بنت الامارات
01-09-2005, 12:05 AM
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )1
1) سورة الإسراء.
يبدأ المقدّم الحلقة بتهنئة العالم الاسلامي بهذه الذكرى ويقول: سمعنا عن حادثة الإسراء والمعراج ونتناولها سنوياً في المساجد والخُطَب والدكتور هداية له حضور جميل وجماهيرية عريضة فلو صنّفنا رحلة الاسراء والمعراج نقول أن فيها رحلتان رحلة أرضية ورحلة سماوية والمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وهناك التباس عند المسلمين في أشياء كثيرة فما هي تفاصيل الرحلتين وماذا حدث في كل سماء والحديث الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين باقي الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولماذا قال جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى لوتقدّمتُ لاحتلاقت ولو تقدّمتَ لخرقت وما دلالة أن يؤمّ الرسول صلى الله عليه وسلم بقية الأنبياء والرسل في المسجد الأقصى؟
يبدأ الدكتور جوابه بتهنئة العالم الاسلامي بهذه الذكرى العطرة وهي الإسراء والعروج كما أحب أن اسمّيها. لقد شاعت بيننا باسم الاسراء والمعراج لكني أقول أن المعراج هو مكان العروج ونحن لا يعنينا مكان العروج ولكن يعنينا الحادثة نفسها أي العروج فلو أردنا أن نتحدث عن المكانين نقول الإسراء والمعراج (الذي هو مصعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء) أما إذا أردنا أن نتحدث عن الحادثتين نقول الاسراء والعروج.
والذي يجب أن يستقر في قلب المسلمين ليست الخرافات التي تلحق بأية قصة من قصص الاسلام وهذه الحادثة وقعت بين حادثتين تاريخيتين هما البعثة والهجرة أعني بها هجرة المسلمين وإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم وحادثة الاسراء والعروج هي الحادثة الوسط بيت هاتين الحادثتين وقد حدثت بطريقة متفرّدة لأنها كما أراد الله تعالى منها ويجب أن يكون لها تأثير معيّن في نفس المسلم. ولمّا أسأل نفسي لماذا حدث الاسراء والعروج؟ هل حدث تسرية للرسول صلى الله عليه وسلم وأن السماء لم تدعه بعد أن هجر أهل الأرض له؟ هذا كان يمكن أن يكون بدون الحادثة. توجد أحاديث ضعيفة وخلافات بين أهل التفسير وأهل الحديث وبين أهل الحديث أنفسهم حول هذه الحادثة وهنا لي ملحظ على بعض ما يحصل في المساجد فأحياناً نسمع الخطيب يتحدث عن المرائي التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته في السماء ويتحدث عن عذاب الزُناة والناس يقولون الله! ولو كان الحديث صحيحاً يجب أن يظهر علينا الحزن والاستعاذة بالله من العذاب وللأسف أن معظم الناس يستمعون إلى القصة كقصة لكن الحق أنه يجب أن نأخذ الاسراء والعروج ونستفيد منه ونأخذ العبرة. فنحن مسلمون بعقيدة وليس بقصة وسنُسأل أمام الله تعالى عن عقيدة ولذلك حينما قال تعالى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) فهذا يعني أنه إذا حمل القرآن لنا قصة نأخذ العبرة منها والمثل وكيف نتفادى ما وقعت به تلك الأمة وكيف نسير على ما نجحت فيه هذه الأمة.
الإسراء حدث للرسول صلى الله عليه وسلم بعد مسألة أرجو أن نفهم نحن المسلمون الوقائع فيها أولاً حينما بُعِث الرسول صلى الله عليه وسلم للناس بدأ بالهداية والدعور سِرّاً بطريقة محددة معينة فتحرك بالسّر وبحذر ولو شاء الله تعالى لتحرّك في العلن ومن بداية القرآن أراد الله تعالى أن تبدأ الحياة بالتجربة العملية ولذلك كانت قصة آدم أول القرآن وبدأت بالأمر ثم المعصية ثم التوبة. إذا نظرنا إلى آدم عليه السلام ونسأل لماذا حدثت القصة؟: افعل ولا تفعل (لا تأكل من الشجرة فيأكل) ويعصي ثم يكتب الله تعالى على عباده التوبة ويعلّم آدم التوبة (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) ولولا أن علّمه الله تعالى كلمات ليتوب بها لما تاب ثم يقبل الله تعالى التوبة. والشاهد أنه لو لم يعطي الله تعالى آذم هذه الكلمات ما عرف أن يتوب. والمسألة حتى نفهمها بدأت بفضل الله تعالى الحياة بالتجربة وكذلك الاسراء حدث ليؤكّد الله تعالى لنا أنك إذا أخذت المنهج واتخذت الأسباب فأنت فعلت ما عليك فإذا انقطعت بك الأسباب بعد أخذك المنهج والأسباب ورفعت يديك إلى السماء لا يردّهما الله تعالى أبداً (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (62) النمل). ولنرجع إلى رحلة الطائف والحديث إن صحّ ما فيه ويجب أن يُفهم على بعض الألفاظ في هذا الدعاء. الرسول صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الطائف ويورد أن بنشر الاسلام خارج مكة وكان يظن أنه سيُقابل بالترحيب فحصل العكس فلما انقطعت به الأسباب لجأ إلى رب الأسباب وخالق الأسباب فقال دعاء أرجو أن يقع في قلوبنا جميعاً أن يسألوا ربّ الناس ولا يسألوا الناس كأنهم أصحاب الحلّ وينسوا رب الناس كما يفعل الناس عادة وهذه عقيدة فاسدة أن تسأل الناس وتنسى رب الناس ولقد وعظ الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عبّاس بقوله :" إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله". فلمّا حدث للرسول صلى الله عليه وسلم ما حدث في الطائف ألجأ رأسه إلى الحائط ولجأ إلى رب الأسباب فقال: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكِلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملّكته أمري إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي لكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ".
يجب أن يستقر في قلوبنا ونسمع الكلمات ولا نتقوّل فالبعض يقول أن ضعف قوتي معناها أن المسلمين الأوائل كانوا ضعفاء ! كلا المعنى أنه كان هناك قوة أخذ منها حتى ضعفت وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلمقلة حيلتي بمعنى أنه كان لديه حيل حتى استنفذها وأصبح محتاجاً لِمَدد من السماء. ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا أرحم الراحمين أنت ربُّ المستضعفين ولم يقل الضعفاء ولا يجب أن يكون المسلم ضعيفاً كما جاء في الحديث الشريف:"المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف" وقال تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (الفتح)) فالمسلمون الأوائل ليسوا ضعفاء ولكنهم مستضعفين لله عز وجلّ ومهما بلغت قوتي أخذت منها حتى نفذت فلجأت إلى رب السماء الذي أنا مستضعف له ليمدّني بقوة هي أعلى من قوتي مهما بلغت قوتي. هكذا يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه استنفذ أسباب الأرض فلجأ إلى السماء وهنا كان حقاً على الله تعالى أن يستجيب مصداقاً لقوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (62) النمل). ولا ننسى أن هذه الرسول صلى الله عليه وسلم بُشِّر بهذه الرحلة قبل حدوثها بفترة: عندما انقطع الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال المشركون ربُّ محمد قلاه وهذه شهادة من المشركين أن محمداً له ربّ وأنه لا يأتي بالقرآن من عنده وبهذا القول ظهر الحق وزهق الباطل بلسانهم، وينزل القرآن بردّ السماء على مشركي الأرض (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)) وبعض المفسرين يقول أن الآخرة هنا هي الدار الآخرة وهذا كلام عيب علينا أن نقوله لأن الرسولصلى الله عليه وسلم يفهم تماماً أن الآخرة خير له من الدنيا فهل ينفع أن يُقسم للرسول على أن الآخرة خير من الأولى؟ هؤلاء المفسرين يأخذون الكلمة من القرآن ويفسّرونها خارج النصّ وما أرجوه من علماء هذا العصر أن يأخذ الكلمة ونفسّرها في إطار النصّ، وعلماء اللغة يقولون أن الكلمة في القرآن عاشقة لمكانها ومكانها عاشق لها. والآيات تتكلم عن انقطاع الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فالمولى تعالى يقول له (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)) بمعنى أن آخر مرة يأتيك الوحي أفضل من السابقة وهكا حتى يأتيك اليقين وهذا تبشير الاسراء (والمقصود بالأولى في الآية أنها السابقة) سيظلّ الحق يعطيك حتى ترضى ولا تجد ما هو أعظم من رحلة الاسراء والعروج وكل المرائي التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم عظيمة وعِلّة الرحلة نفسها (لنريه من آياتنا) عظيمة ولسوف يعطيك ربك فترضى وعطاء الله هو كل عطاءاته: في استمرار نزول القرآن واستمرار حُبّ الله تعالى له واستمرار مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربّه كلها ليطمئن الرسول ويعرف أن يدعو إلى الله. الوحي انقطع عن الرسول r لِعِلّة كبرى فالرسول يجب أن يكون مقتنعاً بأنه رسول وبما أنزله الله تعالى عليه ويقتنع بما يدعو إليه فإذا اقتنع هو أنذر عشيرته الأقربين (وأنذر عشريتك الأقربين) ثم الأقرب فالأقرب.
وهنا يستطرد المقدّم ويسأل هل كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم تردد أو شكّ في هذه المسأله حتى يحتاج إلى التطمين؟
الجواب: ليس شكاً لكن إذا أنت كلّفتني بقضية وأخبرتك أنني غير مقتنع بها فمن المؤكّد أن تسحب القضية مني.
الأحداث التي حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من مسألة شقّ الصدر ومسألة الاسراء والعروج ومكانته عند ربّه كلها يُثبّت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك يُظهر الله تعالى قوة الرسول صلى الله عليه وسلم في تزكيته في أوائل سورة النجم. عندما تكلم عن العروج زكّى الله تعالى رسوله أعلى من تصور أي انسان وأعلى من باقي الأنبياء فزكّى عقله (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) وزكّى لسانه ومنطقه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)) وزكّى شرعه (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) وزكّى معلّمه (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)) وزكّاه بالعبودية لله تعالى (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)) وزكّى فؤاده (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)) والفؤاد محل القلب في البَدَن فإذا زكّى الفؤاد فكيف بالقلب؟ وزكّاه عن المجادلة والمحاورة والمناورة (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)) وزكّى بصره (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)) وزكّى رؤيته (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)) ثم زكّاه كله جملة وتفصيلاً في قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) والرسول r بهذه المنزلة وتِلكم المكانة أعلى البشر ، هو محمد وهو بشر الذي بشّر به عيسى عليه السلام وجاء برسالة خاتمة تهيمن على باقي الرسالات وكتاب هيمن عن كل الكتب السابقة لذلك صلّى بالأنبياء ليُعلِن الله تعالى إمامته وقدوته للأنبياء جميعاً ويُعلِن الله تعالى تصديق الأنبياء جميعاً له. والشاهد أن مثل هذه الحادثة كان لا بد من حدوثها ليتأكد هو صلى الله عليه وسلم من منزِلته عند رب السماء فهي تزكية وتكريم وتأييد له صلى الله عليه وسلم.
توجّه الرسول صلى الله عليه وسلم لله تعالى ليسأله النصر والتأييد وأن يخفف عنه وأن يلهمه الرشاد لاستكمال المسيرة في الدعوة إلى الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكِلني (لن ألجأ إلى أسباب في الأرض) إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملّكته أمري إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي (ومن هذا نتعلّم أنه إذا وقع لنا أمر إذا كان هذا الأمر غضب من الله تعالى نحزن وإن كان ابتلاء من الله تعالى نتحمّل وحتى لو كان ابتلاء لن نتوجه إلا إليك يا ربي ولن أفِرّ منك إلا إليك) لكن عافيتك أوسع لي (الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف قَدر الله تعالى عليه) أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى (التسليم المطلق لله تعالى بما قضى مهما كان هذا القضاء وهذا هو سِرُّ أو أول آية في القرآن بعد البسملة (الحمد لله رب العالمين) ليفهم الناس معنى الآية فأنت يا ربي الذي تُقرر وتقضي وتنزل وترفع وكل الصفات لك يا رب العالمين لك التسليم والرضى بما قضيت مهما كلن هذا القضاء ) ولا حول ولا قوة إلا بك (وفي رواية ولا حول ولا قوة إلا بالله)"
والحمد ليس كالشكر والفرق بينهما كبير: الشكر يكون لله وللناس أما الحمد فلا يكون إلا لله تعالى وحده. والحمد ليس الثناء (التسبيح هو الثناء) لكن الحمد هو إعلان الرضى والتسليم بقضاء الله وقدره مهما كان هذا القضاء في الضرّاء قبل السرّاء وفي المصائب قبل الأفراح ورحِم الله من قال أن الحمد لله كلمة مزدوجة الأداء تُقال عند اكَرب فتفرّجه وتُقال عند الخير فتزيده. فالحمد لله في كل حال على أي حال ولقد لخص الرسول r هذا المفهوم في قوله لك العتبى حتى ترضى. ومن جميل الدعاء " لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إن رضيت ولك الحمد بعد الرضى" لأنك إن لم تُحمَد أنت يا رب العالمين فمن يُحمَد؟ فالحمد لله وحده دون غيره سبحانه وتعالى جلّ شأنه وتعالى جدّه وتعالى قدره وتعالت أسماؤه. فالل تعالى عند رسول الله r له هذه المنزلة وهذا القدر فصدق رسول الله r عندما كان يسأل الله تعالى ويعجز لسانه عن الشكر يقول "سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك جلّ وجهك وعزّ جاهك وتقدّست أسماؤك" هي منزلة تليق بمقام الله تعالى ولا يوجد مخلوق يصل إلى حق قدر الله تعالى.
حينما يقتنع الرسول r بأنه رسول يبدأ بإنذار عشيرته الأقربين ثم يخرج إلى الناس كافّة فحدث له ما حدث في مكة والطائف. ثم ننظر إلى الرحلة بقضاء الله تعالى فيها والرحلة هي أعجب مما نظن جميعاً ومهما قلنا أنها عجيبة لا يمكن أن نصل إلى قدرها بدليل مطلع الآية في الإنباء عنها (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)) التي جاءت في أوائل سورة الإسراء أو سورة بني اسرائيل كما تُسمّى أيضاً وذلك لأنها تتحدث عن بني اسرائيل وما فعلوه ويُفعل بهم.
ابتدأ تعالى السورة بنمط فريد من التسبيح، فمن يسمع قوله تعالى (سبح اسم ربك الأعلى) يقول سبحان ربي الأعلى وعندما نسمع قوله تعالى (فسبّح باسم ربك العظيم) نقول سبحان ربي العظيم والرسول r أمرنا أن نجعلها في الركوع وفي الحالتين أمرنا تعالى بالتسبيح فسبّحنا بالإطلاق فلمّا علِم تبارك وتعالى أنه لن يوجد مخلوق يسبّحه في هذه الحادثة حقّ التسبيح سبّح نفسه فقال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده) كأننا أُمرنا فعجزنا فسبّح الله تعالى نفسه. كان يمكن أن يقول (سبِّح اسم الذي أسرى) لكن من يستطيع أن يسبّح الله حق التسبيح في هذه الحادثة؟ هذه الحادثة خرجت عن إلف العادة ولكن الله تعالى أجرى فيها العادة بطريقة متفرّدة جداً سواء الرحلة الأرضية أو الرحلة السماوية.
(سبحان الذي أسرى) تنزيه مطلق لله تعالى عن أي شيء يأتي إلى ذهنك في هذه القضية لأن البعض قد يتساءل عن الوقت الذي استغرقته هذه الرحلة وقد يتعجب. نحن نعرف أن الفِعل يتميّز عن الاسم بأنه كلمة لها زمن ولها فاعل فلكل فعل إذن زمن وفاعل وعليه فإن زمن الحدوث للفعل يتوقف على قوة وقدرة الفاعل ولو أن نحمداً r هو الذي قال أنا سريت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لكنا ناقشنا الأمر لكن الذي يقول هو الله تعالى وهو خالق الزمان والمكان فكيف نناقشه؟ يوجد على الأرض من ادّعى مُلك الأرض والبحار والمكان لكن لم يوجد أحد ادّعى ملك الزمانوالله تعالى ملِك الزمان نحن نقرأ في سورة الفاتحة (مالك يوم الدين) فالذي ملَك الزمان هو الله تعالى هو الذي أسرى بمحمد r وهو خالق الزمان فكيف نتحدث عن الزمان؟ صفة الله تعالى أن يقول للشيئ كن فيكون أما نحن إذا أردنا شيئاً نحتاج لزمن حتى يتم الحدث والفعل لكن عندما ننسب القضية إلى الله تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وهي تعني أن الشيء موجود قبل إرادة الله تعالى لها لأن الله تعالى ليس عنده زمن والدليل من الآية أنه قال (يقول له) ولم يقل يقول عنه (عنه نستعملها إذا لم يكن الشيء موجوداً). : كُن تعني إظهار الشيء لنا نحن لنراه لكنه هو موجود عند الله تعالى فلا زمن للفعل عند الله تعالى ولا يجوز لنا أن نتكلم عن الساعات والدقائق لأن هذه الرحلة قائمة بقدر الله تعالى وبقول الله (كُن). ومحمد r هنا عبدٌ لا يملك إلا التنفيذ.
يسأل المقدّم عن حادثة شق الصدر وهل لها علاقة بالإسراء والعروج وهل كلن العروج من المسجد الأقصى أو من هرَم خوفو في الجيزة ؟
حادثة شق الصدر:
حادثة شق الصدر فيها أكثر من حدث. منهم من يقول أنها وقعت والرسول r عند حليمة السعدية وحدثت قبل الاسراء والعروج وأنا شخصياً لا أدخل في خلاف الأحاديث وأقول أنه وارد أن تكون حدثت في ذلك الوقت أو غيره فالحادثة لها معنى بالمدلول والحادثة هي أن الرسول r جاءه ثلاثة نفر فشقوا عن قلبه وأخرجوه فغسلوه بطبق من ذهب بماء زمزم وفي رواية أنهم رفعوا منه نُكتَة سوداء ولكني شخصياً لا آخذ بها لأن اله تعالى يعلم أن محمداً سيكون رسوله . المهم من القضية أن آخذ مدلولها ولا يهم إن كانت حدثت وهو طفل أو قبل البعثة أو قبل الاسراء والمدلول من الحادثة أنه قبل كل عمل ضخم يحتاج محمد r أن يذكّر الأمّة أنها تحتاج إلى تطهير معيّن قبل أن تُقدِم على العمل. الرسول r حدثت له حادثة شق الصدر لأنه رسول وله معجزات وحدوثها قبل الاسراء لأن الرسول r سيذهب في رحلة أرضية وأخرى سماوية للقاء رب العالمين فلا بد أنه يحتاج لتغيير فيزيولوجي حتى يُبصِر المرائي واستيعابها وحتى يلقى الله تعالى ويراه. نأخذ المدلول من شق الصدر مع الإسراء والعروج النتهت بفرض الصلاة فالرسول r احتاج إلى تطهير معيّن ليتلقّى فرض الصلاة ونحن نحتاج لتطهير معيّن لنقيم الصلاة والوضوء يطهّر من كل الذنوب قبل أن تلقى الله تعالى في الصلاة وأنا آخذ المدلول وأعرف المعنى من الوضوء والله تعالى يبيّن لنا قيمة الوضوء بأن شرَع التيمم حتى يلفت نزرنا إلى أن الوضوء ليس نظافة ولكن طهارة (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة). فنحن نأخذ كما قلنا من حادثة شق الصدر العبرة والأسوة حتى نتعلم أننا نحتاج للتطهير قبل أن نلفى الله تعالى. والرسول r تقع عليه معجزات أما نحن فعلينا أن نطهّر قلوبنا بأيدينا وأذكر قصة الأعرابي الذي بشّره الرسول بالجنة فذهب إليه أحد الصحابة وبقي معه ثلاثة أيام يراقبه ماذا يفعل حتى استحق الجنة فلم يجده يفعل شيئاً خاصاً فلما سأله أجابه الأعرابي : ساعة أنام لا أحمِل في قلبي غِلاّ لأحد.
إذن أنا آخذ مدلول المعنى في حادثة شق الصدر وأنها على مُراد الله تعالى في محمد r وعلى أن الرسول r أسوة لنا (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) فإذا أردت أن تذهب إلى الصلاة التي فُرِضت في العروج والاسراء قبل العروج وشق الصدر قبل الاسراء فعليك أن تطهّر قلبك وبدََنك قبل أن تقف بين يدي الله تعالى فما بالكم في رجل يقف في الصلاة ويسرح ويخطط بالاعتداء على آخر؟؟
ردّ على نظرية الدكتور مراد الدش في العروج من هرم خوفو
السؤال الثاني حول ما جاء في كتاب للدكتور مراد الدش وهو باحث قضى ثلاثين عاماً في الهندسة الانشائية وترميم التربة وله دراسات في مقارنة الأديان وربط الأبحاث الجيولوجية بمقارنات في التوراة والانجيل والتاريخ الفرعوني وينتصر لأحد الآراء الثلاثة إن رأى لها دليل في القرآن ودخل في موضوع الفلك وغيره واكتشافاته أثارت ضجة شديدة ومن هذه الاكتشافات أنه قال أن العروج كان من فوق هرم خوفو الأكبر وأن الذي بنى الهرم هو ادريس u وليس خوفو والذي أكمل البناء قوم عاد وثمود وأن الواد المقدس طوى ليس في سيناء ولكنه في الأزهر .
هذا الكلام لا محل له من الصواب ومع احترامنا للدكتور مراد كباحث كنا نتمنى لو بحث في شيء آخر يعود على المسلمين بالمنفعة والفائدة. حتى غير المسلمين لا يقبلوا هذا الكلام وهو أمر مضحك وكلام لا أساس له من الصحة. للدكتور أن يبحث لكني آخذ عليه أنه قال (وصلنا إلى كذا وأثبتنا كذا) وهذا كلام مُرسَل فمن الذي وصل وأثبت؟ وبمَ أثبت؟ هو يقول أن آثار قدم رسول الله r على الهرم من فوق وهذا كلام لا أصل له وأنا لا أُثني على هذا البحث وهذا الجهد ولم أقتنع أبداً بالدلائل العلمية التي جاء بها.
سؤال: سأل أحد المشاهدين أن الرسول r كلن يركب البُراق في رحلة الاسراء والعروج وسرعة البُراق فظيعة (حافره عند مدى البصر) والرسول r كلن المطلوب أن يرى المرائي والمرائي ستمر بنفس السرعة فكيف استطاع أن يراها ؟ ثم إن الرسول r في مسألة لقاء الرسول بموسى ومسألة التخفيف في عدد ركعات الصلاة نلاحظ أن الرسول r ذهب تسعة أشواط حتى خُففت الصلاة من خمسين إلة خمسة ثم يقال أن الرسول r استحيا أن يرجع ثانية فهل يذهب تسعة أشواط ثم يستحي في آخر مرة ونحن نعلم أن الرسول r كان فيه من الحياء أكثر من العذراء في خِدرها؟
الجواب: السؤالان مهمان جداً وأنا كنت مثل هذا الأخ السائل ثم جمعت الموضوع بحذافيره. مسألة البُراق أولاً ما معنى أن مسألة الاسراء والعروج جرت على مقتضى العادة بتطبيق العادة؟ الاسراء رحلة خارقة للعادة ومحمد r بشر (إنما أنا بشر مثلكم) والتمييز له (يوحى إليّ) التركيبة البشرية مع أنه رسول نبي ومع أنه يعرف أنها رحلة تكريم تجمع بين خرق العادة والجري على العادة معاً.
لماذا سُمّي البُراق؟ البُراق كلمة لها معاني مختلفة تأتي بمعنى شديد البياض مع مخالطة البياص بسواد أو تأتي من البرق أي من السرعة. والبديع أن كلمة سبحان نفسها تعني السرعة لأن السبح هو المشي في الماء بسرعة فكأن الرحلة تحتاج لسرعة معينة.
أقف عند كلمة البراق أولاً خُذ العادة وخرق العادة بالتشبيه: إذا أراد ملِك في الدنيا أن يٌرسل لشخص فهو يُرسِل له بمركوب حتى يأتيه فما بالك بملك الملوك وقدر الرسول r؟ فعلى قدر الملك والمُستدعى يكون الركوب والمركوب فما بالك برب الملوك وبرسول الله r فكان يجب أن يكون البُراق. قال رسول الله r " أُتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل ، يضع حافره عند منتهى طرفه " وهذا الوصف ليس الزامياً لكن الرسول r يصف بما يعرفه الناس وخلال رحلته كان يرى من المرائي ما قال فيه لا يستطيع أحد أن يصفه. فهو إذن وصف يقابل مفهوم الناس في ذلك الزمان. وسؤال الأخ السائل سؤال وجيه توجد سرعة ورؤية والذي يسّر كل هذا يستطيع أن يجعل البراق يهدأ في الأماكن التي فيها المرائي فيراها الرسول r ثم يُكمل البراق مسيرته. السرعة هنا الغرض منها تقريب المسألة عند المستمع لأنه علينا أن لا ننسى أن الناس في حينها كان الحمار لديهم يوازي النفاثة والحصان هو الذي يخترق جدار الصوت واعتراضهم في ذلك الحين له وجه والصدّيق أبو بكر ردّ عليهم بما يؤيّد كلامهم لأنهم عندما أخبروه بما قاله الرسول r في الرحلة ردّ عليهم بالحق عن الحق "إن كان محمد قد قال فقد صدق" بمعنى أن كلامكم فعلاً لا يُصدّق إلا إذا كان محمد قاله ولو أن أي شخص آخر قاله لما صدّقناه. لكن الذي أخبر بهذا الأمر الصادق الأمين r وليس مسيلمة الكذّاب مثلاً. والصدّيق لم يقف عند المرائي ولكنه وقف عند من قال هذه المرائي ومن تحدث عن الحادثة؟ إن كان محمد فقد صدق. فالبراق إذن يقف ليرى رسول الله r المرائي التي شاء الله تعالى له أن يراها ثم يستمر مرة أخرى في سرعته وهكذا.
أما بالنسبة للصلاة فإن استيقاف موسى u للرسول r في أمر الصلاة والحديث له أكثر من رواية منها ما يقول أنه كان يحطُّ في كل كرة عشراً ومنهم من قال أنه يحط خمساً وفي رواية أنه حطّ النصف في أول مراجعة والروايت مختلفة في هذا الموضوع. وسؤال الأخ عن ذهاب الرسول تسعة أشواط ثم استحياؤه في المرة الأخيرة هذا كلام حق لكن علينا أن نستوعب القضية في استيقاف موسى u ولماذا موسى وليس ابراهيم مع أن ابراهيم أولى بمحمد ومحمد أولى بابراهيم (وهنا أتمنى أن نأخذ الحديث من مسلم أو البخاري وبعض روايات الإمام أحمد حتى نخرج من الاسرائيليات ومن الخرافات والحكايات) لكن ما حدث من موسى u يوضح شيئاً مهماً للأمة كلها وهي أن الأنبياء والمرسلين يتّحدون على طاعة الله تعالى وموسى يقول لمحمد r خبرته مع بني اسرائيل ويتكلم بصدق أنه حين كلّفهم بأقل من ذلك رفضوا واعترضوا ولم يفعلوه فما بالك بأمة آخر الزمان أمة محمد r وهي أضعف الأمم؟ لكن لا يستطيع أحد أن يقول أن ابراهيم u لم ينصح محمداً r لأنه فعل وفي الأحاديث أن ابراهيم u قال له "يا محمد يا بُنيّ إتك لاقٍ ربك فاجعل أغلب ما لك لأمتك"
وصدّق رسول الله r هذه الوصية في حديث صحيح إن الله تعالى شرّفه وكرّمه بأمته أن وعده أن سبعين ألفاً من أمته في الجنة بغير حساب فاستزدت ربي فزاد مع كل واحد من السبعين ألفاً سبعين ألفا. وهذا دليل أن محمد r عمل بوصية ابراهيم u. أما موسى فقد تكلّم من خبرته مع بني اسرائيل والحديث أن الرسول r التقى في كل سماء بعدد من الأنبياء في السماء الأولى التقى بآدم u فسلّم عليه ودعا له بالخير وفي الثانية التقى أبناء الخالة يحيى وعيسى عليهما السلام فرحّبا به ودعوا له بالخير وفي الثالثة التقى بيوسف u ووصفه الرسول r بأنه أُوتي شكر الحسن وفي الحديث أن يوسف أُوتي شكر الحسن أما محمد فقد أوتي الحسن كلّه، وفي السماء الرابعة التقى ادريس r الذي قال تعالى فيه (ورفعناه مكاناً عليّا) فإذا تجاوزه محمد r فهو أعلى من المكان العليّ وفي الخامسة التقى هارون وسلم عليه ودعا له بالخير وفي السادسة التقى موسى u ودعا له بالخير ودعا له دعاء خاصاً لأن موسى u له تجربة قاسية مع بني اسرائيل وهو فشل معهم وهذا الكلام يجب أن يُفهم وهو ليس من الاسرائيليات وفي السابعة التقى ابراهيم u ودعا له بالخير. وفي كل لقاء نأخذ ملمحاً ومشهداً وعبرة فعندما أسمع أن ابراهيم رَكَن ظهره للبيت المعمور نأخذ منه على أنه يجوز أن نجلس وظهرنا للكعبة وهذا ما قاله علماء الحديث لكن من الأفضل أن نجلس في اتجاه القبلة فهناك فاضل وهناك أفضل.
أما حينما وصل الى سدرة المنتهى فلما غشّاها الله ما غشّى قال أصبحت بعد هذا على هيئة لا يستطيع مخلوق أن يصفها. والمقصود بالغشية هنا التغطية بكل شيء و قوله تعالى (فغشّاها ما غشّى) استعمال (ما) المبهمة تعني أي شيء ، ما يغشى أنوار جائز، كثرة الملائكة جائز، شكلها وبهاؤها وسطوعها جائز وكله محتمل والقرآن الكريم يؤكّد أن شكلها أبدع من أن يقع عليه النظر فيُطمئنك أن محمداٍ r ما زاغ بصره وما طغى في هذا الموقف فكأن أي شخص آخر غيره كان زاغ بصره.
أما رؤية الرسول r لله تعالى فهي مسألة فيها خلاف فالسيدة عائشة رضي الله عنها على رأس فريق يقولون أنه لم يرى الله تعالى وابن عباس رضي الله عنه على رأس فريق آخر يقولون أنه رآه ونحن إن شاء الله سنوفّق بين الحديثين لأننا لا يمكن لنا أن نستبعد أحدهما.
الثابت أن الاسراء حادثة أرضية خرج بها الرسول r من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وليس من هرم خوفو ولا غيره وهذا خيال علمي بحت وكلام فارغ وكنت أريد من الدكتور مراد أن يربأ بالاسلام عن هذا فهو قد كتب 15 كتاباً ليس فيها شيء من الصحة ثم يقول أيضاً أن جنة آدم هي جنة عدن ونحن نعلم أن عدن كلمة لا توصف بها إلا جنات ولا توصف بها جنة وكلمة عدن تعني الاقامة والقرار . وأكرر أننا نقدّر الدكتور لكني أتمنى أن يبحث في شيء يفيد ويخدم الاسلام وهذا ابتلاء من ابتلاءات الله تعالى وعلينا أن نقف يداً واحدة لإعلاء الاسلام والمسلم كيّس فطن يعرف بم يبحث ولِمَ يبحث وعمّ يبحث فنسأل الله السلامة.
التزكيات والتشريفات لرسول الله r في رحلة الاسراء والعروج:
الله تعالى زكّى رسوله r تزكية عالية جداً جملة وتفصيلاً زكّى كل عضو من أعضاء الرسول r ليوضح لنا أن محمداً بشر لكنه بشر رسول فزكّى عقله وزكّاه بالعبودية لله وزكّى فؤاده وزكّاه أن تجادله وتناقشه في هذه القضية وغيرها وزكّى بصره وزكّى رؤيته وزكّاه كله (وإنك لعلى خلق عظيم) هذه التزكية لها عِلّة في الحادثة (سبحان الذي أسرى بعبده) الاسراء حدث على الأرض ويقولون أن الله تعالى لم يذكر المعراج بصراحة فلم يقل سبحان الذي عرج بعبده ونقول أن الاسراء حادثة أرضية فتحدّث عنه الله تعالى بصراحة في أول سورة الاسراء أما العروج فهو حادثة في السماء وكلها غيبيات فجاء الكلام عنها التزاماً ولنظروا إلى القسم في أولئل سورة النجم (والنجم إذا هوى) مكان النجم السماء والعروج مكانه السماء فكأن النجم مجاز عن مجاز (العروج) فالنجم يتحدث بالتزام عن العروج لان الرسول r اتُّهِم بأنه يقول كلاماً غير صحيح والواقع أن الرسول r أعلى مما يظنّون وحتى الذين يسلمون له لا يعرفون قيمته ويجب على المسلمين أخذ العبرة في حادثة الاسراء والعروج ولماذا حدثت؟ الله تعالى كلّفنا بالصيام والحج والزكاة بعد الشهادة على الأرض فلما كلّفنا بالصلاة استدعى رسوله إليه ليكون في مقام القُرب لأن أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد كما في الحديث الشريف. فكأن الله تعالى استدعى رسول r ليقول له إذا أردت أن تقترب مني فعليك بالصلاة وصدق الله العظيم (كلا لا تطعه واسجد واقترب) فإذا سجدت لله تعالى فأنت اقتربت كما اقترب محمد r من ربه ساعة فرض الصلاة عليه فليس عبثاً وإنما هي عن حكمة بالغة أن تحدث حادثة الاسراء والعروج حتى تكلّف الأمة بالصلاة التي هي الصلة بين العبد وبين الله تعالى.
وانظروا الآن إلى حال المسلمين في الصلاة هل نصلي كما علّمنا الرسول r كما أمرنا الله تعالى؟ عندنا آيتين في القرآن لا يعمل بها المسلمون منها كلمة أقيموا وأقاموا التي تأمرنا بحضور الجماعات والالتزام بها والثانية (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) والبعض يترك كل الوقت ولا يصلي إلا قبل دخول الوقت الثاني بخمس أو عشر دقائق ولكلّ مدينة مواقيت خاصة بها فمواقيت الصلاة في القاهرة غيرها في الاسكندرية وغيرها في ليبيا وهكذا. والقوت الذي بين الصلوات ليس لنا إنما أين نكون نحن؟ نصلّي حسب المكان الذي نحن فيه ونصلي في وقت الصلاة عندما يدخل وقت الصلاة قد نعطي نصف ساعة مثلاً للوضوء وإقامة الصلاة لكن أن نؤخر الصلاة عن وقتها عمداً فهذا غير مقبول. البعض يقول أنا أسرح في الصلاة منقول له لو أحسنت الوضوء لأحسنت الصلاة. ولنتذكر حادثة شق الصدر وكيف أنها كانت تهيئة وتطهير للرسول r قبل لقاء ربه ونحن أيضاً عندما نذهب إلى الصلاة علينا أن نتوضأ ويجب أن ننصح الأمة كلها بالمحافظة على الوضوء أنه لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن فالمؤمن يعيش على وضوء سواء يصلي أو لا وهو يعلم أنه ساعة كون على وضوء تحفّه الملائكة. علينا أن نعلم أن حادثة شق الصدر حدثت حتى يعلّمنا الله تعالى أننا إذا أردنا أن نلتقي به علينا أن نطهّر أنفسنا. فالرسول r خرج لمهمة عالية جداً (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) وفي سورة النجم (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) كأن المهمة نجحت والرسول r حظي بالمنزلة الرفيعة العالية.
أما لقاء الرسول r بالأنبياء وارتقاؤه عليهم لها مدلول فهو كلما التقى رسول ارتقاه من آدم إلى ابراهيم وإمامته r للأنبياء ما هي إلا إعلان من الله تعالى بالتسليم لمحمد r كأن الأنبياء قد نصحوا الأمم ثم جاء الوقت ليُعِلنوا هم تسليمهم وإسلامهم وراء محمد r مصداقاً لقوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) وسنشرح هذه الآية إن شاء الله في الحلقة القادمة لأنها تؤيّد إمامة الرسول r للأنبياء. ومهما اختلفت الأحاديث يتضح للمسلم الواعي أن يصل إلى مُراد الله تعالى من هذه الواقعة الجلل.
لماذا لم يستطع جبريل أن يتقدم بينما تقدم الرسول r؟
لكا مخلوق لله مقام لا يستطيع أحد أن يتجاوزه الأنبياء لهم مقام والملائكة لهم مقام والرسل لهم مقام فإذا صحّ الحديث (لأن السند فيه عِلّة) فله شاهد أن الرسول r وصل إلى سدرة المنتهى وكرسي العرش وجبريل لم يستطع أن يصل كما قال في القرآن (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) الصافات). وفي الروايات في صحيح البخاري ومسلم أن جبريل كان يستفتح عند كل سماء فيسأله أهل تلك السماء من أنت فيقول جبريل فيسألونه من معك؟ فيقول محمد فيقولون أوبعث؟ وهذا اختراق من السماوات يحتاج لإذن ويحتاج لأن يكون الله تعالى قد بعث إليه.
وفي ختام الحلقة أعاد الدكتور دعاء الرسول r الذي دعا به في الطائف.
1) سورة الإسراء.
يبدأ المقدّم الحلقة بتهنئة العالم الاسلامي بهذه الذكرى ويقول: سمعنا عن حادثة الإسراء والمعراج ونتناولها سنوياً في المساجد والخُطَب والدكتور هداية له حضور جميل وجماهيرية عريضة فلو صنّفنا رحلة الاسراء والمعراج نقول أن فيها رحلتان رحلة أرضية ورحلة سماوية والمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وهناك التباس عند المسلمين في أشياء كثيرة فما هي تفاصيل الرحلتين وماذا حدث في كل سماء والحديث الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين باقي الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولماذا قال جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى لوتقدّمتُ لاحتلاقت ولو تقدّمتَ لخرقت وما دلالة أن يؤمّ الرسول صلى الله عليه وسلم بقية الأنبياء والرسل في المسجد الأقصى؟
يبدأ الدكتور جوابه بتهنئة العالم الاسلامي بهذه الذكرى العطرة وهي الإسراء والعروج كما أحب أن اسمّيها. لقد شاعت بيننا باسم الاسراء والمعراج لكني أقول أن المعراج هو مكان العروج ونحن لا يعنينا مكان العروج ولكن يعنينا الحادثة نفسها أي العروج فلو أردنا أن نتحدث عن المكانين نقول الإسراء والمعراج (الذي هو مصعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء) أما إذا أردنا أن نتحدث عن الحادثتين نقول الاسراء والعروج.
والذي يجب أن يستقر في قلب المسلمين ليست الخرافات التي تلحق بأية قصة من قصص الاسلام وهذه الحادثة وقعت بين حادثتين تاريخيتين هما البعثة والهجرة أعني بها هجرة المسلمين وإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم وحادثة الاسراء والعروج هي الحادثة الوسط بيت هاتين الحادثتين وقد حدثت بطريقة متفرّدة لأنها كما أراد الله تعالى منها ويجب أن يكون لها تأثير معيّن في نفس المسلم. ولمّا أسأل نفسي لماذا حدث الاسراء والعروج؟ هل حدث تسرية للرسول صلى الله عليه وسلم وأن السماء لم تدعه بعد أن هجر أهل الأرض له؟ هذا كان يمكن أن يكون بدون الحادثة. توجد أحاديث ضعيفة وخلافات بين أهل التفسير وأهل الحديث وبين أهل الحديث أنفسهم حول هذه الحادثة وهنا لي ملحظ على بعض ما يحصل في المساجد فأحياناً نسمع الخطيب يتحدث عن المرائي التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته في السماء ويتحدث عن عذاب الزُناة والناس يقولون الله! ولو كان الحديث صحيحاً يجب أن يظهر علينا الحزن والاستعاذة بالله من العذاب وللأسف أن معظم الناس يستمعون إلى القصة كقصة لكن الحق أنه يجب أن نأخذ الاسراء والعروج ونستفيد منه ونأخذ العبرة. فنحن مسلمون بعقيدة وليس بقصة وسنُسأل أمام الله تعالى عن عقيدة ولذلك حينما قال تعالى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) فهذا يعني أنه إذا حمل القرآن لنا قصة نأخذ العبرة منها والمثل وكيف نتفادى ما وقعت به تلك الأمة وكيف نسير على ما نجحت فيه هذه الأمة.
الإسراء حدث للرسول صلى الله عليه وسلم بعد مسألة أرجو أن نفهم نحن المسلمون الوقائع فيها أولاً حينما بُعِث الرسول صلى الله عليه وسلم للناس بدأ بالهداية والدعور سِرّاً بطريقة محددة معينة فتحرك بالسّر وبحذر ولو شاء الله تعالى لتحرّك في العلن ومن بداية القرآن أراد الله تعالى أن تبدأ الحياة بالتجربة العملية ولذلك كانت قصة آدم أول القرآن وبدأت بالأمر ثم المعصية ثم التوبة. إذا نظرنا إلى آدم عليه السلام ونسأل لماذا حدثت القصة؟: افعل ولا تفعل (لا تأكل من الشجرة فيأكل) ويعصي ثم يكتب الله تعالى على عباده التوبة ويعلّم آدم التوبة (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) ولولا أن علّمه الله تعالى كلمات ليتوب بها لما تاب ثم يقبل الله تعالى التوبة. والشاهد أنه لو لم يعطي الله تعالى آذم هذه الكلمات ما عرف أن يتوب. والمسألة حتى نفهمها بدأت بفضل الله تعالى الحياة بالتجربة وكذلك الاسراء حدث ليؤكّد الله تعالى لنا أنك إذا أخذت المنهج واتخذت الأسباب فأنت فعلت ما عليك فإذا انقطعت بك الأسباب بعد أخذك المنهج والأسباب ورفعت يديك إلى السماء لا يردّهما الله تعالى أبداً (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (62) النمل). ولنرجع إلى رحلة الطائف والحديث إن صحّ ما فيه ويجب أن يُفهم على بعض الألفاظ في هذا الدعاء. الرسول صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الطائف ويورد أن بنشر الاسلام خارج مكة وكان يظن أنه سيُقابل بالترحيب فحصل العكس فلما انقطعت به الأسباب لجأ إلى رب الأسباب وخالق الأسباب فقال دعاء أرجو أن يقع في قلوبنا جميعاً أن يسألوا ربّ الناس ولا يسألوا الناس كأنهم أصحاب الحلّ وينسوا رب الناس كما يفعل الناس عادة وهذه عقيدة فاسدة أن تسأل الناس وتنسى رب الناس ولقد وعظ الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عبّاس بقوله :" إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله". فلمّا حدث للرسول صلى الله عليه وسلم ما حدث في الطائف ألجأ رأسه إلى الحائط ولجأ إلى رب الأسباب فقال: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكِلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملّكته أمري إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي لكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ".
يجب أن يستقر في قلوبنا ونسمع الكلمات ولا نتقوّل فالبعض يقول أن ضعف قوتي معناها أن المسلمين الأوائل كانوا ضعفاء ! كلا المعنى أنه كان هناك قوة أخذ منها حتى ضعفت وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلمقلة حيلتي بمعنى أنه كان لديه حيل حتى استنفذها وأصبح محتاجاً لِمَدد من السماء. ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا أرحم الراحمين أنت ربُّ المستضعفين ولم يقل الضعفاء ولا يجب أن يكون المسلم ضعيفاً كما جاء في الحديث الشريف:"المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف" وقال تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (الفتح)) فالمسلمون الأوائل ليسوا ضعفاء ولكنهم مستضعفين لله عز وجلّ ومهما بلغت قوتي أخذت منها حتى نفذت فلجأت إلى رب السماء الذي أنا مستضعف له ليمدّني بقوة هي أعلى من قوتي مهما بلغت قوتي. هكذا يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه استنفذ أسباب الأرض فلجأ إلى السماء وهنا كان حقاً على الله تعالى أن يستجيب مصداقاً لقوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (62) النمل). ولا ننسى أن هذه الرسول صلى الله عليه وسلم بُشِّر بهذه الرحلة قبل حدوثها بفترة: عندما انقطع الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال المشركون ربُّ محمد قلاه وهذه شهادة من المشركين أن محمداً له ربّ وأنه لا يأتي بالقرآن من عنده وبهذا القول ظهر الحق وزهق الباطل بلسانهم، وينزل القرآن بردّ السماء على مشركي الأرض (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)) وبعض المفسرين يقول أن الآخرة هنا هي الدار الآخرة وهذا كلام عيب علينا أن نقوله لأن الرسولصلى الله عليه وسلم يفهم تماماً أن الآخرة خير له من الدنيا فهل ينفع أن يُقسم للرسول على أن الآخرة خير من الأولى؟ هؤلاء المفسرين يأخذون الكلمة من القرآن ويفسّرونها خارج النصّ وما أرجوه من علماء هذا العصر أن يأخذ الكلمة ونفسّرها في إطار النصّ، وعلماء اللغة يقولون أن الكلمة في القرآن عاشقة لمكانها ومكانها عاشق لها. والآيات تتكلم عن انقطاع الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فالمولى تعالى يقول له (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)) بمعنى أن آخر مرة يأتيك الوحي أفضل من السابقة وهكا حتى يأتيك اليقين وهذا تبشير الاسراء (والمقصود بالأولى في الآية أنها السابقة) سيظلّ الحق يعطيك حتى ترضى ولا تجد ما هو أعظم من رحلة الاسراء والعروج وكل المرائي التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم عظيمة وعِلّة الرحلة نفسها (لنريه من آياتنا) عظيمة ولسوف يعطيك ربك فترضى وعطاء الله هو كل عطاءاته: في استمرار نزول القرآن واستمرار حُبّ الله تعالى له واستمرار مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربّه كلها ليطمئن الرسول ويعرف أن يدعو إلى الله. الوحي انقطع عن الرسول r لِعِلّة كبرى فالرسول يجب أن يكون مقتنعاً بأنه رسول وبما أنزله الله تعالى عليه ويقتنع بما يدعو إليه فإذا اقتنع هو أنذر عشيرته الأقربين (وأنذر عشريتك الأقربين) ثم الأقرب فالأقرب.
وهنا يستطرد المقدّم ويسأل هل كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم تردد أو شكّ في هذه المسأله حتى يحتاج إلى التطمين؟
الجواب: ليس شكاً لكن إذا أنت كلّفتني بقضية وأخبرتك أنني غير مقتنع بها فمن المؤكّد أن تسحب القضية مني.
الأحداث التي حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من مسألة شقّ الصدر ومسألة الاسراء والعروج ومكانته عند ربّه كلها يُثبّت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك يُظهر الله تعالى قوة الرسول صلى الله عليه وسلم في تزكيته في أوائل سورة النجم. عندما تكلم عن العروج زكّى الله تعالى رسوله أعلى من تصور أي انسان وأعلى من باقي الأنبياء فزكّى عقله (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) وزكّى لسانه ومنطقه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)) وزكّى شرعه (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) وزكّى معلّمه (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)) وزكّاه بالعبودية لله تعالى (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)) وزكّى فؤاده (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)) والفؤاد محل القلب في البَدَن فإذا زكّى الفؤاد فكيف بالقلب؟ وزكّاه عن المجادلة والمحاورة والمناورة (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)) وزكّى بصره (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)) وزكّى رؤيته (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)) ثم زكّاه كله جملة وتفصيلاً في قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) والرسول r بهذه المنزلة وتِلكم المكانة أعلى البشر ، هو محمد وهو بشر الذي بشّر به عيسى عليه السلام وجاء برسالة خاتمة تهيمن على باقي الرسالات وكتاب هيمن عن كل الكتب السابقة لذلك صلّى بالأنبياء ليُعلِن الله تعالى إمامته وقدوته للأنبياء جميعاً ويُعلِن الله تعالى تصديق الأنبياء جميعاً له. والشاهد أن مثل هذه الحادثة كان لا بد من حدوثها ليتأكد هو صلى الله عليه وسلم من منزِلته عند رب السماء فهي تزكية وتكريم وتأييد له صلى الله عليه وسلم.
توجّه الرسول صلى الله عليه وسلم لله تعالى ليسأله النصر والتأييد وأن يخفف عنه وأن يلهمه الرشاد لاستكمال المسيرة في الدعوة إلى الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكِلني (لن ألجأ إلى أسباب في الأرض) إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملّكته أمري إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي (ومن هذا نتعلّم أنه إذا وقع لنا أمر إذا كان هذا الأمر غضب من الله تعالى نحزن وإن كان ابتلاء من الله تعالى نتحمّل وحتى لو كان ابتلاء لن نتوجه إلا إليك يا ربي ولن أفِرّ منك إلا إليك) لكن عافيتك أوسع لي (الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف قَدر الله تعالى عليه) أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى (التسليم المطلق لله تعالى بما قضى مهما كان هذا القضاء وهذا هو سِرُّ أو أول آية في القرآن بعد البسملة (الحمد لله رب العالمين) ليفهم الناس معنى الآية فأنت يا ربي الذي تُقرر وتقضي وتنزل وترفع وكل الصفات لك يا رب العالمين لك التسليم والرضى بما قضيت مهما كلن هذا القضاء ) ولا حول ولا قوة إلا بك (وفي رواية ولا حول ولا قوة إلا بالله)"
والحمد ليس كالشكر والفرق بينهما كبير: الشكر يكون لله وللناس أما الحمد فلا يكون إلا لله تعالى وحده. والحمد ليس الثناء (التسبيح هو الثناء) لكن الحمد هو إعلان الرضى والتسليم بقضاء الله وقدره مهما كان هذا القضاء في الضرّاء قبل السرّاء وفي المصائب قبل الأفراح ورحِم الله من قال أن الحمد لله كلمة مزدوجة الأداء تُقال عند اكَرب فتفرّجه وتُقال عند الخير فتزيده. فالحمد لله في كل حال على أي حال ولقد لخص الرسول r هذا المفهوم في قوله لك العتبى حتى ترضى. ومن جميل الدعاء " لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إن رضيت ولك الحمد بعد الرضى" لأنك إن لم تُحمَد أنت يا رب العالمين فمن يُحمَد؟ فالحمد لله وحده دون غيره سبحانه وتعالى جلّ شأنه وتعالى جدّه وتعالى قدره وتعالت أسماؤه. فالل تعالى عند رسول الله r له هذه المنزلة وهذا القدر فصدق رسول الله r عندما كان يسأل الله تعالى ويعجز لسانه عن الشكر يقول "سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك جلّ وجهك وعزّ جاهك وتقدّست أسماؤك" هي منزلة تليق بمقام الله تعالى ولا يوجد مخلوق يصل إلى حق قدر الله تعالى.
حينما يقتنع الرسول r بأنه رسول يبدأ بإنذار عشيرته الأقربين ثم يخرج إلى الناس كافّة فحدث له ما حدث في مكة والطائف. ثم ننظر إلى الرحلة بقضاء الله تعالى فيها والرحلة هي أعجب مما نظن جميعاً ومهما قلنا أنها عجيبة لا يمكن أن نصل إلى قدرها بدليل مطلع الآية في الإنباء عنها (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)) التي جاءت في أوائل سورة الإسراء أو سورة بني اسرائيل كما تُسمّى أيضاً وذلك لأنها تتحدث عن بني اسرائيل وما فعلوه ويُفعل بهم.
ابتدأ تعالى السورة بنمط فريد من التسبيح، فمن يسمع قوله تعالى (سبح اسم ربك الأعلى) يقول سبحان ربي الأعلى وعندما نسمع قوله تعالى (فسبّح باسم ربك العظيم) نقول سبحان ربي العظيم والرسول r أمرنا أن نجعلها في الركوع وفي الحالتين أمرنا تعالى بالتسبيح فسبّحنا بالإطلاق فلمّا علِم تبارك وتعالى أنه لن يوجد مخلوق يسبّحه في هذه الحادثة حقّ التسبيح سبّح نفسه فقال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده) كأننا أُمرنا فعجزنا فسبّح الله تعالى نفسه. كان يمكن أن يقول (سبِّح اسم الذي أسرى) لكن من يستطيع أن يسبّح الله حق التسبيح في هذه الحادثة؟ هذه الحادثة خرجت عن إلف العادة ولكن الله تعالى أجرى فيها العادة بطريقة متفرّدة جداً سواء الرحلة الأرضية أو الرحلة السماوية.
(سبحان الذي أسرى) تنزيه مطلق لله تعالى عن أي شيء يأتي إلى ذهنك في هذه القضية لأن البعض قد يتساءل عن الوقت الذي استغرقته هذه الرحلة وقد يتعجب. نحن نعرف أن الفِعل يتميّز عن الاسم بأنه كلمة لها زمن ولها فاعل فلكل فعل إذن زمن وفاعل وعليه فإن زمن الحدوث للفعل يتوقف على قوة وقدرة الفاعل ولو أن نحمداً r هو الذي قال أنا سريت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لكنا ناقشنا الأمر لكن الذي يقول هو الله تعالى وهو خالق الزمان والمكان فكيف نناقشه؟ يوجد على الأرض من ادّعى مُلك الأرض والبحار والمكان لكن لم يوجد أحد ادّعى ملك الزمانوالله تعالى ملِك الزمان نحن نقرأ في سورة الفاتحة (مالك يوم الدين) فالذي ملَك الزمان هو الله تعالى هو الذي أسرى بمحمد r وهو خالق الزمان فكيف نتحدث عن الزمان؟ صفة الله تعالى أن يقول للشيئ كن فيكون أما نحن إذا أردنا شيئاً نحتاج لزمن حتى يتم الحدث والفعل لكن عندما ننسب القضية إلى الله تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وهي تعني أن الشيء موجود قبل إرادة الله تعالى لها لأن الله تعالى ليس عنده زمن والدليل من الآية أنه قال (يقول له) ولم يقل يقول عنه (عنه نستعملها إذا لم يكن الشيء موجوداً). : كُن تعني إظهار الشيء لنا نحن لنراه لكنه هو موجود عند الله تعالى فلا زمن للفعل عند الله تعالى ولا يجوز لنا أن نتكلم عن الساعات والدقائق لأن هذه الرحلة قائمة بقدر الله تعالى وبقول الله (كُن). ومحمد r هنا عبدٌ لا يملك إلا التنفيذ.
يسأل المقدّم عن حادثة شق الصدر وهل لها علاقة بالإسراء والعروج وهل كلن العروج من المسجد الأقصى أو من هرَم خوفو في الجيزة ؟
حادثة شق الصدر:
حادثة شق الصدر فيها أكثر من حدث. منهم من يقول أنها وقعت والرسول r عند حليمة السعدية وحدثت قبل الاسراء والعروج وأنا شخصياً لا أدخل في خلاف الأحاديث وأقول أنه وارد أن تكون حدثت في ذلك الوقت أو غيره فالحادثة لها معنى بالمدلول والحادثة هي أن الرسول r جاءه ثلاثة نفر فشقوا عن قلبه وأخرجوه فغسلوه بطبق من ذهب بماء زمزم وفي رواية أنهم رفعوا منه نُكتَة سوداء ولكني شخصياً لا آخذ بها لأن اله تعالى يعلم أن محمداً سيكون رسوله . المهم من القضية أن آخذ مدلولها ولا يهم إن كانت حدثت وهو طفل أو قبل البعثة أو قبل الاسراء والمدلول من الحادثة أنه قبل كل عمل ضخم يحتاج محمد r أن يذكّر الأمّة أنها تحتاج إلى تطهير معيّن قبل أن تُقدِم على العمل. الرسول r حدثت له حادثة شق الصدر لأنه رسول وله معجزات وحدوثها قبل الاسراء لأن الرسول r سيذهب في رحلة أرضية وأخرى سماوية للقاء رب العالمين فلا بد أنه يحتاج لتغيير فيزيولوجي حتى يُبصِر المرائي واستيعابها وحتى يلقى الله تعالى ويراه. نأخذ المدلول من شق الصدر مع الإسراء والعروج النتهت بفرض الصلاة فالرسول r احتاج إلى تطهير معيّن ليتلقّى فرض الصلاة ونحن نحتاج لتطهير معيّن لنقيم الصلاة والوضوء يطهّر من كل الذنوب قبل أن تلقى الله تعالى في الصلاة وأنا آخذ المدلول وأعرف المعنى من الوضوء والله تعالى يبيّن لنا قيمة الوضوء بأن شرَع التيمم حتى يلفت نزرنا إلى أن الوضوء ليس نظافة ولكن طهارة (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة). فنحن نأخذ كما قلنا من حادثة شق الصدر العبرة والأسوة حتى نتعلم أننا نحتاج للتطهير قبل أن نلفى الله تعالى. والرسول r تقع عليه معجزات أما نحن فعلينا أن نطهّر قلوبنا بأيدينا وأذكر قصة الأعرابي الذي بشّره الرسول بالجنة فذهب إليه أحد الصحابة وبقي معه ثلاثة أيام يراقبه ماذا يفعل حتى استحق الجنة فلم يجده يفعل شيئاً خاصاً فلما سأله أجابه الأعرابي : ساعة أنام لا أحمِل في قلبي غِلاّ لأحد.
إذن أنا آخذ مدلول المعنى في حادثة شق الصدر وأنها على مُراد الله تعالى في محمد r وعلى أن الرسول r أسوة لنا (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) فإذا أردت أن تذهب إلى الصلاة التي فُرِضت في العروج والاسراء قبل العروج وشق الصدر قبل الاسراء فعليك أن تطهّر قلبك وبدََنك قبل أن تقف بين يدي الله تعالى فما بالكم في رجل يقف في الصلاة ويسرح ويخطط بالاعتداء على آخر؟؟
ردّ على نظرية الدكتور مراد الدش في العروج من هرم خوفو
السؤال الثاني حول ما جاء في كتاب للدكتور مراد الدش وهو باحث قضى ثلاثين عاماً في الهندسة الانشائية وترميم التربة وله دراسات في مقارنة الأديان وربط الأبحاث الجيولوجية بمقارنات في التوراة والانجيل والتاريخ الفرعوني وينتصر لأحد الآراء الثلاثة إن رأى لها دليل في القرآن ودخل في موضوع الفلك وغيره واكتشافاته أثارت ضجة شديدة ومن هذه الاكتشافات أنه قال أن العروج كان من فوق هرم خوفو الأكبر وأن الذي بنى الهرم هو ادريس u وليس خوفو والذي أكمل البناء قوم عاد وثمود وأن الواد المقدس طوى ليس في سيناء ولكنه في الأزهر .
هذا الكلام لا محل له من الصواب ومع احترامنا للدكتور مراد كباحث كنا نتمنى لو بحث في شيء آخر يعود على المسلمين بالمنفعة والفائدة. حتى غير المسلمين لا يقبلوا هذا الكلام وهو أمر مضحك وكلام لا أساس له من الصحة. للدكتور أن يبحث لكني آخذ عليه أنه قال (وصلنا إلى كذا وأثبتنا كذا) وهذا كلام مُرسَل فمن الذي وصل وأثبت؟ وبمَ أثبت؟ هو يقول أن آثار قدم رسول الله r على الهرم من فوق وهذا كلام لا أصل له وأنا لا أُثني على هذا البحث وهذا الجهد ولم أقتنع أبداً بالدلائل العلمية التي جاء بها.
سؤال: سأل أحد المشاهدين أن الرسول r كلن يركب البُراق في رحلة الاسراء والعروج وسرعة البُراق فظيعة (حافره عند مدى البصر) والرسول r كلن المطلوب أن يرى المرائي والمرائي ستمر بنفس السرعة فكيف استطاع أن يراها ؟ ثم إن الرسول r في مسألة لقاء الرسول بموسى ومسألة التخفيف في عدد ركعات الصلاة نلاحظ أن الرسول r ذهب تسعة أشواط حتى خُففت الصلاة من خمسين إلة خمسة ثم يقال أن الرسول r استحيا أن يرجع ثانية فهل يذهب تسعة أشواط ثم يستحي في آخر مرة ونحن نعلم أن الرسول r كان فيه من الحياء أكثر من العذراء في خِدرها؟
الجواب: السؤالان مهمان جداً وأنا كنت مثل هذا الأخ السائل ثم جمعت الموضوع بحذافيره. مسألة البُراق أولاً ما معنى أن مسألة الاسراء والعروج جرت على مقتضى العادة بتطبيق العادة؟ الاسراء رحلة خارقة للعادة ومحمد r بشر (إنما أنا بشر مثلكم) والتمييز له (يوحى إليّ) التركيبة البشرية مع أنه رسول نبي ومع أنه يعرف أنها رحلة تكريم تجمع بين خرق العادة والجري على العادة معاً.
لماذا سُمّي البُراق؟ البُراق كلمة لها معاني مختلفة تأتي بمعنى شديد البياض مع مخالطة البياص بسواد أو تأتي من البرق أي من السرعة. والبديع أن كلمة سبحان نفسها تعني السرعة لأن السبح هو المشي في الماء بسرعة فكأن الرحلة تحتاج لسرعة معينة.
أقف عند كلمة البراق أولاً خُذ العادة وخرق العادة بالتشبيه: إذا أراد ملِك في الدنيا أن يٌرسل لشخص فهو يُرسِل له بمركوب حتى يأتيه فما بالك بملك الملوك وقدر الرسول r؟ فعلى قدر الملك والمُستدعى يكون الركوب والمركوب فما بالك برب الملوك وبرسول الله r فكان يجب أن يكون البُراق. قال رسول الله r " أُتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل ، يضع حافره عند منتهى طرفه " وهذا الوصف ليس الزامياً لكن الرسول r يصف بما يعرفه الناس وخلال رحلته كان يرى من المرائي ما قال فيه لا يستطيع أحد أن يصفه. فهو إذن وصف يقابل مفهوم الناس في ذلك الزمان. وسؤال الأخ السائل سؤال وجيه توجد سرعة ورؤية والذي يسّر كل هذا يستطيع أن يجعل البراق يهدأ في الأماكن التي فيها المرائي فيراها الرسول r ثم يُكمل البراق مسيرته. السرعة هنا الغرض منها تقريب المسألة عند المستمع لأنه علينا أن لا ننسى أن الناس في حينها كان الحمار لديهم يوازي النفاثة والحصان هو الذي يخترق جدار الصوت واعتراضهم في ذلك الحين له وجه والصدّيق أبو بكر ردّ عليهم بما يؤيّد كلامهم لأنهم عندما أخبروه بما قاله الرسول r في الرحلة ردّ عليهم بالحق عن الحق "إن كان محمد قد قال فقد صدق" بمعنى أن كلامكم فعلاً لا يُصدّق إلا إذا كان محمد قاله ولو أن أي شخص آخر قاله لما صدّقناه. لكن الذي أخبر بهذا الأمر الصادق الأمين r وليس مسيلمة الكذّاب مثلاً. والصدّيق لم يقف عند المرائي ولكنه وقف عند من قال هذه المرائي ومن تحدث عن الحادثة؟ إن كان محمد فقد صدق. فالبراق إذن يقف ليرى رسول الله r المرائي التي شاء الله تعالى له أن يراها ثم يستمر مرة أخرى في سرعته وهكذا.
أما بالنسبة للصلاة فإن استيقاف موسى u للرسول r في أمر الصلاة والحديث له أكثر من رواية منها ما يقول أنه كان يحطُّ في كل كرة عشراً ومنهم من قال أنه يحط خمساً وفي رواية أنه حطّ النصف في أول مراجعة والروايت مختلفة في هذا الموضوع. وسؤال الأخ عن ذهاب الرسول تسعة أشواط ثم استحياؤه في المرة الأخيرة هذا كلام حق لكن علينا أن نستوعب القضية في استيقاف موسى u ولماذا موسى وليس ابراهيم مع أن ابراهيم أولى بمحمد ومحمد أولى بابراهيم (وهنا أتمنى أن نأخذ الحديث من مسلم أو البخاري وبعض روايات الإمام أحمد حتى نخرج من الاسرائيليات ومن الخرافات والحكايات) لكن ما حدث من موسى u يوضح شيئاً مهماً للأمة كلها وهي أن الأنبياء والمرسلين يتّحدون على طاعة الله تعالى وموسى يقول لمحمد r خبرته مع بني اسرائيل ويتكلم بصدق أنه حين كلّفهم بأقل من ذلك رفضوا واعترضوا ولم يفعلوه فما بالك بأمة آخر الزمان أمة محمد r وهي أضعف الأمم؟ لكن لا يستطيع أحد أن يقول أن ابراهيم u لم ينصح محمداً r لأنه فعل وفي الأحاديث أن ابراهيم u قال له "يا محمد يا بُنيّ إتك لاقٍ ربك فاجعل أغلب ما لك لأمتك"
وصدّق رسول الله r هذه الوصية في حديث صحيح إن الله تعالى شرّفه وكرّمه بأمته أن وعده أن سبعين ألفاً من أمته في الجنة بغير حساب فاستزدت ربي فزاد مع كل واحد من السبعين ألفاً سبعين ألفا. وهذا دليل أن محمد r عمل بوصية ابراهيم u. أما موسى فقد تكلّم من خبرته مع بني اسرائيل والحديث أن الرسول r التقى في كل سماء بعدد من الأنبياء في السماء الأولى التقى بآدم u فسلّم عليه ودعا له بالخير وفي الثانية التقى أبناء الخالة يحيى وعيسى عليهما السلام فرحّبا به ودعوا له بالخير وفي الثالثة التقى بيوسف u ووصفه الرسول r بأنه أُوتي شكر الحسن وفي الحديث أن يوسف أُوتي شكر الحسن أما محمد فقد أوتي الحسن كلّه، وفي السماء الرابعة التقى ادريس r الذي قال تعالى فيه (ورفعناه مكاناً عليّا) فإذا تجاوزه محمد r فهو أعلى من المكان العليّ وفي الخامسة التقى هارون وسلم عليه ودعا له بالخير وفي السادسة التقى موسى u ودعا له بالخير ودعا له دعاء خاصاً لأن موسى u له تجربة قاسية مع بني اسرائيل وهو فشل معهم وهذا الكلام يجب أن يُفهم وهو ليس من الاسرائيليات وفي السابعة التقى ابراهيم u ودعا له بالخير. وفي كل لقاء نأخذ ملمحاً ومشهداً وعبرة فعندما أسمع أن ابراهيم رَكَن ظهره للبيت المعمور نأخذ منه على أنه يجوز أن نجلس وظهرنا للكعبة وهذا ما قاله علماء الحديث لكن من الأفضل أن نجلس في اتجاه القبلة فهناك فاضل وهناك أفضل.
أما حينما وصل الى سدرة المنتهى فلما غشّاها الله ما غشّى قال أصبحت بعد هذا على هيئة لا يستطيع مخلوق أن يصفها. والمقصود بالغشية هنا التغطية بكل شيء و قوله تعالى (فغشّاها ما غشّى) استعمال (ما) المبهمة تعني أي شيء ، ما يغشى أنوار جائز، كثرة الملائكة جائز، شكلها وبهاؤها وسطوعها جائز وكله محتمل والقرآن الكريم يؤكّد أن شكلها أبدع من أن يقع عليه النظر فيُطمئنك أن محمداٍ r ما زاغ بصره وما طغى في هذا الموقف فكأن أي شخص آخر غيره كان زاغ بصره.
أما رؤية الرسول r لله تعالى فهي مسألة فيها خلاف فالسيدة عائشة رضي الله عنها على رأس فريق يقولون أنه لم يرى الله تعالى وابن عباس رضي الله عنه على رأس فريق آخر يقولون أنه رآه ونحن إن شاء الله سنوفّق بين الحديثين لأننا لا يمكن لنا أن نستبعد أحدهما.
الثابت أن الاسراء حادثة أرضية خرج بها الرسول r من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وليس من هرم خوفو ولا غيره وهذا خيال علمي بحت وكلام فارغ وكنت أريد من الدكتور مراد أن يربأ بالاسلام عن هذا فهو قد كتب 15 كتاباً ليس فيها شيء من الصحة ثم يقول أيضاً أن جنة آدم هي جنة عدن ونحن نعلم أن عدن كلمة لا توصف بها إلا جنات ولا توصف بها جنة وكلمة عدن تعني الاقامة والقرار . وأكرر أننا نقدّر الدكتور لكني أتمنى أن يبحث في شيء يفيد ويخدم الاسلام وهذا ابتلاء من ابتلاءات الله تعالى وعلينا أن نقف يداً واحدة لإعلاء الاسلام والمسلم كيّس فطن يعرف بم يبحث ولِمَ يبحث وعمّ يبحث فنسأل الله السلامة.
التزكيات والتشريفات لرسول الله r في رحلة الاسراء والعروج:
الله تعالى زكّى رسوله r تزكية عالية جداً جملة وتفصيلاً زكّى كل عضو من أعضاء الرسول r ليوضح لنا أن محمداً بشر لكنه بشر رسول فزكّى عقله وزكّاه بالعبودية لله وزكّى فؤاده وزكّاه أن تجادله وتناقشه في هذه القضية وغيرها وزكّى بصره وزكّى رؤيته وزكّاه كله (وإنك لعلى خلق عظيم) هذه التزكية لها عِلّة في الحادثة (سبحان الذي أسرى بعبده) الاسراء حدث على الأرض ويقولون أن الله تعالى لم يذكر المعراج بصراحة فلم يقل سبحان الذي عرج بعبده ونقول أن الاسراء حادثة أرضية فتحدّث عنه الله تعالى بصراحة في أول سورة الاسراء أما العروج فهو حادثة في السماء وكلها غيبيات فجاء الكلام عنها التزاماً ولنظروا إلى القسم في أولئل سورة النجم (والنجم إذا هوى) مكان النجم السماء والعروج مكانه السماء فكأن النجم مجاز عن مجاز (العروج) فالنجم يتحدث بالتزام عن العروج لان الرسول r اتُّهِم بأنه يقول كلاماً غير صحيح والواقع أن الرسول r أعلى مما يظنّون وحتى الذين يسلمون له لا يعرفون قيمته ويجب على المسلمين أخذ العبرة في حادثة الاسراء والعروج ولماذا حدثت؟ الله تعالى كلّفنا بالصيام والحج والزكاة بعد الشهادة على الأرض فلما كلّفنا بالصلاة استدعى رسوله إليه ليكون في مقام القُرب لأن أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد كما في الحديث الشريف. فكأن الله تعالى استدعى رسول r ليقول له إذا أردت أن تقترب مني فعليك بالصلاة وصدق الله العظيم (كلا لا تطعه واسجد واقترب) فإذا سجدت لله تعالى فأنت اقتربت كما اقترب محمد r من ربه ساعة فرض الصلاة عليه فليس عبثاً وإنما هي عن حكمة بالغة أن تحدث حادثة الاسراء والعروج حتى تكلّف الأمة بالصلاة التي هي الصلة بين العبد وبين الله تعالى.
وانظروا الآن إلى حال المسلمين في الصلاة هل نصلي كما علّمنا الرسول r كما أمرنا الله تعالى؟ عندنا آيتين في القرآن لا يعمل بها المسلمون منها كلمة أقيموا وأقاموا التي تأمرنا بحضور الجماعات والالتزام بها والثانية (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) والبعض يترك كل الوقت ولا يصلي إلا قبل دخول الوقت الثاني بخمس أو عشر دقائق ولكلّ مدينة مواقيت خاصة بها فمواقيت الصلاة في القاهرة غيرها في الاسكندرية وغيرها في ليبيا وهكذا. والقوت الذي بين الصلوات ليس لنا إنما أين نكون نحن؟ نصلّي حسب المكان الذي نحن فيه ونصلي في وقت الصلاة عندما يدخل وقت الصلاة قد نعطي نصف ساعة مثلاً للوضوء وإقامة الصلاة لكن أن نؤخر الصلاة عن وقتها عمداً فهذا غير مقبول. البعض يقول أنا أسرح في الصلاة منقول له لو أحسنت الوضوء لأحسنت الصلاة. ولنتذكر حادثة شق الصدر وكيف أنها كانت تهيئة وتطهير للرسول r قبل لقاء ربه ونحن أيضاً عندما نذهب إلى الصلاة علينا أن نتوضأ ويجب أن ننصح الأمة كلها بالمحافظة على الوضوء أنه لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن فالمؤمن يعيش على وضوء سواء يصلي أو لا وهو يعلم أنه ساعة كون على وضوء تحفّه الملائكة. علينا أن نعلم أن حادثة شق الصدر حدثت حتى يعلّمنا الله تعالى أننا إذا أردنا أن نلتقي به علينا أن نطهّر أنفسنا. فالرسول r خرج لمهمة عالية جداً (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) وفي سورة النجم (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) كأن المهمة نجحت والرسول r حظي بالمنزلة الرفيعة العالية.
أما لقاء الرسول r بالأنبياء وارتقاؤه عليهم لها مدلول فهو كلما التقى رسول ارتقاه من آدم إلى ابراهيم وإمامته r للأنبياء ما هي إلا إعلان من الله تعالى بالتسليم لمحمد r كأن الأنبياء قد نصحوا الأمم ثم جاء الوقت ليُعِلنوا هم تسليمهم وإسلامهم وراء محمد r مصداقاً لقوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) وسنشرح هذه الآية إن شاء الله في الحلقة القادمة لأنها تؤيّد إمامة الرسول r للأنبياء. ومهما اختلفت الأحاديث يتضح للمسلم الواعي أن يصل إلى مُراد الله تعالى من هذه الواقعة الجلل.
لماذا لم يستطع جبريل أن يتقدم بينما تقدم الرسول r؟
لكا مخلوق لله مقام لا يستطيع أحد أن يتجاوزه الأنبياء لهم مقام والملائكة لهم مقام والرسل لهم مقام فإذا صحّ الحديث (لأن السند فيه عِلّة) فله شاهد أن الرسول r وصل إلى سدرة المنتهى وكرسي العرش وجبريل لم يستطع أن يصل كما قال في القرآن (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) الصافات). وفي الروايات في صحيح البخاري ومسلم أن جبريل كان يستفتح عند كل سماء فيسأله أهل تلك السماء من أنت فيقول جبريل فيسألونه من معك؟ فيقول محمد فيقولون أوبعث؟ وهذا اختراق من السماوات يحتاج لإذن ويحتاج لأن يكون الله تعالى قد بعث إليه.
وفي ختام الحلقة أعاد الدكتور دعاء الرسول r الذي دعا به في الطائف.