اتمام مئذنة المركز.
إن وللعلم فان الكويت من اوائل الدول التي اسهمت في بناء الجزء الاكبر من هذا المركز، حيث دفعت 8 ملايين دولار امريكي من اصل 5،13 ملايين دولار، هي القيمة الاجمالية للتكلفة.
وفي عرض للشيخ جابر الاحمد للخط السياسي الذي سارت فيه منظمة المؤتمر الاسلامي منذ يناير عام 1987م، اورد بعض التطبيقات بصفتها نماذج لهذا الخط جاء ذلك في كلمة له امام وزراء خارجية الدول الاسلامية في نيويورك، حين أشار في دعوته لاجتماع مكتب المنظمة ورؤساء لجانها الدائمة في الكويت في ابريل عام 1988م بانه اراد بهذا التقليد ان يرسي مبدأ اللقاءات فيما بين القمتين.. لقاءات المكتب، ورؤساء اللجان الدائمة، لعله يستطيع ان يتوسع اكثر من ذلك بلقاء يجمع رؤساء اللجان والوحدات والمراكز المنبثقة عن المنظمة، حتى يتم بينهم حوار يساعد على تنسيق الجهود، وإزالة الازدواج في العمل، وتوثيق الصلة بين القائمين على الاجهزة وخاصة المتقاربة في الاختصاص.
كما اشار، في هذا الصدد ايضا، برسائله التي وجهها الى الرئيسين رونالد ريغان، وميخائيل غورباتشوف عند لقائهما في ديسمبر عام 1987م ومايو عام 1988م.. تلك الرسائل التي نشرت عالميا في حينها، وتلقى من الزعيمين ردودا ايجابية وكريمة عليها.هذا، وقد انتهى الشيخ جابر الاحمد من عرضه للخط السياسي التي سارت عليه المنظمة، خلال فترة ترؤسه لها، بتقديم اربعة مشروعات هدية من الكويت الى العالم الاسلامي، وهي:
الاول: مشروع قاموس القرآن الكريم، وهو اول قاموس يصدر باللغة العربية يجمع الجوانب التشريعية والتاريخية والاثرية والجغرافية والنباتية بالكلمة والصورة والخريطة وقد اشرفت على اعداده مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والذي سيترجم فيما بعد الى لغات اخرى.
الثاني: مشروع اطلس الخدمات الاسلامية، وهو اطلس يضع الاساس العلمي للخدمات في العالم الاسلامي، ويبدأ بالجوانب الصحية والتعليمية والاجتماعية. وقد أشرفت على اعداده وزارة التخطيط بالكويت، متعاونة في ذلك مع الوزارات المختصة، متصلة بالدول الاسلامية، وبالخبراء من هذه الجهات.
الثالث: مشروع الطب والقانون والاخلاق، وهو حصاد عدد من الندوات قامت بها المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية، جمعت بين رجال الطب، والتشريح الاسلامي، والقانون والاخلاق، لبيان اجتهادات الاسلام في المستجدات الطبية المعاصرة وقد نشر هذا العمل على مستوى عالمي باللغات العربية والانجليزية والفرنسية، وبالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
الرابع: مشروع تعارف الشباب الرياضي الاسلامي وقد وضع هذا المشروع بهدف توثيق الصلة بين شباب العالم الاسلامي، وذلك حين بادرت الكويت بتوجيه الدعوة الى لقاء رياضي فوق ارضها باستضافة كاملة، يلتقي فيه شباب عالمنا الاسلامي متآخين متحابين.
في 27 سبتمبر عام 1988م، وامام الدورة 43 للجمعية العامة للامم المتحدة القى الشيخ جابر الاحمد خطابا تار يخيا باسم اكثر من الف مليون مسلم في العالم بصفته رئيسا لمنظمة المؤتمر الاسلامي وقد جاءت ابرز محاور ذلك الحديث حول العلاقة بين دول الشمال ودول الجنوب، والتي اصبحت الديون وفوائدها المتزايدة نقطة الارتكاز السلبية في تلك العلاقة، للحصول على انتاجه من المواد الاولية باسعار متدنية، وبيع انتاج الشمال له من مصنوعات وحبوب غذائية باسعار مستمرة في الارتفاع مما تزداد معه الفجوة اتساعا بين الشمال والجنوب.
كما دعا الى قيام نظام اقتصادي وانساني جديد، والى مقاومة الارهاب مع ضرورة التفريق بين الارهاب الظالم فرديا كان، ام جماعيا، ام حكوميا. وبين الحق المشروع في الدفاع عن النفس والوطن باعتباره حقا شرعته القوانين الدولية.
مؤكدا على دور الامم المتحدة في التصدي للمشكلات العالمية، ودورها في تحقيق امال الشعوب في السلام والحياة الكريمة، ودور الدول والشعوب في دعم هذه المنظومة العالمية.. وفي هذا، يقول الشيخ جابر الاحمد: «لقد تعلق امل الانسانية بهيئة الامم المتحدة منذ انشائها، باعتبارها اعلى المنابر التي تتحدث منها شعوب العالم عن آمال مستقبلها ومشكلات حاضرها، وفي رحابها تلتقي اكثر الدول ثروة وقوة وعلما مع اشدها فقرا وضعفا واحتياجا. والامم المتحدة من العوامل الرئيسية التي حالت دون قيام حرب عالمية ثالثة، وهي المختبر الاكبر للاخاء الانساني والتعاون الدولي، واحلال الحوار والتعايش السلمي محل المواجهة، واذا كان اي جهد عالمي بهذه الضخامة والمسؤولية يحتاج الى مراجعات، فان هذا لا يحول دون العون والدعم المتصل، حتى تقوم الامم المتحدة بمسؤولياتها، فيتوازى تطويرها مع استمرارها».
منوها بمنظمة المؤتمر الاسلامي بصفتها شريكا في صنع الحضارة الانسانية، وهي في هذا تسعى للتعاون مع التنظيمات الاقليمية، والمنظمات الدولية صعودا الى الامم المتحدة.. يقول في هذا السياق:
«ولقد كان انشاء منظمة المؤتمر الاسلامي عام 1969م بعد جريمة حريق المسجد الاقصى في القدس الشريف، تعبيرا عن اليقظة الاسلامية المعاصرة، ورفضا للعدوان والارهاب، ورغبة في المشاركة في الركب الحضاري العالمي، وجاءت قرارات مؤتمر القمة الاسلامي الخامس الذي شرفت الكويت باستضافته في يناير عام 1987م مؤكدة ما سبقها من مؤتمرات المنظمة، مستجيبة في الوقت ذاته للمتغيرات العالمية التي تمر بها على مستوياتها الشاملة والاقليمية».
ويمضي مؤكدا للاسرة الدولية: «ونحن في اطار منظمة المؤتمر الاسلامي نحاول دائبين تنسيق خطانا داخليا وخارجيا على اساس احترام سيادة الوحدات الوطنية والتعاون الاقليمي، ومن امثلته مجلس تعاون دول الخليج العربية، والتعاون الاوسع في جامعة الدول العربية، ولنا تعاوننا مع مجموعة دول الانحياز، ومنظمة الوحدة الافريقية والمجموعة الاوروبية، والدول الكبرى صعودا الى المستوى العالمي في هيئة الامم المتحدة ومنظماتها».

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:07 AM
ردود أفعال عالمية على خطاب سموه التاريخي أمام الدورة 43 للجمعية العامة للأمم المتحدة مقترحات الأمير الداعمة لحق الإنسان في العالم الثالث غطت على أحداث الاجتماعات والدول الإسلامية أيدتها
الحلقة الثانية والعشرون

لقد حظي الخطاب المنهجي التاريخي، الذي القاه الشيخ جابر الاحمد في 27 سبتمبر عام 1988، امام الدورة 43 للجمعية العامة للامم المتحدة، باهتمام العديد من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات، كما كان تعليق الكثيرين من وزراء خارجية دول العالم. ووكالات الانباء والصحف العالمية والعربية، الامر الذي جعل الخطاب، وما ورد فيه من مقترحات داعمة لحق الانسان في دول العالم الثالث، يغطي على احداث دورة الجمعية العامة للامم المتحدة وفيما يلي شيء من تلك المواقف والتعليقات على ما جاء في ذلك الخطاب الذي اعتبر من اهم وثائق الامم المتحدة:
¼ بتاريخ 30 سبتمبر عام 1988 وافق وزراء خارجية الدول الاسلامية بالاجماع على بيان مشترك، يؤيد بقوة الاقتراحات التي عرضها الشيخ جابر الاحمد في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الثالثة والاربعين باسم منظمة المؤتمر الاسلامي، والتي تمحورت حول اهم القضايا التي تهم العالم الاسلامي، والعالم الثالث بصفة عامة، وخاصة فيما يتعلق بتنظيم العون العلمي والتقني الذي تقدمه دول الشمال الغنية الى دول الجنوب الفقيرة، وكذا المديونيات التي ترزح تحت وطأتها معظم الدول النامية، وخاصة الاشد فقرا، اضافة الى دعوة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي لاعادة النظر في شروطهما الاقتراضية القاسية على الدول التي تطلب المساعدة لتحسين اوضاعها.
¼ اعلن وزير الخارجية البريطاني جيفري هاو انه يتفق مع سمو امير دولة الكويت على ان الديون المستحقة على الدول النامية تشكل احد اخطر المشاكل التي يجب مواجهتها.
وقال في مؤتمر صحفي: «... ان بريطانيا قدمت اقتراحاتها الخاصة للقضاء على جزء من المشكلة عبر ايجاد حلول لديون الدولة الافريقية المتاخمة للصحراء الكبرى. وان رئيسة حكومته السيدة مارجريت تاتشر طرحت تلك الاقتراحات على بساط البحث خلال القمة الصناعية التي عقدت بمدينة «تورنتو» الكندية خلال صيف عام ..1988».
واضاف: «... انني سعيد لانه تم التوصل الى اتفاق بهذا الشأن خلال الاجتماعات المشتركة لصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي في مدينة برلين في الاسبوع الماضي...».
¼ بتاريخ 10 اكتوبر عام 1988م، حياً رئيس منظمة الوحدة الافريقية الرئيس المالي موسى تراوري مقترحات الشيخ جابر الاحمد حول ايجاد تعاون اقتصادي اوثق واوسع بين الشمال والجنوب، ووضع اجراءات تسهيل عبء مديونية دول العالم الثالث.
وابلغ الرئيس تراوري مؤتمراً صحفياً في نيويورك: «... ان منظمة الوحدة الافريقية ترحب بمقترحات سمو امير دولة الكويت التي وردت في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة بشأن خفض عبء ديون العالم الثالث، وتحسين الوضع الاقتصادي الحرج للدول النامية، وخاصة الدول الافريقية الاكثر فقرا، والغاء الفائدة المستحقة على جميع الديون، واعادة النظر من قبل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي بشروطهما المتشددة على مساعدات التنمية...».
ومضى الرئيس تراوري قائلاً: «... انه يتعين التعامل مع مشكلة الديون في اطار التنمية الاقتصادية لجميع الدول الافريقية، وضرورة ان يشارك المجتمع الدولي في حوار مثمر بين الدائنين والمدينين، وذلك في مسعى جاد لايجاد حل مرض لديون افريقيا الخارجية..».
¼ اعرب مدير عام منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية «دومينجو سيازون» عن تأييد المنظمة للاقتراح الذي تقدم به امير دولة الكويت امام الجمعية العامة بايجاد تعاون بين الدول الدائنة من اجل التوصل الى حلول معقولة لمشكلة الفوائد على الديون التي تعاني منها الدول النامية، والتي تعيق نموها الاقتصادي.
¼ رحبت السوق الاوروبية المشتركة على لسان مفوضها العام «كلود شيسون» بمقترحات امير دولة الكويت بشأن المديونية المستحقة على دول العالم الثالث، ووصفها، في مؤتمر صحفي في القاهرة في 12 نوفمبر عام 1988، بأنها حدث مؤثر ورمزي، وقال: ان ما يثير الاعجاب، هو ما صدر عن رئيس دولة جنوبية قدمت قروضاً لدول نامية وتعرض الغاء جزء منها والكويت ـ بهذا ـ تؤكد تضامنها مع الشعوب الاكثر فقراً، اذ قدمت مساعدات جوهرية وسخية لاغراض التنمية. واعرب عن امله في ان تتجه قمة الدول الصناعية، التي ستعقد في يوليو عام 1989 نحو حل جذري لمشكلة المديونية.
¼ بثت وكالات انباء دول اوروبا الشرقية في نشرتها الرئيسية باللغة الانجليزية، وكذا عدد من وكالات الانباء في دول اوروبا الغربية، مقتطفات مطولة من الخطاب، ركزت فيها على القضايا المهمة والمصيرية التي تناولها الخطاب، وخاصة فيما يتعلق بالحوار بين دول الشمال ودول الجنوب، وازمة الديون التي تعاني منها الدول النامية، ومشكلة دفن النفايات النووية والكيماوية من قبل الدول الصناعية في مناطق متفرقة من دول العالم الثالث. كما ابرزت هذه الوكالات النداء الذي وجهه الشيخ جابر الاحمد الى جميع دول العالم للعمل على اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد اكثر توازناً، وعدلاً بين الشعوب.
كما اشار تعليق سوفييتي حول الخطاب، واصفاً اياه، بأنه: « كلمة متزنة اثبتت ان الكويت، دولة واميراً، تتمتع عن جدارة بالاحترام والثقة، ليس فقط في الوسط العربي والاسلامي، بل وفي جميع انحاء العالم».
من جانب آخر، ابرزت وكالة انباء «نوفستي» في تعليق لها على الخطاب، بأن مقترح الشيخ جابر الاحمد حول اعفاء الدول النامية من الفوائد المستحقة على ديونها، وعقد مؤتمر دولي موسع لبحث قضية الديون.. هذه المقترحات تنسجم مع الرؤية السوفيتية لقضايا التطور الدولي المعاصر وان الاتحاد السوفييتي مثله ـ في ذلك ـ مثل الكويت يعتبر ان قضية الديون واحدة من اهم قضايا العالم الملحة التي لم تحظ بالاهتمام، في الوقت الذي يشكل بقاؤها تهديداً وخطراً من حيث امكان تحولها الى قنبلة اجتماعية بطيئة الانفجار.
ووصفت الوكالة مقترحات الشيخ جابر الاحمد بأنها تشكل مخرجاً من مأزق قضية الديون، لاسيما انها تأتي من قبل دولة دائنة، ونامية في الوقت نفسه وعبرت الوكالة عن اتفاق الاتحاد السوفييتي والكويت على حقيقة ان تحسين الوضع المالي، وقيام علاقات دولية طبيعية مرهون بالسرعة التي يتم فيها ادراك هذه الحقيقة في كل القارات.
واعتبرت الوكالة موقف الكويت من الارهاب الدولي رؤية منسجمة تماماً مع التصور السوفييتي لهذه القضية الخطيرة، مؤكدة على ان الاتحاد السوفييتي يشاطر دولة الكويت ضرورة الفصل بين الارهاب وبين النضال العادل للشعوب من اجل تقرير مصيرها وحريتها وحقوقها المشروعة.
واستدركت، بانه من الضروري، من اجل القضاء على الارهاب، العمل ايضا على ازالة الاسباب التي تولد الصراعات، وينتج عنها الارهاب مؤكدة على ان الاتحاد السوفييتي ودولة الكويت يريان في تصور واشنطن وتل ابيب ان النضال الفلسطيني من اجل نيل حقوقه المشروعة ارهاب، انه محاولة للخلط بين السبب والنتيجة، وقلب الامور رأسا على عقب.
واعتبرت الوكالة انه من الاهمية بمكان، في ظل الظروف الدولية الصعبة بالنسبة للفلسطينيين، تبني الموقف الداعم الذي عبر عنه امير دولة الكويت باسم منظمة المؤتمر الاسلامي للانتفاضة الفلسطينية، ولاقامة دولة فلسطينية مستقلة.
واشادت الوكالة في ختام تعليقها بمطالبة امير دولة الكويت للاطراف المعنية بالالتزام باتفاقيات جنيف حول التسوية الافغانية، وضمان حق الشعب الافغاني في تقرير طريقة حياته، وكيفية ترتيب علاقاته مع جيرانه.
¼ امتدحت مجموعة الـ 77 في الامم المتحدة مبادرة الشيخ جابر الاحمد لتخفيف عبء الديون على دول العالم الثالث من خلال التعاون بين الشمال والجنوب... جاء ذلك في اجتماع للمجموعة عقد في نيويورك على هامش دورة الجمعية العامة برئاسة وزير خارجية تونس عبد الحميد الشيخ، حيث عبرت عن التقدير والرضا العميقين لمبادرته، واشادت ـ على وجه الخصوص ـ بدعوته للمؤسسات الدولية الى اعادة النظر في شروطها القاسية على الدول التي تسعى للحصول على مساعدات لتحسين اوضاعها الاقتصادية، كما اشادت المجموعة باقتراحه الداعي الى تطوير الموارد البشرية من خلال التوسع في نقل العلوم والتكنولوجيا من الشمال الى الجنوب.
¼ ابلغ المندوب الامريكي الدائم لدى الامم المتحدة «فيرنون وولترز» ان الولايات المتحدة الامريكية ستدرس بعناية الخطة التي اقترحها سمو امير دولة الكويت على المجتمع الدولي من على منبر الامم المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون بين دول الشمال والجنوب.
¼ وقال: «... ان بلاده اهتمت دائما بهذه العلاقة، وانها تقدم مساهمة كبيرة للغاية للدول النامية تقدر بثلاثة بلايين دولار سنويا، وركز «وولتر» في تعليقه على الخطاب بان الشيخ جابر الاحمد رجل مهم، عميق التفكير، سنكون سعداء بالتأكيد ان ندرس اقتراحه بعناية»....
¼ اكد وزير خارجية المغرب عبد اللطيف الفيلالي على ما ورد في الخطاب في كلمة بلاده امام الجمعية العامة للامم المتحدة قائلا: ... اننا ندعم ما ورد في هذا الخطاب بكل قوة، ونشاطر سمو امير دولة الكويت فيماقدمه للأسرة الدولية من افكار انسانية عملية...».
¼ قال وزير خارجية النمسا نائب المستشار الاتحادي لوس موك:«... ان الخطاب المنهجي والتاريخي الذي القاه سمو امير دولة الكويت، بصفته رئيسا لمنظمة المؤتمر الاسلامي، امام الجمعية العامة للامم المتحدة، كان من ابرز الكلمات التي القيت خلال الدورة الثالثة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة»...
واضاف في حديث أدلى به لوكالة الانباء الكويتية: «... ان خطاب سمو الامير حظي باهتمام مختلف الدول والوفود في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة لكونه تطرق الى جميع القضايا الحاسمة والمهمة التي تواجه عالمنا اليوم، كالتعاون بين الشمال والجنوب، وازمة الديون للدول الفقيرة، ومشكلة الارهاب الدولي، والدعوة الى اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد اكثر توازنا»...
واوضح موك: «... ان ما لفت انتباه الوفود، التي حضرت جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة ان سمو الامير منح مكانة لقضايا ما يسمى بالعالم الثالث في خطابه المهم، وابرز بذلك تضامن الدول العربية والاسلامية مع الدول الفقيرة، وتأييدها للبحث عن الحلول المطلوبة لمشكلاتها»...
واكد في حديثه: «... ان للنمسا وجهة نظر مطابقة لما اقترحه سمو امير دولة الكويت لمعالجة ازمة الديون في الدول النامية ووصف الاقتراح بانه مثالي. لان كل دولة في العالم تعاني في الحقيقة من مشاكل انمائية، بغض النظر عن مستوى النمو الحالي الذي حققته حتى الآن، وعن دخلها القومي الاجمالي في الوقت الحاضر»...
وقال موك: «... ان القضايا التي تطرق لها الامير في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة، والمقترحات العملية التي طرحها سموه للبحث عن حلول ايجابية لمختلف المشاكل المعلقة في الساحة الدولية، ستكون ايضا من القضايا التي ستتناولها مباحثاته مع كبار المسؤولين في الحكومة الكويتية، وذلك خلال الزيارة التي من المقرر ان يقوم بها الرئيس النمساوي كورت فالدهايم للكويت خلال الفترة من 31 اكتوبر حتى الثالث من نوفمبر عام 1998م»...
واوضح موك: «... انه سيرافق رئيس الجمهورية في هذه الزيارة الرسمية الى الكويت، والتي ستكون مسبوقة بزيارة رسمية الى سورية ايضا، مؤكدا ان المباحثات سوف تتركز بالدرجة الاولى على العلاقات الثنائية بين النمسا والكويت، والسبل الكفيلة بتعزيزها في شتى المجالات، وبخاصة السياسية والاقتصادية والثقافية»...
واضاف: «... ان حكومته تولي اهمية كبرى لموقف الكويت من التطورات الراهنة في منطقة الخليج العربي، وبخاصة بعد التوصل الى وقف اطلاق النار في الحرب العراقية ـ الايرانية، وامكانية تحويل وقف اطلاق النار الى «سلام حقيقي ودائم» في المنطقة»...
وقال: «... ان موقف الكويت مهم جدا بالنسبة الى الموقف العربي ككل، ازاء مشروع عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط، نظرا للدور المهم الذي تضطلع به الكويت في منطقة الخليج العربي، والعالم العربي بشكل عام»...

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:08 AM
¼ حذر السكرتير العام للامم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار من ان وضع الديون الخارجية قد يخرج عن نطاق السيطرة اذا لم تتخذ اجراءات فعالة لتخفيف عبء الديون على الدول المدينة... جاء تصريح «دي كويلار» هذا امام اجتماع للجنة الاقتصادية والمالية التابعة للجمعية العامة للامم المتحدة.
كما نبه السكرتير العام للامم المتحدة الى ان حل مشكلة الديون يتعين من خلال التنمية الاقتصادية، وزيادة التمويل واجراء اصلاحات داخل الدول المدينة.
وقال: «... ان اتخاذ اجراءات فاعلة مسألة ضرورية من اجل ضمان تخفيف مشكلة الديون الخارجية لدول العالم الثالث»...
وتأتي دعوة السكرتير العام للامم المتحدة، بتخفيف الديون الخارجية لدول العالم الثالث، بعد عدة اسابيع من دعوة الشيخ جابر الاحمد لايجاد تسوية لمشكلة ديون العالم الثالث.
قررت الأمم المتحدة ادخال اقتراح الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت، الخاص بديون العالم الثالث في الوثائق الرسمية للامم المتحدة، كجزء من اعلان كراكاس الذي اقرته مجموعة الـ 77 في اجتماع غير عادي عقدته في العاصمة الفنزويلية وقال ممثل مكتب المجموعة في الامم المتحدة: «ان ماليزيا، بصفتها رئيس المجموعة، طلبت من السكرتير العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار اعتبار اقتراح الكويت وثيقة رسمية من وثائق الامم المتحدة».
وكان وزراء خارجية 128 دولة نامية قد ناشدوا في كراكاس المجتمع الدولي الى اجراء تخفيضات كبيرة في ديون العالم الثالث الخارجية واعرب الاجتماع الوزاري للمجموعة عن تقديره للمبادرة المهمة التي اقترحها الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت في مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي.
هذا، وقد جاء في اعلان صدر في ختام اجتماعات مجموعة الـ 77 ان ديون دول العالم الثالث الخارجية، التي تعد عقبة امام التنمية تبلغ حوالي 3،1 تربليون دولار امريكي.
دعت مصر في مؤتمر التجارة والتنمية الدولية، الذي عقد في جنيف في مطلع اكتوبر عام 1989م الى تبني مبادرة الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت، بشأن ديون الدول النامية كإجراء امثل لحل هذه المشكلة، التي تعوق سبل تطور دول العالم الثالث.
وابلغ الدكتور نبيل العربي مندوب مصر لدى المقر الاوروبي في جنيف، اجتماعا للهيئة الدولية: ان تعقيد ازمة الديون وتعددية وقائعها يدفعنا الى تبني ما كان سمو امير دولة الكويت قد طرحه في مبادرة لعلاج أزمة الديون لدى دول العالم الثالث، وهي المبادرة التي وافقت عليها قمة عدم الانحياز في بلغراد.
اشاد رئيس نيكاراغوا دانييل اورتيغا بمبادرة الشيخ جابر الاحمد المتعلقة بحل مشكلة الديون العالمية جاء ذلك في تصريح لوكالة الانباء الكويتية اثناء مشاركة الرئيس النيكاراغوي في اعمال مؤتمر قمة دول عدم الانحياز في دورته التاسعة.
وقد اكد الرئيس اورتيغا: «أن شعوب قارة امريكا اللاتينية التي تعاني كلها ـ تقريبا ـ من مشكلات اقتصادية عسيرة، وعلى رأسها مشكلة الديون، تنظر للمبادرة الكويتية باحترام وتقدير عاليين».
وأضاف الرئيس: ان المبادرة تلاقي ترحيبا كبيرا لانها تنبع عن قناعة بخطر مشكلة المديونية على التنمية الوطنية، وكيفية تطوير الاقتصاد ووضعه في خدمة الرقي بمستويات المعيشة للمواطن، ولا لخدمة الديون واعادة جدولتها والوفاء بها على حساب قوت يوم المواطن».
وأكد رئيس نيكاراغوا: «ان على حركة عدم الانحياز، والامم المتحدة تبني المبادرة وتطوير وسائل تنفيذها،. وارغام الدول الصناعية الدائنة الاخرى على القيام بجهود مماثلة للمبادرة الكويتية، لتصبح شاملة ووافية يمكن تطبيقها من قبل المجموعة الدائنة نفسها ايضا».
أشار الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح محافظ بنك الكويت المركزي، خلال الاجتماع السنوي لمحافظي البنوك المركزية الذي نظمه بنك انجلترا في لندن بتاريخ 9 يونيو عام 1989م، الى مبادرة الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت بشأن ايجاد حل لمشكلة الديون الرسمية.
معلنا ان معظم المبادرات السابقة اهملت موضوع الديون للجهات الرسمية، وخاصة ان اغلب هذه الديون مستحقة على الدول الاكثر فقرا ورجى انه في ضوء تباطؤ الاقراض التجاري لتلك الدول، فان حصة الديون الرسمية سوف تزيد في السنوات القادمة.
وذكر الشيخ سالم في الاجتماع بان سمو الامير عرض استعداد الكويت للمشاركة في مؤتمر دولي للدول الدائنة بهدف التوصل الى اتفاق جماعي حول معالجة الديون الرسمية، وذلك عن طريق تجميد تراكم الفائدة لفترة سماح تعتمد على ظروف الدول المدينة، واعادة جدولة الديون بشكل يأخذ في الاعتبار متطلبات التنمية، والعمل على خفض الديون الرسمية، وكذلك خفض الفائدة، او دعمها بحسب ظروف كل دولة مدينة.
من جهة اخرى حث الشيخ جابر الاحمد مجلس الامن الدولي على القيام بدور رئيسي بالنسبة لتصعيد حرب المدن بين العراق وايران جاء ذلك في رسائل بعثها في الاول من مارس عام 1988م الى قادة الدول الخمس عشرة الاعضاء في مجلس الامن بصفته رئيسا لمنظمة المؤتمر الاسلامي، وابلغهم فيها بالتطور المأساوي الجديد في الحرب العراقية الايرانية.
وأهاب باسم العالم الاسلامي، وباسم ما يدعو اليه من حب للسلام والاخاء بين ابناء البشر جميعا. وهو ما دعا اليه جميع الانبياء وباسم منظمة المؤتمر الاسلامي التي يحمل مسؤولية دورتها الحالية.. اهاب الشيخ جابر الاحمد بمجلس الامن الدولي، وبخاصة الاعضاء الدائمون فيه. ان يتذكروا ان كل يوم يتأخرون فيه عن الدائمون الفعال لايقاف هذه الحرب يحمل معه المزيد من الضحايا الابرياء من الطرفين المتحاربين. كما اشاد بالجهود الخيرة التي يبذلها السكرتير العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار في هذا السبيل، معربا عن امله في ان تمثل رسائله هذه الى قادة الدول الاعضاء في مجلس الامن حافزا لهم للتحرك السريع في هذا المجال، بما يحقق تطلع شعوب العالم اجمع الى السلام في هذه المنطقة التي طال انتظارها له.
بتاريخ 17 ديسمبر عام 1988م تحدث الشيخ جابر الاحمد في كلمة شاملة، وجامعة في حفل افتتاح الدورة الخامسة لمجلس مجمع الفقه الاسلامي، بصفته رئيسا لمنظمة المؤتمر الاسلامي، مؤكدا ان الفكر الاسلامي يقابل تحديات كبيرة امام استكشافات ومناهج العلم الحديث.
وفي هذا يقول: «يتساءل المجتمع الاسلامي، وبخاصة اجيال الشباب، عن اّراء العلماء في هذه القضايا والمشكلات، وانهم يأملون في اجتهادات ايجابية نابعة من القرآن الكريم والسنة الشريفة تعين على سلوك الطريق، بعد ان رضي جانب من الفكر الاسلامي خلال قرون مضت بالانطوائية والتقليد، وما كان هذا ليحول دون استمرار حركة التاريخ، ومتغيرات الحياة والحوار بين الحضارات».
ثم يرتقي من مجال الفكر الى التطبيق قائلا: «ان كل حضارة عالمية لها سماتها الانسانية التي تسبق الى الذهن، اذا جاء ذكرها، فما هي معالم الحضارة الاسلامية في عالمنا المعاصر؟ اننا نستطيع ان نتحدث عن الماضي، وعن الصحوة المعاصرة كانطلاقة تختلط فيها الايجابيات بالسلبيات، والآمال بالعثرات. ولكن علينا بالجهد المشترك ان نتعاون على تشكيل الملامح الطيبة للوجود الاسلامي الذي ينتظم الصف فيه بعد ان كان امره فرطا، وتمر فيه يد المحبة على اثار التعصب والتباعد، ويمحو فيه ضياء العلم ظلمات التخلف، وتتلاقى العقول والايدي على صياغة الامال اعمالا تنفع الناس وتمكث في الارض».


جمال عبدالناصر (في الستينات): الكويت الشمعة المضيئة في العالم العربي الأمير: مبادىء عدم الانحياز مثلت أماني الشعوب
لتحقيق سلام المساواة ودعم الحق ومواجهة الطغيان
الحلقة الثالثة والعشرون

وما زلنا مع ردود الفعل على مؤتمر القمة الاسلامي ومع خطاب سمو الامير الذي سطر فيه آماله وتطلعاته لغد العالم الاسلامي فيقول «ان الانتاج طريق الكرامة والسعي فيه عبادة وان جهد الزارع والعامل روافد تلتقي مع جهود العلماء في بناء الحياة الاسلامية ومن حولها حصون من عزمات الشباب تحفظ الاوطان من اي عدوان».
وفي هذا السياق يسترسل قائلا:«.. اننا نأمل ان يتسع هذا الانتاج وتعمق قواعده، وتمتد افاقه الى المشاركة في البحث العلمي، وان يتم هذا كله بتنسيق بين الاجهزة على مستوى العالم الاسلامي، وبتعاون عالمي لا يمكن للبحث ان يسير دونه، وهذا هو طريق الاسلام وهو طريق السلام.
وانني اتطلع الى اليوم الذي يلتقي فيه علماء الاسلام على دستور عمل يجمع المسلمين في ساحة اخاء تحررت من الصراعات المذهبية وتوجهت الى بناء مستقبل الاسلام..».
في 19 اكتوبر عام 1989م وبصفته رئيسا لمنظمة المؤتمر الاسلامي اصدر الشيخ جابر الاحمد بيانا بشأن الاعتداء على المسجد الاقصى جاء فيه «تابعنا بقلق بالغ المحاولات الاستفزازية التي اقدم عليها النظام الصهيوني بوضع حجر الاساس لما يسميه بتجديد هيكل سليمان عند المسجد الاقصى في القدس الشريف وهذا الحدث الذي يهز مشاعر المسلمين انما هو تحد سافر للاسلام والعقيدة الاسلامية واننا باسم منظمة المؤتمر الاسلامي التي تمثل عالمنا الاسلامي اذ نهيب بشعوب العالم ودوله وجميع المؤسسات والمجموعات والمنظمات الدولية، وعلى رأسها هيئة الامم المتحدة، ان توقف هذا الاعتداء فاننا نتطلع الى ان تتخذ موقفا حازما ضده وتزاول الضغوط كافة لمنع النظام الصهيوني من تنفيذ جريمته النكراء كما قام من قبل باحراق المسجد الاقصى المبارك.
واختتم بيانه مؤكدا «ان هذا الاعتداء الخطير على المسجد الاقصى الذي يحتل مكانته المقدسة السامية لدى المسلمين جميعا، ستكون له انعكاساته الخطيرة على مجمل الاوضاع في العالم العربي والاسلامي في وقت تتضافر فيه جميع الجهود على معالجة الوضع المتفجر في الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وتهيئة الجو لتأمين الامن والسلام في هذه المنطقة على اسس المبادىء الدولية الداعية الى ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بقيام دولته واستعادة مقدساته..».
بتاريخ 29 اكتوبر عام 1989 م حذر الشيخ جابر الاحمد باسم الكويت وبصفته رئيسا لمنظمة المؤتمر الاسلامي اسرائيل من مغبة اعمال الطيش والتحدي الاجرامي للامة الاسلامية ومشاعرها، مؤكدا استنكاره وادانته لهذه التصرفات.
وجاء ذلك في رسالة وجهها الى اللجنة الدولية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
قائلا: «.. ان ابطال الانتفاضة الفلسطينية الصامدين في وجه الاحتلال الغاشم بحاجة ماسة لكم وللجهود كافة ومساندة امثالكم من المناصرين للحق والمدافعين عن قضايا الشعوب العادلة».
داعيا الى تحويل مظاهرات التضامن البلاغية والنظرية في المحافل وعلى سطور الصفحات، الى تحرك عملي ملموس على ارض المعركة، او الى طاولة التفاوض اذا ما رضخ المحتل لخيار السلام، مؤكدا على ضرورة عقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الاوسط الذي اقرته الاسرة الدولية دربا للتسوية، وطريقا لحل القضية التي تشكل جوهر ولب النزاع في الشرق الاوسط.
بمناسبة احتفال منظمة المؤتمر الاسلامي بمرور عشرين عاما على انشائها وجه الشيخ جابر الاحمد رئيس المنظمة كلمة الى المسلمين في جميع ارجاء العالم منوها:«بان المنظمة تحمل مسؤولية مستمرة في تجويد صورة الاسلام في العالم المعاصر ولهذه الصورة مستوى وطني ومستوى شمولي، فعلى المستوى الوطني نحن نتمسك بالاحترام الكامل لاستقلال كل دولة في المنظمة وحقها في اختيار النظام الذي تعيش به وعلى المستوى الشمولي فان التعددية باتت من ابرز سمات العصر الحاضر وعلينا مع التسليم بها ان نتابع السعي بين الدول الاعضاء حتى تكتمل عناصر السلام وحسن الجوار».
ومن جانب اخر اكد الشيخ جابر الأحمد على ان من مسؤوليات المنظمة ان تقوي خطوط اتصالها بالاقليات والجاليات الاسلامية مشيرا الى ان تنمية الانسان المسلم مسؤولية متجددة يتعاون فيها المستويان الوطني والشمولي، وان حوار الحضارات جزء مهم في انشطة العصور ودور الاسلام به قائم وهو دور يعني ان يرتكز على حيوية الاسلام في نفوس اهله واضاءته مستقبلهم وتعاونه مع حقائق الحياة.
كما نوه في نهاية كلمته بأن رسالة الرحمة الالهية تصل الى البشر من خلال بسمة السعادة على وجه الطفل او نظرة الرضا على وجه محتاج زالت كربته او مظلوم عاد الىه حقه، او غائب عاد الى وطنه هذا، وقد طلبت البعثة الدائمة لدولة الكويت لدى الامم المتحدة من السكرتير العام للامم المتحدة بتاريخ 7 فبراير عام 1990 م تعميم نص الكلمة على الدورة الخامسة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة بوصفها وثيقة رسمية من وثائق الجمعية العامة في اطار البندين المعنونين «التعاون بين الامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي » و«قضية فلسطين».
بتاريخ 5 يناير 1991م بعث الشيخ جابر الاحمد بصفته رئيسا للدورة الخامسة لمنظمة المؤتمر الاسلامي ميدالية ذهبية الى السكرتير العام للامم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لتأسيس المنظمة وقد قام بتسليم الميدالية الى دي كويلار مندوب الكويت الدائم لدى الامم المتحدة السفير محمد ابو الحسن مشفوعة برسالة جاء فيها «ان النظام العراقي قام بنهب 46 ميدالية ذهبية للدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي الامر الذي استدعى اعادة سكها كما ان احتفالات الذكري العشرين التي كان يترأسها قد تأجلت بسبب احتلال الكويت».
وقد اثنى دي كويلار على هذه الجهود الطيبة التي اعطت دفعة قوية لنشاطات منظمة المؤتمر الاسلامي، وتحركاتها على الساحة الدولية، وجعلت قضايا العالم الاسلامي ودول العالم الثالث - بصفة عامة - تتصدر اهتمامات الامم المتحدة مؤكدا تفهمه الكامل لما اصاب الكويت من محنة العدوان والاحتلال العراقي.
وفي مطلع فبراير عام 1991 م كان للشيخ جابر الاحمد كلمة امام الاجتماع المشترك للدول الاعضاء في هيئتي مكتبي مؤتمر القمة الاسلامي الخامس، والمؤتمر التاسع عشر لوزراء خارجية الدول الاسلامية الذي عقد في القاهرة جاء فيها «ان الكويت البلد العربي المسلم لا يزال يئن ويرزح منذ الثاني من اغسطس 1990 م تحت وطأة الاحتلال العراقي ويتعرض الشعب الكويتي البريء لابشع الممارسات اللاانسانية على يد سلطات الاحتلال العراقية وان ما تشهده منطقتنا بتواصل الحرب المشروعة لتحرير الكويت والتي جاءت تنفيذا لقرار مجلس الامن رقم 678 لاجبار النظام العراقي على الامتثال للشرعية الدولية انما تمثل - بحق - جهدا دوليا مشروعا في مواجهة التعنت والرفض العراقي المتواصل لكل النداءات الدولية».
مما سبق كله نستطيع القول : ان الشيخ جابر الاحمد خلال فترة توليه مهام رئاسة منظمة المؤتمر الاسلامي لثلاث سنوات متتالية اعتبارا من يناير عام 1987 م قد بذل جهودا كبيرة - على جميع المستويات - من اجل اعلاء كلمة الاسلام وشأن المسلمين وايجاد موقع مميز للاسرة الاسلامية ضمن التحولات والمستجدات التي برزت على الساحة الدولية بانهيار المنظومة الاشتراكية والدعوة لاقامة نظام عالمي جديد.
وفي هذا يقول عبداللطيف البحر «مع النجاح الباهر الذي حققه مؤتمر القمة الاسلامية الخامس فان قادة وزعماء المسلمين في كل مكان اعلنوا عن بالغ التقدير لجهود سمو الشيخ جابر الاحمد والجهد الكويتي والذي قاده سموه لبلوغ تلك النتائج الخيرة التي توصل اليها المؤتمر، فضلا عن قيادة مسيرة العمل الاسلامي التي آلت الى سموه على مدى ثلاث السنوات كي يتابع الانجازات المطلوبة، وينفذ القرارات الصادرة عن خمسة مؤتمرات من اجل تحقيق اهداف منظمة المؤتمر الاسلامي وفي سبيل خدمة المسلمين ورعاية مصالحهم والحفاظ على حقوقهم والاستمرار في حمل رسالتهم الانسانية وخيرها، وامن واستقرار وسلام البشرية والعالم.
وفي القمة ا لسادسة لمنظمة المؤتمر الاسلامي التي عقدت في مدينة «دكار» عاصمة السنغال في الفترة من 9 - 11 ديسمبر عام 1991 كان للشيخ جابر الاحمد كلمة القاها في الجلسة الافتتاحية للقمة استعرض فيها باسهاب انجازات المنظمة خلال فترة رئاسته لها، موجها اعتذاره لقادة الدول الاسلامية حين اشار :«انني اسجل شعوري بالتقصير في تحقيق ما كنت اطمح اليه في المدة التي شرفت فيها برئاسة القمة الاسلامية الخامسة فقد كانت امالي - شخصيا - كبيرة واعلم ان آمال الامة كانت اكبر ولكن لا يعلم الغيب الا الله..».
وتتواصل مسيرة منظمة المؤتمر الاسلامي وتعقد القمة السابعة في الدار البيضاء بالمملكة المغربية ويؤكد قادة العالم الاسلامي من جديد على القرارات السابقة للقمم الاسلامية التي تدعو العراق الى ضرورة الالتزام والتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الامن الدولي كافة المتصلة بحرب تحرير الكويت وبخاصة ما يتعلق منها بالاسرى والمرتهنين الكويتيين وغيرهم من الدول الاخرى.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:09 AM
وقد وجه الشيخ جابر الاحمد بيانا الى القمة اشار فيه الى مجمل القضايا الساخنة في العالم الاسلامي شاكرا للملك الحسن الثاني ولشعبه وحكومته جهودهم المخلصة في توفير اسباب النجاح للمؤتمر، مؤكدا على ضرورة احياء ما نص عليه اعلان الدار البيضاء من وجوب ان يقوم التعامل بين الدول الاسلامية على روح الاخاء الاسلامي المبني على التفاهم والحوار دون اللجوء الى القوة والقتال.
منوها بالقمة الخليجية الخامسة عشرة التي عقدت في دولة البحرين، وبالموقف التضامني لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتلاحم دولها في مواجهة احداث الحاضر وتوقعات المستقبل.. هذه الوقفة الخليجية التضامنية التي عبر عنها قائلا «ولقد تعرضت منطقتنا لاخطار جسيمة تسببت في زعزعة ثوابتها وتدمير الكثير من انجازاتها وتبديد معظم طاقاتها في غير صالح ابنائها.
ومن ثم كان علينا - جميعا - ان نواجه احداث الحاضر وتوقعات المستقبل مواجهة جماعية تتلاحم فيها قوى مجلس التعاون الخليجي مؤمنين بان ايا منا مهما بلغت قوته لا يستطيع مواجهتها منفردا، وبحمد الله تعالى وتوفيقه كانت هذه الرؤية محل اتفاق بين جميع الاخوة قادة دول مجلس التعاون الخليجية وقد كان مما تحققه لنا هذه الرؤية التركيز على جانبي الامن والاقتصاد، اذ هما عصب قوتنا وهما في الوقت نفسه صنوان متلازمان.
وفي القمة الثامنة التي عقدت في طهران خلال الفترة من 9 - 11 ديسمبر عام 1997م كان للشيخ جابر الاحمد كلمة اشار فيها بمرارة الى واقع العالم الاسلامي فقال: «في تقديري ان علاقات العالم المعاصر بالامة الاسلامية تتأثر بأمرين اساسيين اولهما: وجودنا التاريخي بعلاقاته مع العالم القديم التي اعادت صياغته لقرون متتابعة وثانيهما: واقعنا الحالي بامتداده الجغرافي الذي يشغل اهم المناطق وسطية، واهم الامكانات، ولا ينفصل عن هذين بحال سواء علمنا ام جهلنا - اننا امة ذات رسالة والامة ذات الرسالة عليها واجب اساسي وهو ان تصون رسالتها من كل تشويه ينأى بها عن كل ما يشين صورتها وبخاصة اذا كان ذلك على ايدي اتباعها..».
ويمضي في هذا السياق مؤكدا: «.. فأي خسارة افدح من ان تدور بين الاخوة في البلد الواحد رحى القتال ضارية في اكثر من ارض اسلامية والافدح ان يكون ذلك باسم الاسلام الذي ينطق كتابه الكريم (انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) واي خسارة افدح من كون العالم ينظر الينا، فاذا بلد مسلم يشن حربا على جار مسلم تحصد النفوس والطاقات والعمران ثماني سنين وبعدها يغدر بجار مسلم اخر يريد ان يمحو وجوده! فلما لم يتم له ذلك راح يحتجز من المسلمين الابرياء المغلوبين على امرهم عددا كبيرا على انهم اسرى ليتخذهم رهائن لديه، مناقضا لقيم الاسلام ومبادىء الانسانية».
ويحاول الشيخ جابر الاحمد في اتون هذه المتناقضات والممارسات المرفوضة ان يتلمس نقطة التقاء تجمع مصالح المسلمين كافة فيقول «ان عالم اليوم هو عالم المصالح التي جعلت كثيرا من الدول تتجمع في تكتلات ووحدات بغية تحقيق اكبر قدر ممكن من المصالح لشعوبها فهل نعجز بصفتنا منظمة عن البحث الجدي من خلال وجود اخوي متعاون بعيد عن الانانية والاطماع وحب السيطرة ليكون لنا مكان او اكثر بين هذه الدوائر من الكتل والمجموعات؟».
ولتحقيق شيء من هذا يقترح اول خطوة على طريق التضامن والعمل المشترك فيقول «.. وفي سبيل تحقيق صورة ناصعة لامتنا، ودخول حلبة المنافسة التي تفرضها المرحلة الحالية، ارى ان يكون طريقنا الى ذلك ان نحدد، دون مزايدات ودون المساس بخصوصيات دولنا ضوابط الالتزام من كل الاطراف، واحترام المواثيق ونبذ العدوان..».
وفي هذا الاطار يمضي قائلا «.. وتتجه جهودها - في الوقت نفسه - نحو البحث عن الوسائل الممكنة البالغة الوضوح والتحديد والخطوات والمراحل لتحقيق اهدافنا الى البحث عن صيغة عملية نضمن من خلالها قدرا متفقا عليه من التنسيق بين مواقف الدول الاسلامية، فان لم يصل الى التطابق فلا يصل الى التضارب والتناقض..».
وفي ختام المؤتمر صدر اعلان عرف باسم «اعلان طهران» استنكر المؤتمرون من خلاله ما تقوم به اسرائيل من اعمال هادفة الى تغيير الوضع الديموغرافي في القدس، مشددين على ضرورة تخلي اسرائيل عن ارهاب الدولة وداعين الى جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل والطلب من اسرائيل الانضمام الى معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية ووضع كل منشآتها تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذا دعوة العراق الى استكمال تنفيذ التزاماته بموجب قرارات مجلس الامن الدولي المتعلقة بعدوانه على دولة الكويت.
وكان الشيخ جابر الاحمد قد صرح لوكالة الانباء الايرانية لدى وصوله الى مطار «مهرباد الدولي» ان ما بين دولة الكويت والجمهورية الاسلامية الايرانية من لحمة الجوار، وما يضمنها من تاريخ قديم زادها الاسلام عقدا ومتانة، وما يجمعنا من حاضر يفرض نفسه بكل ما يحويه من متطلبات لمواجهة تغييراته المتلاحقة، هذه العلاقة الثنائية تضعنا امام مسؤوليات جمة لا يتوقف اثرها على بلدين جارين وشعبين مسلمين بل يتعداها الى الصالح الاسلامي العام.
معلنا عن سعادته وتفاؤله بهذا اللقاء حين يشير «انني لسعيد ان اصل الى طهران لاشارك في القمة الاسلامية الثامنة التي تحتضنها وترعاه الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي لها اكثر من جانب مميز، وخصوصا، من زاوية الرؤية الكويتية ومن ثم فانني واثق بان هذه القمة الاسلامية ستتصدى بايمان وموضوعية لكل ما يهم عالم الاسلام من قضايا النهضة والتنمية ومواجهة التحديات الذاتية والعالمية من خلال الادارة الحكيمة للرئاسة الايرانية التي تحيط بكل ما يهم الامة العربية ويعلي شأنها».
لم تتوقف جهود الشيخ جابر الاحمد عند حدود ما سلف ذكره من مساع واجتهادات لتأكيد هوية منظمة المؤتمر الاسلامي في كل مناسبة دولية او اقليمية بوصفها تكتلا دوليا، لابد من ان يؤخذ في الاعتبار ضمن معطيات المنظومة الدولية بل تجاوز ذلك الى مآثر وانجازات عديدة لو سطرت بتفاصيلها لاصبحت اصدارا قائما بذاته.
فعلى المستوى المحلي قرن القول بالعمل حين اصدر في 2 ديسمبر عام 1991 م المرسوم رقم 139/91 بانشاء اللجنة الاستشارية للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية في دولة الكويت هذه اللجنة التي لا تزال الى اليوم تواصل اعمالها في تنقية القوانين الوضعية الكويتية بما يتواءم واحكام الشريعة الاسلامية السمحاء.
وفي ميدان المعرفة والثقافة كانت للشيخ جابر الاحمد جهود بارزة في تأكيد دور الاسلام والمسلمين في اثراء المعرفة والثقافة والحضارة العالمية وهذا ما حدا بمدير عام المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة «ايسيكو» في 12 نوفمبر عام 1996 م الى اهدائه درع المنظمة تقديرا لمواقفه الداعمة للارتقاء بانشطة المنظمة، واهتماماته في مجال المعرفة العلمية والتربوية والثقافية.


وفي مجال الاعمال ا لخيرية، وبخاصة النشاطات المساندة لجهود المنظمات والتنظيمات الاهلية والاسلامية، كانت له دوما يد بيضاء ومبادرات كريمة نابعة من ايمانه باهمية العمل الشعبي المرادف والمؤازرة للانشطة وللفعاليات الرسمية وكان النشاط الخيري واحدا من ابرز تلك الاهتمامات التي اولاها عناية كبيرة، وبخاصة في الدول الاسلامية المتضررة نتيجة للحروب او الكوارث الطبيعية تجلى في دعمه للهيئات الاهلية الساعية لاعمال الخير واسعاد البشرية في القارة الافريقية وغيرها من المناطق المحتاجة لمثل هذه الخدمات في العالم.

الأسرة الدولية

اولى الشيخ جابر الاحمد اهتماماً بالغاً للقضايا الدولية في مجملها، وبخاصة تلك القضايا المتصلة بالوطن العربي والامة الاسلامية..هذا الاهتمام الذي لم يقل حماساً عن اهتمامه بقضايا الكويت، او تلك القضايا الساخنة المتصلة بالشأن العربي والاسلامي.
فقد كان ينظر الى القضايا العالمية كوحدة واحدة وفي حلقات متصلة، وان كانت لكل منها خصوصيتها، الا ان تأثيراتها وتداعيات احداها على الاخرى جعلت قضايا هذا الكون قضية واحدة، ومنبعها الاقتصادي او السياسي هو امتداد لبعضها. وكان فكر الشيخ جابر الاحمد في معالجة القضايا الدولية ومصادرها الاساسية يتضح بشكل جلي في المقترحات والمبادرات التي كان يتقدم بها الى المحافل الدولية سعياً وراء حلول مناسبة، لعلها تمكن المجتمع الدولي من الوصول الى حال من الانفراج تزيل عنه مخاطر الانزلاق في حرب كونية، لا يعرف الانسان مداها وتأثيراتها المدمرة للبشرية، بعد ان اصبح العالم يمتلك اليوم من سلاح الدمار الشامل ما يمكنه من ان يفني الكرة الارضية برمتها.
لقد عانت البشرية الكثير من الحروب السابقة، سواء أكانت الحرب العالمية الاولى ام الثانية، ام الحروب الاقليمية المحدودة، ورغم امكاناتها وادواتها التقليدية في عملية المواجهة، ما زالت هناك مجتمعات تعاني الى اليوم من آثارها المدمرة. فاذا كانت القدرات المحدودة بالامس قد تركت مثل تلك الاثار المفزعة، فماذا سيكون عليه الامر في الغد حين تتبارى دول عددية، سواء اكان ذلك في العالم المتقدم ام في دول العالم الثالث، في التصدي لبعضها بأدوات وآليات ووسائل يمكن ان تفني الجميع؟
هنا، كان الشيخ جابر الاحمد يرى دوماً ان الفكر الانساني اذا ما استخدم استخداماً سليماً ومنتجاً وموجهاً نحو خدمة البشرية والانسانية والسلام، فإنه سيكون اقوى واكثر فاعلية من ادوات وآليات الدمار الشامل. لذا فإن جميع المبادرات التي تقدم بها للمحافل الدولية في هذا الصدد كانت نابعة من ذلك الفكر وفي نفس الاتجاه، وهذا ما نلمسه في الحوارات الدولية اليوم بعد ان وضعت الحرب الباردة بين المعسكرين اوزارها، واصبحت لغة الكلام والحوار البناء هي المنهج الذي يسير في فلكه عالم اليوم في حل المعضلات السياسية وقضاياها الساخنة بعيداً عن التهديد والوعيد باشعال حرب عالمية ثالثة. كما كانت الحال في الفترات العصيبة التي واجهها العالم ابان الحرب الباردة.
نحن لا ننكر انه في اطار هذا التوجه الحضاري الداعي لعالم نظيف من الصراعات والحروب، برزت تيارات سياسية اعتمدت لغة العنف والارهاب طريقاً للمواجهة في حسم صراع الحضارات، ونسي اصحاب هذه المدارس ان العالم قد دخل الالفية الثالثة بعقلية جديدة تحاول من خلاله اعادة صياغة تاريخ الانسانية، لتكون اكثر اشراقاً وتفاؤلاً لمستقبل آمن كان يوماً حلم البشرية.
نقول ذلك، لان سياسة الكويت التي اتخذت الوسطية منهجاً لها، والتي اكدها الشيخ جابر الاحمد على مسامع العالم في اكثر من مناسبة،هي سياسة تقوم على مبادىء الوفاق والسلام العالمي، وتنبذ العنف والارهاب على مختلف اشكاله.. سياسة تنبع من روح القانون الدولي والنظام العالمي الجديد القائم على قوة القانون والشرعية الدولية، واستخدام الادوات والصلاحيات التي يوفرها ميثاق الامم المتحدة، مع التمسك والحفاظ على الهوية العربية والتراث الاسلامي السمح.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:11 AM
السلام والتعاون الدولي

ان السلام العالمي والتعاون الدولي من القضايا الدولية ذات البعد الانساني، وهما المدخل الاساسي لارساء قواعد السلام والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر والعوز اينما كانا، وكسب صداقات دولية مبينة على ممارسات واقعية ومصالح مشتركة.
وليس ما سيأتي ذكره في الصفحات القادمة الا بعضاً من تلك الممارسات والجهود التي سعى الشيخ جابر الاحمد لتأكيدها على ارض الواقع من منظور علمي وعملي، يحفظ كرامة الدول وسيادتها، ويعمد الى سعادة البشرية وحمايتها، ونشر العدل والسلام في ربوع المعمورة.
في يوليو عام 1979م بعث الشيخ جابر الاحمد رسالة الى الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان حول تنظيم العلاقات العربية ـ الاوروبية، بعد ان شهدت هذه العلاقة الكثير من التقلب نتيجة سياسات فرنسا واوروبا عموماً تجاه شعوب دول العالم الثالث، من بينها الدول العربية.
لقد جاءت رسالته الى الرئيس الفرنسي لتحدد معالم الطريق الجديد للتعاون العربي ـ الاوروبي، حيث تميزت الرسالة بالتوازن العاقل، اذ انها لم تكتف بمطالبة اوروبا بدعم القضايا العربية العادلة، بل تجاوزت ذلك بلغة العصر، وهي لغة المصالح المتبادلة التي من خلالها يصبح الحديث مقبولاً.
وعليه، فإنه في هذه الرسالة ربط بين قضية العدل، وبين المصلحة العامة. فالدعم السياسي المطلوب هنا للعالم العربي، يقابله تأمين مصلحة اوروبا في ضمان استمرارية تدفق النفط.
من هنا، جاءت الرسالة لتكون بمثابة نقطة تحول في بناء العلاقات العربية ـ الاوروبية. وسوف يسجل له التاريخ بأن خطوته هذه كانت بمثابة حجر الاساس في مسيرة العرب الجديدة نحو بناء الذات والتحرر من عوامل الضغط والاحتكار.
في الفترة من 7 ـ 21 سبتمبر عام 1980م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة عدد من الدول الاسيوية في اول جولة عمل له منذ توليه مقاليد الحكم، شملت: «باكستان ـ بنغلاديش ـ اندونيسيا ـ ماليزيا ـ سنغافورة»، تركزت مباحثاته مع قادة ورؤساء هذه الدول حول علاقات الكويت معها في المجالات الاقتصادية والسياسية، ومجالات المال والاستثمار بما يحقق توسيع هذا التعاون وتنسيقه وتنميته كما تناولت المباحثات ايضاً تعاون الكويت، وهذه الدول في سبيل ابعاد منطقة المحيط الهندي، التي تشمل الكويت وهذه الدول عن الحروب، وعن تدخل الدول الكبيرة بكل اشكاله وصوره.
وفي مجال المال والاستثمار استهدفت مباحثاته مع قادة هذه الدول من اجل اقامة مشروعات في صناعة البتروكيماويات، ومختلف الصناعات التي تعتمد على النفط ومشتقاته كمادة اساسية فيها. وكانت جهات الاختصاص في الكويت قد طلبت ـ في نطاق التحضير لهذه الجولة ـ اعداد تصوراتها الخاصة حول مجالات التعاون مع الكويت بشكل عام والتعاون الاسلامي بشكل خاص.
وفي باكستان التي وصلها الشيخ جابر الاحمد في 7 سبتمبر عام 1980م، بدعوة من الجنرال محمد ضياء الحق رئيس الجمهورية، صدر بيان مشترك تضمن نتائج المباحثات التي دارت بين زعيمي الدولتين والتي شملت العلاقات الثنائية بين البلدين، والقضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبخاصة ما يعلق منها باقليم آسيا والعالم الاسلامي.
وفي هذه الزيارة امر ببناء عدد من المساجد والمدارس والمستشفيات، وحفر الابار للمياه في عدد من القرى الباكستانية هدية من شعب الكويت لشعب باكستان. كما قام بغرس شجرة في منطقة جبلية تشرف على مدينتي «اسلام اباد وروال بندي» وكان زعماء آخرون مثل المغفور له العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، وملكة بريطانيا اليزابيث الثانية، ورئيس الوزراء السوفييتي الكسي كوسيجن، ورئيس الوزراء الصيني الراحل شيوان لاي، قد قاموا بغرس اشجار مماثلة اثناء زيارات سابقة قاموا بها لباكستان.
وقال اثناء قيامه بغرس الشجرة: «... انني سعيد بأن اغرس هذه الشجرة تعبيراً عن علاقات المودة والصداقة القائمة بين شعبي باكستان والكويت. وانني اتضرع الى المولى العلي القدير ان يلهم شعبي بلدينا بذل جهودهما لتعزيز الاسلام، وايفاد المسلمين من اجل السلام والتفاهم في العالم...».
وفي بنغلاديش التي وصلها الشيخ جابر الاحمد في 11 سبتمبر عام 1980م، بدعوة من الرئيس ضياء الرحمن رئيس الجمهورية، صدر بيان تحدث حول الجو الودي والتفاهم المشترك الذي ساد محادثات الزعيمين، والمحادثات المثمرة بين الوزراء المرافقين له، ونظرائهم من جمهورية بنغلاديش، مؤكدين عزمهما المشترك على تطوير العلاقات وتنمية التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات لما فيه مصلحتهما.
وعليه، تم الاتفاق على مواصلة التعاون بين البلدين في مجال استكشاف النفط والغاز، وزيادة حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والدخول في المشروعات المشتركة ذات المنفعة المتبادلة هذا وقد تم خلال الزيارة التوقيع على اتفاقية النقل الجوي بين البلدين.
وفي مجال استعراض الزعيمين للوضع السياسي الدولي، اكد الجانبان على اهمية قيام المجتمع الدولي بتكثيف جهوده من أجل تعزيز السلام والامن في العام، والعمل على مواصلة الجهود من اجل اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد على اساس من العدالة والمساواة، وان النزعات الدولية يجب حلها في اطار مبادىء ميثاق الامم المتحدة وآلياتها. مع التأكيد على ضرورة تعزيز التضامن بين الدول الاسلامية والسعي لجعل المحيط الهندي منطقة سلام، وان الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط لا يمكن تحقيقهما الا بانسحاب اسرائيلي من جميع الاراضي العربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية المشروعة كافة، بما فيها اقامة دولته المستقلة.
وفي اندونيسيا التي وصلها الشيخ جابر الاحمد في 13 سبتمبر عام 1980م بدعوة رسمية من الرئيس سوهارتو، جرت محادثات بين الزعيمين تناولت مجمل العلاقات الثنائية والاسلامية والدولية، كما جرت محادثات مثمرة بين الوزراء المرافقين به، ونظرائهم من جمهورية اندونيسيا.
وقد صدر في العاصمة «جاكرتا» بيان يؤكد فيه الجانبان على حق شعبي افغانستان وكمبوديا في تقرير مصيرهما ومستقبلهما السياسي دون اي تدخل اجنبي او اكراه او ترهيب وان السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الاوسط لا يمكن تحقيقه الا بانسحاب اسرائيلي من جميع الاراضي العربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس. كما اتفق الجانبان على ضرورة بذل الجهود كافة من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الدول المتقدمة من أجل تحقيق تقدم ملموس نحو اقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، معربين عن قناعتهما بان تحقيق ذلك يجب ان يتم ضمن اطار الامم المتحدة.
وفي هذه الزيارة اعرب الجانب الكويتي عن استعداده لدراسة امكانية المشاركة في عدد من مشروعات التنمية في القطاعات الاساسية من الاقتصاد الاندونيسي، وكذلك في المشروعات المجدية في مجالات الصناعة والتجارة والزراعة، ومن بينها مشروع محطة «باتام» للتكرير. كما تم الاتفاق على عقد اتفاقية تجارية بين البلدين وتنمية العلاقات الثقافية والعلمية، ودراسة سبل تعزيز التعاون بينهما في مجالات التربية والعلوم والدراسات الحضارية.
بدعوة من رئيس الدولة الاعلى السلطان حاجي احمد شاه المستعين بالله، حيث استقبل والوفد المرافق له بحفاوة بالغة من قبل رئيس الدولة الاعلى وحكومة وشعب ماليزيا وفي جو من الود والصداقة استعرض الجانبان التطورات المتزايدة في علاقتهما الثنائية، وأكدا من خلالها رغبتهما المشتركة في تعزيز وتطوير هذه العلاقة وتوسيع مجالات التعاون في مختلف المجالات لما فيه مصلحة البلدين.
وفي ختام هذه الزيارة صدر في العاصمة كوالالمبور» بيان مشترك أكد فيه الزعيمان على جملة من المعطيات الثنائية والاقليمية والدولية، وفي مقدمتها بذل الجهود من أجل تطوير التعاون العلمي والثقافي بين البلدين، ودراسة امكانية المشاركة في عدد من مشاريع التنمية الاقتصادية والتجارية في ماليزيا.
وفي مجال استعراضهما للوضع السياسي الدولي، اعرب الجانبان عن قلقهما للتوتر وعدم الاستقرار الناتجين عن خرق مبادىء ميثاق الامم المتحدة، واكدا ايمانهما بان السلام الدائم لا يمكن تحقيقه دون الالتزام التام بتلك المبادىء ومراعاتها، وخاصة ما يتعلق منها بالاستقلال الوطني والسيادة والسلامة الاقليميتين لجميع الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم اللجوء الى القوة او التهديد بها في حل المشاكل الدولية.
من جانب اخر، أكد الجانبان ـ ايضا ـ على ضرورة تعزيز التضامن والتعاون بين الدول الاسلامية وشعوبها، وتعهدا باستمرار تمسكهما بمبادىء ميثاق منظمة المؤتمر الاسلامي، وتأييدهما التام للتعاون المثمر بين الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي.
كما اعرب الجانبان عن اهمية وحدة وتضامن دول عدم الانحياز، مؤكدين التزامهما التام بمبادىء واهداف الحركة بصفتها عاملا اساسيا لتعزيز السلام والامن في العالم.
انهى الشيخ جابر الاحمد زيارته الرسمية للدول الاسيوية بتاريخ 20 سبتمبر عام 1980م وكانت سنغافوره التي وصلها في 18 سبتمبر عام 1980م بناء على دعوة من الدكتور هنري بنيامين شريو رئيس الجمهورية، آخر محطة له في تلك الزيارة، حيث صدر بيان مشترك عن الجانبين «الكويت وسنغافورة» اكدا فيه تمسكهما بمبدأ عدم الانحياز، ورفضهما للتدخل الاجنبي في شؤون الدول الاخرى. ودعت الدولتان الى اقامة سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط قائم على اساس انسحاب اسرائيلي من الاراضي العربية المحتلة كافة، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، والسيادة والاستقلال الوطني.
كما أكد الجانبان على اهمية الدور الذي تلعبه منظمة دول جنوب شرقي آسيا في مجال تعزيز التعاون الاقليمي في جنوب شرقي آسيا بروح من المساواة والاحترام المتبادل من اجل تحقيق السلام والرخاء والتقدم في المنطقة.
وفي مجال استعراضهما للوضع السياسي الدولي، اكد الجانبان على ضرورة قيام جميع الدول غير المنحازة ببذل الجهود كافة لتعزيز السلام والامن العالميين، معربين عن قلقهما الشديد بالاتجاه نحو ممارسة التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، مبديين معارضتهما لهذا الاتجاه ولاستخدام القوة لحل النزاعات بين الدول. وان تكون الوسائل السلمية المتفقة والمنسجمة مع ميثاق الامم المتحدة،. هي الطريق لحل مثل هذه النزاعات الدولية.
واتفق الجانبان ايضا على ضرورة بقاء الجهود اللازمة من قبل المجتمع الدولي. وخاصة الدول المتقدمة من اجل ضمان التقدم الايجابي الملموس نحو اقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، كما اتفقا ـ ايضا ـ على ان الامم المتحدة هي الاطار المناسب لاجراء المفاوضات بشأن ذلك.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:11 AM
تاريخ 21 سبتمبر عام 1980م استقبلت الكويت بكل المحبة الصادقة اميرها العائد من جولته الاسيوية التي استمرت اسبوعين كاملين كانت حرارة الاستقبال تعبيرا عن العلاقات الاسرية الوثيقة التي تربط شعب الكويت بأميرها الوالد، والتي تجسد ـ عمليا ـ روح الاسرة الواحدة التي كانت سمة ملازمة للكويت عبر تاريخها الطويل.
وقد ادلى الشيخ جابر الاحمد بتصريح صحفي لدى وصوله ارض الوطن، اشار فيه الى ان زيارته للدول الاسيوية ـ رغم قصر المدة ـ قد هيأت له ولاعضاء الوفد المرافق الفرصة للاطلاع على الاوضاع في هذه الدول، وتكون فكرة واضحة وحقيقية عن طبيعة هذه البلاد ومشاكلها.
مشيرا الى ان عدد سكان هذه الدول يبلغ حوالي خمس عدد سكان العالم، لذا فهي تكتسب اهمية بالغة، ليس فقط بالنسبة للكويت، بل وبالنسبة للوضع الدولي ككل، كما انها تضم اكبر عدد من المسلمين في العالم اجمع، وللكويت مع جميع هذه الدول علاقات قوية ومتينة ترتكز اساسا على الثقة والتقدير المتبادلين.
ويمضي سموه في تصريحه الصحفي، فيؤكد: ان من اهداف الزيارة الى هذه الدول تعزيز وتقوية العلاقات عن طريق اللقاء المباشر مع قادتها والمسؤولين فيها، والتباحث معهم حول القضايا كافة التي تهم الكويت وانه خلال كل المباحثات التي اجراها مع قادة هذه الدول والمسؤولين فهيا، كان التوافق في الاراء واضحا حول القضايا التي طرحت للبحث.
بتاريخ 13 فبراير عام 1981م وجه الشيخ جابر الاحمد كلمة الى مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز المنعقد في نيودلهي، هنأ فيها المؤتمرين بالذكرى العشرين لمؤتمر القمة الاول لدول عدم الانحياز، مشيدا في رسالته بمبادىء حركة عدم الانحياز، ومذكرا بان الحركة برزت بصفتها قوة متميزة في وقت طغت فيه الحرب الباردة بين المعسكرين.
مؤكدا بان هذه المبادىء تمثل اماني شعوب العالم كله، فهي مبادىء تسعى لتحقيق السلام القائم على المساواة، وهي مبادىء تدعم الحق، وتتصدى للباطل، وتؤازر المظلوم، وتواجه الطغيان، وتنشر الود، وتنشد الصداقة.
مشيرا الى ان الحركة بدأت بعدد محدود من الدول، ولكنها ما لبثت ان استقطبت اكثر من تسعين دولة مهمتها القضاء على كل ما يعرقل سيادة السلام والعدل، مما يجعلنا نشعر بالفخر للدور الذي تلعبه هذه الحركة.
وفي مطلع سبتمبر عام 1981م قام الشيخ جابر الاحمد بزيارة لدول البلقان، شملت «تركيا ـ بلغاريا ـ رومانيا ـ هنغاريا ـ يوغسلافيا» تلبية لدعوات من رؤساء وقادة هذه الدول، وذلك للتعرف عن كثب على اوضاع هذه الدول، وايجاد فرص التعاون وتبادل المصالح بينها، وبين دولة الكويت وكذا توثيق اواصر الصداقة والتعاون بين الكويت وهذه الدول.
وهناك، هيأت الزيارات الفرصة له ولاعضاء الوفد المرافق لاجراء محادثات مع رؤساء، وقادة هذه الدول، وكبار المسؤولين الرسميين فيها، حيث لمس الرغبة المخلصة في تدعيم التعاون بين الكويت وهذه الدول، سواء أكان ذلك تعاونا ثنائيا ام ضمن المنظمات والهيئات الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالوضع. العالمي وضرورة العمل من اجل ان يسود السلام والاستقرار ربوع العالم كافة.
وفي اطار هذا المفهوم كانت مباحثاته حول حركة دول عدم الانحياز، والدور الرائد الذي يجب ان تقوم به الحركة من اجل الاستقرار العالمي والانفراج الدولي.
وفي 8 مارس عام 19883م اشار الشيخ جابر الاحمد الى ان عدم الانحياز في جوهره، هو انحياز للانسان والحق والعدل، وان حركتنا تسودها الآن ـ مع الاسف ـ ظاهرة البعد عن الالتزام الحقيقي بمبادئها، او فقدان الكثير من المصداقية العائدة للتصادم في التأويل الخاطىء لجوهر هذه المبادىء جاء ذلك في كلمة له ألقاها امام مؤتمر القمة السابع للحركة، اكد فيها: «... انه اذا كان الامل في السلام العادل المستند الى الحق على الصعيد العالمي بعيدا، فلا اقل من ان نبذل اقصى الجهد في حدود الممكن»... وهنا، تقدم بأربعة مقترحات عملية نوجزها في الآتي:
1 ـ السعي الى وقف النزيف الدموي بين الدول الاعضاء في حركة عدم الانحياز، سواء أكان الصراع بين جارتين ام بتأثير ودعم من قوة خارجية. وقد استشهد بعدد من الحالات، ابرزها كانت الحرب العراقية الايرانية.
2 ـ مساندة الشعوب المضطهدة على استرداد حقها في وطنها. وهنا، قدم نموذجين صارخين متناظرين في الشرق الاوسط وافريقيا، اولهما: الشعب الفلسطيني، والثاني: شعبا ناميبيا وجنوب افريقيا، حيث يعاني كل منهما تعنت غاصب انتزع الارض من اهلها بقوة السلاح، غير عابئين بقرارات الادانة التي صدرت عن الامم المتحدة، والمؤسسات، واللجان الدولية المنصفة.
3 ـ دعم المؤسسات النوعية والاقليمية التي تلتقي اهدافها مع مجموعة عدم الانحياز، والمحافظة على وحدتها وفعاليتها، وهنا يشير الى ان الدول الصناعية قد شنت على هذه المؤسسات حرب اسعار خفضت عائداتها ففي الوقت الذي كانت تقوم فيها الدول النفطية بعون الكثير من الدول النامية على مواجهة ازماتها الاقتصادية، كانت الدول الصناعية المتقدمة توسع آفاق هذه الحرب، وتبذل جهودها الدائبة لخفض اسعار النفط، علما بان معظم الدول التي تنتج هذه السلعة هي من دول العالم الثالث.
وهنا توقع الشيخ جابر الاحمد حدوث انخفاض في عائدات الدول النفطية، الامر الذي سينعكس سلبا على قدرة الدول المنتجة في انجاز مشروعاتها الانمائية في الداخل، وعلى مساعدة الدول الصديقة والنامية لتتابع مشروعاتها، كما تقل قدرتها على دعم الحركات التحررية التي تطالب بحقوقها المشروعة، وان الثمار المرة من هذا الحصاد هي اضعاف الروابط فيما بين الدول النامية، وانكفاء كل منها على مشكلاتها الداخلية، واستئثار الدول الصناعية المتقدمة بتسيير الاقتصاد العالمي، بينما كان الامل معقودا على قيام نظام اقتصادي عادل جديد يتسم بالعدالة، واعادة تقسيم العمل والادوار بين دول الشمال ودول الجنوب بما يحقق الرخاء للجميع.
4 ـ افساح المجال امام علماء دول عدم الانحياز، وتشجيعهم على الابداع وتطوير تقنيات تتلاءم وظروف الدول الاعضاء دون الاقتصار على الاستيراد والنقل من الدول المتقدمة، وهذا الاتجاه يفتح الطريق ـ بلا شك ـ الى تعاون اوثق بين دول عدم الانحياز، دون انطواء عن تيارات التقدم العلمي العالمية، ودون تبعية، او خضوع لها.
بتاريخ 24 يناير عام 1987م اعرب الشيخ جابر الاحمد عن دعم الكويت الكامل للامم المتحدة، وتمنى لها ولوكالاتها المتخصصة كل نجاح في القيام بالمهمات الكبرى المنوطة بها جاء ذلك في خطاب وجهه بمناسبة يوم الامم المتحدة، معلنا تمسك الكويت بالمبادىء السامية التي تجسدت بميثاقها، منوها بالتزام الكويت بالقانون الدولي الذي ينبغي ان يحكم العلاقات بين الدول كبيرها وصغيرها، مؤكدا بأن عالمنا اليوم لفي حاجة ماسة الى مثل هذه المنظمة التي ينبغي ان تعبر عن الارادة الحرة للمجتمع الدولي دون اي تدخل، وان تسمو في قراراتها الحاسمة على المصالح والاهواء وبذلك تحتفظ بهيبتها ومصداقيتها، وتتمكن من معالجة القضايا الملحة التي تصرخ منذ سنين وسنين متطلعة اليها، منذرة بتهديدها للسلام العالمي.
تأسيسا على ما سبق، يحدثنا عبد اللطيف البحر، فيقول: «... نطاق السياسة الخارجية، مدت الكويت تحت قيادة سمو الشيخ جابر الاحمد جسور التعاون والعلاقات الطيبة مع كل الدول العربية والاسلامية وغيرها من دول العالم، ونتيجة لهذه العلاقات المتميزة، ولدور صاحب السمو في رسمها وتكريسها، فقد اصبحت الكويت دولة مقبولة من كل الاطراف و«لجمال عبد الناصر» في مطلع الستينات قول مأثور عن الكويت، حين قال: انها الشمعة المضيئة في الخليج العربي»...
ويمضي البحر في حديثه، فيشير: «... لقد قام سمو الشيخ جابر الاحمد بزيارات عديدة الى العالم العربي والدول الافريقية، وبعض دول اوروبا الغربية، والولايات المتحدة الامريكية، واليابان، وروسيا، والصين، وبعض دول اوروبا الشرقية التي لم تكن بوابة الخليج مفتوحة امامها سياسيا في ذلك الوقت فكان لإقامة هذه العلاقات الدبلوماسية بين الكويت وهذه الدول، ان مهدت الطريق الى بوابة الخليج، وكان لما لشخص سموه ومكانته «وهو وزير للمالية آنذاك»، يعامل بروتوكوليا في هذه الدول معاملة الملوك والرؤساء، ويحظى بالاحترام اللائق بشخصه، وبلده الكويت»...
وفي هذا السياق يمضي محدثنا البحر، فيقول: «... اذكر انه دعي في اول زيارة لسموه الى الولايات المتحدة الامريكية، الى نادي نخبة كبار الاقتصاديين في العالم، امثال: ديفيد روكلفر، ويوجين بلاك رئيس البنك الدولي الاسبق، والاقتصادي البريطاني كلود لو، ولا يحضرني حاليا اسم النادي الرسمي، لكن ما اعرفه انه الآن مغلق على سبعة اعضاء فقط من الشخصيات الاقتصادية العالمية، ورغم ان سموه وقتها كان وزيرا للمالية، الا انه دعي الى حفل عشاء في هذا النادي الذي لا يستقبل الا رؤساء الدول او الحكومات، وعومل معاملة رئيس دولة تقديرا لمكانته الفكرية في عالم الاقتصاد والمال، واحترامهم له كرجل المستقبل في الكويت»...
ويؤكد بدر النصر الله بعضا مما ذكره البحر، فيقول: «... كان لديه طموح عجيب، فقد فتح آفاقا جديدة في السياسة الخارجية في المنطقة عندما زار الاتحاد السوفييتي والصين في الستينات، وفتح امامهم بوابة الخليج عندما كان الامر غير مألوف ـ آنذاك ـ لدى دول المنطقة.
وهذا يدخل في نطاق استشرافه لمستقبل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية للكويت، ودول الخليج العربية من هنا، حظي سموه باحترام روسيا، وعومل في الصين بروتوكوليا كرئيس دولة بينما كان ـ آنذاك ـ وزيرا للمالية...


سموه ودعم حركات التحرر الوطني في العالم الأمير برز كأحد الزعماء المدافعين الداعمين سياسياً لحركات التحرر الوطني
الحلقة الرابعة والعشرون

لقد شهد القرن العشرون نمواً استهلاكياً عالمياً غير مسبوق، ألحق ضرراً اجتماعيا بالغاً بالدول النامية، وبخاصة الدول الاشد فقراً.
يشير التقرير السنوي لبرنامج الامم المتحدة للانماء لعام 1998 الى ان نفقات الاستهلاك الخاص والعام قد بلغت 24 تريليون دولار امريكي في عام 1998م، وهو ما يمثل ضعف المستوى الذي بلغته في عام 1975م، وستة امثال المستوى الذي بلغته في عام 1950م. اما في عام 1990م، فلم تكد تصل نفقات الاستهلاك الحقيقي الى 5،1 تريليون دولار امريكي.
ويمضي التقرير ليؤكد ان افقر 20% من سكان العالم قد تركوا خارج نطاق الانفجار الاستهلاكي، وان ما يربو على بليون نسمة محرومون من حاجات الاستهلاك الاساسية من بين سكان الدول النامية البالغ عددهم 4،4 بليون نسمة، يفتقر ثلاثة اخماسهم الى مرافق الصرف الصحي، ولا يحصل ما يصل الى الثلث على مياه نقية، ولا يوجد لدى الربع سكن مناسب، ولا يحصل الخمس على الخدمات الصحية الحديثة، ولا ينتظم خمس الاطفال في مدارس الاطفال حتى الصف الخامس، ولا يحصل حوالي الخمس على ما يكيف من الطاقة الغذائية والبروتين.
من جانب آخر، يؤكد التقرير، وعلى مستوى العالم، ان بليوني نسمة يعانون من فقر الدم، بينهم 145 مليوناً في الدول النامية، وان اقلية محظوظة في هذه الدول هي التي توجد لديها وسائل نقل تعمل بمحركات، ووسائل اتصالات سلكية ولاسلكية، ووسائل حديثة للطاقة.
وحول التفاوت المذهل في الاستهلاك بين الاغنياء والفقراء من دول العالم يشير التقرير ان 20% من سكان العالم ممن يعيشون في البلدان ذات الدخل الاعلى مسؤولون عن 86% من مجموع نفقات الاستهلاك الخاص، بينما تمثل افقر نسبة 20% جزءاً صغيراً من تلك لا يتجاوز 3،1%.
من هنا، ووفقاً للاوضاع الانسانية المتردية في اغلب الدول النامية، والهوة السحيقة بين الاغنياء والفقراء من دول العالم، يشير التقرير الى ان العمر المتوقع سيبلغ 70 سنة في الدول الصناعية و55 سنة في الدول النامية و45 سنة في اقل الدول نمواً.
وعلى الرغم من ذلك، فهناك دول نامية يتوقع ان يصل فيها اعلى عمر افتراضي الى 79 سنة، مثل: هونج كونج، و77 سنة كسنغافورة، و76 سنة كبربادوس، و75 سنة كدولة الكويت و64 سنة كدولة الامارات العربية المتحدة. يقابلها في ذات الوقت ادنى عمر متوقع، مثل رواندا 28 سنة، وسيراليون 35 سنة وليبيريا 40 سنة، واوغندا 41 سنة، وزامبيا 43 سنة، وافغانستان 45 سنة، وغينيا 46 سنة.
ومن المعروف ان الشيخ جابر الاحمد من رؤساء الدول الناشطين في التصدي لقضايا الفقر والتخلف في الدول النامية، وبخاصة في القارة الافريقية ذلك لانه عاش في مجتمع عانى في ماضيه الكثير من الحرمان وقسوة الحياة، لكن عزاءه انه كان مجتمعاً منتجاً متكافلاً.
فقد امتد اسطول الكويت التجاري البحري الى سواحل الهند وشرقي افريقيا، ولم يتوقف ذلك الاسطول عن العمل الا عند حدود عقد الستينيات، بعد ان منّ الله على المجتمع الكويتي بنعمة الخير والرفاه، وبالتالي فإن الشيخ جابر الاحمد اقدر من غيره على تفهم معنى الفقر والتخلف والسعادة والتقدم.
لقد جرت في مطلع عقد التسعينيات حتى منتصفها مناقشات دولية جادة حول التنمية المستدامة، وهي احد الابعاد المهمة للتنمية البشرية، والتي تعنى بتلبية حاجات الاجيال الحالية، دون تعريض قدرات وفرص الاجيال القادمة للخطر.
ولهذا العرض سارعت الامم المتحدة الى عقد مؤتمري قمة عالميين: احدهما، في «ريودي جانيرو» عام 1992م حول البيئة والتنمية، والآخر عقد في «كوبنهاجن» عام 1995 حول التنمية الاجتماعية.
وامتدادا لذلك الماضي بمرارته والحاضر باشراقته، جاء اهتمام الشيخ جابر الاحمد عظيماً بهذين المؤتمرين، لانه وجد فيهما بارقة أمل لتحقيق شيء من افكاره حول تلك الاوضاع غير الانسانية التي تعيشها شعوب الدول النامية، وبخاصة الدول الاشد فقراً.
من هنا، جاءت مشاركته في كلا المؤتمرين نابعة من مسؤوليته الانسانية تجاه فقراء العالم الذين يرزحون تحت نير العوز، والفاقة والحرمان، والجهل والمرض.
ففي كلمة القاها امام قمة الارض في «ريودي جانيرو» في 13 يونيو عام 1992م، جاء فيها: «... ان الكويت قد بذلت الكثير في سبيل قضايا التنمية في العالم، حيث تقوم سياستها على دعم المشروعات الانسانية في كثير من الدول المحتاجة الى المساعدة، ولعل العالم ما زال يذكر ان الكويت كان لها شرف الدعوة من فوق منبر الامم المتحدة الى الغاء فوائد الديون، بل حتى اصول الديون عن الدول الاشد فقراً في العالم...».
وفي وقفة مماثلة، وامام مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية الذي عقد في «كوبنهاغن» تحت اشراف الامم المتحدة ايضاً، كان للشيخ جابر الاحمد كلمة في 11 مارس عام 1995م، واشار فيها الى جملة من الامور التنموية من بينها حجم المساعدات الكويتية للدول النامية، والتي بلغت عام 1994م حوالي 3% من اجمالي الناتج القومي. طارحاً امام المؤتمر عدداً من الافكار، يمكن لنا ان نوجزها بالآتي:

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:11 AM
ان هذا المؤتمر ـ وما سبقه ـ كمؤتمر القمة للبيئة، ومؤتمر السكان والتنمية يخدم تطلعات شعوب الارض في ان يكون الاحتفال بمرور خمسين عاماً على انشاء الامم المتحدة تقييماً لهذه التجربة، وسعياً الى اثرائها، واستفادة البشرية من تجاربها السابقة، وترسيخاً لمبادئها، وبخاصة ما جاء في الفقرة الثانية من ديباجة الميثاق التي تطالب دول العالم بأن تسخر هذه الاداة الدولية من اجل نمو ورقي الحياة الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها.
2ـ ان مشكلة الفقر، والت تتمثل في الديون المتراكمة على الدول النامية ـ والبطالة ابرز اسبابها ـ قنبلة موقوتة ستنفجر محدثة دماراً وآثاراً وخيمة جداً اذا لم تقم جهود جادة، ومخلصة لتداركها.
3ـ ان الكويت تؤمن ايماناً مطلقاً بالتوجهات الانسانية، وبأن الالتزام اجدى من الالزام، واذا كان الطريق يبدو طويلا لبلوغ الالتزام، فإنه في النهاية اقصر، وانجح في بلوغ الهدف المنشود.
وهنا، تجدر الاشارة الى انه بالاطلاع على نسبة المساعدات الكويتية الى الناتج القومي الكويتي، يتبين ان الكويت ظلت تحتفظ بنسبة تفوق تلك النسبة المقدمة من الدول الصناعية الى الدول النامية، حيث تراوحت بين 5% الى 8% خلال عقد السبعينيات. وما 3% الى 4% خلال عقد الثمانينيات، وهو العقد الذي شهد انخفاضاً حاداً في اسعار النفط، وانهياراً في سوق الكويت للاوراق المالية الذين انعكست آثارهما بشكل حاد على مجمل اقتصاديات الكويت. اما خلال عقد التسعينيات، وعلى الرغم من الآثار المدمرة والتداعيات الجسيمة للعدوان والاحتلال العراقي، فقد ارتفعت هذه النسبة الى حوالي 4،4% حتى منتصف العقد.
ولو عدنا الى الوراء قليلاً ـ لتأكيد هذه المبادرات الانسانية ـ وبالتحديد في 28% سبنتمبر عام .1988 نجد ان للشيخ جابر الاحمد موقفاً انسانياً وحضارياً امام الدورة الثالثة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة، يتجاوز كل المساعدات الكويتية للدول النامية.. موقفاً هزّ المشاعر الانسانية والضمير العالمي من اجل فقراء العالم، حين تقدم بمبادرته الشهيرة من اجل معالجة الديون وفوائدها التراكمية المتزايدة على كاهل الدول النامية المدينة والتي تمثل اكبر عقبة امام التنمية في هذه الدول.
وفي بلغراد في سبتمبر عام 1989م، وامام المؤتمر التاسع لدول حركة عدم الانحياز، لم يفت الشيخ جابر الاحمد ان يذكر العالم من جديد بالدعوة التي اطلقها امام الدورة الثالثة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة من اجل ايجاد حل اقتصادي وانساني، يهدف الى تضييق الفجوة بين دول الشمال ودول الجنوب، يقوم على مبدأ رئيسي هو بحث الغاء الفوائد على ديون الدول المعسرة، واسقاط جزء من اصول تلك الديون بالنسبة للدول الاشد فقراً، مع اعادة النظر في شروط التكيف القاسية التي يفرضها كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي على هذه الدول، مع العمل على زيادة وتنظيم العون العلمي والتقني الذي تقدمه دول الشمال الى دول الجنوب.
وفي 27 سبتمبر عام 1990، وامام الدورة الخامسة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة، لم ينس الشيخ جابر الاحمد دعوته ومشروعه الانساني من اجل انتشال الدول المدينة، وخاصة المعسرة من محنتها الاقتصادية التي كانت في تلك اللحظات اقل وطأة ـ وبكثير ـ من محنة الكويت، وهي ترزح تحت نير العدوان والاحتلال العراقي.
لقد كان الرجل على العهد وفياً حين ذكر الاسرة الدولية بالمبادرة التي قدمها من فوق منبر الامم المتحدة عام 1988م، مناشداً اياها الغاء الديون التي تعاني من وطأتها واعبائها، دول حرمتها مختلف الظروف من الرخاء، وتكالبت عليها الضغوط. ففي ذلك اليوم اعلن ـ من جانب واحد ـ ان الكويت انسجاماً مع المبادرة التي تقدمت بها، قررت الغاء الفوائد كافة على قروضها كما ستبحث اصول القروض مع الدول الاشد فقراً.
وفي 27 سبتمبر عام 1991م، وامام الدورة السادسة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة، لم يتردد الشيخ جابر الاحمد في ان يعلن من جديد امام العالم التزام الكويت الفاعل في عمليات التنمية الدولية على الرغم مما اصاب الكويت على يد العدوان والطغيان العراقي من خراب ودمار، وتمزيق للبنية التحتية والاقتصادية والاجتماعية، وكارثة بيئية لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلاً.
فقد وقف امام الجمعية العام متعهداً باسم الكويت، حين قال: «... وسوف نواصل رغم مطالب اعمار الكويت تقديم المساعدة التنموية في حدود مواردنا، ونعمل مع الامين العام على دعم برامج الامم المتحدة التي تسعى لتحسين الحالة الانسانية، وسيكون صوت الكويت قوياً في تعزيز الجهود التي ترمي الى تخفيض التفاوت الاقتصادي الصارخ بين الشمال والجنوب...».
وهكذا يتضح لنا ان المساعدات الكويتية للدول النامية ارتبطت دوماً بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بمستويات المعيشة في الدول المستفيدة وزيادة فرص العمل بها. وهي مساعدات ميسرة غير مشروطة، والهدف منها عمل الخير، وجعلها وسيلة لتحقيق الرفاه والسعادة لمن حرموا منهما.
من هنا، وتحقيقاً للثوابت في المنظومة الفكرية للشيخ جابر الاحمد، جاء انشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في ديسمبر عام 1961م ليجسد ماضي الكويت بحسها الوطني وضميرها الانساني في مد يد العون للدول المحتاجة، وبخاصة الاكثر فقراً، سعياً الى المساهمة الجادة في تنمية اقتصاديات هذه الدول، والحد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.


دعم حركات التحرر الوطني

لا شك في ان موقف الشيخ جابر الاحمد المؤيدة لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث قد جعلته واحداً من ابرز المدافعين والداعمين سياسياً ومالياً لهذه الحركات من اجل حصولها على الاستقلال السياسي في اوطانها، وسيادتها على ترابها الوطني. وهي حالة من حالات المواجهة ضد الظلم والقهر وسلب الاوطان واستعمارها بالقوة. من هنا، كانت نزعته الانسانية، وتفهمه البالغ لمعنى فقد الاوطان جعله دوماً نصيراً لحركات التحرر الوطني اينما انبعثت اصداؤها.
لقد احتضنت الكويت فصائل المقاومة الفلسطينية على ارضها، وكانت تلك البداية الاولى لتشكيل اول حركة تحرير وطنية «منظمة فتح وجناحها العسكري العاصفة»، انطلقت من ارض الكويت لتقوم بواجبها النضالي من اجل التحرر، ونيل الاستقلال الوطني. وقد قدمت القيادة السياسية الكويتية لهذه الحركة كل التسهيلات وسبل الدعم والعون ـ مادياً ومعنوياً ـ لتقوم بأداء رسالتها الوطنية على الوجه المطلوب.
وكان الشيخ جابر الاجمد واحدا من زعماء العالم البارزين في الدفاع عن الحق الفلسطيني وثورته بصفته حركة تحرير وطني. وما جاء ذكره ـ بشيء من التفصيل ـ عند الحديث عن الاسرة العربية (الفصل الثالث) يوضح بجلاء عمق وابعاد مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية التي لا تزال منذ عام 1948م هاجس العرب، وكل محب للسلام في العالم.
وعلى المستوى الافريقي كان له ك ايضا ـ دور بارز وحكيم في الدعوة للتحرر الوطني، وعودة الاوطان المستعمرة الى اصحابها الشرعيين. وكان لهذا الصوت صدى عال ومؤثر، خاصة في الدعم والمساندة غير المحدودة لنضال شعوب انجولا، وموزمبيق، وغينيا بيساو، وروديسيا «زيمبابوي حاليا»، وناميبيا، وجنوب افريقيا ضد الاستعمار الاوروبي، وحكم الاقلية البيضاء، الى ان كتب لها النصر وتوج نضالها بالحرية والاستقلال.
لم ينحصر دعم ومساندة الشيخ جابر الاحمد لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث في المحيط القطري او الاقليمي، بل انه تجاوز ذلك الى المستوى العالمي. فقد تبنى قضية هذه الشعوب المضطهدة امام المحافل الدولية التي شارك فيها من خلال رسائله الى السكرتير العام للامم المتحدة، وكذلك رسائله الى مجلس الامن الدولي او الجمعية العامة للامم المتحدة. كما لم يتردد في ان يلقي على هذه القضية الانسانية النضالية الضوء كلما اتيحت له الفرصة، وبخاصة في زياراته الرسمية للدول الكبرى، ومن بينها دول كانت معنية باستعمار تلك البلدان التي كانت ساحاتها ـ انذاك ـ مسرحا لحركات التحرر الوطني. وسوف نحاول جاهدين ان نستعرض في السطور التالية شيئا من تلك المواقف الانسانية السامية، تأكيدا للحقيقة:
وفي الدورة الثالثة ولاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة، وفي كلمة له يوم 28 سبتمبر عام 1988م رحب الشيخ جابر الاحمد بالخطوات التحررية التي بدأت في ناميبيا وانجولا منددا بحكومة بريتوريا التي رأى فيها انها لا تزال تعيش في وهم التفوق العنصري الذي أجمع العلم والدين والضمير العالمي على ادانته لما ارتُكب من مظالم وعدوان على حقوق الانسان، مطالبا باطلاق سراح الزعيم الافريقي نلسون مانديلا، الذي كافح من أجل حق مواطنيه في الحياة الكريمة، وتحمل الظلم وقسوة السجن، والذي قال فيه: «تحية الى هذا البطل وابطال الحرية في كل مكان، ولهم نقول، بكل ثقة في غد افضل... ان شمس الحرية ترتفع فلن تستطيع ايدي الظالمين ان تمنع ضياءها عن الانتشار».
وفي 27 اكمتوبر عام 1988م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للامم المتحدة بمناسبة اسبوع التضامن مع شعب ناميبيا، وحركة تحريره منظمة شعب جنوب غرب افريقيا «سوابو» اكد فيها تأييد الكويت التام اميرا وحكومة وشعبا لنضال هذا الشعب، وتضامنه معه في استرداد حقوقه المشروعة، بما فيها رفع الهيمنة نهائيا عنه.
وقد وجه حديثه للمنظومة الدولية، قائلا: وهنا أجد لزاما علي، ككل محب للعدل والحق، ان اذكر المجتمع الدولي متمثلا في هيئة الامم، ومجلس الامن في اتخاذ مواقف اكثر ايجابية وحزما وايجاد السبل والوسائل الكفيلة بتنفيذ قراراتها.
كما دعا في هذه الرسالة دول العالم كافة، وخاصة الدول الكبرى، الى ان تعمل جادة على ضمان وتعزيز حقوق الانسان، مجردة من المصالح والاهواء، آملا في احلال السلام والوئام محل الضغينة والخصام. وان السلام يفترض ضمان حقوق الانسان، وبتحقيقه يسود التفاهم المتبادل والثقة المتبادلة والتعاون، وبالتالي يمكن ان يشهد العالم عهدا جديدا من الاستقرار والمزيد من الازدهار والتقدم.
وفي كلمة للشيخ جابر الاحمد في افتتاح الدورة العاشرة للجنة الدائمة للتعاون العربي ـ الافريقي في الكويت يوم 19 يونيو عام 1989م خاطب القارة الافريقية قائلا: وعندكم ايها الاخوة الأفارقة قضايا مناظرة نقف منها موقفنا نفسه من قضية فلسطين: ناميبيا، والتفرقة العنصرية الجائرة في جنوب افريقيا، فحق الشعوب في تقرير المصير والعيش الآمن فوق ارض الوطن ليس محل مساومة ولا مجال اختيار، وذلك لانه الحياة، واول سطر في كتاب الحياة هو أمن الوطن والانسان.
وفي 5 سبتمبر عام 1989م امام المؤتمر التاسع لدول حركة عدم الانحياز في بلغراد كان للشيخ جابر الاحمد كلمة، جاء فيها ضمن قضايا دولية اخرى: «ان ما يلقاه ابناء فلسطين لا يختلف عما يلقاه ابناء ناميبيا وجنوب افريقيا، وما يلقاه ابناء كمبوديا في جنوب شرقي آسيا.
انها قضية انسانية، وجه الحق ظاهر فيها، وابناء الارض يريدون ان يعيشوا فيها بسلام لهم حق تقرير مصيرهم دون سلطان اجنبي.
هكذا نرى كم كان الشيخ جابر الاحمد مناصرا لحركات التحرر الوطني في اقطار القارة الافريقية، وكم كان مشاركا فاعلا في احتفالات اليوم العالمي لازالة التفرقة العنصرية في هذه القارة، وكانت الرسائل التي يوجهها الى السكرتير العام للامم المتحدة في مثل هذه المناسبة، وغيرها من المناسبات الافريقية تلقى صدى عالميا، وردود فعل دولية ايجابية اضافت الكثير من المكاسب في العلاقات الدولية بين الكويت، وغيرها من دول العالم، وبخاصة بين اوساط الدول النامية، كما اضافت ـ ايضا الكثير الى سجل الكويت في مجال حقوق الانسان، ومحاربة التمييز والتفرقة العنصرية، اينما كانت في العالم.
لا يزال المناضلون الافريقيون الذين ناضلوا وكافحوا من أجل استقلال بلادهم من الاستعمار الاجنبي، يذكرون مواقف الشيخ جابر الاحمد المؤيدة والداعمة لنضالهم على المستويات كافة، بما في ذلك الدعم المادي والمعنوي، الى ان تحقق لهذه الشعوب استقلالها الوطني، فكانت الكويت بتوجيهاته من اوائل الدول التي باركت استقلال هذه الدول، واقامت معها علاقات صداقة متميزة،
والكويت بدورها لا تزال تتذكر مواقف هذه الدول تجاه الحق الكويتي إبان العدوان والاحتلال العراقي. فقد اصدرت حكومة جنوب افريقيا في 3 اغسطس عام 1990م بيانا أدانت فيه الغزو العراقي للكويت وطالبت بانسحاب القوات العراقية فورا من الاراضي الكويتية، دون قيد او شرط كما ان حزب المؤتمر الافريقي بزعامة المناضل نلسون مانديلا ـ الذي لم يكن قد تولى الرئاسة بعد ـ طالب ايضا العراق باحترام سيادة دولة الكويت، والانصياع الكامل لقرارات مجلس الامن الدولي.
وما ان حصلت جنوب افريقيا على استقلالها الوطني حتى سارعت الكويت في 7 مايو عام 1994م بإقامة علاقات دبلوماسية معها على مستوى السفراء، كما شاركت في 15 مايو عام 1994م في حفل تنصيب الرئيس نلسون مانديلا بوفد برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، وقد عززت هذه العلاقات بزيارة وزير خارجية افريقيا الفريدو انزو للكويت في اكتوبر عام 1994م.
وفي 21 نوفمبر عام 1994 انهت الكويت مقاطعتها لجنوب افريقيا التي فرضتها الامم المتحدة على الكيان العنصري هناك عام 1963م، لتبدأ معها عهدا جديدا في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:12 AM
محاربة أشكال التمييز والعنصرية

لقد ارتبطت دولة الكويت منذ انضمامها الى المنظومة الدولية ووكالاتها المتخصصة حتى مطلع عام 2002م بثمانية عشرة اتفاقية دولية تعنى بحقوق الانسان، وتحارب التمييز والتفرقة العنصرية والسخرة باشكالها كافة وفي مقدمتها: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على العنصرية بصورها واشكالها كافة، والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على التفرقة العنصرية بصورها واشكالها كافة، والاتفاقية الدولية لمنع جريمة الفصل العنصري Aparthide والمعاقبة عليها، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة.
هذه الالتزامات الدولية جاءت لتحاكي الثوابت الكويتية فكرا وعملا وتؤكد ان الكويت شريك فاعل في مسيرة الخير من اجل سعادة الانسان ورفاه الشعوب، وداعم لكل عمل او فكر يسعى لضمان وصيانة حقوق الانسان وارساء قواعد العدالة الاجتماعية في هذا الكون.
وفي الصفحات التالية سوف نقدم نماذج لمواقف الشيخ جابر الاجمد المؤازرة والمساندة لحقوق الانسان والتي تؤكد نبذه ومحاربته لاشكال وصور التمييز والتفرقة العنصرية والعبودية والسخرة في العمل كافة:
ففي كلمة في افتتاح ندوة حقوق الانسان في الاسلام، الذي بدأت اعمالها في الكويت في 9 ديسمبر عام 1980م، وجه الشيخ جابر الاحمد حديثه للعلماء المشاركين في هذه الندوة، قائلا: وانتم تلتقون حول حقوق الانسان في الاسلام ستذكرون حقوقا ضاعت على اهلها، حقوقا في ارضها، حقوقا في اوطانها وحقوقا في الحياة الآمنة.
ستذكرون اخوة لكم في القدس وفلسطين لا يزالون تحت سيطرة العدوان الاسرائيلي.
ستذكرون اخوة لكم في افريقيا واسيا يعانون من التفرقة العنصرية والقهر في اوطانهم.
وفي 20 مارس عام 1982م وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى السكرتير العام للامم المتحدة يندد فيها بالممارسات غير الانسانية التي تحدث في القارة الافريقية، مؤكدا على جملة من الحقائق والتناقضات المنافية للشرائع والمواثيق الدولية كافة، يقول فيها: ان عالمنا المعاصر يعيش تناقضا ينبغي علينا ان نبذل المزيد من الجهد للقضاء عليه، فهناك مواثيق تصدر من اعلى المستويات عن حقوق الانسان من هيئات دولية ـ ابرزها اليونسكو ـ تؤكد وحدة الاصل الانساني والمساواة بين البشر، وان الفروق بينهم لا ترجع الى عوامل طبيعية، ولكن الى عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية، بحيث لو تغيرت العوامل لاسرعت الشعوب المقهورة الى السير في طريق التقدم.
يصدر هذا كله، وتعتمده المنظمات الدولية، ثم تأتي الممارسات العملية مخالفة لما تلتقي عنده كلمة العلم والدين والحق.
وجريا على عادته السنوية في مثل هذه المناسبة، بعث الشيخ جابر الاحمد في 20 مارس عام 1984م رسالة الى السكرتير العام للأمم المتحدة، تم القاؤها امام اللجنة الخاصة لمناهضة التمييز العنصري، اورد فيها: «غني عن البيان انه ما من انسان واع حر الضمير يمكن ان يبرر ـ بأية حال من الاحوال ـ تلك المذبحة المشينة التي اقترفها العنصريون في مثل هذا اليوم منذ اربع وعشرين سنة، تمثلت فيها الوحشية بأبشع صورها، واذ اقترفت دون اي شعور بالرحمة، او اي اعتبار لقيمة الانسان الاساسية.
واسمحوا لي بهذه المناسبة ان اضم صوت شعب الكويت الى صوتكم، واصوات جميع محبي الحرية والعدل والسلام في كل مكان، لادانة التفرقة والكراهية العنصرية بكل ما فيها من تعصب اعمى وظلم في جميع مظاهره.
واختتم رسالته بعبارات يؤمن بها اشد الايمان: وتبقى مسؤولية المجتمع الدولي. بان يقف موقفا اكثر حزما تجاه العنصريين وامثالهم، ولتعمل شعوب العالم معا من أجل ازالة الحواجز بين الانسان والانسان، والسمو فوق الفروق في العقيدة والجنس واللون، والتعاون لتعزيز كرامة واخوة الانسان، ليسود العدل والصداقة والوئام والسلام.
وفي الجلسة الافتتاحية للدورة الخاصة للمجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي بدأت اعمالها في الكويت يوم 27 نوفمبر عام 1984م، قال الشيخ جابر الاحمد: «... اننا في هذه المناسبة نتوجه الى اخواننا في العروبة والاسلام، ودول عدم الانحياز، ان يجعلوا للصلح الداخلي بين طوائفهم، ولحقوق الجيرة والتاريخ المشترك مكانا، ذلك لان الصراعات الطائفية والعنصرية حين تشتعل يكون العقل والمنطق اول ضحاياها، وكثير من الابرياء وقودها، والخسران والدمار عقباها»...
وفي رسالة مماثلة وجهها الشيخ جابر الاحمد الى الاجتماع الخاص الذي عقد في مقر الامم المتحدة بتاريخ 26 اكتوبر عام 1985م، بمناسبة اسبوع التضامن مع «شعب ناميبيا»، دعا فيها جميع دول وشعوب العالم المحبة للسلام الى بذل اقصى الجهد في سبيل انقاذ هذا الشعب من احتلال جنوب افريقيا العنصرية، وسيطرتها الاستعمارية عليه، معربا عن تضامن الكويت حكومة وشعبا معه ومع حركة تحرير منظمة شعب جنوب غربي افريقيا «سوابر» ومما قاله ضمن فقرات هذه الرسالة: «... اننا اذ نشجب التمييز العنصري بأشكاله كافة، ايمانا بكرامة الانسان وقيمته بحد ذاته، لندعو جميع محبي الحرية والعدالة من شعوب دول العالم الى بذل اقصى الجهد في سبيل انقاذ هذا الشعب المناضل من هيمنة حكومة جنوب افريقيا العنصرية، وسيطرتها الاستعمارية»...
وفي الحادي والعشرين من مارس عام 1986م كان للشيخ جابر الاحمد وقفة اخرى بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، حيث اكد مجددا شجب واستنكار الكويت للنزاعات والممارسات العنصرية في شتى مظاهرها وصورها، ومساندتها لقضايا التحرر كافة، وتضامنها مع الشعوب المكافحة في سبيل نيل استقلالها وحريتها، جاء ذلك من خلال رسالة وجهها الى السكرتير العام للامم المتحدة: «... واني اذ أؤكد مجددا، شجبنا واستنكارنا للروح والممارسات العنصرية في شتى مظاهرها وصورها، لأود ان اعرب عن مساندتنا لقضايا التحرر كافة، وتضامننا مع الشعوب المكافحة في سبيل نيل استقلالها، وحريتها، واسترداد كرامتها، وحقوقها المشروعة التي حرموها اياها»...
ويمضي، فيؤكد ثانية: «... ولا ريب في ان تصنيف البشر على اساس العرق او اللون، هو تصنيف باطل، وغير صحيح، ويفتقر الى الدليل العلمي، ونعتقد ان كل محب للحق والعدل والحرية، او كل ذي ضمير حي، يرفض العنصرية جملة وتفصيلا».
ويختتم رسالته، مناشدا: «... لقد حان الوقت لتغيير المواقف المتشنجة، والاقلاع عن السياسات الغاشمة للتخلص من العنصرية بتأثيرها السلبي، وافكارها الهدامة.
واننا لنهيب بالدول عامة ان تتحمل مسؤولياتها، والا تألو جهدا في الوقوف بحزم في وجه الظلم أيا كان مصدره، والا تسمح ـ قط ـ بان تنتهك حقوق الانسان، وتداس حرياته، وتهان كرامته»...
وامام الدورة الثالثة والاربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى وجه التحديد يوم 28 سبتمبر عام 1988م، كان للشيخ جابر الاحمد كملة، جاء فيها ضمن معطيات انسانية عديدة: «... ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان هو انضج الثمار على شجرة الامم المتحدة ولكنها ثمار كثيرا ما تتعرض للعدوان، ولا بد لها من دعامة تستند الى قوة الضمير وقوة القانون معا»...
ويشخص الواقع الانساني في العالم، فيقول: «... فمع كل الجهود التي قام بها المجتمع الدولي، والمواثيق التفصيلية التي اصدرتها الامم المتحدة بعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ومع المسيرة العالمية نحو تحقيق المزيد من الكرامة الانسانية، اذ بنا نرى في بعض الاقاليم تيارا مضادا لحركة التاريخ يحاول ان يسلب الحقوق ويعتدي على اصحابها»...
وفي رسالة وجهها الشيخ جابر الاحمد بتاريخ 27 اكتوبر عام 1988م الى رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة، بمناسبة الاحتفال بيوم التضامن مع «شعب ناميبيا»، وحركة تحرير منظمة شعب جنوب غربي افريقيا «سوابر»، نيابة عن شعب الكويت وحكومتها، وبصفته الشخصية... في هذه الرسالة حيا كفاح «شعب ناميبيا»، واعرب عن تأييده لنضاله، وتضامنه معه من اجل استرداد حقوقه المشروعة، بما فيها حقه في تقرير المصير والاستقلال الوطني والعيش الحر.
وقد وجه في هذه الرسالة نداء الى المجتمع الدولي، قائلا: «... ادعو مجددا دول العالم كافة، واخص بالذكر الدول الكبرى، بان تعمل جادة على ضمان وتعزيز حقوق الانسان، مجردة من المصالح والاهواء، وبذلك يحل السلام والوئام محل الضغينة والخصام، ان السلام يفرض ضمان حقوق الانسان، وبتحقيقه يسود التفاهم المتبادل، والثقة المتبادلة والتعاون، وبالتالي يمكن ان يشهد العالم عهدا جديدا من الاستقرار، والمزيد من الازدهار والتقدم»....
وبمناسبة السنة الدولية للطفل كان للشيخ جابر الاحمد مبادرة انسانية ـ كعادته في مثل هذه المناسبات ـ حين وجه نداء الى العالم في 12 ديسمبر عام 1989م، جاء فيه ما يؤكد سياسة الكويت الواضحة حيال حقوق البشر، بصرف النظر عن اعمارهم، او اية صفة من صفاتهم الاخرى، وذلك حين أشار في احدى فقرات النداء قائلا: «... اننا واثقون من ان المجموعة الدولية لن تنسى ابدا ألوف الاطفال البائسين الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية والحاجة الى التعليم، واننا على ثقة كذلك من ان المجموعة لن تبقى غير مبالية بفئة من الاطفال التعساء الذين جردوا من رؤية وطنهم، ويعيشون حياة مشردة في المنفى بعيدين عن ارضهم، ووطن آبائهم واجدادهم، ويتعرضون للمذابح والمجازر الوحشية، ويتعذبون دون ان يكونوا قد ارتكبوا خطأ من تلقاء انفسهم»...
وفي 29 سبتمبر عام 1990م كان للشيخ جابر الاحمد وقفة مماثلة امام مؤتمر القمة العالمي للطفولة الذي عقد في مقر الامم المتحدة... وقفة تختلف عما سبقتها من وقفات، ففي هذه اللحظات كان الشيخ جابر الاحمد في موقف المدافع عن حق اطفاله... اطفال الكويت في الحياة، وانتشالهم من محنة العدوان والاحتلال العراقي، مناشدا الاسرة الدولية، وكل محب للانسانية، ان يمد يد العون والمساعدة لنجدتهم، داعيا المؤتمرين، قائلا: «... وفي هذه القمة الكبيرة استصرخ باسم أطفال الكويت ضمائركم، هنا في داخل القاعة، وهناك على امتداد المعمورة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ان تقفوا مع اطفال الكويت، مع ابنائي وأهلي، فهم يعانون من اضطهاد وظلم المحتل المغتصب، وان تهبوا لحماية حقوقهم الانسانية التي تكفلها اتفاقية حقوق الطفل العالمية التي وقعتها الكويت»...
وبعد تحرير الكويت من براثن العدوان والاحتلال العراقي، وعلى وجه التحديدد في 27 سبتمبر عام 1991م، وأمام الدورة السادسة والاربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، كان للشيخ جابر الاحمد كلمة اكد فيها على النظام العالمي الجديد، حين قال: «... والكويت اليوم، ككويت الامس، جسر محبة ورسول سلام، والفرق انها اليوم اعمق شعورا بمعنى السلام، واعظم ايمانا بالنظام الدولي الجديد الذي يصون العدل ويحمي الحق ويسعى للخير»...
لقد عزمت الكويت بتوجيهات الشيخ جابر الاحمد، وبخاصة بعد الظلم والعدوان والاحتلال العراقي، ان تمضي قدما في الديموقراطية وقوامها الحياة النيابية، واحترام حقوق الانسان، ومحاربة التمييز والتفرقة العنصرية، واقامة دولة القانون، والاعتراف بدور المشاركة الشعبية في عمليات التنمية، واقامة المجتمع المدني وفقا لمعطيات الحداثة والمعاصرة والنظرة العالمية لدور الانسان في صنع الحضارة، واعادة صياغة هذا الكون من جديد بعد ان بات اليوم قرية صغيرة، يأمل الجميع ان يعيشوا في ظلها بأمان واخاء وحرية ومساواة.
ويكفي الكويت فخرا ان يقوم رئيس المنظمة الدولية لاجل الغرباء «البروفسور دولت هنودي» بزيارة للشيخ جابر الاحمد في مكتبه صباح يوم 24 اكتوبر عام 1983م، ليقدم له وثيقة المنظمة الذهبية لحسن معاملة الكويت للغرباء، وقد اكد الشيخ جابر الاحمد في ذلك اللقاء: «... ان معاملة الكويت للغرباء نابعة من عقيدتها الاسلامية، ومن طباع واخلاق شعبها»...


ومما قاله «البروفسور هنودي» في رده في تلك المناسبة الانسانية»... انه ثبت للمنظمة بعد دراسة استغرقت ثلاث سنوات، ان الكويت اول دولة في العالم تعامل الغرباء على ارضها معاملة انسانية، تضمن لهم حقوقهم البشرية كمغتربين»... وهذه واحدة من ثمار سياسة الشيخ جابر الاحمد التي تكشف مدى اصراره على السير في هذا الطريق الانساني القويم.

الفكر الديموقراطي
والنهج المؤسسي والمنهج الاداري

ان الامن الاجتماعي هو واحد من خطوط الدفاع الاولى عن مقومات الوطن واستمرارية بقائه، ورافد مهم وفاعل للدفاع العسكري والامن الوطني، وبالتالي فان اي مجتمع ينشد الامن والامان والاستقرار والسلام لا بد ان يأخذ اسباب الامن باشكاله وصوره كافة، سواء أكان أمنا سياسيا، ام عسكريا، ام اقتصاديا، ام غذائيا، ام اجتماعيا، وان تسير هذه الصور والانماط من الامن في خطوط متوازية، يدعم كل منها الآخر وصولا الى نتيجة واحذة، يسعى كل منها لتحقيقها.
وعليه، فان الديموقراطية بصفتها فلسفة في الحياة الاجتماعية والسياسية للمواطنين، وكذا العمل المؤسسي والنضج الاداري ما هما الا رافدان اساسيان ورئيسيان يصبان في قنوات الامن الوطني والعدالة الاجتماعية، من هنا، كان حرص الشيخ جابر الاحمد واهتمامه بهذه المعادلة الفكرية وابعادها وتداعياتها في حياة المجتمع الكويتي.
ان الديموقراطية بوصفها فكرا ومنهج عمل في الحياة، فان المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تدور في فلكها، لا يمكن لها أن تستقيم وتستمر في غياب مؤسسات المجتمع المدني، وتفشي البيروقراطية الادارية، وهذا ما كان ينبذه الشيخ جابر الاحمد فكرا وعملا، ويحاول بكل الوسائل ان يدفع مؤسسات المجتمع المدني نحو النمو والازدهار بصفتها شريكا فاعلا يمكن ان يسهم بقوة في الحياة العامة، وبناء المجتمع بدرجة عالية من الكفاءة والاداء، في الوقت الذي كان يدعو ويعمل من اجل القضاء على البيروقرواطية الادارية، وتخليص قواعد العمل واجراءاته من شوائبها.
من هذا المنظور الثلاثي «الديموقراطية ـ النهج المؤسسي ـ المنهج الاداري» انطلق الشيخ جابر الاحمد في تعامله مع القضايا المجتمعية، مثلما تعامل مع الازمات الاقتصادية التي مرت بها الكويت، وعالجها من خلال منظوره الثلاثي الشهير (انظر الفكر الاقتصادي ـ الفصل الثالث ـ المبحث الثاني)... هذه الثلاثية في كلتا الحالين مبدأ عملي اخذ به كثير من علماء وفلاسفة علم الاجتماع والاقتصاد في مواجهة القضايا والمشكلات التي تعرضوا لها في ابحاثهم ومسيرتهم العلمية، لتصبح فيما بعد نظريات، ومنهجا علميا وتطبيقيا، تدرس في كليات العلوم الانسانية وكليات العلوم الاجتماعية والعلوم الاقتصادية بصفة خاصة، بعد ان ثبت لهؤلاء العلماء، ومن أتوا من بعدهم، ان اية مشكلة مجتمعية لا يمكن ان تكون نابعة من مصدر احادي او سبب واحد، بل ان هناك العديد من الاسباب التي تجمعت، وادت بدورها الى تلك المشكلة، وبالتالي فان اسلوب علاجها يجب ان يكون قائما على اساس تعدد العوامل والمصادر الهادفة الى الحل، وهذا ما كان يهدف اليه الشيخ جابر الاحمد عندما كان يجد نفسه في مواجهة اية مشكلة مجتمعية، يتطلب علاجها حكمة وعدالة، وبعد نظر في المسائل الانسانية، وضمان امن الوطن وحماية المجتمع.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:13 AM
آخر الأخبار

قصــة الديمقراطيــة فــي الكويـت
الحلقة الخامسة والعشرون

كان الحكم منذ فجر تاريخ الكويت قائما، وبصفة مستمرة على اساس الشورى بين الحاكم والشعب، فاذا ما حاولنا استرجاع التاريخ لوجدنا ما يشير الى ان تقاليد الشورى كانت قائمة في الكويت منذ تولي صباح الاول حكم الامارة، وكانت سلطة الحاكم بمثابة السلطة التنفيذية، في حين كانت السلطة التشريعية متمثلة في اعراف وتقاليد من صنع اهل الكويت اكثر من كونها من صنع الحاكم، حيث كانت الحياة بسيطة غير معقدة، لا تستلزم تشريعات تنظم احوال الناس، وعلى الرغم من انتفاء الطابع الالزامي لهذه الشورى الا انها خلقت قيدا نفسيا وعرفيا على تصرفات الحاكم.
وهكذا يمكن القول ان نظام الحكم منذ النصف الاول من القرن الثامن عشر ـ وفي اعقاب اختيار صباح الاول حاكما ـ يقوم على اساس الشورى بين الحاكم والشعب دون وجود مجلس شورى او مجالس تشريعية، اذ كانت الحياة في الكويت بسيطة، ولم يحدث ما يدفع بالحاكم الى الانفراد بالسلطة، وكان مبدأ الشورى يعني التزام الحاكم باستشارة المواطنين، ولم يكن للحاكم ان يضع قانونا من صنعه، وانما يستند الى العرف والتقاليد والشريعة الاسلامية، دون ان تكون له سلطة التشريع.
ويمثل عهد المغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح نقطة تحول في تطوير اسلوب مشاركة الشعب في صنع القرار السياسي، اذ تم تأسيس اول مجلس للشورى عام 1921م، ومع ان عضوية هذا المجلس كانت تتم بالتعيين، الا انها تعتبر اول محاولة لتنظيم الشورى في الحكم، وتحديد العلاقة بين الحاكم والشعب.
ثم شهدت الكويت بعد ذلك عدة تطورات تنظيمية اخرى، يمكن اعتبارها ـ بشكل او بآخر ـ نوعا من السلوك الديمقراطية في ادارة شؤون اهل الكويت، اذ كانت هذه التنظيمات تدار من قبل مجالس منتخبة، فقد انشىء اول مجلس للبلدية عام 1930م واول مجلس للمعارف عام 1936م.
وكان ميلاد هذه المجالس ـ وعلى وجه الخصوص مجلس الشورى ـ بمثابة اول صيغة رسمية لمجلس يعاون الحاكم، ومنعطفا تاريخيا يعني الاعتراف بالمشاركة الشعبية في ادارة شؤون الدولة والمجتمع، على الرغم من ان مجلس الشورى لعام 1921م لم تكن له سلطات تشريعية ملزمة بالمعنى المتعارف عليه، وانما كانت آراؤه استشارية فقط، على ان هذا المجلس مر بعد ذلك بنوع من التطوير، اذ تم انتخاب اول مجلس تشريعي عام 1938م كما صدر اول دستور للبلاد ـ بشكل مبسط ـ يتفق مع واقع الحياة في ذلك الوقت، وهو ما يمكن اعتباره نقطة تحول كبيرة في الحياة التشريعية.
وقد عملت الخبرات، او تلك الممارسات السياسية من قبل اهل الكويت، والتي نجح بعض منها وفشل البعض الآخر على تهيئة المجتمع الكويتي للدخول في مرحلة الحياة الديمقراطية المقننة المعتمدة على قواعد دستورية بالغة التنظيم، وعلى ممثلين للأمة من اعضاء منتخبين، وعلى وعي وتفهم للديمقراطية من قبل قاعدة شعبية كبيرة.
وبدأت ـ بالفعل ـ مرحلة عصرية جديدة في عهد المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح، اذ تم اعلان استقلال الكويت في التاسع عشر من يونيو عام 1961م، وصدر مرسوم اميري في 26 من اغسطس عام 1961م بانشاء هيئة تتولى بالاشتراك مع المجلس الاعلى وضع مشروع قانون لانتخاب اعضاء المجلس التأسيسي الذي يتولى مهمة اعداد دستور الكويت. كما صدر القانون رقم 1 لسنة 1962م بالنظام الاساسي للحكم في فترة الانتقال، وهي الفترة التي تبدأ من تاريخ العمل بهذا القانون في 7 يناير عام 1962م، وتنتهي مع بدء العمل بالدستور في 29 يناير عام 1963م.
وقد تضمن هذا القانون 32 مادة، كلفت المادة الاولى منه المجلس التأسيسي المنتخب باعداد دستور يحدد نظام الحكم على اساس المبادىء الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت واهدافها وثوابتها، وأوجب القانون على المجلس الانتهاء من هذه المهمة خلال سنة، تبدأ من تاريخ اول انعقاد (انظر مرفق رقم 19).
لقد اكتسبت التجربة الديمقراطية في الكويت المزيد من الوعي والنهج والتطور، بعد ممارسات في الحياة النيابية دامت سنوات طوالا منذ ان بدأ مجلس الامة الاول عمله عام 1963م وحتى الآن، حيث تزايد مستوى الوعي بين المواطنين، سواء أكانوا ناخبين، ام مرشحين، ام اجهزة تشرف على العملية الانتخابية.
وكان للشيخ جابر الاحمد ـ وهو وزير للمالية ـ مساهمات كبيرة فاعلة مؤثرة في صياغة احكام دستور الكويت، وقد جاءت هذه المساهمات من خلال الخبير الدستوري عبد الرزاق السنهوري الذي كان يعمل بالوزارة ـ آنذاك ـ خبيرا قانونيا، عندما كلف بجانب عمله في صياغة قوانين الصناعة والتجارة المشاركة في وضع دستور الكويت، الامر الذي اتيح معه للشيخ جابر الاحمد ان يضع بصماته على معظم احكامه.

الشيخ جابر الاحمد
والحياة الديمقراطية والنيابية

لقد كان الشيخ جابر الاحمد دائما ملازما ومسايرا لكل التطورات الحياتية على الساحة الكويتية، سواء أكانت سياسية ام اقتصادية ام اجتماعية. وكان له دوما رأي وموقف في معترك تلك التطورات، سواء أكانت سلبا ام ايجابا، وان كلماته التي القاها في شتى المناسبات، تجسد روح الديمقراطية المتأصلة في نفس الحاكم والشعب منذ بداية حياة الشورى الاولى الى ان تبلورت تلك الممارسات في صيغتها النيابية المتحضرة المعاصرة، وفيما يلي نماذج من مواقفه في اكثر من مناسبة:
في خطاب وجهه الى المواطنين بانتهاء فترة الحداد الرسمي على الامير الراحل المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح في الرابع عشر من فبراير عام 1978م، اشار فيه بالآتي: «... وكان امرنا ـ دائما ـ شورى بيننا حتى غدت الشورى صفة اساسية للحكم، حرصت اجيالنا المتعاقبة على التمسك بها، فالديمقراطية متأصلة في نفوسنا جميعا ككويتيين منذ القدم، والديمقراطية الصحيحة لا تعني مجرد الاطار الشكلي البرلماني، ولكنها تعني المفهوم الحقيقي، والممارسة الفعلية للديمقراطية، وسنظل حريصين على ترسيخ ديمقراطيتنا الاصيلة بالمشاركة الشعبية النابعة من تراثنا وتقاليدنا، والتي سنعمل على تطويرها وانضاج ممارستها تلبية لمتطلبات مجتمعنا الجديد في اطار قيمنا واخلاقنا، ومبادىء ديننا الحنيف»...
ويؤكد الشيخ جابر الاحمد من جديد هذه المعاني فيما جاء في كلمته في افتتاح المؤتمر الشعبي في جدة بالمملكة العربية السعودية في اكتوبر عام 1990م، حين يقول: «... لقد عاش الكويتيون منذ القدم في اجواء من الحرية، والتزموا الشورى ومارسوا الديمقراطية في اطار دستورنا الذي ارتضيناه جميعا، واذا ما اختلفت اجتهاداتهم بشأن امر من الامور المتعلقة بترتيب البيت الكويتي، فانهم يكونون اشد تلاحما واصرارا وتآزرا في مواجهة الاخطار التي تهددهم».
وفي اعقاب المؤتمر الشعبي الذي انعقد في جدة بالمملكة العربية السعودية خلال فترة العدوان والاحتلال العراقي، وبعد تحرير الكويت مباشرة، يعود الشيخ جابر الاحمد ليبث الطمأنينة في نفوس اهل الكويت، ويبشرهم بالتصميم على عودة واستمرار الحياة الديمقراطية والنيابية كمنهج اساسي لادارة شؤون البلاد.
ففي كلمته في العشر الاواخر من رمضان عام 1411هـ الموافق عام 1991م، اكد: «... ان الشورى والمشاركة الشعبية في امور البلاد كانت من طبيعة الحياة في بلادنا، ولها طرق عدة، الا ان عودة الحياة النيابية، هي ما اتفقنا عليه في المؤتمر الشعبي في جدة، ووفاء بهذا الوعد، فقد قررنا بعد ان تستقر الاوضاع، وتبدأ مسيرة الحياة، ويعود اهل الكويت جميعا الى وطنهم، ان تجري الانتخابات النيابية خلال السنة القادمة ـ بإذن الله تعالى ـ حسب ما نص عليه دستورنا»....
ويحدد الشيخ جابر الاحمد الأبعاد الرئيسية للسلوك الديمقراطي في الكلمة التي ألقاها بمناسبة العيد الوطني وعيد التحرير عام 1992م، وصولا الى تأكيد المعاني الحضارية للديمقراطية، والحرص على تقديم التوجيه والنصح والارشاد لابنائه الكويتيين فيما يختص بالسلوك الانتخابي، سواء من قبل المرشحين او الناخبين انفسهم، فيقول: «... ان الديمقراطية هي حرية، وهي مسؤولية في الوقت ذاته، ومثلها حق المواطن في التعبير عن رأيه، وفي الحوار مع اخوانه، أما الفرقة والتنافر والتطاحن، فإنها العدو الاول للوطن، وهي منبت الفتنة»...
ويضيف قائلا: «... وفي مجتمع منفتح على جميع الافكار والتيارات مثل مجتمعنا النابض بحيوية الكويتيين ومثابرتهم تتكاثر الاجتهادات، وتتباين الآراء، وتتنوع الحلول حول افضل السبل والوسائل للارتقاء بالمجتمع وتطويره، وهذا هو اقتناعنا الدائم، منذ قيام الكويت الحديثة»...
ويكشف الشيخ جابر الاحمد عن ان الديمقراطية الكويتية لها اصالتها ولها جذورها العميقة التي امتدت على مدى تاريخ الكويت، وانها جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الكويتي منذ حياته الاولى البسيطة استمرارا الى حياته المعاصرة التي اخذت بأعلى مستويات التقدم، وتتجسد تلك المعاني في كلمته بمناسبة العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1412هـ وعلى وجه التحديد في 28 مارس عام 1992م، اذ يقول: «... كلنا نعرف ان الديمقراطية اختيار كويتي، كان منذ البداية، وهو سبيلنا الدائم، والديمقراطية ليست مستعارة بل هي كويتية الجذور والمنبت، كويتية النهج والقيم، حيث ان الشورى بين الكويتيين في تسيير امور بلدهم واقع تاريخي، وهذا ما يجب تأكيده والحرص عليه، وهذا المعنى هو الذي يعطي الديمقراطية الكويتية شخصيتها المنفردة، ووضعها الحقيقي، ومغزاها الاصيل، اما ما عدا ذلك من التقليد للآخرين، فهو لون من التبعية التي ينفر منها الكويتيون كل النفور ـ فالكويتيون ـ دائما ـ يحرصون على الاصالة التي هي ابرز سماتهم على طول تاريخهم، اننا اذا عرفنا ذلك وآمنا به، كانت ديمقراطيتنا مثلا يحتذى، ونموذجا يقتدى به»...
وفي كلمة اخرى له في العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1413هـ، وعلى وجه التحديد في 17 مارس عام 1993م يقول فيها: «... لقد آمنا بالشورى والديمقراطية والحرية منذ فجر تاريخنا لصالح الكويت وشعب الكويت، فديمقراطيتنا نابعة من مجتمعنا، محكومة بطبيعته وفلسفته واخلاقه، وان نعمة الحرية التي نتمتع بها جميعا هي وسيلة لصدق التعبير، وامانة المكاشفة، ونور المصالحة بهدف الارتقاء بمجتمعنا، وعلاج مشكلاته على أسس سليمة وموضوعية»...
وعندما يخاطب الشيخ جابر الاحمد شعب الكويت في تلك المناسبات، اي العشر الاواخر من شهر رمضان، وفي غيرها من المناسبات، فانه يصر على التأكيد على اهمية الشورى والديمقراطية بصفتها منهجا للحياة في الكويت، وهو بهذا، يفصح دائما وفي اكثر من مناسبة عن ايمانه العميق بحرية المواطنين في الحوار والتعبير، وابداء الرأي والمشاركة الفعالة في كل ما يمس حياتهم من شؤون سياسية واجتماعية واقتصادية.
فالديمقراطية ـ دائما وابدا ـ في فكره ووجدانه مثلما كانت ـ دائما وابدا ـ في فكر ووجدان الشرعية الكويتية على مدى تاريخها، ابتداء من شورى الحياة البسيطة غير المعقدة في عهد صباح بن جابر، الى محاولات تنظيم العلاقة بين الحاكم والشعب في عهد المغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح، من خلال مجالس شورى ثم تعيين اعضائها في بادىء الامر، ثم بالانتخاب في مرحلة تالية الى مرحلة التحديث في شتى نواحي الحياة، ومنها الحياة النيابية التي توجت بوضع دستور للدولة عام 1962م في عهد المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:13 AM
وهنا نجد «فيصل المزيدي» يمس هذا الجانب المهم في حياة كل كويتي، حين يشير الى واقعة عايشها شخصيا في مطلع الستينيات، فيقول: «... في عام 1963م عندما اختلفت الكويت مع «شركة دينورا DeـNora الايطالية» على مشروع انشاء مجمع البتروكيماويات في الكويت بسبب اخلال الجانب الايطالي ببعض بنود الاتفاق، ولجوء الجانب الكويتي الى فسخ العقد المبرم، دخل الطرفان في عملية تحكيم، حيث عقدت محكمة خاصة في مدينة الاحمدي، قضت بمساءلة الشيخ جابر الاحمد لكونه الموقع على عقود المشروع بصفته وزيرا للمالية، وقد شكلت المحكمة من جنسيات اوروبية، فأتى الجانب الايطالي بمحكم ايطالي، والكويتي بمحكم بريطاني «شوكروس»، واختار الاثنان محكما سويسريا، حيث جاء الحكم في النهاية لصالح الكويت، واسترجعت من الشركة بعضا من حقوقها».
هكذا، تجدنا امام هذه الواقعة مأخوذين بعظمة مواقف، وصدق مبادىء وافكار الشيخ جابر الاحمد الذي لم يتردد للحظة في المثول امام المحكمة، ومن معه من المستشارين آنذاك «احمد السيد عمر، حامد اليوسف، فخري شهاب، فيصل المزيدي» رغم تمتعه بحصانة كاملة... هذا الموقف يؤكد ـ بلا شك ـ نزعته القوية نحو الاخذ بالنهج الديمقراطي كحل للاشكالات الحياتية في اي مستوى كان، وهي صفة عدلية وديمقراطية متناهية، يندر ان نلمسها او نشاهدها في المواقع القيادية في دول العالم الثالث، بل وفي الكويت ذاتها.
وفي هذا الخط يستمر الشيخ جابر الاحمد في متابعة المسيرة الديمقراطية وتقييمه لها، وحرصه البالغ على استمراريتها، رغم ما حدث من تجميد لبعض مواد الدستور، وتعطيل لاعمال مجلس الامة في عهده، ولم يكن ذلك سوى وقفة تأمل ومراجعة لتعديل المسار الديمقراطي نحو مزيد من الحرية والديمقراطية، وهذا حق دستوري لقائد الامة اذا ما وجد ان الامور تسير في عكس اتجاه مصالح وارادة الامة.
فحماية المجتمع هي مسؤولية قائدها، وتصحيح الاوضاع التي تقود الى صراعات ونزاعات مجتمعية هو شأن تحاسب عليه هذه القيادة، وبالتالي فان الوقفة الانتقالية في النظم الديمقراطية ليست ظاهرة سلبية، بل انها خطوة ايجابية متى ما اريد منها تصحيح الاوضاع، وتصحيح المسار الديمقراطي نحو المزيد من المشاركة الشعبية المسؤولة والملتزمة باصول واعراف النهج الديمقراطي في كل معطياته، وهذا ما اراده الشيخ جابر الاحمد من تلك الوقفة التي رأى فيها البعض ارتدادا ونكوصا عن النهج الديمقراطي، فاذا بها تدعو الى المزيد من الديمقراطية والحرية المسؤولة.
ان الاتجاهات الفكرية للشيخ جابر الاحمد المتصلة بالحياة الديمقراطية والنيابية والحريات العامة، لا يمكن ان يرتقى اليها الشك، فهو يؤكد في كل مناسبة على ان الديمقراطية والشورى هي اساس الحكم، وضميره منذ البدايات الاولى لقيام المجتمع الكويتي.. هذه التأكيدات المتكررة منه، سواء في احاديثه المحلية ام في مواقفه العربية ام الدولية، تدل جميعها على ان الديمقراطية الكويتية نابعة من خصوصيات هذا المجتمع، مارسها الآباء والاجداد وفق معايير محددة تجسدت في عادات وتقاليد واعراف المجتمع.
ولمزيد من الايضاح فإن هذا الفكر يبرز جلياً في كلماته التي القاها امام دورات مجلس الامة الكويتي منذ عام 1966م، اي قبل ان يتولى ادارة الحكم في الدولة.. تلك الكلمات والعبارات التي تجسد بوضوح فكره في المسألة الديمقراطية واشكالياتها، سواء أكان فيما يتعلق بفصل السلطات وادارة شؤون الدولة، ام فيما يتعلق منها بتطور المجتمع وتقدمه الحضاري.
ان المرسوم الاميري رقم 73 لسنة 1998 الذي اصدره الشيخ جابر الاحمد في 22 ديسمبر عام 1998 بتعديل المادة 69 من القانون رقم 12 لسنة 1963 في شأن اللائحة الداخلية لمجلس الامة الكويتي بالسماح بنقل الجلسات العلنية عن طريق وسائل الاعلام المسموعة والمرئية «الاذاعة، التلفاز» في ذات اليوم، ما لم يقرر رئيس المجلس منع اذاعة بعض ما دار في الجلسة، هو الآخر يجسد بوضوح فكره وحرصه على الدفع بالديمقراطية خطوة الى الامام، وذلك مكن خلال نقل ما يدور تحت قبة البرلمان من حوارات الى شعب الكويت بأجمعه، مهما تباينت الآراء واختلفت حول الامور والمسائل والقضايا المطروحة امام المجلس.
وليس من شك في ان الحرية التي يؤمن بها المجتمع الكويتي وقياداته السياسية، وعلى رأسهم الشيخ جابر الاحمد، ايماناً يعسكه سلوك أهل الكويت، وتؤكده الممارسة اليومية في علاقات الناس بعضهم ببعض، وعلاقاتهم مع من يحملون مسؤولية الحكم، لم تكن يوماً شعاراً لمرحلة او مطلباً لفترة من الزمن، انما هي قوام حياة ابناء الكويت، مارسوها وحرصوا عليها جيلاً اثر جيل، حتى باتت سلوكهم المألوف وطابعهم المعروف، وبالحوار وجدت طريقها في سهولة ويسر الى الذين يحملون مسؤولية الحكم حيث تلقى الاعتبار والتقدير.
هذه المسيرة الحضارية المشرقة لوطن واحد، وشعب واحد، ومصير واحد، لم تستطع رياح عاتية ان تقتلع جذورها من عمق تاريخ الكويت، او ان تنال منها، وعلى الرغم من ان الكويت وقعت ضحية للعدوان والاحتلال العراقي، فإن مسيرة الديمقراطية ومؤسساتها الدستورية بقيت شامخة تواصل كفاحها ونضالها ضد الاحتلال، حتى كتبت لها نعمة الحرية والتحرر لتستكمل المسيرة الخيرة بقوة اكبر وحرية اشمل.. هذه الحقيقة الساطعة لم يدركها النظام العراقي. فأخطأ فهم طبيعة الجبهة الداخلية الكويتية، وظن واهماً ان ما طرحه بعض المواطنين المجتهدين من آراء لترتيب اوضاع البيت الكويتي، انما هو باعث خلافات وتناقضات بين ابناء الوطن الكويتي الواحد.


المرأة الكويتية والحق السياسي

لقد عُرف عن الشيخ جابر الاحمد انه في مقدمة رموز الكويت المدافعة عن قضايا المرأة الكويتية وحقوقها. وقد بدا ذلك واضحاً عند دخوله معترك العمل السياسي في مطلع الستينات وما قبلها، عندما كان يتولى حاكمية مدينة الاحمدي ومناطق النفط.
وبالرغم من تحفظ الكثيرين ـ في ذلك التاريخ البعيد ـ على دخول المرأة ميادين العمل المختلفة، ومحاولة حصرها في وزارات وقطاعات عمل محددة. كان الشيخ جابر الاحمد منسجماً مع مواقفه السابقة، ومع معطيات الواقع الجديد الذي بدأت الكويت تخطو اولى خطواتها نحوه، الامر الذي جعله يقف موقفاً معارضاً من تقييد المرأة في وظائف محددة، وانه لابد من افساح المجال لها للانخراط في الوظائف كافة، بل وتشجيعها للارتقاء في المناصب الادارية اسوة بالذكور من ابناء الكويت.
وكان دفاعه في ذلك، ان الفتاة الكويتية التي نالت ثقة الاسرة والمجتمع بالتزود بالعلم والمعرفة، ليس في الكويت فحسب، بل في الخارج ايضاً، يجب الا تتزعزع الثقة بها عند دخولها ميادين العمل. ذلك لان الفتاة التي استطاعت ان تحافظ على شرفها وسمعتها طوال فترة الدراسة، وفي جو مختلط لا تمييز فيه بين الذكور والاناث، فإنها سوف تكون جديرة بالمحافظة على شرفها وسمعتها في اي موقع يمكن ان تعمل فيه.
لم يكتف الشيخ جابر الاحمد بالافصاح عن مواقفه حيال قضايا المرأة الكويتية في اجتماعات مجلس الوزراء عندما كان وزيراً للمالية، او ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء. كما لم يكتف بالتعبير عن هذا الموقف من خلال تصريحاته ومؤتمراته الصحفية، وانما سطرها في كلماته وهو حاكم لدولة الكويت.
فقد جاء في الكلمة التي وجهها الى المواطنين في العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1411هـ، وعلى وجه التحديد في 7 ابريل عام 1991م: «... لقد اثبتت النساء الكويتيات خلال فترة الاحتلال جدارتهن وثباتهن، وتحملهن للمتاعب والشدائد كافة، وانهن لسن مترفات، كما يحلو للبعض ان يقول، بل شديدات على اعداء بلادهن، سواء اللواتي كن داخل البلاد أم خارجها...».
معلناً عن موقفه بايمان كبير، عندما يقول: «... وسوف يدرس موضوع مشاركة المرأة في الحياة النيابية بكامل دورها في بناء المجتمع والنهوض به...».
ويؤكد على هذا التوجه في كلمة له بمناسبة ذكرى العيد الوطني، والذكرى الاولى لتحرير الكويت في 22 فبراير عام 1992م، حين يشير: «... ان المرأة الكويتية التي تسعى لتحقيق ذاتها كعضو فعال ومنتج في هذا المجتمع، والتي بلغت الذروة في العطاء والفعالية والتضحية ايام المحنة، يجب ان تنال منا جميعاً المزيد من الاهتمام بما يتلاءم ودورها في مجتمع ما بعد التحرير..».
وفي 16 مايو عام 1999 اوفى الشيخ جابر الاحمد بهذا الوعد حين طلب من مجلس الوزراء تعديل قانون الانتخاب بما يسمح باعطاء المرأة الكويتية كامل حقوقها السياسية في الترشيح والانتخاب للمجالس والمؤسسات النيابية، وذلك اعتباراً من عام 2003م تقديراً منه للدور الحيوي والمهم والمتميز الذي تضطلع به المرأة الكويتية في بناء ونهضة المجتمع الكويتي والارتقاء به، وما قدمته من تضحيات جسيمة، ودور مسؤول وفعال ازاء مختلف التحديات التي تعرضت لها الكويت، وبخاصة اثناء فترة العدوان والاحتلال العراقي. منوهاً بأن المرأة الكويتية التي نجحت في كل المناصب التي تقلدتها عبر مسيرة الكويت لقادرة على القيام بواجباتها على اكمل وجه، ومشاركة الرجل بثقة ومسؤولية تامة في دفع عجلة التنمية والتقدم وبناء كويت المستقبل.
لقد أتت مبادرة الشيخ جابر الاحمد انجازاً تاريخياً يعكس حرصه على تجسيد معاني الديمقراطية، وتوسيع القاعدة الانتخابية والمشاركة الشعبية. ومن هنا، جاء المرسوم بالقانون رقم 9 لسنة 1999م، (انظر مرفق رقم 20) ليشكل منعطفاً تاريخياً في مسيرة الكويت الحضارية.. وفيما يلي شيء من ردود الفعل المختلفة على جميع المستويات:

ردود الفعل المحلية:

اشاد سفراء الدول المعتمدون لدى دولة الكويت بهذه المبادرة الاميرية الحضارية، ووصفوها بأنها خطوة ايجابية في تجربة الكويت الديمقراطية، وبخاصة ان عدد الاناث في الكويت يمثل اكثر من 50% من السكان الكويتيين حسب البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط، علاوة على تبوؤ نساء الكويت لارفع المناصب في الادارة الكويتية بمختلف قطاعاتها.
ومنذ اليوم التالي لاعلان الرغبة الاميرية توجهت وفود نسائية وشعبية كبيرة تمثل مختلف القطاعات، سواء أكانت في الادارة الحكومية ام القطاع الخاص ام ممثلين وممثلات عن الجمعيات والهيئات الاهلية والنقابات العمالية، وبخاصة الجمعيات النسائية، لمقابلة الشيخ جابر الاحمد بمكتبه في قصر بيان، وذلك للتعبير عن شكرهن وتقديرهن لاعطائهن كامل حقوقهن السياسية، الذي حسم جدلاً طال خمسين عاماً هو عمر مجلس الامة الكويتي حتى تاريخ اعداد هذا الكتاب.
وفي كلمة ترحيبية امام هذه الوفود اشاد الشيخ جابر الاحمد بالمرأة الكويتية،قائلاً: «...لقد كنت متابعاً لمسيرة المرأة الكويتية ودورها الوطني، ودائماً نسمع ان المرأة نصف المجتمع، وأنا لا اعرف لماذا يطلق عليها هذا الوصف دون ان تتحمل مسؤولية حاضر ومستقبل بلدها.
ومن هذا المنطلق، اتمنى ان يكون هذا الاجراء مفيداً، ويعطي قوة ومتانة لهذا البلد العزيز علينا. وانا على ثقة تامة بأن نساءنا سيكن عند حسن الظن بهن ليتحملن مسؤوليتهن في سبيل هذا البلد الطيب...».
وفي الوقت ذاته، اصدرت جمعيات النفع العام، والهيئات الاهلية الاخرى بيانات واعلانات تأييد وترحيب بهذه المبادرة الاميرية التي ستثري الحياة النيابية، وتنقل الكويت الى عداد الدول العريقة في التجربة الديمقراطية، وضمان الحريات العامة. كما ان الصحف الكويتية تناولت هذه المبادرة بالاشادة والتحليل، وبخاصة كتاب الزوايا في هذه الصحف، مثلما شهدت الكويت زخماً من اللقاءات الشعبية ابتهاجاً وسروراً بهذه النقلة النوعية في تاريخ الكويت الحديث.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:13 AM
ردود الفعل العربية:

وعلى المستوى العربي كانت ردود الفعل كبيرة وسريعة، فقد اكد الامير طلال بن عبد العزيز، رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الامم المتحدة الانمائية، بأن قرار سمو امير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد اعطاء المرأة الكويتية حقها في الترشيح والانتخاب قرار تاريخي، ونقلة حضارية سيترك اثراً ايجابيا ومباشراً على اوضاع المرأة في منطقة الخليج والدول العربية كافة. كما رأى ان القرار يعتبر خطوة صحيحة تتفق مع الشريعة الاسلامية وتقاليدنا العربية الصحيحة.
وفي لبنان اشاد رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص، ومفتي لبنان الشيخ محمد رشيد قباني، ورئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وعدد كبير من الشخصيات النيابية، والسياسية، والوزراء، ورؤساء الجمعيات، والمجالس النسائية بمبادرة الشيخ جابر الاحمد بمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية، مرحبين بهذه الخطوة المتميزة التي تصب في اطار تعزيز الديمقراطية وتثري الحياة النيابية، وتوسع قاعدة المشاركة السياسية.
كما رحب علماء الدين ورجال السياسة في مصر من مختلف الاتجاهات بقرار الشيخ جابر الاحمد باعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية. فقد وصف مفتي مصر الدكتور نصر فريد واصل الخطوة التي اقدم عليها امير دولة الكويت بأنها فاتحة خير للمرأة المسلمة نؤيدها ونساندها. مؤكداً ان ذلك من ابسط الحقوق التي كفلها الاسلام للمرأة. كما رأى شيخ الازهر «محمد سيد طنطاوي» انها خطوة طيبة. موجهاً حديثه الى امير دولة الكويت: « مرحبا بما اعطيته للمرأة المسلمة من حقوق كانت محرومة منها فترة طويلة، والحمد لله انها حصلت عليها، ونأمل ان تحذو بقية الدول الاسلامية حذو الكويت في هذه المسألة».
ومن جهة اخرى، افاد رئيس لجنة تطبيق الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، ورئيس المجلس الاسبق الدكتور صوفي ابو طالب. ان هذا القرار ايجابي وجيد بكل المقاييس وصحيح 100% سواء أكان من وجهة نظر الشريعة ام من وجهة النظر المعاصرة.
وفي الوقت ذاته اشار المرشد العام للاخوان المسلمين «مصطفى مشهور» ان الاخوان يباركون هذه الخطوة التي اتخذها امير دولة الكويت بافساح المجال للمرأة المسلمة للتعبير عن نفسها في اختيار من يمثلها في المجالس البرلمانية والانتخابية العامة. كما اشادت شخصيات نسائية مصرية بهذا القرار التاريخي، من بينهن رئيسة رابطة المرأة العربية «الدكتورة هدى بدران»، التي اشارت الى ان ما حصلت عليه المرأة الكويتية يعتبر نقلة نوعية وحضارية شاسعة في التاريخ، وانه ايماناً من الرابطة بايجابية هذا القرار بادرت بارسال برقية تأييد للشيخ جابر الاحمد على الخطوة التي اتخذها.
وفي سوريا وصفت مبادرة الشيخ جابر الاحمد بأنها ممتازة ورائدة وشجاعة وحكيمة، وذكرت عضوتان في مجلس الشعب السوري قرار امير دولة الكويت بأنه تاريخي، ويحمل في طياته مصلحة امة ووطن، وهو ايضا استحقاق تاريخي للديمقراطية تستحقه نساء الكويت. كما انه مكسب ليس للمرأة الكويتية فحسب، وانما لكل امرأة في الوطن العربي من المحيط الى الخليج.

ردود الفعل الدولية.

لاشك في انه، مثلما كان للرغبة الاميرية ردود فعل ايجابية في الاوساط المحلية والعربية، فإن ردود الفعل الدولية لم تكن اقل حماساً واشادة بهذه الخطوة الحضارية والانسانية، فقد بعث الرئيس الامريكي «بيل كلنتون» الى الشيخ جابر الاحمد رسالة تأييد وتهنئة للقرار الذي اتخذه في 16 مايو عام 1999م بمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية، معتبرا هذا القرار خطوة تاريخية من شأنها تحقيق مستقبل راسخ لدولة الكويت.
كما أدلى «جيمس فولي» الناطق باسم وزارة الخارجية الامريكية بالوكالة بتصريح ذكر فيه ان الادارة الامريكية ترحب بالقرار الذي اتخذه امير دولة الكويت ويعتبر خطوة مشجعة الى الامام مؤكدا ان التأييد لمشاركة سياسية اوسع نطاقا، بما في ذلك الدور المهم الذي تقوم به المرأة في العملية السياسية، كان على الدوام من دعائم سياسية الولايات المتحدة، وبالتالي فان القرار التاريخي ـ وفي رأينا ـ يمثل تقدما ملموسا بالنسبة لحقوق المرأة والعمل بالنظام الديمقراطي في الكويت.
كما رحبت الحكومة الفرنسية برغبة امير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد بمنح المرأة الكويتية كامل حقوقها السياسية عام 2003م سواء أكان بالترشيح ام بالانتخاب، معربة عن ارتياحها لهذا لقرار الذي سيعزز الآلية الديمقراطية في الكويت.
أما في بريطانيا فقد أشادت وسائل الاعلام بمبادرة الشيخ جابر الاحمد حيث ابرزت صحيفة الفاينانشال تايمز The Financial Times الخبر في صفحتها الاولى في العدد الصادر بتاريخ 17 مايو عام 1999م. كما تناولت صحيفة التايمز The Times الحدث بذات التاريخ بالشرح والتحليل، مثلما نشرت صحيفة والديلي تلغراف The Daily Telegraph مقالة مستفيضة حول الموضوع في اليوم التالي للقرار تحت عنوان First Move In Gulf وتحت عنوان To give vote to women طالبت باعطاء المرأة الكويتية حق التصويت والترشيح. كما اهتمت مجلة الايكونوميست الاسبوعية The Economist في عددها الصادر بتاريخ 22 مايو عام 1999م بمبادرة الشيخ جابر الاحمد بمنح المرأة الكويتية كامل حقوقها السياسية، ونشرت مقالا تحت عنوان: women's day in Kuwait.
من جهة اخرى، وصف رئيس الدوما الروسي غينادي سيليزينوف منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية بانه حدث مهم وشأن ايجابي للغاية، مشيرا الى ان ذلك سيعود بالخير على دولة الكويت.
كما رحبت النمسا على الصعيدين: الحكومي، والشعبي ممثلا بالبرلمان النمساوي بقرار الشيخ جابر الاحمد منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية وتمكينها من حق الترشيح والانتخاب للمجالس النيابية فقد وصف مسؤولون في الحكومة واعضاء البرلمان هذا القرار بأنه حدث تاريخي عظيم ومهم وخطوة كبيرة نحو ترسيخ وتدعيم اسس الديمقراطية والحياة النيابية في الكويت بصفتها دولة قانون ومؤسسات، الى جانب تعزيز الحق الطبيعي في المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة في المجتمع الكويتي. كما انه من اكثر القرارات المشجعة في المنطقة بشكل خاص، والعالم بشكل عام خلال الثلاث سنوات الاخيرة.
من جانبه، اكد الاتحاد الاوروبي بأن قرار امير دولة الكويت، منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية اعتبارا من العام 2003م، تطورا سياسيا مهما يعيد للمرأة الكويتية دورها الكامل في المجتمع، ويشجع حقوق الانسان ويعزز الديمقراطية في الكويت.
هكذا كان الشيخ جابر الاحمد كعادته وفيا للعهد وكريما مع ابنائه الذين هم شعب الكويت بأسره، حريصا على قيادته سفينة الكويت بأمان وسلام نحو مرفأ النظام العالمي الجديد. وايجاد موقع مميز للكويت بين النظم الديمقراطية في عالمنا المعاصر.
فالنماذج السابقة لردود الفعل على قراره التاريخي تؤكد ان الكويت سائرة في طريقها الصحيح، وانها باتت مؤهلة لان تنتظم في صفوف الانظمة الديمقراطية الرائدة. فالثناء والاشادة من قبل دول عريقة بالديمقراطية ليس بالامر الهين، ما لم تكن هذه الدولة قد لمست عن قرب بان هذه الدولة قد بدأت خطواتها الجادة والسريعة نحو اللحاق بركبهم، خاصة بعد ان عزمت الامر على الاخذ بفلسفة سياسية قوامها سيادة القانون وتعزيز الديمقراطية وضمان الحريات العامة، وكفالة حقوق الانسان، وهي جميعا من المرتكزات الاساسية التي يقوم عليها النظام العالمي الجديد.
وبتاريخ 23 نوفمبر عام 1999م رفض مجلس الامة الكويتي بفارق 20 صوتا منح المرأة الكويتية الحقوق السياسية، وسقط المرسوم الاميري الخاص بتعديل المادة الاولى من القانون رقم 35 لسنة 1962م في شأن انتخابات اعضاء المجلس.. ذلك التعديل الذي كان يهدف الى مشاركة المرأة في الترشيح والانتخاب لعضوية المجلس.. وعلى اثر هذا الرفض النيابي للمرسوم قامت الحكومة من جانبها باصدار البيان التالي:

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

في اجتماعنا هذا اليوم، وفي ظل الشورى التي رسمها الله لنا، وعملا بقوله عز وجل: وأمرهم شورى بينهم تجد الحكومة واجبا عليها ان تدلي بهذا البيان، تكشف به احكام الدستور الكويتي، ومبادىء الشريعة الاسلامية الغراء، في موضوع المرسوم بقانون بتعديل قانون حق الانتخاب رقم 9 لسنة 1999م بما يزيل خطأ دستوريا جسيما، وهو حرمان المرأة من حقها في الانتخاب والترشيح لمجلس الامة.
لقد صدر هذا المرسوم بقانون بناء على ما امر به حضرة صاحب السمو امير البلاد ـ حفظه الله ـ بمنح المرأة الكويتية كامل حقوقها السياسية في الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية، وذلك تقديرا من سموه للدور الحيوي المهم الذي تضطلع به المرأة الكويتية في بناء المجتمع الكويتي والارتقاء به، وما قدمته من تضحيات جسيمة، ودور مسؤول ازاء محتلف التحديات التي تعرضت لها البلاد على مدى تاريخ هذا البلد الطيب، والذي مثلت فيه الروح الوطنية والمسؤولية الحقيقية.
وقد أخذ تنفيذ هذا الامر الشكل الدستوري السليم، حيث صدر مرسوم بقانون، قبل انعقاد مجلس الامة الجديد في اكتوبر سنة 1999م، وذلك اعمالا لنص المادة 71 من الدستور التي تجيز اصدار هذا المرسوم بقانون.
واذا كانت هذه المادة تجيز اصدار مراسيم بقانون لاتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وذلك استنادا الى حالة الضرورة التي تفرض اصدار هذه المراسيم، فان هذا المرسوم يتميز بشكل واضح وصريح، بانه يعلو حتى على حالة الضرورة، او الظروف الاستثنائية لانه صدر تصحيحا لوضع مخالف للنصوص الدستورية الصحيحة التي ترتب عليها حرمان المرأة الكويتية من حقوقها الدستورية والسياسية والاجتماعية والانسانية في مشاركتها في بناء نهضة البلاد في جميع المجالات والنواحي. والاستمرار في هذا الوضع يشكل خطأ دستوريا جسيما لا يحتمل التأخير في ذاته، ويستوجب سرعة اجراء لانه ليس ثمة ضرورة تعلو على ضرورة تنقيح نصوص القوانين من اي مخالفات للنصوص الدستورية التي يقوم عليها نظام الحكم الديمقراطي في البلاد، اذ يشكل انتهاكا لهذه النصوص من عدة نواح:
اولها: لانه يناقض ما جاء في المادة 6 من الدستور، من ان نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للامة مصدر السلطات جميعا، ولا يتصور ان يقصد المشرع بالامة الذكور من الكويتيين فقط دون الاناث، او انه يريد ان يحرم ما يزيد على نصف هذه الامة من حقوقها الثابتة، فالمرأة والرجل هما الدعامتان اللتان تقوم عليهما هذه الامة.
وثانيهما: ان الدستور الكويتي، وقد اخذ بمبدأ المساواة في المادتين 7 و29 يمثل مع العدل اساس دستوريا، فهو اذ يقرر المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، ولا يميز بينهما بسبب الجنس او الاصل، فانه لا يعني الا وجوب ان يعطي للمرأة الحقوق السياسية الكاملة، شأنها شأن الرجل.
وثالثها: ان الدستور حين جعل الانتخاب حقا لكل كويتي وذلك بصيغة مطلقة وعامة، فان قصرها على انها تعني الذكور فقط دون الكويتيات، يكون تخصيصا بغير مخصص، ومخالفا للمعنى والهدف الذي قصد اليه الدستور، بدليل ان الدستور اشتمل على العديد من المواد التي استخدمت كلمة كويتي، مع انه يقصد بها كلا من الرجل الكويتي والمراة الكويتية، وذلك وفقا لقواعد اللغة العربية السليمة.
وقد أجمع الفقه الدستوري في دولة الكويت على تأكيد ان الدستور يوجب اعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح، وان قانون الانتخاب جاء مخالفا للدستور، فيما خصصه من اعطاء هذا الحق للذكور فقط.
واذا كان قد جرى تطبيق الدستور على هذا النحو المخالف لصريح نصوصه واحكامه ومبادئه وأسسه لفترة من الزمن، فقد اصبح الامر ملحا ومستوجبا لرفع هذا الخطأ، وهو ما تدخل من اجله حضرة صاحب السمو الامير ـ حفظه الله ـ اداء لامانة المسؤولية التي يتحملها عن هذا الوطن، فأمر بإزالة هذا الخطأ، واصدار المرسوم بقانون المشار اليه حتى يستقيم البناء السياسي في دولة الكويت لتكون دولة المشروعية والدستور.
واذا كنا في عملنا نستهدي بعقيدتنا السمحاء وشريعتنا الغراء، فان هذا المرسوم بقانون قد جاء موافقا تمام التوافق مع كتاب الله وسنة رسوله الكريم، وما حفلت به الشريعة الاسلامية من احكام ومبادىء تسمو على كل الشرائع والقوانين.
لقد جاء القرآن الكريم بآيات محكمات تحفظ كرامة المرأة، وتعزز من شأنها فقد قال تبارك وتعالى» (المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، ان الله عزيز حكيم).
فهذه الاية الكريمة، تعني التسوية بين الرجل والمرأة في مسؤولية الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر كما ان المرأة والرجل اولياء لبعضهم، فهي ولية له وهو ولي لها بنص القرآن الكريم.
كما قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم، اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض) وهذا التعبير الالهي (بعضكم من بعض) يبين كيف سما القرآن الكريم بالمرأة. حتى جعلها بعضا من الرجل، وجعل الرجل بعضا من المرأة وليس هناك معنى للمساواة اعظم من ذلك، والذي تتجلى فيه المشاركة في الحياة دون تفاضل وسلطان. وان المسؤولية في ذلك واحدة، لقوله تبارك وتعالى: (للرجل نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن).
وجاءت السنة المطهرة لتشهد بكرامة المرأة وحقها، بل بواجبها في الشورى والمسؤولية وفي شؤون المسلمين عامة، والامثلة في ذلك كثيرة نكتفي منها بما كان من مشاركة المرأة المسلمة في بيعة الرسول الكريم، وامر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بقبول بيعتها، كما يعرف الجميع مشورة ام المؤمنين (أم سلمة) في صلح الحديبية، والتي جمعت المسلمين على يد واحدة، بعد ان كان يتهددهم الخلاف والفرقة.
وجمهور الفقهاء لا يحرم المرأة من ولاية المشاركة في المسؤولية العامة، وفي الشورى، وابداء الرأي في امور المسلمين حيث لا يحرمها القرآن او السنة من هذه الحقوق، وهو ما اخذت به معظم الدول الاسلامية، وترجمت ذلك الى حقها في الانتخاب والترشيح لعضوية المجالس النيابية التي عرفها العالم في الزمن المعاصر.
واذا كان هناك من يقول بخلاف هذا الرأي من بعض العلماء، فان ذلك اجتهاد منهم، ولا يجوز ان يفرض ذلك على المجتمع باعتباره حكما قطعيا اوجبته الشريعة الاسلامية خاصة، ولم يرد بشأن حرمان المرأة نص قطعي او صريح، ويكون لولي الامر ان يأخذ بما يتفق مع مصلحة الجماعة، وقد قال الامام الشافعي قولته المشهورة في ذلك: حيث وجدت المصلحة فتم شرع الله».
وفي الكويت اصبحت المرأة ـ الان ـ مشاركة الرجل في جميع المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية. ووصلت الى مكانة عالية في العلم والمعرفة. تبوأت أعلى المناصب. وكان لها دورها المشهود مع الرجل في تحمل المسؤولية في أعصب الاوقات. واشد الازمات التي مرت بها البلاد، فلا اقل من ان تأخذ المرأة حقها الكامل في المشاركة بالرأي والمشورة وفقا للنظام الديمقراطي الذي يقرر حقها في الانتخاب والترشيح، لما لها من كفاءة علمية وخبرة تخصصية، وغيرة على قضايا المجتمع والاسرة تؤهلها للقيام بمسؤوليتها في الرقابة والتشريع، وهو ما استهدفه المرسوم بقانون.
لقد عرض هذا المرسوم على المجلس عند بداية انعقاده الذي احاله بدوره الى لجنة الداخلية والدفاع، حيث قدمت تقريرها المعروض عليكم، ومع احترامنا لرأي اللجنة فان الحكومة لم تتح لها الفرصة كاملة لابداء رأيها وبيان الأسس الدستورية والقانونية واحكام الشريعة الاسلامية في هذا المرسوم الذي يتناول امرا في غاية الاهمية بالنسبة للتطبيق السليم للنصوص الدستورية ومشاركة نصف هذه الامة او ما يزيد في الحقوق العامة، مما يتعين معه ان تعطى الفرصة كاملة لدراسته وبحثه.
لذلك، فان الحكومة تلتمس الموافقة على المرسوم بقانون لما له من اهمية على المستوى الداخلي والخارجي، فان لم يتم ذلك فان الحكومة على استعداد لتقديم مشروع بقانون بهذا الخصوص، اضافة الى وجود اقتراح بقانون موجود لدى اللجنة نلتمس ان يُضم الى التقرير.
وفي الجلسة ذاتها اعطى مجلس الامة صفة استعجال لاقتراح بقانون قدم من بعض الاعضاء يحمل المضمون نفسه، تمت مناقشته والتصويت عليه في جلسة يوم الثلاثاء الموافق 30 نوفمبر عام 1999م، حيث تمكن صوتان في المجلس حرمان المرأة الكويتية من صوتها (32 ـ 30).
وقد اعرب النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد الصباح عن أسفه لرفض مجلس الامة للاقتراح بقانون المتعلق بحقوق المرأة.. وقال اثناء الجلسة.. نشعر بالأسف ولكن هذه هي الديمقراطية وعلينا ان نتقبل نتائجها.
واضاف: يمكننا تقديم اقتراح آخر فامامنا ثلاثة ادوار للانعقاد ولدينا الحق في تقديم مشروع في اي وقت نشاء.
وعليه، فان رفض الاقتراح لا يعني نهاية المطاف، فالطريق لا يزال مفتوحا امام اعطاء المرأة الكويتية كامل حقوقها السياسية، فالدور النضالي الذي قامت به ابان فترة العدوان والاحتلال العراقي يعطيها هذا الحق كأي مواطن كويتي، وان الدور الذي تقوم به في عملية التنمية الشاملة، والمشاركة في بناء النهضة الحضارية باتت اليوم تلح على من في يدهم القرار ان ينصفوا نصف المجتمع الكويتي حقه، والاعتراف به كشريك فاعل في تحمل مسؤولية المجتمع بناء وأمنا وامانا،، وطننا عزيز يظلل الجميع على قدم المساواة.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:15 AM
سموه أكد دائماً أن بناء الإنسان هو الأهم لأنه الضمانة لوطن يبنيه أبناؤه بالكفاءة والخبرة الأمير.. مواقف حازمة ضد المفسدين وكسر دائم للبيروقراطية والروتين
الحلقة السادسة والعشرون

الشيخ جابر الأحمد والنهج المؤسسي

لا يمكن للديمقراطية ان تنمووتزدهر في اي مجتمع من المجتمعات ما لم يرعها فكر مستنير متسامح، وتحتضنها مؤسسات رسمية وشعبية متنوعة تقوم على خدمتها وتنفذ توجهاتها.
فالكويت التي عرفت نظام المؤسسات منذ مطلع الثلاثينيات استطاعت ان تحقق الكثير من اساليب الادارة الشعبية، وتنقلها من المجال الفكري والتنظيري الى المجال التطبيقي، سواء أكان ذلك في العمل السياسي أم في مجال التعليم أم الصحة أم في الشؤون العامة.
لقد كان الشيخ جابر الاحمد واحدا من ابرز رواد هذا الفكر في الكويت، والمتابعين لانجازات هذه المؤسسات. فمنذ البدايات الاولى لعمله في المؤسسات الرسمية، نراه في اكثر من موقع، وهو يحاول اقامة مؤسسات اجتماعية او اقتصادية يمكن لها ان تنهض بالمجتمع من خلال ادارة جماعية حكومية وشعبية. فقد كان يوما ممن تولوا رئاسة مجلس التخطيط، حيث أعطى اهتماما بالغا لهذا الجهاز الذي ضم بين عضويته افرادا من خارج الحكومة نظرا لخبرتهم او لمكانتهم الاجتماعية والاقتصادية، او ما يحملونه من رأي وفكر تقدمي مستنير.
وعندما تولى مقاليد الحكم سعى الى تشكيل مؤسسات فكرية وعلمية تابعة للديوان الاميري، لتكون عونا في علاج ما يواجه المجتمع من امور وظواهر تحتاج الى نقص ودراسة تسهل في النهاية اتخاذ القرار السليم لمعالجتها، او من أجل تشجيع وتحفيز العلماء والباحثين للمزيد من الابداع والعطاء الفكري في الشؤون الحياتية وما يدور حولنا من تطورات عصرية. واذا ما اردنا تحديد هذا النشاط الفكري، فاننا نلاحظ في المؤسسات التالية:

معهد الكويت للابحاث العلمية:

عندما كان الشيخ جابر الاحمد يتولى حاكمية مناطق النفط في الكويت ابان حقبة الاربعينيات، كان جل اهتمامه الحصول على امتيازات اضافية ـ خارج العوائد المالية ـ تثري الحياة الفكرية والثقافية في الكويت، وتسهم بشكل مباشر في تنمية الموارد البشرية الوطنية.
وفي هذا السياق، كان يحاول جاهدا ان تتضمن عقود امتياز النفط او اية عقود صناعية يدخلها شريك اجنبي، بندا يتعلق بتدريب العناصر الكويتية وتأهيلها لتولي زمام الامور في هذه الشركات، او اقامة مؤسسات بحثية فكرية او تدريبية على ارض الكويت، يكون لها مردود ايجابي على ابناء الكويت، يؤهلهم لمواجهة متطلبات التطور الحضاري الذي بدأت رياحه التغييرية تهب على الكويت في ذلك الوقت بسرعة كبيرة.
وكان معهد الكويت للأبحاث العلمية واحدا من ثمار جهود الشيخ جابر الاحمد، الذي استطاع ان يمليه على شركة الزيت العربية المحدودة «اليابان» ضمن عقد الامتياز الذي اعطي لها للتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية المشتركة مع المملكة العربية السعودية.
وهنا نقف قليلا مع مذكرات أحمد السيد عمر لننقل للقارىء الفقرة التالية: «كنا في ذلك الوقت نتفاوض مع هذه الشركة من اجل منحهم امتياز التنقيب عن النفط في المنطقة المحايدة «الخفجي» فالتقيت بمدير الشركة وأحد المساهمين فيها، وهو مستر ياماشيتا البليونير الياباني، وطلبت منه ان تقوم الشركة بانشاء معهد الكويت للابحاث العلمية على ان يخصص للصرف على اعماله نصف مليون دولار سنويا لمدة عشر سنوات من مصروفات اعمال النفط التي كانت الشركة قد حصلت على امتيازها مقابل 43% لها وللكويت 57% من صافي الارباح.
ويضيف السيد عمر قائلا... في البداية رفض السيد ياماشيتا هذا المطلب موضحا اننا قد رفعنا نسبة ارباحنا من النفط الى 57% بدلا من 55% الا انني مارست ضغطا شديدا عليه حتى وافق على انشاء المعهد. وتم ابرام عقد بذلك جاء فيه: تقوم شركة الزيت العربية اليابانية oil company Arabian بانشاء معهد الكويت للابحاث العلمية وتصرف عليه سنويا مليون دولار لمدة عشر سنوات.
ويأتي فيصل المزيدي ليؤكد هذه الواقعة، حين يقول: لقد جاء تأسيس معهد الكويت للابحاث العلمية جزءا من الاتفاقية النفطية مع اليابان وهو الان صرح علمي كبير تفتخر به دولة الكويت.
ففي فبراير عام 1967م باشرت الشركة في انشاء المعهد وفاء لالتزاماتها المقررة حسب الاتفاقية المعقودة بينها وبين حكومة الكويت بشان امتياز التنقيب. وقد حددت اغراض انشائه ـ انذاك ـ في اجراء البحوث العلمية التطبيقية في ثلاثة مجالات هي: قطاع البترول، الزراعة في المناطق القاحلة والاحياء البحرية.
وقد اعيد تنظيم المعهد بمرسوم اميري صدر في يوليو عام 1973م ليصبح تحت المسؤولية المباشرة لحكومة الكويت في اجراء البحوث العلمية التطبيقية، وخاصة تلك المتعلقة بالقطاعات الرئيسية كالصناعة والطاقة والزراعة والاقتصاد القومي، والاسهام في دفع عجلة التطوير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وفي عام 1981م صدر المرسوم الاميري بالقانون رقم 28 لسنة 1981م بشان اعلان المعهد مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة، يشرف عليه مجلس امناء برئاسة وزير يختاره مجلس الوزراء، وقد تمت مراجعة اهداف واغراض المعهد التي اكدت النهج السابق، مع التوسع في تقديم خدماتها خارج حدود الدولة لتشمل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعالم العربي.
وفي عام 1976م استهل المعهد اول نشاطاته واعماله البحثية المخططة، وذلك ضمن خطة عمل تمتد لمدة عامين، حيث تركز العمل على تطوير قدرات وامكانات المعهد من الموارد البشرية كما شرع في انشاء العديد من المرافق البحثية والعلمية التي لا تزال تعمل الى اليوم.

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي:

وفي هذا السياق وبمبادرة من الشيخ جابر الاحمد عندما كان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء وبدعم من الاقتصاديين ورجال الاعمال الكويتيين متمثل في غرفة تجارة وصناعة الكويت، انشئت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مؤسسة خاصة ذات نفع عام بموجب مرسوم اميري صدر في 21 ديسمبر عام 1976م يديرها مجلس ادارة برئاسته وعضوية ستة اعضاء تختارهم الشركات المساهمة الكويتية لمدة ثلاث سنوات وتقوم المؤسسة على تحقيق الاغراض التالية:
ـ تقديم العون للقائمين على التنمية الفكرية.
ـ مساعدة القائمين على البحوث العلمية المتخصصة ذات المستوى الرفيع.
ـ تقديم المنح الدراسية والتدريبية والجوائز التشجيعية للدارسين والباحثين في المجالات العلمية المختلفة.
ـ دعم روح التكافل بين الاجيال في الكويت.
كما تقوم المؤسسة بأي نشاط آخر من شأنه تحقيق الهدف العام، وهو المعاونة في سبيل التطور الحضاري.
هذا، وتتكون موارد المؤسسة المالية من الدعم الذي تقدمه الشركات المساهمة الكويتية بمقدار 5% من صافي الارباح السنوية لهذه الشركات كما تضم في هيكلها التنظيمي عددا من الادارات اهمها: (ادارة المشاريع والبحوث، ادارة الشؤون الثقافية والمؤتمرات، ادارة الجوائز ادارة التأليف والترجمة والنشر ادارة الثقافة العلمية).
ان ترؤس الشيخ جابر الاحمد مجلس ادارة المؤسسة يؤكد من جديد مدى اهتمامه بشؤون البحث العلمي التي تمثل واحدا من المعايير والمقاييس الاساسية التي تعبر عن مستوى تطور المجتمع وتقدمه. كما يؤكد ايضا مدى اهتمامه وتمسكه بقضايا التقدم. ومدى متابعته لكل ما هو جديد في دنيا العلوم والاخذ بتطبيقاتها المفيدة فى دعم مسيرة المجتمع الكويتي. وان ترأسه لمجلس الادارة يعبر ايضا عن عمق ايمانه باهمية هذا الصرح العلمي الكبير، الذي يمكن من خلاله اتاحة الفرص، وتوفير الامكانات للباحثين والدارسين من المواطنين وغيرهم في الوطن العربي، والعالم الاسلامي بهدف تحقيق قفزة نوعية في مجال الخلق والابداع لافادة البشرية واسعادها.
ولقد عبر عن هذه الاهتمامات في كلمة بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني، وعيد التحرير، في فبراير عام 1992م جاء فيها: «ولقد نجحت الكويت دوما في تجسيد العلم والمعرفة عبر عشرات المنابر الثقافية والمؤسسات العلمية، وسوف تمثل هذه المؤسسات مكانتها في بناء الكويت الجديدة المطلة على مستقبل مشبع بالعلم الحديث في ظل تعاليم الاسلام السمحة، لتتابع دورها الريادي على الصعيد العربي والاسلامي والدولي، بما يعود بالخير على البشرية جمعاء، في عالم يزداد تواصلا وتماسكا يوما بعد يوم.

مكتب الشهيد:
شهدت الساحة الكويتية خلال شهور الاحتلال السبعة محنا ومصائب لم تمر بها الكويت من قبل، راح ضحيتها العديد من النفوس البريئة، وسقط على تراب الوطن شهداء من مختلف الاعمار من الجنسين بلغ عددهم ـ حسب بيانات واحصاءات مكتب الشهيد ـ في اكتوبر عام 1998م حوالي 582 شهيدا، بينهم 499 من الذكور منهم 251 من العسكريين بجانب 83 من الاناث وهو عدد كبير اذا ما قورن بعدد السكان الكويتيين في ذلك التاريخ الكئيب في حياة الكويت والكويتيين.
لقد اولى الشيخ جابر الاحمد شهداء الكويت عناية واهتماما خاصا تمثلت فيما ورد في خطبه ـ في اكثر من مناسبة ـ من اشادة ببطولاتهم وتضحياتهم في سبيل الوطن وتمجيده ومن رعاية وتكريم لذويهم واسرهم، ثم وبسالتهم وحرصه على ان تظل ذكرى هؤلاء الشهداء نجوما مشرقة في سماء الكويت.
انشىء المكتب بموجب المرسوم الاميري رقم 38/91 بتاريخ 19 يونيو عام 1991م بهدف تكريم شهداء الكويت، وتوفير مختلف المساعدات الانسانية لاسرهم وذويهم.
ويشرف على المكتب مجلس امناء من رئيس وعشرة اعضاء، يرفع تقاريره وتوصياته مباشرة الى مكتب رئيس الدولة الشيخ جابر الاحمد. وبهدف المكتب بين امور عديدة الى تحقيق الاتي:
1ـ تخليد ذكرى الشهداء وبطولاتهم.
2ـ تكريم الشهداء وتقديم صور الرعاية اللازمة لذويهم واسرهم في الجوانب كافة، وابراز مناحي التكريم المتميز في المجتمع الكويتي.
3ـ توظيف معنى الشهادة وبطولات الشهداء في تنمية الانسان الكويتي، وتدعيم انتمائه للوطن.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:16 AM
اللجنة الاستشارية العليا للعمل على تطبيق احكام الشريعة الاسلامية:

استجابة لتداعيات التطور والتغير الحضاري، وخاصة في جوانبها السلبية على الحياة الكويتية، وحرصاً من الشيخ جابر الاحمد على تنقيتها وسلامتها في الجانب الشرعي، فقد اقدم على انشاء اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، وذلك بموجب المرسوم الاميري رقم 139 لسنة 1991م.
وان المتأمل للمرسوم المشار اليه، لابد من ان يقف كثيراً عند المادة الثانية منه، والتي تنص على مايلي: «... تتولى اللجنة وضع خطة لتهيئة الاجواء لاستكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، مع مراعاة واقع البلاد ومصالحها، ولها في سبيل ذلك مراجعة القوانين السارية في مختلف المجالات، واقتراح ما تراه بشأنها لضمان توافقها مع احكام الشريعة الاسلامية..».
وانطلاقاً من هذه الرؤية اتخذت اللجنة لها عدداً من الاهداف، تمثلت في الاتي:
1ـ وضع تصور لايجاد بيئة مهيأة لتطبيق احكام الشريعة الاسلامية.
2ـ طرح البدائل الشرعية للتشريعات والممارسات السارية التي قد تخالف احكام الشريعة الاسلامية.
3ـ وضع تصور حول ايقاف الممارسات والتشريعات المخالفة لاحكام الشريعة الاسلامية.
4ـ اعاد تصور واضح حول جهاز المتابعة، والتحقق من كفاءة تطبيق خطة عمل اللجنة، وذلك بعد استكمال عمل اللجنة، وتحديد دورها في المتابعة خلال فترة عملها.
5ـ رسم برنامج زمني لاستكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية.
ولما كان عمل اللجنة تجربة غير مسبوقة في النظم المعاصرة على المستويين: الاقليمي والدولي، سواء أكان ذلك من حيث انشائها ام اهتماماتها، فقد اخذت بالطابع العلمي المتأني في الدراسة. كما اقامت سياستها في العمل على الاسس والمبادىء التالية، ضماناً لنجاح التجربة، وهي:
1ـ العمل من خلال خطة عمل.
2ـ الشورى.
3ـ مراعاة واقع البلاد ومصالحها.
4ـ الاستفادة من رحابة وسعة الفقه الاسلامي.
5ـ التدرج.
6ـ ضمان نجاح تطبيق احكام الشريعة وليس مجرد الاستكمال.
7ـ المحافظة على النظم التي لا تخالف احكام الشريعة الاسلامية.
8ـ التأني والتثبيت.
9ـ توعية الناس، ومخاطبة الرأي العام.
10ـ مراعاة عامل الحداثة والتطور.
11ـ الحوار الهادىء والهادف.
هذا، وينبثق عن اللجنة ست لجان فرعية هي: «اللجنة التشريعية، اللجنة الاقتصادية، اللجنة الاعلامية، اللجنة التربوية، اللجنة الاجتماعية، اللجنة النسائية»، وهي جميعاً تعمل في اطار ما رسم لها في المرسوم الاميري، والسعي لتحقيق الاهداف والمبادىء التي سبق اعلانها.

مكتب الانماء الاجتماعي:

لا شك ان الغزو والعدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت لم يخلف وراءه دماراً في البنية الاساسية والبنية التحتية للدولة، وتخريبا وتشويها وتلوثا للبيئة فحسب، بل عمد المحتل منذ الساعات الاولى للغزو على تدمير نفسية الانسان الكويتي، والسعي بكل الوسائل غير الانسانية لكسر العزة والانفة والكبرياء فيها، والحاق الذل والمهانة بها.
ورغم محاولات الشرعية الكويتية في مقرها المؤقت في الطائف، وجهود اللجان الشعبية المرابطة على ارض الكويت المحتلة في السعي لرفع الروح المعنوية بين صفوف الكويتيين، وتهيئتهم لمواجهة افرازات المحنة وضغوط الصدمات النفسية التي كانوا يعيشونها في كل لحظة.. نقول رغم تلك المحاولات، فإن اعداداً من الكويتيين وقعوا ضحية ذلك المخطط الاجرامي، وباتوا بعد التحرير واندحار العدو يعانون من افرازات تلك المحنة وتداعياتها النفسية والاجتماعية.
لم يكن جابر الاحمد بعيداً عن هذه المعاناة النفسية التي كان عنصرا الخوف والقلق من المجهول بارزين فيها، كما لم يغب عن فكره ما عانته شعوب اخرى من ويلات الحروب، وبخاصة ابان الحرب العالمية الاولى والثانية.
من هنا، كان اسرع الجميع في الدعوة الى اقامة مؤسسة اجتماعية علاجية وقائية بنائية تعنى بالانسان الكويتي الذي وقع ضحية الامراض النفسية وصدماتها، وعدم الاستقامة ـ سيكولوجياً ـ في الحياة العامة. وكان الشيخ جابر الاحمد اسرع في دعوته هذه، من اولئك القادة الذين مروا بمثل هذه المحنة، ودمرت بلادهم في الحربين العالميتين، وسقط ابناؤهم ضحايا تلك الصدمات والامراض النفسية والاجتماعية.
وانه، تنفيذاً لهذا التوجه، فقد صدر المرسوم الاميري رقم 63 لسنة 1992م في الاول من يونيو عام 1992م بانشاء مكتب الانماء الاجتماعي في اطار الاجهزة التابعة لرئيس الدولة مباشرة، وذلك بهدف تجميع الجهود، وحشد الامكانيات المادية والفنية للعمل على معالجة الآثار النفسية والاجتماعية التي خلفها العدوان والاحتلال العراقي، واعادة تأهيل الذات الكويتية لتصبح آمنة مطمئنة تمارس دورها الطبيعي في انماء مجتمعها، واكمال مسيرة الانماء فيه، وللمكتب في سبيل تحقيق اغراضه القيام بالآتي:
1ـ اجراء مسح واستقصاء لاكتشاف الحالات التي تعرضت للاعتداءات.
2ـ تصنيف تلك الحالات حسب نوع الاعتداء والآثار الناتجة عنه، سواء أكانت جسدية، ام نفسية، ام اجتماعية.
3ـ متابعة الحالات التي يتم علاجها بأحدث الطرق العلمية، وبما يتناسب مع خصوصية المشكلة وحساسيتها.
4ـ متابعة دراسة العناصر المحيطة بالحالة، سواء أكانوا افراداً في الاسرة ام من ذوي القرابة وتحديد الاثار المترتبة على الحدث ومعالجتها.
5ـ الاشراف على اعادة تأهيل الحالات الخاصة الناتجة عن آثار خلفها العدوان.
6ـ القيام بالدراسات والبحوث المرتبطة بالنواحي النفسية والتربوية والاجتماعية.
7ـ اعداد البرامج الاعلامية ذات الارتباط بالنواحي النفسية والاجتماعية.
8ـ تقديم المشورة العلمية للهيئات والمؤسسات العاملة في المجالات النفسية والتربوية والاجتماعية التي تتصدى لهذه المشكلة.
ولتحقيق هذه الاغراض ـ ايضاً ـ تم استقطاب صفوة من المتخصصين المهتمين برسالة المكتب واساتذة الجامعات للقيام بالابحاث والدراسات الميدانية، بهدف توثيق آثار العدوان العراقي النفسية والاجتماعية والتربوية على مستوى الفرد والاسرة والمجتمع، والافادة من تطبيق نتائج هذه الجهود مع ما يتلائم وحاجة المجتمع الكويتي في مرحلة ما بعد الصدمة، والعمل على ازالتها او التصدي لها مستقبلاً. وحرصت الادارة على مساهمة الكفاءات الكويتية المؤهلة في مشروعات الابحاث وفرق العمل، لكونهم الاقدر على معرفة وفهم احاسيس وشجون ابناء الكويت وهمومهم.
لم تقف تطلعات الشيخ جابر الاحمد منذ ان تولى زمام الامور القيادية في دولة الكويت، ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، عند دفع مؤسسات المجتمع المدني خطوات الى الامام، والرغبة في اشهار المزيد من الهيئاة الاهلية، بل ارادها رديفاً للجهود الحكومية في العمليات التنمية الشاملة حتى بات هناك 55 جمعية نفع عام، تتوزع بين جمعيات مهنية وثقافية واجتماعية واقتصادية، واخرى توجيهية كجمعيات حماية البيئة، ومكافحة التدخين ومرض السرطان، ومكافحة مرض الايدز، والامن والسلامة. بالاضافة الى 51 جمعية تعاونية بين استهلاكية وزراعية وانتاجية، و31 هيئة رياضية، و17 اتحاداً ونقابة عمالية، و19 اتحاداً لاصحاب الاعمال.
من جهة اخرى، فإن اهتمام الشيخ جابر الاحمد بالمجلس الوطني للثقافة والفنون وزالاداب، والذي انشىء في 27 يونيو عام 1973م، لم يقل عن اهتمامه بغيرة من المؤسسات الفكرية في دولة الكويت. وذلك لكون هذا المجلس يعمل ايضاً في المجالات التنموية، وخاصة تنمية وتطوير الانتاج الفكري واثرائه، وتوفير المناخ المناسب للانتاج الفني والادبي. كما يقوم باختيار الوسائل المتعددة لنشر الثقافة. وكذا نشر التراث والقيام بالدراسات العلمية، بجانب سعيه الى اشاعة الاهتمام بالثقافة والفنون الجميلة، ونشرها وتذوقها، كما يعمل ـ ايضاً ـ على توثيق الروابط والصلات مع الهيئات العربية والاجنبية.
ومن اجل تحقيق المزيد من الانجازات في ميدان الثقافة والمعرفة والفنون والآداب، ومن اجل اعطاء هذه المؤسسة الفكرية المزيد من القوة والدعم، قام الشيخ جابر الاحمد في 5 ديسمبر عام 1991م باصدار المرسوم الاميري رقم 146 لسنة 1991م.
وقد تجلت هذه النقلة في مسيرة المؤسسة في نشاطات ملتقى «القرين» المصاحب لمعرض الكويت للكتاب الدولي، كما برزت من خلال العديد من الاصدارات الفكرية والثقافية المتنوعة، والعديد من الفعاليات والملتقيات والمناسبات الفكرية التي تنظم خلال شهور السنة.
هذا الاهتمام المستديم والمتواصل من جانب الشيخ جابر الاحمد للحياة الفكرية في المجتمع الكويتي لم يقف عند المؤسسات التي تناولها، بل امتدت جهوده الساعية لايجاد قاعدة علمية بحثية في الكويت، وخاصة في ظل الظروف المستجدة بعد تحرير الكويت من براثن العدوان والاحتلال العراقي، فقد اصدر بتاريخ 21 سبتمبر عام 1992م المرسوم الاميري رقم 178 لسنة 1992م بانشاء مركز البحوث والدراسات الكويتية، الذي يهدف الى ان يكون مصدراً وطنياً للعلم والمعرفة بتاريخ الكويت وشؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتراثية، كما يهدف ـ ايضا ـ الى جمع الوثائق والمستندات المتعلقة بالعدوان العراقي، وابعاده المختلفة ودراستها وتحليلها وتوثيقها، بما يحقق للباحثين المعنيين بقضايا دولة الكويت اقصى ما يمكن من الافادة في الحاضر والمستقبل.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:16 AM
الشيخ جابر الاحمد والمنهج الاداري

من المعروف عن الشيخ جابر الاحمد حبه الشديد وشغفه بالاخذ بأسلوب التخطيط في الامور الحياتية، وخاصة الخطط ذات البعد القومي الشامل التي تسعى الى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة. ويمكن لأي مراقب ان يعرف هذا الفكر، وتلك السياسة من خلال اهتماماته منذ بدايات عمله في الجهاز الحكومي، وترأسه فيما بعد لمجلس التخطيط، حيث تم على يده انجاز اهم مرحلة من مراحل الخطط الانمائية للدولة، ونعني بذلك المخطط الهيكلي الاول للبلاد وما تبعها من خطط هيكلية امتدت فيها مساحات العمران والبناء، ونمت المرافق، واستحدثت العديد من المدن السكنية والمناطق النموذجية التي ارتبطت ببعضها بشبكة من الطرق السريعة منها والبطيئة، والتي تعتبر اليوم واحدة من اهم الانجازات الرئيسية العمرانية التي تفتخر بها الكويت.
هذا الايمان الكبير بالتخطيط ـ بصفته من اهم مقومات الحضارة البشرية ـ دفع الشيخ جابر الاحمد في 14 فبراير عام 1978م، وبانتهاء فترة الحداد الرسمي على الامير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح الى ان يوجه خطاباً الى المواطنين، اعتبر برنامج عمل افتتح به عهده في الحكم، تناول فيه اموراً عديدة على المستوى المحلي، من بينها القضايا الادارية التي تسهم مساهمة مباشرة في بناء كويت المستقبل، وتحدد مسارها سلباً او ايجاباً، وهي واحدة من التحديات التي واجهت الكويت منذ استقلالها حتى اليوم.
وفي هذا يقول: «... ان بناء كويت المستقبل هو التحدي الكبير الذي يجب على جيلنا ان ينهض لمواجهته، وينذر نفسه لتحقيقه، وعلينا من اجل ذلك ان نشرع في بناء الدولة الحديثة التي تأخذ بأسباب التقنية المتقدمة، والاساليب العصرية في مختلف مجالات الحياة. ولعل اول ما ينبغي البدء به تحديث الادارة العامة والجهاز الوظيفي للدولة، وتطبيق المفهوم الحقيقي للوظيفة العامة باعتبارها خدمة عامة، وان الموظف العام من رئيس الدولة الى اصغر موظف في اجهزتها، انما هو خادم لهذا الشعب الذي اعطاه ثقته، فيجب ان يصون هذه الثقة بالنزاهة والجدية ورعاية مصالح المواطنين دون اي تقصير او محاباة، وفي الوقت ذاته ينبغي النظر بعين الاعتبار لتحسين اوضاع العاملين في مختلف اجهزة الدولة من مدنيين وعسكريين..».
كما يمكن تعرف ذلك الفكر ـ ايضا ـ من خلال اهتماماته المتعددة والدائمة باحداث التغيير والتطوير المطلوبين، وحرصه الشديد على لقاء المسؤولين في القطاعات المختلفة المعنية بشؤون التخطيط بشكل مستمر، حيث تأتي خطط الاصلاح الاداري والتنمية الادارية على رأس هذه الاهتمامات، باعتبارها لصيقة ومكملة، ولا غنى عنها عند تنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فبقدر توافر العنصر البشري الفاعل وقدرته الخلاقة، وتحسين الاداء الاداري بالشكل الذي يجنبها اي اهدار او ضياع يكون النجاح. ومن هنا، كان الشباب دوماً ضمن دائرة اهتمامات الشيخ جابر الاحمد لكونه القوة البشرية الفاعلة التي ستقود حركة التنمية في الكويت نحو التطور المنشود.
وفي هذا الصدد، يقول بدر النصر الله: «... وفي سبيل بناء المجتمع المدني وبناء الانسان الكويتي، كان سموه يشترط على جميع الشركات النفطية الاجنبية العاملة في الكويت ان تضع بنداً في عقودها يتعلق بتدريب العناصر الكويتية الشابة لكي تتاح لهم الفرصة لمسايرة ركب التطور في مختلف النواحي...».
ويضيف حمزة عباس، فيقول: «... كان سموه حريصاً على تأهيل الكويتيين واعدادهم لان يتبوأوا المناصب القيادية والحساسة منذ توليه المسؤولية، فطلب ان استكمل دراستي في الخارج، واوفدت الى جامعة «اكسفورد» لمدة سنتين للدراسة والتخصص في المسائل المالية والنقدية، لاتولى بعد عودتي سكرتارية مجلس ادارة مجلس النقد الكويتي، ثم صرت نائباً فمحافظاً للبنك المركزي.
لقد اولى الشيخ جابر الاحمد الشباب الكويتي عناية خاصة، وكان يرى فيهم وجه كويت المستقبل، ولم يكن يتوانى لحظة عن حثهم على تلقي العلم اينما كان، وفي اي مجال تخصصي، لان الكويت في ذلك الحين كانت في بداية مسيرتها، وحركة التنمية والتطور كانت في حاجة الى سواعد وطنية في المجالات جميعها. وكم يكون سروره عظيماً عندما يشاهد كويتياً يتبوأ منصباً قيادياً، وبخاصة في الوظائف الاستراتيجية التي سيقوم عليها بناء كويت المستقبل.
ففي لقائه مع أوائل الخريجين من الجامعات العربية والامريكية والاوروبية كان دوما يشعرهم بأهمية دورهم في النهوض بالكويت، ويحملهم المسؤولية التاريخية والامانة الوطنية في دفع عجلة التقدم في بلدهم المعطاء، ودفع اخوتهم الشباب من الجنسين للتزوّد بسلاح العلم والمعرفة، وافساح المجال لهم ليتبوأوا المناصب القيادية في الدولة.
وفي هذا يقول عبدالعزيز البحر: «... لقد حرص سموه على سياسة التكويت منذ توليه المسؤولية، ودفع الكويتيين ـ وخاصة الخريجيين ـ منهم ليتبوأوا المراكز القيادية، وكان اوضح دليل على ذلك احتضانه لي وللمجموعة التي كانت تعمل معه، التي كانت من اوائل الخريجين الشباب الذين تولوا ارفع واهم المناصب بتشجيعه، كما تبنى سموه الجيل الذي أتى بعدنا واولاهم المراكز العليا في البلد...
هذه المواقف التي تحدث عنها شهود عيان عملوا مع الشيخ جابر الاحمد فترة من الزمان، التي تنم عن حبه الشديد للشباب الكويتي، ورؤية الكويت كلها في وجوههم... هذا الشعور الابوي الفياض لم يمنعه من ان يكون صلبا وحازما مع المقصرين من هؤلاء الشباب امام اي خلل في الوضع الاداري، يعطل مصالح الدولة ومصالح المواطنين، وينعكس سلبا على سمعة الكويت في الداخل والخارج.
ففي 26 اكتوبر عام 1993م كان للشيخ جابر الاحمد كلمته في هذا الصدد في افتتاح دور الانعقاد العادي الثاني للفصل التشريعي السابع لمجلس الامة الكويتي، تناول فيها بين امور عديدة الجانب الاداري مطالبا بالحزم ضد الفساد والمفسدين في هذا المرفق الحيوي، حين اشار: «... ولنضع في هذا السبيل نصب اعيننا، أمرين أساسييين، أولهما: إصلاح الوضع الإداري في مؤسساتنا العامة والخاصة، الذي تنصلح من خلاله أمور كثيرة، على ان يكون هذا العمل صادقا، ليس مجرد شعارات، فالله عز وجل، يقول: (... كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون)، والامر الثاني: الموقف الحازم والصلب ضد الفساد والمفسدين، بحيث لا نتهاون في عقاب مرتكبي الحوادث المخزية التي تنال من قيم مجتمعنا وأمنه واستقراره»...
وفي هذا السياق كان لتوجيهاته اثرها الفاعل في عملية التطور الاداري في الكويت، فقد اوصى ضمن ما اوصى به في هذا الاتجاه بإعداد دراسة شاملة حول عملية التطور الاداري في الكويت، تمهيدا لاعادة النظر في اوضاع الجهاز الوظيفي للدولة ككل، وبالفعل فقد تمت الدراسة التي تضمنها عدد من تقارير خبراء عالميين في الادارة، وترجمت الى الواقع العملي والممارسة الفعلية حين صدرت قرارات وسياسات ادارية مهمة اعادت التوازن للجهاز الوظيفي، وعلى رأسها اعادة النظر في قانون الخدمة المدنية، وتغطية ثغرات كثيرة في القانون المطبق.
كما جاء ضمن توصياته ضرورة السعي الى تطوير انظمة الخدمة العامة، واستحداث التشريعات لمقتضيات خطط التنمية الشاملة، ووضع القواعد اللازمة لتوفير الحوافز المادية والمعنوية المحققة للعدالة اللازمة بين الموظفين، مع السعي بشكل مستمر الى تقييم الهيكل الاداري للدولة، وتصحيح الاوضاع التنظيمية بالشكل الذي يخدم الخطة الشاملة في ضوء اتجاهاته العامة، مع العمل على رفع كفاءة الاداء بالنسبة للمؤسسات الحكومية والعاملين بها.
وفي كلمة له في افتتاح دور الانعقاد العادي الرابع للفصل التشريعي السابع لمجلس الامة الكويتي في 31 اكتوبر عام 1995م، اشار فيها الى ان بناء الانسان الكويتي هو الأهم، لانه الضمان الوحيد لوطن يبنيه ابناؤه بالكفاءة وتكثيف الخبرات ويضاعفون جهدهم حتى تقل حاجتهم للغير، ويغرسون بأيدهم ليجنوا وابناءهم ثمار ما زرعوا.
وهنا، يركز الشيخ جابر الاحمد على فلسفة الادارة الناجحة التي يمكن ان تسهم في خلق مجتمع فاعل منتج، فيقول: «... ولقد كنت حدثتكم عن قضيتين لهما اثر بالغ في سلامة بنية هذا الوطن والنهوض به، هما: اصلاح الوضع الاداري في مؤسساتنا العامة والخاصة، والموقف الحازم من الفساد والمفسدين، واذا كان علينا ان نواجه الخلل بالاصلاح، فعلينا ان نقابل الاتقان بالاحسان»...
ويضيف قائلا: «... لا يستوي في مقاييس الحق والعدل، رجل لا يوظف قدراته الا لخدمة ذاته، ورجل يضع الآخرين في اهتماماته... رجل كل همه ان يستأثر بالثمرة، ورجل يحرص وهو يجني الثمرة ان يغرس شجرة... رجل قضى ليله لاهيا او مسترخيا، ورجل بات منكبا على البحث والعمل... رجل لا يحسن سوى ترديد الشعارات، ورجل يعمل في صمت وانكار للذات... رجل سخر بيانه للتمويه والتجريح، ورجل جعل كلمته اداة للحكمة والموعظة الحسنة»...
ولعل اهم ما تضمنه فكره من خلال توجيهاته المتعددة، هو تبسيط اجراءات العمل في الجهاز الحكومي الى اقصى حد ممكن، وخاصة في الاجهزة ذات التعامل الجماهيري الكبير، وهي نظرة حديثة في علم الادارة، بعد ان تبين له من خلال الممارسات الادارية السابقة ان البيروقراطية وتعقيد الاجراءات والروتين الممل في اجراءات العمل سبب رئيسي للفساد في ذلك العمل، مع تعطيل عجلة التقدم ومصالح المواطنين.
وبشأن الزيارات التي يقوم بها ـ بين حين وآخر ـ للمواطنين في مناطق اقامتهم، واجراء حوارات معهم بشأن احتياجاتهم، وما يعانونه من نقص، وما يرونه ويقدمونه من افكار مستقبلية بشأن تقدم المجتمع... نقول: هذه الزيارات، هي في حد ذاتها تمثل كسرا للروتين والبيروقراطية الادارية، ورسالة الى القيادات الادارية بمستوياتها المختلفة بان تبسيط الاجراءات، وسياسة الباب المفتوح، وإلغاء الحواجز ـ مهما كان نوعها ـ بين الادارة والمستفيدين واصحاب الحاجة هي السياسة التي يجب الاخذ بها.
ففي العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1409هـ، وعلى وجه التحديد في 3 مايو عام 1989م، تطرق الشيخ جابر الاحمد الى عدد من القضايا المحلية كان من بينها قضايا التنمية ودور الانسان الكويتي في تحمل هذه المسؤولية الوطنية، ودوره في تحرير العمل من قيد الحوار الورقي، والاعتماد الاكبر على اللقاء المباشر، وقراءة الحقائق في مواقع العمل.
وهو في هذا السياق، يقول: «... وان اقتصار القيادات على الاتصال بمستوى واحد في الاجهزة يؤدي الى العزلة وضعف القدرة على اكتشاف المواهب والكفاءات، واعطائها فرص التعبير عن ذاتها، وهذا يستدعي من القيادات ان تتصل باكثر من مستوى اداري، وان يسري الحوار بين المستويات دون عوائق»...
هذا، وان انشاء جهاز الرقابة الادارية في الدولة لكشف السلبيات القائمة ومواجهتها، وكذا اعداد ندوات للقيادات الادارية العليا في الدولة كانت ـ ايضا ـ واحدة من تلك التوجهات التي تضمنتها مفكرة الشيخ جابر الاحمد الى فريق الخبراء القائمين على الدراسة الشاملة السابقة الذكر، حيث أتاحت تلك الندوات الفرصة لاحداث تفاعل بين القيادات الادارية العاملة في مواقع عديدة في الدولة، وبخاصة في مواقع الانتاج، وبين الكفاءات العاملة في التنمية الادارية، كل ذلك من اجل ترشيد الحركة الادارية ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاصلاحية في الكويت.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:17 AM
لقد امتد فكر الشيخ جابر الاحمد في المجال الاداري الى التنظيم المحلي، ونعني بذلك دعم المحافظات الادارية القائمة، واعادة تنظيمها وانتشارها لتوائم اوضاع المنطقة والمقيمين فيها، وهي اليوم ست محافظات، هي: محافظة العاصمة، محافظة حولي، محافظة الفروانية، محافظة الجهراء، محافظة الاحمدي، ومحافظة مبارك الكبير، وعلى رأس كل محافظة محافظ يتولى مسؤولية المساهمة في الاشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة، ومتابعة مشروعات خطة التنمية في دائرة محافظته، وتعرف احتياجات المناطق الواقعة ضمن دائرته، كما تم انشاء مجلس في كل محافظة سمي مجلس المحافظة، يقوم بمعاونة المحافظ في اداء مهامه المحددة في المرسوم الأميري.
وكان الشيخ جابر الاحمد قد اعتاد ـ خاصة في بداية حكمه ـ ان يقوم بزيارات تفقدية لهذه المحافظات، حيث يلتقي هناك بالمواطنين والمقيمين من اجل الوقوف على مشاكلهم ومتطلبات مناطقهم واحتياجاتهم الحياتية، ولهذا الغرض كان يلتقي دوما بوزراء الخدمات لكي يستعرض معهم بحث ما تم تنفيذه، وما هو في طور التنفيذ من الطلبات التي تقدم بها المواطنون في المحافظات المختلفة عند زياراته التفقدية لها.
وفي مثل هذه اللقاءات ايضا، كان الشيخ جابر الاحمد يبدي الكثير من الملاحظات حول موضوع فك تشابك الاختصاصات بين الوزارات، مؤكدا ان على المسؤول الاول في كل وزارة وعلى غيره من المسؤولين ـ مهما كانت مستوياتهم ـ ان يطلعوا على كل ما يجري في وزارتهم او ادارتهم او الاقسام التابعة لهم، وان لا يكتفي الوزير او المسؤول بالتقارير التي ترفع اليه، بل يجب عليه التأكد بنفسه من جدية هذه التقارير، وما هو مردودها على المصلحة العامة، مشيرا الى ان بعض التقارير التي تكتب عن الموظفين ليست كلها مطابقة للواقع، بل ان الموظفين ظلموا من جراء ذلك، وان على المسؤول ان يغوص في اعماق اعمال وزارته، وان يقوم بين فترة واخرى بزيارات لاداراتها واقسام كل منها ليطلع بنفسه على سير الامور، ومدى تسهيل معاملات المواطنين من قبل الموظفين الذين وجدوا اساسا لخدمة المواطن، وعلى المسؤول مكافأة من هو مجد ومخلص في عمله، ويخدم مواطنيه بتواضع ونشاط بدون ترفع او تعال.
وكان يؤكد في هذه اللقاءات للوزراء ـ باستمرار ـ ان هناك بعض الموظفين يوهم المراجعين واصحاب المصالح من المواطنين بان هناك اوامر عليا تمنعه من تلبية حاجاتهم، حين يريد التخلص منهم، وان المطلوب في هذه الحالة ان يستفسر المواطن من هذا الموظف عن تلك الجهة، ولا يكتفي بقبول كلامه امرا مسلما به، مؤكدا ان الموظف يعمل ضمن قوانين وانظمة، وعليه ان يخضع لها.
لقد اراد الشيخ جابر الاحمد ان يشعر المسؤولين كل في موقعه وبصورة قاطعة ان الحكومة في خدمة الشعب، وان الموظف في خدمة المواطن، وان الجميع في خدمة الوطن، ولم يكن اختياره لوزراء الخدمات على وجه الخصوص كي يجتمع بهم الا تعبير عن اهتمامه بحل مشاكل المواطنين.
وكان يحرص ـ دوما ـ ان يكون صريحا مع الوزراء، وذلك تأكيدا لمفهومه للخدمة الحكومية، وضرورة ان تتميز بالعطاء والتفاني بما يكفل تحقيق حقوق المواطنية التي حددها الدستور، واكدتها سياسة الحكومات المتعاقبة.
لقد اعطى الشيخ جابر الاحمد في هذه اللقاءات النموذج الذي ينبغي ان يحتذى به في قيادة العمل على كل المستويات، وهو بهذا يقدم لنا برنامجا للاصلاح الشامل للعمل الحكومي، وينبغي الا يفهم من ذلك انه تحرك وقتي يفقد حرارته مع الوقت، بل هو دعوة للقيادات الادارية وعلى رأسهم الوزراء ان يسعوا بصفة مستمرة لاحداث نقلة نوعية في عمل الجهاز الحكومي تواكب هذه الرؤية.
وفي هذا السياق ايضا، وبتاريخ 6 مارس عام 1989م، كان للشيخ جابر الاحمد لقاء مع الوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء العامين بوزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة... ومما قاله في هذا اللقاء: «... ان الكويت ستشهد نقلة نوعية وموضوعية تنقلها من حقبة الثمانينيات الى التسعينيات، تشمل معها جميع مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وانه سيكون لكل مواطن دور مهم في هذه النقلة، نأمل ان تسهم في رفع مكانة الكويت في الداخل والخارج»...
لقد اراد الشيخ جابر الاحمد ان يقول لكل مواطن: ان ما حققته الكويت من تقدم ليس كافيا بمعيار الطموح الذي يتميز به الانسان الكويتي بحكم طبيعته وفطرته، فالكويت التي يتطلع اليها والعالم على ابواب القرن الحادي والعشرين، ان تكون في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة والمعتمدة على ابنائها في احداث كل تطور ونمو ايجابي.
وفي هذا يقول ضمن ما جاء في كلمته في العشر الاواخر من شهر رمضان عام 1405هـ، وعلى وجه التحديد في 4 يونيو عام 1986م: «... فمن ابرز موازين تقدم الحياة في امة ان يكون ابناؤها قادرين على القيام بمسؤولياتها واعمالها والاستجابة لآمالها، والامة كالجسد الواحد، حياتها في وحدتها وتكاملها وقدرة كل جهاز فيها على اداء وظيفته، وان العمل شرف وكرامة، ولقد مدح الله ـ تبارك وتعالى ـ كلا من الاعمال الفكرية واليدوية في كتابه العزيز، وكانت حياة اكثر الانبياء، عليهم صلوات الله وسلامه، جمعا بين عمل الفكر واليد واللسان»...
وفي سبتمبر عام 1989م، وفي لقاء مع اعضاء لجنة شؤون البلدية بمناسبة تعيينهم، تحدث الشيخ جابرالاحمد عن امور ادارية عديدة تهم اللجنة وكيفية اداء خدماتها للمواطنين، كان اهمها ذلك التوجيه الواضح والصريح الى وزير الدولة لشؤون البلدية حول اهمية التشاور مع اعضاء اللجنة، والرجوع اليهم لاخذ آرائهم في حال الرغبة في اصدار القرارات والتنظيمات، لما في هذا التشاور من اهمية في تسهيل مهمته، وتلافي الاخطاء باجماع الآراء، وتيسير مهمة مجلس الوزراء في الموافقة على هذه القرارات ليصب بالتالي كل ذلك في خدمة المواطن.
هذا التوجه، والفكر الديموقراطي الذي عبر عنه الشيخ جابر الاحمد ينسحب بلا شك على جميع الوزراء والمسؤولين في الدولة إذ لا بد من التشاور واخذ رأي اللجان، وجمعيات النفع العام، والهيئات الاهلية في حال الرغبة في اصدار تشريعات، او قرارات، او تنظيمات تمس مجال نشاطاتهم.


الليل والنهار تساويا أمام المحنة.. وإصرار سموه كان شديدا على عودة كل تراب الوطن وسيادته الشيخ جابر الأحمد.. عمل دؤوب وطاقة جبارة في مواجهة العدوان العراقي
الحلقة السابعة والعشرون

لقد كانت ساعة الغزو العراقي لدولة الكويت لحظات قاسية وعصيبة، وصدمة قوية للعقل والفكر والوجدان، والايمان بمشيئة الله وقدره، جعلت تلك اللحظات العصيبة والصدمة القوية تتهاوى امام ارادة الرجال وعزيمة الشجعان، فكان التأكيد والاصرار على تحرير الوطن، وان لا مساحة في العقل والفكر والوجدان للمساومة على الارض، وان الكويت لابد ان تعود بكامل ترابها وبحارها واجوائها... فكان للكويت ـ قيادة وشعبا ـ ما ارادت، وما عقدت العزم عليه، وان جاء الثمن باهظا وغاليا في الارواح والممتلكات، لكن الكويت في نفوس ابنائها هي الأغلى والاثمن في الوجود.
لقد كانت الكويت ـ دائما وأبدا ـ في فكر ووجدان الشيخ جابر الاحمد كما كانت في فكر ووجدان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح وكل كويتي محب لتراب وطنه، من هنا، ومنذ اللحظات الاولى كانت الشرعية الكويتية المتمثلة بالقيادة السياسية وعلى رأسها الشيخ جابر الاحمد في حالة عمل مستمر، يواصلون الليل بالنهار، فالوقت لا قيمة له اذا لم يقترن بانجاز كبير يضاهي عمق المأساة، وساعات العمل لا تحتسب اذا لم تتخذ فيها القيادة الكويتية خطوة الى الامام من اجل عودة الكويت حرة مستقلة.
كان الشيخ جابر الاحمد في حالة من العمل المتواصل والجهد الدؤوب، لم تكن هناك ساعات محددة لعمله، فالليل والنهار قد تساويا امام محنة الكويت، والنماذج التالية من جهوده وتحركاته توضح لنا حجم العمل وعمق المسؤولية وخطورتها، والاصرار على عودة الوطن بكامل ترابه، وسيادته، وعودة شعب الكويت لممارسة حياته الطبيعية على ارضه، وعودة الكويت ـ بقوة مضاعفة ـ للمشاركة في دعم نشاطات التنمية الدولية، ودعم قضايا الانسان والعدالة الاجتماعية في العالم.
لا شك ان خروج القيادة الكويتية وعلى رأسها الشيخ جابر الاحمد فجر يوم الغزو والعدوان الى المملكة العربية السعودية هو المسمار الاول في نعش النظام العراقي وقيادته الجائرة، ذلك لان المعتدي كان قد وضع في اعتباره وهو يجتاح الكويت الآمنة المسالمة في تلك الساعات المتأخرة من الليل، ان اول خطوة ينبغي له اتخاذها عند احتلاله الكويت ان يقضي على قيادته الشرعية، لكن آماله تحطمت بخروج القيادة الكويتية، واصابته حالة من الهذيان السياسي، وهو يبحث عن مخرج يبرر به عدوانه الآثم... فمن الحديث عن التصدي لمؤامرة امريكية ترتب ضد العراق من اراضي ودوائر واجهزة دولة الكويت، الى الحديث عن ثورة شعبية قادت انقلابا وتطلب الدعم والمساندة، الى المطالبة بحق تاريخي لو اخذ به، وعمل بموجبه لتغيرت خريطة العالم، واصبح العراق اول الخاسرين.
ان خروج قادة الكويت، ووصولهم آمنين سالمين الى المملكة العربية السعودية من الامور المهمة التي رفعت الروح المعنوية لشعب الكويت، ودعم صموده، ونظمت صفوفه في صور وأشكال مختلفة من المقاومة الوطنية، واصبح ذلك نقطة الانطلاق للعمل من اجل تحريرالكويت، ولذا فان هذا الخروج كان واجبا لبّاه اولئك الرجال حتى يتمكنوا من الحفاظ على الكويت وأهلها.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:17 AM
دعم الجبهة الوطنية

لقد كانت اولويات الشيخ جابر الاحمد في الساعات الاولى للعدوان والاحتلال هي كيفية المحافظة على صمود الجبهة الوطنية، واعادة تنظيمها في الداخل والخارج، ودعم المقاومة بمختلف الاشكال بين صفوفها.
من هنا، كانت له مواقف وقرارات وتوجيهات ساهمت مجتمعة بشكل فعال في رفع الروح المعنوية بين صفوف الشعب الكويتي، ورسخت في نفوسهم التحدي والنضال ومقاومة المعتدي بالاشكال والصور كافة، وفيما يلي نماذج من تلك الجهود:
في الساعات الاولى للعدوان العراقي على دولة الكويت وجه الشيخ جابر الاحمد نداء الى ابناء شعبه الوفي، اكد فيه ان الكويتيين ليسوا وحدهم، وان العرب والمسلمين والعالم كله معهم، كانت هذه اول اشارة من اجل النضال والمقاومة، فقد جاء في النداء ما يلي: «... اذا كان هذا العدوان قد تمكن من احتلال ارضنا، فانه لن يتمكن ـ ابدا ـ من احتلال عزيمتنا، واذا كان المعتدون قد استولوا على مرافقنا ومنشآتنا العامة، فانهم لن يستطيعوا ـ ابدا ـ الاستيلاء على ارادتنا، فعزيمتنا وارادتنا هما عزيمة وارادة آبائنا واجدادنا الذين واجهوا اعتى التحديات، فلم تلن لهم قناة، ولم يخضعوا لاي عدوان»...
ويمضي في بيانه مخاطبا ابناء شعبه: «... سوف يسجل لكم التاريخ، يا ابناء هذا الجيل من اهل الكويت، انكم واجهتم اشد المحن ضراوة، فلم تستكينوا، وانكم قاسيتم احلك الساعات، فلم تهنوا، وانكم وقفتم في وجه جبروت القوة، ولم تخضعوا، ولسوف يذكر لكم التاريخ انكم وقفتم صفا واحدا في وجه العدوان، وان المعتدين لم يجدوا فيكم ثغرة ينفذون منها الى ضرب وحدتنا وتماسك شعبنا»...
وفي 3 اغسطس عام 1990م اصدر الشيخ ناصر المحمد الاحمد الجابر الصباح، وزير الدولة للشؤون الخارجية، تعميما لجميع سفارات دولة الكويت في الخارج، هذا نصه: «لما كان صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد، امير دولة الكويت، قد اصدر امرا اميريا في شأن المقر المؤقت لحكومة دولة الكويت، وبعض الاحكام المنظمة لاعمالها، ولما كانت المادة السابعة من هذا الامر قد نصت على ان يبلغ هذا بالطرق الدبلوماسية لحكومات الدول الاخرى، لذلك فعلى جميع سفارات دولة الكويت في الخارج المبادرة فورا بابلاغ الجهات المختصة في الدول المختلفة بمضمون الامر الأميري».
وكان قد صدر بالطائف الامر الاميري في شأن المقر المؤقت لحكومة دولة الكويت، وبعض الاحكام المنظمة لأعمالها، وفيما يلي نصه: فوجىء العالم في فجر الثاني من اغسطس الجاري بالغزو العراقي لدولة الكويت بما يمثل اعتداء شائنا على دولة عربية مسلمة.
ولقد استنكرت دول العالم اجمع، شرقه وغربه هذا العدوان، ورفضت جميع المنظمات العربية والاسلامية والدولية، وعلى الأخص جامعة الدول العربية، والامم المتحدة، ومؤتمر القمة العربي في قرارات حاسمة ما ترتب على هذا الغزو من آثار، ووقف المجتمع الدولي بأسره ضد اي مساس باستقلال دولة الكويت، وسيادتها الكاملة على ارضها في ظل حكومتها الشرعية، وبقيادة اميرها.
واذا كان شعب الكويت قد هبّ مدافعا عن وطنه، والذود عن ترابه، مضحيا بالدم والمال، ونهض جميع المواطنين لتحرير ارض الوطن، واستبقاء رايته عالية خفاقة بالعزة والكرامة، وذلك في وحدة وعزم واصرار، مما يجعلنا على يقين وثقة في عودة الاوضاع في دولة الكويت الى ما كانت عليه في القريب العاجل، ان شاء الله، الا ان الظروف الحالية قد استدعت ترتيب بعض الامور في شأن مقر الحكومة المؤقت، وادائها لواجباتها في خدمة المواطنين والمقيمين.
ومن اجل ذلك، وبعد الاطلاع على الدستور، وعلى الامر الاميري الصادر في 27 شوال 1406هـ الموافق 3 اغسطس عام 1990م، اصدرنا الامر التالي:




مادة اولى

تنعقد حكومة دولة الكويت بصفة مؤقتة في المملكة العربية السعودية، او في اي مكان آخر يختاره الامير.

مادة ثانية

يتولى الوزراء كل فيما يخصه مباشرة الاعمال المعهودة اليه، وتقديم الخدمات اللازمة للكويتيين، والمقيمين على ارض دولة الكويت، ومن يتواجد منهم في الخارج، وذلك في اطار الظروف القائمة والامكانات المتاحة، ويمارسون صلاحياتهم في ذلك، مع مراعاة النظم المعمول بها في دولة المقر، والقواعد والاعراف الدولية.

مادة ثالثة

مع عدم الاخلال باحكام المادة السابقة، يتولى كل من وزير المالية، او وزير العدل والشؤون القانونية مجتمعين او منفردين، او من يفوضه كل منهما، وفقا للقواعد التي يقررها مجلس الوزراء، اتخاذ الاجراءات القانونية كافة للمحافظة والحصول على اموال الحكومة الكويتية، ومؤسساتها، وهيئاتها العامة، والشركات المملوكة كلها، او جزء منها للدولة، سواء ما كان منها بداخل دولة الكويت او بالخارج، وتحرير ما جمد لها من ارصدة، او حقوق، او ممتلكات، وفتح حسابات لها بذلك في البنوك التي يعتمدها مجلس الوزراء.

مادة رابعة

يعمل كل من وزير المالية، او وزير العدل والشؤون القانونية، او من يفوضه اي منهما على حماية اموال المؤسسات والشركات الخاصة، والافراد الكويتيين، العقارية والمنقولة، وضمان حصولهم على مستحقاتهم، وتحرير ما جمد منها بالخارج، واتخاذ الاجراءات الكاملة بعدم وقوعها تحت يد اية سلطة، او جهة اخرى، ويكون لهم في ذلك صلاحيات الوكيل العام الرسمي.

مادة خامسة

يقع منعدما اي تشريع، او نظام، او قرار، او اجراء يصدر عن أية سلطة، او جهة تزعم ان لها ولاية على ارض الكويت، او ما يمس سيادتها واستقلالها، ولا يتبع في ذلك إلا ما يصدر عن الحكومة الشرعية لدولة الكويت.
كما يعتبر باطلا بطلانا مطلقا، وغير قابل للتنفيذ، اي تصرف، او عقد، او تعامل يتم بالاكراه المادي او المعنوي، دون الرضاء الكامل لأي شخص اعتباري او طبيعي كويتي، ويجوز اثبات ذلك بالدلائل وطرق الاثبات كافة.

مادة سادسة

ترتب الاوضاع المالية للدولة وفقاً للموارد المتاحة بقرارات من مجلس الوزراء.

مادة سابعة

يوقف العمل بأي نص يخالف احكام هذا الامر، ويعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية، ويبلغ بالطرق الدبلوماسية لحكومات الدول الاخرى.

جابر الاحمد الجابر الصباح
امير دولة الكويت
صدر في 12 محرم 1411هـ
الموافق 3 اغسطس 1990م

في 15 اغسطس عام 1990م ترأس الشيخ جابر الاحمد اجتماعاً لمجلس الوزراء، اصدر خلاله توجيهاته الى الوزراء كل فيما يخصه لاتخاذ الاجراءات المناسبة للمحافظة على سلامة الوطن والمواطنين، وحل ما يعترضهم من مشكلات وفقاً لروح الاسرة الواحدة.
وفي 20 اغسطس عام 1990م وجه الشيخ جابر الاحمد نداء الى ابناء الكويت هذا نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كثيراً على نعمائه، اسأله لي ولكم جميل الصبر على قضائه، واحمده ثانية، وهو سبحانه ـ الذي لا يحمد على مكروه سواه. واسأله ـتعالى ـ ان يمدنا جميعاً بعونه لتحمل المصاب بثبات وصبر.
با ابناء الكويت، ايها المواطنون الشرفاء... يا من اثبتم للعالم كيف يكون الصمود والتضامن والاخاء،،،
ان العالم يدرك تماماً مدى فداحة وجسامة الجريمة التي ارتكبها النظام العراقي بغزو الاراضي الكويتية التي كانت، وستبقى ـ باذن الله ـ دوحة اصيلة وارفة الظلال، يستظل تحتها كل من يريد الامن والاستقرار والعيش الكريم.
يا ابناء الديرة،،
اذا كان ثمة درس يمكن ان يسفاد من هذا الغزو الظالم، فهو اننا اثبتنا للعالم اجمع ان الشعب الكويتي رغم حجمه الصغير قد سطر ملاحم من البطولة والفداء، تتمثل بصموده امام الغزو الجائر، وفي دفاعه عن وطنه وممتلكاته وعرضه وشرفه. وهذه ـ والله ـ صفات المؤمنين الواثقين بنصر الله وعزته.
كما ان وقوف العالم بجميع اتجاهاته وانظمته الاجتماعية مع الكويت في محنته، يدل دلالة قاطعة على صواب سياستنا الست استطعنا من خلال مواقفها الموضوعية تجاه مجمل الاحداث التي مر بها العالم، ان نحظى بثقة شعوب وحكومات العالم، وان نكسب تأييدهم، وهذه ولاشك نقطة ضوء تسجل لمصلحة الكويت وطموحاتها في المستقبل. ان شاء الله.

اخواني واخواتي،،،
انني اوجه اليكم هذه الكلمات، وانا اعيش معكم، وبينكم، ومن أجلكم دائماً وابداً، وافكر بما تفكرون به، واعمل بما يرضي الله، ويرضيكم، ويرضي جميع الشرفاء في العالم من اجل ان تعود الامور الى وضعها الطبيعي، وان تعود الكويت كما كانت زاهية بأفعالها الكريمة، صادقة النية ناصعة الاعمال.

يا أهل الديرة،،
انني واثق بمشيئة الله وعونه، بأن كويت المستقبل ستكون اكثر عزة واكثر شموخاً واكثر استقراراً وأمناً، لان ما قدمه الشعب الكويتي من تضحيات عزيزة في هذه المحنة ستكون قواعد صلبة وراسخة لانطلاقة قوية نحو مستقبل افضل. تضم الكويت فيه كل المخلصين والاوفياء والشرفاء الذين صانوا الكويت وحافظوا عليها ودافعوا عنها. وسيكون شعب الكويت بما قدمه من تضحيات سوراً قوياً شامخاً يحمي بلاده من كل عاديات الدهر ومصائبه.

اخواني واخواتي،،
ان الآمال كبيرة، وان المستقبل سيكون ـ باذن الله ـ ارحب من الحاضر، ولا نملك هنا، الا ان نحمل الله على كل حال، وان نثق دائماً بأن الله معنا، واننا نحن الاعلون، لاننا دعاة حق واصحاب قضية عادلة يرعاها الله برعايته وتوفيقه (فلا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون) صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
وفي الاول من سبتمبر عام 1990م وجه الشيخ جابر الاحمد رسالة الى ابنائه الطلبة والطالبات الدارسين في الولايات المتحدة الامريكية، اكد فيها ان الكويت عائدة، وشعب الكويت عائد، وذلك بمناسبة مؤتمرهم الطارىء الذي عقد في مدينة واشنطن تحت شعار «الازمة الكويتية.. الاسباب والتوقعات».
داعياً الى تلبية احتياجات ابناء الشعب الكويتي في هذه الظروف، ومعلناً بأن اموال الكويت هي اموال الشعب الكويتي.
بتاريخ 3 سبتمبر عام 1990م وجه الشيخ جابر الاحمد نداء الى ابناء شعبه في الداخل والخارج، معرباً عن فخره واعتزازه بصمود الشعب الكويتي في وجه الاحتلال. ورفضه التعاون مع المحتلين رغم التهديدات والاغراءات التي يتعرض لها.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:18 AM
وقد جاء هذا النداء بمناسبة مرور شهر على العدوان والاحتلال العراقي، وفيمايلي نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ونشكره، ونتوب اليه، ونستغفره، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
اخواني واخواتي، يا اهل الكويت الاوفياء،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
اتوجه اليكم بهذه الكلمة بعد شهر ونيف من الاحتلال العراقي للتراب الكويتي الطاهر.
حيث تحدى بقواته الباغية كل المواثيق والاعراف الدولية المستقرة في ضمير العالم، واطاح بصلفه وغروره كل القواعد الضابطة للمشروعية الدولية التي يحرص العالم على المحافظة عليها والدفاع عنها، وفي ظروف تعمل فيها دول العالم على احلال السلام والتعاون وتجنيب ويلات الحروب.
ولاشك، ايها الاخوة والاخوات، في ان ما حصل عليه الغزو العراقي للاراضي الكويتية من ادانة وشجب ومطالبة بالانسحاب الفوري للقوات العراقية الغازية، وبدون قيد او شرط، وتمكين الشرعية من ممارسة اختصاصاتها ـ كما كانت قبل الغزو ـ من جميع دول العالم، ومنظماته الاقليمية والدولية الرسمية منها والشعبية، هو دليل واضح وعملي على ان العالم لا يمكن ان يرضى عما اقدم عليه النظام العراقي من عدوان على بلدنا الحبيب الكويت، بما ترتب عليه من آثار سلبية انعكس أثرها على الصعيد العربي والاسلامي والعالمي.

يا ابناء الديرة الاعزاء،،،
ان ما يبهج النفس ويزيدها فخراً واعتزازاً ان اخاطبكم اليوم، وانباء صمودكم تملأ الدنيا، مؤكدة رفضكم التعاون بجميع اشكاله مع قوات الاحتلال رغم تهديداته وإغراءاته، كما ان العدو الغاشم عجز عن ان يقدم دليلاً واحداً للعالم يثبت وجود من يتعاون معه من أبناء الكويت، مما جعل ادعاءاته وتبريراته لغزو الكويت تذهب ادراج الرياح، وتفضح حقيقة نزواته العدوانية.

يا أبناء بلدي،،،
قال الله سبحانه وتعالى (يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) ايها الصابرون المرابطون في الكويت.. يا من فضلتم ان تحتضنوا تربة الكويت وتاريخها الطاهر في عيونكم وقلوبكم وفضلتم البقاء فيها.
اتوجه اليكم، والإيمان يعمر قلبي بأن صمودكم ضد قوى الظلم والبغي والعدوان سيكشف قريباً، وبعون الله، الرياح السوداء، التي عصفت بأمن الكويت واستقرارها، ليعود وطنننا بمشيئة الله ـ كما كان ـ دار أمن واستقرار وسلام، لان الظلام مهما حاول ان يحجب الحقيقة ويطفىء نورها، فإن الشمس لابد ان تظهر وتكشف الحقيقة ناصعة بيضاء من كل سوء، مصداقاً لقوله تعالى: (يريدون ان يطفئوا نو رالله بافواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون).

يا أبناء الديرة الكرام

يا من شاءت الظروف الحرجة ان تكونوا خارج الكويت، ان مسؤوليتكم اليوم لا تقل عن مسؤولية اخوانكم في الداخل،. فان لم تسمح لكم الحال بمشاركتهم في التصدي للعدوان فلا اقل من ان تثبتوا للعالم اجمع انكم معهم، تناصرونهم بجهودكم وإمكاناتكم المتاحة، وتدعمون صمودهم لتحقيق النصر باذن الله.
ولا شك في انكم تعلمون، انكم في ارض غير ارضكم، وبلاد غير بلادكم، فاذا كان لنا في هذا المقام ان نتوجه بالشكر والعرفان الى جميع الدول التي استضافتكم ـ قادة وحكومات وشعوبا ـ وفتحت ابوابها مرحبة بكم، وقدمت لكم جميع التسهيلات اللازمة لتكفل لكم الامن والامان، فلا اقل من ان تمثلوا الكويت التمثيل اللائق بها ـ كما عهدناكم دائما ـ عن طريق مراعاة تقاليد هذه الدول وقوانينها واعرافها. وان تكونوا يدا واحدة في السعي الى تحرير تراب الوطن من دنس الغزاة قولا وعملا.

إخواني وأخواتي

اننا نؤمن ايمانا راسخا بان الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد ابتلانا بما نحن فيه وان من آمن وعمل وصبر على هذا الابتلاء، فانه هو الظافر بنصر الله وتأييده، وانني على ثقة بانكم ستكونون من الظافرين بعون الله.
وصدق الله ـ عز وجل ـ في محكم كتابه (أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
صدق الله العطيم.
والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته
بتاريخ 15 سبتمبر عام 1990م اعلن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الشيخ جابر العبدالله الجابر الصباح في ابو ظبي ان السفارات والقنصليات الكويتية بدأت تنفيذ اوامر صاحب السمو امير البلاد بشان صرف معونات السكن والاغاثة المخصصة للاسر والعائلات الكويتية في الخارج. وكانت هذه واحدة من توجيهاته بضرورة الاسراع في تامين العيش الكريم، وتسهيل حياة المواطنين الكويتيين في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الكويت.
بتاريخ 28 سبتمبر عام 1990م وجه الشيخ جابر الأحمد رسالة الى أبنائه الطلبة والطالبات، اينما كانوا اكد فيها ان شعب الكويت اثبت انه شعب صلب المراس، مرفوع الرأس دائما، رغم كل اشكال الاضطهاد والقتل والتشرد، وانه لا بد للمعتدي ان يدفع ثمن كل شروره. فهو اليوم يقف وحيدا ضد العالم اجمع، واوصى ابناءه بالصبر والمثابرة، ورص الصفوف، ومضاعفة الجهد فالكويت التي سوف تبزغ من جديد هي كويت الامل لشعب صامد، وفيما يلي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين وبه نستعين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
أبنائي وبناتي طلاب وطالبات الكويت في كويتنا الغالية الرازحة تحت نير الاحتلال.
ابنائي وبناتي طلاب وطالبات الكويت في كل مكان من هذه المعمورة.
ومن خلالكم الى اهلكم وذويكم، الى ابناء الكويت الغالية، وأجيالها الصامدة، احييكم تحية الاسلام والحق، تحية تصلكم وانتم تعانون ما نعاني، وتتألمون لما نتألم له، وبعضكم حرم بالغدر والخديعة والغزو من ان يكون على مقاعد الدراسة الآن، وقد تعود في كل عام في مثل هذا الوقت ان يكون منكبا على دروسه.

أبنائي وبناتي
تعلمون ان خديعة كبرى ومصابا جللا وكارثة عظيمة قد حلت بارضنا وأهلنا ووطنا. ان هذه الكارثة قد تسبب فيها جشع اعمى وحقد دفين، وتعلمون ايضا ان العالم كل العالم يقف معنا في قضيتنا، وتعلمون ايضا اننا نبذل الغالي والنفيس، ونواصل النهار بالليل مسؤولين ومواطنين، نعمل جاهدين لرفع راية الحق على الظلم، والنور على الظلام، ونحن بعزيمة الله وتأييده سائرون.
لقد جسد شعب الكويت في هذه الفترة العصيبة، تضامنه وتكاتفه وتكافله عملا وقولا، واثبت شعب الكويت انه شعب صلب المراس مرفوع الراس دائما، رغم كل اشكال الاضطهاد والقهر والقتل والتشريد الذي يمارسه الغازي المغتصب كل يوم بل كل ساعة.
لقد أثبت شعب الكويت ان الغاصب لن ينال منه، فقد رفض عن بكرة ابيه ـ ولا يزال يرفض ـ ان يتعاون او يقر، او يسلم للغازي، لقد اصبح الغازي نفسه في موقف مضطرب ومحاصر نتيجة هذا الاصرار العظيم لهذا الشعب العظيم.

ابنائي الاعزاء،،
ان الجهد المطلوب منا جميعا جهد عظيم، وان القوى التي نصارعها قوى شر سنقاومها بكل وسيلة ولا بد للمعتدي من ان يدفع ثمن كل شروره فهو اليوم يقف وحيدا ضد العالم أجمع.
لقد أصبحت الكويت الصغيرة بحجمها وسكانها كبيرة في ضمير العالم، وما التأييد الا من عند الله وقد أيدت قضيتنا العادلة امم كثيرة وشعوب شتى على اختلاف مواقفها السياسية.

ابنائي الاعزاء
اوصيكم بتقوى الله والاجتهاد في العلم، وما خاب شعب آمن بربه ونبيه واخذ العلم طريقة وسلاحا لشق مستقبله.
اوصيكم بالصبر والمثابرة ورص الصفوف، ومضاعفة الجهد، فكويتنا التي سوف تبزغ من جديد هي كويت الامل لشعب صامد، وكويت السلام لمنطقة مضطربة وكويت المحبة لعالم يسعى الى السلام والمحبة.
ان الكويت عائدة باذن الله واننا جميعا عائدون لأهلنا وأرضنا وفي يوم نصر قريب سنتلقى جميعا ـ باذن الله ـ على أرضنا الحبيبة رافعين رايات النصرد ساجدين لله وشاكرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


المؤتمر الشعبي بجدة تأكيد للبيعة لأسرة آل الصباح حكاماً لدولة الكويت مرارة الاحتلال أكدت حقيقة ناصعة وهي رفض الشعب الكويتي التخلي عن ارضه او قيادته
الحلقة الثامنة والعشرون

سيروي التاريخ على مر الزمان، ان شعب الكويت لم يتخل خلال فترة الاحتلال العراقي لبلدهم لحظة واحدة ـ عن وطنيته، وحبه لتراب وطنه، والتمسك بأرضه، وبقيادته الشرعية، ولم يجد النظام العراقي وجيشه المحتل خلال سبعة شهور كويتياً واحداً يمكن ان يتعاون معه، ويسانده في تبرير احتلاله لدولة الكويت.
لقد كان المؤتمر الشعبي الكويتي، الذي عقد في قصر المؤتمرات بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 13 ـ 15 اكتوبر عام 1990م، ملحمة شعبية رائعة، عزفت سيمفونية النصر وانشودة الانتصار، مؤكدة للعالم اجمع تمسكها بقيادتها ونظامها السياسي.
نقول، لقد جاء هذا المؤتمر ليؤكد عدم تفريط الكويتيين بشبر من ارضهم، كما جاء ليجسد باصرار كبير تجديد البيعة لاسرة آل الصباح، وعلى رأسهم الشيخ جابر الاحمد حكاماً لدولة الكويت.. جاء هذا كرد حاسم على المتقولين والمتشككين في ولاء الكويتيين لقيادتهم ونظامهم السياسي، بعد ان تعالت بعض الاصوات مطالبة الامم المتحدة باجراء استفتاء شعبي حول مدى قبول الشعب الكويتي لقيادته، ونظامه السياسي القائم في الكويت.
وأمام هذا المؤتمر التاريخي. كان للشيخ جابر الاحمد وقفة تجلت فيها جميع معاني القائد الشجاع والحاكم العادل والاب الحنون.. وقفة ملؤها الشوق للابناء والحنين الى ارض الوطن.. وقفة اتسمت بالاكبار وعظيم الامتنان لشعب وفي، وقف وقفة رجل واحد في وجه المعتدي الظالم ساعات المحنة...
وقفة اكد فيها لهؤلاء الاوفياء الابطال ان العالم يتابع تحركاتهم وتحركات قيادتهم من اجل التحرير ودحر الغزاة المعتدين، وان النصر قريب باذن الله.
وقال امام اضخم تظاهرة كويتية سياسية منذ العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت: «... ان النظام العراقي اخطأ في فهم طبيعة الجبهة الداخلية الكويتية، فظن ـ واهماً ـ ان ما طرحه بعض المواطنين المجتهدين من آراء لترتيب اوضاع البيت الكويتي باعثه خلافات، وتناقضات بين ابناء الوطن الكويتي الواحد..».
ووجه رسالة تحية وتقدير واحترام للاهل في الكويت، الذين يسطرون منذ بدء الاحتلال اروع آيات الصمود والتحدي ضد العدو الغاشم، ويثبتون كل يوم ان الكويت ستبقى حرة عزيزة رغم انف المعتدي الاثم، ودعا الى التركيز على كويت المستقبل التي ستكون ـ باذن الله ـ اكثر عزة وشموخاً واستقراراً وأمناً. واكد ان ما قدمه، ويقدمه الشعب الكويتي من تضحيات في هذه المحنة سيكون ركائز قوية وصلبة لانطلاقة كويتية وثابة في جميع المجالات، وفيمايلي نص الكلمة:

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:18 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، واسأله ـ سبحانه وتعالى ـ ان يعيننا جميعاً على تحمل المصاب، وان يثبت اقدامنا ويطمئن نفوسنا، واصلي واسلم على خير البرية سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم».

اخواني،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
لقد تعرضت الكويت فجر يوم الخميس الحادي عشر من محرم الحرام، الموافق الثاني من اغسطس الماضي لعدوان غادر من النظام العراقي، الذي كنا نعتقد بأن ما قدمته الكويت له، شعباً، وحكومة، كان كافيا لغرس شجرة الخير في ضميره، واحتواء نزعة الشر في سلوكه، الا ان الشر كان متأصلاً فيه، فخان العهد، وغدر بالاخ والجار، واستباح الحرمات، ضارباً عرض الحائط بكل المواثيق والاعراف الدولية، متنكراً لما قدمته له الكويت من مساندة ومساعدة.

اخواني،،،
لقد كانت الكويت واحة امن وسلام واستقرار، وكانت ملاذاً لكل الخيرين والشرفاء، يجدون فيها المكان الامن، والعيش الكريم، والحياة الهانئة الرغيدة، فأثار ذلك حفيظة النظام العراقي الآثم الذي بدد ثروات الشعب العراقي لتحقيق مآرب خاصة، وحينما شعر بأن الشعب بدأ يتملل ويتذمر من انحرافاته وشططه، اراد الهاءه بفتح جبهة جديدة مع الكويت التي كانت ـ وفي جميع الظروف ـ سنداً وعوناً لاشقائها العرب والمسلمين وارسل قواته المسلحة بعد منتصف الليل لاجتياجها واحتلالها، وممارسة اعمال العنف والقتل والسطو المسلح ضد المواطنين الابرياء، بحقد لم يسبق له مثيل في عالمنا المعاصر.

اخواني،،،
لابد انكم تابعتم الدعاوى الباطلة التي اثارها النظام العراقي المعتدي ضدنا قبل الغزو الغاشم، فقد لجأ لجامعة الدول العربية شاكياً الكويت، وحينما ارتضينا حكم هيئة تحكيم عربية محايدة تنصل ذلك النظام المخادع، متذرعاً بأن ما بين الكويت والعراق هو شأن ثنائي يحل بينهما.
وقد نجحت محاولة اخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، واخي الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة، وتم قبل الغزو الغاشم بساعات قليلة عقد اجتماع في جدة بين الطرفين، وقد شاركت الكويت فيه بقلب مفتوح بغية تسوية المسائل التي كانت معلقة بين البلدين، في الوقت الذي كان النظام العراقي يضمر الشر، ويدير الخطط الكيدية، ويعد العدة لاجتياح الكويت، وذلك بعد ان استعمل اساليب تضليلية وكيدية ومخادعة اوحى فيها بأنه لن يلجأ الى القوة لتسوية الامور المعلقة معها.

اخواني،،،
ان العالم يدرك ادراكاً كاملاً فداحة الجرم الذي ارتكبه النظام العراقي ضد الكويت وشعبها، وقد اكد ذلك بالقرارات المتلاحقة التي اصدرها مجلس الامن الدولي، وادان فيها العدوان الغاشم.
وطلب من العراق المعتدي سحب قواته دون قيد او شرط من الكويت، تمكيناً للشرعية من استئناف مهامها. وقد اصدر مؤتمر القمة العربية الطارىء ومنظمة المؤتمر الاسلامي، ومنظمة دول عدم الانحياز قرارات مماثلة، ولاشك في ان وقوف العالم معنا يؤكد صواب سياستنا وسلامة مواقفنا الموضوعية تجاه مجمل الاحداث العالمية، الامر الذي جعلنا، بمساندة وتعاطف شعوب وحكومات العالم، نكسب تأييدهم.

اخواني،،،
ان ما يغيظ النظام العراقي الآثم، انه لم يتمكن من النيل من ارادتنا بعد ان احتل ارضنا، فصمودنا، ووقوفنا جميعاً صفاً واحداً ضد المحتل الغاشم، كان مثار اعجاب واحترام العالم الذي يتابع عن كثب تحركنا الواثق نحو التحرير، ودحر الغزاة المعتدين، وان النصر قريب باذن الله، واذا كان التاريخ قد سجل بأحرف من نور صمود الكويتيين ضد الغزاة الوحشيين، فإنه لن ينسى ابداً ان يفرد الصفحات السوداء التي تفضح الممارسات الاثمة للنظام العراقي.
فقد دافع الشعب الكويتي الابي ببسالة عن وطنه وارواحه واعراضه وممتلكاته رغم شراسة المعتدي وغدره.

اخواني،،،
لقد عاش الكويتيون منذ القدم في اجواء الحرية، والتزموا الشورى، ومارسوا الديمقراطية في اطار دستورنا الذي ارتضيناه جميعاً، واذا ما اختلفت اجتهاداتهم بشأن أمر من الامور المتعلقة بترتيب البيت الكويتي، فانهم يكونون اشد تلاحماً واصراراً وتآزراً في مواجهة الاخطار التي تهددهم.
تلك هي ـ ايها الاخوة ـ الحقيقة الساطعة التي لم يدركها النظام العراقي، فقد اخطأ في فهم طبيعة الجبهة الداخلية الكويتية، فظن ـ واهماً ـ ان ما طرحه بعض المواطنين المجتهدين من اراء لترتيب اوضاع البيت الكويتي باعثة خلافات، وتناقضات بين ابناء الوطن الكويتي الواحد.
وها أنتم ، يا ابناء الكويت، باجتماعكم هذا تؤكدون للعدو الظالم وللعالم اجمع وحده اهل الكويت، وتلاحمهم في مواجهة الاحتلال، ورفضهم القاطع له، ولعل اجتماعكم هذا ابلغ رد على عدوكم، ورسالة موجهة الى العالم تثبت وحدتكم، وتلاحمكم في مواجهة من اغتصب وطنكم.
إخواني،،
إنني من على هذا المنبر اوجه بالنيابة عنكم، وبالاصالة عن نفسي، رسالة تحية وتقدير واحترام لاهلنا في الكويت، الذين يسطرون منذ بدء الاحتلال اروع آيات الصمود والتحدي للعدو الغاشم، ويحافظون على ارضهم بقلوبهم وعيونهم، ويثبتون كل يوم ان الكويت ستبقى حرة عزيزة رغم انف المعتدي الآثم. وانني ادعو المولى ـ عز وجل ـ ان يجمعنا واياهم في القريب العاجل على ارض الوطن الغالي، وليس ذلك على الله بكثير.

إخواني،،
ان الواجب يحتم علينا جميعا ـ في مؤتمرنا هذا ـ ان نعقد العزم على التعاون غير المحدود لتحقيق هدف سام هو تحرير الوطن من دنس العدو المحتل، معتمدين اولا على الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم على انفسنا وعلى اشقائنا واصدقائنا، فالتحرير هو هاجسنا وشاغلنا جميعا، ولا بد لنا ايضا من التركيز على كويت المستقبل التي ستكون ـ باذن الله ـ اكثر عزة وشموخا واستقرارا وأمنا، لان ما قدمه، ويقدمه، الشعب الكويتي من تضحيات في هذه المحنة سيكون ركائز قوية وصلبة لانطلاقة كويتية وثابة في جميع المجالات نحو مستقبل أفضل، تضم فيه الكويت جميع المخلصين والاوفياء والشرفاء الذين صانوها، وحافظوا عليها، ودافعوا عنها، وسيكون شعب الكويت الاصيل سياجا منيعا يحمي وطنه من عاديات الدهر ومصائبه، ولن يجعلنا هذا الحاضر المأساوي الذي نعيشه نقنط من رحمة الله، فنحن اصحاب حق، واصحاب قضية عادلة يرعاها الله بعنايته وتوفيقه (فلا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون).

إخواني،،
يسرني في هذه المناسبة ان اتقدم باسمي، وباسمكم بجزيل الشكر والامتنان لاخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، ولحكومته الرشيدة للتسهيلات التي قدمت لاستضافة هذا اللقاء المبارك، ويأتي هذا في سياق الدعم المتواصل وغير المحدود، الذي قدمته وتقدمه، المملكة العربية السعودية على الصعيدين: الرسمي، والشعبي لنصرة الكويت في محنتها. ونسأل الله ان يديم نعمة التواصل بين الشعبين الشقيقين لما فيه خيرهما وصالحهما، كما لا يفوتني ان اسجل الشكر والتقدير لجميع الدول التي وقفت معنا دفاعا عن الحق في مواجهة الباطل، وخاصة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والدول العربية الشقيقة فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
وفي الختام فان الامل وطيد ايها الاخوة في ان نلتقي جميعا، وفي القريب العاجل ـ باذن الله ـ على ارض المحبة والسلام، ارض الكويت الغالية.
والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته،،

وبتاريخ 15 اكتوبر عام 1990م صدر البيان الختامي للمؤتمر الشعبي الكويتي الذي عقد بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية في الفترة من 24 ـ 26 ربيع الاول عام 1411هـ، الموافق 13 ـ 15 اكتوبر عام 1990م تحت شعار التحرير.. شعارنا، سبيلنا، هدفنا متضمنا جملة من القرارات فيما يلي نصها:
نحن المجتمعين في المؤتمر الشعبي الكويتي، الذي عقد تحت رعاية امير دولة الكويت، صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد الصباح، قررنا ما يلي:
1 ـ نعلن للعالم اجمع رفضنا القاطع لاحتلال نظام الحكم العراقي لوطننا الكويت، وادانتنا له باعتباره عدوانا دائما على دول الكويت المستقلة ذات السيادة، والعضو في جامعة الدول العربية، والامم المتحدة، وانتهاكا صارخا للمواثيق والقوانين الدولية كافة، وبخاصة ميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق الامم المتحدة.
2 ـ نعلن للعالم أجمع زيف وبطلان الادعاءات والمزاعم كافة، التي ساقها نظام الحكم العراقي تبريرا لجريمة غزوه واحتلاله دولة الكويت المستقلة، مؤكدين رفضنا القاطع لهذه الادعاءات والمزاعم التي تخالف الحقيقة والواقع، ويكذبها التاريخ.
ـ نعلن للعالم اجمع مقتنا وادانتنا لاعمال القتل والبطش والتعذيب والارهاب كافة، التي مارستها قوات النظام العراقي ضد المدنيين العزل الابرياء من المواطنين الكويتيين، ومواطني الدول الشقيقة والصديقة والتي شملت النساء والاطفال، وكذلك ما قامت به قوات الاحتلال العراقي من اعتداءات على بيوت الله، واعمال السرقة والسلب والنهب، التي امتدت حتى الى المستشفيات والمدارس، كما ندعو شعوب العالم اجمع الى ادانة وشجب هذه الممارسات غير الانسانية.
4 ـ نعلن للعالم أجمع تمسكنا بنظام الحكم الذي اختاره شعبنا منذ نشأته وارتضته اجياله المتعاقبة، ونجدد البيعة لاميرنا، مؤكدين وقوف الشعب الكويتي كله ـ رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، وأطفالا ـ صفا واحدا خلف قيادتنا الشرعية ممثلة في اميرنا الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، وولي عهده الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، حفظهما الله.
5 ـ نعاهد الله، ونعاهد انفسنا، ابناء شعبنا كافة، الصامدين في كويتنا الحبيبة، والمكافحين خارجها، على ان يكون التحرير غايتنا والعودة هدفنا، والامير قائدنا، والجهاد سبيلنا، والوحدة الوطنية سلاحنا، والموت في سبيل الله والوطن اسمى امانينا، حتى يتحقق لنا النصر بعون الله تعالى ونطهر وطننا من رجس الغزاة والمعتدين.
6 ـ نحيي صمود ابناء شعبنا في كويتنا الحبيبة، وكفاحهم البطولي ضد قوات الاحتلال الآثم، ومقاومتهم الباسلة التي نتابعها، ويتابعها العالم اجمع بالتقدير والاعزاز، ونشيد بتضحياتهم التي تنير لنا سبيل التحرير، ونؤكد لهم انهم ليسوا وحدهم في مجابهة عدوان الفئة العراقية الباغية، واننا جميعا نقف من ورائهم صفا واحدا، وتقف معنا جميع الشعوب المحبة للسلام الرافضة للعدوان، تؤيدنا وتساندنا، وتحشد قواتها لمؤازرتنا في كفاحنا من اجل تحرير وطننا، ودحر الغزاة وطرد المعتدين (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) صدق الله العظيم.
7 ـ ندعو كافة ابناء الشعب الكويتي، المتواجدين خارج وطننا الحبيب الى العمل كل في مجاله، ومن موقعه وبقدر استطاعته من أجل تحرير وطننا، وطرد الغزاة المعتدين من ديارنا.
8 ـ نعلن للعالم أجمع ان اهل الكويت كانوا منذ نشأتها، وسيـظلون ابدا، بعون الله، اسرة واحدة متحابة متعاونة متراحمة متكافلة في السراء والضراء، وانهم مهما تباينت اجتهاداتهم، وتفاوتت وجهات نظرهم، فانها لن تخرج بهم عن نطاق الاسرة الواحدة. حب الكويت يؤلف بين قلوبهم والولاء والاخلاص لها يوحد صفهم وكلمتهم.
9 ـ نعلن للعالم اجمع ان لا مساومة ولا تفاوت على سيادة الكويت واستقلالها وسلامة اراضيها، ونؤكد رفضنا القاطع لأي حل لا يحقق التنفيذ الكامل لقرارات مؤتمر القمة العربية الطارىء المنعقد في القاهرة في 10 اغسطس عام 1990م وقرارات مجلس الامن الدولي التي اعلنت ـ كلها ـ رفضها وادانتها للعدوان العراقي على دولة الكويت المستقلة، واصرارها على انسحاب القوات العراقية بغير شروط من جميع الاراضي الكويتية، واكدت دعمها لعودة السلطة الشرعية الكويتية.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:19 AM
10 ـ نناشد الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ولجنة الصليب الاحمر الدولية، ولجنة الهلال والصليب الاحمر الوطنية، والهيئات الانسانية العالمية كافة، ان تبذل قصارى جهدها للضغط على نظام الحكم العراقي لتخفيف الويلات، والمعاملة غير الانسانية التي يتعرض لها المواطنون الكويتيون، والمقيمون في بلدنا من رعايا الدول الاخرى على يد قوات الاحتلال العراقي، ونرجو هذه الهيئات ان تبذل ما في وسعها لايفاد مندوبين عنها لحماية المواطنين، والمقيمين في الكويت من بطش وارهاب وتنكيل قوات الاحتلال العراقي.
11 ـ نناشد مجلس الامن والمجتمع الدولي التحرك بالسرعة الممكنة من اجل وضع حد للاجراءات العراقية الهادفة الى ازالة الشخصية السياسية لدولة الكويت، وطمس معالمها التاريخية، وهويتها الوطنية والحضارية، وتغيير تركيبتها السكانية بتهجير اهلها بالقوة، وجلب مجموعات اجنبية لتحل محلهم وتسكن في بيوتهم وتستوطن ديارهم.
12 ـ ندعو مجلس الامن الدولي الى اتخاذ قرار يجيز للمجتمع الدولي استعمال القوة لتطبيق قرارات المجلس، بما يكفل انسحاب قوات الاحتلال العراقي من دولة الكويت، وتمكين السلطة الشرعية من العودة اليها، ونناشد ـ وعلى وجه الخصوص ـ خمس الدول ذات العضوية الدائمة في المجلس بما لها من تراث عريق ومبادىء تاريخية، وما تحمله من مسؤولية كبيرة في المجتمع الدولي، والعمل على تسهيل اتخاذ مثل هذا القرار.
13 ـ نعرب عن عميق شكرنا للدول كافة، والشعوب الشقيقة والصديقة التي وقفت الى جانب الكويت ضد عدوان النظام العراقي الغادر، ومساندتها قولا وعملا، مؤكدين ان الشعب الكويتي بأجياله المتعاقبة، سيظل يذكر بالتقدير والعرفان هذا الموقف الشجاع العادل.
14 ـ نعرب عن عميق شكرنا للمجتمع الدولي ممثلا في الامم المتحدة، وبخاصة الدول في مجلس الامن التي صوتت لما اتخذه من قرارات وتدابير اكدت رفض وادانة العدوان العراقي على دولة الكويت، واعلنت وجوب الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية من جميع الاراضي الكويتية، واكدت دعمها لعودة السلطة الشرعية لدولة الكويت، كما نشيد بالجهود المخلصة التي بذلها سكرتير عام الامم المتحدة، ومندوبو الدول الاعضاء في مجلس الامن من اجل ذلك.
15 ـ ندعو الدول العربية الشقيقة التي تخلفت ـ لسبب او لآخر، عن الوفاء لمبادئها والتزاماتها في رفض العدوان ونصرة الحق والعدل، ان تعيد النظر في موقفها على ضوء تعاليم الدين الاسلامي الحنيف، وتنضم الى الاجماع والاخلاق العربية، والقيم الانسانية، وتحكم ضمائرها، وتنضم الى الاجماع الدولي الذي يعمل لاحقاق الحق وازهاق الباطل ولا شك انها في النهاية ستجد ان الموقف المبدئي الشجاع العادل خير وأبقى.
16 ـ نؤكد ان موقف بعض القيادات الفلسطينية لن يؤثر على تضامننا الثابت مع الشعب الفلسطيني في كفاحه العادل من اجل تحرير وطنه، واسترجاع حقوقه المغتصبة، لثقتنا بان الشعب الفلسطيني، بكل تضحياته ومثله ومبادئه، لا يمكن ان يكون راضيا او مقتنعا بموقف هذه القيادات المنطلق من مصالحها الخاصة، والذي يسيء في الدرجة الاولى الى القضية الفلسطينية، ومصداقية النضال الفلسطيني، ومصالح الشعب الفلسطيني نفسه.
17 ـ نعرب عن عميق شكرنا وامتناننا للدول العربية الشقيقة والصديقة ـ قادة وحكومات وشعوبا ـ التي فتحت قلوبها واراضيها لاستضافة ورعاية المواطنين الكويتيين الذين كانوا متواجدين فيها وقت العدوان العراقي الغاشم، او الذين نزحوا اليها في اعقابه، ونحن اذ نحيي هذا الموقف الاخوي الكريم بكل ما يجسده من شهامة ومروءة عربية، نسأل الله ان يجزيهم عن الكويت واهلها خير الجزاء.
18 ـ نعرب عن عميق شكرنا وامتناننا للمملكة العربية السعودية الشقيقة ـ ملكا وحكومة وشعبا ـ لاستضافة مؤتمرنا، وتوفيرها الخدمات والتسهيلات اللازمة لانعقاد واداء اعماله، داعين الله ان يكون لقاؤنا على هذه الارض الطاهرة فاتحة خير لانطلاقة مباركة نحو وطننا، واسترجاع ارضنا المغتصبة.
19 ـ اننا رغم آلامنا وجراحنا، وما جرّه عدوان النظام العراقي الآثم من المصائب والويلات على شعبنا، لا نضمر للشعب العراقي شرا، ولا نحمل له حقدا، لاننا نعلم علم اليقين انه مغلوب على امره، ينتظر ساعة الخلاص من طاغية بغداد وزمرته الباغية، الذين يسومون الشعب العراقي سوء العذاب، والذين زجوا به في حرب طاحنة عميقة مع الشعب الايراني المسلم، حصدت ارواح مئات الالوف من ابنائه، واستنزفت موارده وثرواته الوطنية، وها هم اليوم يزجون بهذا الشعب المسكين في مجابهة خاسرة ضد العالم كله، لا يمكن ان يجني منها ـ الشعب العراقي ـ الا الدمار والهلاك، وفناء المزيد من ابنائه.
20 ـ نؤكد اننا بعد ان يتحقق لنا نصر الله على الفئة الباغية، وتحرر ارضنا من رجس احتلال النظام العراقي الآثم، سنقوم بعون الله وتوفيقه باعادة بناء كويتنا الحبيبة... كويت المستقبل... كويت الاسرة الواحدة... ارض المحبة والوفاق والسلام والامان... نبني صرحها على اسس راسخة من وحدتنا الوطنية، ونظامنا الشرعي الذي اخترناه وارتضيناه لحكمنا، معززين الشورى والديموقراطية والمشاركة الشعبية في ظل دستورنا الصادر عام 1962م، ملتزمين بمبادىء الحق والعدالة والحرية والتكافل والتراحم والتعاضد وسائر المبادىء التي نشأ عليها مجتمعنا، مؤكدين ان للمرأة الكويتية دورا ايجابيا واسهاما فعالا في كويت المستقبل التي سيتعاون جميع الكويتيين ـ رجال ونساء ـ في بنائها دولة اسلامية العقيدة، ملتزمة بقيم الاسلام ومبادئه واحكامه... عربية الانتماء بالتاريخ والمشاعر والمصالح العليا... انسانية النزعة، ترفض الظلم وتدينه، وتؤيد الحق وتنتصر له... شجرة طيبة مباركة اصلها ثابت وفرعها في السماء يستفيء بظلها اهلها، والوافدون اليها... منارة فكر وحضارة وعطاء تسهم بخيرها في تقدم ونماء وازدهار الاشقاء والاصدقاء وسائر الشعوب... مؤمنة بدورها الانساني والحضاري، وتواصلها الخير مع سائر الامم والشعوب بما فيه خير ورفاه البشرية جمعاء.
الله اكبر والمجد للكويت
والله على ما نقول شهيد،،،

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:19 AM
المرابطون في الكويت في رسالة مفعمة بالولاء والمحبة لسمو الأمير في 20 يناير 1991 خيّرنا إما أن نكون سيوفا بتارة أو أرواحاً منهزمة منهارة واخترنا الصمود ووقفة الكرامة
الحلقة التاسعة والعشرون


مواصلة الجهود في دعم الجبهة الوطنية

وهكذا، يمضي الشيخ جابر الاحمد في دعم الجبهة الوطنية، سواء أكان افرادها ممن تواجدوا ورابطوا على ارض الكويت المحتلة ام من الذين عاشوا في الشتات ضيوفاً على الدول الشقيقة والصديقة. وذلك من خلال ادوات وآليات متعددة تتمثل في تحفيز الهمم، ورفع الروح المعنوية، والتضحية والفداء من اجل التمسك بتراب الوطن والدفاع عنه، وحث المجتمع الدولي للتضامن مع شعب الكويت لاسترداد حقوقه المسلوبة بكل الوسائل المتاحة، وكذا اصدار مراسيم اميرية بقوانين تكفل حقوق الوطن والمواطنين، وتؤكد على سيادة الكويت واستقلالها.
بتاريخ 19 اكتوبر عام 1990 تلقى الشيخ جابر الاحمد برقية تأييد من المؤتمر الدولي العمالي للتضامن مع عمال وشعب الكويت، الذي انعقد بالقاهرة وحضره اكثر من 95 منظمة نقابية عمالية في العالم. وقد نددت البرقية بالعدوان العراقي، وطالبت بضرورة انسحابه الفوري وغير المشروط من دولة الكويت.
وفي التاريخ ذاته صدر في الطائف بالمملكة العربية السعودية مرسوم اميري باخضاع الاموال المملوكة للكويتيين، وغيرهم من المقيمين في دولة الكويت للملكية الحمائية. وقد اشتمل المرسوم على خمس مواد، منها: اخضاع الاموال المملوكة لمواطنين كويتيين او غيرهم ممن يكون موطنهم القانوني في الكويت، سواء وجدت هذه الاموال داخل الكويت ام خارجها للملكية الحمائية لدولة الكويت ممثلة في حكومتها الشرعية. هذا الاجراء الذي فرض بغرض الحفاظ على هذه الاموال لصالح اصحابها الشرعيين، حيث اعطت المادة الثانية من المرسوم الحكومة الشرعية الحق في اتخاذ الاجراءات كافة، القضائية والادارية والقانونية لحماية الاموال، كما اعطت للحكومة الكويتية حرية توقيع الحجز التحفظي والتنفيذي على الاموال المملوكة للحكومة العراقية الموجودة في الخارج.
وحددت المادة الثالثة الاموال الخاضعة للحماية، وهي الاموال: العقارية والمنقولة بما في ذلك النقود والعملات المختلفة والمعادن الثمينة والمجوهرات والاوراق المالية، كالاسهم والسندات، على ان تتخذ الحكومة الكويتية بعد عودة الاوضاع الطبيعية الى البلاد الاجراءات اللازمة لوقف العمل بهذا القانون، بعد استقرار الحقوق لاصحابها الشرعيين.
المرسوم:
بتاريخ 3 نوفمبر عام 1990 اكد الشيخ جابر الاحمد انه لا سبيل لانهاء الاحتلال واستتباب الامن في العالم الا بالتطبيق الكامل والحاسم لقرارات مجلس الامن الدولي، وقرارات القمة العربية، وقرارات وزراء خارجية الدول الاسلامية.
وقال في رسالة موجهة الى ابناء الكويت في الداخل والخارج ان شمس التحرير ستشرق على ارض الكويت الطاهرة، وان التضحيات الغالية التي قدمها ابناء الكويت وهم يواجهون جنود الباطل، ستشكل قاعدة صلبة وراسخة لانطلاقة الكويت المستقبلية، وفيمايلي نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم:
اخواني،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
بين فترة واخرى اجد نفسي بحاجة الى ان اتحدث اليكم حديث القلب للقلب. فنحن جميعاً منذ يوم الخميس الموافق الثاني من شهر اغسطس الماضي نعيش محنة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث.
والطامة الكبرى، ان النظام الذي ارتكب جريمته الشنعاء ضد الكويت وشعبها كان يدعو ويجاهر بشعار الامن القومي العربي وان العربي يجب ان لا يستخدم سلاحه ضد اخيه العربي.
اخواني،،،
لقد تأكد لي من خلال زياراتي للامم المتحدة ولبعض الدول الصديقة ان العالم اجمع يتابع عن كثب، ويتألم لممارسات قوات النظام العراقي الباغي التي لم تتورع عن ارتكاب افظع الجرائم الوحشية ضد ابناء الكويت العزل، والاعتداء على ابسط حقوق الانسان.
فقد سقط القناع الزائف الذي كان يرتديه المعتدي، ويخفي خلفه حقيقة اطماعه، وزادت عزلته الدولية، وبرزت للعالم اجمع ملامح وجهه الاجرامي.
واذا كان هذه النظام الآثم ما زال يختلق الاعذار، ويسوق الاسباب. الواهية لتبرير عدوانه الهمجي على دولة عربية مستقلة جارة له، فإن التاريخ يشهد بأن اسهام الكويت وشعبها في المجال العربي والاسلامي والدولي ممدود ولم يكن في يوم من الايام بالمقطوع ولا بالممنوع.
اخواني،،،
لقد اراد الحق ـ جل وعلا ـ ان يمتحننا جميعاً في هذه المحنة القاسية، ومن ثم فإن ايماننا وتسليمنا بقضاء الله وقدره يفرض علينا ان نصبر، وان نثق بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ناصرنا، وانه سيتم نوره ولو كره الكافرون.
قال تعالى: (ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) وقال تعالى: (انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب).

اخواني،،،
ان شمس التحرير ستشرق على ارض الكويت الطاهرة قريبا بإذن الله، وسيندحر الغزاة الظالمون، وسيردون على اعقابهم خائبين. (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق).
اخواني،،،
ان بناء الكويت الحرة يتطلب تضافر جهود جميع ابنائها، ولن ننسى الدور البطولي الذي قامت به النساء الكويتيات مع اخوانهم الكويتيين، واذا كانت مسؤوليتنا الان العمل على اعداد خطط اعادة اعمار الكويت، فإن الصامدين والمرابطين في ارض الوطن من ابناء الشعب الكويتي الابي يجب ان ننظر اليهم نظرة مميزة في البرامج المختلفة لانهم سطروا بصمودهم وتحملهم مختلف صنوف التعذيب من قوات الغدر والخيانة اروع صفحات البطولة والفداء، كما لن ننسى ما قام به بعض الوافدين الشرفاء بتعاونهم مع اخوانهم الكويتيين ضد الغزاة الطامعين.
اخواني،،،
ونحن في الوقت نقدر فيه الجهود التي بذلت لاحتواء الوضع المتفجر في اعقاب العدوان العراقي على دولة الكويت، فاننا نؤكد بأنه ليس هناك من سبيل لانهاء هذا الاحتلال واستتباب الامن في العالم الا بالتطبيق الكامل والحاسم لقرارات مجلس الامن الدولي، وقرارات القمة العربية وقرارات وزراء خارجية الدول الاسلامية في هذا الشأن. واننا نأمل ان تسخر جميع الدول المحبة للسلام جهودها. وتكثف تحركاتها لاستئصال نزعة الشر المتأصلة في النظام العراقي المعتدي، وارغامه على الانصياع للارادة الدولية ووضع حد لتجاوزاته على الشر عية الدولية.
اخواني،،،
اذا كانت معاناتنا اليوم كبيرة، وآمالنا عميقة، فانني واثق بأننا ـ بعون الله ـ ثم بتكاتفنا وتعاوننا سنبني كويت المستقبل التي ستكون اكثر رسوخاً وشموخاً، واعمق استقراراً وامناً.
فالتضحيات الغالية التي قدمها ابناء الكويت وهم يواجهون جنود الباطل، ستشكل قاعدة صلبة وراسخة لانطلاقة الكويت المستقبلية، فالمجد والخلود لشهداء الكويت الابرياء والعزة والمنعة والفخار للاسرى والجرحى.
اخواني،،،
ان الظرف عصيب ولا قبل لنا بمواجهته الا بتقوى الله والصبر على بلائه. واذا كنت احيي اخواننا الصامدين في ارض الوطن، فإنني ادعو المواطنين الكويتيين ممن فرضت عليهم ظروفهم مغادرة الكويت، او كانوا خارجها عند العدوان، ان يضعوا نصب اعينهم انهم سفراء لوطنهم.
بتاريخ 19 يناير عام 1991م وجه الشيخ جابر الاحمد بياناً لابناء الكويت هنأهم ببزوغ فجر نصرهم وعودتهم الى وطنهم بعد تحريره القريب من الغزو، مشدداً على ان من حق كل منهم الشعور بالفخر والاعتزاز على ما اظهروه من تضامن رائع خلال المحنة القاسية. مؤكداً ان الارادة الصلبة لابناء الكويت في الداخل قد هزمت الغزو قبل ان تهزمه القوة، وان الجهود الخيرة لابناء الكويت في الخارج كانت خير سند لتحقيق النصر والعودة. وفيما يلي نص البيان.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين المؤمنين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق) صدق الله العظيم.
إخواني وأخواتي ابناء الكويت الاوفياء
لقد لاحت مع الخيوط الاولى لفجر يوم الخميس الثاني من رجب بشائر النصر، وبدأ الحق يأخذ طريقه ليبدد الظلام ويدحر الطغيان. وقد تكللت بالنجاح جهود العالم اجمع في الوقوف امام شريعة الغاب التي ارادها رئيس النظام العراقي ان تسود، حيث تغلب نهج العدل وصوت القانون على من حاول التفرد والتمرد على ارادة المجتمع الدولي، وان الظامل مهما طال أمد ظلمه فان الله ـ سبحانه وتعالى ـ يمهل ولا يهمل.
إخواني وأخواتي أبناء الكويت الاوفياء،،
لقد لاحت مع الخيوط الاولى لفجر يوم الخميس الثاني من رجب بشائر النصر، وبدأ الحق يأخذ طريقه ليبدد الظلام ويدحر الطغيان. وقد تكللت بالنجاح جهود العالم اجمع في الوقوف امام شريعة الغاب التي ارادها رئيس النظام العراقي ان تسود، حيث تغلب نهج العدل وصوت القانون على من حاول التفرد والتمرد على ارادة المجتمع الدولي، وان الظالم مهما طال امد ظلمه فان الله ـ سبحانه وتعالى ـ يمهل ولا يهمل.
إخواني واخواتي في داخل الكويت،،
لقد كنا، وسنظل نعتز ونفتخر بكم لما عانيتم وتعانون من قتل وتعذيب واعتقال وتشريد من المحتل البغيض، ونحن جميعا نعيش معكم صباح مساء في محنتكم، ونشعر بما تشعرون. وبمشيئة الله فقد بدأت عملية التحرير لارضنا العزيزة من المعتدين الغاصبين، وسنلتقي قريبا ـ ان شاء الله ـ في وطننا العزيز ليلتم شمل الكويتيين في وطنهم الكويت.
ولقد كان ايماننا بالله ثم بكم كبيرا، وكنا نعتقد جازمين بان الارهاب المعتدي وبطشه لا يمكن ان يؤثر عليكم او يفت في عضدكم، وحدث ما توقعناه فقد زادتكم المحن تلاحما، والشدائد تكاتفا، واستطعتم بصمودكم وصبركم ان تهزموا العدو منذ بداية الغزو بالارادة الصلبة والعزيمة القوية.
لقد حاول العدو الباغي ان يراهن على وحدتكم ترغيبا وترهيبا ولكنه فوجىء بابناء الكويت ـ ابناء ذلك الرعيل الذي بنى اسوار الكويت بدمه وعرقه ـ يتحدون باصرار كل تلك المحاولات، ويتصدون لكل النزوات العدوانية، فهزم قبل ان تهزمه القوة. فهنيئا لكم هذا النصر، وهنيئا لكويتنا الحبيبة بهؤلاء الرجال والنساء الذين سيكتب التاريخ قصة كفاحهم باحرف من نور، وسيذكرها الابناء والاحفاد بكل عزة وفخار.

يا ابناء الكويت الاعزاء خارج الكويت،،

يا من ذقتم مرارة البعد والتشرد والاغتراب، وعرفتم بالتجربة القاسية كم هي الكويت عزيزة عليكم. هنيئا لكم جهودكم الخيرة التي بذلتموها ليل نهار من اجل العودة، وكنتم سندا لصمود اخوانكم في الداخل حتى يتحقق النصر بمشيئة الله سبحانه.
وانني ايها الاخوة والاخوات في الداخل والخارج لعلي ثقة ويقين بالله ـ سبحانه وتعالى ـ انكم ستكونون يدا واحدة متعاونين في السراء والضراء، متكاتفين لبناء الكويت من جديد. مستفيدين من الدروس والعبر التي مرت بنا ولو انها كانت قاسية علينا جميعا، عرفنا من خلالها الصديق من العدو، وعرفنا ان الاعتماد على الله سبحانه ثم على انفسنا هو السبيل الذي من خلاله يتم ترتيب لبنات البناء ودعائمه.

يا أبناء الكويت الاوفياء،
انني باسمكم جميعا اتوجه بكل التقدير والشكر والعرفان الى كل الدول الشقيقة والصديقة التي وقفت معنا في محنتنا والتي آثرت ان تضحي بابنائها وشبابها في سبيل نصرة الحق وابطال الظلم.
وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه، وهدانا بمنّه وكرمه سواء السبيل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بتاريخ 20 يناير عام 1991م استقبل الشيخ جابر الاحمد اعضاء اللجنة الاستشارية العليا للمؤتمر الشعبي بمناسبة انعقاد اجتماعهم في جدة كما تلقى رسالة جوابية باسم المرابطين داخل الكويت، اعربوا فيها عن تأثرهم بالكلمة التي وجهها الى ابناء الكويت في الداخل والخارج.
وقد بدأ المرابطون رسالتهم الى الشيخ جابر الاحمد بالقول: بقلوب ملؤها الايمان، وارواح سعت الى الشهادة في سبيل الله، وأجساد عشقت ثرى الكويت وعانقت ترابه، استمعنا نحن المرابطين في الداخل الى كلمتكم السامية وكلنا اعتزاز وفخر بثقتكم الغالية بابناء شعبكم الوفي، الذي كان خلقه وسلوكه ونمط حياته الوفاء والولاء والصدق والتضحية وحب الخير منذ ان وجد على هذه الارض.
لقد كنا يا صاحب السمو على موعد اختبار كبير في الثاني من اغسطس عندما ابتلانا الله بهذه المصيبة، وكنا امام امرين: فكان خيارنا الصمود والرباط في الحياة.. وقفة العز والشرف والكرامة.
وتمضي الرسالة فتقول: فنحن كما تفضلتم يا صاحب السمو، ابناء ذلك الرعيل الذي سطر مجدا وشهامة ورجولة، تعرفها مجاهل البحار وسواحل الامصار، ولقد كانت مراهنة الغازي على وحدتنا خاسرة كما تفضلتم.. فلقد ترعرعنا ومنذ نعومة اظفارنا على التآلف والتكافل، وكان ترابطنا سببا من اسباب نجاحنا، وكان الود والحب والتواصل مواريث نعتز بغرسها في نفوس اطفالنا، ونعاهدكم باننا لن نتخلى عنها اليوم فعند الشدائد تختبر الرجال. وان الشعوب لا تقاس باعدادها، وانما بايمانها وافعال رجالها. فالكويت الصغيرة بمساحتها، قوية وعظيمة بمواقفها.
واختتم المرابطون رسالتهم بالقول: يا صاحب السمو اننا في شوق الى لحظات اللقاء فلقد كانت تجربتنا ونحن داخل وطننا مؤلمة كما كانت تجربة اهلنا قاسية ـ هناك ـ خارج الكويت.
بتاريخ 11 فبراير عام 1991م أكد الشيخ جابر الاحمد ان اللقاء مع اهلنا في داخل الكويت المحررة الظافرة سيكون قريبا ان شاء الله.
وشدد في كلمة وجهها بمناسبة حلول الذكرى المباركة للاسراء والمعراج على ان الشعب الكويتي تمكن بتمسكه بتعاليم الدين الاسلامي الحنيف وتوجيهاته السامية ان يثبت للعالم انه شعب مؤمن، استطاع بجهوده المتواصلة ان يجمع العالم للوقوف صفا واحدا لمشاركته في تحرير وتطهير الكويت من دنس المعتدي الاّقثم الذي انتهك مبادىء الاسلام الواضحة والصريحة، والتي تحرم على المسلم قتل اخيه المسلم.
مؤكدا على طبيعة النظام العراقي الاجرامية. حين يشير: ومهما حاول التستر برداء الاسلام فالمسلمون يعرفون جيدا النظام العراقي وممارساته في قتل المسلمين، سواء أكانت مذابحه البشعة في مواطنيه الاكراد ام خلال حربه مع ايران المسلمة، وتشجيعه وتمويله للعمليات الارهابية في مختلف بقاع العالم. واخيرا، لا آخر، ما عمله في شعب الكويت من قتل وتعذيب..».
ووجه سموه رسائل الى البحرية والبرية كما وجه كلمة وللشعب الكويتي حثهم فيها على الصمود والمثابرة والتلاحم ووحدة الكلمة وترتب النصر باذن الله.
وقال سموه في كلمته لقد كشفت هذه المحنة عن المعدن الاصيل لشعب الكويت، فقد توحدتم في صلابة وتماسك كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا في مواجهة معتد اثيم استخدم ابشع ضروب التعذيب والتنكيل والقتل والنهب، دون ان تلين منكم قناة، فلم يجد العدو منفذا الى صفوفكم، فابطلتم بهذه الوقفة الصلبة دعاواه الكاذبة امام العالم، والتحمتم في اخوة وتكافل طوال المحنة، تتقاسمون القوت، وتتنافسون في تحمل المسؤوليات، وقاومتم حشوده وجحافله بايمانكم الراسخ، وبحبكم الكبير لوطنكم، وبكل ما تملكون من وسائل فبرزت كويت المحبة والسلام حقيقة تشهدها الدنيا في مواجهة العدوان، واضطر الكثيرون منكم الى الخروج من وطنهم تحت طائلة البطش والارهاب، ففتح لكم الاخوة الاشقاء قلوبهم وديارهم لاستضافتكم وسارعوا يقدمون في كرم كل عون ممكن ينفح عنكم جراح الغربة، ومعاناة المحنة، وجمع الله القلوب حول قضيتنا العادلة، فوقف العالم لأول مرة وحدة ترفض ان يفيد الباغي من عدوانه، وصمم على انسحابه غير المشروط، وتطبيق قرارات مجلس الامن كاملة، وقدم الاخوة والاصدقاء ابناءهم وحشدوا تحت مظلة القوات المشتركة: العربية، والاسلامية والصديقة كل امكاناتهم يقاتلون عن هذا الحق في بسالة واصرار.
أيها الاخوة والاخوات،،
وفي انتظار لحظة العودة الى الوطن العزيز محررا مطهرا من الباغين، مصداقا لقوله تعالى: (ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون)، نقف ملحين في الدعاء ان يتغمد الرحمن شهداء قضية التحرير والحق والعدل بواسع رحمته، وتظل قلوبنا معلقة بابناء واخوة واصدقاء، متحملين مرارة الاسر ووحشية الطغاة، ونحمل في الصدور المحبة والتقدير للوقفة الصلبة لاخوة واصدقاء ناصروا قضيتنا وحملوا السلاح دفاعا عنها، وواجهوا المعتدي بحشوده، لم يرهبهم وعيد، ولم تغرهم وعود، ولم تجتذبهم مطامع، بل بذلوا في سخاء وصدق ارواحا غالية، وتحملوا تضحيات جسيمة حماية للقانون الدولي، ورفضوا ان ترتد البشرية مرة اخرى الى شريعة الغاب ومسلك العدوان فالى كل هؤلاء شكر الكويت واجيالها.
ومن أتون الحرب الملتهبة ووسط آلامها يرتفع اليوم صوت الكويت مؤكدا انها سوف تظل كما كانت دائما، عربية الوجه والقلب والوجهة، مهتدية بشريعة الرحمن، ساعية الى السلام والمحبة والتفاهم الدولي واحة أمن وأمان لا تحمل ضغينة لأحد.
ان اهل الكويت يدركون تماما ان ما حل بهم من غدر وخيانة وعدوان انما هو سلوك طغاة لا منهاج امم، وقرار افراد زين لهم الشيطان اعمالهم، لا ارادة شعوب عربية حرة مسلمة، ومع هذا نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهو نعم المولى ونعم النصير.
وللاخوة والاخوات من اهلنا الصابرين في الكويت اقول: باسمي واسم اخوانكم واخوتكم خارج وطننا العزيز، اننا ندعو الله جلت قدرته ان يعينكم ويهبكم القوة والصبر على البلاء.
ان قلوبنا جميعاً معكم، رافعين اكف الضراعة الى الله العلي القدير ان يساعدكم على ما تتحملون من اعباء الصبر، ويسبغ عليكم رحمته الواسعة وان فرج الله قريب، وما بعد عسر الا يسر ان شاء الله.

ايها الاخوة والأخوات،،،
اننا مقبلون على مرحلة جديدة حاسمة تتطلب منا الاجتماع على كلمة سواء، فلنتسلح لها بالايمان الصادق وما يتنزل معه الرحمن من الرعاية والعون، متخذين من توصيات المؤتمر الشعبي الكويتي المنعقد في اكتوبر من العام الماضي ميثاقاً وطنياً يحكم مسيرتنا القادمة باذن الله، فكويت الغد غير كويت الامس لاختلاف حجم ونوعية ما تواجه من مهام جسام، يتوقف تجاوزها على مدى اعتماد ابنائها على انفسهم، وتصدرهم الصفوف لتحمل الاعباء في عزم مصمم على الانجاز والاتقان.
ان مرحلة التعمير والبناء المقبلة لوطننا هي مرحلة العطاء بلا حدود، مرحلة تتشابك خلالها الايدي في تعاون، وتلتقي القلوب في وحدة وصمود، ويتضاعف العمل في تضحية ونكران للذات.
ولا يفوتني في ختام كلمتي هذه ان اقدم باسم الشعب الكويتي وباسمي جزيل الشكر والتقدير للقوات المسلحة المشتركة في مختلف فروعها، لما قامت وتقوم به في عمليات تحرير الكويت.
(واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) صدق الله العظيم.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:20 AM
قرارات الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي والجامعة العربية وعدم الانحياز أجمعت على استنكار العدوان العراقي الأمير: عزاؤنا في الغزو أن العالم كله لم ينس للكويت مواقفها ووقفاتها
الحلقة الثلاثون

لم تقتصر جهود الشيخ جابر الاحمد في دعم الجبهة الوطنية وتحفيز الشعب الكويتي على مواجهة العدوان والاحتلال العراقي، ومقاومته بكل الاشكال والصور، بل كانت له جهود حثيثة، وتحركات دؤوبة واسعة النطاق على الساحة العربية والاسلامية من اجل كسب المزيد من الدعم والمساندة للحق الكويتي، سواء من خلال اتصالاته المباشرة ام من خلال المبعوثين الذين كانوا يوفدون حاملين منه رسائل الى ملوك ورؤساء الدول العربية والاسلامية.
لقد كانت مواقف الحكومات العربية ـ في الاغلب ـ داعمة ومؤازرة لقضية الكويت وحقه في السيادة والتحرر، وبخاصة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي اجمعت على تحرير الكويت من براثن العدوان والاحتلال العراقي بأي ثمن.
اما على المستوى الاسلامي ومن خلال منظمة المؤتمر الاسلامي على وجه الخصوص، فقد وقفت الدول الاسلامية مواقف رائدة لا تزال الكويت ـ قيادة وحكومة وشعبا ـ تقدرها، وهي مواقف جاءت متناغمة مع اماني وتطلعات الشعب الكويتي وقيادته السياسية، ومع قرارات مجلس الامن الدولي، وقرارات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي اسهمت بشكل فاعل في توجيه الرأي العام العالمي نحو مأساة الكويت، ومحنتها في ظل الاحتلال، ودعوة المجتمع الدولي للاسراع في تحريرها.
لقد كانت قرارات منظمة المؤتمر الاسلامي واحدة من القرارات التي افقدت النظام العراقي الحاكم في بغداد صوابه، رغم محاولاته خداع العالم الاسلامي بارتدائه رداء الاسلام.
لم يكن هذا كله بالامر السهل، فإن ماضي الكويت وعلاقاته الطيبة بالمجتمع الدولي لم تكن وحدها كافية للحصول على مثل هذا الدعم والمساندة، لولا مكانة الشيخ جابر الاحمد والاحترام الذي كان يحظى به في اوساط رؤساء دول العالم وحكوماتها، وهذا ما لمسه الموفودون من قبله، حيث وجدوا آذاناً صاغية لشرح قضية الكويت، ودعماً لا حدود له من اجل تحريرها بكل الاشكال والصور.. وفيما يلي نماذج من تلك الجهود والتحركات على الساحة العربية والاسلامية:
توجه الشيخ جابر الاحمد بتاريخ 9 اغسطس عام 1990 الى القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربية الطارىء، حيث القى في اليوم التالي كلمة امام الجلسة المغلقة للمؤتمر، حمل فيها القادة العرب مسؤوليتهم التاريخية، ومسؤوليتهم امام ربهم وامتهم وشعوبهم وضمائرهم، وامام العالم اجمع، على وجوب العمل فوراً على انهاء الاحتلال العراقي لدولة الكويت وعودة نظامها الشرعي اليها، وازالة كامل ما ترتب على هذا العدوان الغاشم، وفيمايلي نص الكلمة.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين الذي لا يحمد على مكروه سواه، والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته،

فخامة رئيس المؤتمر،،
الاخ العزيز الرئيس محمد حسني مبارك، رئيس جمهورية مصر العربية،، الاخوة الاعزاء اصحاب الجلالة والفخامة والسمو،،،
احييكم اطيب تحية، وانقل لكم شكر وتقدير الشعب الكويتي لحرصكم على المشاركة في هذه القمة الطارئة بهدف اتخاذ الخطوات الكفيلة بانهاء الاحتلال العراقي لبلدي الكويت، وازالة كامل ما ترتب عليه من آثار، تمكيناً للسلطة الشرعية من ممارسة صلاحيتها. كما اسجل عظيم الشكر والتقدير لفخامة الاخ الرئيس محمد حسني مبارك، الذي لم ترض شهامته وعروبته ان تقف الامة العربية جامدة، في الوقت الذي استنهض العدوان العراقي الغاشم على الكويت همم وحمية دول العالم قاطبة، فتحركت على مختلف المستويات لادانة العدوان ومعاقبة المعتدي، واجباره على سحب قواته الغازية من اراضي الكويت.

ايها الاخوة،،،
انني على يقين من ان العدوان العراقي على بلدنا قد اثار في نفوسكم اعمق مشاعر الالم والاستنكار، وكان ـ وما زال ـ مصدر قلق ومعاناة لكم، وليس ادل على ذلك من استجابتكم الفورية للدعوة الكريمة التي وجهها فخامة الاخ الرئيس محمد حسني مبارك لاستضافة هذا المؤتمر على ارض الكنانة.. ارض العروبة، وبلد المبادىء الثابتة، والدور القيادي الرائد في العمل الصادق لخير الامة العربية وعزتها وكرامتها.

أيها الاخوة،،،
لا أود ان اطيل عليكم بسرد ما جرى قبل العدوان العراقي على بلدي الكويت.. هذا العدوان الذي لم نكن نتصور ـ ابداً ـ ان يقوم به بلد عربي شقيق على جاره البلد العربي الذي شد أزره ووقف الى جانبه في محنته، ولم نتخيل مطلقاً ان ما ادعاه العراق من خلافات حول اسعار النفط، او نزاعات على الحدود، او خلافات في وجهات النظر حول امور اخرى، يمكن ان يتخذه مبرراً لاحتلال الكويت التي عملت دائماً من اجل امن المنطقة واستقرارها، وضحت بالغالي والنفيس في الدفاع عن قضايا امتها العربية والاسلامية، ولم تتوان ابداً في مساعدة الاشقاء والاصدقاء.

أيها الاخوة،،،
ان الكويت لم يصدر عنها اي قول، او فعل يمكن ان يشكل استفزازاً للعراق، او مبرراً للهجوم العراقي عليها، واحتلال كامل اراضيها، بل ان الكويت قد رحبت منذ بداية بالمساعي الحميدة التي قام بها الاخوة القادة العرب وتجاوبت معها. كما استجابت لمساعي الوساطة التي تبلورت في المبادرة المشتركة للاخوين الكريمين: خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وفخامة الرئيس محمد حسني مبارك.
ولقد شاركت الكويت بروح ايجابية في اجتماع جدة الذي عقد في نهاية شهر يوليو الماضي برعاية المملكة العربية السعودية الشقيقة، واعلنت الكويت استعدادها لمتابعة الاتصالات والمباحثات مع العراق لحل المشكلة، رغم تصلب الجانب العراقي ومحاولته فرض شروط وطلبات نهائية.
ولقد فوجئت الكويت. كما فوجىء العالم اجمع، وبعد ساعات قليلة من عودة الوفد الكويتي المفاوض في جدة بالغزو العراقي الشامل للكويت براً وبحراً وجواً. حيث زحفت الى بلادنا مئات الدبابات، واجتاحتها عشرات الالوف من الجنود، وعصفت بأجوائها المسالمة مئات الطائرات المقاتلة تنشر الرعب والدمار، حصل كل ذلك رغم الوعود والتأكيدات التي اعطاها الرئيس العراقي للعديد من قادة الدول العربية والاجنبية بعدم استعمال القوة ضد الكويت من اجل حل المشكلة.
وقد اشار فخامة الرئيس محمد حسني مبارك في خطابه التاريخي امس الاول الى تلك الوعود والتأكيدات، التي لم تكن سوى ستار اخفى النظام العراقي خلفه مخططاته لغزو الكويت، واحتلال اراضيها.
ولقد اتضح جلياً لنا وللعالم اجمع ان الهدف الاساسي من العدوان العراقي على بلادنا لم يكن حل نزاع على الحدود، ولا تسوية خلاف على اسعار النفط، وانما كان خطة مبيتة لغزو الكويت واحتلال كامل اراضيها، واسقاط النظام الشرعي فيها تمهيداً لضمها الى العراق، وهو ما اعلنه العراق بالفعل يوم امس الاول، مما يدل دلالة قاطعة على ان لدى العراق نزعة توسعية سوف تتجاوز بالتأكيد حدود الكويت الى دول عربية اخرى. ولقد تمثل ذلك ايضا في الاسلوب غير الانساني الذي اتبعته القوات الغازية في ارهاب المواطنين والبطش بهم، ولجوئها الى السلب والنهب والاعتداء على حرمة المساكن واعراض الناس، كما جلب النظام العراقي الى بلادنا مئات من المرتزقة، ليس بهدف الغزو فحسب، وانما من اجل الاحتلال والاستيطان في بلادنا، انتشر افرادها في الشوارع والطرقات يوسعون النساء ضرباً واذلالاً، لا يراعون حرمة للنساء، ولا كرامة للمسنين من الرجال، ولا ضعفاً للاطفال والصغار.

أيها الأخوة،،
إن الغزو العراقي لبلادنا عدوان سافر لا مبرر له، وانتهاك صارخ للمبادىء والمواثيق العربية والدولية كافة، وهو فوق ذلك وصمة خزي وعار في تاريخ الامة العربية، ولا شك انكم ـ ايها الاخوة ـ تشاركونني مشاعر الالم والاسى التي تعتصر قلبي، لان هذا العدوان الغاشم قد قام به أخ عربي وجار قريب ساعدناه في ضيقه، وايدناه في محنته، وتحملنا من جراء ذلك الكثير من الاخطار واعمال التخريب لمنشآتنا ومرافقنا الحيوية، فلم نتراجع عن مساعدته، ولم نتردد في دعمه وتأييده، واعتبرنا ذلك واجب الاخوة والعروبة وحق الجوار، فلما زال عنه الخطر كافأنا على حسن صنيعنا بارسال جيوشه لغزو بلادنا واحتلال اراضينا.
فهل هذه هي الاخوة؟ وهل هذه هي العروبة؟ وهل هذا هو الجوار؟
ان العدوان العراقي على بلادنا حط بالسلوك البشري الى الدرك الاسفل من شريعة الغاب، وهو تجسيد لما تروجه وسائل الاعلام المعادية عن صورة العربي القبيح الذي لا يراعي عهدا ولا ذمة، يغدر بالاخ والصديق ولا يحترم المواثيق تسكنه نوازع الشر والجشع، ويستأثر على الضعيف والصغير.
ان العدوان العراقي على بلدنا الكويت يشكل سابقة بالغة الخطورة، ليس على المنطقة فحسب بل على العالم بأسره. ولقد وضع هذا العدوان الامة العربية على عتبة مصير قاتم، ان سمح له بالاستمرار والافلات من العقاب.
ويجب على العالم بأسره ان لا يسمح ابدا بغزو البلدان واحتلال الدول واخضاع الشعوب للنزعات التوسعية واحلام العظمة وبناء الامبراطوريات في عهد يشهد العالم فيه توجها صادقا نحو السلام والوفاق والتعايش السلمي بين الشعوب ونبذ اساليب العنف والقتل والدمار باشكالها كافة.

أيها الاخوة الافاضل،،
ان الموقف كما اوضحه الاخ فخامة الرئيس محمد حسني مبارك، خطير ومتفجر ولا يحتمل تسويفا او تأخيرا، وان خسارة امتنا ستكون جسيمة، فهل نستطيع ان نكون على مستوى مسؤولية حماية امن اوطاننا وامتنا؟ ارجو ان نكون كذلك. وارجو ان يتحقق ذلك دون تهاون او تأخير. ولسوف يؤيدنا الله بنصره، ونسترجع وطننا وحقوقنا بعون الله الذي يحق الحق، ويزهق الباطل، ان الباطل كان زهوقا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في 14 اغسطس عام 1990م اوفد الشيخ جابر الاحمد وزير الداخلية الكويتي الشيخ سالم صباح السالم الصباح الى دولة الامارات العربية المتحدة، حاملا رسالة الى رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تتصل بالاجتياح العراقي لدولة الكويت.
بتاريخ 27 اغسطس عام 1990م استقبل الشيخ جابر الاحمد رئيس الدورة الخامسة لمنظمة المؤتمر الاسلامي امين عام المنظمة السيد حامد الغابد، وقد تناول اللقاء استعراض الاوضاع الراهنة في المنطقة وفي العالم الاسلامي بعد العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت، وموقف الدول الاسلامية الرافضة لهذا الاحتلال، كما استهدف اللقاء في الوقت ذاته وضع التصور النهائي لتحرك الدول الاسلامية، خصوصا بعد التعنت العراقي، ورفضه لكل القرارات العربية والاسلامية والدولية، ولكل المبادرات السلمية المعلنة.
وفي التاريخ ذاته قام وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية محمد ناصر الحمضان بتسليم رسالة خطية من الشيخ جابر الاحمد الى الرئيس الصومالي محمد سياد بري، استعرض فيها تطورات الوضع في الخليج بعد الاحتلال العراقي لدولة الكويت.
بتاريخ 8 سبتمبر عام 1990م ارسل الشيخ جابر الاحمد الى السيد مشتاق احمد الجيلاني سكرتير الجماعة الاسلامية للشؤون الخارجية في جامو وكشمير ردا على رسالته حيث شكر الجماعة الاسلامية هناك على موقفها في دعم قضية الكويت، وكانت الجماعة الاسلامية قد ابرقت اليه بالاتي:

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:21 AM
حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد الصباح.
أمير دولة الكويت حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد:
ان الجماعة الاسلامية في جامو وكشمير نيابة عن الشعب الكشميري المسلم، وجبهة تحرير كشمير الاسلامية لتعبّر لكم عن المها الشديد للاجتياح العراقي الآثم للكويت، وتشجب بكل قوة وعزم تلك الهجمة الشرسة على بلدكم المعطاء، وتشجب بقوة كل ما سببته تلك الهجمة من غدر وترويع للمسلمين الامنين وسفك لدماء الابرياء، واغتصاب للاموال والحقوق، وهتك للاعراض والاعراف الاسلامية والانسانية والدولية.
وانني بصفتي سكرتير الجماعة الاسلامية للشؤون الخارجية، كنت زائرا للكويت اثناء الاجتياح الآثم وقد تمكنت بفضل الله من الخروج بصعوبة بالغة عبر الاراضي العراقية الاردنية ووصلت الى الرياض بتار يخ 5/12/1411هـ.
كما انني وجهت خطابا لجميع المراكز الاسلامية في العالم، يعبر عن رأي الجماعة الاسلامية بجامو وكشمير حول الاجتياح العراقي للكويت، وحول ما شاهدته اثناء تواجدي في الكويت. وان الجماعة الاسلامية بجامو وكشمير تؤكد وقوفها بجانب الكويت وشعبه المسلم ضد الاعتداء الشنيع، وضد كل ظالم، وتقديمها كل ما تستطيع من دعم مادي ومعنوي، متضرعة الى المولى ـ عز وجل ـ ان يكشف عن الامة الاسلامية البلاء، وان يلهمها رشدها ويهيىء لها اسباب الامن والقوة، لتستعيد عزها ومجدها ويستعيد الكويت حريته وحقوقه وعطاءه لجميع قضايا المسلمين الحية، انه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بتاريخ 10 سبتمبر عام 1990م وجه الشيخ جابر الاجمد برقية الى المؤتمر الاسلامي العالمي المنعقد في مكة المكرمة لبحث الاوضاع في الخليج، ذكر فيها: ان ما اقدم عليه العراق هو سطو همجي مسلح على الكويت، ولم يكن بأي حال من الاحوال نزاعا على جزء من الارض. وان هذا العدوان الغاشم شرد مئات الالوف من ابناء الكويت اضافة الى تشريد ابناء الدول العربية والاسلامية. وفيما يلي نص البرقية:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى الى يوم الدين.
ايها الاخوة العلماء،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
قال الله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء الى امر الله فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين) صدق الله العظيم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. التقوى ها هنا. بحسب امرىء من الشر ان يحقر اخاه المسلم».
هذه هي مبادىء الاسلام التي اتخذها شرعة ومنهاجا، وسرنا في هديها، مستنيرين بضيائها، وداعين اليها في كل مناسبة يثور فيها خلاف بين المسلمين.
وانكم تعلمون ـ ولا شك ـ ما تعرضت له دولة الكويت من عدوان سافر وغادر من دولة جارة ومسلمة، هي العراق.. لم ترع حق الجوار ولا حرمة الاسلام في الشهر الحرام. ففي الحادي عشر من محرم اجتاحت القوات العراقية في نحو مائة الف جندي دولة الكويت في هدأة الليل.
واستباحت تلك القوات الاعراض والاموال والدماء.. واتخذت من المساجد والمدارس ومؤسسات الدولة المختلفة ثكنات عسكرية تنشر منها الدمار وتروّع الامنين، فنهبت البنوك والمتاجر والمساكن، وسرقت دار الاثار الاسلامية التي تعتز بها الكويت، وتفاخر بها، وهدمت العديد من المنشآت المدنية او احرقتها.
ونتيجة لذلك، فقد تشرد مئات الالاف من ابناء الكويت، وابناء الدول العربية والاسلامية الاخرى، وسلبت مدخراتهم، وسقط المئات منهم غدرا برصاص الجنود العراقيين.
لقد تحولت ـ ايها الاخوة ـ الكثير من المؤسسات التي كانت تنشر الخير والعدل والسلام في دولة الكويت، الى معتقلات يتلقى فيها ابناؤنا ـ هناك ـ اصناف التعذيب والاذلال. ويردنا كل يوم خبر عن مذبحة جديدة لمواطنين آمنين يقتلون ويمثل بهم في قسوة ووحشية لا يقرها شرع ولا ترضاها ملة، ولا ذنب لهم الا انهم يقولون (ربنا الله).. (ان الله يدافع عن الذين آمنوا. ان الله لا يحب كل خوان كفور. اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير).
ان اما حدث ايها الاخوة، هو سطو مسلح على دولة الكويت، ولم يكن باي حال من الاحوال نزاعا بين دولتين على جزء من الارض.
اخواني علماء الامة الاسلامية،،
لقد كان هذا قدر الكويت التي كانت تتطلع دائما الى التعاون البناء مع الدول الاسلامية فهي الدول من طالب بانشاء محكمة العدل الاسلامية لحل النزاعات التي تنشأ بين الدول الاسلامية، وكان لها الفضل في حل كثير من الخلافات بين الدول العربية والاسلامية، انطلاقا من ايمانها الراسخ بضرورة تسوية المنازعات بين الدول الاسلامية بالوسائل السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لاي دولة، وهو ما نصت عليه رسالة الاسلام، ومبادىء ميثاق منظمة المؤتمر الاسلامي.
وان ما يعزى النفس ان العالم كله لم ينس للكويت مواقفها، فالقرارات الصادرة عن أجهزة منظمة الامم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وجامعة الدول العربية، ودول عدم الانحياز، كلها قد أجمعت على الاستنكار الكامل للعدوان، والمطالبة بالانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية، وعودة الحكومة الشرعية الى الكويت. ومع ذلك كله فان حكومة العراق لم تفىء الى امر الله وظلت حتى الان سائرة في غيها، وغير عابئة بنداء العالم قاطبة، بل يحاول العراق صرف الانظار عن الآثار الناجمة عن احتلال الكويت بإثارة مشكلات جانبية، ومبادرات لا تعبر الا عن عنف النظام في العراق وتعنته. وهو بذلك يجر هذه المنطقة من بلاد الاسلام الى حرب تأكل الاخضر واليابس، وسيكون شعب العراق المسلم اول الخاسرين فيها.

أيها الأخوة الأجلاء،،
ان من ركائز الايمان الوقوف مع الحق، ودفع الظلم، وردع الفئة الباغية قولا وعملا، والدعوة الى حكم الله في الطائفة التي تبغي احداهما على الاخرى.
قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعملوا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون، واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا ان الله شديد العقاب). صدق الله العظيم.
بتاريخ 13 سبتمبر عام 1990م تسلم الشيخ جابر الاحمد رسائل من رئيس جمهورية القمر سعيد محمد جوهر، ورئيس غينيا لا نسانا كونتي، ورئيس جمهورية الغابون عمر بونغو، وقد سلم هذه الرسائل في الطائف كل من وزير الشؤون الخارجية والتعاون في جزر القمر الدكتور منارا معيشا ووزير المواصلات الغيني فاسيني تودي، وممثل الرئيس الغابوني مارتانا بونكو... هذه الرسائل جميعها ادانت العدوان والاحتلال العراقي، وشجبت ممارسات سلطات الاحتلال غير الانسانية على ارض الكويت، معبرة عن دعمها المطلق للخطوات والاجراءات كافة، التي اتخذت لتحرير الكويت.
وفي 14 سبتمبر عام 1990م قام الرئيس حسين محمد ارشاد رئيس جمهورية بنغلاديش، بزيارة للشيخ جابر الاحمد في مقره بالطائف، يرافقه وزير الخارجية وسفير بنغلاديش لدى المملكة العربية السعودية الشقيقة، حيث عقد اجتماع مطول بين الطرفين، دار البحث خلاله حول تطورات الاوضاع بمنطقة الخليج العربي نتيجة العدوان العراقي على دولة الكويت، والعلاقات الثنائية بين البلدين المسلمين والشعبين الصديقين.
وفي 15 سبتمبر عام 1990 تسلم الشيخ جابر الاحمد رسالة من الرئيس التونسي زين العبادين بن علي، حملها اليه السيد احمد خالد وزير الثقافة والاعلام التونسي، تتعلق بموقف تونس من العدوان العراقي على دولة الكويت.
بتاريخ 24 سبتمبر عام 19990 وفي اتصال هاتفي مع امير دولة البحرين، استعرض الشيخ جابر الاحمد آخر التطورات لازمة الخليج، سعياً وراء التنسيق مع قادة دول مجلس التعاون قبل بدء بحث الجمعية العامة للامم المتحدة في الازمة.
واكد امير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في حديثه الهاتفي ان تحرك بلاده مع دول مجلس التعاون بخط ثابت لا يقبل المساومة، ويتفق والاجماع الدولي في العمل على تحقيق الانسحاب العراقي الكامل من اراضي الكويت، وعودة الشرعية ممثلة في اميرها الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح.
بتاريخ 25 سبتمبر عام 19990 جرى اتصال هاتفي بين الشيخ جابر الاحمد ورئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تم خلاله تبادل الرأي حول تطورات الموقف في منطقة الخليج في ضوء استمرار الاحتلال العراقي لدولة الكويت. وقد جدد رئيس دولة الامارات وقوف بلاده وتضامنها مع حكومة وشعب الكويت، وضرورة الانسحاب الكامل غير المشروط، وعدم الاعتراف بضم الكويت، والتمسك بعودة السلطة الشرعية بقيادة امير الكويت الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:21 AM
أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي في تقديمه لسمو الأمير لإلقاء كلمة أمام مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي جابـر الأحمـد القائـد المتبصـر لشعـب لـم يتراجــع عــن البــذل
والعطاء ولبلد اشتهر بحب الإسلام ودعم جهود التنمية الدولية
الحلقة الواحد والثلاثون

جهود الأمير على الساحتين العربية والإسلامية

نواصل في هذا الجزء الحديث عن جهود الامير الشيخ جابر الاحمد امير البلاد المفدى من اجل حشد التأييد الدولي لقضايا الكويت العادلة ففي 11 اكتوبر عام 1990 تحدث الشيخ جابر الاحمد امام مؤتمر وزراء الخارجية لمنظمة المؤتمر الاسلامي الذي تتولى الكويت رئاسته في دورته الخامسة. وقد استقبله الوزراء والوفود المشاركة في تظاهرة استثنائية، سادتها اجواء من الترحيب والتأييد لم يعرف مثلها لقاء من لقاءات المنظمة منذ تأسيسها، وقد اثار هذا المشهد شجون احد الوزراء المشاركين، ليقول: «بعد هذا المؤتمر، سيعرف العالم كله براءة الاسلام والمسلمين من «صدام حسين»، ومن النظام العراقي» وما ان انهى كلمته حتى تبعتها عاصفة مدوية من التصفيق.
وكان الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي قد قدم الشيخ جابر الاحمد بكلمة ترحيب اشاد فيها بالمنجزات التي تحققت على يده للمسلمين، ووصفه بأنه: (القائد المتبصر لشعب لم يتراجع عن استعداده للبذل والعطاء، ولبلد اشتهر بحبه للاسلام، وباستجابته لمتطلبات التعاون الدولية)، وفيمايلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين.

اخواني،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
انه لمن حسن الطالع ان يصادف اجتماعنا هذا ذكرى مولد سيد البشرية، «نبينا محمد» ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويسرني ان اغتنم هذه الفرصة لاهنئكم والمسلمين كافة في ارجاء الارض بهذه المناسبة السعيدة.

أيها الاخوة،،،
لقد مضى على اجتماعي بكم في هذا المكان نحو عامين، حيث ناقشنا العديد من قضايا العالم الاسلامي، وكان الحدث المهم في ذلك الوقت هو وقف الحرب العراقية الايرانية التي استنزفت دماء المسلمين وارواحهم واموالهم. واكدت في وقتها ان ذلك كان من ثمار التعاون بين المنظمات العالمية والاقليمية، وان تلك الثمار تحتاج الى صبر ورعاية حتى يستقر في الاذهان نداء السلام على اساس من العدل وحسن الجوار. وقد انطلقت من واجبي كرئيس للدورة الخامسة لمنظمة المؤتمر الاسلامي في الدعوة الى السلام والى تخفيف حدة التوتر بين الدول الاسلامية. وكانت الكويت اول من دعا الى انشاء محكمة عدل اسلامية للفصل في النزاعات التي تنشأ بين الدول الاسلامية.
وقد كانت آمالنا كبيرة ومشجعة في هذا السبيل، وفي ظل الوفاق الدولي الذي تشهده آفاق التسعينيات من هذا القرن. غير ان تلك الامال اغتالتها على حين غرة نوازع الشر المتأصلة في النظام العراقي، حينما داهمت قواته الكويت الآمنة المطمئنة فجر الحادي عشر من محرم، وهو من الاشهر الحرم التي يحرم فيها القتال، الموافق الثاني من اغسطس من هذا العام، بدعوة مساندة ثورة مزعومة في الداخل. وقد سقط ذلك البهتان حينما لم يجد النظام العراقي كويتيا يقبل التعاون معه، مما جعله يعود عن هذه الاكذوبة الى فرية اخرى ضم بموجبها الكويت الى العراق بناء على حقوق تاريخية مزعومة، لو اتخذت ـ على فرض صحتها ـ مقياساً لاختل البناء الدولي، وتغيرت خريطته السياسية، ولكان العراق اول ضحاياه.

أيها الاخوة،،،
ان النظام العراقي الذي يتشدق اليوم بحمل راية الاسلام والجهاد في سبيله هو ابعد الناس عن ذلك، اذ لم يستمع الى تلك النداءات التي تطالبه بحقن الدماء، والعودة الى الحق، مخالفاً لدعوة الله سبحانه وتعالى: (انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا، واولئك هم المفلحون). ومخالفاً لحديث رسولنا الكريم: المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله.. كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه»، فلقد خان النظام العراقي، وكذب، واستحل العرض والمال والدم، فأين الاسلام في هذا كله؟

أيها الاخوة،،
لقد وقفت الدول الاسلامية وقفة حق تستحق الشكر والتقدير، ويتمثل ذلك في بيان الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، الذي اكد فيه ما ورد في ميثاق المؤتمر الاسلامي من الالتزام بامتناع الدول الاعضاء في علاقاتها عن استخدام القوة، او التهديد باستعمالها ضد وحدة وسلامة الاراضي، او الاستغلال السياسي لأي دولة عضو. كما ادان المؤتمر التاسع عشر لوزراء خارجية الدول الاسلامية في القاهرة العدوان العراقي على الكويت، واكد رفض أية آثار مترتبة عليه، مع عدم الاعتراف بتبعاته، وطالب بالانسحاب الفوري للقوات العراقية من كامل الاراضي الكويتية حتى تتمكن السلطة الشرعية من ممارسة اختصاصاتها ومهامها، كما كانت قبل الغزو. كما اصدر علماء المسلمين «بيان مكة» الذي اكدوا فيه شجبهم واستنكارهم للعدوان العراقي الآثم على دولة الكويت، ومطالبة المعتدي بالانسحاب التام، وعودة الشرعية الى البلاد.

أيها الاخوة،،،
لقد وقف العالم اجمع معنا في ظاهرة لم تتكرر في تاريخ الدول. هو تصديق لعدالة قضيتنا وحقنا في ارضنا المغتصبة، ولن نقبل كما ان العالم لن يقبل اقل من تنفيذ قرارات مجلس الامن المتمثلة في الانسحاب التام للقوات العراقية وعودة الشرعية الى البلاد. ورغم نداءات السلام المتكررة، فإن النظام العراقي مستمر في غيه، سائر في تنفيذ مخططه الاجرامي في الكويت، مصمم على استدراج المنطقة الى حرب سيكون العراق اول خاسر فيها.
وبعون الله، ثم في مناصرتكم ومناصرة دول العالم الشقيقة والصديقة سيتحقق لنا النصر باذنه تعالى، اما الفئة الباغية في العراق، ففيهم يقول الحق تبارك وتعالى: (وما كان لهم من اولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل).
ان انظارنا، وانظار الامة الاسلامية، تتطلع الى الاجتماع القادم لقادة الدول الاسلامية، المقرر عقده في السنغال في شهر يناير القادم. ونتضرع الى الله تعالى ان يكون معنا هادياً ومرشداً ومعيناً في حل مشاكل امتنا، والانتصار على المصاعب التي تواجهها، وان تتغلب روح الاخاء الاسلامي، ومفهوم العدل المنطلق من الحق على مفهوم القوة وروح الشر.
وفقنا الله جميعاً لما فيه خير البلاد والعباد، وجمعنا على الحق والهمنا سبل الرشاد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بتاريخ 21 اكتوبر عام 1990 بعث الشيخ جابر الاحمد برسالة الى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر احمد العماوي بمناسبة اختتام اعمال المؤتمر العمالي الدولي للتضامن مع شعب وعمال دولة الكويت الذي عقد في القاهرة. وقد ضمنها شكر الكويت وتقديرها للقرارات الصادرة عن المؤتمر، والتي نددت بالعدوان العراقي، وطالبت بالانسحاب الفوري غير المشروط من الاراضي الكويتية المحتلة، وعودة الشرعية الكويتية لممارسة مهامها، وادارة شؤون البلاد وسيادتها.
وقال في سياق هذه الرسالة: «.... ارجو ان تنقلوا للاخوة المشاركين في المؤتمر شكر وتقدير شعب الكويت، وشكري وتقديري على وقفة المؤتمر مع الحق، داعين المولى القدير ان يحق الحق ويزهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً...».
بتاريخ 16 نوفمبر عام 1990 اكد الشيخ جابر الاحمد ان الجيش العراقي لم يوجه ضربته الى شعب الكويت فقط بل الى الشعب الفلسطيني ايضاً. وقال في رسالة جوابية وجهها نيابة عنه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد الى رئيس الجبهة الاسلامية في الجزائر «عباس مدني» بتاريخ 17 نوفمبر عام 1990م: «... منذ ان اقتحمت القوات العراقية الكويت توارت القضية الفلسطينية، واسدل ستار كثيف على ممارسات الاسرائيليين ضد السكان العرب والمسلمين..».
واضافت الرسالة: «... اننا في الوقت نفسه الذي نشاطركم فيه المشاعر نحو الشعب الفلسطيني، نريد منكم ان تلتفتوا الى ما يعانيه اخوتكم في الكويت على يد النظام العراقي الآثم..»

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:22 AM
وفيمايلي نص الرسالة:
الاخ المحترم عباس مدني،
رئيس الجبهة الاسلامية للانقاذ ـ الجزائر،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

اشارة الى خطابكم الموجه الى حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، والمؤرخ في الاول من ربيع الثاني 1411هـ الموافق 20 اكتوبر 1990م، فقد امر ـ سموه ـ بتوجيه هذا الخطاب لكم شعوراً منه بالمسؤولية المشتركة تجاه القضية الفلسطينية، ولتوضيح بعض الحقائق التي سيكون لمعرفتكم بها ابلغ الاثر في تصور مدى ما تعرضت له الكويت وشعبها من كارثة فادحة وظلم عظيم.
اولاً: لقد كان للكويت دور كبير في دعم القضية الفلسطينية، فقد انبثقت حركتها من الكويت منذ البداية، وانطلق من ارض الكويت وبدعم منها عشرات القادة الفلسطينيين، منهم ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية الذي اشاد مراراً الى دور الكويت البارز في مساندة الثورة الفلسطينية، ودعم صمود شعبها، وقد قامت الكويت بذلك انطلاقاً من شعورها بواجبها العربي والاسلامي في مساندة حركات التحرير العربية. ولعلكم تتذكرون موقف الكويت الواضح والعملي على الصعيد الرسمي والشعبي من اخواننا المجاهدين في الجزائر اثناء حرب التحرير المجيدة.
ثانياً: استضافت الكويت رغم صغر مساحتها مئات الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني الذين يمثلون اكبر جالية في دولة الكويت، وقد كان هؤلاء يقومون بمساندة اخوانهم في الاراضي العربية المحتلة ويدعمون صمودهم امام الاحتلال، وتتعاون معهم دولة الكويت وشعبها في تمويل الكثير من المدارس والجامعات والهيئات الخيرية في الاراضي المحتلة، ويشكل ذلك الدعم المستمر مصدر قلق وازعاج للعدو الاسرائيلي الذي كان يبحث على الدوام عن وسائل لايقاف ذلك الدعم بشتى الطرق. وقد تحقق لاسرائيل هذا الامر وبشكل كامل مكنها من احكام قبضتها على الانتفاضة الفلسطينية حينما غزا النظام العراقي الكويت، فتوقف المدد عن الانتفاضة، واصبح الكثير من الاخوة الفلسطينيين المقيمين في الكويت وقد فقدوا مدخراتهم، او تدهورت قيمتها نتيجة الاجراءات الاقتصادية العراقية، واصبحت آلاف الاسر الفلسطينية التي كانت تعتمد على اقاربها في الكويت، لا تجد ما يسند مقاومتها وصمودها في وجه الاحتلال الاسرائيلي. وبدأت هجرة جديدة مجهولة المصير لآلاف الفلسطينيين المقيمين في الكويت للبحث عن مأوى جديد يقبل ان يستضيفهم في سماحة ويسر، كما كانت عليه الحال في الكويت. وهكذا نجد ان الجيش العراقي لم يوجه ضربته الى شعب الكويت فقط. بل الى الشعب الفلسطيني ايضاً، سواء المقيم منه في الكويت ام ذلك الذي يعيش في داخل الارض المحتلة.
ثالثاً: لقد دعوتم في ندائكم «البند 9» الحكومات العربية المتنازعة في الخليج الى فض نزاعها بسحب قوات الاحتلال العراقي من الكويت، واجلاء القوات الاجنبية الموجودة في الخليج العربي، والتوجه بقواتها وسائر امكاناتها الى مواجهة العدوان اليهودي في فلسطين. بغض النظر عن القوات الاجنبية الدولية التي ما كانت لتحضر الى الخليج لولا العدوان العراقي على الشرعية الدولية المتمثل في احتلاله للكويت، ومسحها من خارطة العالم. ولعلكم ظننتم كما ظن الشعب الكويتي العربي المسلم ان القوات العراقية هي الاداة التي ستحرر فلسطين، غير ان الامر قد انكشف اليوم، فالنظام العراقي قد اهل جيشه واعده لضرب دولة عربية مسلمة جارة، بل تعدى ذلك الى ضرب العرب والمسلمين انفسهم، فمنذ ان اقتحمت القوات العراقية الكويت توارت القضية الفلسطينية، واسدل ستار كثيف على ممارسات الاسرائيليين ضد السكان العرب والمسلمين. وادى ذلك ـ ايضاً ـ الى تفتيت التضامن العربي والاسلامي، واصبحت صورة الامة العربية والاسلامية امام المجتمع الدولي صورة مهلهلة، ولا تعكس ما كانت عليه من اشراق حضاري.
ويحاول النظام العراقي اقناع العالم العربي والاسلامي بأنه لا يمكن تحرير فلسطين قبل تحرير الاقطار العربية الواقعة على الخليج العربي كافة. قال تعالى: (انظر كيف يفترون على الله الكذب، وكفى به اثماً مبيناً).
رابعاً: اننا في الوقت نفسه الذي نشاطركم فيه المشاعر نحو الشعب الفلسطيني نرجو ان تلتفتوا الى ما يعانيه اخوتكم في الكويت على يد النظام العراقي الآثم، فمنذ الثاني من شهر اغسطس الماضي تم تشريد ما يزيد على مليون مواطن ومقيم، واستولت السلطات العراقية على ممتلكاتهم واموالهم بعد ان استساغت عملية القتل وهتك الاعراض، كما انها نهبت نهباً منظماً وشاملاً لكل مرافق الدولة والمؤسسات الاهلية، فقد تم نقل معظم محتويات المدارس والمستشفيات والمتاجر الى بغداد، ومنذ ثلاثة اشهر يتم يوميا اعدام العشرات من المدنيين دون ذنب، وذلك بعد ان يتعرضوا لاصناف التعذيب الوحشي، وغير الاخلاقي الذي يتنافى ومبادىء الاسلام التي تؤكد على تحريم ظلم المسلم لاخيه المسلم. تصديقاً لقول رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه».
لم يرع النظام العراقي حق الجوار ولا حرمة الاسلام في الشهر الحرام، فاستباحت قواته الاعراض والاموال والدماء، واعتدت على حرمة المساجد فأقفلت بعضها ومنعت المصلين من اداء الفريضة.
وكانت قوات البغي العراقية متناسية بأعمالها هذه ما جاء في قوله سبحانه وتعالى: (من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعاً).
وختاماً، نرى ان يقبل العراق بأسرع وقت تنفيذ قرارات مؤتمر القمة العربي، وقرار وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الاسلامي، وقرارات مجلس الامن الدولي من اجل ان تتضافر جميع الجهود، ونوجه كل قوانا لمساندة اخواننا الفلسطينيين.
فما يحدث في الكويت الان من ممارسات جيش الاحتلال العراقي يفوق كثيراً ما حدث، ويحدث لاخواننا الفلسطينيين في الاراضي العربية المحتلة، ناهيك عن انها تأتي من دولة عربية مسلمة وجارة.
ولعلكم تشاركوننا القول بأن من ركائز الايمان الوقوف مع الحق، ودفع الظلم، وردع الفئة الباغية قولا وعملا، والدعوة الى حكم الله في الطائفة التي تبغي احداهما على الاخرى. قال تعالى: (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) صدق الله العظيم.
وفقنا الله جميعا لخدمة امتنا العربية والاسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

صباح الاحمد الجابر الصباح
نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية

وفي التاريخ ذاته، اي في 16 نوفمبر عام 1990م استقبل الشيخ جابر الاحمد في مقر اقامته في الطائف رئيس جمهورية السنغال عبدو ضيوف والوفد المرافق له. وقد عقدا اجتماعات بحضور الجانبين، حيث دار البحث خلاله حول تأجيل موعد انعقاد مؤتمر القمة الاسلامي السادس في داكار الى موعد يتم الاتفاق عليه لاحقا مع القادة المسلمين. كما تم البحث في آخر تطورات الوضع في منطقة الخليج والعلاقات الثنائية بين البلدين.
بتاريخ 17 نوفمبر عام 1990م اجتمع الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي الدكتور حامد الغابد الى الشيخ جابر الاحمد. وقال بيان رسمي صادر عن الديوان الاميري، ان الدكتور الغابد قدم الى سمو الامير تقريرا عن جولته الاخيرة في بعض الدول الافريقية الاعضاء في المنظمة.
بتاريخ 21 نوفمبر عام 1990م وفي رسالة موجهة من اللجنة الوطنية التونسية النسائية الى الشيخ جابر الاحمد تعرب فيها عن تضامنها ودعمها لصمود الشعب الكويتي ضد الاحتلال العراقي للكويت، مؤكدة رغبة عضوات اللجنة في التطوع لخدمة القضية الكويتية الى ان تعود الكويت حرة مستقلة، كما اعربت اللجنة، وهي اللجنة المنبثقة عن اللجنة الوطنية التونسية لمساندة الشعب الكويتي، في رسالتها التي سلمت الى سفير دولة الكويت في تونس عبدالمحسن الجيعان: اننا نعاهدكم على التطوع لخدمة القضية الكويتية التي آمنا بها وسخرنا انفسنا لها لخدمة الحق والعدل، ونحن واثقات من ان الجور والتعسف والاضطهاد لن يزيد الشعب الكويتي الا ايمانا وثباتا وقوة وارادة ليعيش حرا كريما.
وقد أشارت رئيسة اللجنة الى ان هناك جهودا حقيقية لانشاء لجان نسائية اخرى في مختلف انحاء تونس لتكثيف النشاطات المساندة للشعب الكويتي على المستويات العربية والدولية.
بتاريخ 29 نوفمبر عام 1990م تسلم الشيخ جابر الاحمد رسالة من اخيه امير دولة قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، تضمنت دعوة لحضور اجتماعات الدورة الحادية عشرة للمجلس الاعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المزمع عقدها في الدوحة. وقد قام بتسليم الرسالة عبدالله بن صالح المانع وزير المواصلات والنقل القطري.
بتاريخ 22 ذيسمبر عام 1990م غادر الشيخ جابر الاحمد مدينة الطائف متوجها الى الدوحة على رأس وفد دولة الكويت لحضور اعمال القمة الحادية عشرة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي انعقد تحت شعار التحرير والتغيير حيث بدأ المؤتمر اعماله ـ بالتاريخ ذاته ـ بكلمة لامير دولة قطر، اكد فيها ان العدوان الذي وقع على ارضنا وشعبنا في الكويت العزيزة عدوان علينا جميعا. ان الكويت دولة مستقلة ذات سيادة، لكنها بالنسبة لنا قطعة من نفوسنا، وجزء لا يتجزأ من تراب وطننا الخليجي. وخلال الاشهر القليلة الماضية اثبتنا انه بالوقوف صفا واحدا نستطيع ان نواجه الاثم والعدوان وسينتهي الغزو العراقي للكويت الشقيقة باذن الله.
وقال من موقع المسؤولية التاريخية: لقد أجمعت قراراتنا العربية والاسلامية، والقرارات الدولية على وجوب انهاء العدوان العراقي بتنفيذ ما تقضي به هذه القرارات من سحب العراق جميع قواته فورا، ودون قيد او شرط، وعودة حكومة الكويت الشرعية بقيادة صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد الصباح، الا ان العراق لم يستجب لهذه القرارات، واصر على موقفه الرافض لها، مما حدا بمجلس الامن الدولي الى اصدار قراره الاخير في 29 نوفمبر الماضي باجازة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ قراراته الصادرة بشأن العدوان العراقي على الكويت. واقتناعا منا بضرورة استنفاد جميع سبل الحل السلمي، فقد رحبت دول المجلس كذلك بمبادرة الرئيس الامريكي باجراء مباحثات مباشرة بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق في اطار هذا القرار الاخير، وتحقيقا لاهدافه املين ان يستجيب العراق لنداءات السلام وان يحكم صوت العقل ليجنب منطقتنا والعالم اجمع اخطار الحرب.
ويمضي الشيخ خليفة بن حمد ال ثاني امير دولة قطر، فيقول. لقد قلب العدوان العراقي كل الحقائق والموازين التي كنا نعهدها من المسلمات في ثوابت العلاقات العربية، ومفهوم الامن الخليجي، والامن العربي. والمدى الذي لا يصح لخلافاتنا العربية ان تتجاوزه، حفاظا على كيان امتنا العربية، ومصيرها المشترك، وجاء ذلك العدوان بما نجم عنه من تصدع التضامن العربي وانتكاس العمل العربي المشترك، وزعزعة امن واستقرار منطقتنا الخليجية والعربية، ليطرح بالحاح ضرورة وضع استراتيجية واضحة ومتكالمة حول السياسات التي يتعين اتباعها في المستقبل لتلافي تكرار وقوع مثل هذا العدوان، ووضع قواعد اكثر صلابة لعلاقات اكثر صحة بين دولنا العربية.
ويستعرض الشيخ خليفة بن حمد الوضع الخليجي بعد المحنة التي المت بالمنظومة الخليجية، فيؤكد باصرار كبير على الجانب الامني لكونه مفتاح السلام والامن والامان، فيقول: ان الازمة الراهنة بكل وطأتها وخطورتها تحتم علينا اعادة النظر وتقييم بعض اوجه مسيرة مجلسنا الخليجي، فلا يمكن ان تمضي الامور بعدما حدث في الثاني من اغسطس الماضي كما كانت قبله. وكما ان لكل مرحلة تحدياتها. فان لها كذلك مهامها واولوياتها. ونحن نحتاج اكثر من اي وقت مضى الى تعزيز اواصر تكاملنا، ووضع الاسس العملية لعلاقات اكثر شمولا بين دولنا التي لا يوجد بين شعوبها اي خلافات. كما اننا نحتاج نظرة جديدة الى اسلوب عملنا والى اقامة نظام امني اكثر فاعلية، يتيح لمجلس تعاوننا الخليجي القدرة على مواجهة تحديات ما بعد الازمة، ووقاية منطقتنا من مخاطر تكرار العدوان عليها، ويكفل لشعوبها حياة حرة كريمة في ظل الاستقرار الضروري الذي يتيح لها توجيه ما تملكه من قدرات لاستكمال مقومات تنميتها الشاملة.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:22 AM
بتاريخ 23 ديسمبر عام 1990م تابع الشيخ جابر الاحمد اتصالاته ولقاءاته مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي لبحث تطورات الازمة الراهنة، وسبل انهاء الاحتلال العراقي للكويت. هذا وقد خاطب عددا من زعماء العرب والاجانب من خلال رسائلهم منها: رسالتان من الرئيس الامريكي جورج بوش والرئيس السوفياتي ميخائيل جورباتشوف اكدتا على سياسة بلديهما تجاه ازمة الخليج، وضرورة انهاء الاحتلال العراقي لدولة الكويت، واعادة الشرعية اليها.
بتاريخ 22 يناير عام 1991م اعرب الشيخ جابر الاحمد عن شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز على الدور الكبير الذي قامت به المملكة العربية السعودية تجاه الكويت والكويتيين منذ بداية ازمة الاحتلال العراقي للكويت وحتى عمليات التحرير. جاء ذلك في برقية وجهها الى خادم الحرمين الشريفين، مؤكدا ان ما قامت به المملكة العربية السعودية كان عملا بطوليا نادرا، مخاطبا خادم الحرمين الشريفين بان تحمل المسؤولية كاملة غير منقوصة.. وفيما يلي نص البرقية:
صاحب الجلالة الاخ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أما وقد بدأت عمليات تحرير بلدكم الكويت من رجس الطغاة فقد وجب ذكر الفضل لذويه. اما الشكر، فمهما كانت عباراته فهو لا يفي بما لكم شخصيا، وللشعب السعودي الكريم من ماّثر. لقد احتضنتمونا من اول يوم المأساة برحابة صدر لا نظير لها، ولم تدخروا وسعا في تخفيف حدة المصيبة، ثم تحملتم عبء المبادرة لتحرير بلدكم الكويت، ووضعتم كل امكاناتكم في المقدمة، وهو عمل بطولي نادر، حيث حملتم عبء المسؤولية كاملة غير منقوصة وبكل سخاء معرضين شخصكم الكريم وشعبكم النبيل لاعظم المخاطر.
لهذا احببنا ان نذكر بالخير ما غمرتمونا به سائلين المولى ـ جل وعلا ـ ان يجزيكم عنا وعن ابنائكم اهل الكويت خير الجزاء. فباسم ابنائكم أهل الكويت وباسمى اقدم لكم جزيل الشكر والعرفان بالجميل، مؤكدا لكم ان ابناء الكويت الذين احتضنتموهم يضعون انفسهم تحت تصرفكم للمشاركة في حماية أرض المملكة، ومقدساتها الاسلامية، داعين لكم بالتوفيق والسداد.

حفظ الله المملكة السعودية، وشعبها من كل مكروه
اخوكم
جابر الاحمد الجابر الصباح
امير دولة الكويت

وجاء رد خادم الحرمين الشريفين في اروع صورة من صور الشهامة العربية، وشفافية الروح، وسمو الوجدان في العلاقة بين بلدين وشعبين. لقد قدم خادم الحرمين الشريفين لدول العالم، وخاصة الدول العربية والاسلامية اروع نموذج للعلاقات الانسانية وحسن الجوار بين دولة واخرى نأمل ان يستوعبها البعض لانها باتت جزءا من مسيرة منطقتنا وتاريخها.. وفيما يلي نص البرقية:
صاحب السمو الاخ جابر الاحمد الصباح
أمير دولة الكويت، خفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلقد تلقيت ببالغ التقدير برقيتكم الاخوية التي عبرتم فيها عن مشاعركم النبيلة بصدق المؤمن الواثق من نصر الله منوهين بما مكن الله به البلد قيادة وشعبا من الوقوف الى جانب الحق وردع العدوان والتصدي للاحتلال الغاشم، وكلها قيم تنبع من عقيدتنا الاسلامية التي تحض على نصرة الحق ودحض الباطل. وان وقوف المملكة العربية السعودية الى جانب الكويت الشقيقة منذ بدء الاحتلال العراقي الاثيم لدولة الكويت، وحتى بدء العمليات الحربية لتحريرها ان شاء الله، انما يمثل الواجب الاخوي الذي تمليه علينا روابط العقيدة الاسلامية والدم واللغة، واواصر المودة، وواجب حسن الجوار.
وهو بعد ذلك وقوف الحق في وجه الباطل حتى يعود المعتدي الى طريق الصواب، وتعود الامور الى ما كانت عليه بمشيئة الله قبل الثاني من اغسطس (آب) لعام 1990م.
أقدر لأخي الكريم ما حملته برقيتكم من مضامين كريمة تنم عن نبل سجاياكم المعهودة، ونسأل الله العلي القدير ان ينصر كلمة الحق، وان يحمي الكويت الشقيقة قيادة وشعبا، ويرد عليها سيادتها وامنها واستقرارها تحت قيادتكم الحكيمة، انه سميع مجيب.

أخوكم
فهد بن عبدالعزيز

بتاريخ 25 يناير عام 1991م اشاد الشيخ جابر الاحمد بخطاب الرئيس حسني مبارك امام مجلس الشعب والشورى المصري، واكد ان الكويتيين لن ينسوا وقوف مصر مع الحق والعدل. ونوه في برقية شكر وجهها للرئيس مبارك حول ما تضمنه خطابه من كشف للحقائق. وفيما يلي نص البرقية:
سيادة الاخ الرئيس محمد حسني مبارك، حفظه الله
رئيس جمهورية مصر العربية ـ القاهرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،. وبعد:
فلقد تابعت الاستماع الى خطابكم التاريخي في مجلس الشعب والشورى يوم اول من امس الخميس، لقد كنتم كما عهدناكم دائما على سجيتكم الكريمة من حيث الوضوح، فكشفتم الحقائق بدون زيف، كعادتكم كنتم رجل المبادىء الذي يقف مع الحق والعدل. وهذا ليس مستغربا على ابن الكنانة البار الذي ينطق باسم الشعب العربي الشقيق في مصر العزيزة.
فباسم شعب الكويت وباسمي تقبلوا يا سيادة الاخ مجددا خالص الشكر وعميق التقدير على ما تضمنه خطابكم من عبارات اخوية سوف لن ينساهاالكويتيون، فجزاكم الله عنا خير الجزاء، وحفظ الله ارض الكنانة وشعبها من كل مكروه، وسدد على دروب الخير خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اخوكم
جابر الاحمد الجابر الصباح
امير دولة الكويت

بتاريخ 3 فبراير عام 1991م غادر وزير الدولة للشؤون الخارجية الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح الى طهران حاملا رسالة خطية من الشيخ جابر الاحمد الى الرئيس الايراني علي اكبر هاشمي رفسنجاني تناولت آخر تطورات الوضع في الخليج.
كما سلم المبعوث رسالة مماثلة الى الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية وصرح عقب اللقاء الذي استغرق ثماني واربعين دقيقة بانه نقل رسالة من سمو امير دولة الكويت لاخيه الرئيس محمد حسني مبارك تتعلق باخر التطورات الراهنة في الخليج، والعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين.
بتاريخ 7 فبراير عام 1991م غادر وزير المالية الشيخ علي الخليفة الصباح الطائف متوجها الى البحرين، ومنها الى الجزائر في اطار جولة رسمية تشمل سبع دول افريقية، حاملا رسائل من الشيخ جابر الاحمد الى قادة هذه الدول تتعلق بتحرير الكويت والوضع الراهن في المنطقة.
وفي التاريخ ذاته استقبل الشيخ جابر الاحمد بالطائف الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي الدكتور حامد الغابد الذي اطلعه ـ بصفته رئيس الدورة الخامسة للمنظمة ـ على النشاطات التي تقوم بها المنظمة في الوقت الراهن، وخلال حرب تحرير الكويت.
وقال الدكتور الغابد بعد هذا اللقاء: انه تلقى توجيهات وآراء سموه حول سير العمل في منظمة المؤتمر الاسلامي. واشار الى ان المنظمة تركز نشاطها حاليا على تنفيذ قرارات مؤتمر وزراء الخارجية المتعلقة بالانسحاب الكامل وغير المشروط للقوات العراقية من الكويت، وعودة الحكومة الشرعية.
بتاريخ 21 فبراير عام 1991م اكد الشيخ جابر الاحمد رفض الكويت لكل المبادرات الهادفة الى وقف اطلاق النار دون التزام. ومباشرة النظام العراقي بالانسحاب من الكويت، وبتطبيق جميع قرارات مجلس الامن الدولي ذات الصلة بالقضية الكويتية.
وشدد على ان الحرب الدائرة لتحرير الكويت تمثل جهدا دوليا مشروعا في مواجهة التعنت العراقي ضد النداءات الدولية كما انها تأتي بعد ان استنكر العالم بكل مؤسساته عدوانه على دولة الكويت، وسلك جميع السبل السليمة الكفيلة بحمل النظام العراقي على الانصياع للارادة الدولية... جاء ذلك في كلمة القاها نيابة عنه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح في الاجتماع المشترك للدول الاعضاء في هيئتي مكتبي مؤتمر القمة الاسلامي الخامس، والمؤتمر الاسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية الذي عقد في القاهرة... فقد اكدت الكلمة على: «... ان الحرب المشروعة والدائرة في منطقتنا، والتي تأتي تنفيذا لقرار مجلس الامن 678 لاجبار النظام العراقي على الامتثال للشرعية الدولية، انما تمثل بحق جهدا دوليا مشروعا في مواجهة التعنت والرفض العراقي المتواصل لكل النداءات الدولية، كما انها تأتي بعد ان استنفد العالم بكل مؤسساته ومسؤولياته كل السبل السليمة الكفيلة بحمل النظام العراقي على الانصياع للارادة الدولية.
ومن هنا، فان بلادي التي آلمها جرح الغدر ومرارة الاحتلال ترفض تلك المبادرات الهادفة الى وقف اطلاق النار دون التزام، ومباشرة من النظام العراقي بالانسحاب من الكويت، والالتزام بجميع قرارات مجلس الامن الدولي ذات الصلة»...
وفي التاريخ ذاته، اي في 21 فبراير عام 1991م، تلقى الشيخ جابر الاحمد برقيات تهنئة بالعيد الوطني الثلاثين لدولة الكويت من اخوانه قادة الدول العربية الشقيقة، وقادة الدول الاسلامية والصديقة، عبروا فيها عن تهانيهم الحارة لشعب الكويت، كما اعربوا فيها عن تضامنهم ومساندتهم لكفاح الشعب الكويتي وصموده ضد الاحتلال العراقي.
مع خيوط فجر يوم الثلاثاء 26 فبراير 1991م انقشعت الغمة وولى المحتل هاربا يجر أذيال الخيبة والمهانة والفشل الذريع، تاركا وراءه ـ كأي مجرم حرب في تاريخ البشرية ـ الدمار والخراب وآلام الثكالى، لكن عزاء الكويت في كل كلمة هو سيل التهاني التي تلقاها الشيخ جابر الاحمد في اليوم التالي من قادة دول العالم الشقيقة والصديقة، ورؤساء حكوماتهم، يهنئونه بعودة الكويت حرة مستقلة، وعودة شعب الكويت وقيادته السياسية الى تراب وطنهم.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:23 AM
تحركات على الساحة الدولية

كان لا بد لحلقة الجهود ان تكتمل، ولا بد ان تتزامن مع الاتصالات والتحركات على الساحة الخليجية والعربية تحركات قوية واسعة النطاق على الساحة الدولية، وبخاصة ان الكويت عبر مسيرتها الطويلة، وبسياستها الخارجية الوسطية المتوازنة، كسبت صداقات دولية في جميع القارات والاقاليم في العالم، سواء أكان ذلك بين اوساط دول في الشمال ام دول في الجنوب.
ان الاحترام والتقدير الدوليين اللذين يحظى بهما الشيخ جابر الاحمد بين قادة هذه الدول، كان لهما اسهامهما ـ بلا شك ـ في متانة تلك العلاقات الدولية بين الكويت، وغيرها من دول العالم، وبخاصة الدول المتقدمة، لدرجة ان الاتحاد السويسري المعروف بحياده التام في مثل هذه المنازعات الدولية قد خرج عن حياده، واصدر بيانا سياسيا ندد فيه بالعدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت.
ان تحالف ثلاث وثلاثين دولة على رأسها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا، وبقرار من الشرعية الدولية المتمثلة في الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي من اجل تحرير دولة الكويت من براثن العدوان والاحتلال العراقي كان له شأن عظيم، ويعني الشيء الكثير بالنسبة لمكانة الكويت الصغيرة في مساحتها وسكانها بين العمالقة من دول العالم، وهذا ما كان ليتم لولا جهود وتحركات الشيخ جابر الاحمد على الساحة الدولية منذ الساعات الاولى للعدوان العراقي، وحتى اللحظات الاخيرة لتحرير الوطن من دنس النظام العراقي الحاكم في بغداد.
من جهة اخرى، نستطيع القول بان الامم المتحدة عبر تاريخها الطويل لم تتعامل مع قضية دولية كما تعاملت مع قضية الكويت، فسلسلة القرارات التي صدرت عنها تباعا، والتي بلغت كما كبيرا في فترة زمنية وجيزة، تشير الى هذه الحقيقة، كما تؤكد انه قلما حدث ان اتخذت الامم المتحدة قرارات بمثل هذا العدد حيال نزاع دولي، وفقا للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
فعلى سبيل المثال، بلغ عدد القرارات الصادرة عن مجلس الامن الدولي خلال الفترة من 2 اغسطس 1990م وحتى 29 نوفمبر عام 1990م (12 قرارا). بدءا من القرار رقم 660 الخاص بادانة الغزو العراقي للكويت، اضافة الى القرارات اللاحقة التي تم اتخاذها، وانتهاء بالقرار رقم 1284 الصادر في 18 ديسمبر عام 1999م، ليصبح مجموع القرارات الصادرة عن مجلس الامن وحده 39 قرارا، جاءت جميعها ـ فيما عدا القرارات ارقام 662ـ 665 ـ 688 ـ 773 ـ تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وهذا يمثل وضعا استثنائيا لا يقدم عليه مجلس الامن الا في حال تعرض الامن والسلم الدوليين للخطر، وهي حال يجب معها اتخاذ التدابير الدولية كافة، بما في ذلك التدابير العسكرية.
هذه القرارات وغيرها من القرارات الصادرة عن المنظمات المتخصصة التابعة للامم المتحدة، وتلك الصادرة عن التنظيمات الاقليمية، والتكتلات الدولية التي قد تربو على خمسين قرارا دوليا، لم تأت تحت ضغوط عاطفية وانسانية، بل كان خلفهاجهود مضنية لرجال آمنوا بربهم وبالوطن، وارادة وعزيمة صلبة، وتصميم على تخليص تربة الوطن من رجس الطامعين الطغاة، وكان الشيخ جابر الاحمد في مقدمة هؤلاء الرجال، يمثل الارادة الكويتية كلها... موجها ومحفزا وناصحا... وفيما يلي شيء من تلك الجهود العظيمة.
بتاريخ 14 اغسطس عام 1990م اوفد الشيخ جابر الاحمد الى لندن كلا من الشيخ علي الخليفة الصباح وزير المالية وحبيب جوهر حيات وزير المواصلات، ضمن جولة لهما في عدد من الدول الاوروبية لتسليم قادتها رسائل تتضمن شكر الكويت حكومة وشعبا، وتقديرها للمواقف الايجابية لقادة هذه الدول من الاحتلال العراقي للكويت، والطلب منهم استمرار دعم الحق الكويتي، وفرض انسحاب قوات الغزو العراقية من الكويت.
وفي 19 اغسطس عام 1990م اوفد الشيخ جابر الاحمد وزير الدولة للشؤون البلدية المهندس فهد عبد الله الحساوي، في جولة لدول اوروبا الشرقية «بولندا ـ المجر ـ تشيكوسلوفاكيا ـ رومانيا ـ بلغاريا» حاملا رسائل لقادتها تتعلق بالعدوان العراقي على دولة الكويت، ونتائجه الخطيرة.
بتاريخ 21 اغسطس عام 1990م في مبادرة لملك اسبانيا خوان كارلوس، ومن خلال اتصال هاتفي، طلب من وزيرين كويتيين يقومان بزيارة لاسبانيا، هما وزير المالية الشيخ علي الخليفة الصباح، ووزير المواصلات حبيب جوهر حيات، نقل تحياته للشيخ جابر الاحمد، مشفوعة برسالة شفوية، تقول: «... انني آمل ان نلتقي قريبا على ارض الكويت المحررة، واذا كان هناك شيء في مقدوري ان افعله فأنا على اتم الاستعداد»...
وفي 24 اغسطس عام 1990م اجتمع مبعوث تركي رفيع المستوى «وزير الدولة التركي للشؤون الاقتصادية جوني تنر» الى الشيخ جابر الاحمد، وسلمه رسالة خاصة من الرئيس التركي تورغوت اوزال تؤكد موقف بلاده الثابت من الاحتلال العراقي لدولة الكويت، وتطالب بانسحاب قواته، وتمكين النظام الشرعي الكويتي ممثلا بالشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت، وحكومته التي يرأسها ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح من ممارسة سلطاته الدستورية.
بتاريخ 27 اغسطس عام 1990م استقبل الشيخ جابر الاحمد سفير تنزانيا لدى المملكة العربية السعودية وتسلم منه رسالة من الرئيس التنزاني يؤكد فيها موقف تنزانيا الرافض للاحتلال العراقي لدولة الكويت، والمطالبة بتطبيق قرارات مجلس الامن الدولي باسرع وقت ممكن.
وفي التاريخ نفسه استقبل الشيخ جابر الاحمد سفير كندا لدى المملكة العربية السعودية، حيث سلمه رسالة من رئيس وزراء كندا، بريان مالا روني تضمنت تأييد كندا ودعمها للكويت اميرا وحكومة وشعبا ضد الغزو العراقي للاراضي الكويتية، كما تضمنت شجب كندا لهذا العدوان، ومطالبة القوات العراقية بالانسحاب الفوري من الاراضي الكويتية الى الحدود التي كانت تقف عندها قبل العزو في الثاني من اغسطس عام 1990م، وتمكين السلطة الشرعية في البلاد ممثلة بامير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح، وحكومته برئاسة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح من ممارسة مهامها وسيادتها على اراضيها.
وفي بيان رسمي كويتي اعرب الشيخ جابر الاحمد عن شكره وتقديره لموقف الحكومة الكندية من الغزو العراقي للاراضي الكويتية، والدعوة لتمكين الشرعية الكويتية من ممارسة اختصاصاتها وصلاحياتها على اراضيها.
كما اعلن انه بوقوف جميع الدول المحبة للسلام مع الشرعية الكويتية ستعود الامور ـ بمشيئة الله وعونه ـ الى طبيعتها.
كما استقبل في التاريخ نفسه ايضا، تانور جانكا وزير الدولة بمكتب رئاسة الجمهورية، والممثل الشخصي لرئيس جمهورية السنغال عبدو ضيوف الذي سلمه رسالة تتضمن وقوف السنغال الى جانب الكويت في المطالبة وانسحاب القوات المعتدية من الاراضي الكويتية، وتمكين الشرعية الكويتية من ممارسة اختصاصاتها على الاراضي الكويتية.
وعلى صعيد اخر وفي التاريخ ذاته، اجتمع مبعوث الشيخ جابر الاحمد وزير الدولة للشؤون البلدية فهد عبد الله الحساوي مع الرئيس النمساوي كورت فالدهايم، والمستشار «فرانتس فرانتسكي»، حيث سلم الرئيس رسالة تتعلق بالعدوان العراقي على دولة الكويت، وآثاره الخطيرة على دول المنطقة.
بتاريخ 29 اغسطس 1990م تلقى الشيخ جابر الاحمد رسالة من رئيس المجلس التحضيري للمؤتمر الوطني الكردستاني اللواء الركن «عزيز عقراوي» الذي اعلن شجبه للغزو العراقي لدولة الكويت، وتضامنه مع الشرعية الكويتية، ممثلة باميرها الشيخ جابر الاحمد، وحكومته برئاسة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، مؤكدا باسمه وباسم المجلس التحضيري للمؤتمر الوطني الكردستاني على ضرورة سحب القوات العراقية الغازية من الاراضي الكويتية، بدون قيد او شرط، وتمكين الشرعية من ممارسة اختصاصها، ومهامها على الاراضي الكويتية.
بتاريخ 31 اغسطس عام 1990م جرى اتصال هاتفي بين الشيخ جابر الاحمد وبين الرئيس الامريكي جورج بوش، اعلن على اثره رسميا انه تم خلال الاتصال بحث آخر المستجدات على الوضع في منطقة الخليج العربي في اعقاب الاحتلال العراقي الغادر لأراضي دولة الكويت، اضافة الى تداول في العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين.
وفي التاريخ ذاته قام مستشار السفارة البريطانية لدى دولة الكويت بنقل رسالة من رئيسة الحكومة البريطانية مارجريت تاتشر الى الشيخ جابر الاحمد حول الاحتلال العراقي لدولة الكويت والمستجدات على الساحة الخليجية والدولية نتيجة لهذا العدوان والاحتلال.
بتاريخ 1 سبتمبر عام 1990م استقبل الشيخ جابر الاحمد سفير جمهورية النيجر لدى المملكة العربية السعودية، حيث قام السفير بتسليم رسالة من علي شعيبو رئيس جمهورية النيجر.
كما استقبل ايضا، في التاريخ نفسه، سفير جمهورية المكسيك لدى دولة الكويت، الذي قام بتسليم رسالة من الرئيس المكسيكي كارلوس سالينياس. وقد تضمت الرسالتان تأييد البلدين لحقوق الشعب الكويتي، مع مطالبتهما بانسحاب فوري «غير مشروط» للقوات العراقية من الكويت.
بتاريخ 4 سبتمبر عام 1990م نقل وزير المالية الشيخ علي الخليفة الصباح رسالة من الشيخ جابر الاحمد الى رئيس وزراء اليابان توشكي تايغو، تضمنت شكر الكويت للتأييد الياباني الجريء للقضية الكويتية، وتأييدها فرض عقوبات ضد العراق المعتدي، منوها الى احتجاز العراق للرهائن اليابانيين، ومؤيدا لجميع الاجراءات والخطوات التي تتخذها الحكومة اليابانية للافراج عن هؤلاء الابرياء من مواطنيها.
من جانبه، ابلغ رئيس الوزراء الياباني مبعوث امير دولة الكويت ان اليابان تؤيد قرار الامم المتحدة الذي يدعو العراق الى سحب قواته من الكويت، وعودة الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح الى وطنه، وان اليابان ستبذل اقصى جهدها للمساعدة على اعادة السلام والاستقرار لمنطقة الخليج.
وفي 5 سبتمبر عام 1990م اكد الشيخ جابر الاحمد بان ابناء الشعب الكويتي وقيادته السياسية لن يدخروا جهدا، وسوف يبذلون الغالي والنفيس في سبيل تحرير الكويت من قوات الغزو العراقية، وقد جاء هذا التأكيد، خلال جلسة محادثات عقدها مع وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر في اطار الجولة التي قام بها في دول المنطقة.
كما اشاد بدور الولايات المتحدة الامريكية التي قامت بالتزاماتها على اكمل وجه، وقال في حديث لعدد من الصحفيين المرافقين لوزير الخارجية الامريكي: «...اننا لا نمانع ابدا في المساهمة بتغطية تكاليف الجهد العسكري، وكم اتمنى ان تنتهي هذه المسألة بأسرع وقت ممكن باعتمادنا على انفسنا وعلى الاصدقاء...».
واضاف: «... اننا نأمل ان تكون العودة قريبة، وفي سبيل ذلك لا يهم الثمن»....


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:24 AM
رغم مرارة الاحتلال وتكاليفه تبرعت بـ 2 مليون دولار لليونيسيف من أجل رعاية أطفال العالم الثالث العالم يهرع لنصرة الكويت وقيادتها الشرعية
الحلقة الثانية والثلاثون

وتستمر جهود سمو الامير الشيخ جابر الأحمد امير البلاد المفدى حفظه الله لجلب التأييد الدولي لقضايا الكويت العادلة في مواجهة الغزو الصدامي الغاشم للكويت وفي 6 سبتمبر عام 1990 وجه الشيخ جابر الاحمد رسالتين منفصلتين الى كل من الرئيس الامريكي جورج بوش، والرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف وذلك بمناسبة اجتماع القمة في «هلسنكي» بين الطرفين وفيمايلي نص الرسالتين:

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس جورج بوش الموقر،
رئيس الولايات المتحدة الامريكية،،،
تحية وتقديراً،
تمر بلادي الكويت بلحظات حرجة في تاريخها، وهي ترزح تحت نير الاحتلال العراقي الغاشم، الذي نشط بكل حقد، وشراسة الى تقويض البنية الاساسية لدولة عضو في الامم المتحدة، والمنظمات الدولية الاخرى، ولها اسهاماتها في البناء الحضاري الانساني لعلاقاتها المتميزة مع مختلف دول العالم.
واليوم، وانتم مقبلون على لقاء يجمعكم والرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في «هلسنكي» بفنلندا، للتداول في الوضع الخطير الذي يخيم على منطقة الخليج جراء احتلال الجيش العراقي الغاشم لدولة الكويت منذ فجر الثاني من اغسطس الماضي، ورفض قوات الاحتلال بكل تعنت وصلف وغطرسة الانصياع للارادة الدولية المتمثلة في قرارات مجلس الامن الدولي... فإنني اود ان اسجل، بالاصالة عن نفسي، ونيابة عن الشعب الكويتي، اعتزازنا وتقديرنا لمواقف الولايات المتحدة الامريكية المبدئية التي كان لها دور مؤثر وفعال في حشد طاقات المجتمع الدولي لاستصدار قرارات مجلس الامن الدولي بشأن احتلال الكويت، والتي اكدت رفض الشرعية الدولية للعدوان العراقي، ومطالبة العراق المعتدي بسحب قواته فوراً ودون قيد او شرط من الاراضي الكويتية، تمكيناً للشرعية الكويتية من استئناف مهامها كالمعتاد.

أيها الصديق العزيز،،
انني اخاطب فيكم رجل الدولة العظمى التي يتحمل مسؤولياتها الدولية والانسانية والاخلاقية في اقرار الامن، واشاعة السلام في العالم. اعمالاً لميثاق الامم المتحدة الذي يكفل الحماية والضمانة للدول الصغيرة مثل الكويت من ان تتعرض لشطط قوى الشر والعدوان التي قد تشذ عن الارادة الدولية، وتبطش بالشعوب الآمنة المسالمة، مما يعرض العالم لويلات الحروب والدمار.

فخامة الرئيس،،
انني وشعب الكويت الصامد ننتظر من هذا اللقاء المهم موقفاً حاسماً يعيد الحق الى نصابه، ويدحر الظلم والعدوان، وذلك لا يأتي الا باتخاذ الاجراءات الحاسمة التي من شأنها ارغام العراق المعتدي على التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الامن الدولي دون مماطلة، او تسويف. ذلك انه لم يعد ثمة امل في نجاح اية مبادرة دبلوماسية لعلاج الوضع المتفاقم بالخليج نتيجة لتعنت النظام العراقي المعتدي وصلفه.
وانني اذ انتهز هذه المناسبة لاعبر لفخامتكم، باسمي ونيابة عن حكومة وشعب الكويت، عن شكري وتقديري للدور الكبير والمسؤولة الذي تضطلع به الولايات المتحدة الامريكية برئاستكم في مجابهة الاحتلال العراقي الغادر للكويت، فانني اتمنى من كل قلبي لمؤتمركم التاريخي النجاح، ولكم التوفيق،،

جابر الأحمد الصباح
امير دولة الكويت

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس ميخائيل غورباتشوف.
رئيس اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية،،،
تحية وتقديراً

يهمني في هذه اللحظات التاريخية والحرجة التي تمر بها بلادي الكويت ان اخاطبكم، وانتم مقبلون على لقاء يجمعكم مع الرئيس الامريكي جورج بوش في «هلسنكي» بفنلندا، لبحث الوضع الخطير الذي يخيم على منطقة الخليج في اعقاب الاحتلال العراقي الغادر لدولة الكويت اعتباراً من الثاني من اغسطس الماضي، وسعي المحتل الغاشم بكل حقد وغطرسة الى تحطيم البنية الاساسية لدولة الكويت، متحدياً في ذلك ارادة المجتمع الدولي التي افصحت عنها قرارات مجلس الامن الدولي.
فخامة الرئيس،،،
انني اذ اسجل بالتقدير والاعتزاز موقف الاتحاد السوفييتي الايجابي الداعم لقرارات مجلس الامن الدولي بشأن الاحتلال العراقي للكويت، فانني اؤكد ايضا ان الدول الصغيرة مثل دولة الكويت تتطلع دائماً الى ان تتحمل دولتكم العظمى مسؤولياتها الدولية والانسانية والاخلاقية في اقرار الامن واشاعة السلام في العالم، وذلك بالدفاع عن ميثاق الامم المتحدة، والوقوف بحزم ضد العراق المعتدي الذي استخف بالارادة الدولية التي عبرت عنها قرارات مجلس الامن الدولي، ومن ثم فانكم تشاركونني الرأي يا فخامة الرئيس ان العالم سيتعرض للقلاقل وويلات الحروب والدمار، لو تركت الشعوب الصغيرة المسالمة عرضة لمطامع وبطش وتنكيل قوى الشر والعدوان، التي تشذ عن الشرعية الدولية.

فخامة الرئيس،،
انني وشعب الكويت الصامد، بل وجميع الشعوب المحبة للسلام، ننتظر من لقائكم التاريخي موقفاً حاسماً يعيد الحق الى نصابه، ويدحر قوى الظلم والعدوان، وذلك لا يكون الا باتخاذ الاجراءات الفعالة التي من شأنها ان ترغم العراق المعتدي على احترام الارادة الدولية، والتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الامن الدولي دون مماطلة او تسويف، وانني على ثقة بأنكم في ذلك اللقاء ستتوصلون الى كل ما من شأنه الحفاظ على الشرعية الدولية، وارغام المعتدي على سحب قواته دون قيد او شرط من الاراضي الكويتية، تمكيناً للشرعية من استئناف مهامها كالمعتاد، خاصة انه لم يعد ثمة فرصة لنجاح اية مبادرة دبلوماسية، وذلك نظراً لتعنت النظام العراقي المعتدي وصلفه.

فخامة الرئيس،،
انني اذ انتهز هذه المناسبة لاعبر لفخامتكم باسمي، ونيابة عن حكومة وشعب الكويت عن شكري وتقديري للدور الكبير والمسؤولية الذي يضطلع بها الاتحاد السوفييتي تحت قيادتكم لمواجهة الاحتلال العراقي الغادر للكويت، فانني اتمنى من كل قلبي لمؤتمركم التاريخي النجاح ولكم التوفيق،،،

جابر الأحمد الصباح
أمير دولة الكويت

وبتاريخ 8 سبتمبر عام 1990 استقبل الشيخ جابر الاحمد سفير استراليا لدى دولة الكويت، حيث تسلم رسالة من رئيس وزراء استراليا بوب هوك تتعلق بأوضاع المنطقة والعدوان العراقي على دولة الكويت، مشيراً الى استعداد استراليا لدعم حق الكويت في الحرية والاستقلال الوطني، والوقوف بجانب الكويت حتى يتحقق لها النصر.
بتاريخ 17 سبتمبر عام 1990 وجه رئيس المؤتمر القومي الاشوري بالولايات المتحدة الامريكية «الدكتور سركوت داديشو» رسالة الى الشيخ جابر الاحمد جاء فيها: «... ان صدام حسين يكشف اليوم عن حقيقته ووجهه الاصلي الى كل بلدان العالم المحبة للسلام بعد الغزو غير القانوني، وغير الشرعي لدولة الكويت، وجعل العالم كله في مواجهته نتيجة هذا العمل المعادي لكل القيم الانسانية ومبادىء سيادة الوطن واستقلاله..».
واضاف الدكتور «داديشو» في رسالته: «... انه انطلاقاً من المسؤولية التاريخية ازاء الشعب العراقي، وبهدف توحيد نضاله وتعبئة طاقاته الوطنية، وفي سبيل تأمين مقومات انتصاره على النظام الارهابي واسقاطه، وحل جميع مؤسساته القمعية والارهابية، فإن قيادة المؤتمر القومي الاشوري بجميع منظماته السياسية والاجتماعية في جميع انحاء العالم تدين وبشدة كل ما يرتكبه الدكتاتور المجرم صدام حسين، وتضع جميع طاقاتها تحت تصرفكم من اجل اعادة دولة الكويت الى اصحابها الشرعيين، كما كانت عليه قبل الثاني منة اغسطس، والعمل على اسقاط النظام الدكتاتوري في العراق، واقامة حكم ائتلاف وطني ديمقراطي يستند في سياسته وبرامجه على مهام الميثاق واهدافه، عراقياً وعربياً ودولياً..»
بتاريخ 21 سبتمبر عام 19990 وجه الرئيس الامريكي جورج بوش دعوة للشيخ جابر الاحمد لزيارة واشنطن يوم 28 من الشهر ذاته، وابلغ الناطق بلسان البيت الابيض، «رومان بوباديك» الصحفيين ان هذه الزيارة ستكون فرصة لتجديد التزام الولايات المتحدة وموقفها الثابت من حرية واستقلال دولة الكويت، ودعمها في كفاحها ضد القوات العراقية الغازية.
ووصف الناطق الزيارة بأنها «زيارة عمل رسمية» تسبقها زيارة الى نيويورك لالقاء كلمة الكويت امام الجمعية العامة للامم المتحدة حول العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت.
بتاريخ 25 سبتمبر عام 1990 توجه الشيخ جابر الاحمد الى الولايات المتحدة لحضور الدورة الخامسة والاربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكانت محطته الثانية واشنطن للقيام بزيارة عمل رسمية للولايات المتحدة، بناء على الدعوة التي وجهت له من الرئيس الامريكي جورج بوش.
بتاريخ 26 سبتمبر عام 1990 اعرب الشيخ جابر الاحمد في نيويورك عن امله في ان يمضي المجتمع الدولي في تأييده لقضية الكويت، وفي شجبه التام والشامل للغزو البربري والاعتداء الاثيم على الكويت وشعبها. وقال مخاطباً رجال الاعلام وشبكات التلفزيون والاذاعة اثناء استقبالهم له في مطار نيويورك: «... جئت لاقدم الشكر للدول والحكومات الممثلة في الامم المتحدة، هذه المؤسسة التي تلعب الدور الاساسي في العلاقات الدولية الجديدة، والتي تضع كل الدول والشعوب المحبة للسلام آمالها عليها. كما جئت لاشكر الشعب الامريكي والارادة الامريكية على موقفها الانساني تجاه الكويت، شعباً وبلداً...».
وأضاف: «... ان الثوابت الاساسية التي اقرتها المنظمة العالمية ـ الامم المتحدة ـ من خلال مجلس الامن، هي ثوابت اساسية بالنسبة لقضيتنا وهي اجلاء المحتل وانسحابه من الكويت العزيزة، وعودة الشرعية بكل ما تتضمنه هذه الثوابت من حقوق ثابتة للكويت والكويتيين...».
ويمضي، فيقول: «... اود ان اشير الى ان ما يقوم به الجيش المحتل من نهب وتدمير واعتداء واعمال غير مسبوقة في اي احتلال عرفته البشرية في السابق، هي اعمال غير انسانية وبشعة، اعتدت على حريات المواطنين والمقيمين في الكويت. لقد رفضت القوة المحتلة دخول الصليب الاحمر الدولي الى الكويت لتفقد الحالات الانسانية، وذلك ايضا اجراء غير مسبوق ولا معروف في الاعراف العالمية، كما رفضت القوة المحتلة دخول صدر الدين آغا خان ممثل الامين العام للامم المتحدة السيد دي كويلار لشؤون النازحين الى الكويت..».
واختتم كلمته قائلاً: «... ان رجائي هو ان يمضي المجتمع الدولي في تأييده لقضيتنا، قضية الكويت، وفي شجبه التام والشامل للغزو البربري، والاعتداء الاثيم على الكويت وشعبها...».
بتاريخ 27 سبتمبر عام 1990 التقى الشيخ جابر الاحمد والسكرتير العام للامم المتحدة خافييز بيريز دي كويلار، كما عقد اجتماعاً مع رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الخامسة والاربعين،ثم القى كلمة الكويت امام الجمعية العامة بحضور ما يزيد عن ستين رئيس دولة، جاء فيها: «... جئت اليكم حاملاً رسالة شعب احب السلام وعمل من اجله..» وهنا دوت قاعة المؤتمرات في مبنى الامم المتحدة بالتصفيق، فكان بحق هو يوم الكويت في الامم المتحدة وامام العالم.
ثم يمضي حاملاً رسالة الكويت الى العالم، فيقول: «.. انها رسالة شعب كانت ارضه بالامس القريب منارة للتعايش السلمي والرخاء بين الامم، وها هو اليوم بين شريد هائم يحتضن الامل، وبين سجين ومناضل يرفض بدمه وروحه ان يستسلم..».
وبصوت حازم وبنبرة واثقة شابها التأثر عندما نطق بعبارة «وطني الحبيب»، ثم يستكمل رسالة شعبه الى العالم قائلاً: «... جئت اليكم لاطلعكم على هول المحنة والعذاب اللذين نعيشهما في الداخل والخارج..» معرباً لممثلي الدول عن امله في الا يترددوا اطلاقا في اتخاذ الاجراءات الكفيلة بحمل المعتدين والغزاة على اعادة الشرعية والتراجع عن همجيتهم. وهنا اشار الشيخ جابر الاحمد الى ان عزاءنا الوحيد هو موقف دول العالم بجانب الحق الكويتي، طارحاً مطالب شعب الكويت وحكومة الكويت بضرورة انسحاب القوات العراقية الغازية فوراً من دون قيد او شرط.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:24 AM
مشدداً على رسالة الكويت التاريخية في محاربة مشكلة الفقر في العالم، وهي الرسالة التي نقلها الى المجتمع الدولي قبل عامين، والتي اعلن بموجبها ان الكويت قررت الغاء الفوائد على قروضها كافة، مع الوعد باعادة النظر في اصول هذه القروض.
وفي نهاية رسالته خاطب ابناء شعبه، مبشراً: «سنعود الى كويتنا كما عهدناها دار امن وأمان» عندها صفق الحضور واقفين لاكثر من ثلاث دقائق.
وكان في استقبال الشيخ جابر الاحمد ما يزيد عن 60 رئيس دولة و90 رئيس حكومة ووزيراً وسفيراً، وقفوا عندما دخل القاعة مصفقين لفترة طويلة، شاركهم في ذلك جمهور غفير من المراقبين في التحية والتصفيق. هذا المشهد المؤثر كان له ردود فعل عالية منقطعة النظير، نذكر منها:
1ـ ابدى الرئيس الامريكي جورج بوش اعجابه الشديد «بوقفة التصفيق» التي امتدت اكثر من ثلاث دقائق بعد ان انهى الشيخ جابر الاحمد كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة، حيث علق قائلاً: «ان مثل هذه الوقفة لم يحدث مثلها في الامم المتحدة من قبل، وكان المشهد مؤثراً».
واضاف: «كنت سفيراً هناك في الامم المتحدة، ولم اشاهد ابداً شيئاً مشابها، وهو ما يبين ان العالم يدعم بقوة وتصميم ما نحاول تحقيقه».
2ـ تتصدر صور الشيخ جابر الاحمد وعباراته مساحة كبيرة في الصفحات الاولى للصحف الاجنبية والعربية، وقد نشرت كبريات الصحف الامريكية مثل: «نيويورك تايمز»، و «واشنطن بوست»، وغيرها صوراً له على صفحاتها الاولى، وهو يلقي كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة.
3ـ ركزت شبكات التلفزيون على الاستقبال الحافل والتعاطف غير الاعتيادي الذي حظي به الشيخ جابر الاحمد والوفد المرافق، وكانت شبكات التلفزيون الامريكية قد ابرزت في نشرتها الاخبارية خطابه، وقامت شبكة (CNN) الاخبارية بقطع برامجها العادية، حيث بثت الخطاب بكامله، كما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تعليقات لدبلوماسيين عرب وغيرهم، اعربوا فيها عن تقديرهم لخطاب الشيخ جابر الاحمد ودعمهم لنضال الشعب الكويتي.
وعلى امتداد الوطن العربي تناولت الصحف العربية خطاب الشيخ جابر الاحمد امام الجمعية العامة للامم المتحدة، فقد اشارت صحيفة الاتحاد الظبيانية بانها رسالة من امير دولة الكويت قوبلت بالتصفيق لاكثر من ثلاث دقائق في الامم المتحدة. كما اشارت صحيفة الراية القطرية بان كلمة صاحب السمو امير دولة الكويت، جاءت لتؤكد صوت الكويت من اعلى منبر في الاسرة الدولية.
أما في بيروت فقد تصدر الخطاب الصفحات الاولى في الصحف اللبنانية، وفي دمشق استأثر خطاب الشيخ جابر الاحمد باهتمام وسائل الاعلام السورية المرئية والمسموعة والمقروءة. وكذلك كانت الحال في جمهورية مصر العربية، حيث تصدرت كلمته صدر الصحف اليومية.
في التاريخ نفسه اي في 27 سبتمبر عام 1990م غادر موفد الشيخ جابر الاحمد وزير الدولة للشؤون الخارجية الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح الى العاصمة الايرانية طهران، لنقل رسالة شفوية الى الرئيس الايراني علي اكبر هاشمي رفسنجاني تتعلق بالعلاقات الثنائية، وتطور الاوضاع بالمنطقة. هذا وقد التقى الوزير خلال وجوده في طهران بالمواطنين الكويتيين الذين اضطرتهم ظروف الاحتلال الى ترك بلدهم.
بتاريخ 28 سبتمبر عام 1990م وصل الشيخ جابر الاحمد الى البيت الابيض في الساعة الحادية عشرة والربع قبل الظهر حسب توقيت واشنطن، وكان في استقباله مئات اللافتات والاعلام الكويتية يرفعها ما يزيد عن 2000 مواطن كويتي وعربي واجنبي تدعو الى تحرير الكويت. وقد تمهل موكبه ليلقي التحية على هؤلاء المشاركين في مسيرة صامتة دعما للمقاومة الكويتية وصمود الشعب الكويتي ودعوة لتحرير الكويت من قوات الغزو العراقية.
وفي نهاية محادثاته الرسمية قال الشيخ جابر الاحمد مخاطبا الرئيس الامريكي: ان موقفكم المبدئي الشجاع والحاسم في وجه العدوان العراقي على الكويت هو انعكاس صادق لالتزام الشعب الامريكي بالمبادىء الانسانية، وان ما اظهره الشعب الامريكي الصديق من وحدة وتأييد لموقفكم ينسجم تماما مع ما عرف به الشعب الامريكي من ايمان ثابت بمقاييس العدل والانصاف.
وانهى كلمته التي القاها في حديقة البيت الابيض قائلا: لقد سرني ما اظهرته محادثاتنا مع فخامتكم من تطابق تام في وجهات النظر.
وفي مأدبة غداء العمل التي اقامها الرئيس الامريكي جورج بوش اعرب الشيخ جابر الاحمد للرئيس الامريكي عن امله في ان يستقبل فخامته على ارض الكويت المحررة. وفيما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس،،،
لقد سعدت بزيارة عاصمة بلادكم العظيمة، وكنت اتمنى ان نسعد بلقائكم في مدينة الكويت عاصمة بلادنا لولا ان حالت ظروف العدوان العراقي علينا دون ذلك مؤقتا، ان شاء الله فما زلنا نتطلع ويتطلع معنا شعب الكويت الى استقبال فخامتكم على ارض الكويت المحررة.
وانه ليسرني يا فخامة الرئيس ان اكرر التعبير لكم ولشعبكم العظيم عن مشاعر التقدير والصداقة العميقة التي تكنها لكم الكويت. ولقد اثبت وقوفنا معا في وجه الغدر والعدوان ان علاقة بلدينا تقف على قاعدة صلبة من القيم والمبادىء المشتركة، والتي كانت بدورها الدليل الذي سار على هديه ما قام وتنامى بين الولايات المتحدة والكويت من تعاون مثمر في شتى الميادين.
إن موقفكم المبدئي الشجاع والحاسم في وجه العدوان العراقي على الكويت هو انعكاس صادق لتواصل ايمان والتزام الشعب الامريكي بالمبادىء الانسانية التي أسست عليها ومن أجلها الولايات المتحدة الامريكية. ان وقوف المجتمع الدولي متحدا الى جانبنا ضد العدوان والاحتلال اللذين يمثلان اقصى درجات الخرق لحقوق الانسان، لدليل أكيد على عزم دول وشعوب العالم اجمع على وضع حد نهائي للعدوان المسلح كاداة من ادوات السياسة الخارجية لاي دولة خاصة وقد ولج في حقبة تسودها اجواء السلام والتوافق والتعاون والتفاؤل. واننا لننظر باعجاب الى دور فخامتكم وبلادكم في ارساء وتعزيز اسس هذه الحقبة.

فخامة الرئيس،،
ان موقفكم العادل الى جانبنا في هذه المحنة، يمثل رفضا قاطعا للعدوان بكل صوره واشكاله، أيا كان مصدره ومهما كانت ذرائعه.
ان ما اظهره الشعب الامريكي الصديق من وحدة وتأييد لموقفكم واجراءاتكم ازاء عدوان العراق على بلدي الكويت الذي كانت حقوق الانسان الكويتي اول واهم ضحاياه، منسجما مع ما عرف به الشعب الامريكي من ايمان ثابت بمقاييس العدل والاصناف، ذلك الايمان الذي يجمع بين دول وشعوب العالم المتحضر.
ولقد سرني ما اظهرته محادثاتنا مع فخامتكم صباح هذا اليوم من تطابق تام في وجهات النظر حول الامور التي تم التطرق اليها، الامر الذي يعبر بصدق عن المستوى المتقدم الذي ارتقت اليه العلاقات بين بلدينا وشعبينا الصديقين.

وشكرا فخامة الرئيس
في التاريخ نفسه اي في 28 سبتمبر عام 1990م استقبل الشيخ جابر الاحمد في مقر الوفد الدائم لدولة الكويت في نيويورك سالم سالم امين عام منظمة الوحدة الافريقية، الذي حمل له تأييد المنظمة لجميع الخطوات المتخذة لتحرير دولة الكويت، داعيا النظام العراقي الى الانسحاب الفوري دون قيد او شرط من الاراضي الكويتية، وعودة الشرعية الكويتية لممارسة مهامها وسيادتها.
وكان الشيخ جابر الاحمد قد امضى في الاول من اكتوبر يوما حافلا بالاجتماعات والمحادثات فقد اجتمع مع رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، والرئيس الاجنتيني كارلوس منعم، ووزير خارجية فرنسا رولان دوما، كما تناول الغداء على مأدبة اقامها السكرتير العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار.
ففي لقائه مع رئيسة الحكومة البريطانية الذي دام ما يزيد عن 30 دقيقة، تناول البحث التطورات في المنطقة وتعزيز الاجراءات الدولية لارغام العراق على الانسحاب من الكويت. وكانت تاتشر قد اعلنت قبل لقائها مع الشيخ جابر الاحمد: ان الخيار العسكري موجود، وان حشد القوات ما زال مستمرا، ولا بد ان نكون جاهزين لمواجهة اي تطورات.
وفي حوار مع شبكة (cnn) الاخبارية اضافت تاتشر: «انت لا يمكن ان تتفاوض مع واحد اغتصب وغزى بلدك واستولى على ممتلكاتك».
وعلى صعيد لقائه بوزير الخارجية الفرنسي ذكرت مصادر دبلوماسية فرنسية انه لا صحة لما اشيع ان هناك حوارا بين باريس وبغداد واكدت هذه المصادر، انه لا يمكن اجراء اي نقاش مفيد مع العراق الا بعد الاستجابة لشرطين مسبقين هما: انسحاب القوات العراقية من الكويت واطلاق سراح الرهائن.
وعلى صعيد اخر، كان اطفال الكويت نجوم مؤتمر القمة العالمي للطفولة الذي عقد في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت اوسع قمة تعقد على مستوى العالم، حيث وصفها نائب رئيس المؤتمر موسى تراوري بقوله: لم يحصل ابدا مثل هذا الحشد الكبير لرؤساء الدول حول الطاولة نفسها وسبب هذا المؤتمر هم الاطفال.
وقد ضمت القمة 71 رئيس دولة وحكومة و69 وزير خارجية ووصفها الامين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار بانها تمثل التزاما على اعلى مستوى لبناء نظام عالمي يحفظ اغلى موارد الجنس البشري.
وكان الشيخ جابر الاحمد وحده من بين رؤساء دول الشرق الاوسط الذي شارك في القاء كلمة الكويت امام هذا الحشد الكبير، وقد اشار معظم المتحدثين الى كلمته وركزوا في خطاباتهم على حق اطفال الكويت للعيش في سلام.. وفيما يلي نص الكلمة التي القاها امام مؤتمر القمة العالمي للطفولة يوم 29 سبتمبر عام 1990م.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:25 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،،
ارجو ان تسمحوا لي، وبعد ان ناقشنا باهتمام وموضوعية قضايا الطفولة في العالم في هذه القمة الدولية الاولى، التي تمثل في نظرنا عقدا دوليا من العمل الحكومي والشعبي الواسع لخير الاطفال في العالم، ان اوجه بالغ الامتنان والتقدير لعقد مثل هذه القمة في هذا المكان الذي يجمع كل العالم والامم.
وفي الدعوة لعقد مثل هذه القمة الدولية يظهر التعاون الدولي جليا واضحا بين دول العالم الثالث والدول المتقدمة. وهو طابع العصر القادم وعنوانه في السنوات القادمة ألا وهو التعاون الدولي من اجل السلام والحرية، وحق الشعوب في ان تقرر مصيرها.

السيد الرئيس،،
ان قضية العناية بالطفل تعني في حقيقة الامر العناية بالاسرة والمجتمع. والطفل هو ثروة المجتمع الحقيقية، وهو مستقبله، وان كنا نريد عالما اكثر رحابة وتسامحا ونموا، فعلينا ان نؤكد اهمية الطفل، وحقوقه التي هي جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان.

السيد الرئيس،،
لقد قدمت الكويت للاطفال في العديد من دول العالم ما بوسعها في مجالات شتى عن طريق دعم المنظمات العالمية المعنية برعاية الطفولة في العالم، سواء أكان الدعم ماليا ام طبيا ام تعليميا، كما احتضنت الكويت الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، وتهتم هذه الجمعية بالاطفال العرب.
لقد كانت نظرتنا الى الطفل اهتماما بالانسان كانسان، وتلبية مطالبه الانسانية والنفسية والصحية والاجتماعية.

السيد الرئيس،،
ان قيمنا الانسانية المشتركة تدعونا الى الاعتناء الشديد بالطفل والعلاقات الاسرية والابوية، كما تدعونا قيمنا الروحية الى العيش بسلام واطمئنان وتقديم العون للاخرين ما امكن ذلك، وهذا ما تدعو له كل الديانات.
ونحن نجتمع اليوم لمناقشة قضية اطفال العالم التي هي قضيتنا، ارجو ان اذكركم والعالم بما يتعرض له اطفالنا ـ اطفال الكويت ـ من عذاب عظيم ومشقة فائقة، وما تتعرض له امهاتهم من تنكيل وتعذيب، وما يتعرض له مجتمعهم من تشريد ومطاردة، وما يتعرض له وطنهم، وطني الكويت من جراء احتلال غاشم غادر لا يرعى حرمة ولا يتوقف عند محرمات، لقد كان اطفال الكويت ينعمون برعاية شاملة، حرصنا ان نقدمها لهم ايمانا منا بانهم عدة المستقبل وذخر الايام القادمة، واليوم نجد انفسنا امام غاصب، غادر يحتل الكويت ويشرد اهلها، ومن اول ما قام به دلالة على نكرانه لكل القيم الانسانية ان اتجه بعدوانه الى اطفال الكويت، ومن بعض ما فعله انه القى بالاطفال ناقصي النمو الى خارج المستشفيات، واقفل اجهزة العناية المركزة وحاضنات الاطفال ناقصي النمو، ونقل مخزون البلازما من بنك الدم الى خارج الكويت، وذلك من جملة ما هدم من دور رعاية الاطفال، والعجزة والمسنين، واخلاء المستشفيات من المرضى، بعد ان دمر احياء باطفالها ونسائها وشيوخها.

السيد الرئيس،،
ان اطفال الكويت اليوم هم ما بين مقيم على خوف ورعب، وما بين مشرد في بقاع شتى من العالم، حرموا بالغدر والخديعة من الرعاية، وواجب العالم ان يتذكر انه كلما شاهد اطفال العالم يحملون كتبهم وكراريسهم متجهين الى مدارسهم، يتذكر ان هناك اطفالا في الكويت محرمون ليس من الرعاية الصحية والمدرسية فحسب بل تم حرمانهم من ابسط مقومات الحياة ايضا وفي هذه القمة الكبيرة استصرخ باسم اطفال الكويت ضمائركم، هنا في داخل هذه القاعة، وهناك على امتداد المعمورة شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، ان تقفوا مع اطفال الكويت، مع ابنائي واهلي، فهم يعانون من اضطهاد وظلم المحتل المغتصب وان تهبوا لحماية حقوقهم الانسانية التي تكفلها اتفاقية حقوق الطفل العالمية التي وقعتها الكويت مؤخرا، وندعوكم الى دعم حقوقنا الشرعية والتطبيق الكامل لقرارات مجلس الامن.

وشكرا السيد الرئيس،،
وبتاريخ 2 اكتوبر عام 21990م استقبل الشيخ جابر الاحمد بمقر الوفد الدائم لدولة الكويت لدى الامم المتحدة في نيويورك رئيس وزراء جمهورية سانت كيتس ودينيفيس والوفد المرافق له كما استقبل وزير خارجية دولة قطر مبارك الخاطر والوفد المرافق له. كذلك استقبل رئيس جمهورية فنزويلا كارلوس اندريز بيريز والوفد المرافق له.
وعلى صعيد اخر، استقبل الرئيس ايون اليسكو رئيس جمهورية رومانيا والوفد المرافق له، كما استقبل الامين العام لمنظمة الطفولة العالمية اليونيسيف جيمس جراند والوفد المرافق له، كما استقبل ايضا الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة.
هذا، وتلقى الشيخ جابر الاحمد دعوة رسمية لزيارة جمهورية تشيكو سلوفاكيا، نقلها اليه الرئيس التشيكي فاكلاف هافيل عندما اجتمع اليه بالمقر الدائم لوفد الكويت في الامم المتحدة في نيويورك،
بتاريخ 6 اكتوبر عام 1990م اجتمع مبعوث فرنسي مع الشيخ جابر الاحمد وابلغه التزام فرنسا بالقرارات التي اصدرها مجلس الامن الدولي بشأن الاحتلال العراقي للكويت.
وقال بيان رسمي كويتي: ان المبعوث هو السفير بوزارة الخارجية الفرنسية جان بريو وقد اكد موقف فرنسا الثابت من قرارات مجلس الامن المتعلقة بدولة الكويت، كما بحث العلاقات بين البدين الصديقين.
بتاريخ 11 اكتوبر عام 1990م تسلم الشيخ جابر الاحمد رسالة خطية من رئيس جمهورية بروندي بيير بويا تتعلق بالعدوان العراقي على دولة الكويت والعلاقات الثنائية بين البلدين، وقد قام وزير الخارجية والتعاون في بروندي بتسليم الرسالة بالطائف.
بتاريخ 17 اكتوبر عام 1990م تسلم الشيخ جابر الاحمد رسالة من الرئيس البلغاري جيوجيليف. وقال بيان رسمي: ان الرسالة تناولت العلاقة الثنائية بين البلدين وقد سلمها النائب الاول لوزير الخارجية البلغاري فيليب او شبيكوف وسفير بلغاريا لدى الكويت اناناس مانتشيف.
وبتاريخ 18 اكتوبر عام 1990م تلقى الشيخ جابر الاحمد رسالة من رئيس جمهورية موريشيوس. وقام بتسليم الرسالة وزير خارجية موريشيوس اثناء استقباله له بحضور سفير موريشيوس لدى دولة الكويت، والتي تضمنت دعم موريشيوس المطلق للحق الكويتي، وادانة العدوان والاحتلال العراقي للكويت.
وبتاريخ 22 اكتوبر عام 1990م، وصل الشيخ جابر الاحمد الى باريس في زيارة عمل رسمية استمرت يوما واحدا، أجرى خلالها محادثات رسمية مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران. وقد اتت هذه الزيارة في اطار جولة واسعة شملت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي.
وأكدت مصادر قصر الاليزيه بان المباحثات الكويتية الفرنسية تناولت تطورات الوضع في الخليج، ودراسة سبل تنفيذ القرارات الاخيرة لمجلس الامن الداعية الى الانسحاب الشامل للقوات العراقية من كامل الاراضي الكويتية.
وأكدت هذه المصادر رفض باريس للانسحاب الجزئي، واصرارها على الانسحاب الشامل.
وفي اطار التحركات الجارية لانهاء ازمة الخليج وتحقيق الانسحاب الشامل، فان باريس قد تحولت خلال الايام الاخيرة الى مركز لكل الاتصالات الجارية بين مختلف القوى المعنية بالاحتلال العراقي للكويت، وسبل انهائه.
وفي مؤتمر صحفي قبل قيام الشيخ جابر الاحمد بزيارة العمل الرسمية لباريس، ادان الرئيس ميتران أية محاولات عراقية لمسح الهوية الوطنية الكويتية، من خلال احلال عراقيين آخرين مكان الشعب الكويتي الذي يطرد من بلاده يوميا.
وبتاريخ 23 اكتوبر عام 1990م وصل الشيخ جابر الاحمد الى لندن في زيارة عمل قصيرة اجرى خلالها محادثات مهمة مع رئيسة الحكومة مارغريت تاتشر.
وقالت مصادر بريطانية رسمية ان المحادثات ستعقد في مقر رئاسة الحكومة «10 داوننغ ستريت»، وستتركز على الجهود المبذولة لانهاء الاحتلال العراقي للكويت.
وقد سبق للشيخ جابر الاحمد ان التقى رئيسة الحكومة البريطانية قبل شهر على هامش قمة الطفولة التي عقدت في نيويورك، حيث نقل اليها شكر الكويت على الموقف الحازم الذي وقفته من العدوان العراقي على الكويت.
وفي التاريخ ذاته صدر تأكيد من الجانبين الكويتي والبريطاني اثر جولة المحادثات المهمة بين الطرفين بان حل الكارثة التي خلفها الاحتلال العراقي للكويت في الثاني من اغسطس 1990م لا يكون الا بانسحاب عراقي فوري من الاراضي الكويتية كلها، وعودة الشرعية الحاكمة لارض الكويت لتمارس حقوقها المشروعة على تراب وطنها.
وقالت مصادر بريطانية مسؤولة: ان رئيسة الحكومة اكدت على عدم وجوب مكافأة العدوان، مشددة على ان صدام حسين يجب الا يستفيد ادنى درجة من غزوه للكويت.
كما نقلت مصادر بريطانية رسمية عن الزعيمين اتفاقهما على تنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي بالكامل دون تراجع او ابطاء.
وافادت هذه المصادر ان الشيخ جابر الاحمد نقل الى الشعب البريطاني شكر شعب الكويت على ما قام به من اجل انهاء احتلال بلده، وارغام المعتدي على الانسحاب واشارت هذه المصادر ـ ايضا ـ الى ان الامير ابلغ رئيسة الحكومة بنتائج اجتماعات المؤتمر الشعبي الكويتي في جدة، ووقوف جميع ابناء الكويت صفا واحدا ضد الاحتلال، والتمسك بعودة الشرعية لممارسة مهامها الطبيعية.
وقد جاء في بيان اصدره مقر رئاسة الوزراء البريطانية في «10 داوننغ ستريت» ما يؤكد افادة هذه المصادر.
وبتاريخ 30 اكتوبر عام 1990م استقبل الشيخ جابر الاحمد المبعوث الخاص للرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف عضو المجلس الرئاسي بفجيني بريماكوف والوفد المرافق له، حضر الاجتماع ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح.
وقد صرح مصدر كويتي مسؤول عقب الاجتماع، ان الكويت تعرب عن تقديرها للجهود التي يبذلها الاتحاد السوفييتي من اجل تنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي المتعلقة بالاحتلال العراقي للكويت.
وقال متحدث باسم الرئيس السوفييتي «فيتالي اغناتونكو»: ان جولة المبعوث الخاص للرئيس السوفييتي للشرق الاوسط ترتبط بالجهود الدولية الرامية الى تسوية لأزمة الخليج، ونوه الى ان هناك ميولا تفيد بان الاعتماد على الاجراءات السياسية وحدها قد طال اكثر مما يجب، وانه آن الاوان لاتخاذ اجراءات اكثر حزما.
من جهة اخرى، اشار متحدث رسمي سوفييتي اخر «غينادي غيرا سيموف» ان موسكو لم تكن تصوت فقط لصالح القرار الذي اتخذه مجلس الامن الدولي يوم الاثنين الماضي، بل شاركت في صنعه، مشيرا الى اهمية المقترحات التي تضمنها القرار الموجه الى السكرتير العام للمنظمة الدولية والدول كافة، لبذل الجهود الدبلوماسية من اجل التوصل الى حل سلمي لازمة الخليج.
وبتاريخ 5 نوفمبر عام 1990م، وبعد ان قابل الشيخ جابر الاحمد، اكد وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر ان ازمة الخليج قد دخلت مرحلة جديدة، وألمح الى ان الخيار العسكري بات اكثر احتمالا في المرحلة الجديدة مما كان عليه في مرحلة الردع الاولى.
وبتاريخ 6 نوفمبر عام 1990م تلقى الشيخ جابر الاحمد رسالة من الرئيس الهنغاري تناولت العلاقات المتينة التي تربط البلدين الصديقين، وقام بنقل الرسالة اليه مبعوث الرئيس الهنغاري وكيل وزارة الخارجية الدكتور تاماشي كاتون، وقد عبر فيها عن تأييد بلاده ودعمها المطلق لجميع الخطوات التي اتخذت لتحرير دولة الكويت.
بتاريخ 8 نوفمبر عام 1990م استقبل الشيخ جابر الاحمد وزير خارجية الصين كيانكيشان، حيث سلمه رسالة من الرئيس الصيني يانغ شانغ كونغ... وقال بيان كويتي رسمي صادر عن الديوان الاميري، ان الرسالة تناولت آخر تطورات الاوضاع في منطقة الخليج، والعلاقات الطيبة التي تربط بين الشعبين والبلدين الصديقين، واضاف البيان، ان الرسالة تضمنت كذلك تجديد الدعوة للامير لزيارة الصين في الموعد الذي يراه مناسبا.
وبتاريخ 13 نوفمبر عام 1990م ذكرت مصادر رسمية في المنظمة الدولية لرعاية الطفولة التابعة للامم المتحدة «اليونيسيف» انها تلقت مبلغ مليوني دولار مساهمة من حكومة الكويت لدعم الجهود التي تبذلها هذه المؤسسة العالمية في مجال رعاية الاطفال وبخاصة في دول العالم الثالث، واعربت هذه المصادر عن تقديرها لهذه المساعدات المستمرة رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها دولة الكويت وحكومتها الشرعية، حيث ان هذه المساهمة تمثل جزءا من المساهمات التي تشارك بها حكومة الكويت منذ انشاء هذه المنظمة.


«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:27 AM
وبتاريخ 30 نوفمبر عام 1990م حذر الشيخ جابر الاحمد من آثار الغزو والاحتلال العراقي للكويت بانها تتعدى الكويت لتضرب الامن والاستقرار في العالم، مؤكدا على الاهمية البالغة لعنصر الوقت في انهاء الاحتلال، ومحذرا من ان هذا الغزو سيلحق اضرارا كبيرة باقتصاديات العالم.
واشار في رسالة بعث بها الى مؤتمر القمة التاريخي الذي عقده زعماء مؤتمر الامن والتعاون الاوروبي في باريس، جاء فيها: «... انه في الوقت الذي بدأ فيه العالم يرسي نظاما دوليا جديدا قائما على العدل والسلام والوفاء، وجه العراق ضربة قاسية لهذه المبادىء من خلال احتلاله دولة مستقلة»....
مؤكدا ان وقفة المجتمع الدولي مع الكويت، كانت رسالة واضحة للمعتدي بان العالم المتحضر يقف بصلابة ضده، ولن يسمح له بالاستمرار في عدوانه، وفيما يلي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس،،،
يسعدني ان اوجه اليكم باسم شعب الكويت المسالم، والرازح الآن تحت سطوة الاحتلال العراقي الغاشم، وباسم حكومة الكويت، وباسمي، التحية والتقدير لكم ولاصحاب الفخامة رؤساء الدول والحكومات المشاركين في مؤتمركم المعني بالامن والتعاون في اوروبا.
انه حدث تاريخي ذو مغزى ان يلتئم شملكم مرة اخرى، بعد ان شهدت الساحة الدولية ـ منذ اجتماعاتكم السابقة ـ تطورات رئيسية استهدفت في مسعاها خير الانسان، صانع الحضارة والسلام، ركيزة الاستقرار والتقدم.
ويأتي اجتماعكم هذا، والعالم كله يشهد ولادة وصياغة نظام دولي جديد، تختفي منه روح الشر، ويخمد فيه نفير الحرب، بينما تعلو فيه مبادىء العدل وصروح السلام، وتسقط فيه الحواجز المصطنعة، وتترعرع فيه روح الوفاق في مسيرة اتضحت معالمها برغبة صادقة في نزع السلاح، والتخلص من ادوات الدمار الشامل، والتوجه الى التنمية الاقتصادية، وضمان مستقبل اكثر امنا واستقرارا للاجيال القادمة.

فخامة الرئيس،،،
في هذا الوضع الذي تميزت ظواهره بتلك العلامات المضيئة، شهدت منطقتنا في الخليج العربي ردة الى الوراء، وضربة قاصمة لكل المبادىء والمواثيق، تمثل ذلك في عدوان عراقي، واحتلال لدولة مستقلة عضو في الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، وهي بلدي الكويت، واستتبع ذلك بضمها، وباجراءات وممارسات تعسفية ضد الشعب الكويتي وممتلكاته، وهدم البنيتين الاقتصادية والاجتماعية، واقتلاعهما من جذورهما، وفي سابقة تاريخية لم يشهد لها عالمنا المعاصر مثيلا، ولو انها تركت بدون ردع فوري وحاسم لانقلبت الموازين والقيم والقواعد التي سارت عليها البشرية، بعد ان كرستها بالجهد وارتضتها ناموسا.
وانه لمحزن حقا ان تمتد اليد الآثمة للمعتدي لتشمل في قسوتها ايضا مواطنين من جنسيات ثالثة، ومنهم عدد كبير جدا من دولكم، تسلط عليهم صنوفا من العذاب، وتسخرهم كأدوات في نهج استغلال مهين للكرامة والحقوق البشرية، بعد ان كان اولئك المواطنون عناصر خير ومحبة وعطاء في خطط التنمية الاقتصادية لكويتنا الحبيبة.
ولقد اتضح الآن ان اثار ذلك العدوان العراقي لم تتوقف عند الكويت، بل تعدت لتضرب الامن والاستقرار في العالم، وتفرض آثارا عكسية جدا على اقتصادياته.
لكن وقفة المجتمع الدولي الشجاعة والفورية والحاسمة من خلال مجلس الامن، وبتأييد كامل من دولكم جميعا، واتخاذه خطوات اساسية لاعادة الحق الى نصابه، ورفع الظلم ودحر العدوان كان امرا ذا اهمية كبرى، ورسالة واضحة للمعتدي بان العالم المتحضر يقف بصلابة ضده، ولن يسمح له بالاستمرار في عدوانه.
انني باسم الشعب وحكومة الكويت، اشكر لفخامتكم ولجميع السادة رؤساء الدول، والحكومات المشاركين في هذا المؤتمر، وقفتهم الشجاعة هذه مع الحق طريقا للسلام، واجدد لكم النداء بان تولوا في مداولاتكم المهمة عنايتكم امر اتخاذ اجراءات مناسبة ضد استمرار الاحتلال والعدوان العراقي علي بلدي، وشعبي في الكويت، وتصميم ذلك النظام على عدم تنفيذ ارادتكم، وتحديه لقرارات مجلس الامن وقواعد الشريعة الدولية.
انكم تملكون من واقع ادواركم وقيمكم مسؤوليات خاصة في حماية السلام في العالم، مؤداها الا تتركوا مجالا لهذا العدوان ان يستمر، او لهذا المعتدي ان يجني اي ثمرة من عدوانه، اننا شركاء في الحاضر وصناعة المستقبل، وقيمنا تحتم علينا التكاتف والعمل المشترك لاعلاء الحق وازهاق الباطل، وانني ومن واقع متابعتي الدقيقة ومسؤولياتي، اشير الى ان عنصر الوقت اصبح امرا ذا اهمية بالغة في وقف هذا العدوان، وانهاء آثاره.
وتفضلواع بقبول فائق التحية والتقدير،،،،

جابر الاحمد الصباح
امير دولة الكويت


سموه أشاد بالدور الحاسم للولايات المتحدة في التصدي للاحتلال الأمير: واثقون من حتمية انتصارنا على الباطل وردع المعتدي
الحلقة الثالثة والثلاثون

نواصل في هذه الحلقة القاء الضوء على جهود صاحب السمو امير البلاد في حشد التأييد الدولي لقضية الكويت العادلة.. ومواصلة العمل على تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم ففي 20 نوفمبر عام 1990 استقبل الشيخ جابر الاحمد رئيس الوزراء الباكستاني محمد نواز شريف وبحث معه آخر المستجدات حول ازمة الخليج والعلاقات الثنائية بين البلدين، وموقف باكستان المؤيد والمساند للحق الكويتي، وكذا تأييد باكستان المطلق لجميع القرارات الصادرة عن مجلس الامن الدولي، والمتصلة بتحرير الكويت.
بتاريخ 23 نوفمبر عام 1990 اعرب الشيخ جابر الاحمد والرئيس الامريكي جورج بوش عن املهما في ان يكون اجتماعهما المقبل في الكويت بعد تحريرها من الغزاة. جاء ذلك من خلال الاجتماع الذي عقده الزعيمان في جدة، والذي ركز على آخر تطورات الوضع الناجم عن الاحتلال العراقي لدولة الكويت.
وقال مصدر كويتي مسؤول في ختام الاجتماع: ان مباحثات الزعيمين تناولت آخر التطورات في الوضع الخطير الناجم عن استمرار الاحتلال العراقي للكويت، واصرار العراق على تجاهله لقرارات مجلس الامن الصادرة بهذا الشأن، ووصف المصدر وجهات النظر بين الجانبين الامريكي، والكويتي بأنها كانت متطابقة، وان المباحثات جرت في جو ودي ساده التفاهم المشترك.
وكان الشيخ جابر الاحمد قد اشاد بالدور الحاسم الذي تقوم به الولايات المتحدة في التصدي للاحتلال العراقي.
وقال عقب الاجتماع بأنه ليس هناك اي امل في ان يتخلى العراق عن تحديه لارادة المجتمع الدولي، وانهاء احتلاله للكويت. واكد على حتمية انتصار الحق على الباطل بفضل الدعم غير المحدود للقضية الكويتي، وفيما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،،،

انه لمن دواعي سروري ان التقي بكم مرة اخرى، وهذه المرة على ارض المملكة العربية السعودية الشقيقة العزيزة علينا، والصديقة للجميع، وعلى الرغم من ان هذا اللقاء يتم تحت ظل ظروف مأساوية لشعبي وبلادي، الا اننا نجد العزاء في موقف الاسرة الدولية المشرف من قضيتنا وبخاصة مجلس الامن، مما جعل هذا الموقف منعطفاً تاريخياً في العلاقات بين الامم والشعوب عن طريق الاجماع على الالتزام بميثاق الامم المتحدة، كما ارى من الواجب ان اشيد بالدور الحاسم الذي تلعبه الولايات المتحدة الامريكية شعباً وحكومة بالوقوف بوجه العدوان والتصدي له، ولم يأت هذا الموقف الامريكي من فراغ لانكم من سلالة اجدادكم المهاجرين الاول الذين فضلوا منذ قرون المجازفة والمخاطرة بحياتهم بالهجرة الى عالم بعيد ومجهول، بدل الاذعان للقمع، وتكبيل الحريات، منشئين بذلك تراثاً للوقوف بوجه الظلم والعدوان. ولقد تحققت آمالهم في بناء عالم حر يأبى الذل ويرفض الطغيان، واصبح ملجأ لكل محبي الحرية، واليوم يعكس الاحفاد عبر اسلافهم الموقف التاريخي، لكي يبددوا الظلمات التي تعكسها اشباح الديكتاتورية والطغيان على ارض الاحرار في استمرار صادق للتمسك بعرف وتراث اسلافها.

السيد الرئيس،،،

ان الحزن ليعتصر قلوبنا مع كل يوم يمضي، وتتزايد فيه معاناة شعبنا، والمقيمين معهم في الداخل من رعايا الدول الاخرى، الذي اطبق عليهم ظلام الطغيان العراقي وجعلهم عرضة لمعاملة غير انسانية، لم يسبق لها مثيل، حتى الغذاء والدواء حرموا منهما، ان الشعب الكويتي الاعزل في الداخل يكافح بشجاعة منقطعة النظير وتحت اقصى الظروف، كفاحاً سلبياً اصاب المحتل بالاحباط على الرغم من تفوق عددهم وعدتهم، مما افقد المعتدي صوابه وزاد من امعانه في القمع والقسر، ولاشك يا سيادة الرئيس في ان لديكم فكرة عن كل المعاناة عن طريق سفيركم، وما تبقى من الدبلوماسيين الغربيين في الكويت الذين استطاعوا الصمود ببسالة، وشاركوا الشعب الكويتي معاناته القاسية.
وليس هناك في الافق امل يلوح بتخلي المحتل الغاشم عن عناده واصراره في تحدي اجماع الارادة الدولية، وامعانه في ترديد ممارسته للحيل الرخيصة باللعب بعواطف الشعوب، وبقضية الرهائن الذين ما كان يجب ان يحتجزوا بالاصل، او محاولة ربط وتبرير عدوانه بعدوان الاخرين، كأنما يقر الشر بالشر، معرضاً شعبه لمخاطر لا تحمد عقباها.
ومع ذلك، فنحن واثقون من حتمية انتصار الحق على الباطل، وهو ما نأمله ان شاء الله، فايماننا وثقتنا بدعم اشقائنا واصدقائنا ليس لهما حدود.
واختم كلمتي هذه بتوجيه التحية لكم، وعبركم للشعب الامريكي، وابنائه المتواجدين في الخليج لردع المعتدي، وبمناسبة عيد الشكر ذكرى اولئك الذين رفضوا ان يستسلموا للظم او يطيعوه.
وشكراً يا سيادة الرئيس،،،
هذا، وقد وصف الرئيس الامريكي جورج بوش من جانبه اجتماعه مع الشيخ جابر الاحمد بأنه كان مفيداً جداً، وقال: «... انه اكد لسموه التزام الولايات المتحدة الثابت بالاهداف التي جاءت في قرارات الامم المتحدة من خلال مجلس الامن..».
واضاف: «... ان هذه الاهداف تتضمن الانسحاب الفوري وغير المشروط، وعودة الحكومة الشرعية للكويت، واطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين ضد رغبتهم..».
واوضح: «... اننا اتفقنا على ضرورة التوصل الى هذه الاهداف بالطرق السليمة، ولكننا في الوقت نفسه اتفقنا ايضا على ان تكون جميع الخيارات مفتوحة، وان تتخذ جميع الخطوات لتحقيق هذه الاهداف بصورة حاسمة..».
وفي هذا السياق، قال ايضاً: «... ان سمو الامير يطلعه على الفضائح والاعمال الوحشية، واعمال التخريب التي يقوم بها كل يوم الاحتلال العراقي بقيادة صدام حسين.. ».
واضاف مؤكداً: «... لقد خرجت من هذه المباحثات وانا اكثر تصميماً من قبل لارى وضع حد لهذا الاحتلال القاسي، ومعاقبة هؤلاء المسؤولين على ارتكاب هذه الاعمال الوحشية، واود ان اختتم بالقول، ان هذه المقابلة هي مقابلتنا الثانية مع سمو الامير منذ حدوث المأساة في الثاني من اغسطس، وآمل ان يكون لقاؤنا الثالث على ارض الكويت المحررة، وان يسود الامن والاستقرار منطقة الخليج...».
وبتاريخ 26 نوفمبر عام 1990 غادر مبعوث الشيخ جابر الاحمد وزير الدولة للشؤون الخارجية، الشيخ ناصر المحمد الاحمد الجابر الصباح، سنغافورة متوجهاً الى مملكة بوتان، حيث قام بتسليم رسالة من سمو الامير الى ملك بوتان.
وكان الشيخ ناصر المحمد الاحمد قد عقد مؤتمرا صحفياً موسعاً بثه التلفزيون السنغافوري كاملاً، استغرق حوالي خمس وخمسين دقيقة، حضره مندوبو صحف آسيوية، واوروبية، وشبكات تلفزيونية، وبعض الشخصيات الاسلامية المقيمة في سنغافورة.
وقد التقى مبعوث امير دولة الكويت ملك بوتان جيمي سينجي رانج بوك، حيث قام بتسليمه الرسالة ناقلاً له تحيات الامير وتمنياته، ودعواته له ولشعبه الكريم بالتوفيق والسداد.
من جهة اخرى، عبر الملك عن استنكاره وشجبه لما قامت به القوات العراقية الغازية من اجتياح غاشم لدولة الكويت، وقال: ان بوتان تتألم لما حصل في الكويت، واكد على ضرورة انسحاب العراق من اراضي الكويت بشتى الوسائل، مشيراً الى الوضع المتميز الذي استطاعت الكويت ان تحققه بين دول العالم اجمع، كما اشاد بسياسة الكويت الخارجية التي لعبت دوراً بارزاً في سياسة الوفاق الدولي.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:28 AM
وبتاريخ 30 نوفمبر عام 1990 تلقى الشيخ جابر الاحمد رسالة ودية من مارغريت تاتشر بمناسبة انتهاء مهمتها بصفتها رئيسة لوزراء بريطانيا، وزعيمة لحزب المحافظين، وقد بعث برسالة جوابية ضمنها شكره وتقديره لها على مواقف حكومتها تجاه الحق والعدل، التزاما بالمبادىء والقيم التي تمسكت بها بريطانيا على الدوام.
كما بعث برسالة تهنئة الى خلفها جون ميجور بمناسبة فوزه بزعامة حزب المحافظين، وبرئاسة الحكومة البريطانية، اعرب فيها عن تمنياته له بالتوفيق اثناء قيامه بالمهام الجسام الملقاة على عاتقه، مؤكداً عزم دولة الكويت على الاستمرار في توثيق العلاقات الوطيدة والراسخة التي تربط بين البلدين الصديقين لما فيه خير شعبيهما.
وفي التاريخ ذاته وصل الى الطائف الشيخ ناصر المحمد الاحمد وزير الدولة للشؤون الخارجية، عائداً من جولة شملت ثمانية بلدان، هي: اليابان، وبابوا «غينيا الجديدة»، ونيوزيلاندا، واستراليا، وسلطنة بروناي، وماليزيا، وسنغافورة، وبوتان، حيث حمل رسائل من امير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد الى قادة وزعماء هذه الدول.
وابلغ الشيخ ناصر المحمد الاحمد وكالة الانباء الكويتية ان رسائل سمو الامير قد تضمنت تقدير الكويت حكومة وشعبا لزعماء هذه الدول على مواقفهم الواضحة والداعمة للحق والعدل، والتي تمثلت في قرارات مجلس الامن الدولي المتعلقة بادانة واستنكار دول العالم للاحتلال العراقي لدولة الكويت، مطالبة العراق بالانسحاب الفوري وغير المشروط وعودة الشرعية الى الكويت.
مؤكداً ان قادة هذه الدول، قد اكدوا له استمرار بلادهم في دعمها لجميع القرارات التي صدرت عن مجلس الامن الدولي، سواء ما تعلق منها بادانة الاحتلال ام بالاجراءات المقررة لاجبار العراق على الانسحاب.
وبتاريخ 1 ديسمبر عام 1990م تلقى الشيخ جابر الاحمد مكالمة هاتفية من الرئيس جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الامريكية، تم فيها تبادل الاراء ووجهات النظر بين الزعيمين حول المستجدات على الساحتين الاقليمية والدولية، وذلك في ضوء القرار الاخير لمجلس الامن. ووصف مصدر مسؤول المحادثات الهاتفية بأنها كانت ودية للغاية.
وبتاريخ 4 ديسمبر عام 1990م اعلن الشيخ جابر الاحمد تأييده لمبادرة الرئيس الامريكي جورج بوش السلمية تجاه العراق. وقال بيان رسمي صادر عن الديوان الاميري، ان الاعلان جاء في رسالة جوابية بعث بها سمو الامير الى الرئيس الامريكي رداً على رسالة منه، اكد فيها ثبات موقف واشنطن من الاحتلال العراقي لدولة الكويت.
واضاف البيان ان رسالة الرئيس بوش تناولت آخر تطورات قضية الخليج، والمبادرة التي اعلنها بصفتها فرصة اخيرة قبل تنفيذ قرار مجلس الامن رقم .678
وتتضمن المبادرة دعوة وزير الخارجية العراقي طارق عزيز للاجتماع مع الرئيس الامريكي في البيت الابيض في الاسبوع الثاني من شهر ديسمبر، وارسال وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر لمقابلة الرئيس العراقي صدام حسين في بغداد في الفترة ما بين 15 ديسمبر عام 1990 حتى منتصف عام 1991م، ويعتبر هذا التاريخ هو الموعد النهائي الذي اعطاه القرار رقم 678 للعراق كي يسحب قواته من الكويت، والا فإن الوسائل الاخرى ـ من بينها القوة ـ ستستخدم لاخراجه منها.
هذام اللقاءان لم يتما بسبب التعنت العراقي الامر الذي دعا الى ترتيب لقاء آخر بين وزيري خارجية كلا البلدين في جنيف بتاريخ 6 يناير عام 1991، كانت نتيجتها كلها الفشل. فقد اعلن وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر ان محادثاته مع وزير الخارجية العراقي قد اخفقت،واضاف في مؤتمر صحفي ان عزيز لم يبد خلال ست ساعات من المحادثات اية مرونة على الاطلاق، وقال: «... للاسف لم اسمع شيئاً من طارق عزيز يشير الى ان العراق سينسحب من الكويت..».
وأضاف: «.. انه نزاع بامكان العراق تفاديه، وان الكرة الان في ملعب القادة العراقيين....».
ومضى بيكر يؤكد: ان عزيز قد رفض تسلم الرسالة التي يحملها لصدام حسين من الرئيس بوش، (لقد قرأناها ولكن رفض استلامها).. ان عزيز جاء فقط للاستماع، ولا يحمل اي تفويض لاستلام مثل هذه الرسالة، وانه خلال الاجتماعات لم يقدم اي اقتراح او افكار جديدة، وكل ما فعله هو تكرار المواقف السابقة، ومحاولة تبرير عدوانه على الكويت.
وفي الطائف صدر بيان عن الديوان الاميري اشار الى ان الرئيس جورج بوش أكد في رسالة لسمو الشيخ جابر الاحمد على جميع الثوابت التي سبق ان اعلنها في مختلف المناسبات، وهي الانسحاب التام، وعودة الشرعية، واطلاق سراح جميع الرهائن، وتنفيذ جميع قرارات مجلس الامن الدولي. واضاف البيان، ان سمو الامير بعث برسالة جوابية للرئيس الامريكي اعرب فيها عن تأييده لمبادرته السلمية، وتمنى له التوفيق.
وبتاريخ 5 ديسمبر عام 1990م اكدت مصادر بريطانية رسمية، ان رئيس الحكومة جون ميجور يضع مسألة الاحتلال العراقي للكويت على رأس اهتماماته، وذكرت هذه المصادر ان زيارة ميجور الى الخليج في الاسبوع الاول من يناير عام 1991م تؤكد حرصه الشخصي على متابعة الازمة كتعبير عن التزامه بالموقف البريطاني الثابت في هذا الشأن.
وبتاريخ 10 ديسمبر عام 1990م أدان الشيخ جابر الاحمد الممارسات الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال العراقية بحق الشعب الكويتي في الداخل.
وقال في كلمة القاها بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان: انه في الوقت الذي يشهد فيه العالم انتهاء الحرب الباردة، وتحقيق التقارب بين قوى العالم الرئيسية، نجد ان العكس تماما يحدث للشعب الكويتي في ظل الاحتلال العراقي للكويت.
وعدد اشكال وصور الانتهاكات العراقية في الكويت، ومنها الاعدام دون محاكمة، والقتل الجماعي للاطفال الخدج، وعمليات القتل العشوائي، والتعذيب النفسي والجسدي الذي ذهب ضحيته المئات من الابرياء. فضلا عن الارهاب الذي تمارسه القوات العراقية بحق مئات الالوف من المواطنين والمقيمين على ارض الكويت بقصد تشريدهم من وطنهم.
وقال: ان ما يحدث على يد النظام العراقي في الكويت والعراق يتنافى مع ما يدعونا اليه الدين الاسلامي من تعظيم لحرمات الانسان، وبيان حقوقه والشفقة عليه ورحمته.
واكد على القول بان وقوف دول العالم في صف القضية الكويتية العادلة هو في الواقع تأكيد لرفض العدوان، وتأكيد للمبادىء والقيم والاعراف التي تحمي حقوقه من الهدر والامتهان.
ودعا دول العالم الى مزيد من الالتحام والتصدي للطغيان باشكاله كافة، والمطالبة بالوقف الفوري للاعمال الوحشية كافة، التي يمارسها نظام صدام بحق الشعب الكويتي.
وبتاريخ 16 ديسمبر عام 1990م استقبل الشيخ جابر الاحمد مدير عام اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولي غاي دولوي والوفد المرافق له حيث شرح الصعوبات التي تواجه الصليب الاحمر في محاولاته المتكررة للحصول على اذن من سلطات الاحتلال العراقي للدخول الى الكويت، بهدف الاطلاع على ما يجري هناك والقيام بواجبه الانساني في اغاثة الشعب الكويتي وفق ما تقتضيه الاعراف الدولية.
وبتاريخ 19 ديسمبر عام 1990م طالب الشيخ جابر الاحمد المجتمع الدولي المساهمة بوقف الانتهاكات اليومية ضد اطفال الكويت، كما دعا زملاءه ملوك ورؤساء دول العالم الذي وقع معهم في سبتمبر عام 1990م الاعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه، ان يهبوا للحفاظ على بقاء اطفال الكويت وحمايتهم من صور القهر والحرمان.
وناشد في كلمة وجهها الى العالم بمناسبة الاعلان عن اوضاع الاطفال في العالم، ان تلتفت الدول الى اطفال الكويت الذين لا يستطيعون الانتظار اكثر من ذلك، وان تطالب بوقف الممارسات الوحشية ورفع المعاناة عنهم.
وقال: انه في ظل الظروف الصارخة التي يعيشها اطفال الكويت بسبب الاحتلال العراقي الغاشم، فان مئات الالوف من الاعين البريئة لاطفال الكويت تبيت دامعة من الرعب والقلق والحنين، اذ تفزعهم قوات الغزو بالمداهمات واقتحام المساكن، وتحول بينهم وبين ذويهم واهليهم الموزعين في اقطار الارض، فلا يدري هؤلاء الاطفال متى يكون لهم مع الاهل لقاء.
كما تطرق في هذه الكلمة الى حرمان اطفال الكويت من التعليم ونقص العناية الطبية، وتعرض العديد منهم الى الاعدام بصورة شنيعة لمجرد كتابتهم كلمات تعبر عن ولائهم لوطنهم، الى جانب الكثير من الاطفال المعاقين الذين يعيشون بلا رعاية بعد اخراجهم من مؤسسات التربية الخاصة.
وبتاريخ 20 ديسمبر عام 1990م اعلن ناطق باسم وزارة الخارجية الصينية والسفارة الكويتية في بكين بان امير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد سيقوم بزيارة رسمية للصين في الاسبوع المقبل، تلبية لدعوة من الرئيس يانغ شانغ كونغ. وجاء اعلان وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحفي دون ان يعطي اي تفصيلات اخرى.
وبتاريخ 21 ديسمبر عام 1990م قررت حكومة نيوزيلاندا المشاركة في الجهد العسكري الدولي في الخليج لمواجهة قوات الغزو العراقية. وقد جاء قرار الحكومة النيوزيلاندية على اثر الرسالة التي ارسلها الشيخ جابر الاحمد الى رئيس وزراء نيوزيلاندا والتي حملها وزير الدولة للشؤون الخارجية الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح.
وقد أخطرت الحكومة النيوزيلاندية حكومة الكويت بموقفها في رسالة اعلنت فيها: ان حكومة نيوزيلاندا اتخدت قرارها هذا لدعم المجهودات الدولية، وتحقيق وتنفيذ قرارات مجلس الامن، فيما تأمل حكومة نيوزيلاندا الوصول الى حل سلمي يضمن انسحابا كاملا، وغير مشرط للقوات العراقية من الكويت، الا انها ايضا تعتقد ان المساهمة العسكرية تعني جدية الموقف الدولي في تنفيذ قرارات مجلس الامن.
وبتاريخ 26 ديسمبر عام 1990م عقد الشيخ جابر الاحمد جلسة محادثات مع الرئيس الصيني يانغ شونغ كونغ، وذلك في بداية زيارته للصين استغرقت ثلاثة ايام التقى خلالها مع القيادات الرسمية والحزبية الشعبية في جمهورية الصين.
وقد استقبلت بكين الشيخ جابر الاحمد والوفد المرافق له بحفاوة بالغة كسرت خلالها بروتوكولات الضيافة المألوفة، تعبيرا عن مدى اهتمامها بأمير دولة الكويت وقضيتها العادلة.
وقد ذكرت مصادر رسمية صينية ان المسؤولين الصينيين يدعمون تحرير الكويت كموقف مبدئي، ويدينون العدوان، ويصرون على الانسحاب العراقي الشامل، وعودة الشرعية الى الكويت.
وقالت وكالة انباء الصين الجديدة: ان الرئيس الصيني بعد محادثاته مع سمو الامير حث المجتمع الدولي على ممارسة مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على العراق، كما اكد اثناء استقباله له في اليوم الثاني للزيارة دعم بلاده الثابت لكفاح الشعب الكويتي من أجل العودة الى وطنه، وعودة الكويت دولة مستقلة ذات سيادة بحكومتها الشرعية برئاسة الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح.
كما اعرب الرئيس الصيني عن تعاطف حكومته البالغ من معاناة الشعب الكويتي في ظل الاحتلال العراقي، مؤكدا ان الكفاح من اجل العودة لا بد ان ينتصر في النهاية دائما، وان بلاده تتمسك بموقفها الرافض للعدوان العراقي، والداعي للانسحاب من الكويت دون قيد او شرط.
ويذكر هنا ان زيارة الشيخ جابر الاحمد للصين توافقت في تاريخها مع الزيارة التي سبق للرئيس الصيني ان قام بها الى الكويت في 26 ديسمبر عام 1989م.
وبتاريخ 28 ديسمبر 1990م عاد الشيخ جابر الاحمد واعضاء الوفد المرافق له الى مقر اقامته المؤقتة في الطائف، بعد ان انهى زيارة ناجحة ومهمة الى الصين تلبية لدعوة من الرئيس الصيني، حيث صدر في ختام الزيارة البيان الصحفي التالي: تلبية لدعوة من فخامة يانغ شانغ كونغ رئيس جمهورية الصين الشعبية،قام حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت، بزيارة رسمية ودية للصين في الفترة ما بين 26 ـ 29 ديسمبر (كانون الاول) 1990م.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:29 AM
وقد أجرى اثناء الزيارة لقاءات مع جيانغ تسي مين الامين العام للحزب الشيوعي الصيني، ويانغ شانغ كونغ رئيس الدولة، ولي بنغ رئيس مجلس الدولة كل على حدة وفي جو من الصداقة والود تم استعراض الوضع الخطير في منطقة الخليج والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك وسبل توثيق وتطوير العلاقات بين البلدين، وقد اكد الجانب الصيني مجددا معارضته الحازمة للغزو العراقي، وضمه لدولة الكويت، ومطالبته بانسحاب القوات العراقية الكامل والفوري وغير المشروط، وضرورة احترام واستعادة استقلال الكويت، وسيادتها وسلامة اراضيها، وحكومتها الشرعية بقيادة الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت.
وفي هذه الزيارة عرض الجانب الكويتي آخر تطورات الموقف في الخليج، وما دار في مؤتمر الحادي عشر لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، معربا عن تقديره البالغ وشكره للصين على موقفها المبدئي تجاه الاحتلال العراقي لدولة الكويت، املا ان تستمر الصين في الابقاء على الضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على العراق، لاجباره على الامتثال لجميع القرارات الدولية المتعلقة بالعدوان العراقي على الكويت، من اجل تجنيب المنطقة والعالم بأسره مخاطر واهوال حرب محققة، كما اجرى الجانب الكويتي ايضا خلال الزيارة مناقشات بين المسؤولين المختصين في البلدين حول علاقات التعاون في المجالات المختلفة، حيث اكد الجانبان على اهمية تطوير تلك العلاقات، ودعمها في الميادين كافة، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.
وفي ختام الزيارة، اعرب الشيخ جابر الاحمد عن تقديره للحفاوة والتكريم البالغين اللذين قوبل بهما، والوفد المرافق له اثناء الزيارة مما يعكس عمق العلاقات الطيبة التي تربط بين البلدين، موجها الدعوة الى الرئيس يانغ شانغ كونغ رئيس جمهورية الصين الشعبية لزيارة الكويت المحررة والذي قبلها بالترحيب والشكر.
وبتاريخ 1 يناير عام 1991م استقبل الشيخ جابر الاحمد، نائب رئيس الولايات المتحدة الامريكية دان كويل والوفد المرافق له، حيث نقل له تحيات الرئيس جورج بوش والشعب الامريكي.
وقد بحث الجانبات آخر المستجدات على الساحة الخليجية. وفي نهاية اللقاء صرح وزير الدولة الدكتور عبدالرحمن العوضي بان وجهة نظر الجانبين الكويتي والامريكي كانت متطابقة فيما يتعلق باهمية تماسك الموقف الدولي الذي لا يقبل التفريط بقرارات مجلس الامن، ولا يتهاون مع الموقف العراقي المتعنت، وكل التحركات المشبوهة التي تحاول المساس بهذه القرارات، كما اشار الى تطابق وجهتي النظر الكويتية والامريكية بشأن خطط تحرير الكويت، وتطبيق جميع قرارات الامم المتحدة ذات العلاقة التي تسعى الى تحقيق الانسحاب الكامل وغير المشروط للقوات العراقية، وعودة الحكومة الشرعية الى الكويت.


وبدأ تحطم الأسطورة العراقية عند الساعة الثانية وأربعين دقيقة من فجر 19 يناير 1991 الأميـر مبشرا الكويتيين: حانـت ساعـة الخـلاص وعـودة الوطن
الحلقة الرابعة والثلاثون

وتتواصل جهود سمو الامير في حشد التأييد الدولي لقضايا الكويت العادلة.
وبتاريخ 5 يناير 1991م استقبل الشيخ جابر الاحمد وزير خارجية يوغسلافيا بوديمير لونشار، وذلك قبل بدء زيارة العمل التي قام بها للحكومة الكويتية في الطائف، وقد ذكرت مصادر دبلوماسية ان لونشار جاء يحمل تصورا لمسألة احتلال الكويت، وانسحاب القوات العراقية منها، وكان لونشار قد أبلغ الشيخ جابر الاحمد عن جهود حركة دول عدم الانحياز لتنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي، فيما يتعلق بأزمة الخليج، كما عبر عن وقوف الشعب اليوغسلافي وقيادته الى جانب الحق المشروع لشعب الكويت وقيادته.
وبتاريخ 6 يناير عام 1991م تلقى الشيخ جابر الاحمد رسالة من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران قام بتسليمها له السفير الفرنسي لدى دولة الكويت بيرسو Jean paul Bressot اثناء استقباله له، وقد اعرب الرئيس الفرنسي في رسالته عن تأكيد موقف بلاده تجاه العدوان العراقي على دولة الكويت، وتمنى بمناسبة السنة الميلادية الجديدة لشعب الكويت العودة الى وطنه محررا امنا.
وبتاريخ 7 يناير عام 1991م استقبل الشيخ جابر الاحمد رئيس وزراء المملكة المتحدة جون ميجور والوفد المرافق له، حيث بحثا العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل تعزيزها لما فيه خير شعبيهما، كما بحثا اخر المستجدات على الساحة الخليجية في ضوء قرار الامن الدولي رقم 678 الذي حدد الخامس عشر من يناير عام 1991م موعدا نهائيا لانسحاب القوات العراقية من الاراضي الكويتية دون قيد او شرط. وقال ميجور في تصريح صحفي عقب اللقاء.. ان احد الموضوعات المهمة التي فرضت نفسها في هذا الاجتماع هو وضع الشعب الكويتي تحت الاحتلال، وقد تأثرت كثيرا بما يجري في معسكرات الاعتقال يوميا على ايدي السلطات العراقية، والتي كانت مؤكدة ولها ادلتها الواضحة.
وأضاف: انني كنت واضحا مع سمو الامير فيما يتعلق بالتأييد الكامل لقرارات مجلس الامن، والتصميم لدى دول التحالف فيما يتعلق بوجوب انسحاب القوات العراقية بدون شرط، وعدم جني النظام العراقي اي مكاسب من هذا الاحتلال في حال التفاوض.
وبتاريخ 8 يناير عام 1991م قالت مصادر بريطانية رسمية: ان المحادثات الكويتية البريطانية التي عقدت بالطائف كانت على قدر كبير من الاهمية. تناولت سبل انهاء الاحتلال العراقي للكويت ومرحلة ما بعد التحرير. وكان رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور قد اكد خلال لقائه بالشيخ جابر الاحمد، ان بلاده لن تتراجع عن موقفها من ازمة الكويت. ولن تقبل بأقل من التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الامن الدولي، لاسيما القرار رقم 660 الذي يدعو الى الانسحاب العراقي، وعودة الشرعية الكويتية، كما كرر ان الانسحاب الجزئي لن يحل المشكلة، بل معناه الحرب، وان على الرئيس العراقي صدام حسين ان يدفع ثمن عدوانه لكي لا تسود شريعة الغاب.
وكان ميجور قد اعلن في لقائه مع الشيخ جابر الاحمد انه سيكون من الخطأ ان نترك صدام حسين يستفيد من العدوان، لذلك يجب ان نحاسبه، ونجبره على دفع التعويضات كاملة.
واضافت المصادر نفسها ان ميجور بحث مع سمو الامير مرحلة ما بعد التحرير، مؤكدا استعداد بريطانيا الفوري للبدء في برنامج الاعمار، والمساهمة في وضع البرامج والخطط في هذا الشأن، كما اكد ان بريطانيا على استعداد للابقاء على بعض قواتها اذا ما رأت الكويت حاجة الى ذلك بعد استعادة سيادتها.
هذا، وكان الشيخ جابر الاحمد قد وجه دعوة الى رئيس وزراء بريطانيا جون ميجور لزيارة الكويت بعد تحريرها من العدوان، وكرر مجددا شكر الشعب الكويتي لوقفة الحق التي يقفها معه الشعب البريطاني. ومن جانبه قام ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح بتقديم هدية تذكارية الى ميجور. وهي عبارة عن البوم «البوم صور» يحتوي على اربعين صفحة من الصور، تدين الممارسات الوحشية لسلطات الاحتلال العراقي.
وفي التاريخ ذاته وصل الى بروكسل وزير الكهرباء والماء الدكتور حمود الرقبة، حاملا رسالتين من الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت والشيخ سعد العبدالله السالم الصباح ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الى كل من الملك بودوان، ورئيس الوزراء البلجيكي ولفريد ماوتنز، تتعلقان بالمستجدات على الساحة الخليجية.
والجدير بالذكر ان بلجيكا اعلنت مواقف واضحة في رفض العدوان العراقي على الكويت، واكدت التزامها بتطبيق جميع قرارات مجلس الامن الدولي. وكان وزير خارجيتها ايمنز قد علق على رفض وزير الخارجية العراقي طارق عزيز اللقاء مع وزراء خارجية الترويكا الاوروبية بانه: «اهانة للعالم».
وبتاريخ 11 يناير عام 1991م قال الشيخ جابر الاحمد: انه اذا رفض العراق الانصياع للقرارات الدولية الداعية الى سحب القوات العراقية من الكويت فانه لا بد من استخدام القوة العسكرية لاخراجها.
واوضح اثناء اجتماعه بوزير الخارجية الامريكي، جيمس بيكر: اننا نرحب بالسلام المبنى على الانسحاب العراقي الكامل من الكويت وفقا لقرارات مجلس الامن الدولي، وانه اذا رفض العراق الانسحاب من الكويت سلميا، فليس هناك مجال الا اخراجه بالقوة.
وأضاف: اعتقد انه عندئذ سيكون من المناسب النظر في كيفية الحفاظ على الامن، وليس هناك ما يمنع ان يتضمن مثل هذا التفكير وجود قوة من الامم المتحدة لحفظ السلام.
وكان الشيخ جابر الاحمد قد استقبل وزير الخارجية الامريكي والوفد المرافق له، حيث اطلعه على اخر تطورات قضية الخليج بعد محادثاته مع وزير خارجية العراق في جنيف، واصرار الولايات المتحدة الامريكية على تنفيذ جميع قرارات مجلس الامن الدولي كاملة وبدون قيد او شرط.
وبتاريخ 14 يناير عام 1991م دعا الشيخ جابر الاحمد المجتمع الدولي الى الاستمرار في تكاتفه، واجبار العراق على احترام القرارات الدولية وسحب قواته، وبسرعة من جميع الاراضي الكويتية قبل الموعد النهاي، وعودة السلطة الشرعية الكويتية الى اراضيها.
وقال في كلمة وجهها الى ملوك ورؤساء دول العالم بمناسبة حلول يوم 15 يناير عام 1991م وهو الموعد المحدد من قبل مجلس الامن الدولي لانهاء الاحتلال العراقي للكويت. ان المجتمع الدولي يجتاز الان امتحانا صعبا، وهو يعمل جاهدا لفرض الارادة الدولية على المعتدي، ومن ثم فان اي تراجع في فرض تلك الارادة ستفسره قوى الشر في العالم على انه ضعف في قوة الارادة الدولية مما ينجم عنه عواقب وخيمة تهدد الامن والسلم العالميين.
وأعرب عن ثقته بان المجتمع البشري سيتمكن من السيطرة على الوضع، وفرض الارادة الدولية على كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات العالم.
وبتاريخ 19 يناير عام 1991م وفي اعقاب بدء العمليات القتالية لتحرير دولة الكويت، والتي بدأت في تمام الساعة الثانية واربعين دقيقة فجرا بتوقيت الخليج من يوم 17 يناير عام 1991م وجه الشيخ جابر الاحمد كلمة الى الشعب الكويتي، يبشرهم بساعة الخلاص وعودة الوطن مستقرا، وعودتهم اليه ظافرين غانمين، معبرا لهم ـ بصفته والد الجميع ـ عن ألمه الكبير لما لا قوه من معاناة التعذيب والاضطهاد والملاحقة والتشرد..

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:29 AM
والتشرد.. وفيما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله حمد الشاكرين والصابرين المؤمنين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق) صدق الله العظيم.

اخواني واخواتي ابناء الكويت الاوفياء،،،
لقد لاحت مع الخيوط الاولى لفجر الخميس الثاني من رجب بشائر النصر، وبدأ الحق يأخذ طريقه ليبدد الظلام ويدحر الطغيان، وقد تكللت بالنجاح جهود العالم اجمع في الوقوف امام شريعة الغاب التي ارادها رئيس النظام العراقي ان تسود، حيث تغلب نهج العدل وصوت القانون على من حاول التفرد والتمرد على ارادة المجتمع الدولي، وان الظالم مهما طال امد ظلمه، فان الله ـ سبحانه وتعالى ـ يمهل ولا يهمل.

اخواني وأخواتي في داخل الكويت،،
لقد كنا وسنظل نعتز ونفتخر بكم لما عانيتم وتعانون من قتل وتعذيب اعتقال وتشريد من المحتل البغيض، ونحن جميعاً نعيش معكم صباح مساء في محنتكم، ونشعر بما تشعرون به، وبمشيئة الله فقد بدأت عملية تحرير ارضنا العزيزة من المعتدين الغاصبين، وسنلتقي قريبا ان شاء الله في وطننا العزيز ليلتم شمل الكويتيين في وطنهم الكويت. ولقد كان ايماننا بالله ثم بكم كبيراً، وكنا نعتقد جازمين بأن ارهاب المعتدي وبطشه لا يمكن ان يؤثر عليكم او يفت في عضدكم، وحدث ما توقعناه فقد زادتكم المحن تلاحماً، والشدائد تكاتفا واستطعتم بصمودكم وصبركم ان تهزموا العدو منذ بداية الغزو بالارادة الصلبة والعزيمة القوية.
لقد حاول الباغي ان يراهن على وحدتكم ترغيباً وترهيباً، ولكنه فوجىء بأبناء الكويت ابناء ذلك الرعيل الذي بنى اسوار الكويت بدمه وعرقه يتحدون باصرار كل تلك المحاولات، ويتصدون لكل تلك الغزوات العدوانية، فهزم قبل ان تهزمه القوة، فهنيئاً لكم هذا النصر، وهنيئاً لكويتنا الحبيبة بهؤلاء الرجال والنساء الذين سيكتب التاريخ قصة كفاحهم بأحرف من نور، وسيذكرهم الابناء والاحفاد بكل عزة وفخار.

يا أبناء الكويت الاعزاء خارج الكويت،،

يا من ذقتم مرارة البعد والتشرد والاغتراب، وعرفتم بالتجربة القاسية كم هي الكويت عزيزة عليكم، هنيئاً لكم جهودكم الخيرة التي بذلتموها ليل نهار من اجل العودة، وكنتم سنداً لصمود اخوانكم في الداخل حتى يتحقق النصر بمشيئة الله سبحانه.
وانني ايها الاخوة والاخوات في الداخل لعلي ثقة ويقين بالله ـ سبحانه وتعالى ـ انكم ستكونون يداً واحدة متعاونين في السراء والضراء، متكاتفين لبناء الكويت من جديد، مستفيدين من الدروس والعبر التي مرت بنا، ولو انها كانت قاسية علينا جميعاً، عرفنا من خلالها الصديق من العدو، وعرفنا ان الاعتماد على الله سبحانه، ثم على انفسنا هو السبيل الذي يتم من خلاله ترتيب لبنات البناء ودعائمه.

يا أبناء الكويت الاوفياء،،،
انني باسمكم جميعاً اتوجه بكل التقدير والشكر والعرفان الى كل الدول الشقيقة والصديقة التي وقفت معنا في محنتنا، والتي آثرت ان تضحي بأبنائها وشبابها في سبيل نصرة الحق وابطال الظلم.
وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه، وهدانا بمنّة وكرمه سواء السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
وبتاريخ 8 فبراير عام 1991 استقبل الشيخ جابر الاحمد وزير الدفاع الامريكي ريتشارد تشيني، ورئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال كولن باول.
وقد حضر المقابلة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، وكذا نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد، ووزير الدفاع الشيخ نواف الاحمد، ووزير التخطيط سليمان المطوع، والمستشار بالديوان الاميري عبد الرحمن العتيقي.
وحضر من الجانب الامريكي سفير الولايات المتحدة لدى دولة الكويت ادوارد غنيم، ووكيل وزارة الدفاع بول وولفوتز، ومساعد وزير الدفاع بيتر وليامز، ونائب مساعد وزير الدفاع آرثر هيوز وعميد البحرية جوزيف لوبيز، والعقيد ريتشارد تشد كوت.
وقد جرت المباحثات بين الجانبين في جو ودي ساده التفاهم المتبادل. واعرب الجانبان عن رضاهما التام لسير العمليات، ولما تم تنفيذه حتى الان من مخططات عملية «عاصفة الصحراء» التي تهدف لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وذلك تطبيقا لقرارات مجلس الامن الدولي الصادرة بهذا الشأن. كما تناولت المحادثات التصورات المستقبلية لاستكمال معركة التحرير.
وقد اشاد الجانب الامريكي بالمساهمة الفعالة للقوات الجوية الكويتية في العمليات العسكرية التي دارت ـ وما تزال ـ من اجل تحرير الكويت، ونوه بالدور المرتقب للقوات الكويتية البرية التي ستساهم بصورة اساسية في تحرير بلادها.
وبتاريخ 9 فبراير عام 1991 وصل مبعوث الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت، وزير التعليم العالي الدكتور علي الشملان الى هافانا، حاملاً رسالة منه الى الرئيس الكوبي فيدل كاسترو لم يكشف النقاب عن مضمونها. وكان وزير التعليم العالي واحداً من عدة مبعوثين يطوفون العالم حاملين رسائل مماثلة من امير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد للعديد من زعماء العالم.
كانت كوبا آنذاك عضواً غير دائم في مجلس الامن الدولي الذي تبنى في 29 نوفمبر عام 1990 قراراً يجيز للامم المتحدة استخدام القوة لاخراج قوات الاحتلال العراقي من الكويت، وهو القرار الذي بدأت الشرعية الدولية تنفيذه في 17 يناير عام 1991م، ولم يكن الموقف الكوبي في مجلس الامن طوال الازمة موقفاً مرضياً عنه لانحيازه للجانب العراقي بسبب المشكلات السياسية العالقة بينه وبين الولايات المتحدة الامريكية.
وبتاريخ 14 فبراير عام 1991 استقبل الشيخ جابر الاحمد، وبحضور ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح في الطائف رئيس الوزراء الفرنسي ميشال روكار يرافقه وزير الدفاع بيير جوكس، ورئيس الاركان العامة في الجيش الفرنسي موريس شميت، حيث جرى خلال اللقاء تقويم شامل للاوضاع الراهنة عسكرياً وسياسياً.
وبتاريخ 15 فبراير عام 1991 استقبل الشيخ جابر الاحمد وزير الخارجية التركي احمد كورجبا البيتموجين والوفد المرافق له، حيث نقل له رسالة من الرئيس التركي تورغت اوزال، تتعلق بتطورات الاوضاع على الساحة الخليجية والعلاقات الثنائية بين البلدين المسلمين والشعبين الصديقين.
وقد حمل الشيخ جابر الاحمد الوزير التركي تحياته وتمنياته الطيبة للرئيس التركي، وتقدير الشعب الكويتي للشعب التركي على مواقفه المشرفة ضد العدوان العراقي على دولة الكويت المسالمة.
وبتاريخ 19 فبراير عام 1991 وصل الى الطائف وزير الدولة للشؤون الخارجية الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح، وبعد جولة سياسية استغرقت اسبوعين وشملت ست دول، سلم خلالها ست رسائل من الشيخ جابر الاحمد امير دولة الكويت، ومن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح الى رؤساء دول وحكومات كل من: ايران، مصر، قبرص، يوغسلافيا، رومانيا، ومالطا.
وبتاريخ 20 فبراير عام 1991 استقبل الشيخ جابر الاحمد السفير الايطالي لدى دولة الكويت، حيث سلمه رسالة من الرئيس الايطالي فرانسيسكو كوسيجا حول التطورات الاخيرة على الساحة الخليجية. وتطرقت الرسالة الى ما بين البلدين الصديقين من علاقات متينة، كما تضمنت تهاني ايطاليا حكومة وشعباً بالعيد الوطني الكويتي الثلاثين.
وبتاريخ 25 فبراير عام 1991 اعرب الشيخ جابر الاحمد في رسالة جوابية الى الرئيس البولندي ليخ فاليسيا بمناسبة تهنئته له بذكرى العيد الوطني الكويتي الثلاثين، عن شكره وامتنانه لموقفه الذي دعم القضية الكويتية العادلة دعماً كاملاً، وساند حق الشعب الكويتي في الدفاع عن ارضه، وتحريرها من براثن القوات العراقية الغازية.
كما اعرب عن امله في ان تسهم المشاركة الفعالة للرئيس فاليسيا في الجهود الدولية من اجل اعادة السلام واستتباب الامن والاستقرار في منطقة الخليج، بعد انهاء الحرب وتحرير دولة الكويت.
وفي التاريخ نفسه اعرب الرئيس البرازيلي فرناندو كولر عن تمنياته الحارة للشيخ جابر الاحمد بعودة الكويت الى كامل سيادتها، وبتطبيق جميع قرارات مجلس الامن الدولي الخاصة بالقضية الكويتية، وذلك في برقيته التالية:

صاحب السمو،،،
الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح،،،
امير دولة الكويت،،
تقبلوا يا صاحب السمو تحياتي بمناسبة العيد الوطني للكويت، وفي هذه اللحظة التي بدأت فيها الحملة الارضية بهدف التحرير النهائي للاراضي الكويتية، اعبر لصديقنا الموقر عن التمنيات الحارة من شعب وحكومة البرازيل بأن تتحقق، وفي اقرب وقت ممكن، الظروف المواتية لتطبيق قرارات مجلس الامن، وبشكل كامل لعودة الكويت ـ هذا البلد الصديق ـ الى كامل سيادته.

مع أسمى آيات تقديري،،،

فرنالدو كولر

وفي التاريخ ذاته ايضا وجه الشيخ جابر الاحمد كلمة الى شعبه وابناء وطنه بمناسبة العيد الوطني الثلاثين لدولة الكويت، معلناً انتظار لحظة العودة الى الوطن العزيز محرراً مطهراً من دنس الباغين، مؤكدا بأن الكويت، رغم المحنة القاسية التي مرت بها، ستظل كما كانت دائماً عربية الوجه والقلب والوجهة، مهتدية بشريعة الرحمن، ساعية الى السلام والمحبة والتفاهم الدولي، واحة امن وأمان لا تحمل ضغينة لاحد.


بعد أن عادت الكويت حرة مستقلة وعادت الشرعية الكويتية أكثر قوة الأمير: لن ننسى الغزو الغادر لكن سنترك التاريخ يروي أهواله وبشاعاته
الحلقة الاخيرة

وفيما يلي في السطور التالية ننشر نص الكلمة التي ألقاها سمو الامير الى شعبنا الصامد بعد التحرير.
الحمدلله نستعينه ونتوب اليه ونستغفره، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
قال سبحانه وتعالى: (اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) صدق الله العظيم.

أيها الاخوة والاخوات ابناء الكويت الغالية،

نحتفل معا في مثل هذا اليوم من كل عام بعيدنا الوطني. ونستقبله الان ومعركة التحرير مشتعلة لدحر المعتدي الغاصب واعادة الحق الى نصابه، وبقلوب خاشعة ملؤها الايمان بالله سبحانه ندعوه جلت قدرته ان يعجل بالنصر وان يدحر المعتدي الظالم ويرد الكويتيين الى كويتهم ظافرين منتصرين.

أيها الاخوة والاخوات

لقد كشفت هذه المحنة عن المعدن الاصيل لشعب الكويت، فقد توحدتم في صلابة وتماسك مرصوص يشد بعضه بعضا في مواجهة معتد اثيم، استخدم أبشع ضروب التعذيب والتنكيل والقتل والنهب دون ان تلين منكم قناة، فلم يجد العدو منفذا الى صفوفكم فابطلتم بهذه الوقفة الصلبة دعاواه الكاذبة امام العالم.
والتممتم في اخوة وتكافل طوال المحنة، تتقاسمون القوت، وتتنافسون في تحمل المسؤوليات، قاومتم حشوده وجحافله بايمانكم الراسخ، وبحبكم الكبير لوطنكم وبكل ما تملكون من وسائل فبرزت كويت المحبة والسلام حقيقة تشهدها الدنيا في مواجهة العدوان.
واضطر الكثيرون منكم الى الخروج من وطنهم تحت وطأة البطش والارهاب، ففتح لكم الاخوة الاشقاء قلوبهم وديارهم لاستضافتكم وسارعوا يقدمون في كرم كل عون ممكن ينفح عنكم جراح الغربة، ومعاناة المحنة، وجمع الله القلوب حول قضيتنا العادلة، فوقف العالم لاول مرة بوحدة ترفض ان يفيد الباغي من عدوانه وتصمم على انسحابه غير المشروط، وتطبيق قرارات مجلس الامن كاملة.
وقدم الاخوة والاصدقاء ابناءهم وحشدوا تحت مظلة القوات المشتركة العربية والاسلامية والصديقة، كل امكاناتهم يقاتلون عن هذا العمل في بسالة واصرار.

أيها الاخوة والاخوات،،

وفي انتظار لحظة العودة الى الوطن العزيز محررا مطهرا من الباغين، مصداقا لقوله تعالى: (ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون) نقف ملحين في الدعاء ان يتغمد الرحمن شهداء قضية التحرير والحق والعدل بواسع رحمته. وتظل قلوبنا معلقة بابناء واخوة واصدقاء متحملين مرارة الاسر ووحشية الطغاة.
ونحمل في الصدور المحبة والتقدير للوقفة الصلبة لإخوة واصدقاء نصروا قضيتنا وحملوا السلاح دفاعا عنها، وواجهوا المعتدي بحشوده. لم يرهبهم وعيد، ولم تغرهم وعود، ولم تجتذبهم مطامع، بل بذلوا في سخاء وصدق ارواحا غالية، وتحملوا تضحيات جسيمة حماية للقانون الدولي، ورفضوا ان ترتد البشرية مرة اخرى الى شريعة الغاب، ومسلك العدوان فإلى كل هؤلاء شكر الكويت واجيالها.
ومن أتون الحرب الملتهبة ووسط آلامها يرتفع اليوم صوت الكويت مؤكدا انها سوف تظل ـ كما كانت دائما ـ عربية الوجه والقلب والوجهة. مهتدية بشريعة الرحمن، ساعية الى السلام والمحبة والتفاهم الدولي، واحة امن وامان لا تحمل ضغينة لأحد.
ان اهل الكويت يدركون تماما ان ما حل بهم من غدر وخيانة وعدوان انما هو سلوك طغاة لا منهاج امم، وقرار افراد زين لهم الشيطان اعمالهم، لا ارادة شعوب عربية حرة مسلمة، ومع هذا نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهو نعم المولى ونعم النصير.
وللإخوة والاخوات من اهلنا الصابرين في الكويت اقول باسمي، واسم اخوانكم واخواتكم خارج وطننا العزيز، اننا ندعو الله ـ جلت قدرته ـ ان يعينكم ويهبكم القوة والصبر على البلاء.
ان قلوبنا جميعا معكم رافعين أكف الضراعة الى الله العلي القدير ان يساعدكم على ما تتحملون من اعباء الصبر، ويسبغ عليكم رحمته الواسعة، وان فرج الله قريب، وما بعد عسر الا يسر ان شاء الله.

أيها الاخوة والاخوات،،

اننا مقبلون على مرحلة جديدة حاسمة تتطلب منا الاجماع على كلمة سواء، فلنتسلح بالايمان الصادق مما يتنزل معه من الرحمن الرعاية والعون، متخذين من توصيات المؤتمر الشعبي الكويتي المنعقد في اكتوبر من العام الماضي ميثاقا وطنيا بحكم مسيرتنا القادمة باذن الله، فكويت الغد غير كويت الامس لاختلاف حجم ونوعية ما نواجهه من مهمات جسام، يتوقف تجاوزها على اعتماد ابنائنا على انفسهم، وتصدرهم الصفوف لتحمل الاعباء في عزم مجمع على الانجاز والاتقان.
ان مرحلة التعمير والبناء المقبلة لوطننا هي مرحلة العطاء بلا حدود، مرحلة تتشابك خلالها الايدي في تعاون، وتلتقي القلوب في وحدة وصمود، ويتضاعف العمل في تضحية ونكران للذات.
ولا يفوتني في ختام كلمتي هذه ان اقدم باسم الشعب الكويتي وباسمي جزيل الشكر والتقدير للقوات المسلحة المشتركة في مختلف فروعها، لما قامت وتقوم في عمليات تحرير الكويت.
(واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) صدق الله العظيم. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:30 AM
هكذا انتهت عاصفة الصحراء بانتصار رائع للعدالة والحق والحرية، تضافرت فيها جهود ثلاث وثلاثين دولة، رصت صفوفها في تحالف فريد بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، تتفيأ مظلة الشرعية الدولية من أجل تحرير دولة الكويت من براثن العدوان والاحتلال العراقي، تنفيذا للاجماع الدولي المتمثل في قرارات الامم المتحدة، وتحقيقا لاول انجاز في استراتيجية النظام العالمي الجديد.
لقد عادت الكويت دولة حرة مستقلة، وعادت الشرعية الكويتية اكثر قوة وعزما وتصميما لممارسة حق السيادة على ارض الوطن، والعودة بالكويت من جديد في حلة ناصعة تؤكد للعالم دورها البناء في المجال الانساني والانمائي.
وكانت اولى الخطوات التي اتخذها الشيخ جابر الاحمد يوم اعلان تحرير دولة الكويت في 26 فبراير عام 1991م اصدار مرسوم اميري يقضي باعلان الاحكام العرفية في جميع انحاء الكويت اعتبارا من التاريخ المشار اليه ولمدة ثلاثة اشهر. وبتعيين ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح حاكما عرفيا عاما، يتولى التنسيق بين القوات الكويتية المسلحة، وبين قيادة القوات العسكرية في الدول المتعاونة مع دولة الكويت. واكد المرسوم الاميري على انه جاءت بعد تحرير الكويت وجلاء المعتدين عنها لحظات جهاد اكبر تتوجه فيها الجهود كلها نحو بناء ما تهدم، واصلاح ما خرب، وتأمين الحياة على ارض الكويت من بقايا العدوان ومخلفاته. وفيما يلي نص المرسوم الاميري رقم 41 لسنة 1991م.

بسم الله الرحمن الرحيم

أتم الله سبحانه نعمته على الكويت وشعبها، فتحررت ارضها بحمد الله من الغزو العراقي الغاشم، ورحل عنها المعتدون بعد ان عاثوا في ربوعها، فخربوا، ودمروا، واحرقوا. وقتلوا، واهلكوا الحرث والنسل، وكلل بالنصر والفتح جهاد شعب الكويت الذي ضحى وصابر ورابط، وجهود دول شقيقة وصديقة وقفت داخل الامم المتحدة وخارجها الى جوار الكويت وحقها المغتصب.
وبعد ان جاءت لحظات جهاد اكبر توجهت فيها الجهود كلها نحو بناء ما تهدم واصلاح ما خرب وتأمين الحياة على ارض الكويت من بقايا العدوان ومخلفاته وحماية الانفس والاعراض والاموال من كل ما يهددها، او يجدد الخطر عليها. وحتى يتحقق ذلك كله تحتاج الاجهزة المسؤولة والمعنية الى ان تتوافر لها السلطات القانونية التي تسمح لها بمواجهة كل خطر، ومعالجة كل خلل، ورأب كل صدع، وانجاز كل عمل في سرعة وكفاءة وحزم، حتى تعود الحياة على ارض الكويت، لابنائها، والمقيمين عليها، الى ما كانت دائما موضع الفخر والاعتزاز لنا، حياة امن وأمان، وسلام واستقرار، وتمكينا للمؤسسات والاجهزة المسؤولة من اداء واجبها على اتم وجه وأكمله في هذه الظروف الصعبة المعقدة. وبعد الاطلاع على الدستور. وعلى الامر الاميري الصادر في 27 شوال 1406هـ الموافق 3 يوليو (تموز) 1986م.
وعلى الامر الاميري الصادر في 12 محرم 1411هـ الموافق 13 اغسطس (آب) 1990م في شان المقر المؤقت لحكومة الكويت، وبعض الاحكام المنظمة لاعمالها. رسمنا بالاتي:

مادة أولى:

تعلن الاحكام العرفية في جميع انحاء دولة الكويت اعتبارا من يوم الثلاثاء 12 من شعبان سنة 1411 هـ الموافق 26 من فبراير (شباط) 1991 م لمدة ثلاثة اشهر.
مادة ثانية:

يعين سعد العبدالله السالم الصباح حاكما عرفيا عاما، ويخول اتخاذ ما تتطلبه الظروف من التدابير المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 22 لسنة 1967م المشار اليه.

مادة ثالثة

يتولى الحاكم العرفي العام التنسيق ين قيادة القوات المسلحة الكويتية وبين قادة القوات العسكرية في الدول المتعاونة مع دولة الكويت في تحرير ارض الوطن.

مادة رابعة

على رئيس مجلس الوزراء والوزراء ـ كل في ما يخصه ـ تنفيذ هذا المرسوم، ويعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية.

أمير دولة الكويت
جابر الاحمد الصباح

رئيس مجلس الورزاء
سعد العبدالله السالم الصباح
ومن جهة اخرى، اعلن الرئيس الامريكي جورج بوش في خطاب له بتاريخ 27 فبراير عام 1991م.. ان الاجراء الذي اتخذه التحالف ضد العراق كان ناجحا، وان التحالف سيعلق عمليات القتال الهجومية اعتبارا من منتصف الليل بالتوقيت المحلي لشرق الولايات المتحدة في ذلك اليوم» وانه لا يمكن ان يدعي اي بلد ان هذا الانتصار لجميع شركاء التحالف، وانما هو انتصار للامم المتحدة وللبشرية جمعاء، ولسيادة القانون ولما هو حق (انظر مرفق رقم 21).
هذا الانتصار اجبر النظام العراقي على ان يركع، ويرسل من خلال ممثله الدائم لدى الامم المتحدة عبدالامير الانباري رسالتين متطابقتين موجهتين الى الامين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الامن بتاريخ 8 مارس عام 1991م ارفق بهما صورة قرار مجلس قيادة الثورة العراقي رقم 55 الصادر بتاريخ 5 مارس عام 1991م، بشان تطبيق الفقرة 2 (أ) من القرار 686 لعام 1991م والذي يتضمن ضمن بنود اخرى اعتبار كل قرارات مجلس قيادة الثورة الصادرة منذ 2 اغسطس 1990م، والتي لها صلة بالكويت لاغية. وقد نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية للجمهورية العراقية بالعدد 3345 بتاريخ 18 مارس 1991م(انظر مرفق رقم 22).
لا شك انها كانت تجربة مريرة، ومحنة قاسية، وصدمة شديدة اخلت بموازين الاخاء ومعايير حسن الجوار، وهزت القيم في النفس والوجدان. ولكن عزيمة الرجال كانت هي الاسمى والاقوى في كل الاوقات.. عزيمة صلبة مكنت شعب الكويت من تجاوز مرارة التجربة، وتخطي المحنة رغم قساوتها.. عزيمة شجاعة بددت قوة الصدمة. وجعلتها جحيما يرتد الى صدور الغزاة المعتدين.
لقد سالت دماء ابناء الكويت الغالية رخيصة من أجل الكويت، وهي تستحقها. واقتيد الكثير منهم عنوة، ولا يزالون يقيمون اسرى ومرتهنين في سجون ومعتقلات النظام العراقي الحاكم في بغداد دون ذنب اقترفوه، اللهم انهم كويتيون احبوا تراب وطنهم واخلصوا لقيادتهم.
وفي هذا، يقول الشيخ جابر الاحمد عند افتتاحه لدور الانعقاد العادي الاول من الفصل التشريعي السابع لمجلس الامة الكويتي في 20 اكتوبر عام 1992م «لقد مررنا بتجربة مريرة ستلازم ذاكرتنا زمنا طويلا، فلا يمكن ان ننسى الغزو الغادر، ولا المواقف التي صاحبته.. لقد سالت دماء شهدائنا من الصغار والكبار، من الرجال والنساء ولم يسلم اطفالنا الابرياء من رصاص الغزاة، ولقد واجه شعب الكويت الوفي كارثة الغزو باقصى ما يستطيع، وبكل ما يملك من ادوات الصمود والمقاومة والسعي ليل نهار على كل الاصعدة وفي جميع المحافل الدولية، مما جعل قضيتنا مركز الاهتمام العالمي على مستوى الحكومات والشعوب».
وعلى الرغم من ذلك كله، فقد آلى الكويتيون على انفسهم ان يكونوا موضوعيين، لا تحكمهم جروح الغزو والعدوان والاحتلال التي لن تندمل ابدا، ولا آلام النفس لما تعرض له الوطن، بل سيتركون الاخرين يروون للتاريخ ما اصاب الكويت واهل الكويت وما فعله العدوان والاحتلال العراقي بهم.. يجسدون هول ما لمسوه من قتل وتشريد واسر، وما شاهدوه من تدمير وخراب لحق بكل مؤسسات الكويت عمرانية، وثقافية، وعلمية، وصحية، واجتماعية واقتصادية.
عندما نتحدث عن الشيخ جابر الاحمد الحاكم.. الوالد.. الانسان، فاننا لا ندعي اننا نعرف كل شيء خفي علينا، حيث ان لكل شخص خازنة لافكاره واسراره، فما بالك فيما لو كان هذا الشخص حاكماً، امتلأت حياته بالاحداث والآمال الجسام، اضافة الى عدم رغبته في الحديث عن نفسه، وعن اعماله مما يجعل البحث عن مناقبه الخفية اصعب على نفس وفكر الكاتب من تلك المعلنة الجلية، وهي ضرورة لان ذاكرته هي ذاكرة شعبه، وخفاياه هي خفايا واسرار امته. فذاكرة الشعوب في ذاكرة قائدها وملهمها تشكل عروة وثقى لا انفصام فيها، هي في الواقع تاريخ الامة وتراثها الاصيل البعيد عن زيف الواقع التاريخي للشعوب، والمرتكز على ما يبرزه جدل الاحداث، وتداخلاتها مع قائد المسيرة الشيخ جابر الاحمد عبر رحلته التاريخية منذ توليه حاكمية الاحمدي، ومناطق النفط، حتى اعتلائه سدة الحكم في البلاد راعياً لنهضتها وبانياً لاقتصادها، ومنمياً لمجتمعها الحديث.
هذه الافكار والخواطر وما يعتريها من تساؤلات كانت تزدحم بها رؤوسنا، وتدور سريعاً في اذهاننا، وتضغط بالحاح شديد على وجداننا، ونحن مقدمون على تدوين السيرة الذاتية للشيخ جابر الاحمد... الحاكم.. الوالد.. الانسان.
لقد كنا بحق امام معادلة صعبة قوامها تاريخ طويل حافل بالمنجزات لابد ان نتناوله بأمانة وموضوعية، وشخصية ديناميكية، لابد من انصافها واعطائها حقها كاملاً، وكلمة حق لابد ان نتمسك بها، ولا نحيد عنها.
نحن ندرك ان كتابة السير الذاتية لهؤلاء الزعماء، والقادة الذين تركوا بصمات على حياة ومقدرات شعوبهم، ومجتمعاتهم، ليست مسألة سهلة هينة، وان الامر يزداد تعقيداً وصعوبة اذا كانت تلك الشخصية لا تزال مستمرة في عطائها، تسير على درب الخير متفانية في خدمة وطنها وشعبها.
بعبارة اخرى، نجد في الجانب المعاكس انه من السهولة بمكان ان يتناول الكاتب حياة الطغاة، وخانقي انفاس الشعوب. ذلك لان جرائمهم ـ وهي كثيرة وعديدة ومتنوعة ـ تتحدث عن سيرتهم الذاتية لتشكل في النهاية اكبر دليل وشاهد على طغيانهم، وانحدارهم بمجتمعاتهم وشعوبهم الى الدرك الاسفل من الويلات، حيث الفقر والجهل والمرض، مهما ملكت هذه المجتمعات والشعوب من مقومات الحضارة في عهود تاريخية زاهرة مرت عليها، وتاريخنا الحديث مليء بمثل هذه الشواهد والعبر. اما الكتابة عن العظماء الذين اثروا حياة مجتمعاتهم وشعوبهم، وقادوا اوطانهم نحو التقدم والازدهار فهي مهمة ليست سهلة، بل هي مسؤولية تاريخية وادبية، تتطلب من الكاتب الثقة في ان يكون حذراً في خطواته، وان يتلمس الموضوعية وينشدها في كل حرف وعبارة ينتقيها ليسرد الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، خوفاً من الوقوع في شباك التطرف، سواء اكان بالمديح والثناء ام بالنقد الجارح المستهدف سلباً لجوانب معينة لحياة ومسيرة من سيكتب عنهم.
والشيخ جابر الاحمد واحد من اولئك الذين حباهم الله بالقبول، احب شعبه، وخدم وطنه باخلاص وتفان، فأحبه الجميع، واخلصوا له، فلا غرو في ذلك، فهو واحد من العظماء لانه استطاع ان يقود بلاده ـ مع غيره من حكام الكويت ـ من مجتمع اولي بسيط الى مجتمع حضاري مدني مترابط بأنظمته وقوانينه... مجتمع ديمقراطي، الحكم فيه لآل صباح، والامة هي مصدر السلطات.. مجتمع اسلامي عروبي يؤمن بأمته العربية اشد الايمان، رغم ما اصابه ايام محنة العدوان والاحتلال العراقي من نكران بعض الاخوة من العرب لوجوده ولاستقلاله وسيادته.
ان افكار الشيخ جابر الاحمد المتصلة بقضايا الامة العربية جلية وواضحة للعيان منذ ان دخل معترك العمل السياسي... لم يساوم يوما على عروبته وقوميته ومبادئه الانسانية، ولم يعد بيد ليأخذ بالاخرى.. كان دوماً المدافع عن قضايا الامة العربية من المحيط الى الخليج، وكانت قضية فلسطين، وشعب فلسطين، واردة باستمرار في ذاكرته ووجدانه حتى في احلك الظروف واصعبها. ففي الوقت الذي كان يناضل من اجل حرية وطنه وشعبه من طغيان النظام العراقي، كانت فلسطين، وشعب فلسطين، على لسانه وجزءاً من نضاله الوطني، سواء أكان ذلك في المحافل الدولية ام في خطابه السياسي للعالم. وكان يحارب على جبهتين في آن واحد.. تحرير الوطن وتحرير الانسان الفلسطيني، على الرغم من انحياز قادتهم لجانب قوى الاحتلال، وموقفهم غير المبرر من تحرير دولة الكويت، ودعمهم غير المحدود للمحتل لاستمرار احتلاله لارض الكويت وشعب الكويت.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:30 AM
لقد تخطى الشيخ جابر الاحمد حدود الوطن العربي ـ وهذا واضح للعيان في سياسته الخارجية ـ ليمس قضايا العالم الثالث والشعوب المقهورة في الصميم.. حارب التمييز والتفرقة العنصرية.. حارب الفصل العنصري في جنوب القارة الافريقية.. دعم حركات التحرير الوطني اينما وجدت في العالم، وبخاصة في افريقيا... اصبحت مديونيات العالم الثالث في نظره تساوي حالة من الاستعمار الجديد.. خاطب الضمير العالمي من فوق منبر الامم المتحدة عندما طالب الدول الدائنة بمراعاة الاوضاع الاجتماعية والانسانية في الدول المدينة، ومارسها عملياً حين اسقط فوائد الديون عن كاهل الدول المدينة للكويت، بل ونظر في اصول الديون بالنسبة للدول الاشد فقراً.. كما طالب البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي بأن يكونا اكثر عدالة مع الدول المحتاجة والدول الساعية الى التنمية.
هذه الشخصية الاقتصادية العالمية التي تمكنت من تنمية موارد الوطن المالية التي لم تكن تتجاوز ثلاثة من الملايين الاسترلينية في عام 1960م، لتصل الى اكثر من 90 مليار دولار في عام 1990م.. هذه الشخصية الباحثة دوماً عن التنمية لم تسخر هذه الثروة من اجل التنمية في الكويت فحسب، بل تجاوز ذلك الى الدول العربية والعالم الثالث، سواء أكان من خلال المنح والمساعدات المباشرة او من خلال الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والتي تقدم على هيئة قروض ميسرة، وبفوائد لا تتجاوز 2% مما جعل الكويت في مقدمة الدول المانحة للمساعدات الخارجية.
ففي مارس عام 1995 وامام مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية الذي عقد في «كوبنهاغن/الدانمرك» تحت اشراف الامم المتحدة، وقف الشيخ جابر الاحمد معلناً ان الكويت قد اخذت على عاتقها منذ استقلالها المشاركة في عمليات التنمية الدولية، وصولاً الى الاسهام الفاعل في صنع التقدم والسلام، وبخاصة المشاركة في تقديم العون والمساعدة لدول وشعوب العالم الثالث، وفي مقدمتها الدول الاكثر فقراً واحتياجاً، وانه تحقيقا لهذا التوجه الانساني والحضاري الذي تستمد دولة الكويت مقوماته من دينها وتراثها وتجربتها الحضارية القائمة على التضامن والعطاء الانساني، وبناء جسور التفاهم والصداقة مع دول العالم، فإن مساعدات الكويت الخارجية لم تتوقف يوما تحت اي ظرف من الظروف الاستثنائية القاهرة.
فقد تراوحت نسبة هذه المساعدات الى الناتج القومي بين 5% الى 8% خلال عقد السبعينيات لتنخفض الى ما بين 3% الى 4% خلال عقد الثمانينيات بسبب الازمة الاقتصادية التي تعرضت لها الكويت من جراء كارثة سوق الاوراق المالية التي عرفت بأزمة (سوق المناخ) اما في عقد التسعينيات فانه على الرغم من آثار كارثة الاحتلال وتداعياتها الاقتصادية التي لم يتعاف منها الاقتصاد الكويتي، وكذا وتداعياتها القاسية التي عصفت باستقرار كيان الدولة، فإن هذه الاثار السلبية مجتمعة لم تمنع الكويت من مواصلة دعمها والوفاء بتعهداتها. والتزاماتها حيال دول العالم الثالث، بل ان حرصها على المحافظة على هذه الثوابت الراسخة في وجدان المجتمع الكويتي المحب للخير بطبعه، جعل نسبة مساعدتها ترتفع الى 4،4% حتى منتصف عقد التسعينيات.
ان القريب من الشيخ جابر الاحمد يدرك تماماً انه قليل الكلام كثير الافعال، لديه جلد على مواصلة العمل لساعات طويلة دون كلل او ملل، وهو من اولئك الرموز القياديين الذين لا يحبذون الحديث عن ذاتهم الشخصية، او استعراض انجازاتهم، بل يميل دوماً الى العمل بهدوء دون ضجيج، عملاً بقوله تعالى: (وقل اعملوا فيسرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وهو مستمع جيد يحترم كثيراً رأي الاخرين، لكنه يرفض باصرار ان تتوه الحقيقة وسط الجدال. وبالتالي فإن كثيرا من قراراته كانت تتبع من هذا الادراك، وكان آخرها قراره الحضاري بمنح المرأة الكويتية كامل حقوقها السياسية، وذلك بعد جدال دام حوالي خمسين عاماً من الاخذ والرد في الاوساط التشريعية الكويتية، وفي المنتديات الشعبية، واللقاءات والحوارات الفكرية التي شملت البلاد كلها.
نعود ثانية، فنقول: انه على الرغم من عزوف الشيخ جابر الاحمد عن الاضواء والحديث عن الذات، الا انه بأفعاله وادارته الرشيدة بصفته رئيس دولة، وواحداً من قادة العالم المشهود لهم بالحكمة والموضوعية، ما يجعله شخصية عالمية لها وزنها في المجتمع الدولي. وان سيرته الذاتية تشهد بانجازاته العظيمة منذ ان دخل معترك العمل السياسي والانمائي، وهي انجازات تركت ارثاً حضارياً وموقعاً دولياً مميزاً للكويت وشعبها.
فنحن عندما نقرأ السيرة الذاتية للشيخ جابر الاحمد لا نقف امام احداث ومحطات، او قرارات ومراسيم اميرية مر عليها الزمن، انما نقرأ مسيرة وطن وشعب تفاعل، وامتزجت افكاره معه عبر مراحل بناء الكويت ونمائها وتطورها، وعليه فقد جاءت المحصلة النهائية مجتمعاً جديداً حضارياً بكل معطياته ومقوماته، ليصبح اسم لكويت عالياً في سماء الدنيا.. فتح امامها اسواقاً عالمية، واوجد لها موطىء قدم ضمن اقتصاديات الدول الكبرى بصفتها شريكاً فاعلاً ومنافساً بشرف وامانة، وجعل الكويت عزيزة بين الامم، رشيدة في سياستها، حكيمة في علاقاتها.
هذا الاساس المكين والبناء المتين الذي اسهم الشيخ جابر الاحمد في ارساء قواعده خلال فترة حكمه وما قبلها. جعلت الدول الكبرى تهب وتسارع الى نجدة الكويت ساعة المحنة، وغدر الاخ العربي، لانه لم يكن هناك ـ لحظتها ـ وجه مقارنة بين نظام ديكتاتوري استبدادي حاكم، ونظام منفتح على العالم الحر، يشاركه افكاره وممارساته الديمقراطية والانسانية، ويسهم معه بقوة وايمان في ارساء دعائم السلام والعدالة الاجتماعية.
هذه المسيرة الطويلة التي قطعها الشيخ جابر الاحمد، والتي استمرت زهاء اكثر من نصف قرن، قضى منها حتى الان اثنين وعشرين عاماً في سدة الحكم، ارسى خلالها ـ بلا شك ـ قواعد متينة لدولة عصرية، حافظ فيها على الاصالة والثوابت السياسية والاجتماعية التي انتهجها، وسار عليها الآباء والاجداد، والرعيل الاول من بناة الكويت.
في هذه المسيرة النضالية من اجل كويت المستقبل، وما صاحبها من تحولات نوعية في اتجاه الحداثة والانفتاح على العصر، لم يكن الشيخ جابر الأحمد وحده في ساحة النضال، بل ساعدته وآزرته عقول وخبرات اقتصادية وسياسية وطنية وعالمية في ترتيب البيت الكويتي، كانت لحظتها تمثل خلاصة الفكر الدولي والعربي في هذين الحقلين المهمين، بجانب جهود وافكار شباب الكويت الذين قدموا من جامعات العالم حينذاك ليحتضنهم ويدفعم للعمل مع هؤلاء الخبراء العالميين، يستزيدون منهم علماً ومعرفة وخبرة، حتى بات اغلبهم فيما بعد خبراء يقودون مسيرة التطور والبناء في المجتمع الجديد.
ولقد اجمع العاملون معه في مجال الاقتصاد والتنمية، والشاهدون على انجازاته من الرعيل الاول من رجالات الكويت، على ان قدرته الفائقة على التحليل بحسه الاقتصادي الفطري، وثقته بنفسه، وثقة كل من الشيخ عبد الله السالم الصباح، والشيخ صباح السالم الصباح الكبيرة فيه ومحبتهما له، هي التي دفعته هذه الدفعة القوية، مما جعل الامور الاقتصادية وغيرها جميعها بيده في ذلك العهد.
نأمل ان نكون قد وفقنا في تقديم سيرة حاكم، وشخصية عالمية لها دورها ليس فقط على مستوى بلده الكويت، والعالم العربي فحسب انما تجاوز بفكره وعطائه الانساني حدودهما ليصبح واحداً من ابرز دعاة العدالة الاجتماعية، ونشر الخير على ربوع دول العالم الثالث المحتاجة، وبخاصة الدول الاشد فقراً.
مثلما اجمع الكويتيون على حبهم للشيخ جابر الاحمد ليس بصفته حاكماً للدولة فحسب، بل لاحساس مختلف ابناء الكويت بأنه اب عطوف يشارك الجميع الافراح والاحزان، ويوجه لهم النصح والارشاد، ويدعوهم دوماً الى المحبة والتسامح، ونبذ الفرقة والخلاف، والعمل معاً في ظل روح الاسرة الواحدة.. هذه المشاعر الابوية والانسانية المتبادلة بين الشعب والحاكم تجلت في صور عديدة كان آخرها الوعكة الصحية التي ألمت به صباح يوم الجمعة 21 سبتمبر 2001م والتي غطى خبرها على كل الاخبار الساخنة محلياً، وانصرف الشارع الكويتي عن متابعة الاحداث المتلاحقة في واشنطن ونيويورك وكابول والوقوف على التوابع الجديدة للهجوم الارهابي على مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون في الولايات المتحدة.
لقد حزنت الكويت يومها، واخذ الشعب الكويتي شيباً وشباباً... رجالاً ونساء يعبرون عن مشاعرهم بمختلف الصور والوسائل، سواء من خلال الكلمة وقصيدة الشعر، ام من خلال الاعلان في الصحف وارسال البرقيات الى مستشفى «كرومويل» في لندن حيث يتشافى الامير.
لقد شد المراقبون رسوم رياض الاطفال المعبرة التي جاءت بكل براءة وهي تزف للشيخ جابر الاحمد الشوق والمحبة، وتدعو له بطول العمر والشفاء العاجل، والعودة الحميدة الى ديار الوطن، مثلما شدهم بيانات مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في جمعيات النفع العام، والنقابات العمالية واتحاداتها ومنظمات اصحاب الاعمال وتنظيماتها، والجمعيات التعاونية بمختلف اغراضها، وكذا التكتلات السياسية العاملة في الساحة الكويتية.
هذه البيانات التي اجمعت على ان ما تعرض له امير البلاد من طارىء صحي انما تعرضت له الكويت كلها، وحزن له كل مواطن مخلص محب لبلده ولقيادته ونظامه السياسي.
من جهة ثانية تلقى نائب الامير الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح يومها سلسلة من الاتصالات والبرقيات من عدد من قادة زعماء دول العالم، من بينهم السكرتير العام للامم المتحدة كوفي انان وامين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى وامين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية جميل الحجيلان يطمئنون فيها عن صحة الامير، ويعربون عن الامل بالشفاء العاجل لزعيم احبه الجميع.

«يتبع»

Nathyaa
15-01-2006, 10:31 AM
وتأتي العشر الاواخر من شهر رمضان، وعلى وجه التحديد الثالث والعشرين منه، الموافق 8 ديسمبر عام 2001م، ليطل الشيخ جابر الاحمد كعادته على الشعب الكويتي في مثل هذه المناسبة الكريمة ـ لكن هذه المرة بعيداً عن الوطن والاهل ليوجه كلمة الى الشعب الكويتي اكد فيها: ان الكويت كيان واحد.. اليه ننتمي وبه نعتز، وهذا هو مصدر قوتنا وضمان وجودنا، مبشراً مواطنيه بلقاء قريب على ارض الوطن، وموجهاً شكره العميق لكل من رعاه بسؤاله من قادة العرب والمسلمين والعالم اجمع على اختلاف مواقفهم ودولهم.
وفي صباح يوم الثلاثاء 15 يناير 2002م وفي تمام الساعة التاسعة فتحت الكويت ذراعيها ترحيباً بعودة اميرها المعافى، فقد كان يوما تاريخيا من ايام الشعب الكويتي.. يوما له دلالة كبرى على محبة اهل الكويت لأميرهم، حيث زحف ابناء الكويت من كل حدب وصوب لاستقبال قائد مسيرتهم.
فجاءت فرحته بلقياهم توازي فرحته بالشفاء من العارض الصحي الذي استغرق 117 يوماً، كانت فيه مشاعر الكويتيين في حالة من القلق والخوف.
لقد اصطف جموع الشعب الكويتي منذ الصباح الباكر على جانبي الطريق الممتد من المطار حتى قصر دسمان ـ تحت درجة حرارة متدنية ـ بينهم اكثر من 26 الف طالب وطالبة، وسبعة آلاف مرشدة وزهرة، وخمسة آلاف كشفي وشبل، والفي طالب وطالبة من التعليم الخاص، وعدد من طلبة المعاهد الخاصة وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، مثلما شارك في تغطية هذه التظاهرة الوطنية اكثر من 300 مصور وفني وصحفي.
هذا الزحف البشري اكد من جديد البيعة الثالثة للامير الشيخ جابر الاحمد.. فالبيعة الاولى تمت في 31 ديسمبر عام 1977م بتوليه مهام الحكم اميراً لدولة الكويت. والبيعة الثانية تمت في اكتوبر عام 1990م والكويت تحت نير الاحتلال والعدوان العراقي، حيث جاءت تلك البيعة الشعبية كحالة من الاصرار على رفض كل دعوة الى تغيير النظام السياسي. وحالة من التلاحم والالتفاف حول قائد المسيرة اما البيعة التي تمت صباح يوم الثلاثاء 15 يناير 2002م. فهي بيعة حب ووفاء واخلاص لرائد التحرير والتطوير والبناء والنظام السياسي الذي يعتبر ركنا اساسيا في احكام الدستور الكويتي الصادر عام 1962م.
وتأكيداً لهذه البيعة الشعبية عطل مجلس الامة الكويتي جدول اعماله يوم الاثنين 22 يناير 2002م، وفاء وعرفاناً لامير البلاد، وقد وصف النواب هذه الجلسة بأنها جلسة مبايعة وتذكير بمناقب الشيخ جابر الاحمد وما قدمه لبلاده وشعبه منذ توليه المسؤولية عام 1949م وحتى تسلمه مقاليد الحكم وما بعدها.
ان مسيرة الشيخ جابر الاحمد ـ كما وقفنا عليها ـ حافلة بالاحداث والانجازات العظيمة تناولها الكتاب بشيء من الايجاز في موقع، وبتفصيل شديد في موقع آخر، ذلك لان طبيعة الحدث واهميته كانت تفرض نفسها، وتلزمنا بمثل هذا الاستطراد.
لقد اردنا من هذا الاصدار الا يكون عملاً اعلامياً ودعائياً ـ يمقته الرجل بطبعه ـ بقدر ما اردناه ان يكون مرجعاً علمياً يعين الباحثين والمؤرخين في رصد اهم مراحله واخطرها في تاريخ الكويت الحديث، عاشها الشيخ جابر الاحمد وقادها بفكره وعمله الدؤوب، سعياً وراء تحقيق دولة عصرية.. دولة مؤسسات وسيادة قانون.
هذه المسيرة... مسيرة الخير والعطاء التي شارك في قيادتها الشيخ جابر الاحمد رئيسا، فوزيراً، فوليا للعهد، ورئيسا لمجلس الوزراء، ثم حاكماً لدولة الكويت، سيكمل عامه الخامس والعشرين في 31 ديسمبر عام 2002م، وهو في سدة الحكم، يخدم وطنه وشعبه وامته.. ندعو له بدوام الصحة والعافية وطول العمر.
نأمل ان يكون هذا الاصدار حافزاً ومعيناً للمفكرين والكتاب لاثراء ما كتب برؤية ومعلومة جديدتين، تضفيان ابعاداً وآفاقاً اوسع، لم نتمكن من التوصل اليها، ونحن نسرد الاحداث التي مر بها الشيخ جابر الاحمد، ونقف عند الانجازات التي صنعها من اجل احداث نقلة نوعية في حياة الكويت والكويتيين.

انتهى

Nathyaa
15-01-2006, 10:32 AM
أعلن الديوان الأميري في الكويت وفاة أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح فجر اليوم عن عمر يناهز 77 عاما.

وقرأ البيان الذي أذاعه تلفزيون الكويت الرسمي وزير الإعلام أنس الرشيد. وأعلن التلفزيون الكويتي الحداد وقطع بثه وتلا آيات من القرآن الكريم.

وأعلن في الكويت الحداد الرسمي مدة 40 يوما وإغلاق الدوائر الرسمية مدة ثلاثة أيام.

ووفقا للدستور الكويتي يعلن خليفة الأمير الراحل في غضون ثلاثة أيام، وعادة ما يخلفه ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح. واستبعد مراسل الجزيرة وجود أي مشاكل في خلافته.

وتولى الأمير جابر الصباح حكم الكويت في 31 ديسمبر/كانون الأول 1977.

ولد الشيخ جابر الصباح سنة 1928، وتلقى تعليمه في مدرسة المباركية بالكويت، وعين حاكما لمنطقة الأحمدي في الفترة ما بين 1949-1950، وتولى قسم المال والأعمال سنة 1959، ليصبح وزيرا للمالية والصناعة والتجارة سنة 1963، وفي سنة 1966 أصبح وليا للعهد، لينتهي إلى إمارة البلاد بعد وفاة صباح سالم الصباح في 31 ديسمبر/كانون الأول 1977.

قام الشيخ جابر الصباح بالعديد من الإصلاحات في مجالات الاقتصاد والإسكان والتعليم والصناعة. وبعد انتهاء الغزو العراقي قاد عملية إعادة إعمار الكويت ومحو آثار غزو العراق للكويت عام 1990.
المصدر:الجزيرة + وكالات

الحيرااان
15-01-2006, 11:43 AM
أنـا لـلـه وأنـا الـيـه راجـعـون
الامـر لـلـه مـن قـبـل ومـن بـعـد

VIP
15-01-2006, 04:11 PM
الف شكر لج Nathyaa

Nathyaa
15-01-2006, 06:12 PM
اللهـــم.. اغفر للأمير جابر أرحمه وعافهِ واعفوا عنهُ , وأكرم نزلهُ ووسع مدخلهُ

وأغسله بالماء والثلج والبرد , ونقهِ من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيضُ

من الدنس , اللهم أوسع عليهِ قبره , وفرش قبره من فراش الجنة ,
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرةً من حفر النارِ يا رب العالمين

اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه , وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار .

اللهم عاملهُ بما أنت أهله ولا تعامله بما هو أهله , اللهم أجزهُ عن الإحسان إحساناً وعن الإساءةِ عفواً وغفراناً .

اللهم إن كان محسناً فزد في حسناته وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه يا رب العالمين .

اللهم أدخلهُ الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقةِ عذاب

اللهم آنسهُ في وحدته وآنسه في وحشته وآنسهُ في غربته , اللهم أنزلهُ منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين .

اللهم أنزلهُ منازل الصديقين الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً اللهم أعذه

اللهم أعذه من عذاب القبر وجاف الأرض عن جنبيه ,

اللهم املأ قبره بالرضا والنور والفسحةِ والسرور

اللهم قِهِ السيئات ( ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته )

اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك فقِهِ فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفرلهُ وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم

اللهم اغفر له في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور لهُ فيه ,

اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبيها وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه , كان يشهدُ ألا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك وأنت أعلم به

اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزولٌ به وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غنيٌ عن عذابه آته برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وآته برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين .

اللهم أنقله من مواطن الدود وضيق اللحود إلى جنات الخلود

اللهم ارحمه تحت الأرض واستره يوم العرض ولا تخزه يوم يبعثون , اللهم يمن كتابه ويسر حسابه وثقل بالحسنات ميزانه وثبت على الصراط أقدامه وأسكنه في أعلى الجنات في جوار نبيك ومصطفاك .

اللهم اجعل عن يمينه نوراً وعن شمالهِ نوراً ومن أمامهِ نوراً ومن فوقهِ نوراً حتى تبعثهُ آمناً مطمئناً في نورِ من نورك

اللهم انظر إليه نظرة رضا فإن من تنظرإليه نظرة رضا لا تعذبه أبداً , اللهم أسكنه فسيح الجنان واغفر له يا رحمن

اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم فإنك أنت الله الأعز الأكرم .. اللهم اعف عنه فإنك أنت القائل ( ويعفوا عن كثير ) .

اللهم إنه جاء ببابك وأناخ بجنابك , فجد عليه بعفوك وإكرامك وجودك وإحسانك ,

اللهم إن رحمتك وسعت كل شيء وهو شيء فارحمه رحمةً تطمئن بها نفسه وتَقَر بها عينه .

اللهم احشره مع المتقين إلى الرحمن وفدا , اللهم احشره في زمرة المقربين وبشره بروحِ وريحان وجنة نعيم , اللهم احشره مع أصحاب اليمين واجعل تحيته سلام لك من أصحاب اليمين.

اللهم بشره بقولك ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية )

اللهم اجعله من ( الذين سُعدوا ففي الجنةِ خالدين فيها مادامت السموات والأرض ) ,

اللهم لانزكيه عليك ولكنا نحسب أنه آمن وعمل صالحاً فاجعل لهُ جزاء الضعف بما عمل واجعلهُ في الغرفات من الآمنين

اللهم إنهُ خاف مقامك فاجعل لهُ جنتين ذواتى أفنان بحق قولك ( ولمن خاف مقام ربهِ جنتان )

اللهم إنه صبر على البلاء فلم يجزع فامنحهُ درجة الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب فأنت القائل ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )

اللهم إنهُ كان مصلياً فثبتهُ على الصراط يوم تزل الأقدام

اللهم إنهُ كان لك صائماً فأدخلهُ الجنةَ من باب الريان

اللهم إنهُ كان لكتابك تالياً فشفع فيهِ القرآن وارحمه يا رحمن من النيرآن واجعلهُ يا رحمن يرتقي في الجنة إلى آخر آية قرأها وآخر حرفٍ تلاه . اللهم ارزقه بكل حرفٍ من القرآن حلاوة وبكل كلمةٍ كرامة وبكل آيةٍ سعادة وبكل سورةٍ سلامة وبكل جزءٍ جزاء.

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان , سبحان ربك رب العزةِ عن ما يصفون وسلامٌ على المرسلين , والحمد لله رب العالمين , وصلى اللهم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيرا



لاحول ولا قوة الا بالله

albader
15-01-2006, 10:57 PM
عظم الله اجرك يا اختى
والله يعطيك العافيةعلى هذه الروح والولاء والاخلاص و هذا العمل والجهد ان دل فانه يدل على حبك العظيم لوالدنا والذى زرع فيك جابر الاحمد من خلال مسيرته العظيمة اللى كلها حب وانسانية اتجاهنا والله يا اختى مهما عملنا فلا نجزئ والدنا

يارب

هذه مسيرته وهذه اعماله بين يديك
اللهم يا مجيب الدعاء

اللهم أغفر له وتقبله وتجاوز عنه
اللهم نقه من ذنوبه وخطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهم أغسله من ذنوبه وخطاياه بالماء والثلج والبرد
اللهم باعد بينه وبين ذنوبه وخطاياه
كما باعدت بين المشرق والمغرب
اللهم أحسن نزله ووسع مدخله
واعفو عنه اللهم إني أسألك بمنك وكرمك أن تتغمد الفقيد برحمتك الواسعه
وأن تجعل قبره روضة من رياض الجنه
وأن تثبته بالقول الصالح
اللهم ارحمه في من رحمت وادخله الجنة
مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله
اللهم اجمعنا وإياه في مستقر رحمتك
اللهم انا نسالك بإسمك الأعظم ان توسع مدخله
اللهم آنس في القبر وحشته
اللهم ثبته عند السؤال
اللهم اكفه فتنة القبر
اللهم اكفه ضمة القبر
اللهم آمــــين .... اللهم آميـــــن
__________________

~*~عاطفية~*~
15-01-2006, 11:30 PM
اللهم اغفر له

اللهم اسكنه فسيح جناتك

الله يرحمه

Ronaldinho
16-01-2006, 03:25 AM
ان لله وان اليه راجعوان

الله يرحمه يارب

AL_3oooD
16-01-2006, 03:26 AM
الله يرحمه

والف شكر لج مراقبتنا على الموضوع

Nathyaa
16-01-2006, 01:02 PM
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا وارحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه ، الله يمن كتابه ويسر حسابه وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه ، اللهم نور عليه قبره وأمدد له فيه مد بصره وأجعله أول منازله من الجنة ، اللهم ألهم ذويه الصبر والسلوان وأخلفه في أهله بخير .

وإنا لله وإنا إليه راجعون

g6waa
16-01-2006, 08:53 PM
http://www.kwety.net/kwety1/q8/151515.gif

________________________________


http://www.kwety.net/kwety1/q8/111.gif.. الله يرحمــــــــــــــــــــه

جنــــــــــــــات الخلد ياااااااااارب

وانا لله وإنا إليه راجعووووووون ..http://www.kwety.net/kwety1/q8/111.gif

________________________________

اللهـــم.. اغفر للأمير جابر أرحمه وعافهِ واعفوا عنهُ ,

وأكرم نزلهُ ووسع مدخلهُ

وأغسله بالماء والثلج والبرد ,

ونقهِ من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيضُ من الدنس ,

اللهم أوسع عليهِ قبره ,

وفرش قبره من فراش الجنة ,

اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ,

ولا تجعلها حفرةً من حفر النارِ يا رب العالمين

اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله ,

وزوجاً خيراً من زوجه ,

وأدخله الجنة ,

وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار .

اللهم لك الحمد ولك الشكر , كما ينبغى لعظيم وجهك وجلال سلطانك ,

اللهم احفظني بالإسلام قائماً ،

و احفظني بالإسلام قاعداً ،

واحفظني بالإسلام راقداً ،

ولا تشمت بي عدواً ولا حاسداً ،

اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك
http://www.kwety.net/kwety1/q8/111.gifالفقيرة الى الله http://www.kwety.net/kwety1/q8/111.gif

________________________________




http://www.kwety.net/kwety1/q8/111.gif
http://www.kwety.net/kwety1/q8/111.gifg6waahttp://www.kwety.net/kwety1/q8/111.gif
http://www.kwety.net/kwety1/q8/111.gif

Nathyaa
17-01-2006, 12:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )



اللهم اغفر لحبيبنا واسكنه فسيح جناتك

اللهم ارحمه وعافه واعفوا عنه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس


اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة لا حفرة من حفر النايران

اللهم افرش قبره بالروح والريحان وأنمه في قبره نوم العروس

اللهم أجره من عذاب القبر ومن ظلمة القبر ومن وحشة القبر


اللهم آميين اللهم آمين اللهم آميين




يا جمااعة محتااج دعائئكم لحد يبخل علييه بالدعااء




اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وارْحَمْهُ وعافِهِ واعفُ عنْهُ وأكرمْ نُزُله ، ووسِّع
مُدْخلَهُ ، واغسلهُ بالمَاءِ والثَّلْجِ والبَرَدِ ، ونَقِّهِ من الخطَايا كَمَا
نَقَّيْتَ الثَّوبَ الأَبيضَ من الدَّنَسِ ، وأَبْدلهُ داراً خيراً من دارهِ ،
وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجهِ وأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وأعِذْه من
عَذَاب القَبْرِ (ومِنْ عَذَاب النَّارِ )

..

« اللَّهم اغفر لِحَيِّنَا وَميِّتِنا ، وَصَغيرنا وَكَبيرِنَا ، وذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا ، وشَاهِدِنا وَغائِبنَا . اللَّهُمَّ منْ أَحْيَيْتَه منَّا فأَحْيِه على الإسْلامِ ، وَمَنْ توَفَّيْتَه منَّا فَتَوَفَّهُ عَلى الإيمانِ ، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أَجْرَهُ ، وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ »..

..

« اللَّهُمَّ إنَّ فُلانَ ابْنَ فُلان في ذِمَّتِكَ وحَلَّ بجوارك، فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْر ، وَعَذَابَ النَّارِ ، وَأَنْتَ أَهْلُ الوَفاءِ والحَمْدِ ، اللَّهُمَّ فاغفِرْ لهُ وَارْحَمْهُ ، إنكَ أَنْتَ الغَفُور الرَّحيمُ »َ

..

((يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي))